مبادئ فى نظرية الشعروالجمال لأبي عبد الرحمن بن عقيل الظاهرى - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4408 - عددالزوار : 847541 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3938 - عددالزوار : 384597 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 163 - عددالزوار : 59455 )           »          المستشرقون.. طلائع وعيون للنهب الاستعماري الحلقة الثالثة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 584 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          أبواب الجنة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          المتسولون (صناعة النصب والاحتيال) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          إلى كل فتاة.. رمضان بوابة للمبادرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          أســـرار الصـــوم ودرجات الصائمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر

ملتقى الشعر والخواطر كل ما يخص الشعر والشعراء والابداع واحساس الكلمة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-10-2006, 10:45 PM
أبو محمد المصرى أبو محمد المصرى غير متصل
عضو مشارك
 
تاريخ التسجيل: Oct 2006
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 75
الدولة : Egypt
افتراضي مبادئ فى نظرية الشعروالجمال لأبي عبد الرحمن بن عقيل الظاهرى

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
أولاً : من هو الشيخ أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهرى؟
قال الشيخ عبد العزيز الحنوط حفظه الله : أما عن شيحنا أبي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري ـ حفظه الله تعالى ـ فقد كان في العلم بحراً لا تكدِّره الدِّلاء ، وله لَسَنٌ وبلاغة وبصر في الحديث ورجاله ،وعربية مُتقنةٌ ، وباعٌ مديد في الفقه لا يُجارى فيه ، وكان حجة في التفسير ، وكذا في الأداب والمنطق والشعر والتأريخ والأنساب ، وكان عجيباً في الفهم والذكاء وسعة العلم ، وكان عجباً في إلقاء الدرس ، وكان ذا ذهنٍ ثاقب وحدْسٍ صائبٍ ، عذب المنطق ، كريم الشمائل ، وكامل السُّؤدُد ، لا يَملُّ جليسُه منه ، متواضعاً ذا فضائل جمة ، وتواليف كثيرة تصل إلى مائة عنوان مابين كتاب من عدة مجلدات إلى رسائل صغيرة ، وتتناول هذه المؤلفات مختلف الفنون والمعارف فبعضها في الدين والأدب والتاريخ وبعضها في النقد والشعر والفلسفة وقسم آخر في اللغة والرحلات والأنساب وغير ذلك .والميزة العظيمة لهذا الشيخ الجليل أنه سلفي المنهج لا يتعصب لإمام ولا مذهب إنما الدليل غايته والحق مطلبه ونصرته .

ومن أراد أن يتعرف على السيرة الذاتية لشيخنا الجليل فما عليه إلا أن يرجع إلى ماكتبه الشيخ عن نفسه في :
1ـ شيء من التباريح ( سيرةٌ ذاتيةٌ ... وهمومٌ ثقافية ) وقد صدر منه جزءين .
2ـ الحِباءُ من العَيْبَةِ غِبَّ زيارتي لطيبة
ولمن يريد ترجمة عن العلامة الكبير أبي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري ـ حفظه المولى تعالى ـ فلينظر إلى كتاب : " شَيْخُ الكَتَبَة أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري : حياته ، وآثاره ، وما كتب عنه " للدكتور أمين سليمان سيدو.
الطبعة الأولى 1425ه 2004م ـ النادي الأدبي بالرياض
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04-10-2006, 10:49 PM
أبو محمد المصرى أبو محمد المصرى غير متصل
عضو مشارك
 
تاريخ التسجيل: Oct 2006
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 75
الدولة : Egypt
افتراضي

نعود للإمام الجليل ابن عقيل ونظرية الشعر والجمال
القسم الأول
استفتاح وتوطئة
الحمد لله الذي خلق الإنسان .. علمه البيان ..خلق الإنسان من علق وهو الأكرم الذي علم بالقلم .. علم الإنسان ما لم يعلم .
والصلاة والسلام على هادي الأمة، ونبي الرحمة .. معلم الكتاب والحكمة .
وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فإن الشعر فن قائم بذاته وهو فرع من الأنواع الأدبية يشترك معها في كونه تعبيراً فنياً، وله خصوصيته التي تميزه عن بقية الأنواع الأدبية .
والسلف يصنفون الشعر في الآداب فحسب، ويشعرون في لفتاتهم النقدية بأنه فن جميل، ويتسع مدى معرفتهم بعلاقته بأحد فروع الفنون الجميلة، وهو فرع الموسيقى .
وتطور العلم البشري، واكتسب التصنيف العلمي دقة وتمحيصاً، فأدخلت الأنواع الأدبية - بما فيها الشعر- في الفنون الجميلة.
قال أبو عبدالرحمن : وإذن نبدأ بتحليل الشعر في تصنيفه العلمي من الأعم إلى الأخص، فنرى أولاً أنه فن جميل .
وفي نفس الوقت نرى أن الشعر في ذاته نص فني، أو نموذج جمالي.. وهذا يقتضي أن يكون له علم خاص به كأي حقل معرفي .
وعلم الشعر نقده، ونظريته، وتاريخه، وظواهره الأصولية .. إنه متن لعلم .
وبما أن الجمال هو أعم ما يُصنف فيه الشعر: فإن علم الجمال ونظرياته هو أساس قيم الشعر النقدية .
ومن أهم هذه العلاقات ما لم تتم هوية الشعر إلا به، وذلك هو المدد الموسيقي للشعر.
ومنها ما لا تكمل جماليته بدون واحد منها كالتصوير .
إذن يضاف ثانية إلى الشعر (النقد، والنظرية) عناصر نقدية من خصوصيات الفنون الجميلة كالموسيقى والتصوير.. وكل ذلك أخص من علم الجمال المتعلق بفلسفة الإحساس بالجمال، وسيكولوجيته، ورسم خصائصه في الذات والموضوع.
ثم ننظر إلى الشعر ثالثة فنراه جمالاً تعبيرياً كلامياً، فنسبر من نماذجه ونماذج الفنون التعبيرية الكلامية الجميلة الأخرى ما يشارك فيه غيره من خصائص جمالية لنحقق الجمال الشعري الأخص.
وحينئذ نسترفد اللغة في متونها وعلومها، ونسترفد البلاغة في علومها ونماذجها لبناء نظرية الشعر - بخاصيته - ونقده .
إذن الغرض من استرفاد متون وعلوم التعبير الكلامي أن نستخلص علم ما هو جميل من الكلام، لنميز خاصية الجمال الكلامي عن بقية الفنون الجميلة، لأننا نسبر فناً من الفنون الجميلة .
والذي يحكم لنا بجمال ما نستخلصه من متون التعبير الكلامي وعلومه هو ما لدينا من نظريات وأصول علم الجمال، وعلوم الفنون الجميلة .
قال أبو عبدالرحمن : وتبقى أمور مقحمة في نظرية الشعر ونقده وعلومة ليست من خاصية الشعر وتصنيفه، فمن ذلك المضمون كأن يكون جميلاً خلقياً أو قبيحاً، وكأن يكون جميلاً منطقياً أو قبيحاً (والمعادل لكل ذلك أن يكون خيراً)، أو شراً، أو حقاً، أو باطلاً) .. فهذه أمور تتعلق بسلوك الفكر، وسلوك الجوارح .. وهذان السلوكان هما مضمون الشعر، وليسا شرط وجوده .
وبيان ذلك بالإلماح إلى ظاهرتين :
أولاهما : أن للغة العربية حقيقة، وهي أن تكون محفوظة عن العرب وقت السليقة، وأن ترتبط بمعناها المأثور، وتسميها حينئذ لغة عربية .
ثم تسمع كلمة أخرى مرتبطة بمعناها، ولكنها ليست محفوظة عن العرب، وهي مما حدث بعد السليقة، وليست جارية على أصول الفصحى، فتحكم بأنها غير عربية، وبأنها عامية أو أعجمية.
ثم تركب الكلمات العربية المأثورة معبراً وداعياً إلى قبح من شر أو باطل، فتظل المفردة عربية، ويظل التركيب عربياً، لأن المضمون الجميل أو القبيح ليس شرط التمييز بالعربية، وتحقيق ماهية اللغة العربية .
وهكذا الشعر ومضمونة .. يظل فسق أبي نواس في فنه الشعري شعراً، لأنه حقق مدلولاً ما هو جميل في التعبير الكلامي وفق أصول مأخوذة من علم الجمال بعامة، ثم من علوم الفنون الجميلة، ثم من خاصية الجمال في التعبير الكلامي .
قال أبو عبدالرحمن : ومعاذ الله أن أكون داعية للباطل والشر والقبح، وإنما أقول : قبح السلوك الفكري والعملي من قيم أخرى خارج دائرة التخصص الشعري يقوم بها المربون والمصلحون، ونبراسهم الدين والأخلاق وعزائم الفكر.. وبغير فن التخصيص الشعري يقولون : أيها الشعراء المدهشون الذين تملكون إبداع النص وظفوا شعركم - باسم المنطق والأخلاق لا باسم التخصيص الشعري - لرسالتكم الحقيقية في الحياة .
وهذا النداء متوجه للغة الشعر الخصوصية، وللغة العلم العادية التقريرية المباشرة، وللغة الخطابة التي هي تعبير بين وبين .
وأخراهما : أن الشعر ومضمونة غيران، وليسا شيئاً واحداً .
وهذه حقيقة تُحرِج من درَّبه بعض معلميه التراثيين مدى عمره الأدبي بأن الشكل والمضمون لا ينفصلان .
قال أبو عبدالرحمن : الانفصال متحقق في وجهتين :
أولاهما : أن تأخذ مضمون النص الشعرى وتعبر عنه بكلام عادي مباشر لا مسحة فيه من الجمال، فتقول : هذا مضمون واحد عَّبر عنه الشاعر فكان شعراً، وعبرتُ عنه فكان نظماً، فالشكلان مختلفان .
وأخراهما : إبقاء المضمون على تعبير الشاعر - وذلك هو الشكل - والتفريق بينهما بالحكم، فتقول : بيت أبي نواس في الخمرة شعر جميل، لأنه عبر عنه بشعر!.
وذلك المضمون قبيح، ولكن بغير ملكة الجمال التي تعطي شكل الشعر خاصيته، وإنما ذلك بحكم الدين والأخلاق اللذين يستقبحان هذا السلوك، فهو جمال فكري معنوي، وليس جمالاً تعبيراً .
وتوظيف الشعر، وشرف مضمونه رسالة لا تعطيك إياها نظرية الشعر التي من الدين والمنطق خارج دائرة النظرية الشعرية التي يتخصص بها ما هو شعر دون ما هو خلق ودين وحقيقة .. أو عصيان وفجور وإباحية .
ولو جاء مدح العفة في نظم عادي لا مسحة فيهمن مسحات الجمال الشعري لكان المضمون جميلاً في الدين والأخلاق، ولكان النص قبيحاً أو بارداً بمفهوم الشعر، أو لكان بارداً لا يثير جمالأ ولا قبيحاً .
إذن حقيقة الجمال الشعري مثول القدرة على التعبير الجميل عن أي مضمون جميل أو قبيح.
قال أبو عبدالرحمن : والذي أحرج القوم في غياب التصور للفصل بين الشكل والمضمون أنهم يطالبون بتحقيق وجودين منفصلين لنص شعري، فتقول : قال أبو نواس شكلاً منفصلاً عن المضمون !! .
وهذا محال بلا ريب، لأن الشاعر حقق مراده بحيله الفني، ولا ينفصل مضمونه عن وسيله أدائه، إلا أن هذه الوحدة غير مؤثرة في محل النزاع .
وإنما محل النزاع القدرة على التعبير الجميل عن مضمون جميل أو قبيح، وهذا متحقق بالجهتين اللتين ذكرتهما آنفاً.
فالشعر قدرة على الأداء الجميل لأي مضمون .
والمضمون إرادة سلوكية فحسب تكون بالشعر وبالكلام العادي .
والتفريق بين المضمون والشكل تفريق لغوي، وتفريق تجربة بشرية .. إنه تفريق مثلاً بين أساليب طه حسين والزيات وسيد قطب ودريني خشبة وأساليب الهمذاني والحريري وكتاب عصور البديع المتكلف لو تناولوا كلهم مضموناً واحداً.. إذن المضمون الواحد قابل التعبير به أكثر من شكل .
أما أنهما لا ينفصلان إذا اجتمعا فتلك قضية أخرى لا تمنع من قدرة الأديب في البداية -قبل الجمع بينهما- من اختيار الأسلوب الذي يريده للمضمون الذي أراده.
ألا ترى أن زيداً من الناس لا ينفصل لحظة من الزمن منذ وجد من كونه حياً أو ميتاً بالتعبير الحقيقي لا المجازي .. فهل كون زيد حياً حتماً أو ميتاً حتماً .. لا ينفصل عن الحياة أو الموت .. هل كونه حتماً كذلك يمنع من كون زيد والحياة غيرين، وكون زيد والموت غيرين ؟!.
قال أبو عبدالرحمن : ومن الأمور الفضولية المقحمة في علم الشعر ونقده ونظريته وتاريخه ما يتعلق بصحة البناء لغة من جهة المفردة والرابطة والصيغة وصحة التركيب نحواً. فهذا شرط عربية اللغة، أو فارسية اللغة، أو إنجليزية اللغة .. إلخ.
والشعر إنما تصطفي نظريتهُ الظاهرةَ الجمالية في التعبير، لا مقومات الصحة لغوياً .
وإذا أراد الشاعر أن يعبر بلغة عربية، فمن شرط إرادته أن يحقق الصفة لشعره بأن يكون عربياً .
وإذا كان حقُّ على عربي أن لا يقول غير الشعر عربي فصيح فليس ذلك من مقتضيات خاصية الشعر، وإنما يطلب لذلك مسوغ من غير نظرية الشعر.
ومسائل البلاغة عناصر جمالية، وهي تراعي قدرة الشاعر على تحقيق مراده، فإذا كانت إرادته أن يقول شعراً فصيحاً فحينئذ يكون عجزه قبحاً بمقتضى النظرية الشعرية .
ومن الأمور الفضولية المقحمة إدخال دلالة الشعر اللغوية والتاريخية والأخلاقية والجغرافية في علم الشعر.
فهذا يسرد نصوص الشعر في وصف الطبيعة بالأندلس، وآخر يسرد النصوص ويبوِّبها على أغراض الشعر من مدح وهجاء وغزل.. إلخ، وثالث يستظهر من نماذج الشعر أسماء الأعلام البلدانية أو الأحداث التاريخية، ثم يسمون ذلك نقداً أدبياً، أو دراسات أدبية .
وإنما كل ذلك تاريخ، وجغرافيا، وترجمة للشاعر.. وعلاقة الشعر بكل ذلك أن الشعر رافد ومصدر.
ولا يدخل في علم الشعر إلا ما رصد ظاهرة جمالية فقننها، أو أرخ لها، أو فلسفها سيكلوجياً رابطاً لها بملكة الإبداع، أو سبرها في المسار الأدبي التاريخي، وذلك هو الأدب المقارن .
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 04-10-2006, 10:50 PM
أبو محمد المصرى أبو محمد المصرى غير متصل
عضو مشارك
 
تاريخ التسجيل: Oct 2006
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 75
الدولة : Egypt
افتراضي

قال أبو عبيد عبدالرحمن : وحينما أربط الشعر بشرطه الجمالي : فليس معنى ذلك أن فلسفتي الجمالية جزئية، ولا أنها دونية تقنع بمجانية الجمال للتسلية فحسب!.
بل الجمال في تجربتي العلمية عطاء علمي وفكري، والحس الجمالي ذو مستويات علواً ودنواً تُرصد في الموضوع بناء على مستويات ذاتية علواً ودنواً أيضاً في التربية والفكر والعلم .
وتضمحل مجانية الجمال في الإحساس بمقدار ما يتربى الحس علمياً وفكرياً .
ومن أهم عناصر الجمال الدهشة، والإثارة، والقدرة على التغيير باستقطاب الجمهور المتلقي، والجبروت الفكري، والجدة والابتكار، والإيحاء ، والعظمة.
إنني لا أدعو إلى الجمالية بتعبير شعبي رخيص، وإنما أعبر عن علم ضخم قائم بذاته هو المعيار الثالث من معايير الوجود التي لا معيار آخر إلا وهو مشتق منها.
وكل ذي تجربة علمية عريضة في فن الشعر متناً وعلماً، وكل ذي تطلع إلى مزيد من الكشف والإضافة يؤذيه غاية الإيذاء موقفان غير حميدين :
أولهما: موقف من نظر إلى الشعر (نظرة تاريخية محدودة الزمان والمكان محصورة التجربة العلمية) على أنه فن مستقل غاية الاستقلال عن روافد أخرى، وعن فنون شقيقة يرضع معها من لبان واحد .
فهو مثلا ينظر إلى موسيقية الشعر وفق النموذج المأثور منذ عهد امرئ القيس إلى عهود الموشحات، ولا ينظر إلى المسار التاريخي للجمال في الفنون الجميلة الأخرى (وهو يحفل بمعطيات جمالية يتجدد بها شباب الشعر، ومتعته فلا يبدو مملاً) .
وثانيهما : موقف من تحمس للتجديد بدون تأصيل واحترام لخصوصيات العلوم والفنون التي تميزها .
فعلى سبيل المثال : الموسيقية جزء من ماهية الشعر، وليس من الضروري أن تكون تلك الموسيقية هي معهودنا التراثي التاريخي .
