|
|
من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
بعد الفراق(قصة)
بعد الفراق(قصة) د. شادن شاهين تصورتُ أنه بعد غياب سنوات سأعود لأجِد كلَّ شيء في المدينة قد تغيَّر! ولكنني - يا للغرابة! - وجدتُ كلَّ شيء باقيًا على حاله، بالضبط كما تركته! لا زالت نفس الوجوه المكدودة العابسةِ تسعى تحتَ لَفْحِ الشمس، كآلات بلا روحٍ، غابت عنها الابتسامةُ، وحفَر العبوسُ أخاديدَه على الخدَّيْنِ والجبهة، ووشَتِ الأيادي الجافةُ الباردة بأسرارٍ كثيرة. لا زالت نفسُ الوجوه البيضاءِ الضاحكة راقدةً في أماكنها، تسعى إليها الوجوهُ السمراءُ العابسة، حاملةً أكوامًا من البسمات على أطباق العوز. ولا زالت الأبراجُ الشاهقةُ تَحْجُبُ ضوءَ الشمسِ عن البيوت المتهالكة في الحارات الضيقة. ولا زال اللونُ الأخضر يختار أين ينمو في كبرياء، بينما اللون الترابي يفرضُ وجودَه، ويشيح بصولجانِ القهر لنفس الوجوه. لا زال الحبُّ كلماتٍ، مجردَ كلمات في روايات قديمة، بينما حلَّ محلَّه نفسُ المفاهيم العفنة، النازحة إلى مدينتي منذ سنين. لا زلتُ أنا كما أنا، ولا زالت الأرض تصرخُ في وجهي، مطالبةً إياي بالرحيل. ولا شيء أراه يتغير أبدًا إلا لونَ أوراق الشجر، إذا هبَّت عليها رياح الخريف. نظرتُ في المرآة، فرأيت ترسًا شُلَّت حركتُه، في ساعة معطلة، منذ بدأ العمر. أمسكتُ ريشتي، ورسمتُ مدينتي، بالضبط كما أحلم بها: بيضاء، تملؤها الورود، وتُمطرها ابتساماتٌ رَقْراقةٌ. علقتُ لوحة الأوهام على حائط قديم في زاوية صغيرة بسوق المدينة، نظرتُ إليها من بعيد، فابتسمت، حملتُ حقيبتي، ورحلتُ دون كلام.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |