الشعر العربي في تشاد جسر للتواصل العربي الإفريقي - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 187 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 117 - عددالزوار : 28432 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 175 - عددالزوار : 60056 )           »          خطورة الوسوسة.. وعلاجها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          إني مهاجرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          الضوابط الشرعية لعمل المرأة في المجال الطبي.. والآمال المعقودة على ذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 827 )           »          صناعة الإعلام وصياغة الرأي العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          من تستشير في مشكلاتك الزوجية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          فن إيقاظ الطفل للذهاب إلى المدرسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-04-2021, 06:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي الشعر العربي في تشاد جسر للتواصل العربي الإفريقي

الشعر العربي في تشاد جسر للتواصل العربي الإفريقي


حسب الله مهدي فضله




المقدمة:
تُمثِّل جمهوريَّة تِشاد جِسرًا طبيعيًّا للتواصُل بين أبناء الأُمَّتينِ العربيَّةِ والإفريقيَّةِ، حيثُ تحتلُّ موقعًا جغرافيًّا متميزًا يَربط بين الدُّول العربيَّة - بمفهومها السياسيِّ، المتمثل في الانضمام إلى جامعة الدُّول العربيَّة - وبين الدُّول الإفريقيَّة غير العربيَّة؛ نظرًا لكونها ترتبط بحدود جغرافيَّة سياسيَّة مع عدد من هذه الدُّول؛ منها اثنتانِ عضوانِ في جامعة الدُّول العربيَّة؛ هما: السودان من الشرق، والجماهيرية اللِّيبيَّة من الشَّمال، وأربعُ دُول إفريقيَّة غير عربيَّة؛ هي: النيجر ونيجيريا من الغرب، والكاميرون من الجنوب الغربيِّ، وجمهوريَّة إفريقيا الوُسطَى من الجنوب.

كما شكَّلتْ تِشاد مَحْضِنًا للتمازُج العربيِّ الإفريقيِّ من الناحية الاجتماعيَّة؛ نظرًا لوجود عدد كبير من القبائل العربيَّة التي تمازجت مع القبائل الإفريقيَّة، وشكَّلتْ بانصهارها شعبًا يجمع بين الانتماء العربيِّ، والانتماء الإفريقيِّ، تحت مُسمًّى جديد، هو (الشعب التِّشاديُّ).

وقد اتخذ هذا الشعبُ التِّشاديُّ منذ قرون عديدة اللغةَ العربيَّةَ لُغةً للتواصُل والتخاطُب الرسميِّ والشعبيِّ، كما اتَّخذها لُغةً للأدب والإبداع، فكان وجود الأدب العربيِّ في تِشاد - في حد ذاته، بغض النظر عن مضمونه - مظهرًا للتواصُل العربي الإفريقي؛ لكنْ هذا التواصل لم يقتصر على هذا الجانب فحسبُ؛ بل برز بصورةٍ أوضحَ وأجلى، من خلال الموضوعات والمضامين التي عالجها الشعراء التِّشاديون في إبداعاتهم الشِّعريَّة، والتي جَسَّدت إيمانَهم العميقَ بِهُوِيَّتِهم العربيَّة الإفريقيَّة دون تصادُم ولا تناقُض بين هذين الانتماءين، رغم عدم انضمام هذه الجمهوريَّة الإفريقيَّة إلى جامعة الدول العربيَّة.

ونظرًا لعدم اطلاع أكثر أبناء الأُمَّتين العربيَّة والإفريقيَّة على مسيرة الحركة الأدبيَّة والثقافيَّة في تِشاد؛ فقد رأيت أن أُشارِكَ في فعاليات ملتقى الجامعات الإفريقيَّة الذي تنظِّمه جامعة إفريقيا العالمية، بهذا البحث المتواضع الذي يحمل عنوان: (الشِّعرُ العربيُّ في تِشاد.. جِسرٌ للتواصُل الإفريقيِّ العربيِّ)، والذي يتكون من فصلين رئيسين، وتمهيد وخاتِمة، على النحو التالي:

أمَّا التمهيد: فقد كان عبارةً عن مدخل حول الجذور التاريخية للتواصل العربي الإفريقي، في الأدب العربي التِّشادي، خلالَ عهد الممالك التِّشادية القديمة.

بينما جاء الفصل الأول بعنوان: (التواصل مع القضايا الإفريقيَّة في الشِّعر العربيِّ التِّشاديِّ)، متناوِلاً اهتمامَ شعراءِ العربيَّة في تِشاد بالقضايا الإفريقيَّة وتفاعلَهم معها، حيث وظَّف هؤلاء الشعراء التِّشاديون مَلَكاتِهم الفنيةَ والإبداعيةَ للدفاع عن أهمِّ القضايا التي تَشغَل بال أبناء القارَّة الإفريقيَّة، فكتبوا عددًا من القصائد الشعرية التي عَبَّروا فيها عن مشاعرهم تُجاهَ إخوانهم من أبناء الإفريقيَّة، ومجَّدوا فيها النضال الإفريقيَّ للتخلص من براثن الاستعمار، وبناءِ القارَّة الإفريقيَّة قويَّةً مُتَّحِدةً.

وحمل الفصل الثاني عنوان: (التواصل مع القضايا العربيَّة في الشِّعر التِّشاديِّ)، حيث خصصه الباحث لاستعراض جسور التواصُل مع الدول العربيَّة في الشِّعر التِّشاديِّ، مُقدِّمًا أهمَّ القصائد التي جسَّد فيها الشعراء التِّشاديون حُبَّهم للأمة العربيَّة، وحرصَهم على تقويةِ وترسيخ الروابط الوثيقة التي تربط بإخوانهم من أبناء الدول العربيَّة.

أما الخاتمة: فتضمَّنت أهمَّ النتائج والتوصيات التي تَمخَّضَ عنها هذا البحثُ المتواضِعُ، واللهَ أسأل أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يجعل ما تَعلَّمْناه عنصرًا فاعِلاً في سبيل نهضة أُمَّتنا العربيَّة والإفريقيَّة، وفي خدمة الإنسانيَّة جمعاءَ.

والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.



مدخل حول الجُذور التاريخيَّة للتواصُل العربيِّ الإفريقيِّ
في الأدب التِّشاديِّ خلالَ عهد الممالك التِّشاديَّة القديمة

للأدب عند جميع الأمم والشعوب وظائفُ متعددةٌ، ودوافعُ متباينةٌ، تُحرِّك في الأديب مَلكةَ الإبداع، وتُفجِّر في وجدانه ينابيعَ الإلهام، فقد يكون تعبيرًا عن الذات ومشاعرها، أو الطبيعة ومناظرها، أو عن الأسفار ومخاطرها، وما إلى ذلك؛ لكنْ يبدو أنَّ الأدب العربيَّ في تِشاد منذ انسيابه إلى هذه البلاد، كانت وظيفتُه الأولى، ودافعُه الأهم التواصُلَ مع الدول والشعوب المجاوِرة؛ فلم تَظهر الوظائفُ الأخرى في مسيرة الأدب العربيِّ التِّشاديِّ إلا في وقتٍ متأخرٍ جدًّا، ولم تستطع كل الموضوعات المُستحدَثة أن تطغى على الدَّوْر التواصليِّ، الذي كان يؤدِّيه الأدب العربي في تمتين علاقات التِّشاديين بِمَن حولَهم من الشعوب.

وقد كان لهذا التواصل قديمًا وِجهةٌ واحدة لا يحيد عنها ولا يتزحزح، تَشُدُّه نحوَها بوصلة رُوحية وثقافيَّة دقيقة لا تَعرف النكوصَ أوالتذبذُبَ، هي وجهةُ الدول العربيَّة الإسلامية التي كانت قائمةً في شمال إفريقيا ومصرَ والحجاز، والتي كانت عَلاقاتها مع الممالك التِّشاديَّة القديمة عامِلاً قويًّا في بروز الدَّوْر التواصُليِّ للأدب العربيِّ لَدى الممالك التِّشادية.

ولعلَّ مِن جميل الاتفاق أنْ أُقدِّم النصوص الشِّعرية والنثرية التي وصلتْنا من آثار الأدب التِّشادي القديم، لم تصلنا إلا من خلال هذا التواصُل والتلاحم بين تِشاد والدُّول الإسلاميَّة القائمة آنذاكَ فيما يُعرف الآنَ بالعالَم العربيِّ.

فأَقْدَمُ شاعر تِشادي معروف لَدَيْنا الآن - وهو الشاعر إبراهيم الكانَمِيُّ الذي عاش في الفترة ما بين 550-608ه - لم تُتَحْ له فرصةُ تخليدِ جُزءٍ من أشعاره إلاَّ مِن خلال رحلته التي قام بها إلى المغرب في عهد الخليفة يعقوبَ الموحديِّ، حيث وَفَد إليه مبعوثًا مِن مَلِك كانم، ومدحه فَأُعجِب به الخليفةُ[1]، وأبقاه عنده، وهناك الْتَقى بالسفير ابنِ حَمُّوَيْهِ مبعوثِ صلاح الدِّين الأَيوبيِّ إلى سلطان الموحدين، فتصادقا، وروى عنه بعض أشعاره [2].

وعن طريق ابن حَمُّوَيْهِ وبعض كتابات المؤرخين وصلت إلينا بعض النماذج الشِّعريَّة التي خلَّفها هذا الشاعرُ، الذي كانت هذه الزيارةُ سببًا لدُخوله في سِجِّل التاريخ، وتخليد أخباره وأشعاره، على حين لم تُتح تلك الفرصة لأقرانه التِّشاديين آنذاك، فغابت أخبارهم عن صفحات التاريخ المكتوب، ولعلَّ جزءًا منها ضاع في ثنايا ما أتلفه الفَرنسيون مِن مؤلفات العلماء التِّشاديين، التي كان مصيرَها الإحراقُ، أو النقل إلى المتاحف الفَرنسية إِبَّانَ فترة الاستعمار.

ومن أشعاره هذان البيتان المشهوران اللَّذان مدح بهما الخليفةَ يعقوب الموحديَّ عند وصول الشاعر إلى مُرَّاكش ولقائه بالخليفة، فقال [3]:

أَزَالَ حِجَابَهُ عَنَّي وَعَيْنِي تَرَاهُ مِنَ الْمَهَابَةِ فِي حِجَابِ
وَقَرَّبَنِي تَفَضُّلُهُ وَلَكِنْ[4] بَعدْتُ مَهَابَةً عِنْدَ اقْتِرَابِي



ولعلَّ من المناسب هنا أن نذكر أنَّ هذا الشاعر ليس أَوَّلَ شاعر تِشاديٍّ فحسبُ؛ لكنَّه في الحقيقة أقدم شاعر معروف في إفريقيا جنوبَ الصحراء كلِّها؛ أي: ما يُسمَّى قديمًا ببلاد السودان الكبرى، فلا نجد في المصادر ذِكْرًا لشاعر معاصر له من بلاد السودان، أو حتى مُقارِب له، وهذا ما دفع بالباحث ابن شريفة إلى القول بأن "الكانمي بأدبيته المتينة وشاعريته الرفيعة يمثل حالة نادرة؛ بل فريدة في التاريخ الثقافي لبلاد السودان... وربما كان هو أولَ وآخِرَ شاعر عربيٍّ في مستواه تنجبه بلاد السودان" [5]، مستدِلاًّ على ذلك بعبارة الصفديِّ إذ يقول: "ولم يُعرف من أرضه شاعرٌ سواه" [6].

وإنْ كنَّا لا نتفق معه في هذا التعميم المطلق؛ بل نرى أنَّ الأقرب إلى الصواب هو ما قرره الدكتور عبدالله حمدنا الله من أنَّ هذه العبارةَ – في الحقيقة - لا تدل على خُلُوِّ بلاد السودان من شعراء غير الكانمي، قدرَ دَلالتها على جهل الصفديِّ بوجود هؤلاء الشعراء [7].

كما تجدر الإشارة إلى أنَّ هذا الشاعرَ (إبراهيم الكانمي) يمثل نموذجًا مبكرًا للتواصُل العربي الإفريقي من شتى زواياه الاجتماعية - العرقية أو الثقافيَّة - الحضارية، وهذا ما تَعكِسه أشعاره القليلة التي بين أيدينا، والتي يذكر من خلالها أنه من نسيج اجتماعي متلاحم، يجمع بين الخصائص العِرقية العربيَّة، والخصائص الإفريقيَّة دونَ أيِّ تناقُض أو تصادُم بين الهُوِيَّتين، حتى لو حاول المغرضون أن يفرضوا عليه انفصامًا بين هذين الانتماءين.

فيقول مخاطِبًا زوجتَه البيضاء التي حاول حاسدوه الإيقاع بينه وبينها، مستغلين الإشارةَ إلى لَوْنه الأسود، فردَّ الشاعر عليهم بقوله [8]:


غَيْرِي عَلَيْكُنَّ يَا زَهْرَاءُ يَصْطَبِرُ لِأَنَّ صَبْرِي عَلَى ذَاكَ الْهَوَى صَبِرُ
لَوْنِي بِلَوْنِكِ مُزْدَانٌ إِذَا اجْتَمَعا كَمَا يَزِينُ سَوَادَ الْمُقْلَةِ الْحَوَرُ
وَإِنْ شَكَكْتِ فَقِيسِي قَيْسَ تَجْرِبَةٍ فَفِي اخْتِبَارِكَ مَا يُنْسَى بِهِ الْخَبَرُ
إِنِّي وَإِنْ أَلْبَسَتْنِي الْعُجْمُ حُلَّتَهَا فَقَدْ نَمَانِي إِلى ذَكْوَانِهَا مُضَرُ
وَلَا يَسُؤْكِ مِنَ الْأَغْمَادِ حَالِكُهَا إِنْ كَانَ بَاطِنَهَا الصَّمْصَامَةُ الذَّكَرُ




وقد ظلَّ هذا الشاعر مقيمًا في البلاد المغربية منافِحًا عن هُوِيَّته العربيَّة الإفريقيَّة ‏ من خلال رفعه رايةَ الدفاع عن اللون الأسود[9]، الذي عُرف بالدفاع عنه في كثير من الأشعار، دون أن يسبب له هذا اللون الأسود أيَّةَ عقدةنفسية أو معاناة اجتماعية، كما هي حال بعض المنهزمين نفسيًّا، أو المتعصبين لبعض الألوان، بل إننا نَحُس من بعضتعبيراته رنة فخر وزهو بهذا اللون من خلال تعبيره عنه بقوله: (إني وإن ألبستني العُجْمُ حُلَّتَها)، فلفظ "الحُلَّة" بمعناها اللغوي الذي يدل على الزِّيِّ الجميل المكتمل المكون من ثوبين[10].