فسلب الشعر موسيقيته تغيير لهوية الشعر، والخلط بين المتغايرات ليس من لغة العلم، ولا من سلوك عصر يحترم التخصص!.
والجمود على المعهود الموسيقي تعطيل للملكة، وانصراف عن مسار جمالي يكتسب منه الشعر وجودة المعتبر.
إذن لابد من الانطلاق بالشعر إلى مجاله الجمالي الأرحب المتدفق، لتكون عناصر التجديد للموسيقى في ذاتها عناصر تجديد في الشعر .
كان البيت في تراثنا ذا لحن واحد، وكانت القصيدة كلها تكراراً للحن البيت ،لأن الموسيقى كانت كذلك .
وصارت الموسيقى هذا اليوم ذات ألحان (كوبليهات)، زكان الموسيقار يتلطف في الانتقال من كوبليه بأنغام تدريجية حتى لا يصدم مشاعر الأذن، فاقتضى الأمر أن تلبي القصيدة هذا المطلب.
وقل (1) مثل ذلك عن بقية الفنون الجميلة ذات العلاقة الوشيجة بالشعر.
ولقد حدد الأستاذ مجاهد دائرة النقد في مجال ضيق من العمل الفني، وجعل السعة لعالم الجمال.. قال :"العمل الفني عبارة عن ثلاث دوائر متداخلة :
الدائرة الأولى الأكبر تضم العناصر التي تجعل هذا العمل الفني بالذات شعراً أو قصة أو رسماً.. إلخ كالإيقاع أو اللون مثلاً.
والدائرة الثالثة الأصغر تضم العناصر الأسلوبية والخصائص المميزة للأديب أو المفكر مثل الجمل القصيرة غير المترابطة عند هيمنجواي، أو عالم الكابوس كما عند الروائي التشيكي فرانزكافكا.
إن الدائرة الأخيرة هي مجال تخصص الناقد الذي يُعنى بالأسلوب الخاص للفنان وقدرته على استخدامه ومدى أصالته.
أما الدائرة الأولى فهي مجال تخصص عالم الجمال، لأنه معني بالمسائل العامة والأسس المشتركة للأعمال الفنية، وما الذي يميزها؟ .
أما الدائرة الوسطى فهي أرض مشتركة بين عالم الجمال والناقد .. فالأول يستطيع أن يبين الخصائص النوعية للنوع الفني لدى الفنان أو الأديب .
إن الناقد مهتم بإصدار الحكم على العمل الفني على حين أن عالم الجمال مهتم بما وراء هذا الحكم من خصائص موجودة في العمل الفني .. الناقد يقف عند حدود ما هو جزئي بينما عالم الجمال مهتم بما هو كلي يُطبَّق على كل الفنون" (2) .
قال أبو عبدالرحمن : بل الدائرة الأولى ميدان الناقد في بناء النظرية الأدبية التي يستمد منها أحكامه النقدية .
فالدائرة الأولى هي المجال التأصيلي للناقد، والدائرة الثالثة هي المجال التطبيقي للناقد.
وعمل عالم الجمال في الدائرة الأولى التأصيل لما هو جميل بإطلاق.
وعمل الناقد في الدائرة الأولى التأصيل للجمال الفني فحسب.
وليست مهمة الناقد الحكم فحسب .. بل التأصيل، والتفسير التصوري لمدلول النص، والتفسير التعليلي لقدرة الفنان، وجلاء سر الإبداع والجمال في النص.
قال أبو عبدالرحمن : وكنت أحس بنشاط في التأليف والبحث، وأنجز العمل، وأنشط لتصحيح التجارب لأولى منه، ثم يدركني العجز والملل من مواصلة التصحيح والتعديل، ويتعلق نشاطي بعمل آخر لا أكرر فيه جهدي ..
وبهذا السبب تكدست لدى أسفار تنتظر معاودة التصحيح والتعديل .. بعضها مر عليه أعوام ، وبعضها مر عليه شهور، فاضطررت إلى الاستعانة - بعد الله - بأخوين كريمين ضليعين في لغة العرب، بصيرين بدقائق الرسم الإملائي هما الأستاذان مجاور السكران، وعبدالله بن عبدالعزيز الهدلق .. والأخير شاب وقور من أبناء بلدتي شقراء .. وقد بهرني علم هذا الشاب الصموت بحفظه، ووعيه العلمي المبكِّر، ومتابعته .. وكنت قبله أحسبني في لغة العرب وعلومها ابن بَجدتها وعذيقها المرجَّب !! .. فجلى عني غمة غماء في الإسراع بإنجاز أعمالي، وصحح لي ما ندَّ عن بصري وبصيرتي من إصلاح، وما كنت أجهله أصلاً، وترجح لي أن أعمالي مستقبلاً ستصدر إن شاء الله سليمة الأداء محكمة البناء، وكنت قبل ذلك أعاني كثرة التطبيع فيما نشر من مؤلفاتي مع أوشاب من اللكنة، وأخطاء في الرسم الإملائي .. لا أستثني سوى كتيب صغير أجهدت نفسي في تكرار تصحيحه - وهو كتيب الألوان من كتاب الفصل لابن حزم الذي صدر منذ بضعة عشر عاماً - فخرج كما أهوى بريئاً من العلل. وفي كتابي هذا عن النظرية الشعرية والجمالية أوردت قول أحمد عبدالمعطي حجازي: "كما تمدنا الحضرة الصوفية".. فعلقت بقولي :"هذا التعبير دليل على تغلغل قدسية التصوف في نفوس المثقفين فضلاً عن العامة".
ولم أتنبه إلى أعجمية هذا الأسلوب، فكتب أخي الهدلق يقول :"قال العدناني :"ويقولون : فلان لا يملك ديناراً فضلاً عن فَلْس .. والصواب : فلان لا يملك فلساً فضلاً عن دينار، لأن كلمة (فضلاً) تستعمل في موضع يُستبعد فيه الأدنى الذي يجب أن يأتي قبلها، لذا تقع (فضلاً) بين كلامين متغايرين المعنى، وأكثر استعمالها بعد نفي كما يقول القطب الشيرازي.
وعندما نقول : فلان لا يملك كوخاً فضلاً عن قصر: نعني أنه لا يملك كوخاً ولا قصراً، وعدم ملكه للقصر أولى بالانتفاء ، فكأننا قلنا: لا يملك كوخاً فكيف يملك قصراً؟.
قال أبو حيان التوحيدي:"لم أظفر بنص على أن مثل هذا التركيب من كلام العرب".
ولست أرى بأساً باستعمال هذا التركيب،وإن كنت أرى أ، قولنا :"لا يملك فلساً بَلْه ديناراً" أبلغ"(3) .
فصحة العبارة إذن :"هذا التعبير دليل على تغلل قدسية التصوف في نفوس العامة فضلاً عن المثقفين .."اهـ.
قال أبو عبدالرحمن : وحرصت أن أتمحل لتعبيري بوجه يخرجه من اللكنة حفظاً لسمعتي العلمية، ولكنني وجدت العبارة فاسدة على كل تقدير، وليس العيب أن الأدنى لم يرد قبلها لننفي الأعلى الذي يأتي بعدها، فنقول كما قال العدناني :" لست أرى بأساً باستعمال هذا التركيب" .
وليس الخلل في كون هذا التركيب لم يسمع من العرب ، فقد برهنت في مباحثي أن التركيب عمل عقلي لا نقلي يشترط سماعة، وإنما المشترط صحة المفردة لغة، وصحة التركيب نحواً وبلاغة .. ولو كان وجه الخلل ذلك، لأخذنا استقراء أبي حيان على البال .
وإنما الخلل في كون كلمة "فضلاً" لا تنتج لغةً هذا المعنى الذي فهموه من هذا التركيب الأعجمي .. أي لا تنتج نفي الأعلى الذي بعدها، فقد استقرأت معانيها في المعجم، فلم أجد من بينها هذا النفي.. لهذا أعتبر هذا التركيب عامياً لا يليق بالفصحاء، ولهذا أيضاً ألغيت عبارتي في التعليق على حجازي، ووضعت بديلاً خيراً منها.
ولقد بيَّن ابن فارس أن الأصل في مادة الفاء والضاد واللام زيادة في شئ (4) .
وقال الراغب :"الفضل. الزيادة عن الاقتصار، وذلك ضربان : محمود كفضل العلم والحلم، ومذموم كفضل الغضب على ما يجب أن يكون عليه.. والفضل في المحمود أكثر استعمالاً، والفضول في المذموم.
والفضل إذا استعمل لزيادة أحد الشيئين على الآخر فعلى ثلاثة أضرب:
فضل من حيث الجنس كفضل جنس الحيوان على جنس النبات.
وفضل من حيث النوع كفضل الإنسان على غيره من الحيوان .. وعلى هذا النحو قوله: "ولقد كرمنا بني آدم" (سورة الإسراء/70) إلى قوله: "تفضيلاً".
وفضل من حيث الذات كفضل رجل على آخر .. فالأولان جوهريان لا سبيل للناقص فيهما أن يزيل نقصه، وأن يستفيد الفضل كالفرس والحمار .. لا يمكنهما أن يكتسبا الفضيلة التي خص بها الإنسان .. والفضل الثالث قد يكون عرضياً فيوجد السبيل على اكتسابه، ومن هذا النوع التفضيل المذكور في قوله :"والله فضل بعضكم على بعض في الرزق" (سورة النحل/71)، "لتتبتغوا فضلاً من ربكم" (سورة الإسراء /12).. يعني : المال وما يكتسب" (5) .
-قال أبو عبدالرحمن : الأصل في المادة الزيادة المحمودة، ولهذا أُخذ من المادة الوصف للمدح كفاضل، والتسمية للتيمن كالفاضل، ثم توسع بها لكل زيادة وإن كانت غير محمودة .
والبقية تسمى فضلة وهي الأقل، وإنما روعي في تسميتها أنها بقيتْ زيادةً عن الحاجة .
ونقل الزبيدي عن التوقيف للمناوي أن الفضل ابتداء إحسان بلاغة (6) .
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 04-10-2006, 10:52 PM
أبو محمد المصرى أبو محمد المصرى غير متصل
عضو مشارك
 
تاريخ التسجيل: Oct 2006
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 75
الدولة : Egypt
افتراضي

قال أبو عبدالرحمن هذا الاصطلاح مبني على الحقيقة اللغوية، إذ الأصل الزيادة المحمودة.. وما زاج عن حاجة الكريم يصدق به، فسمى فضلاً، لأنه زيادة ، ولأنه زيادة ممدوحة.
وقال الزبيدي :"والفضولي بالضم المشتغل بما لا يعنيه .. وقال الراغب: الفضول جمع الفضل .. وقد استعمل الجمع استعمال المفرد فيما لا خير فيه، ولهذا نسب إليه على لفظه، فقيل : فضولي لمن يشتغل بما لا يعنيه، لأنه جعل علماً على نوع من الكلام فنزِّل منزلة المفرد .. والفضولي في عرف الفقهاء من ليس بمالك ولا وكيل ولا ولي؟ .. وزاد الصاغاني : وفتح الفاء منه خطأ"(7).
قال أبو عبدالرحمن : تلخص من معاني فضل دورانها على الزيادة، والبقية. وقولهم :"فلان لا يملك درهماً فضلاً عن دينار": لا ينطبق على معنى فضل لغة، لأنك إن جعلت فضلاً بمعنى الزيادة كان المعنى : فلان لا يملك درهماً زيادة عن دينار. وليس معنى الجملة نفي ملكه للدرهم والدينار معاً، بل المراد نفي ملكه للدرهم تنصيصاً، ونفي ملكه للدرهم والدينار معاً، بل المراد نفي ملكه للدرهم تنصيصاً، ونفي ملكه للدينار بالأولوية .
وإن جعلت فضلاً بمعنى البقية كان المعنى : فلان لا يملك درهماً بقية عن دينار. وليس معنى الجملة نفي ملكه للدرهم . وبعد هذا فلا معنى لكون الدرهم بقية عن دينار، لأن الدرهم جزء من الدينار، ولا يوصف بالبقية إلا في سياق خاص، كأن يكون في جراب دينارُ مصروفاً دراهم، فتجد في الجراب درهماً، فيقال لك : هذا بقية الدينار .
قال أبو عبدالرحمن : وبعد هذا التحرير - خلال رحلتي لتونس في الأسبوع الأخير من شعبان عام 1417هـ ، وجدت رسالة خطية لابن هشام بدار الكتب الوطنية التونسية برقم 2636 أجاب فيها على أسئلة نحوية أولها إعراب "فلان لا يملك درهماً فضلاً عن دينار" (8) وقال في هذه الرسالة :"وهذا التركيب زعم بعضهم أنه مسموع، وأنشد عليه:
"فلا يبقى على هذا الغلق * * * صخرة صماء فضلاً عن رمق"
ثم قال :"وانتصاب فضلاً على وجهين محكيين عن الفارسي: أحدهما : أن يكون مصدراً لفعل محذوف، وذلك الفعل نعت للنكرة .
والثاني : أن يكون حالاً من معمول الفعل المذكر". ، ثم قال "يقال : فضل عنه، وعليه. بمعنى زاد.
فإن قدرته مصدراً فالتقدير : لا يملك درهماً يفضل فضلاً عن دينار. وذلك الفعل المحذوف صفة، بل يجوز أن يكون حالاً".
ثم ذكر أن وجه الصفة أقوى ، لأن نعت النكرة يكون أقيس .وإن قدرته حالاً فصاحبها يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون ضمير المصدر محذوفاً (9) أي لا يملكه الملك .
الثاني : أن يكون درهماً حالاً . وسوغ مجيء الحال من النكرة أنها في سياق النفي، فخرجت النكرة من حيز الإبهام إلى حيز العموم، وسوغه أيضاً ضعف مجيء الوصف هاهنا .
ثم قال : فإن قلت :"هلا أجاز الفارسي في "فضلاً " كونه صفة لدرهم :قلت : زعم أبو حيان أن ذلك لا يجوز، لأنه لا يوصف بالمصدر إلا إذا أُريدت المبالغة".
ثم رد على أبي حيان وناقشه، ثم حكم أن تنزيل وجوه الإعراب تلك على المعنى المراد عسر، ثم قال :"والذي يظهر لي في توجيه هذا الكلام أن يقال : إنه في الأصل جملتان مستقلتان، ولكن الجملة الثانية دخلها حذف كثير وتغيُرُ حصل الإشكال بسببه. وتوجيه ذلك أ، يكون هذا الكلام في اللفظ أو في التقدير جواباً لمستخبر (10)
قال : أيملك فلان درهماً؟! . أو رداً على مخبر :قال : فلان يملك ديناراً.
فقيل في الجواب: فلان لا يملك درهماً. ثم استؤنف كلام آخر . ولك في تقديره وجهان:
أحدهما : أن يقدر : أخبرتك بهذا زيادة عن الإخبار عن دينار استفهمت عنه - أو زيادة عن دينار أخبرتَ بملكك له. ثم حذفت جملة "أخبرتك بهذا"، وبفي معموله وهو فضلاً" .
والثاني : أن يقدر فضل انتقاء الدرهم عن فلان على انتقاء الدينار عنه.
ومعنى ذلك أن يكون حالة هذا المذكور في الفقرة معروفة عند الناس . والفقير إنما يُنفى عنه في العادة ملك الأسياء الحقيرة لا ملك الأموال الكثيرة(12) ، فوقوع نفي ملك الدرهم عنه في الوجود فاضل عن وقوع نفي الدينار عنه. أي أكثر منه .
قال أبو عبدالرحمن : الشاهد أورده ابن هشام بصيغة "زعم" ولم يُعز إلى قائل ،ولم يحُقَّق ثبوته عن العرب، ولعله - إن صح - عن راجز بعد فساد السليقة ، وهو لا يوافق معاني "فضل" في لغة العرب ، وهذا يكفي في رده، لأن المعجم المنقول أثبتُ وأوجبُ مما فيه من دعوى شاهد لم يحقق .
وأما إعراب فضلاًُ مصدراً فتقديره : لا يملك درهماً يفضل فضلاً عن دينار .
والإعراب يوهم أحد معنيين هما :
1.أنه لا يملك درهماً يفضل عن دينار. أي لا يملك درهماً يفضل عن ملكه ديناراً . ومعنى الجملة : لا يملك درهماً ولا يملك ديناراً من باب أولى .
2.أنه لا يملك درهماً يفضل عن دينار . أي يفضل عن جملة الدينار المكَّون من دراهم. فهو لا يملك جزءاً من دينار .
وهذا يحقق بعض معنى الجملة وهو انتقاء ملكه لجزء من دينار وهو الدرهم، ولا يحقق بقية معنى الجملة وهو أنه لا يملك كل الدينار من باب أولى .
وهكذا إعرابه حالاً تقديره : لا يملك درهماً حالة كونه فاضلاً عن دينار.
وهو يحتمل الاحتمالين المذكورين آنفاً عن الإعراب بالمصدر، ويخالف المعنى المستعمل لجملة "فلان لا يملك درهماً فضلاً عن دينار" .
ووجه المخالفة في كل ذلك أن فضلاً لغة لا تدل على معنى أولوية المنفي في الجملة المذكورة .
وأما تقدير ابن هشام على الوجه الأول فيصبح لغة ونحواً ما بقي المقدر ظاهراً، أو ما بقيت الجملة في سياق يشعر بأن المقدر زيادة الخبر أو الإخبار .
أما جملة "فلان لا يملك درهماً فضلاً عن دينار" فالمعنى الذي تستعمل له لا يقتضي تقدير زيادة الخبر أو الاستخبار، وإنما يقتضي نفي الملك للدرهم، ونفي الملك للدينار علي سبيل الأولوية .
ودعوى التقدير بهذا الطول - على فرض صحتها - تفسِّر استعمال هذه الجملة بهذا المعنى غير المطابق لمعاني فضل اللغوية، ولا تسوِّغ مشروعية استعمالها، لتغيُّر فضلاً من معنى الزيادة إلى الأولوية .
ولو فتح باب دعوى التقدير بمثل هذا - دون برهان - لما ساغ وجود خطأ أو عامية .
وأما تقدير ابن هشام الثاني فينجو إلى استعمال فضلاً بمعنى البقية، وهذا صحيح في لغة العرب، والمعنى حينئذ: فلان لا يملك درهمأ ، وهذا المنفي فاضل عن نفي الأكثر وهو الدينار.
وهذا المعنى الصحيح لغة لا يكاد يظهر وجهه نحواً، وعلى توجهه فالمنفي إنما هو الأقل الفاضل عن نفي الأكثر. وإنما جاء هذا بدلالة خارجية هو أن الفقير يُنفى عنه الحقير من الأشياء .
وهذه الدلالة غير مسلَّمة، لأن الفقير ما كان فقيراً إلا بنفي ما يسد خلته من الضروري لا من الحقير.
وعلى التسليم بهذه الدلالة فلا يكون معناها كما قال ابن هشام "وقوع نفي ملك الدرهم عنه في الوجود فاضل عن وقوع نفي الدينار عنه" ، وذلك لسببين :
أولهما : أن الناس - في دعوى ابن هشام - نفوا الحقير ولم ينفوا الكثير . فصار نفي الكثير من باب أولى .
لا أن الحقير الذي نفوه عقيدةً فاضل عن الكثير الذي لم ينفوه إلا بدلالة العقل بدلالة الأولوية .
وثانيهما : ليس نفي ملك الدرهم فاضلاً عن نفْيِ ملك الدينار، لأن من لا يملك الدينار قد يملك الدرهم. وإنما نفْيُ ملكَ الدينار حاصل من نفي ملكية الدرهم . وقد عبَّر عن هذا المعنى بكلمة لا تدل عليه وهي"فضلاً " ومعناها الزيادة أو البقية، وقد استعملت بمعنى الأولوية، وليس ذلك من معانيها.
وقلت في كتابي هذا :"وقد يكون الأنين قبيحاً لو صدر من أخن أو ذوي لثغة قبيحة" .
فقال أخي الهدلق :"إن الأنين مخرجه حلقي، واللثغة في اللسان. فكيف تؤثر اللثغة القبيحة على أنين الآنِّ وتجعله قبيحاً ؟!".
فما كان مني إلا المبادرة إلى تطهير كتابي من هذه الغفلة الصلعاء!.
وقال أخي الهدلق :"لقد درج جِلّة المحققين على الإحالة على المعجم بالمادة وليس برقم الصفحة ، لئلا يخفي على القارئ موضع الإحالة لتغيُّر صفحات الكتاب ما بين طبعة وأخرى".
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 04-10-2006, 10:53 PM
أبو محمد المصرى أبو محمد المصرى غير متصل
عضو مشارك
 
تاريخ التسجيل: Oct 2006
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 75
الدولة : Egypt
افتراضي

قال أبو عبدالرحمن : وقد عصيته في هذه الملاحظة، لأن ذكر الصفحة والجزء ضروري لإثبات الرجوع إلى الطبعة التي يعيِّن المؤلف هُويتها في ثبت مراجعه، ولأن معرفة المادة بدهي يدل عليه السياق ونفس المادة التي هي محل البحث .
ومنهجي أن أذكر المادة اللغوية إضافة إلى الصفحة والجزء عندما تكون الإحالة إلى معلومة موجودة في مادة لغوية أخرى ذات علاقة بالمادة محل البحث .
وورد في كتابي التعبير بقيمتي الحق والخير، وفني التصوير والنحت، ومفهومي الإحساس والإدراك، وطعمي التفاحة الحمراء والخضراء، ومعنيي الإشعاع والإحراق .
وقلت أيضاً :"وهو مذهب المفكر المعاصر أو زبورن في كتابية نظرية الجمال، وعلم الجمال والنقد".
وقلت :"إنه تفريق مثلاً بين أساليب طه حسين والزيات وسيد قطب ودريني خشبة، وأساليب الهمذاني والحريري".
ولم يرتض لي أخي الهدلق هاته التعبيرات، وهداني إلى ول الدكتور بكر أبو زيد:"لم أقل مصنفي، ولا مسندي، لأن قاعدة العطف (أن العطف) يكون على المضاف لا على المضاف إليه، فكأن السياق : مصنف عبدالرازق ومصنف ابن أبي شيبة . أما لو قلت : "مصنفي عبدالرازق وابن أبي شيبة" فكأنما قيل : مصنفي عبدالرازق ومصنف ابن أبي شيبة . أما لو قلت :"مصطفي عبدالرازق وابن أبي شيبة" فكأنما قيل : مصنفي عبدالرزاق، ومصنفي ابن أبي شيبة ، فتنبه ، وانظر : "قطوف أدبية" لعبدالسلام هارون: (ص/462)"(13).
قال أبو عبدالرحمن : وكل ما ذكرته تعبير سليم صحيح على الأصل، وبيان ذلك أنك تقول : ذلك أنك تقول : لابد من التقيد بقيمتي الحق والخير. والمراد قيمةُ الحق معطوفةُ على قيمة الخير . وليس المراد أن للحق قيمتين وأن للخير قيمتين، فيكون التقدير : لابد من التقيد بقيمتي الحق وقيمتي الخير .فتكون القيم أربعاً .وإذا أردت هذا المعنى فلابد أن تظهر المعطوف، فتقول : بقيمتي الحق وقيمتي الخير .
وقولك "لابد من التقيد بقيمتي الحق والخير" لا ينصرف فيه الذهن إلى غير قيمتين فحسب واحدة للحق، وأخرى للخير. والبرهان على ذلك ثلاثة أمور :
أولها : أن التعبير اصطلاح فلسفي، وقد جرى الاصطلاح على أن الحق في ذاته قيمة .إلا أن الحق أخص، لأن القيم متعددة، فالإضافة لتمييز المضاف مثل حب بر . وليس في العرف الاصطلاحي أن الحق أكثر من قيمة إذا قوبل بالقيمتين الباقيتين وهما الخير والجمال، وإنما يقال : قيم الحق - إذا لم تذكر القيمتان الأخريان - والمراد البراهين والأحكام .
وثانيها : أن العطف في الأصل على أقرب مذكور، وأقرب مذكور الحق، فالعطف إذن عطف مضاف إليه على مضاف إليه، فتكون القيمتان مضافتين إلى المضاف والمعطوف عليه معاً. هذا هو الأصل حتى يقوم برهان على خلافة ، وقد أسلفت البرهان على أن خلاف هذا الأصل غير محتمل، فقام لنا برهانان في توجيه الكلام بعطف الخير على الحق : أحدهما برهان الأصل ، وثانيهما برهان امتناع غير الأصل .
وثالثهما : أن الأصل عدم التقدير ، فلا يرد احتمال : قيمتي الحق وقيمتي الخير.
وأما الاحتجاج بقوله تعالى "على لسان داود وعيسى" حيث أفرد المضاف إلى اثنين ولم يقل :"لساني" فغير وارد هاهنا، ولا يعني أن القاعدة إفراد المضاف بإطلاق، بل يعني خروج هذا المثال على الأصل بناء على أحد الاحتمالين في تفسير الآية الكريمة وفق قاعدة متحققة وهي التخفيف على اللسان مع أمن اللبس وتعيُّن المراد .
ويأتي شرح ذلك بعد أسطر إن شاء الله .
ولو قيل "لابد من التقيد بقيمة الحق والخير" لتعين أن المراد قيمة واحدة مشتركة .
وهكذا تُوجَّه بقية الأمثلة : فني التصوير والنحت ، وأساليب طه والزيات .إلخ .
وقولي عن أوزبورن "في كتابيه نظرية الجمال، وعلم الجمال والنقد" أصح من قول "في كتابه نظرية .إلخ" لأن الاحتمال يرد بأن العنوانين اسم كتاب واحد إلا بتقدير : في كتابه نظرية الجمال، وكتابه علم الجمال. وهذا تقدير لغير الظاهر وإلغاء للظاهر، والأولى حمل الكلام على ظاهره ما دام غير ممتنع .
