تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله - الصفحة 12 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         وما أدراك ما ناشئة الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          كف الأذى عن المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          انشراح الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          فضل آية الكرسي وتفسيرها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          المسارعة في الخيرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          أمة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الصحبة وآدابها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          البلاغة والفصاحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          مختارات من كتاب " الكامل في التاريخ " لابن الأثير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          ماذا لو حضرت الأخلاق؟ وماذا لو غابت ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #111  
قديم 10-03-2021, 11:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (96)
- تفسير البغوى
الجزء الثانى
سُورَةِ النِّسَاءِ

الاية 61 إلى الاية69


( وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا ( 61 ) فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا ( 62 ) )

( وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا ) أي : يعرضون عنك إعراضا .

( فكيف إذا أصابتهم مصيبة ) هذا وعيد ، أي : فكيف يصنعون إذا أصابتهم مصيبة ، ( بما قدمت أيديهم ) يعني : عقوبة صدودهم ، وقيل : هي كل مصيبة تصيب جميع المنافقين في الدنيا [ ص: 244 ] والآخرة ، وتم الكلام هاهنا ، ثم عاد الكلام إلى ما سبق ، يخبر عن فعلهم فقال : ( ثم جاءوك ) يعني : يتحاكمون إلى الطاغوت ، ( ثم جاءوك ) [ يحيونك ويحلفون ] .

وقيل : أراد بالمصيبة قتل عمر رضي الله عنه المنافق ، ثم جاءوا يطلبون ديته ، ( يحلفون بالله إن أردنا ) ما أردنا بالعدول عنه في المحاكمة أو بالترافع إلى عمر ، ( إلا إحسانا وتوفيقا ) قال الكلبي : إلا إحسانا في القول ، وتوفيقا : صوابا ، وقال ابن كيسان : حقا وعدلا نظيره : ليحلفن إن أردنا إلا الحسنى ، وقيل : هو إحسان بعضهم إلى بعض ، وقيل : هو تقريب الأمر من الحق ، لا القضاء على أمر الحكم ، والتوفيق : هو موافقة الحق ، وقيل : هو التأليف والجمع بين الخصمين .
( أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا ( 63 ) وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ( 64 ) فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ( 65 ) )

( أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم ) من النفاق ، أي : علم أن ما في قلوبهم خلاف ما في ألسنتهم ، ( فأعرض عنهم ) أي : عن عقوبتهم وقيل : فأعرض عن قبول عذرهم وعظهم باللسان ، وقل لهم قولا بليغا ، وقيل : هو التخويف بالله ، وقيل : أن توعدهم بالقتل إن لم يتوبوا ، قال الحسن : القول البليغ أن يقول لهم : إن أظهرتم ما في قلوبكم من النفاق قتلتم لأنه يبلغ من نفوسهم كل مبلغ ، وقال الضحاك : ( فأعرض عنهم وعظهم ) في الملإ ( وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا ) في السر والخلاء ، وقال : قيل هذا منسوخ بآية القتال .

قوله عز وجل ( وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ) أي : بأمر الله لأن طاعة الرسول وجبت بأمر الله ، قال الزجاج : ليطاع بإذن الله لأن الله قد أذن فيه وأمر به ، وقيل : إلا ليطاع كلام تام كاف ، بإذن الله تعالى أي : بعلم الله وقضائه ، أي : وقوع طاعته يكون بإذن الله ، ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم ) بتحاكمهم إلى الطاغوت ( جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما )

قوله تعالى : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك ) الآية . [ ص: 245 ]

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا أبو اليمان ، أنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرني عروة بن الزبير : أن الزبير رضي الله عنه كان يحدث أنه خاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدرا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج من الحرة كانا يسقيان به . كلاهما ، فقال رسول الله للزبير : اسق يا زبير ، ثم أرسل إلى جارك ، فغضب الأنصاري ، ثم قال : يا رسول الله أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال للزبير : اسق ثم احبس الماء حتى يبلغ الجدر ، فاستوعى رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ للزبير حقه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد به سعة له وللأنصاري ، فلما أحفظ الأنصاري رسول الله صلى الله عليه وسلم استوعى للزبير حقه في صريح الحكم .

قال عروة : قال الزبير : والله ما أحسب هذه الآية إلا نزلت في ذلك ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ) الآية .

وروي أن الأنصاري الذي خاصم الزبير كان اسمه حاطب بن أبي بلتعة فلما خرجا مر على المقداد فقال : لمن كان القضاء ، فقال الأنصاري : قضى لابن عمته ولوى شدقه ففطن له يهودي كان مع المقداد ، فقال : قاتل الله هؤلاء يشهدون أنه رسول الله ثم يتهمونه في قضاء يقضي بينهم ، وايم الله لقد أذنبنا ذنبا مرة في حياة موسى عليه السلام فدعا موسى إلى التوبة منه ، فقال : اقتلوا أنفسكم ففعلنا فبلغ قتلانا سبعين ألفا في طاعة ربنا حتى رضي عنا ، فقال ثابت بن قيس بن شماس : أما والله إن الله ليعلم مني الصدق ولو أمرني محمد أن أقتل نفسي لفعلت ، فأنزل الله في شأن حاطب بن أبي بلتعة : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك ) .

وقال مجاهد والشعبي : نزلت في بشر المنافق واليهودي اللذين اختصما إلى عمر رضي الله عنه .

قوله تعالى : ( فلا ) أي : ليس الأمر كما يزعمون أنهم مؤمنون ثم لا يرضون بحكمك ، ثم استأنف [ ص: 246 ] القسم ( وربك لا يؤمنون ) ويجوز أن يكون ( لا ) في قوله ( فلا ) صلة ، كما في قوله ( فلا أقسم ) حتى يحكموك : أي يجعلوك حكما ، ( فيما شجر بينهم ) أي : اختلف واختلط من أمورهم والتبس عليهم حكمه ، ومنه الشجر لالتفاف أغصانه بعضها ببعض ، ( ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا ) قال مجاهد : شكا ، وقال غيره : ضيقا ، ( مما قضيت ) قال الضحاك : إثما ، أي : يأثمون بإنكارهم ما قضيت ، ( ويسلموا تسليما ) أي : وينقادوا لأمرك انقيادا .
( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا ( 66 ) وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما ( 67 ) ولهديناهم صراطا مستقيما ( 68 ) ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ( 69 ) )

قوله تعالى : ( ولو أنا كتبنا ) أي : فرضنا وأوجبنا ، ( عليهم أن اقتلوا أنفسكم ) كما أمرنا بني إسرائيل ( أو اخرجوا من دياركم ) كما أمرنا بني إسرائيل بالخروج من مصر ، ( ما فعلوه ) معناه : أنا ما كتبنا عليهم إلا طاعة الرسول والرضى بحكمه ، ولو كتبنا عليهم القتل والخروج عن الدور ما كان يفعله ، ( إلا قليل منهم ) نزلت في ثابت بن قيس وهو من القليل الذي استثنى الله ، قال الحسن ومقاتل لما نزلت هذه الآية قال عمر وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم القليل ، والله لو أمرنا لفعلنا والحمد لله الذي عافانا ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " إن من أمتي لرجالا الإيمان في قلوبهم أثبت من الجبال الرواسي " .

قرأ ابن عامر وأهل الشام ( إلا قليلا ) بالنصب على الاستثناء ، وكذلك هو في مصحف أهل الشام ، وقيل : فيه إضمار ، تقديره : إلا أن يكون قليلا منهم ، وقرأ الآخرون قليل بالرفع على الضمير الفاعل في قوله ( فعلوه ) تقديره : إلا نفر قليل فعلوه ، ( ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به ) من طاعة الرسول والرضى بحكمه ، ( لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا ) تحقيقا وتصديقا لإيمانهم .

( وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما ) ثوابا وافرا .

( ولهديناهم صراطا مستقيما ) أي : إلى الصراط المستقيم . [ ص: 247 ]

قوله تعالى : ( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين ) الآية ، نزلت في ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شديد الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم قليل الصبر عنه ، فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه يعرف الحزن في وجهه ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما غير لونك " ؟ فقال : يا رسول الله ما بي مرض ولا وجع غير أني إذا لم أرك استوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك ، ثم ذكرت الآخرة فأخاف أن لا أراك لأنك ترفع مع النبيين ، وإني إن دخلت الجنة كنت في منزلة أدنى من منزلتك ، وإن لم أدخل الجنة لا أراك أبدا ، فنزلت هذه الآية .

وقال قتادة : قال بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : كيف يكون الحال في الجنة وأنت في الدرجات العلى ونحن أسفل منك؟ فكيف نراك؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية .

( ومن يطع الله ) في أداء الفرائض ، ( والرسول ) في السنن ( فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين ) أي لا تفوتهم رؤية الأنبياء ومجالستهم لا أنهم يرفعون إلى درجة الأنبياء ، ( والصديقين ) وهم أفاضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، والصديق المبالغ في الصدق ، ( والشهداء ) قيل : هم الذين استشهدوا في يوم أحد ، وقيل : الذين استشهدوا في سبيل الله ، وقال عكرمة : النبيون هاهنا : محمد صلى الله عليه وسلم والصديقون أبو بكر ، والشهداء عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ، ( والصالحين ) سائر الصحابة رضي الله عنهم ، ( وحسن أولئك رفيقا ) يعني : رفقاء الجنة ، والعرب تضع الواحد موضع الجمع ، كقوله تعالى : ( ثم نخرجكم طفلا ) ( غافر - 67 ) أي : أطفالا ( ويولون الدبر ) أي : الأدبار .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أبو محمد الحسن بن أحمد المخلدي ، أنا أبو العباس السراج ، أنا قتيبة بن سعد ، أنا حماد بن زيد ، عن ثابت ، عن أنس أن رجلا قال : يا رسول الله الرجل يحب قوما ولما يلحق بهم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " المرء مع من أحب " .

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي وأبو عمرو محمد بن عبد الرحمن النسوي قالا أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري ، أنا أبو العباس الأصم ، أنا أبو يحيى زكريا بن يحيى المروزي ، أنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رجل : يا رسول الله متى الساعة؟ قال : " وما أعددت لها " ؟ قال : فلم يذكر كثيرا ، إلا أنه يحب الله ورسوله قال : " فأنت مع من أحببت " .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #112  
قديم 10-03-2021, 11:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (97)
- تفسير البغوى
الجزء الثانى
سُورَةِ النِّسَاءِ

الاية 70 إلى الاية77


( ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما ( 70 ) يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا ( 71 ) وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا ( 72 ) )

( ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما ) أي : بثواب الآخرة ، وقيل : بمن أطاع رسول الله وأحبه ، وفيه بيان أنهم لن ينالوا تلك الدرجة بطاعتهم ، وإنما نالوها بفضل الله عز وجل .

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، أنا حاجب بن أحمد الطوسي ، أنا عبد الرحيم بن منيب ، أنا يعلى بن عبيد ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قاربوا وسددوا واعلموا أنه لا ينجو أحد منكم بعمله " ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : " ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل " .

قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم ) من عدوكم ، أي : عدتكم وآلتكم من السلاح ، والحذر والحذر واحد ، كالمثل والمثل والشبه والشبه ، ( فانفروا ) اخرجوا ( ثبات ) أي : سرايا متفرقين سرية بعد سرية ، والثبات جماعات في تفرقة واحدتها ثبة ، ( أو انفروا جميعا ) أي : مجتمعين كلكم مع النبي صلى الله عليه وسلم .

قوله تعالى : ( وإن منكم لمن ليبطئن ) نزلت في المنافقين

وإنما قال ( منكم ) لاجتماعهم مع أهل الإيمان في الجنسية والنسب وإظهار الإسلام ، لا في حقيقة الإيمان ، ( ليبطئن ) أي : ليتأخرن ، وليتثاقلن عن الجهاد ، وهو عبد الله بن أبي المنافق ، واللام في ( ليبطئن ) لام القسم ، والتبطئة : التأخر عن الأمر ، يقال : ما أبطأ بك؟ أي : ما أخرك عنا؟ ويقال : أبطأ إبطاء وبطأ يبطئ تبطئة . ( فإن أصابتكم مصيبة ) أي : قتل وهزيمة ، ( قال قد أنعم الله علي ) بالقعود ، ( إذ لم أكن معهم شهيدا ) أي : حاضرا في تلك الغزاة فيصيبني ما أصابهم .
( ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما ( 73 ) فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما ( 74 ) )

( ولئن أصابكم فضل من الله ) فتح وغنيمة ( ليقولن ) هذا المنافق ، وفيه تقديم وتأخير ، وقوله ( كأن لم تكن بينكم وبينه مودة ) متصل بقوله ( فإن أصابتكم مصيبة ) تقديره : فإن أصابتكم مصيبة قال : قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا ، كأن لم تكن بينكم وبينه مودة أي : معرفة .

قرأ ابن كثير وحفص ويعقوب ( تكن ) بالتاء ، والباقون بالياء ، أي : ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن : ( يا ليتني كنت معهم ) في تلك الغزاة ، ( فأفوز فوزا عظيما ) أي : آخذ نصيبا وافرا من الغنيمة ، وقوله ( فأفوز ) نصب على جواب التمني بالفاء ، كما تقول : وددت أن أقوم فيتبعني الناس .

قوله تعالى : ( فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ) قيل : نزلت في المنافقين ، ومعنى يشرون أي : يشترون ، يعني الذين يختارون الدنيا على الآخرة ، معناه : آمنوا ثم قاتلوا ، وقيل : نزلت في المؤمنين المخلصين ، معناه فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون أي : يبيعون الحياة الدنيا بالآخرة ويختارون الآخرة ( ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل ) يعني يستشهد ، ( أو يغلب ) يظفر ، ( فسوف نؤتيه ) في كلا الوجهين ( أجرا عظيما ) ويدغم أبو عمرو والكسائي الباء في الفاء حيث كان .

أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي ، أنا زاهر بن أحمد ، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلمته أن يدخله الجنة أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر أو غنيمة " .

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي ، أنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني ، أنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر الجوهري ، أنا أحمد بن علي الكشميهني أنا علي بن حجر ، أنا إسماعيل بن جعفر ، أنا محمد بن عمرو بن علقمة ، عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مثل المجاهد [ ص: 250 ] في سبيل الله كمثل القانت الصائم الذي لا يفتر من صلاة ولا صيام حتى يرجعه الله إلى أهله بما يرجعه من غنيمة وأجر ، أو يتوفاه فيدخله الجنة " .
( وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا ( 75 ) الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا ( 76 ) ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا ( 77 ) )

قوله تعالى : ( وما لكم لا تقاتلون ) لا تجاهدون ( في سبيل الله ) في طاعة الله ، يعاتبهم على ترك الجهاد ، ( والمستضعفين ) أي : عن المستضعفين ، وقال ابن شهاب : في سبيل المستضعفين لتخليصهم ، وقيل : في تخليص المستضعفين من أيدي المشركين ، وكان بمكة جماعة ، ( من الرجال والنساء والولدان ) يلقون من المشركين أذى كثيرا ، ( الذين ) يدعون و ( يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها ) يعني : مكة ، الظالم أي : المشرك ، أهلها يعني القرية التي من صفتها أن أهلها مشركون ، وإنما خفض ( الظالم ) لأنه نعت للأهل ، فلما عاد الأهل إلى القرية صار كأن الفعل لها ، كما يقال مررت برجل حسنه عينه ، ( واجعل لنا من لدنك وليا ) أي : من يلي أمرنا ، ( واجعل لنا من لدنك نصيرا ) أي : من يمنع العدو عنا ، فاستجاب الله دعوتهم ، فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ولى عليهم عتاب بن أسيد وجعله الله لهم نصيرا ينصف المظلومين من الظالمين .

قوله تعالى : ( الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله ) أي : في طاعته ، ( والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت ) أي : في طاعة الشيطان ، ( فقاتلوا ) أيها المؤمنون ( أولياء الشيطان ) أي : حزبه وجنوده وهم الكفار ، ( إن كيد الشيطان ) مكره ، ( كان ضعيفا ) كما فعل يوم بدر لما رأى الملائكة خاف أن يأخذوه فهرب وخذلهم .

قوله تعالى : ( ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم ) الآية ، قال الكلبي : نزلت في عبد الرحمن بن عوف الزهري ، والمقداد بن الأسود الكندي ، وقدامة بن مظعون الجمحي ، وسعد بن أبي وقاص ، [ ص: 251 ] وجماعة كانوا يلقون من المشركين بمكة أذى كثيرا قبل أن يهاجروا ، ويقولون : يا رسول الله ائذن لنا في قتالهم فإنهم قد آذونا ، فيقول لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كفوا أيديكم فإني لم أؤمر بقتالهم " .

( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) فلما هاجروا إلى المدينة وأمرهم الله بقتال المشركين شق ذلك على بعضهم ، قال الله تعالى : ( فلما كتب ) فرض ، ( عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس ) يعني : يخشون مشركي مكة ، ( كخشية الله ) أي : كخشيتهم من الله ، ( أو أشد ) أكثر ، ( خشية ) وقيل : معناه وأشد خشية ، ( وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال ) الجهاد ( لولا ) هلا ( أخرتنا إلى أجل قريب ) يعني : الموت أي : هلا تركتنا حتى نموت بآجالنا؟ .

واختلفوا في هؤلاء الذين قالوا ذلك ، قيل : قاله قوم من المنافقين لأن قوله : ( لم كتبت علينا القتال ) لا يليق بالمؤمنين .

وقيل : قاله جماعة من المؤمنين لم يكونوا راسخين في العلم قالوه خوفا وجبنا لا اعتقادا ، ثم تابوا ، وأهل الإيمان يتفاضلون في الإيمان .

وقيل : هم قوم كانوا مؤمنين فلما فرض عليهم القتال نافقوا من الجبن وتخلفوا عن الجهاد ، ( قل ) يا محمد ، ( متاع الدنيا ) أي : منفعتها والاستمتاع بها ( قليل والآخرة ) أي : وثواب الآخرة خير وأفضل ، ( لمن اتقى ) الشرك ومعصية الرسول ، ( ولا تظلمون فتيلا ) قرأ ابن كثير وأبو جعفر وحمزة والكسائي بالياء والباقون تظلمون بالتاء .

أخبرنا أبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن ، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن معاوية الصيدلاني ، أخبرنا الأصم ، أنا عبد الله بن محمد بن شاكر ، أنا محمد بن بشر العبدي ، أنا مسعر بن كدام عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم ، حدثني المستورد بن شداد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم يرجع " .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #113  
قديم 10-03-2021, 11:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (98)
- تفسير البغوى
الجزء الثانى
سُورَةِ النِّسَاءِ

الاية 78 إلى الاية83


( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ( 78 ) ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا ( 79 ) )

قوله عز وجل : ( أينما تكونوا يدرككم الموت ) أي : ينزل بكم الموت ، نزلت في المنافقين الذين قالوا في قتلى أحد : لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ، فرد الله عليهم بقوله : ( أينما تكونوا يدرككم الموت ) ، ( ولو كنتم في بروج مشيدة ) والبروج : الحصون والقلاع ، والمشيدة : المرفوعة المطولة ، قال قتادة : معناه في قصور محصنة ، وقال عكرمة : مجصصة ، والشيد : الجص ، ( وإن تصبهم حسنة ) نزلت في اليهود والمنافقين ، وذلك أنهم قالوا لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة : ما زلنا نعرف النقص في ثمارنا ومزارعنا منذ قدم علينا هذا الرجل وأصحابه .

قال الله تعالى : ( وإن تصبهم ) يعني : اليهود ( حسنة ) أي خصب ورخص في السعر ، ( يقولوا هذه من عند الله ) لنا ، ( وإن تصبهم سيئة ) يعني : الجدب وغلاء الأسعار ( يقولوا هذه من عندك ) أي : من شؤم محمد وأصحابه ، وقيل : المراد بالحسنة الظفر والغنيمة يوم بدر ، وبالسيئة القتل والهزيمة يوم أحد ، يقولوا هذه من عندك أي : أنت الذي حملتنا عليه يا محمد ، فعلى هذا يكون هذا من قول المنافقين ، ( قل ) لهم يا محمد ، ( كل من عند الله ) أي : الحسنة والسيئة كلها من عند الله ، ثم عيرهم بالجهل فقال : ( فمال هؤلاء القوم ) يعني : المنافقين واليهود ، ( لا يكادون يفقهون حديثا ) أي : لا يفقهون قولا وقيل : الحديث هاهنا هو القرآن أي : لا يفقهون معاني القرآن .

قوله : ( فمال هؤلاء ) قال الفراء : كثرت في الكلام هذه الكلمة حتى توهموا أن اللام متصلة بها وأنهما حرف واحد ، ففصلوا اللام مما بعدها في بعضه ، ووصلوها في بعضه ، والاتصال القراءة ، ولا يجوز الوقف على اللام لأنها لام خافضة .

قوله عز وجل : ( ما أصابك من حسنة ) خير ونعمة ( فمن الله وما أصابك من سيئة ) بلية أو أمر تكرهه ، ( فمن نفسك ) أي : بذنوبك ، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد غيره ، نظيره قوله تعالى : وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ( الشورى - 30 ) ويتعلق أهل القدر بظاهر هذه الآية ، [ ص: 253 ] فقالوا : نفى الله تعالى السيئة عن نفسه ونسبها إلى العبد فقال : ( وما أصابك من سيئة فمن نفسك ) ولا متعلق لهم فيه ، لأنه ليس المراد من الآية حسنات الكسب ولا سيآته من الطاعات والمعاصي ، بل المراد منهم ما يصيبهم من النعم والمحن ، وذلك ليس من فعلهم بدليل أنه نسبها إلى غيرهم ولم ينسبها إليهم ، فقال : ( ما أصابك ) ولا يقال في الطاعة والمعصية أصابني ، إنما يقال : أصبتها ، ويقال في النعم : أصابني ، بدليل أنه لم يذكر عليه ثوابا ولا عقابا ، فهو كقوله تعالى ( فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ) ( الأعراف - 131 ) ، ولما ذكر حسنات الكسب وسيئاته نسبها إليه ، ووعد عليها الثواب والعقاب ، فقال ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها ) ( الأنعام - 160 ) .

وقيل : معنى الآية : ما أصابك من حسنة من النصر والظفر يوم بدر فمن الله ، أي : من فضل الله ، وما أصابك من سيئة من القتل والهزيمة يوم أحد فمن نفسك ، أي : بذنب نفسك من مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم .

فإن قيل كيف وجه الجمع بين قوله ( قل كل من عند الله ) وبين قوله ( فمن نفسك ) قيل : قوله ( قل كل من عند الله ) أي : الخصب والجدب والنصر والهزيمة كلها من عند الله ، وقوله : ( فمن نفسك ) أي : ما أصابك من سيئة من الله فبذنب نفسك عقوبة لك ، كما قال الله تعالى : وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ( الشورى - 30 ) يدل عليه ما روى مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنه قرأ ( وما أصابك من سيئة فمن نفسك ) وأنا كتبتها عليك .

وقال بعضهم : هذه الآية متصلة بما قبلها ، والقول فيه مضمر تقديره : فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ، يقولون : ( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ( قل كل من عند الله ) ( وأرسلناك ) يا محمد ( للناس رسولا وكفى بالله شهيدا ) على إرسالك وصدقك ، وقيل : وكفى بالله شهيدا على أن الحسنة والسيئة كلها من الله تعالى .
( من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا ( 80 ) )

قوله تعالى : ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : " من أطاعني فقد أطاع الله ومن أحبني فقد أحب الله " فقال بعض المنافقين : ما يريد هذا الرجل إلا أن نتخذه ربا كما اتخذت النصارى عيسى بن مريم ربا ، فأنزل الله تعالى : ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) أي : من يطع الرسول فيما أمر به فقد أطاع الله ، ( ومن تولى ) عن طاعته ، ( فما أرسلناك ) يا محمد ، [ ص: 254 ] ( عليهم حفيظا ) أي : حافظا ورقيبا ، بل كل أمورهم إليه تعالى ، وقيل : نسخ الله عز وجل هذا بآية السيف ، وأمره بقتال من خالف الله ورسوله .
( ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا ( 81 ) أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ( 82 ) وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا ( 83 ) )

( ويقولون طاعة ) يعني : المنافقين يقولون باللسان للرسول صلى الله عليه وسلم : إنا آمنا بك فمرنا فأمرك طاعة ، قال النحويون : أي أمرنا وشأننا أن نطيعك ، ( فإذا برزوا ) خرجوا ، ( من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول ) قال قتادة والكلبي : بيت أي : غير وبدل الذي عهد إليهم النبي صلى الله عليه وسلم ، ويكون التبييت بمعنى التبديل ، وقال أبو عبيدة والقتيبي : معناه : قالوا وقدروا ليلا غير ما أعطوك نهارا ، وكل ما قدر بليل فهو تبييت ، وقال أبو الحسن الأخفش : تقول العرب للشيء إذا قدر ، قد بيت ، يشبهونه بتقدير بيوت الشعر ، ( والله يكتب ) أي : يثبت ويحفظ ، ( ما يبيتون ) ما يزورون ويغيرون ويقدرون ، وقال الضحاك عن ابن عباس : يعني ما يسرون من النفاق ، ( فأعرض عنهم ) يا محمد ولا تعاقبهم ، وقيل : لا تخبر بأسمائهم ، منع الرسول صلى الله عليه وسلم من الإخبار بأسماء المنافقين ، ( وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا ) أي : اتخذه وكيلا وكفى بالله وكيلا وناصرا .

قوله تعالى : ( أفلا يتدبرون القرآن ) يعني : أفلا يتفكرون في القرآن ، والتدبر هو النظر في آخر الأمر ، ودبر كل شيء آخره . ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) أي تفاوتا وتناقضا كثيرا ، قاله ابن عباس ، وقيل : لوجدوا فيه أي : في الإخبار عن الغيب بما كان وبما يكون اختلافا كثيرا ، أفلا يتفكرون فيه فيعرفوا - بعدم التناقض فيه وصدق ما يخبر - أنه كلام الله تعالى لأن ما لا يكون من عند الله لا يخلو عن تناقض واختلاف .

قوله تعالى : ( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ) وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث السرايا فإذا غلبوا أو غلبوا بادر المنافقون يستخبرون عن حالهم ، فيفشون ويحدثون به قبل أن [ ص: 255 ] يحدث به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضعفون به قلوب المؤمنين فأنزل الله تعالى ( وإذا جاءهم ) يعني : المنافقين ( أمر من الأمن ) أي : الفتح والغنيمة ( أو الخوف ) القتل والهزيمة ( أذاعوا به ) أشاعوه وأفشوه ، ( ولو ردوه إلى الرسول ) أي : لو لم يحدثوا به حتى يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يحدث به ، ( وإلى أولي الأمر منهم ) أي : ذوي الرأي من الصحابة مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ، ( لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) أي : يستخرجونه وهم العلماء ، أي : علموا ما ينبغي أن يكتم وما ينبغي أن يفشى ، والاستنباط : الاستخراج ، يقال : استنبط الماء إذا استخرجه ، وقال عكرمة : يستنبطونه أي : يحرصون عليه ويسألون عنه ، وقال الضحاك : يتبعونه ، يريد الذين سمعوا تلك الأخبار من المؤمنين والمنافقين ، لو ردوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى ذوي الرأي والعلم ، لعلمه الذين يستنبطونه منهم ، أي : يحبون أن يعلموه على حقيقته كما هو .

( ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان ) كلكم ( إلا قليلا ) فإن قيل : كيف استثنى القليل ولولا فضله لاتبع الكل الشيطان؟ قيل : هو راجع إلى ما قبله ، قيل : معناه أذاعوا به إلا قليلا لم يفشه ، عني بالقليل المؤمنين ، وهذا قول الكلبي واختيار الفراء ، وقال : لأن علم السر إذا ظهر علمه المستنبط وغيره ، والإذاعة قد تكون في بعض دون بعض ، وقيل : لعلمه الذين يستنبطونه منهم إلا قليلا ثم قوله : ( ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان ) كلام تام .

وقيل : فضل الله : الإسلام ، ورحمته : القرآن ، يقول لولا ذلك لاتبعتم الشيطان إلا قليلا وهم قوم اهتدوا قبل مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم ونزول القرآن ، مثل زيد بن عمرو بن نفيل ، وورقة بن نوفل وجماعة سواهما .

وفي الآية دليل على جواز القياس ، فإن من العلم ما يدرك بالتلاوة والرواية وهو النص ، ومنه ما يدرك بالاستنباط وهو القياس على المعاني المودعة في النصوص .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #114  
قديم 10-03-2021, 11:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (99)
- تفسير البغوى
الجزء الثانى
سُورَةِ النِّسَاءِ

الاية 84 إلى الاية88

( فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا ( 84 ) )

قوله تعالى : ( فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك ) وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم واعد أبا سفيان بعد حرب أحد موسم بدر الصغرى في ذي القعدة فلما بلغ الميعاد دعا الناس إلى الخروج فكرهه بعضهم ، فأنزل الله عز وجل ( فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك ) أي : لا تدع جهاد العدو والانتصار للمستضعفين من المؤمنين ولو وحدك ، فإن الله قد وعدك النصرة وعاتبهم على ترك القتال ، والفاء [ ص: 256 ] في قوله تعالى : ( فقاتل ) جواب عن قوله ( ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما ) فقاتل ، ( وحرض المؤمنين ) على القتال أي حضهم على الجهاد ورغبهم في الثواب ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعين راكبا فكفاهم الله القتال ، فقال جل ذكره ( عسى الله ) أي : لعل الله ، ( أن يكف بأس الذين كفروا ) أي : قتال الذين كفروا المشركين و " عسى " من الله واجب ، ( والله أشد بأسا ) أي : أشد صولة وأعظم سلطانا ، ( وأشد تنكيلا ) أي : عقوبة .
( من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتا ( 85 ) )

قوله عز وجل : ( من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها ) أي : نصيب منها ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : الشفاعة الحسنة هي الإصلاح بين الناس ، والشفاعة السيئة هي المشي بالنميمة بين الناس .

وقيل : الشفاعة الحسنة هي حسن القول في الناس ينال به الثواب والخير ، والسيئة هي : الغيبة وإساءة القول في الناس ينال به الشر .

وقوله ( كفل منها ) أي : من وزرها ، وقال مجاهد : هي شفاعة الناس بعضهم لبعض ، ويؤجر الشفيع على شفاعته وإن لم يشفع .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا سفيان الثوري ، عن أبي بردة ، أخبرني جدي أبو بردة ، عن أبيه عن أبي موسى رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءه رجل يسأل أو طالب حاجة أقبل علينا بوجهه ، فقال : " اشفعوا لتؤجروا ليقضي الله على لسان نبيه ما شاء " .

قوله تعالى : ( وكان الله على كل شيء مقيتا ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : مقتدرا مجازيا ، قال الشاعر :
وذي ضغن كففت النفس عنه وكنت على مساءته مقيتا


وقال مجاهد : شاهدا : وقال قتادة : حافظا ، وقيل : معناه على كل حيوان مقيتا أي : يوصل القوت إليه . [ ص: 257 ]

وجاء في الحديث " كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت ويقيت " .
( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا ( 86 ) )

قوله تعالى : ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) التحية : هي دعاء الحياة ، والمراد بالتحية هاهنا ، السلام ، يقول : إذا سلم عليكم مسلم فأجيبوا بأحسن منها أو ردوها كما سلم ، فإذا قال : السلام عليكم ، فقل : وعليكم السلام ورحمة الله ، وإذا قال : السلام عليكم ورحمة الله ، فقل : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، فإذا قال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فرد مثله ، روي أن رجلا سلم على ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ثم زاد شيئا ، فقال ابن عباس : إن السلام ينتهي إلى البركة .

وروي عن عمران بن حصين : أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : السلام عليكم ، فرد عليه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " عشر " ثم جاء آخر فقال : السلام عليكم ورحمة الله ، فرد عليه فجلس ، فقال : " عشرون " ثم جاء آخر فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فرد عليه ، فقال : " ثلاثون " .

واعلم أن السلام سنة ورد السلام فريضة ، وهو فرض على الكفاية ، وكذلك السلام سنة على الكفاية فإذا سلم واحد من جماعة كان كافيا في السنة ، وإذا سلم واحد على جماعة ورد واحد منهم سقط الفرض عن جميعهم .

أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي ، أنا أبو بكر محمد بن عمر بن حفص التاجر ، أنا إبراهيم بن عبد الله بن عمر بن بكير الكوفي ، أنا وكيع ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة رضي الله عنهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم " . [ ص: 258 ]

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا قتيبة ، أنا الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن عبد الله بن عمرو أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الإسلام خير؟ قال : " أن تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف " . ومعنى قوله : أي الإسلام خير ، يريد : أي خصال الإسلام خير .

وقيل : ( فحيوا بأحسن منها ) معناه أي إذا كان الذي سلم مسلما ، ( أو ردوها ) بمثلها إذا لم يكن مسلما .

أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب عن مالك عن عبد الله بن دينار ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن اليهود إذا سلم عليكم أحدهم : فإنما يقول السام عليكم ، فقل عليك " .

قوله تعالى : ( إن الله كان على كل شيء حسيبا ) أي : على كل شيء من رد السلام بمثله أو بأحسن منه ، حسيبا أي : محاسبا مجازيا ، وقال مجاهد : حفيظا ، وقال أبو عبيدة : كافيا ، يقال : حسبي هذا أي كفاني .
( الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا ( 87 ) فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ( 88 ) )

قوله تعالى : ( الله لا إله إلا هو ليجمعنكم ) اللام لام القسم تقديره : والله ليجمعنكم في الموت وفي القبور ، ( إلى يوم القيامة ) وسميت القيامة قيامة لأن الناس يقومون من قبورهم ، قال الله تعالى : يوم يخرجون من الأجداث سراعا ( المعارج - 43 ) وقيل : لقيامهم إلى الحساب ، قال الله تعالى : " يوم يقوم الناس لرب العالمين " ، ( المطففين - 6 ( ومن أصدق من الله حديثا ) أي : قولا ووعدا ، وقرأ حمزة والكسائي ( أصدق ) صاد ساكنة بعدها دال بإشمام الزاي .

( فما لكم في المنافقين فئتين ) اختلفوا في سبب نزولها فقال قوم : نزلت في الذين تخلفوا يوم أحد [ ص: 259 ] من المنافقين ، فلما رجعوا قال بعض الصحابة رضي الله عنهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم : اقتلهم فإنهم منافقون ، وقال بعضهم : اعف عنهم فإنهم تكلموا بالإسلام .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا أبو الوليد ، أنا شعبة ، عن عدي بن ثابت ، قال : سمعت عبد الله بن يزيد ، يحدث عن زيد بن ثابت ، قال : لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد رجع ناس ممن خرج معه وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فرقتين ، فرقة تقول نقاتلهم وفرقة تقول لا نقاتلهم ، فنزلت : ( فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا ) وقال : " إنها طيبة تنفي الذنوب كما تنفي النار خبث الفضة " .

وقال مجاهد : قوم خرجوا إلى المدينة وأسلموا ثم ارتدوا واستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ليأتوا ببضائع لهم يتجرون فيها فخرجوا وأقاموا بمكة ، فاختلف المسلمون فيهم ، فقائل يقول : هم منافقون ، وقائل يقول : هم مؤمنون .

وقال بعضهم : نزلت في ناس من قريش قدموا المدينة وأسلموا ثم ندموا على ذلك فخرجوا كهيئة المتنزهين حتى باعدوا من المدينة فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا على الذي فارقناك عليه من الإيمان ولكنا اجتوينا المدينة واشتقنا إلى أرضنا ، ثم إنهم خرجوا في تجارة لهم نحو الشام فبلغ ذلك المسلمين ، فقال بعضهم : نخرج إليهم فنقتلهم ونأخذ ما معهم لأنهم رغبوا عن ديننا ، وقالت طائفة : كيف تقتلون قوما على دينكم إن لم يذروا ديارهم ، وكان هذا بعين النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساكت لا ينهى واحدا من الفريقين ، فنزلت هذه الآية .

وقال بعضهم : هم قوم أسلموا بمكة ثم لم يهاجروا وكانوا يظاهرون المشركين ، فنزلت ( فما لكم ) يا معشر المؤمنين ( في المنافقين فئتين ) أي : صرتم فيهم فئتين ، أي : فرقتين ، ( والله أركسهم ) أي : نكسهم وردهم إلى الكفر ، ( بما كسبوا ) بأعمالهم غير الزاكية ( أتريدون أن تهدوا ) أي : أن ترشدوا ( من أضل الله ) وقيل : معناه أتقولون أن هؤلاء مهتدون وقد أضلهم الله ، ( ومن يضلل الله ) أي : من يضلله الله عن الهدى ، ( فلن تجد له سبيلا ) أي : طريقا إلى الحق .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #115  
قديم 10-03-2021, 11:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (100)
- تفسير البغوى
الجزء الثانى
سُورَةِ النِّسَاءِ

الاية 89 إلى الاية92


( ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا ( 89 ) إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ( 90 ) )

قوله تعالى : ( ودوا ) تمنوا ، يعني أولئك الذين رجعوا عن الدين تمنوا ( لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء ) في الكفر ، وقوله ( فتكونون ) لم يرد به جواب التمني لأن جواب التمني بالفاء منصوب ، إنما أراد النسق ، أي : ودوا لو تكفرون وودوا لو تكونون سواء ، مثل قوله ودوا لو تدهن فيدهنون ( القلم - 9 ) أي : ودوا لو تدهن وودوا لو تدهنون ، ( فلا تتخذوا منهم أولياء ) منع من موالاتهم ، ( حتى يهاجروا في سبيل الله ) معكم .

قال عكرمة : هي هجرة أخرى ، والهجرة على ثلاثة أوجه : هجرة المؤمنين في أول الإسلام ، وهي قوله تعالى " للفقراء المهاجرين " ( الحشر - 8 ) وقوله : " ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله " ( النساء - 100 ) ، ونحوهما من الآيات ، وهجرة المنافقين : وهي الخروج في سبيل الله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صابرا محتسبا [ كما حكي هاهنا ] منع من موالاتهم حتى يهاجروا في سبيل الله ، وهجرة سائر المؤمنين وهي ما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " المهاجر من هجر ما نهى الله عنه " .

قوله تعالى : ( فإن تولوا ) أعرضوا عن التوحيد والهجرة ، ( فخذوهم ) أي : خذوهم أسارى ، ومنه يقال للأسير أخيذ ، ( واقتلوهم حيث وجدتموهم ) في الحل والحرم ، ( ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا ) ثم استثنى طائفة منهم فقال :

( إلا الذين يصلون إلى قوم ) وهذا الاستثناء يرجع إلى القتل لا إلى الموالاة ، لأن موالاة الكفار والمنافقين لا تجوز بحال ، ومعنى ( يصلون ) أي : ينتسبون إليهم ويتصلون بهم ويدخلون فيهم بالحلف والجوار ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : يريدون ويلجئون إلى قوم ، ( بينكم وبينهم ميثاق ) أي : عهد ، وهم الأسلميون ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وادع هلال بن عويمر الأسلمي قبل خروجه إلى مكة على أن لا يعينه ولا يعين عليه ، ومن وصل إلى هلال من قومه وغيرهم ولجأ إليه فلهم من الجوار مثل ما لهلال ، . [ ص: 261 ] وقال الضحاك عن ابن عباس : أراد بالقوم الذين بينكم وبينهم ميثاق بني بكر بن زيد بن مناة كانوا في الصلح والهدنة ، وقال مقاتل : هم خزاعة .

وقوله : ( أو جاءوكم ) أي : يتصلون بقوم جاءوكم ، ( حصرت صدورهم ) أي : ضاقت صدورهم ، قرأ الحسن ويعقوب " حصرة " ) منصوبة منونة أي : ضيقة صدورهم ، [ يعني القوم الذين جاءوكم وهم بنو مدلج ، كانوا عاهدوا أن لا يقاتلوا المسلمين وعاهدوا قريشا أن لا يقاتلوهم ، حصرت : ضاقت صدورهم ] ، ( أن يقاتلوكم ) أي : عن قتالكم للعهد الذي بينكم ، ( أو يقاتلوا قومهم ) يعني : من أمن منهم ، ويجوز أن يكون معناه أنهم لا يقاتلونكم مع قومهم ولا يقاتلون قومهم معكم ، يعنيقريشا قد ضاقت صدورهم لذلك .

وقال بعضهم : أو بمعنى الواو ، كأنه يقول : إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم ، أي : حصرت صدورهم عن قتالكم والقتال معكم ، وهم قوم هلال الأسلميون وبنو بكر ، نهى الله سبحانه عن قتال هؤلاء المرتدين إذا اتصلوا بأهل عهد للمسلمين ، لأن من انضم إلى قوم ذوي عهد فله حكمهم في حقن الدم .

قوله تعالى : ( ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم ) يذكر منته على المسلمين بكف بأس المعاهدين ، يقول : إن ضيق صدورهم عن قتالكم لما ألقى الله في قلوبهم من الرعب وكفهم عن قتالكم ، ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم مع قومهم ، ( فإن اعتزلوكم ) أي : اعتزلوا قتالكم ، ( فلم يقاتلوكم ) ومن اتصل بهم ، ويقال : يوم فتح مكة يقاتلوكم مع قومهم ، ( وألقوا إليكم السلم ) أي : الصلح فانقادوا واستسلموا ( فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ) أي : طريقا بالقتل والقتال .
( ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا ( 91 ) )

قوله تعالى : ( ستجدون آخرين ) قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما : هم أسد وغطفان كانوا حاضري المدينة تكلموا بالإسلام رياء وهم غير مسلمين ، وكان الرجل منهم يقول له قومه بماذا أسلمت؟ فيقول آمنت بهذا القرد وبهذا العقرب والخنفساء ، وإذا لقوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : إنا على دينكم ، يريدون بذلك الأمن في الفريقين . [ ص: 262 ]

وقال الضحاك عن ابن عباس هم بنو عبد الدار كانوا بهذه الصفة ، ( يريدون أن يأمنوكم ) فلا تتعرضوا لهم ، ( ويأمنوا قومهم ) فلا يتعرضوا لهم ، ( كلما ردوا إلى الفتنة ) أي : دعوا إلى الشرك ، ( أركسوا فيها ) أي : رجعوا وعادوا إلى الشرك ، ( فإن لم يعتزلوكم ) أي : فإن لم يكفوا عن قتالكم حتى تسيروا إلى مكة ، ( ويلقوا إليكم السلم ) أي : المفاداة والصلح ، ( ويكفوا أيديهم ) ولم يقبضوا أيديهم عن قتالكم ، ( فخذوهم ) أسراء ، ( واقتلوهم حيث ثقفتموهم ) أي : وجدتموهم ، ( وأولئكم ) أي : أهل هذه الصفة ، ( جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا ) أي : [ حجة بينة ظاهرة بالقتل والقتال ] .
( وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما ( 92 ) )

قوله تعالى : ( وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا ) الآية ، نزلت في عياش ( بن أبي ربيعة ) المخزومي ، وذلك أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة فأسلم ثم خاف أن يظهر إسلامه لأهله فخرج هاربا إلى المدينة ، وتحصن في أطم من آطامها ، فجزعت أمه لذلك جزعا شديدا وقالت لابنيها الحارث وأبي جهل بن هشام وهما أخواه لأمه : والله لا يظلني سقف ولا أذوق طعاما ولا شرابا حتى تأتوني به ، فخرجا في طلبه ، وخرج معهما الحارث بن زيد بن أبي أنيسة حتى أتوا المدينة ، فأتوا عياشا وهو في الأطم ، قالا له : انزل فإن أمك لم يئوها سقف بيت بعدك ، وقد حلفت ألا تأكل طعاما ولا تشرب شرابا حتى ترجع إليها ( ولك عهد الله ) علينا أن لا نكرهك على شيء ولا نحول بينك وبين دينك ، فلما ذكروا له جزع أمه وأوثقوا له بالله نزل إليهم فأخرجوه من المدينة ثم أوثقوه بنسعة ، فجلده كل واحد منهم مائة جلدة ، ثم قدموا به على أمه فلما أتاها قالت : والله لا أحلك من وثاقك حتى تكفر بالذي آمنت به ، ثم تركوه موثقا مطروحا في الشمس ما شاء الله ، فأعطاهم الذي أرادوا فأتاه الحارث بن زيد فقال : يا عياش أهذا الذي [ ص: 263 ] كنت عليه فوالله لئن كان هدى لقد تركت الهدى ، ولئن كانت ضلالة لقد كنت عليها ، فغضب عياش من مقالته ، وقال : والله لا ألقاك خاليا أبدا إلا قتلتك ، ثم إن عياشا أسلم بعد ذلك وهاجر ثم أسلم الحارث بن زيد بعده وهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس عياش حاضرا يومئذ ولم يشعر بإسلامه ، فبينا عياش يسير بظهر قباء إذ لقي الحارث فقتله ، فقال الناس : ويحك أي شيء صنعت؟ إنه قد أسلم ، فرجع عياش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : يا رسول الله قد كان من أمري وأمر الحارث ما قد علمت ، وإني لم أشعر بإسلامه حتى قتلته ، فنزل : ( وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ) .

وهذا نهي عن قتل المؤمن كقوله تعالى : وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ( الأحزاب - 53 ) .

( إلا خطأ ) استثناء منقطع معناه : لكن إن وقع خطأ ، ( ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ) أي : فعليه إعتاق رقبة مؤمنة كفارة ، ( ودية مسلمة ) كاملة ، ( إلى أهله ) أي : إلى أهل القتيل الذي يرثونه ، ( إلا أن يصدقوا ) أي : يتصدقوا بالدية فيعفوا ويتركوا الدية ، ( فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة ) أراد به إذا كان الرجل مسلما في دار الحرب منفردا مع الكفار فقتله من لم يعلم بإسلامه فلا دية فيه ، وعليه الكفارة ، وقيل : المراد منه إذا كان المقتول مسلما في دار الإسلام وهو من نسب قوم كفار ، وقرابته في دار الحرب حرب للمسلمين ففيه الكفارة ولا دية لأهله ، وكان الحارث بن زيد من قوم كفار حرب للمسلمين وكان فيه تحرير رقبة ولم يكن فيه دية لأنه لم يكن بين قومه وبين المسلمين عهد .

قوله تعالى : ( وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة ) أراد به إذا كان المقتول كافرا ذميا أو معاهدا فيجب فيه الدية والكفارة ، والكفارة تكون بإعتاق رقبة مؤمنة سواء كان المقتول مسلما أو معاهدا ، رجلا كان أو امرأة ، حرا كان أو عبدا ، وتكون في مال القاتل ، ( فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ) والقاتل إن كان واجدا للرقبة أو قادرا على تحصيلها بوجود ثمنها فاضلا عن نفقته ونفقة عياله وحاجته من مسكن ونحوه فعليه الإعتاق ، ولا يجوز أن ينتقل إلى الصوم فإن عجز عن تحصيلها فعليه صوم شهرين متتابعين ، فإن أفطر يوما متعمدا في خلال الشهرين أو نسي النية ونوى صوما آخر وجب عليه استئناف الشهرين .

وإن أفطر يوما بعذر مرض أو سفر فهل ينقطع التتابع؟ اختلف أهل العلم فيه ، فمنهم من قال : ينقطع وعليه استئناف الشهرين ، وهو قول النخعي وأظهر قولي الشافعي رضي الله عنه لأنه أفطر مختارا ، ومنهم من قال : لا ينقطع وعليه أن يبني ، وهو قول سعيد بن المسيب والحسن والشعبي . [ ص: 264 ]

ولو حاضت المرأة في خلال الشهرين أفطرت أيام الحيض ولا ينقطع التتابع ، فإذا طهرت بنت على ما صامت ، لأنه أمر مكتوب على النساء لا يمكنهن الاحتراز عنه .

فإن عجز عن الصوم فهل يخرج عنه بإطعام ستين مسكينا؟ فيه قولان ، أحدهما : يخرج كما في كفارة الظهار ، والثاني : لا يخرج لأن الشرع لم يذكر له بدلا فقال : ( فصيام شهرين متتابعين )

( توبة من الله ) أي : جعل الله ذلك توبة لقاتل الخطإ ( وكان الله عليما ) بمن قتل خطأ ( حكيما ) فيما حكم به عليكم .

أما الكلام في بيان الدية ، فاعلم أن القتل على ثلاثة أنواع : عمد محض ، وشبه عمد ، وخطأ محض .

أما العمد المحض فهو : أن يقصد قتل إنسان بما يقصد به القتل غالبا فقتله ففيه القصاص عند وجود التكافؤ ، أو دية مغلظة في مال القاتل حالة .

وشبه العمد : أن يقصد ضربه بما لا يموت مثله من مثل ذلك الضرب غالبا ، بأن ضربه بعصا خفيفة ، أو حجر صغير ضربة أو ضربتين ، فمات فلا قصاص فيه ، بل يجب فيه دية مغلظة على عاقلته مؤجلة إلى ثلاث سنين .

والخطأ المحض هو : أن لا يقصد ضربه بل قصد شيئا آخر فأصابه فمات منه فلا قصاص فيه ، بل تجب دية مخففة على عاقلته مؤجلة إلى ثلاث سنين .

وتجب الكفارة في ماله في الأنواع كلها ، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه : قتل العمد لا يوجب الكفارة ، لأنه كبيرة كسائر الكبائر .

ودية الحر المسلم مائة من الإبل فإذا عدمت الإبل وجبت قيمتها من الدراهم أو الدنانير في قول ، وفي قول يجب بدل مقدر منها وهو ألف دينار ، أو اثنا عشر ألف درهم ، لما روي عن عمر رضي الله عنه : فرض الدية على أهل الذهب ألف دينار ، وعلى أهل الورق اثنى عشر ألف درهم " .

وذهب قوم إلى أن الواجب في الدية مائة من الإبل ، أو ألف دينار أو اثنا عشر ألف درهم ، وهو قول عروة بن الزبير والحسن البصري رضي الله عنهما ، وبه قال مالك .

وذهب قوم إلى أنها مائة من الإبل أو ألف دينار ، أو عشرة آلاف درهم ، وهو قول سفيان الثوري وأصحاب الرأي . [ ص: 265 ]

ودية المرأة نصف دية الرجل ، ودية أهل الذمة والعهد ثلث دية المسلم ، إن كان كتابيا ، وإن كان مجوسيا فخمس الدية ، روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم ، ودية المجوسي ثمانمائة ، وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وإليه ذهب الشافعي رضي الله عنه .

وذهب قوم إلى أن دية الذمي والمعاهد مثل دية المسلم ، روي ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه وهو قول سفيان الثوري وأصحاب الرأي .

وقال قوم : دية الذمي نصف دية المسلم وهو قول عمر بن عبد العزيز ، وبه قال مالك وأحمد رحمهما الله .

والدية في العمد المحض وشبه العمد مغلظة بالسن فيجب ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة في بطونها أولادها ، وهو قول عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت رضي الله عنهما ، وبه قال عطاء ، وإليه ذهب الشافعي رضي الله عنه ، لما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، أنا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، أنا الشافعي رضي الله عنه ، أنا ابن عيينة ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن القاسم بن ربيعة ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ألا إن في قتل العمد الخطإ بالسوط أو العصا مائة من الإبل مغلظة ، منها أربعون خلفة في بطونها أولادها " .

وذهب قوم إلى أن الدية المغلظة أرباع : خمس وعشرون بنت مخاض ، وخمس وعشرون بنت لبون ، وخمس وعشرون حقة ، وخمس وعشرون جذعة ، وهو قول الزهري وربيعة وبه قال مالك وأحمد وأصحاب الرأي .

وأما دية الخطإ فمخففة ، وهي أخماس بالاتفاق ، غير أنهم اختلفوا في تقسيمها ، فذهب قوم إلى أنها عشرون بنت مخاض ، وعشرون بنت لبون ، وعشرون ابن لبون ، وعشرون حقة ، وعشرون جذعة ، وهو قول عمر بن عبد العزيز وسليمان بن يسار والزهري وربيعة ، وبه قال مالك والشافعي رحمهم الله ، وأبدل قوم بني اللبون ببنات المخاض ، يروى ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه ، وبه قال أحمد وأصحاب الرأي .

ودية الأطراف على هذا التقدير ، ودية المرأة فيها على النصف من دية الرجل ، والدية في قتل الخطإ وشبه العمد على العاقلة ، وهم عصبات القاتل من الذكور ، ولا يجب على الجاني منها شيء لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجبها على العاقلة .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #116  
قديم 31-03-2021, 08:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (101)
- تفسير البغوى
الجزء الثانى
سُورَةِ النِّسَاءِ

الاية 93 إلى الاية96

( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ( 93 ) )

قوله تعالى : ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا ) الآية ، نزلت في مقيس بن صبابة الكناني ، وكان قد أسلم هو وأخوه هشام ، فوجد أخاه هشاما قتيلا في بني النجار فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه رجلا من بني فهر إلى بني النجار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم إن علمتم قاتل هشام بن صبابة أن تدفعوه إلى مقيس فيقتص منه ، وإن لم تعلموا أن تدفعوا إليه ديته ، فأبلغهم الفهري ذلك فقالوا : سمعا وطاعة لله ولرسوله ، والله ما نعلم له قاتلا ولكنا نؤدي ديته ، فأعطوه مائة من الإبل ، ثم انصرفا راجعين نحو المدينة فأتى الشيطان مقيسا فوسوس إليه ، فقال : تقبل دية أخيك فتكون عليك مسبة ، اقتل الذي معك فتكون نفس مكان نفس وفضل الدية؛ فتغفل الفهري فرماه بصخرة فشدخه ، ثم ركب بعيرا وساق بقيتها راجعا إلى مكة كافرا فنزل فيه : ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا ( فجزاؤه جهنم خالدا فيها ) بكفره وارتداده ، وهو الذي استثناه النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة ، عمن أمنه فقتل وهو متعلق بأستار الكعبة .

قوله تعالى : ( وغضب الله عليه ولعنه ) أي : طرده عن الرحمة ، ( وأعد له عذابا عظيما ) اختلفوا في حكم هذه الآية .

فحكي عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن قاتل المؤمن عمدا لا توبة له ، فقيل له : أليس قد قال الله في سورة الفرقان : ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق إلى أن قال ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب ( الفرقان 67 - 70 ) ، فقال : كانت هذه في الجاهلية ، وذلك أن أناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وزنوا فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : إن الذي تدعوا إليه لحسن ، لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة ، فنزلتوالذين لا يدعون مع الله إلها آخر إلى قوله إلا من تاب وآمن فهذه لأولئك .

وأما التي في النساء فالرجل إذا عرف الإسلام وشرائعه ثم قتل فجزاؤه جهنم . [ ص: 267 ]

وقال زيد بن ثابت : لما نزلت التي في الفرقان والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ، عجبنا من لينها فلبثنا سبعة أشهر ثم نزلت الغليظة بعد اللينة فنسخت اللينة ، وأراد بالغليظة هذه الآية ، وباللينة آية الفرقان .

وقال ابن عباس رضي الله عنهما : تلك آية مكية وهذه مدنية نزلت ولم ينسخها شيء .

والذي عليه الأكثرون ، وهو مذهب أهل السنة : أن قاتل المسلم عمدا توبته مقبولة لقوله تعالى : وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ( طه - 82 ) وقال : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ( النساء - 48 ) وما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما فهو تشديد ومبالغة في الزجر عن القتل ، كما روي عن سفيان بن عيينة أنه قال : إن لم يقتل يقال له : لا توبة لك ، وإن قتل ثم جاء يقال : لك توبة . ويروى مثله عن ابن عباس رضي الله عنهما .

وليس في الآية متعلق لمن يقول بالتخليد في النار بارتكاب الكبائر ، لأن الآية نزلت في قاتل وهو كافر ، وهو مقيس بن صبابة ، وقيل : إنه وعيد لمن قتل مؤمنا مستحلا لقتله بسبب إيمانه ، ومن استحل قتل أهل الإيمان لإيمانهم كان كافرا مخلدا في النار ، وقيل في قوله تعالى : ( فجزاؤه جهنم خالدا فيها ) معناه : هي جزاؤه إن جازاه ، ولكنه إن شاء عذبه وإن شاء غفر له بكرمه ، فإنه وعد أن يغفر لمن يشاء .

حكي أن عمرو بن عبيد جاء إلى أبي عمرو بن العلاء فقال له : هل يخلف الله وعده؟ فقال : لا فقال : أليس قد قال الله تعالى ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها ) فقال له أبو عمرو بن العلاء : من العجمة أتيت يا أبا عثمان ! إن العرب لا تعد الإخلاف في الوعيد خلفا وذما ، وإنما تعد إخلاف الوعد خلفا وذما ، وأنشد :
وإني وإن أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي


والدليل على أن غير الشرك لا يوجب التخليد في النار ما روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة " .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا أبو اليمان ، أنا شعيب ، عن الزهري ، قال أخبرني أبو إدريس عائذ الله بن عبد الله أن ، عبادة بن [ ص: 268 ] الصامت رضي الله عنه - وكان شهد بدرا وهو أحد النقباء ليلة العقبة - وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه : " بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف ، فمن وفى منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة ، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله ، فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه " ، فبايعناه على ذلك .
( يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا ( 94 ) )

قوله عز وجل : ( يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ) الآية ، قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما : نزلت هذه الآية في رجل من بني مرة بن عوف يقال له مرداس بن نهيك ، وكان من أهل فدك وكان مسلما لم يسلم من قومه غيره ، فسمعوا بسرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم تريدهم ، وكان على السرية رجل يقال له غالب بن فضالة الليثي ، فهربوا وأقام الرجل لأنه كان على دين المسلمين ، فلما رأى الخيل خاف أن يكونوا من غير أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فألجأ غنمه إلى عاقول من الجبل ، وصعد هو إلى الجبل فلما تلاحقت الخيل سمعهم يكبرون ، فلما سمع التكبير عرف أنهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكبر ونزل وهو يقول : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، السلام عليكم ، فتغشاه أسامة بن زيد فقتله واستاق غنمه ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك وجدا شديدا ، وكان قد سبقهم قبل ذلك الخبر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قتلتموه إرادة ما معه " ؟ ثم قرأ هذه الآية على أسامة بن زيد ، فقال : يا رسول الله استغفر لي ، فقال فكيف بلا إله إلا الله؟ قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات ، قال أسامة : فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيدها حتى وددت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر لي بعد ثلاث مرات ، وقال : " اعتق رقبة " .

وروى أبو ظبيان عن أسامة رضي الله عنه قال قلت : يا رسول الله إنما قال خوفا من السلاح ، قال : " أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها خوفا أم لا " ؟

وقال عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : مر رجل من بني سليم على نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومعه غنم له فسلم عليهم ، قالوا : ما سلم عليكم إلا ليتعوذ منكم فقاموا فقتلوه وأخذوا غنمه فأتوا [ ص: 269 ] بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية : ( يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله ) . .

( يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله ) يعني إذا سافرتم في سبيل الله ، يعني : الجهاد .

( فتبينوا ) قرأ حمزة والكسائي هاهنا في موضعين وفي سورة الحجرات بالتاء والثاء من التثبيت ، أي : قفوا حتى تعرفوا المؤمن من الكافر ، وقرأ الآخرون بالياء والنون من التبين ، يقال : تبينت الأمر إذا تأملته ، ( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم ) هكذا قراءة أهل المدينة وابن عامر وحمزة ، أي : المقادة ، وهو قول " لا إله إلا الله محمد رسول الله " ، وقرأ الآخرون السلام ، وهو السلام الذي هو تحية المسلمين لأنه كان قد سلم عليهم ، وقيل : السلم والسلام واحد ، أي : لا تقولوا لمن سلم عليكم لست مؤمنا ، ( تبتغون عرض الحياة الدنيا ) يعني : تطلبون الغنم والغنيمة ، و " عرض الحياة الدنيا " منافعها ومتاعها ، ( فعند الله مغانم ) أي غنائم ، ( كثيرة ) وقيل : ثواب كثير لمن اتقى قتل المؤمن ، ( كذلك كنتم من قبل ) قال سعيد بن جبير : كذلك كنتم تكتمون إيمانكم من المشركين ( فمن الله عليكم ) بإظهار الإسلام ، وقال قتادة : كنتم ضلالا من قبل فمن الله عليكم بالإسلام والهداية .

وقيل معناه : كذلك كنتم من قبل تأمنون في قومكم بلا إله إلا الله قبل الهجرة فلا تخيفوا من قالها فمن الله عليكم بالهجرة ، فتبينوا أن تقتلوا مؤمنا .

( إن الله كان بما تعملون خبيرا ) قلت : إذا رأى الغزاة في بلد أو قرية شعار الإسلام فعليهم أن يكفوا عنهم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا قوما فإن سمع أذانا كف عنهم ، وإن لم يسمع أغار عليهم .

أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، أنا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، أنا سفيان ، عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق ، عن ابن عصام ، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 270 ] كان إذا بعث سرية قال : " إذا رأيتم مسجدا أو سمعتم مؤذنا فلا تقتلوا أحدا " .
( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما ( 95 ) )

قوله تعالى : ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين ) الآية ، أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، ثنا عبد العزيز بن عبد الله ، ثنا إبراهيم بن عبد الله ، حدثنا إبراهيم بن سعد الزهري ، حدثني صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أنه قال : رأيت مروان بن الحكم جالسا في المسجد فأقبلت حتى جلست إلى جنبه ، فأخبرنا أن زيد بن ثابت رضي الله عنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أملى عليه ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله ) قال : فجاء ابن أم مكتوم وهو يمليها علي ، فقال : يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت ، وكان رجلا أعمى ، فأنزل الله تعالى عليه وفخذه على فخذي ، فثقلت علي حتى خفت أن ترض فخذي ، ثم سري عنه فأنزل الله ( غير أولي الضرر ) .

فهذه الآية في الجهاد والحث عليه ، فقال : ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين ) عن الجهاد ( غير أولي الضرر ) قرأ أهل المدينة وابن عامر والكسائي بنصب الراء ، أي : إلا أولي الضرر ، وقرأ الآخرون برفع الراء على نعت " القاعدين " يريد : لا يستوي القاعدون الذين هم غير أولي الضرر ، أي : غير أولي الزمانة والضعف في البدن والبصر ، ( والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ) غير أولي الضرر فإنهم يساوون المجاهدين ، لأن العذر أقعدهم .

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، أنا حاجب بن أحمد الطوسي ، أنا عبد الرحيم بن منيب ، أنا يزيد بن هارون ، أخبرنا حميد الطويل ، عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك ، فدنا من المدينة قال : " إن في المدينة لأقواما ما سرتم من مسير ولا قطعتم من واد إلا كانوا معكم فيه " ، قالوا : يا رسول الله وهم بالمدينة؟ قال : " نعم وهم بالمدينة حبسهم العذر " [ ص: 271 ]

وروى القاسم عن ابن عباس قال : ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين ) عن بدر والخارجون إلى بدر .

قوله تعالى : ( فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة ) أي : فضيلة ، وقيل : أراد بالقاعدين هاهنا أولي الضرر ، فضل الله المجاهدين عليهم درجة لأن المجاهد باشر الجهاد مع النية وأولو الضرر كانت لهم نية ولكنهم لم يباشروا ، فنزلوا عنهم بدرجة ، ( وكلا ) يعني المجاهد والقاعد ( وعد الله الحسنى ) يعني : الجنة بإيمانهم ، وقال مقاتل : يعني المجاهد والقاعد المعذور ، ( وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما ) يعني : على القاعدين من غير عذر .
( درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما ( 96 ) )

( درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما ) قال ابن محيريز في هذه الآية : هي سبعون درجة ما بين كل درجتين عدو الفرس الجواد المضمر سبعين خريفا .

وقيل : الدرجات هي الإسلام والجهاد والهجرة والشهادة فاز بها المجاهدون ، أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني ، أنا أبو محمد محمد بن علي بن محمد بن شريك الشافعي ، أنا عبد الله بن مسلم أبو بكر الجوربذي ، أنا يونس بن عبد الأعلى ، أنا ابن وهب ، حدثني أبو هانئ الخولاني ، عن أبي عبد الرحمن الجبلي ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يا أبا سعيد من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وجبت له الجنة " قال فعجب لها أبو سعيد فقال : أعدها علي يا رسول الله ، ففعل ، قال : " وأخرى يرفع الله بها العبد مائة درجة في الجنة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض " قال : وما هي يا رسول الله؟ فقال : " الجهاد في سبيل الله الجهاد في سبيل الله " .

أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أنا أبو القاسم إبراهيم بن محمد بن علي بن الشاه ، أنا أبي ، أنا أبو الحسن علي بن أحمد بن صالح المطرز ، أنا محمد بن يحيى ، أنا شريح بن النعمان ، أنا فليح ، عن هلال بن علي ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من آمن بالله ورسوله وأقام الصلاة وصام رمضان كان حقا على الله عز وجل أن يدخله الجنة ، جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها " ، قالوا : أفلا ننذر الناس بذلك؟ قال : " إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله ، ما بين كل من الدرجتين كما بين السماء والأرض ، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس [ ص: 272 ] فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ، ومنه تفجر أنهار الجنة " .

واعلم أن الجهاد في الجملة فرض ، غير أنه ينقسم إلى فرض العين وفرض الكفاية .

ففرض العين : أن يدخل الكفار دار قوم من المؤمنين ، فيجب على كل مكلف من الرجال ، ممن لا عذر له من أهل تلك البلدة الخروج إلى عدوهم ، حرا كان أو عبدا ، غنيا كان أو فقيرا ، دفعا عن أنفسهم وعن جيرانهم .

وهو في حق من بعد منهم من المسلمين فرض على الكفاية ، فإن لم تقع الكفاية بمن نزل بهم يجب على من بعد منهم من المسلمين عونهم ، وإن وقعت الكفاية بالنازلين بهم فلا فرض على الأبعدين إلا على طريق الاختيار ، ولا يدخل في هذا القسم العبيد والفقراء ، ومن هذا القبيل أن يكون الكفار قارين في بلادهم ، فعلى الإمام أن لا يخلي سنة عن غزوة يغزوها بنفسه أو بسراياه حتى لا يكون الجهاد معطلا والاختيار للمطيق الجهاد مع وقوع الكفاية بغيره : أن لا يقعد عن الجهاد ، ولكن لا يفترض ، لأن الله تعالى وعد المجاهد والقاعد الثواب في هذه الآية فقال : ( وكلا وعد الله الحسنى ) ولو كان فرضا على الكافة لاستحق القاعد العقاب لا الثواب .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #117  
قديم 31-03-2021, 08:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (102)
- تفسير البغوى
الجزء الثانى
سُورَةِ النِّسَاءِ

الاية 97 إلى الاية101

( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ( 97 ) )

قوله تعالى : ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ) الآية ، نزلت في ناس من أهل مكة تكلموا بالإسلام ولم يهاجروا ، منهم : قيس بن الفاكه بن المغيرة وقيس بن الوليد بن المغيرة وأشباههما ، فلما خرج المشركون إلى بدر خرجوا معهم فقتلوا مع الكفار ، فقال الله تعالى : ( إن الذين توفاهم الملائكة ) أراد به ملك الموت وأعوانه ، أو أراد ملك الموت وحده ، كما قال تعالى : " قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم " ( السجدة - 11 ) ، والعرب قد تخاطب الواحد بلفظ الجمع ( ظالمي أنفسهم ) بالشرك ، وهو نصب على الحال أي : في حال ظلمهم ، قيل : أي بالمقام في دار الشرك لأن الله تعالى لم يقبل الإسلام بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلا بالهجرة ، ثم نسخ ذلك بعد فتح مكة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا هجرة بعد الفتح " ، وهؤلاء قتلوا يوم بدر وضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم ، وقالوا لهم : فيم كنتم؟ فذلك قوله تعالى : ( قالوا فيم كنتم ) أي : في ماذا كنتم؟ أو في أي الفريقين كنتم؟ أفي المسلمين؟ [ ص: 273 ] أم في المشركين؟ سؤال توبيخ وتعيير فاعتذروا بالضعف عن مقاومة أهل الشرك ، و ( قالوا كنا مستضعفين ) عاجزين ، ( في الأرض ) يعني أرض مكة ، ( قالوا ) يعني : الملائكة ( ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ) يعني : إلى المدينة وتخرجوا من مكة ، من بين أهل الشرك؟ فأكذبهم الله تعالى وأعلمنا بكذبهم ، وقال : ( فأولئك مأواهم ) منزلهم ( جهنم وساءت مصيرا ) أي : بئس المصير إلى جهنم .
( إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ( 98 ) فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا ( 99 ) ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما ( 100 ) )

ثم استثنى أهل العذر منهم ، فقال : ( إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ) لا يقدرون على حيلة ولا على نفقة ولا قوة للخروج منها ، ( ولا يهتدون سبيلا ) أي : لا يعرفون طريقا إلى الخروج . وقال مجاهد : لا يعرفون طريق المدينة .

( فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم ) يتجاوز عنهم ، وعسى من الله واجب ، لأنه للإطماع ، والله تعالى إذا أطمع عبدا وصله إليه ، ( وكان الله عفوا غفورا ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : كنت أنا وأمي ممن عذر الله ، يعني المستضعفين ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو لهؤلاء المستضعفين في الصلاة .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا معاذ بن فضالة ، أنا هشام ، عن يحيى هو ابن أبي كثير ، عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قال : سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد في الركعة الآخرة من صلاة العشاء قنت اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة اللهم أنج الوليد اللهم أنج سلمة بن هشام اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر ، اللهم اجعلها سنين كسني يوسف " .

قوله تعالى : ( ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ) قال علي بن أبي [ ص: 274 ] طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما : ( مراغما ) أي : متحولا يتحول إليه ، وقال مجاهد : متزحزحا عما يكره ، وقال أبو عبيدة : المراغم : يقال : راغمت قومي وهاجرتهم ، وهو المضطرب والمذهب .

روي أنه لما نزلت هذه الآية سمعها رجل من بني ليث شيخ كبير مريض يقال له جندع بن ضمرة ، فقال : والله ما أبيت الليلة بمكة ، أخرجوني ، فخرجوا به يحملونه على سرير حتى أتوا به التنعيم فأدركه الموت ، فصفق يمينه على شماله ثم قال : اللهم هذه لك وهذه لرسولك أبايعك على ما بايعك عليه رسولك ، فمات فبلغ خبره أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : لو وافى المدينة لكان أتم وأوفى أجرا ، وضحك المشركون وقالوا : ما أدرك هذا ما طلب ، فأنزل الله : ( ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت ) . أي : قبل بلوغه إلى مهاجره ، ( فقد وقع ) أي : وجب ( أجره على الله ) بإيجابه على نفسه فضلا منه ، ( وكان الله غفورا رحيما ) .
( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا ( 101 ) )

قوله عز وجل : ( وإذا ضربتم في الأرض ) أي : سافرتم ، ( فليس عليكم جناح ) أي : حرج وإثم ( أن تقصروا من الصلاة ) يعني من أربع ركعات إلى ركعتين ، وذلك في صلاة الظهر والعصر والعشاء ( إن خفتم أن يفتنكم ) أي : يغتالكم ويقتلكم ( الذين كفروا ) في الصلاة ، نظيره قوله تعالى : " على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم " ( يونس - 83 ) أي : يقتلهم .

( إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا ) أي : ظاهر العداوة .

اعلم أن قصر الصلاة في السفر جائز بإجماع الأمة ، واختلفوا في جواز الإتمام : فذهب أكثرهم إلى أن القصر واجب ، وهو قول عمر وعلي وابن عمر وجابر وابن عباس رضي الله عنهما ، وبه قال الحسن وعمر بن عبد العزيز وقتادة وهو قول مالك وأصحاب الرأي ، لما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : " الصلاة أول ما فرضت ركعتين فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر " .

وذهب قوم إلى جواز الإتمام ، روي ذلك عن عثمان وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما ، وبه قال الشافعي رضي الله عنه ، إن شاء أتم وإن شاء قصر ، والقصر أفضل . [ ص: 275 ]

[ أخبرنا الإمام عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، أنا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، أنا إبراهيم بن محمد ، عن طلحة بن عمرو ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : " كل ذلك قد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر الصلاة وأتم " .

وظاهر القرآن يدل على هذا ، لأنه قال : ( فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) ولفظ لا جناح إنما يستعمل في الرخص لا فيما يكون حتما ، فظاهر الآية [ يوجب أن القصر ] لا يجوز إلا عند الخوف وليس الأمر على ذلك ، إنما نزلت الآية على غالب أسفار النبي صلى الله عليه وسلم ، وأكثرها لم يخل عن خوف العدو .

والقصر جائز في السفر في حال الأمن عند عامة أهل العلم ، والدليل عليه ما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، أنا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، أنا مسلم بن خالد وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن ابن جريج ، أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار ، عن عبد الله بن باباه ، عن يعلى بن أمية ، قال : قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : إنما قال الله تعالى ( أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) وقد أمن الناس ، فقال عمر رضي الله عنه : عجبت مما عجبت منه ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " صدقة تصدق الله بها عليكم ، فاقبلوا صدقته " .

أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، أنا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، أنا عبد الوهاب ، عن أيوب السختياني ، عن محمد بن سيرين ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : سافر رسول الله بين مكة والمدينة آمنا لا يخاف إلا الله فصلى ركعتين " .

وذهب قوم إلى أن ركعتي المسافر ليستا بقصر إنما القصر أن يصلي ركعة واحدة في الخوف ، يروى ذلك عنجابر رضي الله عنه وهو قول عطاء وطاوس والحسن ومجاهد ، وجعلوا شرط الخوف المذكور في الآية : باقيا وذهب أكثر أهل العلم إلى أن الاقتصار على ركعة واحدة لا يجوز خائفا كان أو آمنا .

واختلف أهل العلم في مسافة القصر ، فقالت طائفة : يجوز القصر في السفر الطويل والقصير ، روي [ ص: 276 ] ذلك عن أنس رضي الله عنه ، وقال عمرو بن دينار : قال لي جابر بن زيد : اقصر بعرفة ، أما عامة الفقهاء فلا يجوزون القصر في السفر القصير .

واختلف في حد ما يجوز به القصر ، فقال الأوزاعي : مسيرة يوم ، وكان ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم يقصران ويفطران في أربعة برد ، وهي ستة عشر فرسخا ، وإليه ذهب مالك وأحمد وإسحاق ، وقول الحسن والزهري قريب من ذلك ، قالا مسيرة يومين ، وإليه ذهب الشافعي رضي الله عنه ، قال : مسيرة ليلتين قاصدتين ، وقال في موضع : ستة وأربعون ميلا بالهاشمي ، وقال سفيان الثوري وأصحاب الرأي : مسيرة ثلاثة أيام .

وقيل : قوله ( إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) متصل بما بعده من صلاة الخوف منفصل عما قبله ، روي عن أبي أيوب الأنصاري أنه قال : نزل قوله ( فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) هذا القدر ، ثم بعد حول سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الخوف فنزل : ( إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا ) وإذا كنت فيهم ) الآية . ومثله في القرآن كثير ، أن يجيء الخبر بتمامه ثم ينسق عليه خبر آخر ، وهو في الظاهر كالمتصل به ، وهو منفصل عنه ، كقوله تعالى : " الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين " ( يوسف - 51 ) ، وهذه حكاية عن امرأة العزيز ، وقوله : " ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب " ( يوسف - 52 ) إخبار عن يوسف عليه السلام .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #118  
قديم 31-03-2021, 08:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (103)
- تفسير البغوى
الجزء الثانى
سُورَةِ النِّسَاءِ

الاية 102 إلى الاية105


( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا ( 102 ) )

قوله تعالى : ( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة ) روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس [ ص: 277 ] وجابر رضي الله عنهم أن المشركين لما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قاموا إلى الظهر يصلون جماعة ندموا أن لو كانوا كبوا عليهم ، فقال بعضهم لبعض : دعوهم فإن لهم بعدها صلاة هي أحب إليهم من آبائهم وأبنائهم ، يعني صلاة العصر ، فإذا قاموا فيها فشدوا عليهم فاقتلوهم ، فنزل جبريل عليه السلام فقال : يا محمد إنها صلاة الخوف وإن الله عز وجل يقول : ( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة ) فعلمه صلاة الخوف .

وجملته : أن العدو إذا كانوا في معسكرهم في غير ناحية القبلة فيجعل الإمام القوم فرقتين فتقف طائفة وجاه العدو تحرسهم ، ويشرع الإمام مع طائفة في الصلاة ، فإذا صلى بهم ركعة قام وثبت قائما حتى أتموا صلاتهم ، ذهبوا إلى وجاه العدو ثم أتت الطائفة الثانية فصلى بهم الركعة الثانية ، وثبت جالسا حتى أتموا لأنفسهم الصلاة ، ثم يسلم بهم ، وهذه رواية سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى كذلك بذات الرقاع ، وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق .

أنا أبو الحسن السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات ، عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف : أن طائفة صفت معه وصفت طائفة وجاه العدو فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائما فأتموا لأنفسهم ، ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم . قال مالك : وذلك أحسن ما سمعت في صلاة الخوف .

وأخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا مسدد أنا يحيى عن شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه عن صالح بن خوات ، عن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا .

وذهب قوم إلى أن الإمام إذا قام إلى الركعة الثانية تذهب الطائفة الأولى في خلال الصلاة إلى وجاه العدو وتأتي الطائفة الثانية فيصلي بهم الركعة الثانية ويسلم وهم لا يسلمون بل يذهبون إلى وجاه العدو ، وتعود الطائفة الأولى فتتم صلاتها ، ثم تعود الطائفة الثانية فتتم صلاتها ، وهذه رواية عبد الله بن عمر رضي [ ص: 278 ] الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى كذلك . وهو قول أصحاب الرأي .

أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي ، أنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي ، أنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ، أنا أبو عيسى الترمذي ، أنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، أنا يزيد بن زريع ، أنا معمر ، عن الزهري ، عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف بإحدى الطائفتين ركعة والطائفة الأخرى مواجهة العدو ، ثم انصرفوا فقاموا في مقام أولئك وجاء أولئك فصلى بهم ركعة أخرى ثم سلم بهم ، فقام هؤلاء فصلوا ركعتهم .

وكلتا الروايتين صحيحة ، فذهب قوم إلى أن هذا من الاختلاف المباح ، وذهب الشافعي رضي الله عنه إلى حديث سهل بن أبي حثمة لأنه أشد موافقة لظاهر القرآن وأحوط للصلاة وأبلغ في حراسة العدو ، وذلك لأن الله تعالى قال : ( فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ) أي : إذا صلوا ، ثم قال : ( ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا ) وهذا يدل على أن الطائفة الأولى قد صلوا ، وقال : ( فليصلوا معك ) فمقتضاه أن يصلوا تمام الصلاة ، فظاهره يدل أن كل طائفة تفارق الإمام بعد تمام الصلاة ، والاحتياط لأمر الصلاة من حيث أنه لا يكثر فيها العمل والذهاب والمجيء والاحتياط لأمر الحرب من حيث أنهم إذا لم يكونوا في الصلاة كان أمكن للحرب والهرب إن احتاجوا إليه .

ولو صلى الإمام أربع ركعات بكل طائفة ركعتين جاز . أنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسين الإسفرايني ، أنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الحافظ ، قال أنا الصنعاني ، أنا عفان بن مسلم ، ثنا أبان العطار ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله قال : أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بذات الرقاع وكنا إذا أتينا على شجرة ظليلة تركنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال فجاء رجل من المشركين وسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم معلق بشجرة فأخذ سيف نبي الله صلى الله عليه وسلم فاخترطه فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أتخافني؟ قال : لا . قال : فمن يمنعك مني؟ قال : الله يمنعني منك ، قال فتهدده أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فأغمد السيف وعلقه فنودي بالصلاة ، قال فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا فصلى بالطائفة الأخرى ركعتين : قال : فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتان " .

أخبرنا عبد الوهاب بن الخطيب ، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، أنا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، أنا الشافعي أخبرني الثقة ابن علية أو غيره ، عن يونس ، عن الحسن ، عن جابر رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 279 ] كان يصلي بالناس صلاة الظهر في الخوف ببطن نخل ، فصلى بطائفة ركعتين ثم سلم ، ثم جاءت طائفة أخرى فصلى بهم ركعتين ثم سلم .

وروي عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف أنه صلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة ولم يقضوا " ورواه زيد بن ثابت وقال : " كانت للقوم ركعة واحدة وللنبي صلى الله عليه وسلم ركعتان " .

وتأوله قوم على صلاة شدة الخوف ، وقالوا : الفرض في هذه الحالة ركعة واحدة .

وأكثر أهل العلم على أن الخوف لا ينقص عدد الركعات ، وإن كان العدو في ناحية القبلة في مستوى إن حملوا عليهم رأوهم صلى الإمام بهم جميعا وحرسوا في السجود ، كما أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أنا أبو نعيم الإسفرايني ، أنا أبو عوانة الحافظ ، أنا عمار ، أنا يزيد بن هارون ، أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء ، عن جابر رضي الله عنهما قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فصففنا خلفه صفين ، والعدو بيننا وبين القبلة فكبر النبي صلى الله عليه وسلم وكبرنا جميعا ثم ركع وركعنا جميعا ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا ، ثم انحدر للسجود والصف الذي يليه ، وقام الصف المؤخر نحر العدو فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم السجود وقام الصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود [ ثم قاموا ثم ] تقدم الصف المؤخر ، وتأخر المقدم ثم ركع النبي صلى الله عليه وسلم وركعنا جميعا ، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا ، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخرا في الركعة الأولى ، وقام الصف المؤخر في نحر العدو ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم السجود والصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا ، ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم وسلمنا جميعا قال جابر رضي الله عنه : كما يصنع حرسكم هؤلاء بأمرائهم .

واعلم أن صلاة الخوف جائزة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم . عند عامة أهل العلم . ويحكى عن بعضهم عدم الجواز ولا وجه له . [ ص: 280 ]

وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمة الله عليه : كل حديث روي في أبواب صلاة الخوف فالعمل به جائز ، روي فيها ستة أوجه أو سبعة أوجه .

وقال مجاهد في سبب نزول هذه الآية عن ابن عياش الزرقي قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان وعلى المشركين خالد بن الوليد فصلينا الظهر ، فقال المشركون : لقد أصبنا غرة لو حملنا عليهم ، وهم في الصلاة فنزلت الآية بين الظهر والعصر .

قوله تعالى : ( وإذا كنت فيهم ) أي : شهيدا معهم فأقمت لهم الصلاة ، ( فلتقم طائفة منهم معك ) أي : فلتقف ، كقوله تعالى : " وإذا أظلم عليهم قاموا " ( البقرة - 20 ) أي : وقفوا ، ( وليأخذوا أسلحتهم ) واختلفوا في الذين يأخذون أسلحتهم ، فقال بعضهم : أراد هؤلاء الذين وقفوا مع الإمام يصلون يأخذون الأسلحة في الصلاة ، فعلى هذا إنما يأخذه إذا كان لا يشغله عن الصلاة ، ولا يؤذي من بجنبه [ فإذا شغلته حركته وثقلته عن الصلاة كالجعبة والترس الكبير أو كان يؤذي من جنبه ] كالرمح فلا يأخذه .

وقيل : وليأخذوا أسلحتهم أي : الباقون الذين قاموا في وجه العدو ، ( فإذا سجدوا ) أي : صلوا ، ( فليكونوا من ورائكم ) يريد مكان الذين هم وجاه العدو ، ( ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا ) وهم الذين كانوا في وجه العدو ، ( فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ) قيل : هؤلاء الذين أتوا ، وقيل : هم الذين صلوا ، ( ود الذين كفروا ) يتمنى الكفار ، ( لو تغفلون ) أي : لو وجدوكم غافلين ، ( عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ) فيقصدونكم ويحملون عليكم حملة واحدة .

( ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم ) رخص في وضع السلاح في حال المطر والمرض ، لأن السلاح يثقل حمله في هاتين الحالتين ، ( وخذوا حذركم ) أي : راقبوا العدو كيلا يتغفلوكم ، والحذر ما يتقى به من العدو .

وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك أنه غزا محاربا وبنى أنمار ، فنزلوا ولا يرون من العدو أحدا ، فوضع الناس أسلحتهم ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة له قد وضع سلاحه حتى قطع الوادي والسماء ترش ، فحال الوادي بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أصحابه فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة فبصر به غورث بن الحارث المحاربي فقال : قتلني الله إن لم أقتله ، ثم انحدر من الجبل ومعه السيف فلم يشعر به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو قائم على رأسه ومعه السيف قد سله من غمده فقال : يا محمد من يعصمك مني الآن؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله ، ثم قال : اللهم اكفني [ ص: 281 ] غورث بن الحارث بما شئت ، ثم أهوى بالسيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضربه فأكب لوجهه من زلخة زلخها من بين كتفيه ، وندر سيفه فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذه ثم قال : يا غورث من يمنعك مني الآن؟ قال : لا أحد ، قال تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأعطيك سيفك؟ قال : لا ولكن أشهد أن لا أقاتلك أبدا ولا أعين عليك عدوا ، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ، فقال غورث : والله لأنت خير مني ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أجل أنا أحق بذلك منك ، فرجع غورث إلى أصحابه فقالوا : ويلك ما منعك منه؟ قال : لقد أهويت إليه بالسيف لأضربه فوالله ما أدري من زلخني بين كتفي فخررت لوجهي ، وذكر حاله قال : وسكن الوادي فقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم الوادي إلى أصحابه فأخبرهم الخبر وقرأ عليهم هذه الآية : ( ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم ) أي : من عدوكم .

وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذه الآية كان عبد الرحمن بن عوف جريحا .

( إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا ) يهانون فيه ، والجناح : الإثم ، من جنحت : إذا عدلت عن القصد .
( فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ( 103 ) )

( فإذا قضيتم الصلاة ) يعني : صلاة الخوف ، أي : فرغتم منها ، ( فاذكروا الله ) أي صلوا لله ( قياما ) في حال الصحة ، ( وقعودا ) في حال المرض ، ( وعلى جنوبكم ) عند الحرج والزمانة ، وقيل : اذكروا الله بالتسبيح والتحميد والتهليل والتمجيد ، على كل حال .

أخبرنا عمرو بن عبد العزيز الكاشاني ، أنا القاسم بن جعفر الهاشمي ، أنا أبو علي محمد بن أحمد اللؤلؤي ، أنا أبو داود السجستاني ، أنا محمد بن العلاء ، أنا ابن أبي زائدة ، عن أبيه ، عن خالد بن سلمة ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه " .

( فإذا اطمأننتم ) أي : سكنتم وأمنتم ، ( فأقيموا الصلاة ) أي : أتموها أربعا بأركانها ، ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) قيل : واجبا مفروضا مقدرا في الحضر أربع ركعات وفي السفر [ ص: 282 ] ركعتان ، وقال مجاهد : أي فرضا مؤقتا وقته الله عليهم .

وقد جاء بيان أوقات الصلاة في الحديث ، أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، أنا حاجب بن أحمد الطوسي ، أنا أبو بكر عبد الله بن هاشم ، حدثنا وكيع ، أنا سفيان ، عن عبد الرحمن بن الحارس ، عن عياش بن أبي ربيعة الزرقي ، عن حكيم بن حكيم عن عباد بن حنيف ، عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أمني جبريل عند البيت مرتين فصلى بي المغرب حين أفطر الصائم ، وصلى بي العشاء حين غاب الشفق ، وصلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم ، وصلى بي الغد الظهر حين كان ظل كل شيء مثله ، وصلى بي العصر حين كان ظل كل شيء مثليه ، وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم ، وصلى بي العشاء ثلث الليل الأول ، وصلى بي الفجر فأسفر ، ثم التفت إلي قال : يا محمد هذا وقت النبيين من قبلك ، الوقت ما بين هذين الوقتين " .

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنا أبو بكر بن الحسن الحيري ، أنا وكيع ، أنا حاجب بن أحمد ، ثنا عبد الله بن هشام ، ثنا وكيع ثنا بدر بن عثمان ، ثنا أبو بكر بن أبي موسى الأشعري ، عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن سائلا أتاه فسأله عن مواقيت الصلاة ، قال : فلم يرد عليه شيئا ثم أمر بلالا فأذن ثم أمره فأقام الصلاة حين انشق الفجر فصلى ، ثم أمره فأقام الظهر ، والقائل يقول : قد زالت الشمس أو لم تزل ، وهو كان أعلم منهم ، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية ، ثم أمره فأقام المغرب حين وقعت الشمس ، ثم أمره فأقام العشاء حين سقوط الشفق ، قال : وصلى الفجر من الغد ، والقائل يقول : طلعت الشمس أو لم تطلع ، وصلى الظهر قريبا من وقت العصر بالأمس وصلى العصر والقائل يقول قد احمرت الشمس وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق الأحمر ، وصلى العشاء ثلث الليل الأول ، ثم قال : أين السائل عن الوقت؟ فقال الرجل : أنا يا رسول الله ، قال : " ما بين هذين الوقتين وقت " .
( ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما ( 104 ) )

قوله تعالى : ( ولا تهنوا في ابتغاء القوم ) الآية ، سبب نزولها أن أبا سفيان وأصحابه لما رجعوا يوم [ ص: 283 ] أحد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم طائفة في آثارهم فشكوا ألم الجراحات ، فقال الله تعالى : ( ولا تهنوا ) أي : لا تضعفوا ( في ابتغاء القوم ) في طلب أبي سفيان وأصحابه ، ( إن تكونوا تألمون ) تتوجعون من الجراح ، ( فإنهم يألمون ) أي : يتوجعون ، يعني الكفار ، ( كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون ) أي : وأنتم مع ذلك تأملون من الأجر والثواب في الآخرة والنصر في الدنيا ما لا يرجون ، وقال بعض المفسرين : المراد بالرجاء الخوف ، لأن كل راج خائف أن لا يدرك مأموله .

ومعنى الآية : وترجون من الله أي : تخافون من الله أي : تخافون من عذاب الله ما لا يخافون ، قال الفراء رحمه الله : ولا يكون الرجاء بمعنى الخوف إلا مع الجحد ، كقوله تعالى : " قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله " ( الجاثية - 14 ) أي : لا يخافون ، وقال تعالى : " ما لكم لا ترجون لله وقارا " ( نوح - 13 ) أي : لا تخافون لله عظمته ، ولا يجوز رجوتك بمعنى : خفتك ولا خفتك وأنت تريد رجوتك ( وكان الله عليما حكيما ) .
( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما ( 105 ) )

قوله تعالى : ( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ) الآية ، روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في رجل من الأنصار يقال له طعمة بن أبيرق من بني ظفر بن الحارث سرق درعا من جار له يقال له قتادة بن النعمان ، وكانت الدرع في جراب فيه دقيق فجعل الدقيق ينتثر من خرق في الجراب حتى انتهى إلى الدار ، ثم خبأها عند رجل من اليهود ، يقال له زيد بن السمين ، فالتمست الدرع عند طعمة فحلف : بالله ما أخذها وما له بها من علم ، فقال أصحاب الدرع : لقد رأينا أثر الدقيق حتى دخل داره ، فلما حلف تركوه واتبعوا أثر الدقيق إلى منزل اليهودي فأخذوه منه ، فقال اليهودي دفعها إلي طعمة بن أبيرق ، فجاء بنو ظفر وهم قوم طعمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألوه أن يجادل عن صاحبهم ، وقالوا له : إنك إن لم تفعل افتضح صاحبنا ، فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاقب اليهودي . ويروى عن ابن عباس رضي الله عنهما في رواية أخرى أن طعمة سرق الدرع في جراب فيه نخالة فخرق الجراب حتى كان يتناثر منه النخالة طول الطريق فجاء به إلى دار زيد السمين وتركه على بابه ، وحمل الدرع إلى بيته ، فلما أصبح صاحب الدرع جاء على أثر النخالة إلى دار زيد السمين فأخذه وحمله إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع يد زيد اليهودي ، وقال مقاتل : إن زيدا [ ص: 284 ] السمين أودع درعا عند طعمة فجحدها طعمة فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فقال : ( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق ) بالأمر والنهي والفصل ، ( لتحكم بين الناس بما أراك الله ) بما علمك الله وأوحى إليك ، ( ولا تكن للخائنين ) [ طعمة ] ( خصيما ) معينا مدافعا عنه .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #119  
قديم 31-03-2021, 08:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (104)
- تفسير البغوى
الجزء الثانى
سُورَةِ النِّسَاءِ

الاية 106 إلى الاية116

( واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما ( 106 ) ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما ( 107 ) يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا ( 108 ) )

( واستغفر الله ) مما هممت من معاقبة اليهودي ، وقال مقاتل : واستغفر الله من جدالك عن طعمة ( إن الله كان غفورا رحيما )

( ولا تجادل ) لا تخاصم ، ( عن الذين يختانون أنفسهم ) أي : يظلمون أنفسهم بالخيانة والسرقة ، ( إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما ) يريد خوانا في الدرع ، أثيما في رميه اليهودي ، قيل : إنه خطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم ، والمراد به غيره ، كقوله تعالى : " فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك " ، والاستغفار في حق الأنبياء بعد النبوة على أحد الوجوه الثلاثة : إما لذنب تقدم على النبوة أو لذنوب أمته وقرابته ، أو لمباح جاء الشرع بتحريه فيتركه بالاستغفار ، فالاستغفار يكون معناه : السمع والطاعة لحكم الشرع .

( يستخفون من الناس ) أي : يستترون ويستحيون من الناس ، يريد بني ظفر بن الحارث ، ( ولا يستخفون من الله ) أي : لا يستترون ولا يستحيون من الله ، ( وهو معهم إذ يبيتون ) يقولون ويؤلفون ، والتبييت : تدبير الفعل ليلا ( ما لا يرضى من القول ) وذلك أن قوم طعمة قالوا فيما بينهم : نرفع الأمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يسمع قوله ويمينه لأنه مسلم ولا يسمع من اليهودي فإنه كافر ، فلم يرض الله ذلك [ ص: 285 ] منهم ، ( وكان الله بما يعملون محيطا ) ثم يقول لقوم طعمة :
( ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا ( 109 ) ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ( 110 ) ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما ( 111 ) ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا ( 112 ) ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما ( 113 ) )

( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما ( 114 ) )

( ها أنتم هؤلاء ) أي : يا هؤلاء ، ( جادلتم ) أي : خاصمتم ، ( عنهم ) يعني : عن طعمة ، وفي قراءة أبي بن كعب : عنه ( في الحياة الدنيا ) والجدال : شدة المخاصمة من الجدل ، وهو شدة الفتل ، فهو يريد فتل الخصم عن مذهبه بطريق الحجاج ، وقيل : الجدال من الجدالة ، وهي الأرض ، فكأن كل واحد من الخصمين يروم قهر صاحبه وصرعه على الجدالة ، ( فمن يجادل الله عنهم ) يعني : عن طعمة ، ( يوم القيامة ) إذا أخذه الله بعذابه ، ( أم من يكون عليهم وكيلا ) كفيلا أي : من الذي يذب عنهم ، ويتولى أمرهم يوم القيامة؟ ثم استأنف فقال :

( ومن يعمل سوءا ) يعني السرقة ، ( أو يظلم نفسه ) برميه البريء ، وقيل : ومن يعمل سوءا أي : شركا أو يظلم نفسه : يعني : إثما دون الشرك ، ( ثم يستغفر الله ) أي : يتب إليه ويستغفره ، ( يجد الله غفورا رحيما ) يعرض التوبة على طعمة في هذه الآية .

( ومن يكسب إثما ) يعني : يمين طعمة بالباطل ، أي : ما سرقته إنما سرقه اليهودي ( فإنما يكسبه على نفسه ) فإنما يضر به نفسه ، ( وكان الله عليما ) بسارق الدرع ( حكيما ) حكم بالقطع على السارق .

( ومن يكسب خطيئة ) أي : سرقة الدرع ، ( أو إثما ) يمينه الكاذبة ، ( ثم يرم به ) أي : يقذف بما جنى ( بريئا ) منه وهو نسبة السرقة إلى اليهودي ( فقد احتمل بهتانا ) البهتان : هو البهت ، وهو الكذب الذي يتحير في عظمه ، ( وإثما مبينا ) أي : ذنبا بينا ، وقوله ( ثم يرم به ) ولم يقل بهما بعد ذكر الخطيئة والإثم ، رد الكناية إلى الإثم ، أو جعل الخطيئة والإثم كالشيء الواحد .

قوله تعالى : ( ولولا فضل الله عليك ورحمته ) يقول للنبي صلى الله عليه وسلم : ( لهمت ) لقد همت أي : [ ص: 286 ] أضمرت ، ( طائفة منهم ) يعني : قوم طعمة ، ( أن يضلوك ) يخطئوك في الحكم ويلبسوا عليك الأمر حتى تدافع عن طعمة ، ( وما يضلون إلا أنفسهم ) يعني يرجع وباله عليهم ، ( وما يضرونك من شيء ) يريد أن ضرره يرجع إليهم ، ( وأنزل الله عليك الكتاب ) يعني : القرآن ، ( والحكمة ) يعني : القضاء بالوحي ( وعلمك ما لم تكن تعلم ) من الأحكام ، وقيل : من علم الغيب ، ( وكان فضل الله عليك عظيما ) .

قوله تعالى : ( لا خير في كثير من نجواهم ) يعني : قوم طعمة ، وقال مجاهد : الآية عامة في حق جميع الناس ، والنجوى : هي الإسرار في التدبير ، وقيل : النجوى ما ينفرد بتدبيره قوم سرا كان أو جهرا ، فمعنى الآية : لا خير في كثير مما يدبرونه بينهم ، ( إلا من أمر بصدقة ) أي : إلا في نجوى من أمر بصدقة ، فالنجوى تكون فعلا وقيل : هذا استثناء منقطع ، يعني : لكن من أمر بصدقة ، وقيل النجوى هاهنا : الرجال المتناجون ، كما قال الله تعالى " وإذ هم نجوى " ( الإسراء - 47 ) . ( إلا من أمر بصدقة ) أي : حث عليها ، ( أو معروف ) أي : بطاعة الله وما يعرفه الشرع ، وأعمال البر كلها معروف ، لأن العقول تعرفها .

( أو إصلاح بين الناس ) أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، أنا حاجب بن أحمد الطوسي ، أنا محمد بن حماد ، أنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن سالم هو ابن أبي الجعد ، عن أم الدرداء رضي الله عنها ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصدقة والصلاة " ؟ قال : قلنا بلى ، قال : " إصلاح ذات البين . وفساد ذات البين هي الحالقة " .

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران ، أنا إسماعيل [ ص: 287 ] ابن محمد الصفار ، أنا أحمد بن منصور الرمادي ، ثنا عبد الرزاق ، ثنا معمر ، عن الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أمه أم كلثوم بنت عقبة ، وكانت من المهاجرات الأول ، قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ليس بالكذاب من أصلح بين الناس فقال خيرا أو نمى خيرا " .

قوله تعالى : ( ومن يفعل ذلك ) أي : هذه الأشياء التي ذكرها ، ( ابتغاء مرضاة الله ) أي : طلب رضاه ، ( فسوف نؤتيه ) في الآخرة ، ( أجرا عظيما ) قرأ أبو عمرو وحمزة ( يؤتيه ) بالياء ، يعني : يؤتيه الله ، وقرأ الآخرون بالنون .
( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ( 115 ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا ( 116 ) )

قوله تعالى : ( ومن يشاقق الرسول ) نزلت في طعمة بن أبيرق وذلك أنه لما ظهرت عليه السرقة خاف على نفسه من قطع اليد والفضيحة ، فهرب إلى مكة وارتد عن الدين ، فقال تعالى : ( ومن يشاقق الرسول ) أي : يخالفه ، ( من بعد ما تبين له الهدى ) التوحيد والحدود ( ويتبع غير سبيل المؤمنين ) [ أي : غير طريق المؤمنين ( نوله ما تولى ) أي : نكله في الآخرة ] إلى ما تولى في الدنيا ، ( ونصله جهنم وساءت مصيرا )

روي أن طعمة بن أبيرق نزل على رجل من بني سليم من أهل مكة يقال له الحجاج بن علاط ، فنقب بيته فسقط عليه حجر فلم يستطع أن يدخل ولا أن يخرج حتى أصبح ، فأخذ ليقتل ، فقال بعضهم : دعوه فإنه قد لجأ إليكم فتركوه فأخرجوه من مكة ، فخرج مع تجار من قضاعة نحو الشام ، فنزلوا منزلا فسرق بعض متاعهم وهرب ، فطلبوه وأخذوه ورموه بالحجارة حتى قتلوه ، فصار قبره تلك الحجارة ، وقيل : إنه ركب سفينة إلى جدة فسرق فيها كيسا فيه دنانير فأخذ ، فألقي في البحر ، وقيل : إنه نزل في حرة بني سليم وكان يعبد صنما إلى أن مات فأنزل الله تعالى فيه :

( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا ) أي : ذهب عن الطريق وحرم الخير كله ، وقال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما ، إن [ ص: 288 ] هذه الآية نزلت في شيخ من الأعراب جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله إني شيخ متهتك في الذنوب ، إلا أني لم أشرك بالله شيئا منذ عرفته وآمنت به ، ولم أتخذ من دونه وليا ولم أواقع المعاصي جرأة على الله ، وما توهمت طرفة عين أني أعجز الله هربا ، وإني لنادم تائب مستغفر فما حالي؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #120  
قديم 31-03-2021, 08:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (105)
- تفسير البغوى
الجزء الثانى
سُورَةِ النِّسَاءِ

الاية 117 إلى الاية125


( إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا ( 117 ) لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا ( 118 ) )

قوله تعالى : ( إن يدعون من دونه إلا إناثا ) نزلت في أهل مكة ، أي : ما يعبدون ، كقوله تعالى : " وقال ربكم ادعوني " ( غافر - 60 ) أي : اعبدوني ، بدليل قوله تعالى : " إن الذين يستكبرون عن عبادتي " ( غافر - 60 ) ، قوله : ( من دونه ) أي : من دون الله ، ( إلا إناثا ) أراد بالإناث الأوثان لأنهم كانوا يسمونها باسم الإناث ، فيقولون : اللات والعزى ومناة ، وكانوا يقولون لصنم كل قبيلة : أنثى بني فلان فكان في كل واحدة منهن شيطان يتراءى للسدنة والكهنة ويكلمهم ، ولذلك قال : ( وإن يدعون إلا شيطانا ) هذا قول أكثر المفسرين .

يدل على صحة هذا التأويل - أن المراد بالإناث الأوثان - : قراءة ابن عباس رضي الله عنه ( إن يدعون من دونه إلا أثنا ) جمع جمع الوثن فصير الواو همزة ، وقال الحسن وقتادة : إلا إناثا أي : مواتا لا روح فيه ، لأن أصنامهم كانت من الجمادات ، سماها إناثا لأنه يخبر عن الموات ، كما يخبر عن الإناث ، ولأن الإناث أدون الجنسين ، كما أن الموات أرذل من الحيوان ، وقال الضحاك : أراد بالإناث الملائكة ، وكان بعضهم يعبدون الملائكة ويقولون : الملائكة إناث ، كما قال الله تعالى : " وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا " ( الزخرف - 19 ( وإن يدعون إلا شيطانا مريدا ) أي : وما يعبدون إلا شيطانا مريدا لأنهم إذا عبدوا الأصنام فقد أطاعوا الشيطان ، والمريد : المارد ، وهو المتمرد العاتي الخارج عن الطاعة ، وأراد : إبليس .

( لعنه الله ) أي : أبعده الله من رحمته ، ( وقال ) يعني : قال إبليس ، ( لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا ) أي : حظا معلوما ، فما أطيع فيه إبليس فهو مفروضه ، وفي بعض التفاسير : من كل ألف واحد لله تعالى وتسعمائة وتسعة وتسعون لإبليس ، وأصل الفرض في اللغة : القطع ، ومنه الفرضة في [ ص: 289 ] النهر وهي الثلمة تكون فيه ، وفرض القوس والشراك : للشق الذي يكون فيه الوتر والخيط الذي يشد به الشراك .
( ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا ( 121 ) )

( والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ( 123 ) )

( ولأضلنهم ) يعني : عن الحق ، أي : لأغوينهم ، يقوله إبليس ، وأراد به التزيين ، وإلا فليس إليه من الإضلال شيء ، كما قال : لأزينن لهم في الأرض ( الحجر - 39 ) ( ولأمنينهم ) قيل : أمنينهم ركوب الأهواء ، وقيل : أمنينهم أن لا جنة ولا نار ولا بعث ، وقيل : أمنينهم إدراك الآخرة مع ركوب المعاصي ، ( ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ) أي : يقطعونها ويشقونها ، وهي البحيرة ( ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ) قال ابن عباس رضي الله عنهما والحسن ومجاهد وسعيد بن المسيب والضحاك : يعني دين الله ، نظيره قوله تعالى : " لا تبديل لخلق الله " ( الروم - 30 ) أي : لدين الله ، يريد وضع الله في الدين بتحليل الحرام وتحريم الحلال .

وقال عكرمة وجماعة من المفسرين : فليغيرن خلق الله بالخصاء والوشم وقطع الآذان حتى حرم بعضهم الخصاء وجوزه بعضهم في البهائم ، لأن فيه غرضا ظاهرا ، وقيل : تغيير خلق الله هو أن الله تعالى خلق الأنعام للركوب والأكل فحرموها ، وخلق الشمس والقمر والأحجار لمنفعة العباد فعبدوها من دون الله ، ( ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله ) أي : ربا يطيعه ، ( فقد خسر خسرانا مبينا )

( يعدهم ويمنيهم ) فوعده وتمنيته ما يوقع في قلب الإنسان من طول العمر ونيل الدنيا ، وقد يكون بالتخويف بالفقر فيمنعه من الإنفاق وصلة الرحم كما قال الله تعالى : " الشيطان يعدكم الفقر " ( البقرة - 268 ) ويمنيهم بأن لا بعث ولا جنة ولا نار ( وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ) أي : باطلا .

( أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا ) أي : مفرا ومعدلا عنها .

قوله تعالى : ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار ) [ ص: 290 ] أي : من تحت الغرف والمساكن ، ( خالدين فيها أبدا وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا )

قوله تعالى : ( ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب ) الآية . قال مسروق وقتادة والضحاك : أراد ليس بأمانيكم أيها المسلمون ولا أماني أهل الكتاب يعني اليهود والنصارى ، وذلك أنهم افتخروا ، فقال أهل الكتاب : نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم فنحن أولى بالله منكم ، وقال المسلمون : نبينا خاتم الأنبياء وكتابنا يقضي على الكتب ، وقد آمنا بكتابكم ولم تؤمنوا بكتابنا فنحن أولى .

وقال مجاهد : ( ليس بأمانيكم ) يا مشركي أهل الكتاب ، وذلك أنهم قالوا : لا بعث ولا حساب ، وقال أهل الكتاب : " لن تمسنا النار إلا أياما معدودة " ( البقرة - 80 ) " لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى " ( البقرة - 111 ) ، فأنزل الله تعالى : ( ليس بأمانيكم ) أي : ليس الأمر بالأماني وإنما الأمر بالعمل الصالح .

( من يعمل سوءا يجز به ) وقال ابن عباس وسعيد بن جبير وجماعة : الآية عامة في حق كل عامل .

وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما : لما نزلت هذه الآية شقت على المسلمين وقالوا : يا رسول الله وأينا لم يعمل سوءا غيرك فكيف الجزاء؟ قال : " منه ما يكون في الدنيا ، فمن يعمل حسنة فله عشر حسنات ، ومن جوزي بالسيئة نقصت واحدة من عشر ، وبقيت له تسع حسنات ، فويل لمن غلبت آحاده أعشاره ، وأما ما يكون جزاء في الآخرة فيقابل بين حسناته وسيئاته ، فيلقى مكان كل سيئة حسنة وينظر في الفضل ، فيعطى الجزاء في الجنة فيؤتي كل ذي فضل فضله " .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، ثنا أبو بكر محمد بن أحمد العبدوسي ، ثنا أبو بكر أحمد بن سليمان الفقيه ببغداد ، ثنا يحيى بن جعفر بن الزبرقان والحرث بن محمد ، قالا ثنا روح هو ابن عبادة ، ثنا موسى بن عبيدة ، أخبرني مولى بن سباع : سمعت عبد الله بن عمر يحدث عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزلت عليه هذه الآية : ( من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا بكر ألا أقرئك آية أنزلت علي؟ قال : قلت بلى ، قال : فأقرأنيها ، قال : ولا أعلم إلا أني وجدت انفصاما في ظهري حتى تمطيت لها ، فقال رسول [ ص: 291 ] الله صلى الله عليه وسلم : ما لك يا أبا بكر؟ فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي وأينا لم يعمل سوءا؟ إنا لمجزيون بكل سوء عملناه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما أنت يا أبا بكر وأصحابك المؤمنون فتجزون بذلك في الدنيا حتى تلقوا الله ، وليست لكم ذنوب ، وأما الآخرون فيجمع ذلك لهم حتى يجزوا يوم القيامة " .
( ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا ( 125 ) )

قوله تعالى : ( ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا ) أي : مقدار النقير ، وهو النقرة التي تكون في ظهر النواة ، قرأ ابن كثير وأبو جعفر وأهل البصرة وأبو بكر ( يدخلون ) بضم الياء وفتح الخاء هاهنا وفي سورة مريم وحم المؤمن ، زاد أبو عمرو : " يدخلونها " في سورة فاطر ، وقرأ الآخرون بفتح الياء وضم الخاء .

روى الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال : لما نزلت ( ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ) قال أهل الكتاب : نحن وأنتم سواء ، فنزلت هذه الآية : ( ومن يعمل من الصالحات ) الآية ، ونزلت أيضا :

( ومن أحسن دينا ) أحكم دينا ( ممن أسلم وجهه لله ) أي أخلص عمله لله ، وقيل : فوض أمره إلى الله ، ( وهو محسن ) أي : موحد ، ( واتبع ملة إبراهيم ) يعني : دين إبراهيم عليه السلام ، ( حنيفا ) أي : مسلما مخلصا ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : ومن دين إبراهيم الصلاة إلى الكعبة [ ص: 292 ] والطواف بها ومناسك الحج ، وإنما خص إبراهيم لأنه كان مقبولا عند الأمم أجمع ، وقيل : لأنه بعث على ملة إبراهيم وزيد له أشياء .

( واتخذ الله إبراهيم خليلا ) صفيا ، والخلة : صفاء المودة ، وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما : كان إبراهيم عليه السلام أبا الضيفان ، وكان منزله على ظهر الطريق يضيف من مر به من الناس ، فأصاب الناس سنة فحشروا إلى باب إبراهيم عليه السلام يطلبون الطعام وكانت الميرة له كل سنة من صديق له بمصر ، فبعث غلمانه بالإبل إلى الخليل الذي له بمصر ، فقال خليله لغلمانه : لو كان إبراهيم عليه السلام إنما يريده لنفسه احتملنا ذلك له ، فقد دخل علينا ما دخل على الناس من الشدة ، فرجع رسلإبراهيم عليه السلام ، فمروا ببطحاء فقالوا : [ إنا لو ] حملنا من هذه البطحاء ليرى الناس أنا قد جئنا بميرة ، فإنا نستحي أن نمر بهم وإبلنا فارغة ، فملئوا تلك الغرائر سهلة ثم أتوا إبراهيم فأعلموه وسارة نائمة ، فاهتم إبراهيم لمكان الناس ببابه ، فغلبته عيناه فنام واستيقظت سارة وقد ارتفع النهار ، فقالت : سبحان الله ما جاء الغلمان؟ قالوا : بلى ، قالت : فما جاءوا بشيء؟ قالوا : بلى ، فقامت إلى الغرائر ففتحتها فإذا هي أجود دقيق حواري يكون ، فأمرت الخبازين فخبزوا وأطعموا الناس فاستيقظ إبراهيم فوجد ريح الطعام ، فقال : يا سارة من أين هذا؟ قالت : من عند خليلك المصري ، فقال : هذا من عند خليلي الله ، قال : فيومئذ اتخذه الله خليلا . قال الزجاج : معنى الخليل الذي ليس في محبته خلل ، والخلة : الصداقة ، فسمي خليلا لأن الله أحبه واصطفاه . وقيل : هو من الخلة وهي الحاجة ، سمي خليلا أي : فقيرا إلى الله [ لأنه لم يجعل فقره وفاقته إلا إلى الله عز وجل ] والأول أصح لأن قوله ( واتخذ الله إبراهيم خليلا ) يقتضي الخلة من الجانبين ، ولا يتصور الحاجة من الجانبين .

ثنا أبو المظفر بن أحمد التيمي ، ثنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم ، ثنا خيثمة بن سليمان بن حيدرة الأطرابلسي ، ثنا أبو قلابة الرقاشي ، ثنا بشر بن عمر ، ثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أبا بكر أخي وصاحبي ، ولقد اتخذ الله صاحبكم خليلا " .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 295.71 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 289.83 كيلو بايت... تم توفير 5.89 كيلو بايت...بمعدل (1.99%)]