الاتجار في البشر من قضايا العصر .. ورؤية الإسلام العلاجية في ضوء القرآن والسنة - ملتقى الشفاء الإسلامي
 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 858568 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 392986 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215511 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 53 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          زوجي مصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > الملتقى العلمي والثقافي

الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-10-2020, 03:10 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي الاتجار في البشر من قضايا العصر .. ورؤية الإسلام العلاجية في ضوء القرآن والسنة

الاتجار في البشر من قضايا العصر .. ورؤية الإسلام العلاجية في ضوء القرآن والسنة
أحمد فتحي النجار







الاتجار في البشر من قضايا العصر..








رؤية الإسلام العلاجية في ضوء هدي آيات القرآن الكريم والسنة المطهرة







لمحة تاريخية عن المشكلة قبل الإسلام:



لقد عاشت الإنسانية قبل بعث النبي محمد - صلي الله عليه وسلم - أزمنة مظلمة فكان الطغيان والفساد[1] منتشراً في الأرض والغلو والبطش حال السادة والوجهاء والأكابر إلا من رحم الله منهم، وكانت القبيلة تبعاً لرأي سيدها في الحرب قبل السلم حتى أن بعضهم كان إذا غضب غضبت له آلاف السيوف لا تسأله فيما غضب [2]، وكان الضعفاء من النساء والأطفال والشيوخ يسقطون ضحايا لتفترسهم آلة الجبروت والطغيان التي لم تتوقف طوال تلك الأزمنة الجاهلية، وكان حال النساء باعتبارهم جزء عظيم من التقسيمة الإنسانية على ظهر الأرض عموماً، وكما أخبر القرآن في ذلك في آيات عديدة بمنتهي السوء واللآدمية، ومن أقبح قبائح المشركين وإفكهم في الجاهلية في هذا الشأن أنهم كانوا يختارون لأنفسهم الذكور، ويأنفون لأنفسهم من البنات التي نسبوها إلى الله فقال الله تعالى عنهم ((ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون. وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم. يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون. للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل العلى وهو العزيز الحكيم))[3].







تبارك الله وتعالى عما يقولون علواً عظيماً. إذا بشر أحدهم ببنت ظل كئيباً من الهمّ، كظيم، ساكت من شدة ما فيه من حزن، كاره أن يراه الناس من سوء ما بشر به.







إن أبقاها أبقاها مهينة يقدم أبناءه الذكور عليها، فلا يعتني بها، ولا يورّثها لأنها لا تقاتل ولا تدافع عن العشيرة، فكانت الحروب المتلاحقة، والقتال المتواصل هي أكبر همومهم، وكان وأد البنات منتشرا في بعض القبائل العربية وذلك بدفنها حية مخافة العار الذي ستجلبه لا محالة عما قريب كونها أنثى ضعيفة لا أكثر، أو الفقر الشديد الذي سيحل عليهم جراء ذلك.







ولقد وصلت مكانة المراة في الجاهلية من السوء أن اعتبروها تباع وتشترى[4] وتورث كما تورث الماشية والمال فليس لها في هذه الدنيا حق ولا رأي ولا كلمة للدرجة التي قد يكون أمر بيعها في سوق النخاسة كأمة أهون عليها من البقاء في بيت أهلها وفي رعايتهم.







أما عن الحروب التي أحطت من قيمة وكرامة المرأة للدرجة التي كانت تدفن فيه حية، كانت تنتهي لسبب واحد وهو هزيمة أحد أطرافها للدرجة التي كان يُصعد فيها القتال حتى درجة الإبادة الكاملة للخصم، رغم مابين القبائل من أواصر القرابة والمصاهرة[5].







وكانت تقاس الهزيمة بمقياس واحد وهو مدى دمويتها وعدد ما خلفته من قتلى، وأسرى أحراراً كانوا أو من العبيد الذين يساقون إلى هذه الحروب سوقاً، والأسرى في كل الأحوال يصل بهم المطاف إلى أن يكونوا سلعة تباع في الأسواق حبذا عندما يكونون أحراراً ليتجرعوا كؤوس الذل والمهانة، وكانت أسواق الرقيق عامرة دائماً ببضائعها الآدمية، والنخاسين والسماسرة يروجون لبضائعهم بمهارة فائقة فيُعرّون الأجساد، ويكشفون العورات دون تورع، ودون أن يكون لمن سقطوا في براثن هذه الهاوية مجرد الأمل في الخلاص من ذل العبودية والرق، فكان الموت ينتظر دائماً من يفكر في ذلك، والسيوف الباترة تلتهم رقاب من يغضب عليهم السادة والوجهاء والأولياء، والعذاب الأليم يصب فوق رأس من يقع في أتفه الأخطاء، حتى دخل الإسلام فهذب النفوس، وروض العقول، وحد الحدود، وأحق الحقوق وجعل للإنسان قيمة وشأن حتى ولو كان يعاني ذل العبودية والرق، فقدم له الحقيقة الفطرية التي كان يجهلها الإنسان بأنه رغم ضعفه، وزلاته، وكبواته، وتجبره أو أحياناً أو تجبر الآخرين عليه، فإنه سيظل خليفة لله في الأرض - مادامت الحياة، موكول إليه أمر إصلاحها وعمارتها، وأن الله لا يرضى الظلم ولا الجور، وأنه سيتقبله في عباده الصالحين عندما يحق الحقوق ويرفع المظالم، وقدم له دستوراً سماوياً لا يعتريه الخلل، ولا يفوته أمر من أمور الدنيا إلا وقد شمله بنصوصه وآياته، وليعمل من خلال نصوصه التي لم تنطق عن هوي.







وعندما أنصتت العقول والقلوب كان الأمر العظيم الذي جعل البداوة المنغلقة تتفتح وتتقبل، والإنسانية البلهاء تدرك معنىً آخر لرسالة جديدة مجالها الخير الكبير جداً للإنسانية، والقبائل الباطشة المتناحرة تصبح جبهة متحدة في وعيها للحياة وللتاريخ الذي رأت بدايته في انطلاقة هذه الرسالة وهذا الدين الجديد، لم تكن من قبل خارج التاريخ الذي صاغته بلا إنسانية في أغلب أحيان ذاك الزمان، ولكنها باتت محوراً فيه، وتهيأت للإمساك بزمامه في شتى المناحي، حين أخذ بها الإسلام في رؤيته الشمولية إلى تعميق تجربتها وتوسيع مداها الكوني لا سيما بعد انتشار الفتوحات التي غيرت صورة العالم خلال سنوات قليلة من الزمن[6].







الأشكال والصور التي تمارس ضد الضحايا اليوم حسب التقارير الدولية:



تتنوع الأشكال والصور التي تمارس ضد البشر باعتبارهم ضحايا هذه التجارة في الوقت المعاصر، وتصل إلى درجة الحدة التي تمارس فيها أقسى وأقصي أنواع الدموية والعنف الموجه، وفي هذا النوع يُقتاد الأفراد دون تفرقة بين جنس أو سن ليدخلوا المجازر الغير رحيمة التي تُمزق فيها الأجساد إلى أجزاء وأعضاء تباع، أو توضع تحت إمرة من هو في حاجة لاستبدال عضو من أعضائه أو جزء من أجزائه من أثرياء العالم المتجبر الذي ارتضي لأقرانه من بني الإنسان أن يكونوا بضاعة رخيصة تباع وتشتري بأبخس الأثمان وهذا النوع الدموي يعرف اصطلاحاً ب((تجارة ونقل الأعضاء البشرية)).







أما عن الأشكال الأكثر إنتشاراً والأقل دموية وعنفاً رغم أننا لا يمكن أن نشك أن الدم والعنف قد يكون أحد وسائل الإجبار والإتجار، لأن المُمارس ضدهم من الآدميين يعتبرون البضاعة الأرخص وقد لا تنجو هذه البضاعة الثمينة من الاعتداءات الدامية، فمازالت تنبض بالحياة وتتمتع بالمظهر الآدمي، ولهذا يمكن استغلالها في التجارة الجسدية والجنسية فتستغل الفتيات والنسوة والكثير من الأطفال في تجارة الجنس والدعارة، وسوق الإباحية التي تتعاظم وتتزايد على كافة الأصعدة الإقليمية والدولية بشكل مخجل يجعل ممن لا يسعي للمواجهة والعمل للقضاء عليها مذموماً، متورطاً، أما عن الصور التي ضخت في جيوب أولئك الأشرار الأموال التي تخطت 32 مليار دولار حسب تقارير منظمة العمل الدولية، فهي النتيجة المباشرة لأسباب كثيرة مما ذكرناها والتي جعلت من الإنسان سليباً مستعبداً مستغلاً لأنه تحت وطأة الحاجة الدميمة وعجلة الأيام التي لا تتوقف، فتمزق الأكباد جوعاً ومشقة، ليصير الإنسان هو أيضاً البضاعة والوقود الحي الذي يستمد به المتغطرسين من الأقران قوتهم وقدرتهم وتماديهم في البطش والعبث بالمقدرات الإنسانية شاملة، فتُشترى طاقاتهم ومجهوداتهم لعدد كبير من الساعات في منظومة العمل الإجباري والقسري دون مقابل لأسباب متنوعة، أو بمقابل بخس لا يسمن ولا يغني من جوع[7].







كيف قنن الإسلام قبل 1400 عام لمكافحة مشاكل الرقيق وتجارة البشر..؟



لقد ظلت أعظم معجزات الإسلام والمحرض الدائم على إجلاله وتعظيمه وتشريفه أسبقيته في معالجة القضايا والأحوال الإنسانية المتدهورة قبل الإسلام، والتطرق لظواهر كونية وعلمية تكتشف يوماً تلو اليوم، ومرونة وقابلية مناهجه وتشريعاته للتطبيق بصورة تطفو فوق المكان والزمان، لتُخبر كل من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد بأن ما بعث به محمداً إنما هو الرسالة التامة والميثاق الأعظم الذي يرجو خير وصلاح الدنيا والبشر، والمشروع العالمي المتكامل القادر على قيادة الأرض إلى أن تقوم الساعة.







ولقد انفرد الإسلام ببسط شرائعه وقوانينه بسماحة ولين عبر مراحل متتالية متزنة من المنع والتحريم وتجريم كل الشرور والآثام، وكل ما من شأنه أن يطال الإنسان أو يحط من قيمته وقدره، ولقد أثبت الإسلام انفراده بتحريم وتجريم أشكال وظواهر الاتجار في البشر بصوره التي حددتها بعض المؤتمرات والمؤسسات الدولية المهتمة بمكافحة هذه الظواهر بطريقة علمية منهجية متكاملة ودقيقة، وكذلك العمل على مداواة ومعالجة الضحايا، كما سنعرض في الأسطر القادمة أسبقية القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بسن تشريعات دقيقة وعملية على مواجهة هذه الظواهر البغيضة التي كان يتعرض لها الإنسان قديماً ويتعرض لها اليوم، ليس فقط بالصورة التي حددتها التقارير المتنوعة التي تصدرها منظمة العمل الدولية وبعض الجهات الحقوقية والإنسانية التي مازالت تحاول وضع الأسس المناسبة للسيطرة على الظاهرة في الوقت المعاصر، ولكن رؤية الإسلام تبدو أكثر دقة وشمولية ومعرفة، ليكون الإسلام بذلك من وجهة نظري هو النموذج والمثال والقدوة الحسنة في الأخلاق والإنسانيات، والذي يجب أن يَقتدي به بني البشر من المسلمين وغيرهم في كل أمور الدنيا، ولتبقي محاولات السيطرة على الظاهرة ومواجهتها القائمة عبر اللقاءات والمؤتمرات والندوات الحقوقية والإنسانية والمجتمعاتية أو حتى القوانين التي سنتها و أقرتها المنظمات العالمية وتسعي للتصديق عليها أقل بكثير مما جاءت به رسالة الإسلام الحاسمة الحازمة، عبر حزمة من التشريعات القرآنية والأحاديث النبوية الطاهرة، فكانت على النحو كما سنعرض لا أدعي كمالاً وإنما عجزاً وتقصيراً وعرضاً بسيطاً موجزاًً لعلنا نستطيع ان نبرهن على أن المحاولات والمؤتمرات والمعاهدات والقوانين التي يُنادي لها في شتي بقاع العالم لم تسبق الإسلام في الهدف والغاية بل وفي المنحي الذي اتبعه عملياً لمواجهة هذه القضية الإنسانية الخطيرة وجاءت كالتالي:



أولاً: شمولية التكريم والتكليف:



لقد بَعث الله النبي محمداً - صلي الله عليه وسلم - برسالة الإسلام لتكون للعالمين دستوراً نورانياً أخلاقياً يضمن للبشر حق تكريمهم في أي مكان وفي كل زمان دون تمييز ولا تفرقة فقال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ﴾ [8] وقال ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾ [9] فكان التكريم عاماً شاملاً دون تمييز بين كبير أو صغير أوفقير وغني ولا بين ذكر أو أنثى أو حر كان أو مستعبد، وقال - صلي الله عليه وسلم - ((لافرق بين عربي ولا أعجمي ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوي والعمل الصالح)) [10].







ولقد هبطت رسالة التكليف بالعبادة لله الواحد الأحد على النبي الكريم - صلي الله عليه وسلم - جامعة فلم تقول أن هناك تفرقة بين طبقة وأخرى أو بين كبير وصغير أو بين حر وعبد أو رجل وامرأة فالكل متساوي في الحقوق وعليه من الواجبات ما يطيق فلم يكلف الله نفساً إلا وسعها ولم يصنف الإسلام البشر حسب تقسيمات عرقية، فظل الإنسان في الإسلام إنساناً وسيظل، وكان عموماً هو محط وبُغية ما بعث به النبي الكريم ولُب ما تنزل عليه، وبالتكليف الشامل بدأ الضعفاء والفقراء والنساء والمهمشون يعلمون أنهم سيصير لهم في هذا الدين شأن فلا يعوقهم ضعفهم وفقرهم ولا جنسهم ولونهم، ولا حريتهم أو استعبادهم، فالجميع مكلف، والجميع خلق لغاية واحدة ألا وهي عبادة الله في أرضه وعمارتها بإقامة الحق والعدل اللذين يُستمدا من روح الله العلية.







ثانياً: رحمة النبي ورفقه وضربه المثال في نصرة الضعفاء والمساكين:



لقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام رحيماً طيباً رؤفاً فقال عنه الله سبحانه وتعالى ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [11].







ولقد ظل النبي - صلي الله عليه وسلم - الإنسان غايته والحق وجهته مؤيداً من الله بالرحمة واللين، فأنشأ من الضعفاء والمساكين أكبر قوة أخلاقية وجدت على ظهر الأرض، فكان صلى الله عليه وسلم يدعو في مكة إلى الإسلام، وكان أكثر من استجاب له ضَعفة ومساكين مكة، حيث كانوا هم أكثر الناس تبعاً له، والسبب كان لين جانبه والرفق بهم والصبر على تعليمهم بعكس ما كان عليه الحال والمعاناة التي كانوا يعانونها في الجاهلية، حتى وقر الإيمان في قلوبهم فهم أتباع الأنبياء [12] واللين هنا عكس العنف والشدة والبطش والقهر الذي كانوا يعانون منه معاناة عظيمة قبل أن تهبط رسالة الأخلاق والإنسانية.







كيف واجه الإسلام ظاهرة الرق والعبودية..؟



وعندما انطلقت الدعوة إلى الله وأسلم الكثيرون ممن لا يملكون زمام أمورهم في شبه الجزيرة العربية مهد الرسالة كانت العبودية والرق شكلاً من أشكال معاناة الإنسان وكان الاضطهاد والقتل والتعذيب الشديد هي الصور التي قوبل بها من دخل الإسلام وهو مسترق مستعبد، فكان صبرهم رضوان الله عليهم على عذاب الدنيا خير من الصبر على عذابات الآخرة، ولقد آلمت معاناة هذه الفئة الضعيفة من المسلمين خصوصاً وغيرهم عموماً الرسول الكريم - صلي الله عليه وسلم - وصحابته الأخيار فقال ((أيما رجل أعتق امرءا مسلماً استنقذ الله منه بكل عضو منه عضو في النار)) [13]، ومن هنا دعي الرسول الكريم وحض الأثرياء والمقتدرين من الملسمين في مرحلة أولية من مراحل القضاء على العبودية والرق التي توالت تدريجياً،فأمر النبي - صلي الله عليه وسلم - صحابته الأخيار بشراء المستعبدين من الرجال والنساء والأطفال الملسمين وإعتاقهم لوجه الله الكريم وفي سبيله، وضرب أبو بكر الصديق رضوان الله عليه خير مثال فيما أمر به النبي - صلي الله عليه وسلم - فقام بشراء عدد كبير من هؤلاء العبيد الذين سيّدهم الإسلام وتوّجهم بتاج الكرامة الإنسانية [14]، كما أن النبي كان قد أعلى من شأن الكثيرين ممن كانوا مستعبدين فها هو بلال بن رباح يصدح بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله بصوته العذب الشجي مؤذناً للصلوات المتعاقبات، ويحسُن إسلامه ويقوي إيمانه فيسمع النبي - صلي الله عليه وسلم - حفيف نعليه في الجنة، وتتوالى مراحل القضاء على الرق وتجارة البشر، فيحرم الله سبحانه وتعالى تحويل الدين إلى استرقاق غير القادر على سداده بقوله: ﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ﴾ [15] ويحرم استرقاق الحر في حديثه القدسي حدثني ‏ ‏بشر بن مرحوم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يحيى بن سليم ‏ ‏عن ‏ ‏إسماعيل بن أمية ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد بن أبي سعيد عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏رضي الله عنه وسلم ‏ ‏قال قال رسول الله ‏ الله - صلي الله عليه وسلم - قال الله‏ ‏ ‏(( ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطي بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل إستأجر أجيراً فأستوفي من ولم يعطه أجره ))[16] وهذا يؤكد أن بكل قوته وقدرته وجبروته سيكون خصماً لمثل هؤلاء المجرمين من الناس،ثم جعل الله في مراحل تالية إعتاق العبيد والرقيق من الكفارات ككفارة القتل الخطأ وكفارة الأيمان فقال تعالى ﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ﴾ [17] وقال تعالى ﴿ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ﴾ [18].







ودعي الله لمنع الكفار من تملك الرقيق خاصة من المسلمين لقوله تعالى ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴾ [19] فأُغلق بالإسلام وبهذه الآية أبواب الرق من بيع وشراء وهبة وإرث إلخ..







وحث الرسول الكريم - صلي الله عليه وسلم - إلى وجوب تحرير الأقرباء وذوي الأرحام، والدليل على ذلك عن ابن عمر مرفوعا ًعند النسائي والترمذي وابن ماجه والحاكم قال: قال - صلي الله عليه وسلم - ((من ملك ذا رحم محرم فهو حر)) [20] وأعطي الإسلام في مراحل متقدمة للعبيد حقوق تحرير أنفسهم بالشراء فكان للعبد أن يدفع لسيده كل ما يحدده من مال أو نصفه أو أقل أو حسب الاتفاق وما عرف بنظام المكاتبة[21] والتي من وقتها يصبح للعبد ذمة مالية منفصلة عن ذمة سيده.، وأعطي للإماء عندما يلدون أولاداً للسادة حريتهم من وقت والولادة ويُكّرمون لهذه الأمر أعظم تكريم فينسب أبنائهم لآبائهم ويرثون بعد موتهم كما أنه قد تحرم بالإسلام استرقاق من يولد لمستعبد فكان ولد العبد يولد حراً. ولقد قنن النبي الكريم للقصاص من قاتل العبد لقوله فيما روي عن الإمام أحمد: من حديث الحسن، عن سمرة رضي الله عنه، عنه - صلي الله عليه وسلم - (( من قتل عبدقتلناه )) فكان القتل تعزيراً إلى الإمام بحسب ما يراه من المصلحة[22] وعلى هذا النهج الكريم سار ركب الخلفاء الراشدين والصالحين والتابعين فها هو عمر بن الخطاب يستفسر متعجباً متألماً لما كان أقرانه من البشر يعانونه بقوله المأثور (( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً))[23] ليغلق ابن الخطاب بهذه المقولة الدروب على المتعجرفين من المتعالين ليهبطوا إلى مستوياتهم الإنسانية التي ساوى الله فيها بين البشر فلم يفرق بينهم سوى العمل الصالح والتقوى.







وكان سيدنا عمر رضي الله عنه يقول: «بلال سيدنا وأعتقه سيدنا» وصار بلال سيداً في الإسلام شأنه شأن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي العصر المتقدم من عصور دولة الإسلام المتسعة عهد عمر بن عبدالعزيز خامس الخلفاء الراشدين والدولة الإسلامية المنبسطة من حدود الصين شرقاً حتى حدود فرنسا غرباً بأوجها الاقتصادي وإزدهارها الأخلاقي وجهت أموال الدولة الإسلامية للقضاء على هذه المشكلة.







((بعد أن أنفق عمر على الفقراء والمساكين، والعاجزين، والغارمين وأبناء السبيل وجَّه الأموال لفك رقاب المستعبدين، وقال عامل صدقات إفريقية: بعثني عمر بن عبدالعزيز على صدقات إفريقية فاقتضيتها، وطلبت فقراء نعطيها لهم فلم نجد بها فقيرًا.. فاشتريت بها رقابًا وولاؤهم للمسلمين))[24].







تحريم وتجريم الزنا والدعارة:



ولقد حرم القرآن الكريم الدعارة والزنا باعتبارها من الجرائم المشينة التي تنال من شرف الإنسان وتحط من قيمته وكرامته، فتجعله يهوي إلى مرتبة غير إنسانية يتساوى بها مع الأنعام، بل تكون الأنعام أكثر شرفاً ورقياً فقال تعالى ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ [25].







وقال في تحريم كل أنواع الفواحش خاصة تلك الفواحش الجسدية التي قد يمارسها الإنسان ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [26].







كما أن الزنا وهتك الأعراض قد اعتبرها النبي صلى الله عليه وسلم من الموبقات ومن الكبائر المهلكة، يقول صلى الله عليه وسلم: (( ألا إن دماءكم وأعراضكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ))[27]







حفظ حقوق المرأة:



يحتاج البحث في الحقوق التي منحها الإسلام للمرأة العودة للآلاف من الكتب والمراجع الإسلامية وغيرها، ولأن البحث في هذا المجال بمثابة الغوص في محيط عميق ليس له أول من آخر فإنه يكفينا شرفأ أن نشير مجرد الإشارة ببعض من مظاهر هذه الحقوق التي قننتها السماء في لوحها المحفوظ، والذي رفع الإسلام به من مكانة المرأة وأعلى من شأنها، وأكرمها بما لم يكرمها به دين سواه بسور كاملة تتلي آياتها إلى أن تقوم الساعة وهي سورة النساء؛ والنساء في الإسلام شقائق الرجال لقوله الكريم - صلي الله عليه وسلم - برواية الترمذي وأحمد وأبوداود، وخير الناس خيرهم لأهله لاسيما أهل بيته لقوله - صلي الله عليه وسلم - عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي))[28].







وللمسلمة في طفولتها لها حق الرضاع، والرعاية، وإحسان التربية، وهي في ذلك الوقت قرة العين، وثمرة الفؤاد لوالديها وإخوانها، وإذا كبرت فهي المعززة المكرمة التي يغار عليها وليها، ويحوطها برعايته، فلا يرضى أن تمتد إليها أيد بسوء، ولا ألسنة بأذى، ولا أعين بخيانة، وإذا تزوجت كان ذلك بكلمة الله، وميثاقه الغليظ؛ فتكون في بيت الزوج بأعز جوار، وأمنع ذمار، وواجب على زوجها إكرامها، والإحسان إليها، وكف الأذى عنها.







وإذا كانت أماً كان برُّها مقروناً بحق الله- تعالى- وعقوقها والإساءة إليها مقروناً بالشرك بالله، والفساد في الأرض. فقال تعالى: ﴿ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [29] ولقوله أيضاً ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ﴾ [30].







وعن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله حرم عليكم: عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعاً وهات، وكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)) متفق عليه ولقوله - صلي الله عليه وسلم - ((من حديث أبي بكرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أنبئك بأكبر الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين )) متفق عليه[31] فجعل العقوق مجرد العقوق قريناً مساوياً للشرك بالله في البغض ودرجة الجرم فما بالنا بالمظاهر والجرائم التي تعددها التقارير اللامتناهية اليوم.







وإذا كانت أختاً فهي التي أُمر المسلم بصلتها، وإكرامها، والغيرة عليها.







وإذا كانت خالة كانت بمنزلة الأم في البر والصلة.







وإذا كانت جدة، أو كبيرة في السن زادت قيمتها لدى أولادها، وأحفادها، وجميع أقاربها؛ فلا يكاد يرد لها طلب، ولا يُسَفَّه لها رأي.







وإذا كانت بعيدة عن الإنسان لا يدنيها قرابة أو جوار كان له حق الإسلام العام من كف الأذى، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ﴾ [32] ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لايعنيه)). [33]رواه الترمذي وغيره.







وغض البصر ونحو ذلك فقال تعالى ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾ [34]. وما زالت مجتمعات المسلمين ترعى هذه الحقوق حق الرعاية، مما جعل للمرأة قيمة واعتباراً ما لا يوجد لها عند المجتمعات غير المسلمة قديماً أو الآن.







و للمرأة في الإسلام من الحقوق الدائمة الغير منقوصة حق التملك، والإجارة، والبيع، والشراء، وسائر العقود، ولها حق التعلم، والتعليم، بما لا يخالف دينها، بل إن من العلم ما هو فرض عين يأثم تاركه ذكراً أم أنثى.
يتبع





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04-10-2020, 03:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الاتجار في البشر من قضايا العصر .. ورؤية الإسلام العلاجية في ضوء القرآن والسنة



و لها ما للرجال إلا بما تختص به من دون الرجال، أو بما يختصون به دونها من الحقوق والأحكام التي تلائم كُلاً منهما.







لقوله تعالى: ﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ ﴾ [35].







وقد أجمع فقهاء الاسلام على أن النصوص الواردة في التصرفات المالية خاصة بالرجل والمرأة على السواء دون تمييز.







لقد أعطى الاسلام المرأة الحرية - كل الحرية - في التصرف في مالها وما تملك، متزوجة كانت أو غير متزوجة، ما دامت قد بلغت سن الرشد.







ومن إكرام الإسلام للمرأة أن أمرها بما يصونها، ويحفظ كرامتها، ويحميها من الألسنة البذيئة، والأعين الغادرة، والأيدي الباطشة؛ فأمرها بالحجاب والستر، والبعد عن التبرج، وعن الاختلاط بالرجال الأجانب، وعن كل ما يؤدي إلى فتنتها لقوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [36] ومن إكرام الإسلام لها: أن أمر الزوج بالإنفاق عليها، وإحسان معاشرتها، والحذر من ظلمها، والإساءة إليها. لقوله تعالى ﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ﴾[37] ولقوله تعالى ﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ﴾ [38].







ومنها- أيضاً- أن أباح للزوجين أن يفترقا إذا لم يكن بينهما وفاق، ولم يستطيعا أن يعيشا عيشة سعيدة؛ فأباح للزوج طلاقها بعد أن تخفق جميع محاولات الإصلاح، وحين تصبح حياتهما جحيماً لا يطاق فقال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ [39].







وللمرأة حقوقها المالية على الرجل بعد الطلاق لكي لا يكون الطلاق هو نهاية المطاف ومن بعده الضياع والسقوط في هاوية الأيام فقال تعالى ﴿ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [40].







وقال تعالى (﴿ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ * كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [41].







وأباح الإسلام للزوجة أن تفارق الزوج إذا كان ظالماً لها، سيئاً في معاشرتها، فلها أن تفارقه على عوض تتفق مع الزوج فيه، فتدفع له شيئاً من المال، أو تصطلح معه على شيء معين ثم تفارقه.







وليس حسن المعاشرة أمراً اختيارياً متروكاً للزوج إن شاء فعله وإن شاء تركه، بل هو تكليف واجب قال النبي-صلى الله عليه وسلم-: (لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يضاجعها) رواه البخاري ومسلم.







ومن صور تكريم الإسلام للمرأة أن أنقذها من أيدي الذين يزدرون مكانها، وتأخذهم الجفوة في معاشرتها؛ فقرر لها من الحقوق ما يكفل راحتها، وينبه على رفعة منزلتها، ثم جعل للرجل حق رعايتها، وإقامة سياج بينها وبين ما يخدش كرامتها.







ومن الشاهد على هذا قوله-تعالى-: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾ [42] فجعلت الآية للمرأة من الحقوق مثل ما للرجل؛ وإذا كان أمر الأسرة لا يستقيم إلا برئيس يدبره فأحقهم بالرياسة هو الرجل الذي شأنه الإنفاق عليها، والقدرة على دفع الأذى عنها، وهذا ما استحق به الدرجة المشار إليها في قوله-تعالى-: وللرجال عليهن درجة وقوله: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ﴾ [43].







ولقد أكرم الإسلام المرأة:



بأن أباح للرجل أن يعدد، فيتزوج بأكثر من واحدة، فأباح له أن يتزوج اثنتين، أو ثلاثاً، أو أربعاً، ولا يزيد عن أربع بشرط أن يعدل بينهن في النفقة، والكسوة، والمبيت، وإن اقتصر الزوج على واحدة فله ذلك. لقوله تعالى ((فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألاتعدلوا فواحدة أو ماملكت أيمانكم)) [44].







هذا وإن في التعدد حكماً عظيمة، ومصالح كثيرة لا يدركها الذين يطعنون في الإسلام، ويجهلون الحكمة من تشريعاته ولكل من أخذ على الإسلام إقراره تعدد الزوجات الردود التي تقنعه بمنطقية وعقلية وسلاسة الإسلام ولكن ليس هذا مكان للرد ولقد استفاض العلماء في التوضيح والشرح.







ولقد أكرم الإسلام المرأة بأن جعل لها نصيباً من الميراث بعد أن كانت تباع وتوهب وتورث، فللأم نصيب معين، وللزوجة نصيب معين، وللبنت وللأخت لقوله تعالى ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ﴾ [45].







ولقوله تعالى ﴿ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾ [46].







ولقد ظلت المرأة دائماً موصي عليها من قبل النبي - صلي الله عليه وسلم - فقال في حجة الوداع ((ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح فإن أطعنطكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً ألا إن لكم على نسائكم حقاً ولنسائكم عليكم حقاً ))[47].







حفظ حقوق الطفل في الإسلام:



ما ترك الله سبحانه وتعالى في شريعته، ولا النبي في سنته أمراً من أمور الدنيا والآخرة إلا وبينه، ولقد اهتم الإسلام الحنيف وركز تركيزاً شديداً على حماية الأطفال من التمييز والإهمال والإساءة بأنواعها المختلفة الجسدية والجنسية وغيرها، حيث تعددت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تدعو إلى حماية الطفل وتوصينا بهم وهذا قد تبلور وظهر لنا من خلال سيرة النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام في تعامله مع الأطفال أمام الصحابة ليكون قدوة لهم ولنا من بعدهم وللأمة اجمع، وحفظ لهم حقوقهم في الحياة وأوكل الوالدين بتربيتهم على أحسن وجه.







ومن الآيات القرآنية التي تذكر لنا الأطفال وتحضنا عليهم قال تعالى ﴿ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾[48] بمعني أن حقوقهم تصل لدرجة الفرض وهم أيضاً زينة الحياة الدنيا ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾[49].







وهم الواجبة لهم الوصية في المال وفي كل خير ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ﴾[50].







ولهم الحق في الرضاعة ﴿ والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين ﴾[51] أما عن الأحاديث التي تضمن للطفل حقوقه فهي كثيرة في هذا الباب ومنها على سبيل المثال لا الحصر:



عن عبدالله بن شداد قال: "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس إذا أتاه الحسن أو الحسين، قال مهدي: أكبر الظن أنه الحسين - فركب على عنقه وهو ساجد، فأطال السجود بالناس حتى ظنوا انه قد حدث أمر، فلما قضى صلاته، قالوا: يا رسول الله لقد أطلت السجود حتى ظننا أنه قد حدث أمر؟! قال: " إن ابني هذا قد ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته"[52].







قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)) متفق عليه[53]، فالأب راع ومسئول عن رعيته..." ورعية الأب والأم هم الأولاد والأطفال.







وفي سنن أبي داود عنه، من أسماء بنت يزيد: ((لا تقتلوا أولادكم سراً، فوالذي نفسي بيده إنه ليدرك الفارس فيدعثره)).







قال: قلت: ما يعني؟ قالت الغيلة يأتي الرجل زوجته وهي ترضع[54].







كما أن الإسلام قد أنصف الإناث ورفع عنهن الظلم الذي كان يحرمهم من حقهم في الحياة لا لذنب يقترفنه سوي لأنهن أناث فقال تعالى ﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴾ [55].







حتى إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند عندما يقرأها كان يبكي حتى تبتل لحيته على فعلته ووأده لبنته في الجاهلية.







كما أن الرسول - صلي الله عليه وسلم - في حديثه الشريف قد وعد بأن الرجل الذي يولد له بنتين فيقوم على حسن تربيتهن بأن يكون رفيقه في الجنة وأن من يولد له ثلاث إناث فيحسن القيام عليهن وتربيتهن بأن يكن له حجاباً من النار يوم القيامة حيث قال - صلي الله عليه وسلم - )) من عال جارتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو هكذا وضم إصبعيه))، رواه مسلم[56].







وقال عليه الصلاة والسلام: ((من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن، من جزته (يعني من ماله وغناه) كُن له حجاباً من النار يوم القيامة)) حديث صحيح.







وعلى هذا فثَمَّة حقوق مهمَّة حفظها الإسلام للطفل، فاقت في شمولها ومراحلها كل الأنظمة والقوانين الوضعيَّة قديمها وحديثها، حيث اهتم الإسلام به في كل مراحل حياته: جنينًا، ورضيعًا، وصبيًّا، ويافعًا، ثم شابًّا، إلى أن يصل إلى مرحلة الرجولة، بل اهتم الإسلام بالطفل قبل أن يكون جنينًا لقوله - صلي الله عليه وسلم - ((تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس))[57] فهل يضع الإسلام كل هذه الشروط و الحقوق لحماية الأطفال قبل ميلادهم وبعده ويسمح بإنتهاكهم جسدياً عن طريق العمل وغيره..؟ الأمر إذن أبعد من المستحيل.







وذلك كله بهدف إخراج رجال أسوياء، قادرين على تحدِّي كل المستحدثات الحضاريَّة ولهذا كان الإسلام ومنهجه الواضح الجلي سباقاً لكل خير للإنسان رافعاً عنه كل ظلم وجور وبطش سواء كان كبيراً أم صغيراً ذكراً كان أم أنثي.







حفظ حق الأجير:



ويكفي في الترهيب من تضييع حق هذا الضعيف حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم - ‏(( ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطي بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل إستأجر أجيراً فأستوفي منه ولم يعطه أجره))[58].







وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه [59].







ومن القصص العظيمة التي تروى في هذا الشأن ما رواه البخاري عن قصة الثلاثة أصحاب الغار روى البخاري في صحيحه عن عبدالله بن عمر رضى الله تعالى عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: وقال الثالث اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين فقال يا عبدالله أد إلى أجري فقلت له كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق فقال يا عبدالله لا تستهزىء بي فقلت إني لا أستهزئ بك فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئا اللهم فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون))[60] أي أن التضرع بحفظ حق الأجير وتنميته إن غفل عنه رحمة من الله،فهنا بين النبي صلى الله عليه وسلم فضل وثواب صاحب العمل الذي يحفظ للأجير الغافل حقه وينميه له.







وهذا عثمان بن عفان رضي الله عنه يعلمنا أن للخدم والأجراء وقتا يستريحون فيه فقد قيل له ليلا مرةً: لو أمرت بعض الخدم فكفوك، فقال‏:‏ لا، الليل لهم يستريحون فيه‏[61] ويكفينا في التحذير من عدم الوفاء بالعقود المكتوبة بين أرباب العمل والأجراء قول الله تبارك وتعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ﴾[62].







ويكفي في الترهيب من عدم إعطاء الأجير حقه وراتبه أو إنقاصه قول الله تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ﴾[63].







ويكفي في الترهيب من تحميل الأجير فوق ما يطيق قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم)[64] رواه البخاري ومسلم.







وفي الترهيب من إعطاء الأجير أجراً لا يناسب مجهوده نجد جميع الأحاديث المحذرة من الظلم وأكل أموال الناس بالباطل وغمط الناس حقوقهم - كل هذه الأحاديث صالحة في هذا المجال ومنها قوله عن جابر رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة)[65].







وفي التكبر واحتقار الأجير يأتي التحذير النبوي الشديد من الكبر والتكبر فيقول صلى الله عليه وسلم: (الكبر بطر الحق وغمط الناس)[66] أي احتقارهم والتعالي عليهم.







كيف قوّم الإسلام المجرمون وضحايا هذه الظاهرة...؟



لقد جرم الله سبحانه وتعالى كل عمل فاحش أو الدعوة له لضرره البالغ الذي لايخفي عن كل إنسان له قلب وفطرة سليمة، ولقد جرم تناول الأخبار والأقوال بعد مرحلة الترويج والفعل لفضحها للعورات وإعانتها على الشر والقبح في نفوس من يتناولون هذه الأحاديث ولتأثيرها السلبي على نفوس المجرمين والضحايا بجعلهم يقدمون ويحترفون هذه الأمور المنكرة إذا لم تفتح لهم أبواب التوبة والعفو والقبول من المجتمع، ووعدهم الله بالعذاب الأليم في الدنيا والأخرة فقال تعالى﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ﴾[67].


يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 04-10-2020, 03:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الاتجار في البشر من قضايا العصر .. ورؤية الإسلام العلاجية في ضوء القرآن والسنة



ولقد أدرك الرسول - صلي الله عليه وسلم - أن الإعلان ومعايرة المجرم بجرمه إعانة للشيطان عليه فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم (( إذا زنت الأمة فتبين زناها فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها أي لا يوبخها بمثل قوله يا زانية يا فاجرة لما فيه من الفحش والإيذاء ثم إن زنت الثانية فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إن زنت الثالثة فليبعها ولو بحبل من شعر )) متفق عليه.







وعنه قال: أتي النبي - صلي الله عليه وسلم - برجل قد شرب خمر قال (( اضربوه )) قال أبو هريرة فمنا الضارب بيده والضارب بنعله، والضارب بثوبه. فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك الله. قال. قال (( لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان )) رواه البخاري[68].







وعلى هذا يمكن القياس ومداواة المجرمين والضحايا مداوة نفسية إسلامية وذلك باستيعابهم بعد التوبة فلقد أبقي الله باب التوبة مفتوحاً لكل إنسان مالم يغرغر وحث المجرم أيٍ كان جرمه على التوبة لقوله الكريم ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [69] أو بعد أن يرفع عنهم ما قد يتعرضون له من مثل هذه المظاهر و العمل على إعادة تقويمهم من خلال مؤسسات إنسانية واجتماعية ونفسية، ليعودوا صالحين في مجتمع مؤمن متسامح ينهي عن المنكر ويأمر بالمعروف ويستوعب المخطئ والمجرم بعد معاقبته كلما كان جرمه يستوجب العقاب والمحاسبة.







لتضرب الشريعة الإسلامية بكل هذه الأمثلة النموذج العملي على انها الرسالة الإنسانية الأخلاقية التي تحض على تحرير الإنسان وتذم العبودية، وغايتها الخير الدائم للبشر في الدنيا والأخرة فصارت بذلك هي المثال الحي والمحرض الأول بإقرار شرائعها ذم العبودية والرق وتضييع حقوق البشر بأشكالها الموضحة كما سلف، وساهمت بطرق عملية وعلمية جلية في عهد النبي الكريم - صلي الله عليه وسلم - وصحابته الأخيار والتابعين من بعدهم في مساعدة من سقط أسير هذه المسألة على أن يكون إنساناً كاملاً لا يحد من حريته وآدميته كائن من كان عبر تقانين سماوية خالصة تبرهن أن رسالة الحق تامة غير منقوصة، لم يعبرفيها ولا حولها أمر من أمور بني البشر وكان بالهين اليسير.







ولكن في السنوات القليلة المنصرمة عادت الظاهرة اللآدمية الدميمة في الظهور من جديد فصارت أحد أعمدة الثالوث الغير شرعي الذي يعمل ضد الإنسان ويهدف إلى تدميره والقضاء عليه، فحسب تقارير منظمة العمل الدولية فإن حصيلة الإتجار في البشر واستغلالهم في أشكال غير إنسانية تعقب مباشرة حصيلة تجارة السلاح الغير شرعية وتجارة المخدرات بإجمالي مبالغ 28 مليار دولار للتجارة المباشرة وإجمالي مبالغ 32 مليار دولار للاستغلال الجبري والقسري للعمالة وأورد التقرير أن أكثر من 3 ملايين من البشر يقعون ضحايا للإتجار بهم بينهم مليون ونصف المليون من الأطفال، وينقل ما يتراوح بين 45 و50 من الضحايا إلى الولايات المتحدة وأورد التقرير أيضاً أن 98% من ضحايا هذا الاستغلال التجاري للجنس والدعارة هن من النساء والفتيات، وأحصت التقارير العديد من الدول المتورطة بطرق مباشرة أو غير مباشرة في هذه المنظومة الإجرامية اللأخلاقية، وصنفت بعضها على أنها دول مصدرة كالدول الأفريقية ودول الاتحاد السوفيتي ودول جنوب شرق آسيا والبعض الأخر على أنها دول معبر كمصر وبعض دول المنطقة وأغلب دول الشرق الأوسط خصوصاً، ودول مقصد وموئل كالولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية وإسرائيل[70].







وما زلت منظمة العمل الدولية ومنظمة الأمم المتحدة وهيئاتها والدول والحكومات ومؤسسات المجتمع المدني والمشرعون يبحثون عن تشريعات قوية تحد من الظاهرة وتكافح هذه الجريمة ولكننا نخشي أن تكون قد عميت أعينهم وصمت آذانهم فتحولوا فعلاً عن رؤية التشريعات الإنسانية الإسلامية المتكاملة ليس تحيزاً لما عرضنا له ولكنهم على دراية به وربما يكونوا أعلم به منا ولكن حسبنا هنا أن نشير ونوضح وعلى الله القصد والتكلان.







المصادر والمراجع:



1- أثر معاملة الرسول - صلي الله عليه وسلم - في نشر الدين الإسلامي لدكتور / يحي بن عبدالله البكري الشهري / الجمعية العلمية للسنة وعلومها طبعة 2008 ص 40 النسخة الإلكترونية.







2- الرحيق المختوم / صفي الرحمن المبارك فوري / دار الوفاء المنصورة.







3- المستطرف في كل فن مستظرف ل / شهاب الدين أحمد الأبشيهي الجزء الأول.







4- رياض الصالحين من كلام خير المرسلين / مكتبة مصر - القاهرة.







5- زاد المعاد لابن القيم الجوزي / الجزء الخامس / مؤسسة الرسالة الطبعة الثالثة 2001.







6- صحيح مسلم بشرح النووي الجزء الرابع الطبعة الرابعة دار الحديث القاهرة.







7- طبقات الشافعية الكبرى.







8- فيض الباري بشرح صحيح البخاري / الجزء الثالث / الطبعة الأولي / دار الكتب العلمية بيروت 2005.







9- مجلة آفاق الثقافة والتراث العدد السادس / سبتمبر 1994.







10- مجلة العربي الكويتي العدر رقم 554 يناير 2005 والعدد رقم611 أكتوبر 2009.







11- روابط مواقع الإنترنت



خطبة الدكتور عصام بن هاشم الجفري:



http://www.saaid.net/Doat/aljefri/99.htm



http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=20223&SecID=360



http://www.kl28.com/knol4/print.php?post=345959








12- قراءات شخصية في التقارير الدولية والحقوقية الصادرة في شأن رصد و مكافحة ظاهرة الإتجار في البشر والتي بثتها مئات المواقع والمحطات الإخبارية على مدار سنوات.









[1] من مقال تجليات الحنيفية في مكة قبل الإسلام د/إبراهيم بيضون العربي الكويتية العدد 611 ص22 أكتوبر 2009.




[2] الرحيق المختوم )) صفي الرحمن المباركفوري ص 41،42.




[3] سورة النحل الآيات 57:60.




[4] انظر الرحيق المختوم ص57.




[5] انظر مقال بسام العسلي مجلة آفاق الثقافة والتراث _ ع(6) ربيع الثاني 1415 ه، سبتمبر أيلول 1994.




[6] من مقال التاريخ المختزل والتاريخ المحاصر لدكتور إبراهيم بيضون مجلة العربي الكويتيةالعدد554 يناير 2005.




[7] قراءة في تقارير صادرة عن منظمة العمل الدولية ومنظمات حقوقية إقليمية ودولية مهتمة بمكافحة هذه الظاهرة.




[8] سرة الإسراء آية رقم 70.




[9] سورة الحجرات آية رقم34.




[10] رواه الإمام أحمد في مسنده، والترمذي في سننه.




[11] سورة آل عمران الآية 159.




[12] أثر معاملة الرسول - صلي الله عليه وسلم - في نشر الدين الإسلامي لدكتور / يحي بن عبدالله البكري الشهري - الجمعية العلمية للسنة وعلومها طبعة 2008 ص 40 النسخة الإلكترونية.




[13] فيض الباري الجزء الرابع ص17.




[14] انظر باب الاضطهادات الرحيق المختوم ص 109:106 صفي الرحمن المبارك فوري دار الوفاء المنصورة.




[15] سورة البقرة آية رقم 280.




[16] فيض الباري بشرح صحيح البخاري الجزء الثالث ص511 الطبعة الأولي دار الكتب العلمية بيروت 2005.




[17] سورة المائدة الآية 89.




[18] سورة المجادلة آية رقم 3.




[19] سورة النساء الآية 56.




[20] من رواية ضمرة عن الثوري عن عبدالله بن دينار.




[21] انظر باب كتاب المكاتب فيض الباري ص38 وما بعدها




[22] زاد المعاد لابن القيم الجوزي ص6 الجزء الخامس مؤسسة الرسالة الطبعة الثالثة 2001.




[23] ذكرها الشيخ شهاب الدين أحمد الأبشيهي في كتابه المستطرف في كل فن مستظرف المشار إليه تحت رقم ج 1 ص 239.




[24] http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=20223&SecID=360.




[25] سورة الإسراء آ ية 32.




[26] سورة الأنعام آية رقم 151.




[27] صحيح مسلم بشرح النووي الجزء الرابع الطبعة الرابعة ص442 دار الحديث القاهرة.




[28] أخرجه الترمذي في سننه.




[29] سورة لقمان آية14.




[30] الأحقاف آية 154.




[31] رياض الصالحين من كلام خير المرسلين ص 103،104.




[32] سورة المائدة آية 101.




[33] رياض الصالحين ص30




[34] سورة النور آية 30




[35] سورة النساء آية رقم 32.




[36] الأحزاب آية 22.




[37] سورة الطلاق آية رقم 7.




[38] سورة النساء آية رقم 4.




[39] سورة الطلاق آية رقم 1




[40] سورة البقرة آية رقم 229




[41] سورة البقرة آية رقم 241




[42] سورة البقرة الآية 228




[43] آية34 سورة النساء




[44] الآيتان 2،3 سورة النساء




[45] سورة النساء آية رقم11




[46] سورة النساء آية رقم 12




[47] صحيح مسلم بشرح النووي ص 443




[48] سورة النساء آية 11.




[49] سورة الكهف الآية 64.




[50] سورة النساء الآية 11.




[51] سورة البقرة آية رقم 233.




[52] ورد الحديث برقم 215 http://www.kl28.com/knol4/print.php?post=345959.




[53] رياض الصالحين ص 92.




[54] زاد المعاد في هدي خير المعاد لابن القيم الجوزي الجزء الخامس ص134 / مؤسسة الرسالة.




[55] سورة التكوير( الآية 8-9).




[56] رياض الصالحين ص88.




[57] طبقات الشافعية الكبرى - الصفحة والرقم: 6/310.




[58] المرجع السابق




[59] رواه ابن ماجه وغيره في سننه وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه.




[60] فيض الباري بشرح صحيح البخاري الجزء الثالث ص512،5013 الطبعة الأولي دار الكتب العلمية بيروت 2005.




[61] من خطبة الدكتور عصام بن هاشم الجفري http://www.saaid.net/Doat/aljefri/99.htm.




[62] آية رقم 1 سورة المائدة.




[63] سورة النساء آية 58.




[64] فيض الباري الجزء الرابع ص33.




[65] رياض الصالحين ص72.




[66] ذكر الحديث في صحيح مسلم برقم 101 وفي سنن الترمذي برقم 1999.





[67] سورة النور الآية 19.




[68] رياض الصالحين من باب ستر العورات ص 80،81.




[69] سورة الزمر آية رقم 53.




[70] القراءة السابقة في التقارير الدولية والحقوقية الصادرة في شأن مكافحة ظاهرة الإتجار في البشر.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 152.38 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 149.80 كيلو بايت... تم توفير 2.58 كيلو بايت...بمعدل (1.69%)]