والصواب ما أنكره شيخنا العلامة الدكتور بكر أبو زيد، وهو "مصنفي عبدالرازق وابن أبي شيبة" .
ولا يجوز مصنف - بالإفراد - إلا إذا كان المصنف من تأليفهما معاً .
وما نقله الدكتور إنما هو رأي أنستاس الكرملي الخاطئ، وليس رأي عبدالسلام هارون الصحيح .
ودعوى أن القاعدة "العطف على المضاف لا المضاف إليه" يدفعها قاعدة "أن العطف على أقرب مذكور" .
وإنما يكون العطف على المضاف عند إظهار المعطوف إذا قلت : قرأت مصنف عبدالرزاق ومصنف ابن أبي شيبة . فتجعل مصنفاً الثانية منصوبة لأنها معطوفة على مصنف الأولى، وأهملت قاعدة العطف على أقرب مذكر، لأن الخبر عن المضاف وليس عن المضاف إليه . أي أن تعلق فعل القراءة بالمضاف .
والخلاف هاهنا ليس في عطف مضاف موجود ظاهر ، وإنما الخلاف في تقدير ذلك المضاف مما يترتب عليه إلغاء الظاهر وهو عطف "ابن أبي شيبة" على أقرب مذكور وهو المضاف إليه "عبدالرزاق" . وليس كل الناس يعلم أن عبدالرزاق وابن أبي شيبة - أو غيرهما - لم يشتركا في مصنف واحد، وإنما يعلم ذلك جمهور الخاصة، فلا نلبس على غير العالم ونقول "مصنف عبدالرزاق وابن أبي شيبة" ونحن نريد مصنف كل واحد مهما .
قال أبو عبدالرحمن : إذن الأصل حمل الكلام على ظاهره، وهو أن كل مفرد أو مثنى أو جمع أحيل إلى مفرد أو مثنى أو جمع فظاهره أن المضاف للمضاف إليه إذا كان واحداً، وأنه مشترك إذا كان المضاف إليه أكثر من واحد.
ويرد في كلام العرب خلاف هذا الأصل من أجل سنة العرب في طلب السهولة على اللسان في النطق . وتحقيق هذا المطلب مشروطاً بأمن اللبس .
أي تعيُّن المراد بغير احتمال معتبر ومن هنا أسوق تحقيق العلماء لنماذج ممَّا خرج عن الظاهر، وكان أرجح من الظاهر للخفة وأمن اللبس مبيدأ بكلام أنستاس الكرملي الذي فنده الأستاذ عبدالسلام هارون .
قال أبو عبدالرحمن : كان أنستاس الكرملي يتعقب تعبيرات لعبدالسلام منها عبارته "معجمي استينجاس وريتشارد سن" فيقول "وهذا تعبير مولد لا تعرفه لغة القرآن، وقد أولع به المعاصرون، واستعمله صاحب تاج العروس والمصباح وغيرهما من اللغويين في إيراد شروحهم لبعض الكلم . ولو فكروا قليلاً لعدلوا عنه ، لأن معناه أن لاستينجاس معجمين ولريتشاردسن أيضاً . معجمين، إذ قد يكون للمؤلف الواحد تأليفان (14) . فالعطف يكون على المضاف لا على المضاف إليه (15) ، فكأنك تقول : معجمي استينجاس ومعجمي ريتشاردسن .
والصواب معجم استينجاس وريتشارسن" (16) .
ثم رد عبدالسلام على أنستناس بقوله : ليت شعري كيف نفرق بين وجهي هذه العبارة - التي جعلتها الصواب- إذا أريد بها مرة أن لكل واحد من الشخصين معجماً خاصاً، وأريد بها مرة أخرى أن الشخصين اشتركا في وضع معجم واحد ؟.
وقد أشرت إلى لغة القرآن ، ولعلك تعني ما جاء في قوله تعالى "على لسان داود وعيسى بن مريم" حيث أفرد (لسان) . وهذه مسألة خلافية بعيدة عن مسألتنا، وهي مسألة الإضافة إلى متضمنين مفرقين (17) باعتبار أن اللسان جزء من داود وعيسي عليهما السلام، وانظر تفصيلهما والخلاف فيها في همع الهوامع (1/51) في نهاية باب الجمع(18).
أما مسألتنا هذه فهي إضافة ما ليس جزءاً مما أضيف إليه، فكلمة (معجم) ليست جزءاً من أحد الشخصين . ومذهب البصريين فيها أن ما ورد على خلاف الأصل - وهو المطابقة - فمسموع، وقاسه الكوفيون . أما ابن مالك فقاسه إذا أُمن اللبس . واللبس في مسألتنا هذه غير مأمون كما أسلفت. فما ذهبتُ إليه في عبارتي هو الأرجح الأصوب عند النحاة"(19).
قال أبو عبدالرحمن : إذن إحالة المتع من عبارة "معجمي" إلى عبدالسلام من التقميش السريع . وقبل تحقيق هذه المسألة أحب إيراد شئ من كلام المعربين للآية من سورة المائدة، وشيء من نصوص همع الهوامع .
فأما الآية الكريمة فقد تكلم عن تأويلها السمين بقولة "وجاء قوله"على لسان" بالإفراد دون التثنية والجمع، فلم يقل : على لساني، ولا على ألسنة، لقاعدة كلية ، وهي : أن كل جزأين مفردين من صاحبيهما إذا أُضيفا إلى كليهما من غير تفريق جازَ فيهما ثلاثة أوجهٍ: لفظُ الجمع - وهو المختار - ويليه التثنية عند بعضهم ، وعند بعضهم الإفراد مقدم على التثنية ، فيقال : قطعت رؤوس الكبشين . ومنه "فقد صفت قلوبكما" . فقولي "جزأين" تحرز من شيئين ليسا بجزأين نحو درهميكما ، وقد جاء من بيوتكما وعمائمكما وأسيافكما لأمن اللبس.
وبقولي "مفردين" تحرز من نحو العينين واليدين . فأما قوله تعالى "فاقطعوا أيديهما" ففهم بالإجماع . وبقولي "من غير تفريق" تحرز من نحو قطعت رأس الكبشين : السمين والكبش الهزيل، ومنه هذه الآية فلا يجوز إلا الإفراد . وقال بعضهم : هو مختار . أي فيجوز غيره، وقد مضى تحقيق هذه القاعدة في سورة المائدة بكلام طوسل فعليك بالالتفات إليه" (20) .
وعن قول الله تعالى "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما" (سورة المائدة/ 38) قال السمين"قوله :أيديهما" جمع واقع موقع التثنية لأمن اللبس، لأنه معلوم أنه يقطع من كل سارق يمينه، فهو من باب "صغت قلوبكما" ويدل على ذلك قراءة عبدالله "فاقطعوا أيمانهما" .
واشترط النحويون في وقوع الجمع موقع التثنية شروطاً من جملتها : أن يكون ذلك الجزء المضاف مفرداً من صاحبه (21) بخلاف العينين واليدين والرجلين لو قلت : فقأت أعينهما وأنت تعني عينيهما، وكتفت أيديهما وأنت تعني يديهما . لم يجز للبس (22) . فلولا أن الدليل دل على أن المراد اليدان اليمنيان لما ساغ ذلك، وهذا مستفيض في لسانهم - أعني وقوع الجمع موقع التثنية بشروطة - قال تعالى :"فقد صغت قلوبكما".
ولنذكر مفردين من صاحبيهما جاز فيهما ثلاثة أوجه : الأحسن الجمع، ويليه الإفراد عند بعضهم، ويليه التثنية.
وقال بعضهم : الأحسن الجمع ثم التثنية ثم الإفراد نحو : قطعت رؤوس الكبشين، ورأس الكبشين، ورأسي الكبشين . قال :
ومهمهمين قذفين مرتين * * * ظهراهما مثل ظهور الترسين
فقولي "جزآن" تحرز من الشيئين المنفصلين لو قلت : قبضت دراهمكما . تعني درهميكما لم يجز للبس(25) . فلو أمن جاز كقوله : اضرباه بأسيافكما، وإلى مضاجعكما (26) .
وقولنا "أضيفا" تحرز من تفرقهما كقوله "على لسان داود وعيسى بن مريم" (27) . وقولنا "لفظاً" مثاله ، فإن الإضافة فيه لفظية (28) .وقولنا "أو تقديراً" نحو قوله :
رأيت بني البكري في حومة الوغى * * * كفاغري الأفواه عند عرين
فإن تقديره كفاغري أفواههما .
وإنما اختير الجمع على التثنية وإن كانت الأصل، لاستثقال توالي تثنيتين . وكان الجمع أولى من المفرد لمشاركته التثنية في الضم (29) . وبعده المفرد لعدم الثقل (30) . هذا عند بعضهم . قال لأان التثنية لم ترد إلا ضرورة كقوله:
هما نفثا في فِيَّ من فمويهما * * * على النابح العوي أشد رجام
بخلاف الإفراد فإنه ورد في فصيح الكلام ، ومنه مسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما .
قال بعضهم : الأحسن الجمع ثم الإفراد كقوله (31) :
حمامة بطن الواديين ترنمي * * * سقاك من الغر الغوادي مطيرها
وقال الزمخشري : "أيديهما" يديهما ، ونحوه : "فقد صغت قلوبكما" اكتفى بتثنية المضاف إليه عن تثنيته المضاف، وأريد باليدين اليمنيان بدليل قراءة عبدالله "والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهم" . ورد عليه الشيخ (32) بأنهما ليسا بشيئين ، فإنه لا ينقاس(33) ، لأن المتبادر إلى الذهن من قولك : " قطعت آذان الزيدين" أربعة الآذان.. وهذا الرد ليس بشيء، لأن الدليل على أن المراد اليمنيان"(34).
وعن قول الله تعالى "إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما" (سورة التحريم /4) قال السمين "وقلوبكما" من إفصح الكلام حيث أوقع الجمع موقع المثنى استثقالاً لمجيئ تثنيتين لو قيل : قلباكما .
ومن مجئ التثنية قوله :
فتخالسا نفسيهما بنوافذ * * * كنوافذ العبط التي لا ترقع
والأحسن في هذا الباب الجمع ثم الإفراد ثم التثنية . وقال ابن عصفور : لا يجوز الإفراد إلا في ضرورة كقوله :
حمامة بطن الواديين ترنمي * * * سقاك من الغر الغوادي مطيرها
وتبعه الشيخ وغلَّظ ابن مالك في كونه جعله أحسن من التثنية، وليس بغلظ للعلة التي ذكرها(36) ، وهي كراهة توالي تثنيتين مع أمن اللبس" (37) .
قال أبو عبدالرحمن : تلخص من هذا التالي :
1.يضاف الجمع إلى المثنى والمراد المثنى لا الجمع كقوله تعالى "فقد صغت قلوبكما"، فإنما المراد به : قلب كل واحد منكما . فهما قلبان لا قلوب .
والمسوغ لذلك التخفيف على اللسان، لأنه لو قال "قلباكما" لثقل الكلام بتوالي تثنيتين .
وشرط الأخذ بهذا المسوغ أن يكون الجمع غير متحقق واقعاً . فأما الآية من سورة التحريم فاللبس مأمون بكون الاثنين ذوي قلبين فحسب . لكل واحد قلب واحد .
وأما الآية من سورة المائدة عن السارق فتحتمل قطع الأيدي الأربع، إذ لكل سارق يدان، ولكن لما وجد البيان الشرعي من خارج الآية بأن القطع لليمين فحسب علم أن الأيدي بمعني التثنية على نحو "صغت قلوبكما"، لأنه ليس للسارقين غير يمينين .
2.إذا كان المضاف جزءاً واحداً من المضاف إليه، وكان المضاف إليه مثنى جاز فيه أيضاً أن تجعل المضاف مفرداً فتقول: قطعت رأس الكبشين. والمعنى رأس كل واحد على منهما.
ووجه ذلك أن هذا المعنى متعين لا يُحتمل غيره، لأن الكبشين لا يشتركان في رأس واحد فتحمل الإفراد على الرأس المشترك، ولا يجوز حمل المفرد على رأس واحد منهما فحسب، فلم يحتمل العقل غير أن المراد رأس كل واحد منهما، فماَل المفرد حينئذ إلى معنى التثنية، وسوَّغ التعبير بالمفرد أن معنى التثنية متعين واقع، وأن المفرد على تقدير لا يحتمل معه غير معنى الاثنين، وذلك بتقدير "كل واحد من" أي قطعت رأس كل واحد من الكبشين.
3. ومن شواهد الجمع بمعنى التثنية قول الشماخ :
رأيت بني البكري في حومة الوغى* * * كفاغري الأفواه عند عرين
لم يقل الشاعر : فاغري الفوهين، وإنما قال : فاغري الأفواه، فعلم أن المراد التثنية لأنه ليس لهما غير فوهين.
والأفواه متعين إضافتين إلى المثنى وهو ضمير الفاغرين . ولو أريد أفواه غيرهما لبقي الجمع على حقيقته، لأنك ستطلب معنى الجمع من أكثر من فاغر .
4. ومن شواهد الإفراد ما ذكره الشنقيطي . قال :
"حمامة بطن الواديين ترنمي * * * سقاك من الغر الغوادي مطيرها
استشهد به على وضع المفرد موضع المثنى، والأصل : بطني الواديين .
قال أبو حيان : ومن العرب من يضع الجمع موضع الاثنين، ووجه ذلك : أنه لما أمن اللبس، وكره الجمع بين تثنيتين فيما هو كالكلمة الواحدة : صرف لفظ التثنية الأولى إلى لفظ المفرد، لأنه أخف من الجمع، وذلك قليل جداً لا ينبغي أن يقاس عليه، ومنه قوله : حمامة بطن الواديين . إلخ . أراد : بطني الواديين فأفرد .
وهذا البيت لتوبة بن الحمير" (38) .
"بما في فؤادينا من الهم والهوى * * * فيحبر منهاض الفؤاد المشعف
استشهد به معطوفاً على ما قبله، واستشهد به أبو حيان على وجه أصرح وأبين، ولفظه : ومن العرب من يخرج اللفظ على أصله من التثنية، فيقول : قطعت رأسي الكبشين، وذلك قليل ا هـ .
ومنهاض الفؤاد الذي أصاب فؤاده هيض . أي كسر بعد جبر . والمشعف : الذي أصاب الحب سعاف قلبه، وهو رأسه عند معلق النياط .
وقال :
"نذود بذكر الله عنا من السرى * * * إذا كان قلبانا بنا يجفان
الشاهد فيه كالذي قبله .
قال أبو حيان في شرح التسهيل : وقال الأستاذ أبو الحسن ابن عصفور : وقد ذكر للقياس من وضع الجمع كوضع التثنية، فقال قطعت رؤوس الكبشين . هذا هو المختار، ومن العرب من يخرج اللفظ على أصله من التثنية، فيقول: قطعت رأسي الكبشين، وذلك قليل. قال الفرزدق : بما في فؤادينا . إلخ.
وقال الآخر : نذود بذكر الله . إلخ ا هـ .
وهذا البيت أظنه لعروة بن حزام أو لكعب صاحب ميلاء" (40) .
هما نفثا في فِيَّ من فمويهما * * * على النابح العوي أشد رجام
الشاهد فيه كالذي قبله .
وفي شرح التسهيل لأبي حيان : وقد جمع الشاعر بين اللغتين، وأنشد البيت .
وضمير المثني في قوله "هما نفثا في فِيَّ" لإبليس وابنه الذكورين في بيت قبل الشاهد .
وفي البيت أيضاً الجمع بين البدل والمبدل منه، وهما الميم والواو .
قال سيبوبيه : وأما فم فقد ذهب من أصله حرفان، لأنه كان أصله فوه، فأبدلوا الميم مكان الواو، فهذه الميم بمنزلة العين نحو ميم دم تثبت في الاسم، فمن ترك دم على حاله إذا أضيف ترك فم على حاله، ومن رد إلى دم اللام رد إلى فم العين، فجعلها مكان اللام، كما جعلوا الميم مكان العين، وأنشد البيت .
ونفثا أي ألقيا على لساني يعني إبليس وابن إبليس، لأنه مما يقال :إن لكل شاعر شيطاناً، والنابح هنا أراد به من يتعرض للهجو والسب من الشعراء، وأصله في فِيَّ الكلب . ومثله : العاوي والرجام مصدر راجمه بالحجارة . أي راماه، وراجم فلان عن قومه إذا دافع عنهم . جعل الهجاء في مقابلة الهجاء كالمراجعة لجعله الهاجي كالكلب النابح .
والبيت آخر قصيدة للفرزدق قالها في آخر عمره تائباً إلى الله تعالى مما فرط منه في مهاجاته الناس، وذم فيها إبليس، لإغوائه إياه في شبابه" (41) .
وقال :
فتخالسا نفسيهما بنوافذ * * * كنوافذ العبط التي لا ترقع
الشاهد في قوله "فتخالسا نفسيهما" وتقدم ما في هذا النوع .
وقال ابن الأنباري : والأكثر فتخالسا أنفسهما، لأن كل شيئين من شيئين : (42) يثنيان بلفظ الجمع كقولك : ضربت صدورهما وظهورهما . قال الله تعالى : "فقد صغت قلوبكما" والضمير للشجاعين المذكورين قبل هذا البيت في عد أبيات من قصيدة أبي ذؤيب الهذلي المشهورة" (43) .
ومن الله أستمد العون، وأستلهم الرشد .
وكتبه لكم :
أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
{وفي الحيِّ أحوى ينفضُ المَرْدَ شادنُ * * * مظاهرُ سمطيْ لؤلؤ وزبرجد
خذولُ تُراعي ربرباً بخميلة * * * تناولُ أطرافَ البريرِ وترتدي
وتبسم عن أَلْمى كأن منوَّراً * * * تخلَّل حُرَّ الرملِ دعصُ له ندي
سقته إياةُ الشمسِ إلا لثاتِه * * * أُسِفَّ ولم تَكْدِمْ عليه بإثمد
ووجهُ كأن الشمس حلت رداءها * * * عليه نقيُّ اللونِ لم يتخدد
"طرفة بن العبد"
أحوى في شفتيه سمرة . المرد الغض من ثمر الأراك . مظاهر لبس ثوباً فوق ثوب . شبه حبيبه بظبي .
خذول : خذلت أولادها . تراعي ربرباً ترعى مع قطيع من الظباء . الخميلة رملة منبتة . البرير شجر الآراك ، فهي ترتدي بأغصانه .
الألأمى يضرب لون شفتيه إلى السواد . منوراً أقحوان له نور بفتح النون . حر الرمل : خالصة . الدعص الكثيب من الرمل .
إياة الشمس شعاعها . لثاته مغارز أسنانه . والكدم العض . واللثات لا يستجيب بريقها، ونساء العرب يلعسنها بالإثمد . التخدد كثرة التجاعيد }
(1)في مثل هذا لا توضع النقطتان، لأن مقو القول لم يرد، وإنما حكي موجزه.
(2)دراسات في علم الجمال ص21.
(3)الأخطاء الشائعة ص195.. قال أبو عبدالرحمن: وعبارة القطب الشيرازي نقلها عنه الزبيدي من كتابه شرح المفتاح، وذلك بتاج العروس 15/582.
(4)مقاييس اللغة ص838.
(5)المفردات ص639.
(6)تاج العروس 15/578.
(7)تاج العروس 15/581.
(8)تقع في مجموع، ومقداره خمس عشرة صفحة، وهي كثيرة التصحيف والتحريف، وقد أوردها السيوطي بكتابه الأشباه والنظائر 6/130-169، ولم يعلق عليها بشيء، وكذلك محقق الكتاب الدكتور عبدالعال سالم مكرم لم يعلق بشيء على مسألة "فلان لا يملك درهماً فضلاً عن دينار".
(9)في الأصل: محذوف.
(10)في الأصل: لمستخير.
(11)في الأصل: تقريره.. والسياق يقتضي ما أثبته، وهو المثبت في أشباه النظائر.
(12)في الأصل الكثير.
(13)تحريف النصوص من مآخذ أهل الأهواء في الاستدلال ص83.
(14)قال أبو عبدالرحمن: ليس هذا بصحيح، بل لإدارة هذا المعنى تعبير آخر وهو الإظهار، فيقول: معجمي فلان، ومعجمي فلان.
(15)وذلك عندما يكون المضاف الآخر ظاهراً، أو قام البرهان بلا لبس أنه متعين التقدير.. ولا تعين هاهنا، لأنه ليس كل أحد يعلم لكل واحد من المذكورين معجماً مستقلاً، بل يحتمل الجاهل أنهما اشتركا في تأليفه.
(16)قطوف أدبية ص461-462.
(17)أي مفرقين بالعطف.
(18)قال أبو عبالرحمن: للآية احتمالان:
أحدهما: أن يكون المراد باللسان اللغة، وحينئذ يكون لسان داوود وعيسى عليهما السلام واحداً، فالكلام على ظاهره.
وثانيهما: أن يكون المراد باللسان الجارحة، فحينئذ يتعين أن المراد لسانان بتعين تقدير مضاف آخر هكذا: لسان داوود ولسان عيسى، لأنه متعين بالضرورة أن لكل واحد لساناً، وأنهما غير مشتركين في لسان واحد.. فلما أمن اللبس بهذا التعين اختير الإفراد لأنه أخف.
(19)قطوف أدبية ص485.
(20)الدر المصون 4/382.
(21)أي أن الواحد من المضاف كالقلب (مفرد القلوب المضافة إلى المثنى) جزء واحد من المضاف إليه وليس جزأين فأكثر كاليدين، فلا يقع الجمع حينئذ موقع التثنية، لأنه لو جعل بمعنى المثنى لكان في ذلك إلغاء لمقتضى الجمع بلا برهان.. والجمع هو الدلالة الصحيحة، لأن عند كل رجل يدين ثنتين، وللاثنان أربع، وذلك جمع.
وإنما حملت آية السرقة من سورة المائدة على التثنية لأنه قام البرهان على أن المراد جزء واحد لا يوجد في المفرد غيره وهو اليد اليمين، فليس للإنسان غير يمين واحدة.
(22)وجه البس أن قولك للاثنين:"عيونكما" ظاهر في الجمع، لأن للاثنين أربع أعين، فلو جعل للمثنى لا لتبس المثنى بالجمع، ولاقتضى الأمر التوقف في دلالة "عيونكما" حتى يأني مرجح من خارج يعين هل المراد المثنى أو الجمع.
وأجود من التعبير بأمن اللبس أن تقول: إن حمل الجمع على المثنى حينئذ إلغاء للظاهر وهو الجمع، وإعمال لغير الظاهر وهو التثنية بلا برهان.
(23)أي لم يجز حمل الجمع في قولك:"أعينهما" على معنى المثنى، لأن الظاهر الجمع، إذ لهما أرع أعين.
(24)كالقلب فإنه جزء واحد من الإنسان ليس له غير قلب واحد.. قال تعالى:{ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه}[سورة الأحزاب/4].
فالقلب جزء، والرجل كل.
(25)لأنه لم يقم برهان على أنه ليس عندهما غير درهمين.
(26)الضرب بالأسياف يحتمل معنى الجمع فلا يحمل على التثنية، لأن الفرد ق يجالد بسيفين في المرة الواحدة، وقد يجالد طرفاص واحداً بأكثر من سيف في عدة مرات.. إلا أن هذا خلاف العادة. المضاجع إذا أريد بهما الزمان الواحد فلا لبس، وإذا لم ترد وحدة الزمان فقد يكون للإنسان أكثر من مضجع في عدة أماكن.
(27)فلم يقل:"على لسانيهما" فتكون الإضافة إلى مثنى.
(28)أي مثل"قلوبكما" و"رؤس الكبشين" فإن الرجلين والكبشين مثنيان لفظاً لا تقديراً.
(29)والتثنية ضم واحد إلى واحد، والجمع ضم أكثر من واحد.
(30)التعليل قاصر هاهنا، لأن عدم الثقل مشترك بين الجمع والتثنية: وإنما يقال: يعبر بالجمع والمفرد معاً في المسألة المذكورة:لأن توالي تثنيتين مستثقل، وقدم الجمع على المفرد على الرغم من اشتراكهما في الخفة! لأن الجمع يشارك المثنى في معنى الضم.
(31)وجه هذا التفضيل فيما يظهر لي أن التثنية هي الأصل فقدمت على المفرد لمجرد الخفة، وقدم الجمع للخفة ولأمر آخر غير مجرد الخفة وهو مشاركة المثنى في الضم.
(32)هو أبو حيان النحوي.
(33)وهو قلوبكما.
(34)وهو الأيدي، لأن للفرد أكثر من يد.
ورد السمين على شيخه أبي حيان وجيه جداً، وكلام الزمخشري صحيح.
(35)الدر المصون 4/262-264.
(36)بل يقال: التثنية أولى من الإفراد والإفراد جائز بما جاز به الجمع من الخفة حسب الشروط المذكورة.
(37)الدر المصون 10/366.
(38)الدرر اللوامع على همع الهوامع شرح جمع الجوامع في العلوم العربية 1/154-155.
(39)الدرر اللوامع 1/155.
(40)الدرر اللوامع 1/155-156.
(41)الدرر اللوامع 1/156-157.
(42)يتحتم في مثل هذا وضع نقطتين فوق بعض: ليعلم أن ما بعدهما خبر وليس وصفاً.
(43)الدرر اللوامع 1/158
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
&& مبادئ فى حياتى من عقيدتى && (( راجية الجنة )) الملتقى الاسلامي العام 4 22-01-2007 05:35 PM
((إنّا أنزلناه في ليلة القدر )) مقال للإمام أبي عبدالرحمن بن عقيل الظاهرى أبو محمد المصرى ملتقى القرآن الكريم والتفسير 6 22-10-2006 10:42 PM


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 108.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 104.96 كيلو بايت... تم توفير 3.67 كيلو بايت...بمعدل (3.38%)]