حياتي مدمرة وأريد الانتحار

[ابوالوليد المسلم]

حياتي مدمرة وأريد الانتحار
أ. سحر عبدالقادر اللبان

السؤال:

♦ الملخص:

فتاة لم تعد تحتمل المشكلات التي تمر بها منذ طفولتها حتى الآن.. وترى أنها عاجزة وليس لها قيمة، وتريد حلًّا لمشكلاتها.

♦ التفاصيل:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاةٌ في العَقد الثاني مِن عُمري، انفصَل والداي وأنا صغيرة، أصبحتْ أمي تَعمَل لتوفِّر لي ولأخي الأكبر متطلبات الحياة، ولَمَّا كبرتُ قليلًا تزوَّجتْ أمي رجلًا آخرَ، كان يَنظُر إليَّ نظراتٍ شهوانية، ولذلك أصبحتُ أخاف مِن كل الرجال، وبدأتْ أرتدي ملابسَ ثقيلةً دائمًا؛ لكيلا تَظهَرَ تفاصيلُ جسدي.


في الثانية عشرة من عمري تعرَّضتُ كثيرًا للضرب والشَّتْمِ من أخي الأكبر، وقد مارستُ العادة السرية بشكل يومي، ولم أكُن أعلَم عنها شيئًا، لكن لَما كبرتُ علمتُ أنها محرَّمة، فحاولتُ الإقلاع عنها والتوبةَ منها، لكن محاولاتي باءتْ بالفشل، فأكلَني الندمُ شيئًا فشيئًا!


كنتُ دائمُا أتعرَّض للتنمُّر في المدرسة، ولم يكن لدي ثقةٌ في نفسي، ودائمًا أَرى نفسي قبيحةً ووزني ليس مثاليًّا، ولا أَقدِر على النظر في عيون الناس، وما زاد الأمرَ سوءًا أني رسَبتُ في الصف التاسع والعاشر، ومنذ ذلك الحين أصبحتْ جَدتي تضايقني وتُحاول فرضَ رأيها عليَّ، خاصةً إذا حاولتُ التقربَ مِن أمي؛ إذ إنها تريد أن أَبتعِدَ عنها؛ لذا لم أكُن أَجلِس مع والدتي بسببها وبسبب زوج أمي، فقد كان معظم الوقت معها، ومع الوقت أصبَح لدي أخٌ أصغرُ مني، وحين كبر أصبح يَضرِبني أيضًا.


أُصبتُ باكتئابٍ شديد، وأصبحتُ أَتجنَّب التواصل مع الآخرين، والخروج من المنزل، خوفًا من أن تُصيبني نوبةُ هَلَعٍ.
لا أستطيع القيامَ بأصغر الأمور، وأصبحتُ أدعو الله كلَّ يوم أن أموتَ عِوضًا عن موت أهلي وأحبابي، ودائمًا أُحِسُّ أني لا أنتمي إلى هذا العالم، ولم أَعُد أَفهَم نفسي، فتارةً أُريد الموت لأكونَ إلى جوار الله، وتارةً أُريد أن أَذهَب إلى الجحيم للتكفير عن ذنوبي، وقد استوى لدي كلُّ شيءٍ: الدنيا والآخرة، الجنة والجحيم؛ لذا حاولتُ الانتحارَ أكثرَ مِن مرةٍ، لكني فشِلتُ.
أرى صديقاتي يُكَوِّنَّ الصداقات ويُكْمِلْنَ دراستَهنَّ، وأنا عاجزةٌ عن فِعل أي شيءٍ.

أَشعُر أني سأنفجِر يومًا، لم أَعُد أَحتمِل الحياةَ، فأرجوكم أُريد حلًّا لمشكلاتي

الجواب:

عزيزتي السائلة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أُرحِّب بكِ في قسم استشارات شبكة الألوكة.
مُشكلتُك حلُّها في يدك، لا تُعيري بالًا لَما حصَل لكِ في طفولتك مِن مصاعبَ، واجعَلي منها سببًا وطريقًا إلى النجاح.
عزيزتي، عُودي إلى المواقع التي تتحدث عن تعزيز الثقة بالنفس، وعن إثبات الذات وتطويرها، ستجدين منها الكثير، وخصوصًا محاضرات الدكتور إبراهيم الفقي رحمه الله تعالى، وهي ستُساعدك وأنت تقودين نفسَك إلى طريق النجاح والتفوق.