وإيحائها اللفظيِّ الذي يرمز إلى التحلي والتزيُّن، يوحي بالاطمئنان والهدوء النفسي الناشئ عن قناعة الشاعر بأنَّه ليس في حياته أو نَسَبه أو شخصيَّته ما يخشى عليه من تنقيب الحُسَّاد أو مكائدهم، كأنه يستشعر في داخله مضمون المثل الشعبيِّ السائد في بلاده: "العارف عزه مستريح".

ولم يقتصر هذا الدَّوْر التواصلي للأدب العربي في تِشاد على الإبداع الشعريِّ فحسبُ، بل إنَّ أقدم النصوص النثرية التي وصلت إلينا عن حقْبة الممالك التِّشادية القديمة، كانت تدور أيضًا حول موضوع التواصُل السياسيِّ والاجتماعيِّ والثقافيِّ بين حُكَّام هذه الممالك، ونظرائهم من حُكَّام الدول التي كانت قائمة آنذاك في شمال إفريقيا وفي غربها.

ومن أشهر الأمثلة على ذلك: هذه الرسالة الَّتي أرسلها السلطان عثمان بن إدريس ملك كانم إلى السلطان "برقوق" حاكم مصر عام 794 ه - 139م حول بعض الحوادث الإجرامية التي وقعت على الحدود بين الدولتين، مِن قِبَلِ بعض قُطَّاع الطرق الذين اعتَدَوْا على بعض القوافل التِّجارية الكانمية واختطفوا أهلها.

وكان من بينهم شقيق ملك كانم الذي أرسل هذه الرسالة السياسيَّة التي جاء في مقدمتها:

"الحمد لله الذي جعل الخطَّ تراسلاً بين الأباعد، وتَُرْجمانًا بين الأقارب، ومصافحة بين الأحباب، ومؤنسًا بين العلماء، وموحشًا بين الجُهَّال، ولولا ذلك لبطَلت الكلمات وفسَدت الحاجات، وصلوات الله على نبينا المصطفى ورسولنا المرتضى، الذي أغلق الله به باب النبوة وختم، وجعله آخر المرسَلِين بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، ما ناحت الوُرْقُ، وما عاقب الشروق الأصيل، ثم بعد ذلك أبو بكر وعمر وعثمان وعلي - رضي الله عنهم أجمعين.

من المتوكل على الله - تعالى - الملك الأجلّ، سيف الإسلام، وربيع الأيتام، الملك المِقدام، القائم بأمر الرحمن، المستنصر بالله، المنصور في كل حين وأوان ودهر وزمان، الملك العادل الزاهد، التقيِّ النَّقِيِّ، الأنجد الأمجد، الغَشْمَشْم، فخر الدِّين، زَيْن الإسلام، قُطب الجلالة، سُلالة الكُرَماء، كهف الصدور، مِصباح الظلام، أبي عمرو "عثمان" الملك ابن "إدريس" الحاج أمير المؤمنين المرحوم - كَرَّم الله ضريحه وأدام ذريته - إلى ملك مصر الجليل - أرض الله المباركة - أُمِّ الدنيا:

سلام عليكم أَعْطَرُ من المسك الأَذفَر، وأعذب من ماء الغمام والْيَمِّ، زاد الله مُلْكَكم وسلطانكم، والسلام على جُلَسائكم وفقهائكم وعلمائكم الذين يدرسون القرآن والعلوم، وجماعتكم وأهل طاعتكم... إلخ"[11].

ونختتم استعراضنا للجذور التاريخية للتواصل العربي الإفريقي في الشعر التِّشادي، خلال عهد الممالك التِّشادية قبل دخول الاستعمار، بالوقوف عند الشيخ محمد الأمين الكانمي [1775 - 1835 م ] الذي مثلت رسائله وقصائده، التي تبادلها مع الشيخ عثمان دان فوديو، وابنه محمد بيلو - لونًا من ألوان التواصل السياسيِّ والفكريِّ مع دول القارَّة الإفريقيَّة، كما يمكن أن نعتبرها نموذجًا مبكرًا للحوار الإفريقي – الإفريقي، متخذًا من الأدب والإبداع وسيلةً للتفاوض والإقناع، وما أجملَ الشِّعرَ! وما أَعظَمَه! إذا تَمكَّن من إخماد الحروب، وجعل إراقة المِداد وسيلةً لمنع إراقة الدماء!

فهذا ما تجسده الرسالة الشعرية التي وَجَّهها الشيخ محمد الأمين الكانمي إلى الشيخ محمد بيلو بن عثمان دان فودي قائلاً[12]:

أَلَا عِمْ صَبَاحًا وَاحْضُرِ الذِّهْنَ إِنَّنِي حَرِيصٌ عَلَى مَنْ يَقْبَلُ الْقَوْلَ بِالْفَهْمِ
فَإِنِّي أَرَى نَفْسِي عَلَى الْحَقِّ وَالْهُدَى وَمَا زِغْتُ يَوْمًا عَنْ طَرِيقِ ذَوِي الْعِلْمِ
وَمَا كُنْتُ مُخْتَارًا لِمَا قَدْ سَمِعْتُمُ مِنَ الْغَزْوِ وَالْغَارَاتِ وَالسَّفْكِ لِلدَّمِ
وَلَسْتُ بِعَاتٍ فِي قِتَالِي وَمُعْتَدٍ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنْ دَافِعُ الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ
كَإِنْقَاذِ غَرْقَى وَالْحَرِيقِ وَمَنْ ظُلِمْ وَذَا وَاجِبٌ لَا خَوْفَ فِيهِ مِنَ الْإِثْمِ
وَفِي الصُّلْحِ خَيْرٌ إِنْ رَضِيتُمْ جَوَابَنَا لِنَنْجُو مِنَ التَّأْوِيلِ وَالْقَوْلِ بِالرَّجْمِ
وَلَكِنَّ جِيرَانِي الَّذِينَ يَلُونَكُمْ ذَوُو خَبَطٍ لَا يَرْتَضُونَ بِذِي السِّلْمِ
فَنَسَأَلُ رَبَّ الْعَرْشِ يَجْمَعُ أَمْرَنَا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَيَحْسُنُ بِالْخَتْمِ




وإذا كانت كُلُّ هذه النماذج تتعلق بالعصور القديمة، فإنَّنا نبدأ الآن في تَلَمُّس جوانب هذا التواصُل العربيِّ الإفريقيِّ في الشعر العربيِّ التِّشاديِّ المعاصر - وهو موضوع هذا البحث - وذلك في الفصلين التاليين:


الفصل الأول

التواصل مع القضايا الإفريقيَّة في الشعر العربيِّ التِّشاديِّ

برز موضوع التواصل مع القضايا الإفريقيَّة في الشِّعر التِّشاديِّ في منتصف القرن العشرين تقريبًا، مع انطلاقة حركات التحرر الإفريقيَّة؛ للتخلص من براثن الاستعمار الأورُبِيِّ الذي ابتُليت به القارَّة الإفريقيَّة من حملات الغزو التي اجتاحتها في أواخر القرن التاسعَ عشرَ، وبداية القرن العشرين الميلاديَيْنِ.

أما قبل ذلك، فلم تكن الظروف الاجتماعية والسياسيَّة والثقافيَّة السائدة تدعو إلى إيجاد موضوع التواصل بين أبناء القارَّة الإفريقيَّة كموضوع للإبداع الشعري؛ نظرًا لعدم ظهور خطر خارجيٍّ يستهدف حياة هذه الشعوب ويهدد وجودها، ومعلوم أنَّ الأخطار تعتبر من أهم العوامل الداعية إلى التوحد وجمع الكلمة، كما أنَّ كثيرًا من أجزاء القارَّة في تلك الحُقبة، لم تشهد قيام كِيانات سياسيَّة واضحة تُعْنَى بالعَلاقات الدولية وتنظيم التعاون بينها كما هي الحال في العصر الحاضر.

وعلى كل حال، فقد أدَّى الحِراك السياسي الذي شهدته القارَّة في أعقاب الحرب العالمية الثانية وتداعياتها، إلى بروز موضوع التواصل بين أبناء القارَّة، وتوحيد قضيتهم المتمثلة في التخلص من الاستعمار، والعمل على النهوض بالقارَّة وتنميتها، وتحقيق التطلعات المشروعة التي يتطلع لها أبناء إفريقيا مِن رُقِيٍّ وتقدُّم ولِحاق بالأمم التي سبقتهم في هذا المَيْدان.

ولم يكن الشعراء التِّشاديون بِمَعْزِلٍ عن هذا الحِراك؛ بل كان الموقع الإستراتيجيُّ الذي تتمتع به دولتهم (تشاد) في قلب القارَّة الإفريقيَّة، وكونها جسرًا طبيعيًّا بين شمال القارَّة وجنوبها، ومَعبَرًا لتبادل الثقافات المتنوعة السائدة بين طَرَفِي القارَّة، كل ذلك فرض على الشعراء التِّشاديين أن يكونوا في قلب الأحداث الإفريقيَّة، فوظَّفوا مَلكاتِهم الفنيَّةَ والإبداعية للدفاع عن أهم القضايا التي تَشْغَل بال أبناء القارَّة الإفريقيَّة، فكتبوا عددًا من القصائد الشعرية التي عبَّروا فيها عن مشاعرهم تُجاهَ إخوانهم من أبناء الإفريقيَّة، ومجَّدوا فيها النِّضال الإفريقي للتخلص من براثن الاستعمار، وبناء القارَّة الإفريقيَّة قويةً متحِدةً.

ويمكن تقسيم القضايا الإفريقيَّة في الشعر التِّشادي إلى قسمين رئيسين؛ هما:

1- التواصل مع القضايا الإفريقيَّة العامة.
2- التواصل مع دول إفريقيَّة خاصة.

وهما قسمان قد يتداخلان عند بعض الشعراء، فالوقوف مع أَيَّةِ دولة إفريقيَّة، يعتبر في الوقت نفسه وقوفًا مع القضية الإفريقيَّة؛ نظرًا للتشابك والتشابه بين القضايا الإفريقيَّة في أسبابها ونتائجها، ولكننا نراعي طريقة هؤلاء الشعراء في تعاملهم مع هذه القضايا، فنتناول كل قسم منهما على حِدَةٍ، كما يلي:

أولاً: التواصل مع القضايا الإفريقيَّة العامة:
من أهم القضايا الإفريقيَّة التي شَغَلت أذهان الشعراء التِّشاديين، وأخذت قدرًا كبيرًا من اهتماماتهم: قضيةُ الدعوة إلى الوَحْدة الإفريقيَّة وتجميع الصفوف؛ من أجل إنجاح مسيرة الكفاح ضد الاستعمار الأوربي، الذي كان همًّا إفريقيًّا عامًّا عانى منه الإفريقيون بشتى بُلدانهم واتجاهاتهم، ولم يَسْلَمِ الشعب التِّشادي من أذى المستعمرين ومكائدهم، الأمر الذي ولَّد في نفوسهم شُعورًا جارِفًا بضرورة العمل الدؤوب للتخلص من براثن الاستعمار بكل الوسائل، مهما كلَّف الأمر من جهود وتضحيات.

ولهذا تَبارَى الشعراء التِّشاديون في التعبير عن هذه المشاعر الإفريقيَّة، ورسموا في قصائدهم سبيل الحرية والانعتاق من الاستعمار وويلاته.

فالشاعر التِّشادي عباس محمد عبدالواحد يرى أنَّ المقاومة المسلَّحة وحدَها هي طريق الخلاص من الاستعمار، داعيًا أبناءَ القارَّة الإفريقيَّة كلها للتضامن والوقوف صفًّا واحدًا ضِدَّ المستعمرين ومكائدهم، مُبيِّنًا أنَّ الدعاوَى التي يتذرع بها المستعمرون للبقاء في القارَّة من إعمار وإصلاح لها ما هي إلا حُجج باطلة، وأنَّ الحقيقة الواضحة هي أنَّ الاستعمار هو أساس المشاكل الإفريقيَّة ومصدر معاناة إفريقيا بِرُمَّتها، فيقول [ من الخفيف][13]:

شَعْبُ إِفْرِيقِيَّا الْمُنَاضِلُ يَبْقَى فِي كِفَاحٍ وَغَارَةٍ شَعْوَاءِِ
ضِدَّ مُسْتَوْطِنٍ طَغَى سَامَهُ الْخَسْ فَ، بِعُنْفٍ وَقَسْوَةٍ وَجَفَاءِ
ضِدَّ تَمْيِيزِهِ الْمُشِينِ وَمَا حَا كَ لَهُ مِنْ مَخَاطِرٍ وَشَقَاءِ
كَمْ رَأَى لِلْمُسْتَوْطِنِينَ عُيُونًا سَكِرَتْ بِالْغُرُورِ وَالْخُيَلاءِ
كَيْفَ تَرْجُو دَوَاءَ دَائِكَ مِمَّنْ هُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ الأَدْوَاءِ
فَمِنَ الْجُبْنِ أَنْ نُحَابِيهُ أَوْ نُصْ غِي لِتِلْكَ الْمَشَاعِرِ الْجَوْفَاءِ
بَلْ عَلَيْنَا الْمُضِيَّ فِي السَّيْرِ وَالْمَطْ لَبِ عَبْرَ الْمَعَالَمِ الْوَضَّاءِ
وَحْدَةُ الصَّفِّ وَحْدَةُ الْقَوْلِ وَالْخُطْ طَةِ حَالاً وَوَحْدَةَ الآرَاءِ
فَالنِّزَاعَاتُ وَالتَّنَاحُرُ لا تَخْ دُمُ إِلاَّ مَصَالِحَ الأَعْدَاءِ




وكأنِّي بالشاعر ينظر من وراء حُجُبِ الغَيْب إلى مثل هذا المُلتقَى الإفريقي الرائع الذي نلتقي في رحابه اليوم، حين يختم قصيدته الثائرة بهذين البيتين اللَّذَيْنِ ينضحان بالأمل والتفاؤل بالمستقبل المشرق الذي ينتظر أبناء القارَّة الإفريقيَّة فيقول:


فَبِذَا نَسْتَعِيدُ مَا ضَاعَ ظُلْمًا وَبِذَا نَمْتَطِي ذُرَى الْجَوْزَاءِ
سَوْفَ يَأْتِي الْيَوْمُ الَّذِي نَكْتُبُ التَّا رِيخَ عَنْهَا فِي صَفْحةٍ بَيْضَاءِ




أمَّا الشاعر عيسى عبدالله الذي تميَّز بِتَجرِبتِه الثوريَّة المَيْدانيَّة في الكفاح ضد المستعمرين وأعوانهم، من خلال التحاقه بصفوف جبهة التحرير الوطني التِّشاديَّة، فتعلو نَبراته أكثرَ حِدَّةً وثوريةً، منددًا بِمَن يحاولون موالاة المستعمرين أو التعاون معهم، مع ما اقترفوه من جرائمَ ضد أبناء القارَّة، مُذكِّرًا بما ارتكبوه من مجازرَ بِحقِّ الأجداد، سواءٌ في تِشاد؛ كمجزرة الكبكب (1917م)، أم في غيرها من الدول الإفريقيَّة؛ كالنيجر والجزائر، فيقول [14]:


أَحَاكَى هَواهَا لَدَيْنَا أُنَاسٌ؟! مَعَ الْمُعْتَدِي هَلْ تَمَاهَى قَتِيلُ؟!
وَكَمْ قَدْ عَدَتْ مُنْذُ كَادَتْ فَسَادَتْ عَلَى أَمْسِنَا الْحُرِّ شَرًّا يَصُولُ
فَأَشْرَارُهَا لا يُحِبُّونَ فِينَا مُضِيًّا عَلَى مَا اقْتَضَتْهُ الْعُقُولُ
هُمُ اسْتَعْمَرُونَا فَعَاثُوا فَسَادًا كَمَا عَاثَ وَسْطَ الْبَسَاتِينِ فِيلُ
مَعَ الْمُعْتَدِينَ التَّعَاطِي حَرَامٌ وَأَمَّا التَّمَاهِي فَدَاءٌ وَبِيلُ
مُوَالاتُهُمْ كَاحْتِضَانِ الْأَفَاعِي وَتَمْدِينُهُمْ شَائِعَاٌت تَهُولُ
فَهَلْ نَالَ أَجْدَادُنَا غَيْرَ حَزٍّ؟! وَهَلْ أَحْسَنَتْ غَيْرَ ذَاكَ النُّصُولُ؟!




وَيشْدو الشاعر مُحمَّد عمر الفال بنشيد الوَحْدة وضَمِّ الكلمة، تَحسُّبًا واستعدادًا للمواجهة مع المستعمرين، مستنفِرًا الشبابَ الإفريقيَّ كلَّه في قضية الكفاح ضد الاستعمار، ملفِتًا الأنظارَ إلى الفتن والصراعات الداخلية التي يُعاني منها أبناء القارَّة بسبب مكائد المستعمرين ومؤامراتهم، فيقول في أُنشودته (نشيد إفريقيا)[15]:


نَحْنُ الشَّبَابَ قُوَّةٌ فَتَّاكَةٌ ضِدَّ العِدَا
إِذَا اتَّحَدْنَا كُلُّنَا صَارَتْ قُوَانَا كَالْقَذَى
فِي أَعْيُنِ الْمُسْتَعْمِرِي نَ الْحَاقِدِينَ سَرْمَدًا
هَيَّا لِنَحْمِي الْقَارَةَ السْ سَمْرَاءَ رَمْزًا لِلْفِدَا
هَيَّا لِنَحْمِي قَارَةً أَضَحَتْ تَسِيرُ الْقَهْقَرَى
فَالْغَرْبُ لا يُرِيدُنَا أَنْ نَسْتَغِلَّ أَرْضَنَا
لِذَا يُؤَجِّجْ نَارَهُ مِنْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا




أما الشاعر عبدالواحد السَّنُوسيُّ الذي يعمل الآنَ بالتِّلفاز التِّشادي، فيتحوَّل القَلَم في يده إلى آلة تصوير متحركة، يَبُثُّ مِن خلالها مشهدَ جيوش الاستعمار وهي تقتحم الديار، وتنشر فيها الخراب والدمار، فيتحول فيها كل شيء إلى خراب، رامِزًا للقارَّة السمراء باسم "وديعة"، وذلك في قصيدة مطوَّلة له، استهلَّها بتصوير حالة الدَّعَةِ والأمن والسلام، التي كانت إفريقيا تنعم بها عندما كانت لأبنائها الإفريقيين، إلى أنْ داهمتها جيوش الاستعمار [16]:

وَفِي ذَاتِ يَوْمٍ تَعَالَى الصِّيَاحُ قُبَيْلَ الصَّبَاحِ
وَقَبْلَ سُقُوطِ النَّدَى وَانْقِشَاعِ الضَّبَابِ
تَزَلْزَلَتِ الْأَرْضُ تَحْتَ وَدِيعَةْ
وَثَارَ الْغُبَارُ وَمَادَ التُّرَابْ
وَحَلَّ بِهَا وَعَلَيْهَا الْخَرَابْ
طَوَابِيرُ جَاءَتْ مِنَ الْأَغْرَابْ
مَجُوسٌ وَبَعْضُ النَّصَارَى وَبَعْضُ الْيَهُودِ وَبعْضُ الْكِلَابْ
طَوَابِيرُ جَاءَتْ تَجُرُّ الْحَدِيدَ
وَآلَاتُ مَوْتٍ تُشِيبُ الْوَلِيدَ
وَعَاثُوا فَسَادًا بِأَرْضٍ وَدِيعَةْ
وَقَامَتْ مَذَابِحُهُمْ بِمَهَامٍ شَنِيعَةْ
وَأُعْدِمَ شَيْخٌ وَأُحْرِقَ حَقْلٌ وَدِيسَتْ رَضِيعَةْ
وَسِيقَ الْأَهَالِي إِلَى مَا وَرَاءَ.. وَرَاءَ الطَّبِيعَةْ
وَبِيعُوا هُنَاكَ كَمَا الْعُبُدَانْ
وَمِنْ يَوْمِهَا
تَوَقَّفَ قَلْبُ وَدِيعَةْ
عَنِ الْخَفَقَانْ
وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا شُهُودُ عِيَانْ
سِوَى الْبَاوَبَابْ
يَصِيحُ وَيَنْعِقُ مِنْهَا الْغُرَابْ



ولَم يقفْ تفاعل الشاعر التِّشادي مع القضايا الإفريقيَّة عند الهَمِّ السياسيِّ فحسبُ؛ بل كان التلاحُم مع أحداث القارَّة المختلفة، بآمالها وآلامها، انطلاقًا من الشعور بوَحدة المصير المشترك بين جميع أبناء هذه القارَّة.

ولذلك عندما نكبت القارَّة بالمجاعة التي اجتاحت عددًا من الدول الإفريقيَّة ‏ سنة 1984م، خاصةً تلك الدولَ المُطِلَّة على الصحراء، انبرى الشاعر عباس محمد عبدالواحد للتعبير عن هذه النكبة واستصراخ الضمير العالمي للإسراع بتقديم العون والإغاثة لهذه الشعوب المنكوبة، كما سجَّل إشادة بالجهود الخيرية التي بذلتها بعض الدول العربيَّة، وخاصَّةً المملكةَ العربيَّة السعودية لنجدة إخوانهم المتضررين من هذه المجاعة، فقال [17]:

لَدَى إِفْرِيقِيَا شَعْبٌ تَوَالَتْ عَلَيْهِ عَوَاصِفُ الدُّنْيَا فَتِيَّا
لَقَدْ فَتَكَتْ بهِ الْوَيْلَاتُ فَتْكًا وَأَسْقَتْهُ كُؤُوسَ الْغَمِّ رِيَّا
وَكَبَّلَهُ الْبَلَاءُ بِكُلِّ رُزْءٍ فَرَاحَ يَعِيشُ وَالْبَلْوَى سَوِيَّا
فَفَرَّ البِشْرُ يَوْمَ غَزَاهُ مَدٌّ مِنَ الصَّحَرَاءِ يَطْوِي الْأَرْضَ طَيَّا
يَبِيدُ الْحَرْثَ وَالْأَشْجَارَ حَرْقًا وَيُرْدِي بِالْقُرَى شَعْبًا فَتِيَّا








يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-04-2021, 06:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الشعر العربي في تشاد جسر للتواصل العربي الإفريقي

الشعر العربي في تشاد جسر للتواصل العربي الإفريقي


حسب الله مهدي فضله



ثانيًا: التواصل مع دُول إفريقيَّة خاصَّة:



بالإضافة إلى الرابطة الإفريقيَّة العامة، هناك دول إفريقيَّة لها روابطُ خاصَّةٌ بالشعب التِّشادي، بعضها ناتج عن صِلات الجوار ووشائج القُربَى والتداخل الاجتماعي والإثني بين هذه البلاد، وبعضها ناتج عن صِلات وجدانية أفرزتها حياة الكفاح والنِّضال الثوريِّ ضد الغزو الاستعماريِّ، من مبدأ: (إن المصائب يجمعْنَ المُصابينَا)، وقد وَجدت هذه الأواصر المتنوعة أصداءَها في الشِّعر التِّشادي، ودبَّج الشعراء التِّشاديون قصائدَ عديدةً في تصوير تلك المشاعر التي تَربِطهم بتلك البُلدان.

فعندما كان نظام الفصل العنصري جاثمًا على صدر أبناء جنوب إفريقيا، وقف الشاعر التِّشادي منه موقف الإدانة والتنديد، واعتبره رمزًا للتواطؤ البغيض الذي تقف وراءه القُوَى الاستعمارية كلُّها؛ من أجل إذلال القارَّة السمراء واستغلال خيراتها وثرواتها؛ ولذلك فقد شَهَر الشاعر عباس عبدالواحد هذا التواطؤَ الغربيَّ كدليل على النوايا الاستعمارية المُبيَّتة تُجاهَ هذه القارَّة.

فقال في قصيدته التي اقتطفنا جزءًا من أبياتها فيما سبق صفحة سابقة [18]:




شَعْبُ إِفْرِيقِيَّا الْمُنَاضِلُ يَبْقَى فِي كِفَاحٍ وَغَارَةٍ شَعْوَاءِِ
ضِدَّ مُسْتَوْطِنٍ طَغَى سَامَهُ الْخَسْ فَ بِعُنْفٍ وَقَسْوَةٍ وَجَفَاءِ
ضِدَّ تَمْيِيزِهِ الْمُشِينِ وَمَا حَا كَ لَهُ مِنْ مَخَاطِرٍ وَشَقَاءِ
كَمْ رَأَى لِلْمُسْتَوْطِنِينَ عُيُونًا سَكِرَتْ بِالْغُرُورِ وَالْخُيَلاءِ
كَيْفَ تَرْجُو دَوَاءَ دَائِكَ مِمَّنْ هُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ الْأَدْوَاءِ
فَمِنَ الْجُبْنِ أَنْ نُحَابِيهُ أَوْ نُصْ غِي لِتِلْكَ الْمَشَاعِرِ الْجَوْفَاءِ
بَلْ عَلَيْنَا الْمُضِيَّ فِي السَّيْرِ وَالْمَطْ لَبِ عَبْرَ الْمَعَالَمِ الْوَضَّاءِ
وَحْدَةُ الصَّفِّ وَحْدَةُ الْقَوْلِ وَالْخُطْ طَةِ حَالاً وَوَحْدَةُ الآرَاءِ
فَالنِّزَاعَاتُ وَالتَّنَاحُرُ لا تَخْ دُمُ إِلاَّ مَصَالِحَ الْأَعْدَاءِ





إلى أن يقول مخاطِبًا ابنَ إفريقيا:




فَلِإِفْرِيقِيَّا عَلَيْكَ دُيونٌ أَدِّ عَنْ حَقِّهَا بِكُلِّ وَفَاءِ
كَي يَصِيرَ الْجَنُوبُ حُرًّا طَلِيقًا بَعْدَ أَنْ كَانَ خَافَتَ الْأَصْدَاءِ
كَيْفَ تَرْجُو دَوَاءَ دَائِكَ مِمَّنْ هُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ الْأَدْوَاءِ
إِنْ يَكُنْ مَا يَقُولُهُ الْيَوْمَ حَقًّا عَنْ قَضَايَا إِفْرِيقِيَا السَّوْدَاءِ
فَلِمَاذَا وَمَا الْمُبَرِّرُ فِي دَعْ مِ نِظَامِ الْجَنُوبِ بِالْإِيوَاءِ؟!
فَمِنَ الْجُبْنِ أَنْ نُحَابِيهُ أَوْ نُصْ غِي لِتِلْكَ الْمَشَاعِرِ الْجَوْفَاءِ





وبَيْنما كان الشاعر الثائر عيسى عبدالله يخوض غِمار المعارك في الغابات التِّشادية ضِدَّ النظام الذي يعتبره عميلاً للاستعمار، تناهت إلى مسامعه أنباء الثورة المشتعلة في المستعمرات البُرتغالية بإفريقيا في موزمبيق وبيساو، للتَّخلُص من نِيرِ الاستعمار، فلم تشغله معارُكه الميدانيَّة الماثلة أمامَه عن التفاعل مع رفاق دَربِه الذين لم يَلتقِ بهم في أرض الواقع، لكن كان هناك خيط وجدانيٌّ يَشُدُّه نحوَهم ويؤصل للأخوة الثورية التي تربِط بينهم، باعتبارهم أصحابَ قضيَّة واحدة، في قارَّة واحدة، ضد عدو واحد، فسارعَ إلى كتابة هذه القصيدة التي يُحيِّيهم بها فيقول [19]:


تَأَجَّجِي تَلَهَّبِي،
أَيَا نِيرَانَ ثُوَّارٍ سَعَوْا فِي الْأَرْضْ
فَتَوِّجِي وَقَبِّبي
جَمِيعَ الْغَابِ فِي بِيسَاوَ كَيْ يَنْهَضْ
لِكَيْ تَسْتَشْرِفَ الْأَبْصَارُ قَوْسَ النَّصْرِ يَوْمَ الْعَرْضْ
وَعَرِّجِي لِتَذْهَبِي
جَنُوبًا حَيْثُ أَنْقُولَا دُجَاهَا صَارَ أَيْضًا عَارِمًا بِالْوَمْضْ
فَدَحْرِجِي لِمَغْرِبِ
قُوَى الْمُسْتَعْمِرِ الْبَاغِي، وَحُولِي بَيْنَهُ وَالْغُمْضْ
لِئَلَّا يُعْطِيَ الْإِجْلَاءَ عَنْهَا غَيْرَ حُكْمِ الْفَرْضْ



وتَنداح دائرة التفاعُل الثوريِّ عند الشاعر عيسى عبدالله ، لتشملَ كُلَّ الحركات التحررية الثورية في جميع أجزاء القارَّة الإفريقيَّة شرقًا وغربًا، فهو يقف في صفِّ كل شعب إفريقي يسعى لاسترداد حقوقه المشروعة، مهما كانت طبيعة المعتدي الذي يحاول استلاب هذه الحقوق.

ولذلك نجده يُحيِّي الثورة الإريترية، في قصيدة له بعنوان (يا أسمرا) يقول فيها [20]:




يَا أَسْمُرَا
يَا قَرْيَةً جَمِيلَةً.. يَا أَجْمَلَ الْقُرَى
يَا مَهْبِطَ الرَّبِيعِ.. بَلْ يَا جَنَّةَ الذُّرَى
إِلَيْكِ - يَا جَمِيلَتِي - أُقَدِّمُ السَّلَامْ
مِنْ بُقْعَةٍ شَقِيقَةٍ أُسَطِّرُ السَّلَامْ
أَخُطُّ أَسْطُرًا
فِي صَفْحَةٍ قَدْ سُوِّدَتْ مِنْ أَبْلَغِ الْكَلَامْ
مُسْتَفْهِمًا بِجُمْلَةٍ تَلِيقُ فِي الْمَقَامْ
بِجُمْلَةٍ يَا أَسْمُرَا
كَأَنَّها صَارُوخُ "سَامْ ":
(مَن ظَنَّنَا بِضَاعَةً بِالْمَالِ تُشتَرَى؟!)
فَأَصْبَحَ السُّؤَالُ إِذْ سَرَى
أُنْشُودَةَ الْوَرَى
عَرِيضَةَ اتِّهَامْ
فِي وَجْهِ مَنْ يَرَى
تِلَالَكِ الْأَبِيَّةَ الشَّمَّاءَ لُقْمَةً تُرَامْ
فِي حُلْمِهِ الْحَرَامْ





ونقفِز مع الشاعر التِّشادي عيسى عبدالله قفزة طويلة من شرق القارَّة الإفريقيَّة ‏ إلى غربها، وتحديدًا إلى جمهوريَّة بوركينا فاسو، لكن قيثارته الشِّعريَّة - هذه المَرَّةَ - باتت تشدو بلحن حزين، وتوقع أنغامًا شجِيَّةً، مشاطِرَةً الشعبَ البوركينيَّ أحزانَه على فِراق قائده الملهم (توما سانكرا)، الذي فجعت الشعوب الإفريقيَّة برحيله المفاجئ، بعد أن كانت ترى في شخصه رمزًا للإرادة السياسيَّة المتحررة من قيود التبعية الذليلة للاستعمار، فتدفق الشعر من قيثارة الشاعر حزينًا ساخنًا كتدفق دموع العاصمة البوركينية (واقادقو) [21]:


دَمْعُ وَاقَادُقُو لَمْ يَزَلْ دَافِقًا مِثْلَ سَيْلٍ جَرَى

فَهِيَ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَرَى

ذِكْرَيَاتٍ غَدَتْ مِنْ أَسَاطِيرِ مَأْسَاتِهَا أَسْطُرًا

فِي الصَّبَاحِ الْمُوَشَّى خُيُوطًا سَمَاوِيَّةَ اللُّمَعِ فِي مِثْلِ لَوْنِ الذَّهَبْ

أَسْطُرًا:

عِنْدَ مَرِّ الْمَسَاءِ الْأَثِيرِيِّ، أَوْ عِنْدَمَا يَسْتَحِيلُ الْكَرَى

حِينَ تَشْكُو غِيابَ الْمَثِيلِ الْمُجَارِي - عَلَى الْأَرْضِ - تِلْكَ الشُّهُبْ

عَيْنُ وَاقَا أَوَانَئِذٍ لَا تَرَى مَارِدًا مِنْ أَسَاطِيرِهَا يَلْتَهِبْ

بَلْ تَرَى وَجْه قِدِّيسٍ إِذْ وُجُوهُ النَّبِيِّينَ لَا تُنتَحَلْ

فَتُنَادِي شَرَايِينَهَا فِي انْعِكَاسٍ لِنَبْضِ الْقُلُوبِ الَّتِي رَدَّدَتْ، لَمْ تَهَبْ:

سُنْكَرَا! سُنْكَرَا!

يَا ابْنَ إِفِرِيقِيَا! سُنْكَرَا!

يَا مُنَادًى إِلَى قِمَّةِ الْخَالِدِينَ الَّتِي تَلْتَقِي فِي زُحَلْ

يَا سَلِيلَ الْمغنينَ لِلشَّمْسِ، يَا سُنْكَرَا!

غَيْرَ أَنَّ الْمُنَادَى ارْتَحَلْ

فَاسْتَقَرَّتْ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِ، حَوْلَ (وَاقَا) سَنِيُّ الْمَحَلْ

وَالْجَفَافُ اعْتَرَى

جُلَّ مَا كَانَ مُخْضَوْضِرًا

ونعود مِن تِطوافنا في أرجاء القارَّة الإفريقيَّة إلى دول الجِوار، حيث تتلاحم المشاعر، وتتشابك الأواصر، وتتلاشى الحواجز، فيغدو التواصل متعةً رُوحيَّةً، وسياحةً بدنية يندفع فيها الشاعر بكل كِيانه وجوارحه فيشدو مخاطِبًا عاصمةَ دولة (النيجر)[22]:




نِيَامِي، نَحْوَكِ انْطَلَقَ الْفُؤَادُ يُسَابِقُنِي، مَطِيَّتُهُ الوِدَادُ
يُوَدِّعُني بِخَفْقٍ ثُمَّ يَسْرِي بِأَجْنِحَةٍ لَهَا تُطْوَى الْبِلادُ
بِهِ شَوْقٌ إِلَيْكِ وَقَدْ رَآنِي بَطِيئًا إِذْ تُجَاذِبُني الوِهادُ
فَحَلَّقَ نَحْوَ أُفْقِكِ هاتِفًا بِي كَفَى زَحْفًا، فَقَدْ أَضْنَى الْبُعَادُ





إلى أن يقول:




وَمَا فِي غَيْرِ وَحْدَتِنَا سَبِيلٌ بِهِ المَجْدُ المُؤَثَّلُ يُسْتَعَادُ
إِذَا مَا (نَيْجَرٌ) نُكِب‍َتْ بجُرْحٍ فَمِنْ دَمِهَا تَجُودُ لَهَا (تِشَادُ)





فهذه مقتطفات سريعة من رِياض الشِّعر العربيِّ في تِشاد، تُبرز تلاحمَ هذا الشِّعر مع القضايا الإفريقيَّة، وانشغال الشاعر التِّشادي بهموم قارته، والتَّغَنِّي بآلامها وآمالها، والإشادة ببطولاتها وأمجادها، والتطلع إلى نهضتها وببناء مستقبلها.

وإن هذه المشاعرَ الجيَّاشة التي تتدفق من قلوب هؤلاء الشعراء بلسانهم العربي المبين - وهم جزء أصيل لا يتجزأ من أبناء هذه القارَّة المِعطاء - لِتقدِّمَ لنا أقوى دليل على أن اللغة العربيَّة تمثل عنصرًا من عناصر التواصل الإفريقي، وأداة من أدوات الإبداع الفني الذي ينبغي أن تعتز به هذه القارَّة، وأن تواجه به كلَّ المحاولات المغرضة التي تحاول أن تَدُّق إسفين الفرقة والتمزُّق بين أبناء هذه القارَّة، وتُوهِم بعضَهم بأن اللغة العربيَّة وما تحمله من ثقافة وفكر إسلامِيَّيْنِ، ما هي إلا لغة أجنبية أو غازية ، يحاول أصحابها القضاء على الثقافات المحلية وإقصاء أصحابها، كما تفعل الثقافات الأخرى التي تمارس مثل هذا النوع من الهيمنة والإقصاء للآخرين، ولكنْ هيهاتَ!



مَا الضَّادُ جِنسٌ وَلَا أَرْضٌ يُحَدُّ لَهَا وَإِنَّما هِيَ لفظٌ واسِعٌ عَمَمُ
مَن قَالَهَا عُدَّ مِنْ أَغْصَانِ دَوْحَتِها نَمَّاهُ زِنْجٌ أَمِ الْيُونَانُ وَالْعَجَمُ
أَمْ ضَمَّهُ البحرُ أَمْ فِي الْبَرِّ مَسْكَنُهُ أَمْ كَانَ بِالْقُطْبِ يَفْرِي الدُّبَّ يلتَهِمُ
سَلْمَانُ[23] صَارَ بِها قُحًّا، لَهُ نَسَبٌ لِلْبَيْتِ، تَنْهَلُ مِنْ أَقْوالِهِ الْأُمَمُ
وابنُ المُقَفَّعِ أَمْسَى مِن أئمَّتِها مَا قِيلَ:"تَبْرَأُ مِنْكَ الْعُرْبُ" إِذْ هَجَمُوا







الفصل الثَّاني


التواصل مع القضايا العربيَّة في الشِّعر التِّشاديِّ


تحتلُّ الدول العربيَّة مكانةً كبيرة في وجدان الشعب التِّشادي؛ نظرًا للعلاقات الوثيقة التي تربط هذا الشعب بأشقِّائِه من أبناء الدول العربيَّة، ويأتي على رأس هذه العَلاقات والوَشائج عَلاقةُ الدِّين الإسلامي الذي تدين به غالبية الشعب التِّشادي، إضافةً إلى رابطة الدَّم التي تربط قِطاعًا عريضًا من المواطنين بأبناء الدول العربيَّة؛ نظرًا لوجود عدد كبير من القبائل العربيَّة الأصيلة ضمن التركيبة الاجتماعية للشعب التِّشادي، إلى غير ذلك من العلاقات التاريخيَّة والثقافيَّة والحضاريَّة.

ومن هنا فقد اهتمَّ الشعراء التِّشاديون بهذا الجانب، وعبَّروا عن مشاعرهم ورغبتهم في توثيق عُرى التواصل والمحبة بين بلادهم والبلاد العربيَّة الأخرى، في شتى المناسبات والمواقف، ووجدتْ جُلُّ القضايا العربيَّة أصداءَها في وجدان هؤلاء الشعراء، وتفاعلوا معها بكل أحاسيسهم، فانهمرت في قوالبَ شعريَّةٍ قد تقل روعةً وعاطفةً عن كثير من القصائد التي يسطرها إخوانهم في تلك البلاد العربيَّة المعنِيَّة بهذه القضايا.

فالشاعر عبدالله يونس المجبري ينتهز فرصة زيارة الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود عاهل المملكة العربيَّة السعودية إلى جمهوريَّة تِشاد عام 1972 م، فيعبر عن فرحة الشعب التِّشادي بهذه الزيارة، باعتبارها مَظْهرًا للتواصل بينهم وبين أبناء الدول العربيَّة خاصةً، وأنه أكبر زعيم عربي يزور البلاد في تلك الفترة، فكتب الشاعر المجبري قصيدة بهذه المناسبة عنوانها: (تحية المستهام في مدح الفيصل المقدام) يقول فيها [من البسيط][24]:




تَظَاهَرَ "الشَّادُ" في أَثوابِه القُشُبِ مُرَحِّبًا بِلِقَاءِ الْعَاهِلِ الْعَرَبِي
يُعِدُّ مِنْ أَبْرَزِ الْأَيَّامِ قَاطِبَةً لِزَائِرٍ جَاءَ بِالتَّرْحِيبِ مُرْتَقَبِ
فَيَا لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِالْعَزِيزِ فَتًى يَمْتَازُ فِي مُلْكِهِ مِنْ أَنْجَبِ النُّجُبِ
كَأَنَّهُمْ حِينَمَا يَسْتَقْبِلُونَ بِهِ يَسْتَقْبِلُونَ مَلِيكًا ظَافِرًا وَأَبِي
وَأَنَّهُمْ حِينَمَا يَسْتَقْبِلُونَ بِهِ يَسْتَقْبِلُونَ رَبِيعًا نَاعِمًا خَصِبِ





وعندما انتصر الجيش المِصريُّ على قوات الاحتلال الإسرائيليِّ في حرب قناة السويس، وحطَّم خط بارليف الشهير في العاشر من رمضان 1393 الموافق 6 أكتوبر 1973 م - اهتزَّ الشاعر التِّشادي عباس محمد عبدالواحد بهذا النصر الخالد، وسطَّر قصيدة حماسيَّة يُحيي فيها الشعب المصريَّ وجنوده البواسل على هذا الإنجاز الكبير الذي أعاد للأُمَّة العربيَّة والإسلامية هيبتَها وعِزَّتَها، فقال من قصيدة له بعنوان (معركة العبور)[25]:




يَا أَرْضَ مِصْرَ عَلَى رُبَاكِ سَلامُ عَادَتْ بِمَجْدِ رُبُوعِكِ الْأَيَّامُ
مَجْدٌ عَلَى الْأَمْجَادِ يَعْلُو قَدْرُهَا وَلَدَيْكِ مِنْهُ قِلَادَةٌ وَوِسَامُ
دَاسَتْهُ أَقْدَامُ الغُزَاةِ هَنِيئَةً هُزِمَ الْغُزَاةُ وَزَالَتِ الْأَقْدَامُ
عَبَرَ الْقَنَاةَ جُيوشُكِ الْعُظْمَى وَقَدْ زُرِعَتْ عَلَى طُولِ الْقَنَا أَلْغَامُ
فِي كُلِّ شِبْرٍ ذُو سِلَاحٍ هَائِلٍ يَجْثُو وَهَذَا مِدْفَعٌ هَدَّامُ
وَهُنَاكَ خَطٌّ لِلْهُجُومِ مُرَسَّخِ حِصْنٌ بِجَيْشِ الْمُجْرِمِينَ مُقَامُ
هُوَ خَطُّ بَارْلِيفَ الَّذِي اعْتَصَمَتْ بِهِ زُمَرُ الْعَدُوِّ وَقَدْ مَضَتْ أَعْوَامُ
وَغَدَتْ تُصرِّحُ أَنَّ كُلَّ جَرَاءَةٍ عَبْرَ الْقَنَاةِ لِجَيْشِ مِصْرَ حَرَامُ!
هُزِمَ الْعَدُوُّ وَلَمْ يَكَنْ لِسِلَاحِهِ أَثَرٌ وَلَا لِهُجُومِهِ إِرْغَامُ
فَتَحَقَّقَتْ أَعْمَالُ مَا نَرْجُوهُ مِنْ قُوَّادِنَا وَتَحَقَّقَتْ أَحْلَامُ
نَصْرٌ عَظِيمٌ لِلْعُرُوبَةِ بَعْدَمَا ظَنَّ الْيَهُودُ بَأَنَّهُ أَوْهَامُ
حَقَّقْتَ يَا جُنْدِيَّ مِصْرَ عَلَى الْوَرَى عَمَلاً تَقَاعَسَ دُونَهُ الضِّرْغَامُ
أَظْهَرْتَ عَنْ سِرِّ السِّيَاسَةِ آيَةً نِعْمَ الْجَرَاءَةُ مِنْكَ وَالْإِقْدَامُ
فَتَحَرَّرَتْ "سَيْنَاءُ" عَنْ يَدِ غَاصِبٍ وَغَدَتْ تُرَفْرِفُ فَوْقَهَا الْأَعْلَامُ





وعِندما تعرَّضت الجماهيريَّة اللِّيبية للحصار المفروض عليها من الدول الغربية، سارع كثير من الشعراء التِّشاديين إلى استنكار هذا الموقف، والتنديد بهذه الضغوطات التي يتعرض لها أحد الشعوب العربيَّة.

ويمتد تواصل الشعراء التِّشاديين مع العالم العربي إلى بلاد الشام، وتحديدًا الجمهوريَّة العربيَّة السُّورية، حيث نجد الشاعر الدكتور محمد عمر الفال الذي تَلقَّى جزءًا من تعليمه في رحاب هذا البلد العريق يحفظ الود والعِرفان لهذا الشعب.

أما الشاعر عبدالواحد حسن السنوسي، فيُشيد بالتواصل مع الدول العربيَّة، مؤكِّدًا على روابط الدِّين واللُّغة والثقافة والحضارة التي تجمع الشعب التِّشادي بأشقائه في الأمة العربيَّة الإسلامية، فيقول[26]:




إِنَّما تَجْمَعُنَا أَقْدَارُنَا مِثْلَمَا يَجْمَعُنَا مَاضٍ غَبَرْ
كُلُّنَا فِي الضَّادِ شَرْقٌ وَاحِدٌ دَرْبُنَا "صَنْعَا" وَإِنْ طَالَ السَّفَرْ





أمَّا القضيَّة العربيَّة الأولى التي لاقت اهتمامًا منقطع النظير لدى الشعراء التِّشاديِّين، فهي القضية الفلسطينية التي تفاعل معها هؤلاء الشعراء، ويعتبر تناول الشعراء التِّشاديين لموضوع القضية الفلسطينيَّة امتدادًا لموقفهم من التواصل، انطلاقًا من إيمانهم بأن فلسطين هي قضية العرب والمسلمين الأولى، وأن التهاون في شأنها جريمةٌ في حق الإسلام والمسلمين، كما أنها تمثل في نظرهم رمزًا لازدواجية المعايير التي تتعامل بها الدول الغربية مع كثير من قضايا الشعوب المستضعفة في العالم.

فقد شارك الشعراء التِّشاديون في الدِّفاع عن فلسطين والمسجد الأقصى، وسطَّروا قصائدَ كثيرةً، حَيَّوْا فيها المجاهدين من أجل تحرير المسجد الأقصى، وندَّدوا بالجرائم التي يرتكبها الصهاينة في حق الشعب الفلسطيني، كما أدانوا مواقف التخاذل والاستسلام التي ظهرت من الزعماء العرب والمسلمين الذين لم يبذلوا جهودهم الكاملة من أجل القضية الفلسطينية، ولم يعملوا على توحيد صفوفهم، وإعداد العُدَّة الكافية لاسترجاع هذا الحق السليب.

ومن أوائل الشعراء التِّشاديين الذين كتبوا عن القضية الفلسطينية: الشاعر عبدالله يونس المجبري الذي كتب قصيدة بعنوان (نداء فلسطين إلى أبنائها المشردين) عام 1967 م يقول فيها[27]:




تَدْعُو بَنِي الْوَطَنِ الْكِرَامِ نِدَاءَهَا شَوْقًا يَهِزُّ حَنِينُهَا أَرْجَاءَهَا
كَحَنِينِ ثَاكِلَةِ الْجَنِينِ مُرِيعَةً تَبْكِي الرُّبُوعُ لِفَقْدِهَا أَبْنَاءَهَا
ذَرَفَتْ فِلَسْطِينُ الدُّمَوعَ غَزِيرَةً تَصِفُ الْوُجُودَ لِهَوْلِ مَا قَدْ سَاءَهَا
كُنَّا نُحَاذِرُ أَنْ تَظَلَّ صَرِيعَةً وَالْقُدْسُ نَادِبَةٌ يَهِيجُ رِثَاءَهَا
فَإِذَا بَنُو الْعُرْبِ الْكِرَامِ مُجِيبَةٌ لَبَّيْكِ فِينَا لَا يُخِيبُ رَجَاءَهَا





ويتأسَّف الشاعر عيسى عبدالله على الحال التي وصلت إليها القضية الفلسطينية، وغياب البطل المُحرِّر الذي يعيد أمجادَ صلاح الدِّين الأيوبيِّ ويسترجع القدس الشريف، فيقول[28]:


أمَّا صَلَاحُ الدِّينِ فَالسُّوَّاحُ قَدْ بَاعُوهُ مِن سَادَاتِ الْحِمَى

تَعْوِيَذَةً ضِدَّ الْحَسَدِ

إِذْ كَانَ مُلَقًى فِي أَرِيحا شِلْوَ تِمْثَالٍ هَوَى

مُسْتَرْجِعًا عَهْدَ البُطُولَاتِ الَّذِي وَلَّى وَرَاحَ

حَتَّى شَرَاهُ الْآلُ بِالدُّولَارِ بَخْسًا (وَفْقَ آلِيَّاتِ سُوقِ الْإنْفِتَاحِ!)..

مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْحَقَّ فِي الدُّنْيَا كَسَدْ

ويقف الشاعر عبدالواحد حسن السُّنوسي مُؤنِّبًا الضميرَ العالميَّ على تجاهل المأساة الفلسطينية، وموقف القُوَى العُظمى التي وهبت ما لا تملك لمن لا يستحق، كما يصور المآسي الأليمة التي عاناها الشعب الفلسطيني مِن قتل وتشريد وغير ذلك، فيقول في قصيدته التي جعلها بعنوان (قصة الضمير)[29]:


أَتَانِي الضَّمِيرُ يَجُرُّ أَذْيَالاً طَويلةً فِي ذَاتِ لَيْلَةٍ

وَرَاحَ يَقُصُّ عَلَيَّ قِصَّةً جَلِيلَةً.. جَلِيلَةً.. جَلِيلَةً..

* * *

رَاحَ يَحْكِي قِصَّةَ الْيَهُودِ فِي أَرْضِ التُّرَاعْ

مَوْطِنُ الْأَقْصَى الَّذِي عَانَى التَّهَوُّدَ وَالضَّيَاعْ

رَاحَ يَحْكِي قِصَّةَ الْيَهُودِ جَاؤُوا تَحْتَ أَلْفِ بُرْقُعٍ وَملْيُونِ قِنَاعْ

رَاحَ يَحْكِي ذَاكِرًا فِكْرَةَ صِهْيَوْنَ الَّتِي كَانَتْ سَفِينَةَ مُبْتَغَاهُمْ وَالشِّرَاعْ

رَاحَ يَحْكِي كَيْفَ بَاعَ الْبَعْضُ أَنْفُسَهُمْ فَمَاعَ الْأَمْرُ وَاخْتَلَطَ الصِّرَاعْ

رَاحَ يَحْكِي قِصَّةَ التَّشْرِيدِ وَالتَّزْوِيرِ وَالْعَسْفِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ وَصْفَهُ الْيَراعْ

رَاحَ يَحْكِي كَمْ مِنَ الْأَطْفَالِ شَارِدِينَ فِي الْخِيامِ فِي شَتَّى الْبِقَاعْ

رَاحَ يَحْكِي كَمْ حُفَاةٍ كَمْ عُرَاةٍ تَحْتَ أَكْوَاخِ الصَّفِيحِ كَمْ جِيَاعْ

رَاحَ يَحْكِي كَمْ مِنَ الْآمَالِ أَضْحَتْ فِي خَلَايَاهَا قَتِيلَةً، قَتِيلَةً، قَتِيلَةْ

رَاحَ يَحْكِي كَمْ طَرِيدٍ فَارَقَ الْأَرْضَ بِلَا أَدْنَى وَدَاعْ

رَاحَ يُحْصِي كَمْ شَبَابٍ ضَاعَ فِي دُجَى الْأَطْمَاعْ

رَاحَ يَحْكِي كَمْ أَمَانٍ مُسْتَحِيلَةْ

وَأَنْفُسٍ ذَلِيلَةً.. ذَلِيلَةً.. ذَلِيلَةْ..

وبالإضافة إلى القَضيَّة الفَلْسطينيَّة فقد مَثَّلت القضيَّة العراقيَّة جَرحًا جديدًا نازفًا في وجدان الأُمة العربيَّة والإسلامية، كما تفاعلت معها العديد من الشعوب الإفريقيَّة، التي وقفت من العدوان على الشعب العراقي موقف الاستنكار والتنديد، بغض النظر عن مواقفها تُجاه النظام الحاكم الذي كان يحكم العراق قَبل الغزو، والذي تختلف النظرة إليه بين رفض وتأييد.

وقد بدأت معالم الأزمة العراقية في الظهور مع نهاية حرب الخليج الثانية، التي شنَّتها مجموعة من الدول على العراق لإجباره على الرحيل عن الكويت، والاعتراف بسيادتها وكيانها المستقل.

وبغض النظر عن المواقف المختلفة التي وقفتها الشعوب الإسلامية عامة، والإفريقيَّة خاصة، تجاه هذه الأزمة، ما بين مُؤَيِّدٍ للعراق، ومُؤَيِّدٍ للكُوَيت، إلا أن الاتجاه العام لهذه المشكلة قد تحول -بعد التحرير- إلى معاقبة جماعية للشعب العراقيِّ وإذلاله، مِن خلال فرض الحصار الاقتصاديِّ الذي أدى إلى تجويع العراقيين وزيادة معاناتهم، مما أدى إلى إثارة الرأي العام العربيِّ والإفريقيِّ والإسلاميِّ للوقوف ضِدَّ هذه العقوبة الجماعية، والدعوة إلى رفع الحصار وتخفيف معاناة الشعب العراقيِّ.

لكِنَّ هذه المعاناةَ استمرت في تزايد وتصاعد حتى تحولت إلى اجتياح شامل واحتلال كامل للأراضي العراقية، مِن قِبَلِ قوات الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، بسقوط العاصمة العراقية بغداد في قبضة الاحتلال في التاسع من أبريل 2003م، وما صاحب ذلك مِن مشاهدَ مُرَوِّعةٍ للدمار والتخريب الذي تَعرَّضت له العاصمة العراقية وغيرها من مدن العراق.

ولم يكنِ الشعراء التِّشاديون بعيدينَ عن هذه الأحداث، بل كانوا متابعينَ للأزمة العراقية منذ بداية نشأتها حتى بلغت ذرْوَتَها بوقوع الاحتلال، ونَظَمُوا كثيرًا مِنَ الأشعار في التنديد بما يتعرَّض له الشعب العراقي مِن عذاب ومعاناة، مناشدِينَ العالَمَ العربيَّ والإسلاميَّ والمجتمعَ الدَّوليَّ لرفع المحنة عن هذا الشعب، وتمكينه من تقرير مصيره وإدارة شؤون بلاده، والاستفادة من خيرات أرضه.

فالشاعر عيسى عبدالله في قصيدته (لحق الرضيعة) التي كتبها عام 2000 م، يصور المعاناة الأليمةَ للشَّعب العراقيِّ مِن جَرَّاء الحصار الاقتصادي، كما يناشد الأشقَّاءَ الكُوَيتيِّين في "السالمية " لعدم تحميل الشعب العراقي البائس وِزرَ الجريمة التي ارتكبها حاكمُه بحق الشعب الكويتي، فهي قصيدة مُناشَدَةٍ واسترحامٍ لتفريج الكَرْب عن الفئات الضعيفة من أبناء الشعب العراقي، حتى لا تكون ضحية لصراعات الحُكَّام ونزواتهم؛ فيقول[30]:


عَلَى بُعْدِ مِيلٍ مِنَ الْبَصْرَةِ الْيَوْمَ كَمْ مِنْ صَرِيعَةْ

وَمِنْ يَاسِرٍ مُبْتَلًى يَشْتَكِي صَارِعِيهِ إِلَى اللَّهِ كَمْ مِنْ سُمَيَّةْ

تُعَانِي صُنُوفَ الْعَذَابِ الْمُرِيعَةْ

وَلَمْ تَشْتَرِكْ فِي اجْتِيَاحٍ وَلَا فِي وَقِيعَةْ

كَمَا أَنَّهَا لَمْ تُبَايِعْ أُمَيَّةْ

وَلَمْ تَدْعُ يَوَمًا إِلَى غَيْرِهِمْ؛ لَمْ تَكُنْ فَاطِمِيَّةْ

وَلَمْ تَتَّخِذْ مِنْ أَبِي مُسْلِمٍ مُرْشِدًا، لَمْ تَصِرْ ذَاتَ يَوْمٍ صَنِيعَةْ

وَلَكِنَّهَا اسْتَهْدَفَتْهَا الصُّقُورُ الَّتِي أَطْلَقَتْهَا الْحَمِيَّةْ

وَمِنْ هَؤُلَاءِ السُميَّاتِ، مِنْ بَيْنِهِنَّ، انْبَرَتْ فِي انْفِعَالِ سُمَيَّةْ

بِفَحْوَى مَقَالٍ وَنَجْوَى سُؤُالٍ مُحَالٍ إِلَى إِخْوَةِ السَّالِمِيَّةْ

(أَشِقَّاءَنَا مُنْذُ مَا قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ النِّفْطُ أَوْ أَنْ نُضِيعَهْ

وَقَبْلَ اخْتِرَاعِ الْوَرَى طَائِرَاتٍ عَلَى حَامِلَاتٍ مَنِيعَةْ

وَإِخْوَانَنَا بَعْدَمَا تَرَى خرْدَةً فِي مَهَاوٍ وَضِيعَةْ

بَنِي أُمِّنَا مَا رَوَى الدَّهْرُ: "يَا دَارَ مَيَّةْ" !

هَبُوا الْحَاكِمَ الْفَرْدَ ضَلَّتْ بِهِ الْحَاكِمِيَّةْ

فَهَلْ لِانْتِقَامٍ مِنَ الْحَاكِمِ الْفَرْدِ تُلْغَى العُرَى الْآدَمِيَّةْ؟

وَهَلْ هَوْجَةُ الرِّيحِ فِي قَسْوَةٍ مَرَّةً حُجَّةٌ لِاغْتِيَالِ الطَّبِيعَةْ

وَتَبْخِيسِ كُلِّ الْمَعَانِي الرَّفِيعَةْ؟

أمَّا الشاعر عبدالواحد حسن السُّنوسي، فقد كتب قصيدة حماسية مطولة في حق القضية العراقية، استعرض فيها تاريخَ العراق وأمجادَه العريقة الزاهيَّة منذ عصر النُّبُوَّة والخلفاء الراشدِين، وخاصةً عهدَ أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب، الذي نقل عاصمة الخلافة إلى أرض العراق بمدينة الكوفة.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 08-04-2021, 06:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الشعر العربي في تشاد جسر للتواصل العربي الإفريقي

ثم انتقل الشاعر إلى العُصور الذهبيَّةِ للدولة العباسيَّة في عهد خُلفائها العِظام، مستعرِضًا الإنجازاتِ العِلميَّةَ، وفحولَ الشعراء، وكِبارَ الأُدباء والمغنين الَّذِين اشتهروا في العراق إِبَّان العصر العباسيِّ.. إلى أن يصل إلى العصر الحاضر والحالة الراهنة، فيُقارن بين الهجمة الغربية الأمريكية الحالية، والهجمة التترية القديمة التي استُبيحت فيها أرضُ العراق مِن قِبَلِ جيوش التتار بقيادة هُولَاكُو، ومِن بعده تَيْمورلنك ونحوهم، قائلاً[31]:

عَادَتْ جَحَافِلُ تَيْمُورَلنْكَ عَادَتْ مِنْ جَدِيدْ

عَادَتْ تُحَاصِرُ أَرْضَ الْعِلْمِ وَالتَّارِيخِ تَقْذِفُهَا بِأَطْنَانِ الْحَدِيدْ

عَادَتْ لِتَكْتُمَ صَرْخَةَ الْأَطْفَالِ عَادَتْ كَيْ تُبِيدْ

عَادَتْ وَمَا عَرَفْتَ بِأَنَّ اللَّهَ أَهْلَكَ قَبْلَهَا عَادًا وَكِسْرَى وَثَمُودْ

سِيَّانِ أَنْ تَتَغَيَّرَ الْأَسْمَاءَ ثُمَّ تَعُودَ أُخْرَى مِنْ جَدِيدْ

فَجُيوشُ هُولَاكُو وَجَنْكِيزخَان وَاضِحَةٌ لِكُلِّ ذِي عَيْنَيْنِ حِينَ تَعُودْ

فَحِينَمَا كَانَ ازْدِهَارُ الْعِلْمِ فِي بَغْدَادَ يُبْهِجُ الْعَالَمَ وَيُثِيرُ ثَارَةَ الْحُقُودْ

قَامَتْ جُيوشُ تَيْمُورلَنْكَ تَحْشِدُ الْحُشُودْ

لَيْسَ لِأَيِّ شَيْءٍ غَيْرَ دَفْنِ النُّورِ وَإِبَادَةِ الْعُلُومِ أَوْ تَمْزِيقِهَا

وَسَحْقِ كُتْبِ الْعِلْمِ تَحْتَ أَقْدَامِ الْجُنُودْ

لَكِنَّمَا اللَّهُ الَّذِي أَعْطَى الْعِرَاقَ عِلْمَهَا وَمَجْدَهَا يَأْبَى

وَتَأْبَى أُمَّةُ الْإِسْلَامِ وَالتَّارِيخُ يَأْبَيَانِ

أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ الْحَضَارَةِ وَالْعُلُومِ وَالْبَيَانِ

لَوْ بَلَغَتْ جُيُوشُهُمْ أَعْدَادَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ

وَفَوْقَهَا بِلَادُ الْوَاقِ وَاقِ

حَيُّوا الْعِرَاقْ

وكما اختتمنا استعراضنا لمظاهر التواصل التِّشادي - الإفريقي بالحديث عن التواصل مع إحدى دول الجوار الإفريقي، فكذلك نختتم استعراضنا لجوانب التواصل مع الدول العربيَّة، بالحديث عن التواصل مع إحدى دول الجوار العربي، أَلَا وهي دولة السودان.

والحديث عن تواصل الشعراء التِّشاديين مع دولة السودان حديثٌ ذو شُجون، فهو يختلف تمامًا عن تناولهم لأَيَّةِ قضية مِن قضايا الدول الأخرى، سواءً عربيَّةً كانت أم إفريقيَّةً.

وأبرز مظاهر هذا الاختلاف أنَّ الشاعر التِّشاديَّ عندما يتحدث عن السودان لا تُحس أنَّه يتحدث عن دولة أجنبية أو دولة أخرى، وإنما يتحدث عنها كجزء من وطنه، وقد تعلو النبرة الحماسية لَدَى بعض الشعراء حتى نحسَّ أنَّ عاطفتَهم تُجاهَ السودان قد تكون أعلى مِن عاطفتهم تُجاهَ بلدهم (تِشاد) في بعض الأحيان.

وهذا التلاحم الأَخَويُّ والحماس المُفرِط في التواصل بين هؤلاء الشعراء وأشقائهم في السودان يعود إلى أسباب رئيسة، يمكن أنْ نوجزها فيما يلي:


1- عُمق التداخل والتمازج العِرقيِّ والاجتماعيِّ بين الشعبين التِّشاديِّ والسودانيِّ، حيث نجد أغلب القبائل المسلمة في تِشاد لها فروع في السودان؛ بل قد نجد أسرة واحدة تتكون من شِقِّينِ، أحدهما سودانيٌّ وثانيهما تِشاديٌّ.

2- الروابط الثقافيَّة التي تربط بين الشعب التِّشاديِّ المسلم، وأشقائه السودانيين، وخاصَّةً عَلاقةَ اللُّغة العربيَّة التي هي لُغة التخاطب العام لَدَى كِلَا الشَّعبَينِ، مع ما تواجهه هذه اللُّغةُ من ضغوط سياسيَّة في صراعها مع اللُّغة الفَرنسية في داخل تِشاد، الأمرُ الذي يجعل من السودان متنفسًا طبيعيًّا لهؤلاء الشعراء -بل وجميع حَمَلة الثقافة العربيَّة في تِشاد - يَستمدُّون منه عواملَ القوة والصمود في وجه التَّحدِّيات التي تواجههم في صراعهم الثقافيِّ مع إخوانهم الفرانكفونيين.

3- إحساس بعض هؤلاء الشعراء بواجب الوفاء والعِرفان للشعب السودانيِّ على احتضانه لهم، وتمكينهم من تَلقِّي قَدرٍ مِن ثقافتهم وتأهيلهم العلميِّ في السودان، الأمرُ الذي جعل مِن ارتباطهم بالسودان ارتباطًا عُضويًّا لا يقبل الانفصامَ بأيِّ حال مِنَ الأحوال.

وخيرُ مَن يتجسَّد فيه هذا العاملُ الأخير الشاعرُ عيسى عبدالله، الذي تَلقَّى دراساتِه الأوليَّةَ في المدارس السودانية حتى نال الشهادةَ الثانويَّة في مدرسة (خور طقت)[32]، فكان مِنَ الطبيعيِّ أنْ نجد في شِعره أعلى قدر مِنَ الارتباط الوجدانيِّ الذي يصل إلى درجة الولاء المطلق لكل ما هو سودانيٌّ؛ ولذلك فهو يتحرَّق شوقًا إلى بعض الأماكن السودانيَّة التي شهدت مراتع صِباه، ومثوى أحبائه، فيقول[33]:




حَنِينِي الْيَوْمَ نَادَانِي وَمَا مَرَّ الْجَدِيدَانِ
لِمَغْنى (عَزَّةَ) الْغَالِي وَمَثْوَى خَيْرِ أَخْدَانِي
فَيَا مَسْرَى ابْتِهَالَاتِي وَمِعْرَاجِي لغُمْدَانِي
وَمُنْطَادًا لِرُوحِي إِذْ أَنَا شَادٍ عُمُدَّانِي
وَإِنِّي مِنْكَ فِي يُسْرٍ إِذَا نِيْلَاكِ مَدَّانِي
وَأَغْنَى النَّاسَ عَنْ (يِنٍّ) وَدُولارٍ يُعَدَّانِ
فَفِي (دَيْمِ الْقَنَا) بَنْكِي وَ(بَيْتُ الْمَالِ) أَفْدَانِي
وَلِي فِي (الْمُلْتَقَى) كَنْزٌ وَفِي (بَحْرِي) مَزَادَانِ
وَإِشْعَاعَاتُكَ الْأَسْنَى سَرَتْ مِنْ فَوْقِ عِيدَانِ
أَعِيهَا لَا بِعَيْنٍ لِي وَأُذْنٍ قَدْ تُسَدَّانِ
وَلَكِنْ بِانْفِعَالٍ فِي تَلَافِيفِي وَوِجْدَانِي






إلى أنْ يصل إلى حالة من حالات الانصهار المطلَق في الهُوِيَّةِ السودانية والإشادة بمفاخرِ الشعب السودانيِّ وأمجاده فيهتِف:




فَيَا سُودَانُ، دُمْ عَذْبًا تَعَالَى عَنْ إِمِدَّانِ
فَإِنَّ الْمَجْدَّ - لَوْ يُعْزَى إِلَى قَوْمٍ - لِسُودَانِي






وقد يرى البعض في مثل هذه التعبيرات قدرًا من التَّذبذُب في الولاء بين الوطن التِّشادي والوطن السوداني، ولكن الحقيقة هي ما سبقت الإشارةُ إليه من أنَّ العَلاقاتِ التِّشاديَّةَ - السودانيَّةَ عند هذا الشاعر وغيره من الشعراء التِّشاديين، قد تصل إلى مرتبة الاتحاد بين الوطنينِ، وهذا ما يُستشَفُّ من خلال البيت الذي أورده الشاعر نفسُه عَقِبَ البيتين السابقين إذ يقول:




وَيَا سُودَانُ، أَنْتَ الْوَجْ هُ، إِذْ لِلْوَجْهِ خَدَّانِ





فمِنَ الواضح: أنَّ الشاعر أراد القولَ بأنَّ تِشادَ والسودانَ وجهانِ لعُملة واحدة - على حَسْبِ التعبير الشائع - لكنَّ شاعريتَه المتألقةَ أَبَتْ عليه الانجرافَ وراءَ هذا التعبير المبتذَل، والذي رآه قاصرًا عن التصوير الدقيق للعَلاقة بين هذين البلدين، حيثُ إنَّ وجهَي العُملة لا يتشابهان تُشابُهًا كاملاً، كما أنَّ ملاحظة أوجه الشبه بينهما تحتاج إلى تقليب العُملة من وجه إلى وجه حتى يتبين الناظرُ حقيقةَ التشابُهِ، أمَّا الخَدَّان في الوجه الواحد، فالتماثل بينهما مطلَقٌ وظاهر لكل ذي عينين دونَ تقليب ولا تَفكُّر؛ وهذا ما أراده الشاعر.

وفي الحقيقة: لا نجد شاعرًا من شعراء العربيَّة في تِشاد لم يتطرق إلى هذه العلاقة الأزلية التي تربط بين الشعبين السودانيِّ والتِّشاديِّ؛ بل قد نجد للشاعر الواحد عددًا من القصائد التي تتناول الأحداث المختلفة التي تَحدُث في أرض السودان، بصورة لا تَقِلُّ عن تفاعل الشعراء السودانيين أنفسِهم مع هذه الأحداث، وإنَّ القصائد التي سطَّرها الشعراء التِّشاديون في هذا المَيْدان لَجديرةٌ وحدَها أن تكون موضوعًا لدراسة عِلميَّة متخصصة حتى توفِّيَها حقَّها مِنَ الدراسة والتحليل.

وهذا ما يجعلني أؤكد - عن قناعة - أنَّ عبارة "الشعبين الشقيقين" - في اعتقادي - تظل عبارةً قاصرة جدًّا، لا تعبِّر عن حقيقة الوشائج والأواصر التي تربط بين هذين الشعبين، خاصة بعد أنْ فقدت كلمة "الشقيقين" محتواها الحقيقي بسبب الاستهلاك الإعلامي والدبلوماسي، وأن الاتجاه الصحيح هو أنْ يأخذ المثقفون من أبناء هذين الشعبين زِمامَ المبادرة للتمهيد لوَحدة كاملة بين هذين القُطرين، حتى يكونَا نموذجًا يُحتذَى؛ بل نواةً حقيقيَّةً للاتحاد الإفريقي الكبير الذي تتطلع الشعوب الإفريقيَّة إلى تحقيقه، كما أنَّ مِثلَ هذه الوَحدةِ بين البلدين تمثل أقوى جسر للتواصل العربيِّ - الإفريقي المنشود؛ نظرًا للثِّقل الذي يتمتع به السودان بين الدول العربيَّة، والمكانة التي تتمتع بها تِشاد بين الدول الإفريقيَّة‏، وإذا عجز الشعبانِ عن تحقيق الوَحدة المنشودة مع ما بينهما من عوامل التلاحم والامتزاج، فغيرهما من الشعوب أعجز، وعندها لا يسعُنا إلا أن نقول: على الوَحدة الإفريقيَّة السلام!

ونعود من هذا الاستطراد إلى موضوع التواصل مع الدول العربيَّة في الشِّعر العربيِّ التِّشاديِّ؛ لنؤكدَ أن دواوين الشعراء التِّشاديين قد حَفِلت بالقصائد الجميلة التي جسَّدوا فيها حبَّهم للأمة العربيَّة، وحرصهم على تقوية وترسيخِ الروابط الوثيقة التي تربط الشعب التِّشاديَّ بإخوانهم من أبناء الدول العربيَّة، دون أن يكون لديهم أيُّ تفريط في هُوِيَّتهم الإفريقيَّة أو التناقض معها، وهم بذلك جسَّدوا التواصل العربيَّ الإفريقيَّ تجسيدًا كاملاً يتجلى في تكوينهم العقليِّ والفكريِّ والاجتماعيِّ والعرقيِّ، وانعكس ذلك بصورة تلقائيَّة على نتاجهم الإبداعيِّ.

وقد عبَّر الشاعر التِّشاديُّ عيسى عبدالله عن هذا التمازج خيرَ تعبير، حين رَمَز لبلده "تِشاد" بنهر "شاري"، ورَمَز للبلاد العربيَّة بِنَهرَي الفُرات والنيل، كما رَمَز للشعوب الإفريقيِّة بشعوب (الهوتو، والتتسي، والزولو) فقال[34]:




فَإِنْ يَعْلُ "شَارِي" بِقَلْبِي مَكَانًا فَفِي الْقَلْبِ أَيْضًا فُرَاتٌ وَنِيلُ
وَإِنَّا عَلَى الْعَهْدِ، حُبًّا وَصِدْقًا مَعَ الْأَهْلِ: هُوتو وتُتْسِي وَزُولُو
وَيَزْكُو التَّآخِي مَعَ الشَّرْقِ فِينَا ذَوُو الضَّادِ هُمْ قُوَّنَا وَالْقَبِيلُ
إِذَا عُدَّ مَنْ يَصْطَفِيهِمْ عَمِيلاً فَإِنِّي إِذَنْ دُونَ شَِكٍّ عَمِيلُ
وَإِيثَارُهُمْ لَيْسَ أَمْرًا مُحَالاً وِدَادِي فَرَنْسَا هُوَ الْمُسْتَحِيلُ





ولا نَودُّ التعكيرَ على هذا البيان الناصع بشيء من التعليق الممجوج، كما لا يتسع المجال لاستقصاء جميع الأمثلة والنماذج في هذا الموضوع، فهذا ما يحتاج إلى عدد من البحوث المستقلة، ففي ما ذكرناه كفاية، وبه نُوقِف سفينةَ الإبحار في هذا الخِضمِّ الواسع.

الخاتمة:


وبعدُ، فهذه بِضاعة مُزْجاة، وقطوف متواضعة، قطفناها على عَجل وابتسار، من روضة الشعر العربي في تِشاد، أو بالأحرى، من إحدى رياض الشِّعر العربيِّ الإفريقيِّ؛ لكنَّها روضةٌ مجهولة لَدَى كثير من أبناء الأمة العربيَّة، كما أنها قد لا تكون واضحةَ المعالِم حتى عند أبناء الأمة الإفريقيَّة، رَغمَ كونَها جِسرًا طبيعيًّا يربط بين هاتين الأُمَّتين، آملين أن تكون هذه المحاولة قد قدَّمت صورةً واضحةً عن جوانب هذا الموضوع.

وقد تَوصَّل الباحث من خلال هذه الدراسة المتواضعة إلى جملة من النتائج والتوصيات، يمكن أن نوجزها في النقاط التالية:


أولاً: النتائج:

1- أنَّ جمهوريَّة تِشاد تمثِّل جسرًا للتواصل، ومَحْضنًا للتمازج العربيِّ الإفريقيِّ مِنَ الناحية الاجتماعيَّة؛ نظرًا لوجود عدد كبير من القبائل العربيَّة التي تمازجت مع القبائل الإفريقيَّة، وشكَّلت بانصهارها شعبًا يجمع بين الانتماء العربيِّ والانتماء الإفريقيِّ، تحت مُسمًّى جديد، هو (الشعب التِّشادي)، وقد اتخذ هذا الشعب التِّشاديُّ منذ قرون عديدة اللُّغة العربيَّة لُغةً للتواصل والتخاطب الرسميِّ والشعبيِّ، كما اتخذها لُغةً للأدب والإبداع.

2- أن مجرد وجود أدب عربي في تِشاد - مهما كانت موضوعاته - يُعدُّ مظهرًا للتواصل العربيِّ الإفريقيِّ؛ لكن هذا التواصل لم يقتصر على هذا الجانب فحسبُ؛ بل برز بصورة أوضحَ وأجلى من خلال الموضوعات والمضامين التي عالجها الشعراء التِّشاديون في إبداعاتهم الشعرية، والتي جسَّدت إيمانهم العميق بهُوِيَّتهم العربيَّة الإفريقيَّة دون تصادم ولا تناقض بين هذين الانتماءين، رَغمَ عدم انضمام هذه الجمهوريَّة الإفريقيَّة إلى جامعة الدول العربيَّة.

3- أنَّ التواصل العربيَّ الإفريقيَّ كان هو الموضوعَ الرئيسَ، الذي تبوَّأ مكانة الصدارة في الأدب العربيِّ التِّشاديِّ، منذ أقدم المراحل التاريخية المعروفة عن ظهور هذا الأدب في تِشاد، كما أنَّ أقدم النصوص الشعريَّة والنثريَّة التي وصلتنا مِن آثار الأدب التِّشاديِّ القديم لم تصلْنا إلَّا من خلال هذا التواصل والتلاحم بين تِشاد والدول الإسلامية القائمة آنذاكَ، فيما يُعرف الآن بالعالَم العربيِّ؛ كأشعار إبراهيم الكانمي، والرسائل السلطانية لملكة كانم، ونحو ذلك.

4- تمثل النصوص الأدبيَّة النثرية والشعرية التي تبادلها الشيخ محمد الأمين الكانمي مع الشيخ عثمان دان فوديو وابنه محمد بيلو - لَونًا مِن ألوان التواصل السياسيِّ والفكريِّ مع دول القارَّة الإفريقيَّة، كما يمكن أن نعتبرها نموذجًا مبكرًا للحوار الإفريقيِّ – الإفريقيِّ، متخِذًا من الأدب والإبداع وسيلةً للتفاوض والإقناع وحَلِّ المشاكل والأزمات السياسيَّة، التي كانت عالقة بين أولئك القادة الأفارقة.

5- وَظَّف شعراء العربيَّة التِّشاديون - خاصة مع بدايات الحِراك السياسيِّ الساعي نحوَ تحقيق الاستقلال - ملكاتِهم الفنيةَ والإبداعيةَ للدفاع عن أهمِّ القضايا التي تَشغَل بال أبناء القارَّة الإفريقيَّة، فكتبوا عددًا مِنَ القصائد الشعرية التي عبَّروا فيها عن مشاعرهم تُجاهَ إخوانهم من أبناء القارَّة الإفريقيَّة، ومجَّدوا فيها النضال الإفريقيَّ للتخلص مِن براثن الاستعمار، وبناء القارَّة الإفريقيَّة قويةً متحدةً، وقد عالجت هذه القصائد موضوعات بعضها يتعلق بالقارَّة كَكُلٍّ، وبعضها عن عَلاقاتٍ ومشاعرَ خاصة تُجاهَ بعض الدول والشخصيات الإفريقيَّة.

6- في ذات الوقت اهتمَّ الشعراء التِّشاديون بموضوع التواصل مع العالَمِ العربيِّ، بالحديث عَنِ العَلاقات الوثيقة التي تربط الشعب التِّشاديَّ بإخوانه من أبناء الدول العربيَّة، وعبَّروا عن مشاعرهم ورغبتهم في توثيق عُرَى التواصل والمحبة بين بلادهم والبلاد العربيَّة الأخرى، في شَتَّى المناسبات والمواقف، ووجدت جُلُّ القضايا العربيَّة أصداءَها في وجدان هؤلاء الشعراء، وتفاعلوا معها بكل أحاسيسهم، فانهمرت في قوالبَ شعريَّةٍ قد تقل روعةً وعاطفة عن كثير من القصائد التي يسطرها إخوانهم في تلك البلاد العربيَّة المَعْنِيَّة بهذه القضايا.

7- مثَّل التواصل التِّشاديُّ السودانيُّ النموذجَ الأعلى للتواصل والتمازج العربيِّ الإفريقيِّ، باعتبار أنَّ السودان دولةٌ عُضوٌ بجامعة الدول العربيَّة، وتشاد دولة إفريقيَّة غير عضو بالجامعة العربيَّة؛ إذ إِنَّ ما بينهما من وشائج القُربى والامتزاج أدَّى إلى تلاشي الفوارق والحواجز السياسيَّة المصطَنعة بين الشعبين، عند تناول الشعراء التِّشاديين لموضوع العَلاقات الأخوية التي تربط بين هذين الشعبين.

ثانيًا: التوصيات:


من خلال ما سبق يَتقدَّمُ الباحثُ ببعض التوصيات التي يرى ضروريتَها وأهميتها في الاستفادة من هذا المؤتمر العلميِّ وتفعيله؛ لتحقيق أهداف التواصل العربي الإفريقي؛ وتتمثل فيما يلي:

1- المحافظة على هذه التَّجرِبة الرائدة، تَجرِبةِ ملتقى الجامعات الإفريقيَّة‏، وجعلها بَرنامَجًا مستمرًّا يُعقد بصورة دورية كلَّ ثلاث سنوات على الأقل، مع ضرورة إنشاء هيئة دائمة لتنظيم هذه الملتقيات، ومتابعة تنفيذ التوصيات والنتائج التي تتمخض عنها.

2- العناية بالتراث الإفريقيِّ وجمعه وتدوينه، وإعداد موسوعات متخصصة في هذا الميدان.

3- تعميق فكرة التواصل الإفريقي -الإفريقي، خاصةً على المستوى الثقافيِّ والفكريِّ، من خلال تنظيم ورشات عمل لترجمة الأعمال الفكريَّة والثقافيَّة بمختَلف اللُّغات الحيَّة المستعمَلة في إفريقيا؛ لتوثيق عُرى التواصل والتعارف الفكريِّ بين أبناء القارَّة.

4- وكذلك تقوية التواصل الإفريقي – العربي، ثقافيًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا، بتسهيل نشر الأعمال المتعلقة بالقارَّة الإفريقيَّة‏ بصورة واسعة على نطاق العالَم العربيِّ، خاصةً تلك المكتوبةَ بأيادٍ إفريقيَّة، وبالمقابل، تعمل الدول الإفريقيَّة بمؤسساتها العِلمية والثقافيَّة على تسهيل انسياب الثقافة العربيَّة إلى جميع أرجاء القارَّة.

5- إدراج مادة جديدة في المناهج التعليمية بالجامعات الإفريقيَّة تُسمَّى بمادة (الأدب والفكر الإفريقي)، على أَنْ تختار كلُّ جامعة اللُّغةَ التي تدرس بها هذه المادة وَفْقَ بيئتها وإمكاناتها المتاحة؛ لتتعرفَ الأجيال الناشئة على الثروات العلمية والأدبيَّة والفكرية، التي تتمتع بها هذه القارَّة، من إبداعات رُوادها العِظام.

6- نوصي الجامعاتِ والمراكزَ العِلميَّةَ المتخصصة، في العالَم العربيِّ، بإدراج مادة (الأدب العربيّ في البلاد الإفريقيَّة) كفرع من فروع الأدب العربيِّ العام، تتم دراسته في البحوث العلمية، على غِرار الدراسات المتعلقة بالأدب الأندلسيِّ، وأدب المهجر، ونحو ذلك.

7- من أجل تسريع وَتيرة التواصل والوَحدة بين دول القارَّة الإفريقيَّة‏، نقترح وضع خُطَّة مُمَرحلة لتنفيذ هذه الوَحدة؛ تبدأ باتفاقيات تعاون، ثُمَّ تكامل، ثُمَّ وَحدة شاملة في شكل تجمعات ثُنائية أو أكثر، بين الدول التي تتميز بأعلى قدر من عوامل الوَحدة والاتصال بينها، ثم تنمو هذه الوحدات الجزئية، وتتطور لتصلَ إلى مرحلة الدولة الإفريقيَّة الواحدة، أو الولايات المتحدة الإفريقيَّة.

8- تقع على دولتَي تِشاد والسودان - على المستوى الرسميِّ والشعبيِّ والنخبويِّ - مسئوليَّةٌ ضخمة، في الأخذ بزِمام المبادرة للتمهيد لوَحدة كاملة بين هذين القطرين، حتى يكونَا نموذجًا يُحتذَى؛ بل نواةً حقيقيَّةً للاتحاد الإفريقيِّ الكبير الذي تتطلع الشعوب الإفريقيَّةُ إلى تحقيقه، كما أنَّ مِثل هذه الوَحدة بين البلدين تُمثِّل أقوى جسر للتواصل العربيِّ - الإفريقيِّ المنشود؛ نظرًا للوشائج القوية التي تربط الدولتين بكلٍّ مِنَ العالَم العربيِّ والعالَم الإفريقيِّ‏.

هذا؛ وخِتامًا: لا يسعنا إلَّا أن نتقدم بأسمى آيات الشُّكر وعظيم الامتنان لأهلنا في السودان، حكومةً وشعبًا، على دَوْرِهم الرائع والرائد في تَبَنِّي وتنفيذ هذا المؤتمر العلميِّ الإفريقيِّ‏ العظيم؛ بل واحتضان الآلاف والملايين من أبناء القارَّة الإفريقيَّة‏، وتذليل السُّبُل أَمامَهم للتزوُّد بالعلم والمعرفة، مِمَّا كان له أعظمُ الأثر في تحقيق التواصل الإفريقيِّ‏ - الإفريقيِّ‏ من جهة، والتواصل العربيِّ - الإفريقيِّ، من جهة أخرى.

كما أَخصُّ القلعة الإفريقيَّةَ ‏العِلمية الصامدة؛ جامعةَ إفريقيا العالمية، بأعظمِ الثناء وأعطرِه، وأسمى الشُّكر وأجزله، لِمَا أدَّته من رسالة خالدة، وتحمُّلِها العبءَ الأكبرَ، في إنجاز هذا العمل التواصليِّ العظيم الذي نلتقي في رِحابه اليوم؛ بل كونها الواحةَ الظليلةَ التي يلتئم في ظلالها الشَّملُ الإفريقيُّ مُمثَّلاً في الطلاب الوافدين إليها من جميع الدول الإفريقيَّة؛ للتزوُّد مِنَ الينابيع العِلمية الصافيةِ، والعودة بها إلى بلادهم رُسلَ حضارة ورُوَّادَ نهضة.

فهنيئًا للسودان بهذا الإنجاز! وهنيئًا لجامعة إفريقيا العالمية هذا السبق والتألُّق! وهنيئًا لإفريقيا كلَِّها هذا الوئام والصفاء والتلاقح العلميّ والمعرفيّ!

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

قائمة المصادر والمراجع:


أولاً: المصادر:

(كلها لدى مكتبة الباحث، ويمكن الرجوع إليها في المكتبة المركزية بجامعة الملك فيصل بتشاد):

1- السنوسي، عبدالواحد حسن: مجموعة قصائد شعرية مخطوطة.

2- عبدالله، عيسى: حذو ما قالت حذام، ديوان شعر مطبوع على الحاسوب.

3- عبدالواحد، عباس محمد: ديوان الملامح، ط1، 1982، مطبعة أسعد، بغداد.

4- عبدالواحد، عباس محمد: مجموعة قصائد شعرية مخطوطة خارج الديوان.

5- الفال، محمد عمر: ديوان أصداء النفس، ديوان شعر مطبوع على الحاسوب.

6- فضله، حسب الله مهدي: ديوان نبضات أُمَّتي، ديوان شعر مطبوع على الحاسوب.

7- المجبري، عبدالله يونس: مجموعة قصائد مخطوطة.

ثانيًا: المراجع:


8- ابن خلكان، أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد: وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، المجلد السابع، تحقيق: د/ إحسان عباس، 1971 م، دار الثقافة، بيروت.

9- ابن شريفة، د / محمد: من أعلام التواصل بين بلاد المغرب وبلاد السودان، منشورات معهد الدراسات الإفريقيَّة، المملكة المغربية– الرباط، (1999 م).

10- ابن منظور، محمد بن مكرم الإفريقي المصري: لسان العرب، ط1، دار صادر، بيروت – لبنان.

11- التلمساني، أحمد بن محمد المقري: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، مجلد 4، تحقيق د. إحسان عباس، 1968م، دار صادر، بيروت – لبنان.

12- جمعة، حسين أحمد: الاتجاه الوطني في شعر عيسى عبدالله، بحث مقدم لنيل دبلوم الدراسات المعمقة بجامعة الملك فيصل، 2003– 2004م، غير منشور.

13- حمدنا الله، د/ عبدالله: اللغة العربيَّة في تِشاد لغة إبداع، بحث مقدَّم ضِمنَ أعمال الندوة العلمية الدولية التي أقامتها جامعة الملك فيصل في تِشاد تحت عنوان: (اللغة العربيَّة في تِشاد الواقع والمستقبل)، ط1، 2003 م، منشورات جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، بنغازي – الجماهيرية الليبية.

14- الصفدي، صلاح الدين خليل بن أيبك: الوافي بالوفيات، ج 29، تحقيق أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، ط1، 1420 ه - 2000 م، دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان.

15- فضله، حسب الله مهدي: من رواد الأدب التِّشادي عبدالله يونس المجبري شاعر القطرين، بحث مقدَّم في الندوة العلمية الدولية التي أقامتها جامعة الملك فيصل بالتعاون مع رابطة الأدب الإسلامي العالمية بالسعودية، ومركز رسائل النور بتركيا، حول (عالمية الأدب الإسلامي) ، في الفترة من 28 رجب – 2 شعبان 1423 ه، الموافق 5-8 أكتوبر 2002 م، بانجمينا تِشاد، غير منشور.

16- فودي، محمد بللو بن عثمان: إنفاق الميسور في تاريخ بلاد التكرور، تحقيق بهيجة الشاذلي، ط 1996 م، منشورات معهد الدراسات الإفريقيَّة، الرباط – المملكة المغربية.

17- القلقشندي، أحمد بن علي أبو العباس: صبح الأعشى في صناعة الإنشا، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، القاهرة " ب. ت ".


ــــــــــــــــــــــــــــــ



[1] [تعليق الألوكة]: المعلوم أن المُوحدين كانوا لا يعترفون بخلافة بني العباس وكانوا يَعدُّون أنفسهم فَحسبُ الموحدين حقًّا؛ ولذلك تلقبوا بالخلافة خلافًا للمُرابِطين والمرينيين والحَفصيِّين، وغيرهم مِمَّن قامت لهم دول في المغرب، والموحدون هم أتباع ابن تُومَرْتَ أحد أدعياء المَهديِّة، وكانت له ضلالات كثيرة بَيَّنها ابنُ تيمية والذهبيُّ، وغيرهم الكثير من العلماء.

[2] للمزيد من المعلومات عن هذا الشاعر ينظر: د / محمد بن شريفة: من أعلام التواصل بين بلاد المغرب وبلاد السودان، منشورات معهد الدراسات الإفريقية، المملكة المغربية–الرباط، (1999 م).

[3] ابن خَلِّكان، أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد: "وفيات الأعيان"، و"أنباء أبناء الزمان" لمجلد السابع، تحقيق: د/ إحسان عباس، 1971 م، دار الثقافة، بيروت، ص 14 – 15. وكذلك: التلمساني، أحمد بن محمد المقري: "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب" مجلد 4، تحقيق د. إحسان عباس، 1968م، دار صادر، بيروت – لبنان، ص: 38 .

[4] ورد هذا الشطر عند الصفدي بلفظ: (وقربني بفضل منه لكن).. والرواية التي أوردناها هي المشهورة في جميع المصادر الأخرى؛ ينظر: الصفدي، صلاح الدين خليل بن أيبك: "الوافي بالوفيات" ج 29، تحقيق أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، ط1، 1420 ه - 2000 م، دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان، ص 109.

[5] ابن شريفة، المرجع السابق، ص 41.

[6] ينظر: الصفدي، صلاح الدين خليل بن أيبك: الوافي بالوفيات، المرجع السابق، ص 109.

[7] حمدنا الله، د / عبدالله: اللغة العربية في تشاد لغة إبداع، بحث مقدم ضمن أعمال الندوة العلمية الدولية التي أقامتها جامعة الملك فيصل في تشاد تحت عنوان: (اللغة العربية في تشاد الواقع والمستقبل)، ط1، 2003 م، منشورات جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، بنغازي – الجماهيرية الليبية، ص 180.

[8] ابن شريفة، المرجع السابق، ص 46.

[9] [تعليق الألوكة]: هذا التعبير والذي يليه صحيحان إن أُريد بهما الردُّ على مَن يحطُّ على أصحاب البشرة السوداء خلافًا للأوامر الشرعية الصريحة في ذلك، أما أن تنقلب الدعوة إلى المساواة إلى تفاخر بين أصحاب الألوان فليس بمسلك موافق للحق.

[10] ابن منظور، محمد بن مكرم الإفريقي المصري: لسان العرب، ط1، دار صادر، بيروت – لبنان، مادة (ح ل ل).

[11] القلقشندي، أحمد بن علي ابو العباس: صبح الأعشى في صناعة الإنشا، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، القاهرة " ب. ت "، ص 116 – 117.

[12] فودي، محمد بللو بن عثمان: إنفاق الميسور في تاريخ بلاد التكرور، تحقيق بهيجة الشاذلي، ط 1996 م، منشورات معهد الدراسات الإفريقية، الرباط – المملكة المغربية، ص 278 – 279.

[13] عبدالواحد، عباس محمد: ديوان الملامح، ط1، 1982، مطبعة أسعد، بغداد، ص 26 – 27.

[14] عبدالله، عيسى: حذو ما قالت حذام، ديوان شعر مطبوع على الحاسوب، نسخة مصورة لدى الباحث، ص101.

[15] الفال، محمد عمر: ديوان أصداء النفس، ديوان شعر مطبوع على الحاسوب، نسخة لدى مكتبة الباحث، ص68.

[16] السنوسي، عبدالواحد حسن: قصيدة "شاهد عيان"، مصدر سبق ذكره.

[17] عبدالواحد، عباس محمد:قصيدة (من وحي الأسى)، مخطوطة، لدى الباحث نسخة مصورة منها.

[18] عبدالواحد، عباس محمد: ديوان الملامح، مصدر سبق ذكره، ص 26 – 27.

[19] عبدالله، عيسى: حذو ما قالت حذام، مصدر سبق ذكره، ص 22.

[20] عبدالله، عيسى: حذو ما قالت حذام، المصدر السابق، ص 43.

[21] عبدالله، عيسى: حذو ما قالت حذام، المصدر السابق، ص 59.

[22] فضلة، حسب الله مهدي: ديوان نبضات أمتي، ديوان شعر مطبوع على الحاسوب، سيصدر قريبا - إن شاء الله تعالى- ص 19.

[23] هو سلمان الفارسي الصحابي الجليل -رضي الله عنه-، وفي البيت إشارة إلى قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((سلمان منا أهل البيت)).

[24] المجبري، عبدالله يونس: مجموعة قصائد مخطوطة، نسخة مصورة لدى مكتبة الباحث.

[25] عبدالواحد، عباس محمد: قصيدة مخطوطة خارج الديوان، مكتبة الباحث.

[26] السنوسي، عبدالواحد حسن: قصيدة "كلنا في الضاد شرق"، مصدر سبق ذكره.

[27] فضله، حسب الله مهدي: من رواد الأدب التشادي عبدالله يونس المجبري شاعر القطرين، بحث مقدم في الندوة العلمية الدولية التي أقامتها جامعة الملك فيصل بالتعاون مع رابطة الأدب الإسلامي العالمية بالسعودية ومركز رسائل النور بتركيا، حول (عالمية الأدب الإسلامي)، في الفترة من 28 رجب – 2 شعبان 1423 ه، الموافق 5-8 أكتوبر 2002 م، بإنجمينا تشاد، غير منشور، ص21.

[28] عبدالله، عيسى: حذو ما قالت حذام، مصدر سبق ذكره، ص 28 – 29.

[29] السنوسي، عبدالواحد حسن: قصيدة "قصة الضمير"، مجموعة قصائد مخطوطة، مصدر سبق ذكره.

[30] عبدالله، عيسى: حذو ما قالت حذام، مصدر سبق ذكره، ص 83.

[31] السنوسي، عبدالواحد حسن: قصيدة "حيوا العراق"، مجموعة قصائد مخطوطة، مصدر سبق ذكره.

[32] جمعة، حسين أحمد: الاتجاه الوطني في شعر عيسى عبدالله، بحث مقدَّم لنيل دبلوم الدراسات المعمقة بجامعة الملك فيصل، 2003– 2004م، غير منشور، ص 23.

[33] عبدالله، عيسى: حذو ما قالت حذام، مصدر سبق ذكره، ص 115 - 116

[34] عبدالله، عيسى: حذو ما قالت حذام، المصدر السابق، ص 101.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 158.68 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 155.83 كيلو بايت... تم توفير 2.85 كيلو بايت...بمعدل (1.80%)]