أمة أخرجت للناس - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4413 - عددالزوار : 850961 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3944 - عددالزوار : 386958 )           »          شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 211 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 117 - عددالزوار : 28455 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 175 - عددالزوار : 60074 )           »          خطورة الوسوسة.. وعلاجها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          إني مهاجرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          الضوابط الشرعية لعمل المرأة في المجال الطبي.. والآمال المعقودة على ذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 847 )           »          صناعة الإعلام وصياغة الرأي العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17-10-2019, 12:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي أمة أخرجت للناس

أمة أخرجت للناس
حامد الإدريسي


عندَما يكونُ الفلاَّح في أرضِه، والنجَّار في مَنْجره، والخبَّاز في مخبَزِه، والطبيبُ في عيادَتِه، والمُعَلِّم في مدرسَتِه، والجنديُّ في صفِّه - فهم ليسوا مُوظَّفين في مِهَنِهم اليوميَّة، بل أمَّة أُخرِجتْ للناس.
رجالٌ أرادَ الله أنْ يكونوا شُهَداءَ على الناس؛ (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)[البقرة: 143]، فجعَلَهم خيرَ أمَّةٍ؛ (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)[آل عمران: 110] يستَوِي في ذلك كبيرُهم وصغيرُهم، عالِمُهم وجاهِلُهم، ذكَرُهم وأُنثاهُم، مُطِيعُهم وعاصِيهم، كلُّهم أمَّة أُخرِجتْ للناس، وحُمِّلت المسؤوليَّة، فمنهم مَن حمَلَها بحقٍّ، ومنهم مَن أدبَرَ واستَكبَر، ومنهم مَن نَسِيَ هدفَه ودورَه في سُلَّم الوجود.
لله الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ، وهو مَن يَختار مَن يَشاء متى يَشاء، وهو الذي اختار هذه الأمَّة لتخرج إلى الناس بمِشعلَيْن، مِشعَل الأمرِ بالمعروف، ومِشعَل النهيِ عن المُنكَر، يُوقِدُهما الإيمانُ بالله؛ (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)[الأحزاب: 72]، حملها الإنسانُ الأمَّة، وحملها الأمَّة الإنسان، فلربَّما قامَ رجلٌ بدَوْرِ أمَّة، ولربَّما عجزت أمَّةٌ عن القِيام بدَوْرِ رجلٍ، فخرجتْ أمَّة الإسلام إلى الوجود، وانطَلَق المسلمون يَجُوبُون بلادَ الله الواسعة، يُخرِجون الناسَ من الظُّلمات إلى النُّور، ويُحرِّرونهم من العِبادات المُتعدِّدة إلى عبادة الواحد القهَّار، وكانوا في مُرورِهم كالغيث، يَمشِي الهُوَينى فوقَ أرضٍ ميتة، فلا يَكاد يَراها الرائِي إلاَّ وقد اهتزَّت وربَتْ وأنبتَتْ من كلِّ زوجٍ بهيج.
فتنبت الصَّوامِع في المَرابِع كالوُرُود الحَمراء بين السنابِل الخَضراء، ويَتكاثَر العُمران تكاثُرَ البُقُول في الحُقُول، فتهتز الأرضُ بالمباني المشيَّدة، وتَربُو أعدادُ النَّاس فيها، ببركة الشَّريعة الإسلاميَّة، التي تَدفَع الناسَ إلى الخير، وتُعلِّمهم الفضيلة، وتبثُّ فيهم الإحسانَ، وتُقِيمهم على القِسطاس المستقيم، وتَحُول بينَهم وبين الظُّلم والقَتْل والفَساد، فتُبدَّل الأرضُ غير الأرضِ، والناسُ غير الناس، وترى مِصداقَ قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((مَثَلُ ما بعثَنِي الله به من الخير كمَثَلِ غَيْثٍ أصابَ أرضًا...))، وينطَلِق المسلمون إلى الأرض التي تَلِيها، ثم الأرض التي تَلِيها، ويَكُونون في خَطِّ سَيْرِهم كالرَّسَّام الذي يُلوِّن قماشَه شيئًا فشيئًا، فيُحوِّله من الخُمُول إلى الذِّكر، ومن الموت إلى الحياة، وتُصبِح قطعةُ قماشٍ كان يُمكِن أنْ تكون قميصًا باليًا لوحةً غاليةَ الثمن، تُعلَّق في أغلى الأماكن، وتُزيَّن بأجمل البَراوِيز.
إنَّه الإنسانُ حين يُلامِس نورُ الوحي رُوحَه، وتُخالِط بشاشةُ الإيمان قلبَه، فتُحوِّله إلى باقةٍ من الفَضِيلة، وقَبَسٍ من الأخلاق، ويُصبِح كأنَّه علبة شيكولاتة حلوى كلَّما أدخَلتَ يدَكَ أخرَجتَ قِطعةً من الأخلاق الكريمة والسُّلوك النبوي، فلا تَراه إلا مُبتَسِمًا مطمئنًّا يَمشِي على الأرض هونًا، يُحسِن إلى المساكِين والضُّعَفاء، ويُكرِم ضيفَه وجارَه، ويَحفَظ لسانَه وعينَيْه، فيَكون كلُّ أمرِه له خيرًا، وليس ذلك إلاَّ للمؤمن.
عندما يَصرُخ أطفالُنا صرختَهم الأولى للحياة، تكون مختلفةَ المعنى عن صرخَة غيرِه من الأطفال الذين وُلِدوا معه في نفس اليوم، فهو يَقول في صرخته بلغته الخاصَّة: ها أنا ذا أيَّتها الحياة، أُخرجتُ كي آمُر الناسَ بالمعروف، وأنهاهُم عن المنكر، كي أعبرك إلى الحياة الأخرى صالحًا مُصلِحًا، وألقى الله وهو راضٍ عنِّي، ثم أبواه يُهوِّدانه أو يُنصِّرانه أو يُمجِّسانه أو يُعلمِنانه أو يُمَركِسانه، أو يَبقَى على الفِطرَة السليمة والملَّة الحنيفيَّة والشريعة السَّمحة، ويَكون من خير أمَّةٍ أُخرِجت للناس.
الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر الذي أُخرِجت من أجله أمَّةُ محمدٍ - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى الناس، ليس هو بمعناه الاصطلاحي الفقهي الذي يختصُّ بعمل جهة معيَّنة من أجهزة الأمَّة، بل هو أشمَلُ من ذلك؛ فالدعوة إلى الله هي المقصدُ الأساسُ من هذا التعبير العظيم بشقَّيها: تبيينُ الخيرِ للناس، وتحذيرُهم من الشرِّ والشِّرك والشُّبهات، وإنَّ أوَّل ما خرَجت به أمَّة محمدٍ - صلى الله عليه وآله وسلم - هو ما بُعِثَ به محمدٌ الذي يَقول: ((إنما بُعِثتُ لأُتَمِّم مكارمَ الأخلاق)).
فهي أمَّة الأخلاق، ودعوَتُها الأخلاق، وسِيرَتها الأخلاق، وتارِيخُها تاريخُ الأخلاق العظيمة العالية التي أعجَزَت الأُمَم والحضارات؛ فبأخلاقها أسلَمتْ قارَّات كاملة، وانضمَّت إلى رَكْبِ هذه الحضارة العظيمة التي لا فرقَ فيها بين عجميٍّ وعربيٍّ، ولا أبيض وأسود - إلاَّ بالتقوى، ولو نظَرنا إلى المليار ونصف من المسلمين، لوجَدنَا أعظمَ الدُّوَل الإسلاميَّة وأكثرها عددًا قد انضمَّت لهذه الأمَّة العظيمة حين رَأَتْ أخلاقَها العظيمة، فلم يكن التجَّار المُسلِمون الذين فتَحُوا بلادَ آسيا بأعدادها الهائلة إلاَّ تُجَّارًا بُسَطاء يَحمِلون أخلاقَ خيرِ أمَّة أُخرِجت للنَّاس، ولم يكن العُمَّال البُسَطاء الذين جاءَتْ بهم أوروبا ليمتَهِنوا المِهَنَ الرَّديئة، إلاَّ عُمَّالاً بُسَطاء يَحمِلون أخلاقَ خير أمَّة أُخرِجت للناس، وها هي أوروبا بسبب أخلاقهم تُعانِق الإسلام بكلتا يدَيْها رغم أنف مَن يُعادُون الأخلاقَ والفَضِيلةَ، وقد أتى من فرنسا للحجِّ هذا العام كعدد الحجاج الذين جاؤوا من المغرب، وليبلغنَّ هذا الأمرُ ما بلَغ الليلُ والنهارُ!.
إنَّ التجَّار الذين نشَرُوا الإسلامَ بأخْلاقهم داخِلُون في قوله - تعالى -: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)[آل عمران: 110]، فهم جزءٌ من هذا الكل الذي يجعَلُنا خيرَ أمَّة، فالطبيبُ داعِيَةٌ بطبِّه، والتاجرُ داعيةٌ بتجارته، والمُعلِّم داعيةٌ بتعليمه، والبنَّاء داعيةٌ بعرَق جَبِينه، كلُّهم يَحمِل قِيَمًا عظيمة، لا تلبَث أنْ تجسد حضورها وكأنها خطبٌ عَصماء، أو مَواعِظ مُبكِية، أو أناشيد مُدوِّية، وهي ليسَتْ سِوَى خُطوات يَمشِيها المسلم بتَواضُع العِزَّة، وسرور الإيمان، فيقصد صاحب البقالة الكافر يشتَرِي من عنده ويخرج، فيكون بينهما حوارٌ صامت، ودرسٌ بليغ، وموعظةٌ صادقة، تتَشكَّل كلُّها في وَجهِه المُشرِق بابتسامةِ الإيمان، فلا يمرُّ على مكانٍ إلاَّ وقام فيه أثرُه الجميل، وخلقُه الحسن، ونظرتُه المطمئنَّة، قام كلُّ ذلك شاهِدًا على أنَّه من خير أمَّةٍ أُخرِجت للناس، وتولَّت أخلاقُه مهمَّة الشرح والبَيان، والوعظ والإرشاد، وأصبح حُبُّ الناس له خيرَ داعيةٍ إلى الله بينهم، ويكون هو في بساطته خيرَ مُبلِّغٍ عن الله دينه وشريعته السَّمحة البَهيَّة.
إنَّ هذا الخُروج العظيم الذي بدَأ من خُروج رسولِ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في نفرٍ من أصحابه العِظام إلى يثرب الخير، المدينة المنوَّرة؛ حيث كانتْ تلك الرحلة بِمَثابَة ذلك الانفِجار العَظِيم الذي تكوَّنت فيه السماوات والأرض، وكانت لأولئك النَّفر المهاجرين وأنصارهم الذين أنفَقُوا من قبلِ الفتح وقاتَلُوا - اليدُ البَيْضاء على البشريَّة جَمعاء، فبِخُروجهم خرَج النُّورُ، واشتَعلتْ جَذوَة الإيمان من جديد، وبتحرُّكهم الميمون، تحرَّكت قافِلةُ التوحيد لتَجُوب الأرض الغارِقَة في ظُلُمات التخلُّف والأوساخ، حين كانت البشريَّة تعتَقِد أنَّ الاغتسال يُسبِّب الأمراض، وكان ملوك أوروبا يغتَسِلون مرَّة في السَّنَة في يومٍ مشهودٍ له احتِفالٌ خاصٌّ، بينما المسلمون يَسُوكُون أسنانَهم بعدَ كلِّ وضوء، ويغتَسِلون على الأقلِّ مرَّةً في الأسبوع - خرَجتْ حضارة النَّظافة والتطهُّر؛ (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِي نَ)[البقرة: 222].
وحَضارة العدل والمُساوَاة بين الناس؛ (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)[الحجرات: 13].
وحَضارة عِتقِ الرِّقاب؛ (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا)[المجادلة: 3].
وحضارة برِّ الوالدين؛ (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ )[لقمان: 14].
وحضارة تَنظِيف الأسنان والثِّياب والأخلاق؛ (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ)[المدثر: 4 - 7].
وحضارة تكريم المرأة؛ (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ)[النساء: 32].
وحضارة اليُسر والتَّيسِير؛ (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)[البقرة: 185].
وانتَشَر نورُ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)[الحجرات: 10] وطارَتْ في الآفاق دعوة: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا)[النساء: 36]، فتهدَّمت الأصنام بعد أنْ تهدَّمت الأخلاقُ الفاسِدَة، واصطَبَغت الأرضُ بلونٍ جديدٍ وثوبٍ جديدٍ، وبلَغ هذا الأمرُ ما بلَغ الليل والنهار.
إنَّ حياتَك - أخي المسلم - ليست كحياة غيرِك من الناس الذين لم يخرُجوا ليكونوا خيرَ أمَّةٍ أُخرِجت للناس، فأنت كُلِّفتَ بهذه المهمَّة منذ أنْ خرجتَ إلى هذا الوجود، وليْسَتْ تحتاج منكَ هذه المُهمَّة إلاَّ شَيْئًا واحِدًا؛ أنْ تتمسَّك بالإسلام خلقًا وقِيَمًا، أمَّا العِبادة فهي أمرٌ بينَك وبين الله - عز وجل - وأمَّا العلمُ فهو مهمَّة العُلَماء والمُفتِين ومَن يُعلِّمون الناسَ أحكامَ الدِّين، أمَّا أنت فإنَّ مُهمَّتك أنْ تدلَّ على الله وعلى دينه، فالشجرُ يدلُّ على الله، والطيرُ يدلُّ على الله، والكونُ كلُّه يدلُّ على الله، فلا تكنْ أقلَّ منَ الشجر والطيْر، بلِ اجعَلْ هذا الأمر هدَفَك في الحياة مهما كانتْ مكانتك الاجتماعيَّة، ومهما كان تمسُّكك بالدِّين، فليس مِن شرط الدَّعوة إلى الله أنْ تكون عالِمًا أو فقيهًا أو مُلتَزِمًا، بل إنَّ المسلم يدعو إلى الله وإنْ كان من المقصِّرين، يدعو إلى الله بخلُقه وابتسامته، وقيمه وصِدقه، وصَفاء قلْبه، لا بحروفٍ وأصواتٍ يكذبها العمَل.
حُكِي لي أنَّ رجلاً من المسلمين كان يُقِيم في بلادٍ كافرة، وكان مُبتلًى بشرب الخمر، فكان يُواظِب على زِيارَة حانَة الحيِّ، وكانت صاحبة الحانة تَسمَع منه كلَّ مرَّة حين يشتدُّ به السكر: "أنتِ كافرة، وستَدخُلِين النار إنْ لم تَدخُلي في دين الإسلام"، يقول لها ذلك وهو يَتمايَل من شدَّة الخمر، حتى إنَّه لا يستَطِيع أنْ يثبت نظرَه إليها، فتخرُج الكلمات من فَمِه بالكاد، ويقول لها ذلك كلَّ يوم.
وذات يومٍ جاء كعادته فوجَد الحانَةَ مُغلَقة، ووجَدَها مُنشَغلةً في بعض شؤونها، فقال لها: منذ أيام وأنا آتِي إلى الحانة فأجدها مُغلَقةً، ما الخطب؟ فقالتْ له: لقد أخَذتُ بنَصِيحتك وأسلَمتُ، قال: نصيحتي؟ قالت: نعم، كنتَ دائمًا تقول لي: إن لَم أسلم سأدخل النار، فبحَثتُ عن دين الإسلام واقتنعتُ به، وقد أغلقتُ الحانة إلى الأبَد، انصَرَف الرجل مستغربًا من قولها، وذهَب إلى حانةٍ أخرى!.
حين خرَج الصَّحابةُ مِن المدينة إلى العالَم كان الجِهادُ طريقَ الدَّعوة إلى الله - عز وجل - فلم يكن الناس يختَلِطون ببَعضِهم البعض بمثْل هذا اليُسر الذي أتاحَتْه العَولَمة والحضارة ووَسائِل النَّقل ووَسائِل الاتِّصال، وكانت للمُدُن أبوابٌ مُغلَقة، وحُرَّاس وجُدران، وكانت الكنيسة مُتسلِّطة، والناس يُقتَلون على المصاقل بتُهمة الهرطقة والكلام في العَقائِد، ولم يكن يُسمَح لأحدٍ أنْ يتكلَّم في النصرانيَّة أو الكنيسة، وكانت الحال مختلفةً عمَّا هو عليه اليوم.
أمَّا اليوم فنستَطِيع أنْ نخرجَ للعالم بأخلاقنا عبرَ كلِّ السُّبُل المُتاحَة، فقد اختَلَطنا بهم في كلِّ المَيادِين، وجعلَتْنا التكنولوجيا قريةً صغيرةً، فلمَّا رأوا أخلاقَنا وقِيَمَنا تأثَّرُوا بنا وأسلَمَ كثيرٌ منهم، رغمَ ما بنا من ضعفٍ وإعراضٍ عن الدِّين، ولو استَقَمنا على الطريقة، وتمسَّكنا بالدِّين القَيِّم ملَّة إبراهيم - لدَخَل الناسُ في دين الله أفْواجًا، ولكان لنا شأنٌ آخَر، وللكُفر شأنٌ آخَر.
لقد كانت الأمَّة الإسلاميَّة تَعِي دورَها الحضاري ودرجتها في سلم التركيبة البشريَّة، وكانت المجتَمعات المُسلِمة تعيش واعيةً بأنها أمَّة أُخرِجت للناس، وكانت طبيعة العلاقة بينهم وبين الآخَر هي علاقة المُنقِذ بالغَرِيق، فهو يَحرِص على نَجاتِه، ويَركَب من أجل ذلك المَهالِك والمَخاوِف، ويُضحِّي بنفسِه من أجل أنْ ينقذه ممَّا هو فيه، فكان العامل والصانع، والمهندس والطبيب، لا يَلبَث أنْ يُكتَتب في حملةٍ من حملات الجهاد، والتي كانت حملتين؛ حملة الصائفة التي تَخرُج في الصَّيف، وحملة الشاتية التي تخرُج في الشِّتاء، فيَذهَب في إحداهما، ويَعُود محمَّلاً بالأجر والغَنائم، أو يُدفَن هناك تحتَ حِصنٍ من الحُصُون، أو في فَلاةٍ من الفَلوات، فتَرجِع الحملةُ وتنطَلِق الحملةُ الأخرى، ويُكتَتَب فيها أناسٌ آخَرون، ويَعِيش المجتمعُ على ثقافة الأمَّة التي أُخرِجت للناس، ويَعِي دورَه تجاه الخرافة والشِّرك والضَّلال في العالم.
هذا بالنِّسبة لعموم الأمَّة، أمَّا خُصوصُها فهم نوعان: أمَّة يَدْعون إلى الخير، وطائفة يتفقَّهون في الدِّين، فالقُرآن جعَل الأمَّة ثلاثةَ أقسام:
• أمَّة أُخرِجت للناس، وهي عمومُ الأمَّة.
• وأمَّة يَدعون إلى الخير، وهم الذين قال الله عنهم: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[آل عمران: 104]، وهم كلُّ مَن اشتَغَل بالدعوة الخاصَّة من الوَعْظ والإرشاد، والإقناع والرد على الشُّبهات وما إلى ذلك، ويُشِير لفظ أمَّة إلى أنهم قِسْمٌ كبير في المجتمع المسلم.
• وأمَّا الطائفة الأخصُّ فهم الفُقَهاء والعُلَماء، الذين قال الله عنهم: (فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)[التوبة: 122].
فيا أيُّها المسلم، أنت وُلِدتَ لتكون عظيمًا، ولتَحمِل رسالةً عظيمةً، فتأمَّل فيما حمَّلَك الله من الأمر العظيم، وما شرَّفَك به من القدر الكبير، وما فضَّلَك به على سائر العالَمين، ونافِس في هذه الخيريَّة العظيمة، واسعَ إليها بِوَسائلك الخاصَّة، وكن من اليوم داعيةً بابتسامتك وسمتك، وصِدقك وبرِّك بوالدَيْك، وإحسانك إلى الضُّعَفاء والأيتام، واجعَلْ هذا همَّك الذي تنامُ معه وتستَيقِظ من أجله، وقُلْ: لن يُؤتَى الإسلامُ من قِبَلِي، ولن أُلطِّخ هذا الصَّرح العظيمَ بتصرُّفاتي المشينة، واخرُج إلى الناس يا ابنَ الإسلام، فأنت من خيرِ أمَّة أُخرِجت للناس
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 63.77 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 61.84 كيلو بايت... تم توفير 1.93 كيلو بايت...بمعدل (3.02%)]