لقد لَمَسْتُ من كلماتك حبَّ الله تعالى والخوفَ منه ومِن معصيته، والله تعالى يُحبك أيضًا؛ لأنه تعالى لم يُوفِّقك في محاولاتك للانتحار، وذلك مِن حبِّ الله تعالى لكِ ولُطفه بك، وأنتِ لا بدَّ أنك تَعلمين عقوبة المنتحر في الآخرة ومصيره، فالانتحار منكرٌ عظيم، وكبيرةٌ من كبائر الذنوب، ولا يَجوز للمسلم أن يَنتحرَ؛ يقول الله عز وجل: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((مَن قتَل نفسَه بشيءٍ عُذِّب به يومَ القيامة))؛ رواه أحمد في المسند.

فالواجب على المؤمن التصبُّر والتحمُّل إذا حصَلت له نَكبةٌ ومَشقةٌ في دنياه، وألا يَعْجَلَ ويَقتُل نفسَه، بل عليه أن يَحذَرَ ذلك ويتَّقِيَ الله، ويَتصبَّرَ ويَأخُذَ بالأسباب؛ ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: 2]، وإذا قتَل نفسه فقد تعرَّض لغضب الله وعقابه.

واجعَلي مِن رسوبك في الدراسة سُلَّمًا للنجاح، فالفشل ليس بالرسوب، ولكن الفشل بالتخاذل بعد الرسوب، فلو نظرتِ إلى كبار الناجحين والمشاهير، فإنك ستجدين الكثيرَ منهم جعَلوا فشلَهم سببًا للنجاح والتفوق والشهرة.

اجعلي فشلكِ درجةً أُولى في طريق النجاح، وقوِّي عزيمتك، وشُدِّي هِمَّتك، وكثِّفي دراستك؛ لتحصُلي على نتائجَ باهرةٍ تُساعدك في تَخطِّي أزماتك.

عزيزتي، اعلَمي أن مَن حولك يُحِبونك، ولن تَرَي هذا حقيقةً إلا عندما تُحبين نفسَك، وتعلمين أن جَمالك في شخصيتك وفي رُوحك، وهذا الجمال يَقوى مع إثباتك لذاتك وتعزيزك لقُدراتك، فعندما تُحبين نفسك، وتُقوِّين مِن شخصيتك، سيَطغى هذا على خارجك، وعندها ستعلمين أن أُمَّك وجَدتك وأَخَوَيكِ، وكل صاحباتك ومعارفك - يُحبونك.

اتَّخذي قرارًا سريعًا وحاسمًا في التغيير، وابدَئِي به فورًا، واجعلي لنفسك برنامجًا مليئًا بكل مفيد، ولا تتركي وقتَ فراغٍ أبدًا، امْلَئِي وقتَك بالدراسة وتنمية هواياتك، مع تخصيص وقتٍ دائمٍ لعباداتك؛ مِن صلاةٍ وتلاوةِ قرآنٍ، ودعاءٍ وأذكارٍ.

ولا تَنسَي الناحيةَ الجسدية، فالعقلُ السليم في الجسم السليم؛ لذا عليكِ اتِّباعَ برنامج غذائي صحي، لا أقول: حِمْيَةٌ، بل أقول: تَناوُلُ المأكولات الصحية التي توفِّر لك نفسيةً مرتاحة، وأيضًا فإن الرياضة ستُساعدك في تَحسين مِزاجك، وإخراجِ الطاقة السلبية منك!

إن اتِّباع كل هذه الأمور ليس بالأمر الصعب، ولكن يحتاج إلى إرادةٍ، وحبٍّ للتغيير، ومجرد إرسالك الاستشارةَ يعني أنك تريدين التغيير، وهذا مؤشِّرٌ جيد.

واعْلَمي أن مَلْءَ وقتكِ بالمفيد وتقرُّبَك أكثرَ مِن الله تعالى، سيُبعدك عن معصيته.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته