|
|
ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
قواعد وأصول مهمة
قواعد وأصول مهمة (1) خطورة تكفير أئمة الإسلا م.. من الظواهر الخطيرة التي تفشَّت مؤخَّرًا بين بعض الشباب، ظاهرة الطعنِ في كثير من الأئمة الذين اتُّفِقَ على مكانتهم وصدقهم وعدالتهم وعِلمهم وأمانتهم ورسوخ قدمهم، كالإمام أبي حنيفة والإمام النووي والحافظ ابن حجر وغيرهم من أئمة الإسلام والعلماء الأعلام رحمهم الله جميعًا، وهذه الفتنة كانت قد أطلَّت بقرنها منذ عقودٍ يسيرةٍ، وظهر من يجهَر بلا خوفٍ ولا حياءٍ بالطعن في هؤلاء الأئمّة الأعلام، بل ويكفِّر طائفةً منهم كالإمام النووي والحافظ ابن حجر، ويَدعُو لحرق كُتُبهما وتحريم النظر فيها؛ بدعوى أنهما من الأشاعرة، وأن الأشاعرة جهمية، وأن السلف متَّفقون على تكفير الجهميّة، وتصدى حينها أهل العلم لهذه الفتنة، فأخمدوها في مهدها، قال العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد -رحمه الله- في رسالته التي صنفها للتصدِّي لهذه الفتنة: «تلك البادِرة الملعونة من تكفير الأئمة (النووي وابن دقيق العيد وابن حجر العسقلاني) -رحمهم الله تعالى- أو الحط من أقدارهم، أو أنهم مبتدعة ضُلَّال، كل هذا من عمل الشيطان، وبابُ ضلالةٍ وإضلال، وفسادٍ وإفسادٍ، وإذا جُرح شهود الشّرع جُرح المشهودُ به، لكن الأغرار لا يفقهون ولا يتثبَّتون. حرمة أهل العلم وصنَّف فيها كذلك الدكتور محمد إسماعيل المقدم -حفظه الله- كتابه (حرمة أهل العلم) الذي ردّ فيه على هذه الفتنة، فقال: «وهذا أحدُهم قد طوَّعت له نفسُه أن يُطلق لسانه بشتم بعض العلماء والإزدراء بهم، فلا يراهم إلا من خلال منظار أسودَ قاتمٍ، لا يرى حسنة إلا وقد اصطبغت بالسواد، وكأنه لم يَبق عالم يملأ عينَيه أو يحترمه، مع أنه يتعسَّف ويتهوَّر في إطلاق التُّهم، ويجازف في توزيع الأحكام بالبدعة والضلال، ويندفع في تعميم أحكامه بصورة لا تشمّ رائحة الانضباط العلمي الدقيق، وهو يحسب أن انتصاره للحق ودفاعه عن عقيدة السلف يسوِّغان له الجفاء والتهوُّر.. فتراه يحكي القول بتكفير أبي حنيفة ولا ينكره.. ومن ذلك: أنه نقل عن السلف تكفيرَ الجهمية، ثم عقَّب ذلك بالتنبيه على أن الأشاعرة من الجهمية، فينتج أنَّ الأشاعرة كفار.تصدَّى كبار العلماء لهذه الفتنة فأجابوا: «موقفنا من أبي بكر الباقلاني والبيهقي وأبي الفرج ابن الجوزي وأبي زكريا النووي وابن حجر وأمثالهم ممن تأوَّل بعض صفات الله -تعالى-، أو فوَّضوا في أصل معناها: أنهم في نظرنا من كبار علماء المسلمين الذين نفع الله الأمّة بعلمهم، فرحمهم الله رحمةً واسعةً، وجزاهم عنا خيرَ الجزاء، وأنهم من أهل السنة فيما وافقوا فيه الصحابة -رضي الله عنهم- وأئمَّة السلف في القرون الثلاثة التي شهِد لها النبي - صلى الله عليه وسلم - بالخير، وأنهم أخطؤوا فيما تأوَّلوه من نصوص الصفات، وخالفوا فيه سلف الأمة وأئمة السنة -رحمهم الله-، سواء تأولوا الصفات الذاتية وصفات الأفعال، أم بعض ذلك. وبالله التوفيق. رد الشيخ ابن باز -رحمه الله رد الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله من كان يستطيع أن يقدِّم للإسلام والمسلمين مثلما قدَّم هذان الرجلان إلا أن يشاء الله؟! فأنا أقول: غفر الله للنووي، ولابن حجر العسقلاني، ولمن كان على شاكلتهما ممن نفع الله بهم الإسلام والمسلمين». رد الشيخ الألباني -رحمه الله وأنت ترى في هذه الكلماتِ القوية من كبار علماء السلفيين أنهم بريئون من تكفير علماء الإسلام أو تبديعهم وتضليلهم، وأنهم مع ذلك لم يداهنوا في العقيدة، ولا سكتوا عن الأخطاء التي وقع فيها هؤلاء العلماء الأعلام، كتأويل الصفات، بل بيَّنوا خطأهم في ذلك، مع الحفاظ على قدرهم ومنزلتهم، فليس الأمر كما يصوِّر هؤلاء الغلاة أنَّ عدم تكفير هؤلاء الأئمة أو تضليلهم هو من تقديم حقِّ المخلوق على حقِّ الله -تعالى-، كما يخدعون بذلك الشباب الأحداث، متوهِّمين أنهم وحدهم الذين قاموا ببيان حقِّ الله -تعالى- والدفاع عن عقيدة السلف بتكفيرهم لأئمة الإسلام وحفاظه الأعلام! العلماء يردُّون الخطأ على صاحبه ورغمَ هذا البيان الواضح من كبار العلماء، إلا أنّه سعى بعض الغلاة من حدثاء الأسنان في إحياء هذه الفتنة الملعونة (تكفير الأئمة وتضليلهم) مرة أخرى، بهذه الحجج والمقدِّمات، وهي: - أن هؤلاء العلماء كانوا من الأشاعرة، نفاة العلوّ والاستواء. - وأن الأشاعرة من الجهمية. - وأن السلف متَّفقون على تكفير الجهمية نفاةِ العلو، فينتج عن ذلك تكفير هؤلاء الأئمة، أو على أقل تقدير: اعتبار تكفيرهم قولًا سائغًا، لا إنكار فيه على صاحبه. أغمار لم يُعرفوا بالرسوخ في العلم أقول: رغم ذلك إلا أننا سنبين -بعون الله تعالى- فسادَ هذه المقدمات، والنتيجة التي بنيت عليها في الحلقات القادمة إن شاء الله. اعداد: شريف طه
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
رد: قواعد وأصول مهمة
قواعد وأصول مهمة (2) خطورة تكفير أئمة الإسلا م استكمالا لما بدأنا الحديث عنه من الظواهر الخطيرة التي تفشَّت مؤخَّرًا بين بعض الشباب: ظاهرة الطعنِ في كثير من الأئمة الذين اتُّفِقَ على مكانتهم وصدقهم وعدالتهم وعِلمهم وأمانتهم ورسوخ قدمهم، كالإمام أبي حنيفة والإمام النووي والحافظ ابن حجر وغيرهم من أئمة الإسلام والعلماء الأعلام رحمهم الله جميعًا، وقلنا: إنَّ هذه الفتنة كانت قد أطلَّت بقرنها منذ عقودٍ يسيرةٍ، وظهر من يجهَر بلا خوفٍ ولا حياءٍ بالطعن في هؤلاء الأئمّة الأعلام، بل ويكفِّر طائفةً منهم كالإمام النووي والحافظ ابن حجر، ويَدعُو لحرق كُتُبهما وتحريم النظر فيها؛ بدعوى أنهما من الأشاعرة، وأن الأشاعرة جهمية، وأن السلف متَّفقون على تكفير الجهميّة، ثم ذكرنا تصدَّى كبار العلماء لذلك، وتحذيرهم منها، واليوم نتكلم عن القواعد والأصول التي بينها العلماء في تناول هذه المسألة.
وجوب تعظيم العلماء وتوقيرهم و نصَّ العلماء في متون الاعتقاد التي تضمنت أصول أهل السنة المتَّفق عليها التي لا يشذّ عنها إلا أهل البدع والضلال على وجوب تعظيم العلماء وتوقيرهم، قال الطحاوى --رحمه الله- في عقيدته المشهورة-: «وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين (أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر) لا يُذْكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير سبيل». قال ابن أبي العز في شرحه: «قال -تعالى-: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } (النساء: 115)، فيجب على كل مسلم -بعد موالاة الله ورسوله- موالاةُ المؤمنين كما نطق به القرآن، خصوصًا الذين هم ورثة الأنبياء الذين جعلهم الله بمنزلة النجوم، يُهتدى بهم في ظلمات البر والبحر. وقد أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم؛ إذ كل أمة قبل مبعث محمد - صلى الله عليه وسلم - علماؤها شرارها إلا المسلمين؛ فإن علماءهم خيارهم، فإنهم خلفاء الرسول من أمته، والمُحيون لما مات من سنته، فبهم قام الكتاب، وبه قاموا، وبهم نطق الكتاب، وبه نطقوا، وكلهم متفقون اتفاقًا يقينًا على وجوب اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولكن إذا وجد لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه فلابد له في تركه من عذر. الأعذار ثلاثة أصناف وجماع الأعذار ثلاثة أصناف:
كلامُ أئمة السلف ليس ككلام المعصوم – صلى الله عليه وسلم ولا يصحّ أن يعامَل كلامُ أئمة السلف على أنه ككلام المعصوم، فيعامل كالنصوص الشرعية التي يستَدَلّ بكل لفظة فيها، ولها صفة الإطلاق في الزمان والمكان، فيحتجّ بعمومها ومطلقها، وإنما ينظر في سياقه، والظرف الذي ورد فيه، ويُحاكَم لقواعد العلم والترجيح المعروفة. تكفير الجهمية في زمانهم فمثلا: حينما يُنقل عن كثير من أئمة السلف أنهم كفروا الجهمية في زمانهم، فإن ذلك لا يُتعامل معه كأنه نصّ شرعي، بل ينظر في سبب هذا التكفير، وبيان من وصفهم العلماء بذلك، وبيان الزمن الذي قيل فيه هذا الكلام، وما خرج على سبيل الإلزام في الحجاج والمناظرة، وما هو على سبيل التقرير المجرد، وكذلك مراعاة التطبيق العملي للسلف مع من وصفوا بالجهمية من الولاة والقضاة والعوام، ونحو ذلك مما له تأثير في فهم هذا الكلام. وينظر كذلك في فهم هذا الكلام في ضوء قواعد التكفير المتفق عليها، وقواعد تطبيق الحكم على الأعيان، وموانع الأهلية ونحو ذلك مما يجب النظر فيه من قواعد العلم، لا أن تفهم بمعزل عن ذلك. مثال آخر على ذلك الكلام المنقول في ذم أبي حنيفة بل وتكفيره، فليس من الصواب التمسك بكلام بعضهم في ذمه واتهامه بالتجهم، وتكفيره بذلك، وترك ما تتابعت عليه الأمة واتفقت كلمتهم عليه من الاتفاق على فضله وجلالته وإمامته في الدين، ونفي ما نُسِب إليه من القول بالتجهم وخلق القرآن. قَالَ أَبُو يُوسُف: «ناظرت أَبَا حنيفَة سِتَّة أشهر، فاتفق رَأينَا على أَن من قَالَ: الْقُرْآن مَخْلُوق فَهُوَ كَافِر»، وروى الخطيب البغدادي أن الإمام أحمد قال: «لم يصح عندنا أَنَّ أَبَا حنيفة كَانَ يَقُولُ: القُرْآن مخلوق». هذا هو الظن بالإمام أبي حنيفة --رحمه الله- قال الشيخ الألباني -رحمه الله-: «وهذا هو الظن بالإمام أبي حنيفة -رحمه الله- وعِلمِه، فإن صح عنه خلافه، فلعل ذلك كان قبل أن يناظره أبو يوسف، كما في الرواية الثابتة عنه في الكتاب، فلما ناظره -ولأمر ما استمر في مناظرته ستة أشهر- اتفق معه أخيرا على أن القرآن غير مخلوق، وأن من قال: (القرآن مخلوق) فهو كافر. وهذا في الواقع من الأدلة الكثيرة على فضل أبي حنيفة، فإنه لم تأخذه العزة، ولم يستكبر عن متابعة تلميذه أبي يوسف حين تبين له أن الحق معه، فرحمه الله -تعالى- ورضي عنه». ولذلك قال العلامة المعلمي اليماني -رحمه الله-: «وكان مقتضى الحكمة اتباع ما مضى عليه أهلُ العلم منذ سبعمائة سنة تقريبًا من سدل الستار على تلك الأحوال وتقارض الثناء». هجر المبتدع مثال آخر: ما ورد عن السلف في هجر المبتدع وعدم توقيره ونحو ذلك، فإن هذا حق لا ريب فيه، ولكن لا بد أن يفهم من خلال قواعد الشرع المختلفة. فمن المعلوم أن هجر المبتدع مبني على مراعاة المصالح والمفاسد، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد هجر الثلاثة الذين خلّفوا؛ لما رجا من حسن توبتهم بذلك، ولم يهجر المنافقين على خبثهم؛ لأنه لا مصلحة ترتجى من ذلك، بل ربما كان ذلك سببًا في زيادة فسادهم. وقد سئل الإمام أحمد -رحمه الله- عن إظهار العداوة لأهل البدع القائلين بخلق القرآن، أم يداريهم؟ فقال: أهل خراسان لا يَقْوَون بهم. يقول: كأن المداراة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «فإذا لم يكن في هجرانه (الظالم والمبتدع) انزجار أحد ولا انتهاء أحد، بل بطلان كثير من الحسنات المأمور بها، لم تكن هجرة مأمورًا بها، كما ذكره أحمد عن أهل خراسان إذ ذاك: أنهم لم يكونوا يقوون بالجهمية… وكذلك لما كثر القدر في أهل البصرة، فلو تُرك روايةُ الحديث عنهم، لاندرس العلمُ والسنن والآثار المحفوظة فيهم... ولهذا كان الكلام في هذه المسائل فيه تفصيل. أجوبة الإمام أحمد -رحمه الله وكثير من أجوبة الإمام أحمد وغيره من الأئمة خرج على سؤال سائل قد عَلِمَ المسئولُ حالَه، أو خرج خطابًا لمعيَّن قد عَلِم حاله، فيكون بمنزلة قضايا الأعيان الصادرة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، إنما يثبت حكمُها في نظيرها. فإن أقوامًا جعلوا ذلك عامًّا فاستعملوا من الهجر والإنكار ما لم يؤمروا به، فلا يجب ولا يستحب، وربما تركوا به واجبات أو مستحبات وفعلوا به محرمات». هذا من الغلو وهؤلاء الغلاة كلما وجدوا أحدًا من أهل العلم ترفَّق ببعض المبتدعة لمصلحة ترتجى من وراء ذلك اتهموه في دينهم، واتهموه بأنه يهدم الإسلام! ولا شك أن هذا من الغلو، وكلام أهل العلم في التفريق بين المداراة والمداهنة معروف، وأدلته من الشرع معروفة، وليس هذا موضع بسطها،وهذا في حقِّ أهل البدع والأهواء الصُّرحاء، فكيف بمن لم يكن منهم وإنما وقع في شيء من أقوالهم باجتهادٍ خطأ. اعداد: شريف طه
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
رد: قواعد وأصول مهمة
قواعد وأصول مهمة (3) خطورة تكفير أئمة الإسلا م استكمالا لما بدأنا الحديث عنه من ظاهرة الطعنِ في بعض الأئمة الذين اتُّفِقَ على مكانتهم وصدقهم وعدالتهم وعِلمهم وأمانتهم ورسوخ قدمهم، كالإمام أبي حنيفة والإمام النووي والحافظ ابن حجر وغيرهم من أئمة الإسلام والعلماء الأعلام رحمهم الله جميعًا، وقلنا :إنَّ هذه الفتنة كانت قد أطلَّت بقرنها منذ عقودٍ يسيرةٍ، وظهر من يجهَر -بلا خوفٍ ولا حياءٍ- بالطعن في هؤلاء الأئمّة الأعلام، بل ويكفِّر طائفةً منهم، كالإمام النووي والحافظ ابن حجر، ويَدعُو لحرق كُتُبهما وتحريم النظر فيها؛ بدعوى أنهما من الأشاعرة، وأن الأشاعرة جهمية، وأن السلف متَّفقون على تكفير الجهميّة، ثم ذكرنا أن هناك قواعد وأصول بينها العلماء في تناول هذه المسألة، ذكرنا منها: الأصل الأول: في خطورة تكفير المسلمين، والأصل الثاني: منهجية التعامل مع الكلمات المنقولة عن السلف، واليوم مع الأصل الثالث: التفريق بين الحكم المطلق والحكم على المعيَّن. فتكذيب الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما جاء به كفرٌ بلا خلاف، كما قال -تعالى-: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ} (الزمر: 32)، أما الحكم على شخصٍ معيَّن بالكفر إذا أنكر شيئًا مما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإنَّ ذلك يتوقَّف على استيفاء الشرائط وانتفاء الموانع. بيان هذين الأصلين قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في بيان هذين الأصلين:
إنكار معلوم من الدين بالضرورة ولذلك اتَّفق السلف على تكفير من أنكر معلومًا من الدين بالضرورة؛ لأنه يُجزم بتكذيبه للرسول - صلى الله عليه وسلم -، بخلاف من أنكر ما دون ذلك، فإنه لا يمكن تكفيره إلا بعد إقامة الحجة الرسالية التي يفهمها مثله، ويُكفَّر منكرها، ولا فرق في هذا بين الأمور العلمية الخبرية والأمور العملية، فمن أنكر وجوب الصلوات الخمس أو صوم رمضان أو تحريم الزنا والخمر ونحوها فهو كافر، وهي أمور عملية. ومن نازع في رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - ربَّه ليلة المعراج، وفي نبوة الخضر ومريم وغيرهما ممن اختلف العلماء في نبوتهم، فإنه لا يكفر، بل ولا يبدع ولا يضلل، مع أنها مسائل اعتقادية علمية. مرد التكفير أو التضليل فليس مرد التكفير أو التضليل إلى كون المسألة اعتقادية أو عملية، أو من مسائل الأصول أو الفروع؛ فإن هذا التقسيم محدث لا دليل عليه، ولا يجوز بناء الأحكام عليه، وهو من كلام المعتزلة، بل مرد ذلك من جهة النوع: لكون المسألة تكذيبًا لله ورسوله، ومن جهة العين: لتحقق ذلك في الشخص المعيَّن باستيفاء الشروط وانتفاء الموانع. ومن هذه الموانع: الجهل والتأويل؛ فإن التأويل من موانع التكفير؛ لأن صاحبه لا يكذب الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإنما يخطئ في تأويل كلامه. التفريق بين النوع والعين في الأحكام وهذا التفريق بين النوع والعين في الأحكام هو مما استفاضت الأدلَّة به، واتفق عليه السلف -رضي الله عنهم-، فمن أدلة ذلك من القرآن: قوله -تعالى-: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (البقرة: 286)، وقوله -تعالى-: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (الأحزاب: 5)، قال شيخ الإسلام: «فهذا عامّ عمومًا محفوظًا، وليس في الدلالة الشرعية ما يوجب أن الله يعذِّب من هذه الأمة مخطئًا على خطئه». وقال -تعالى-: {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (المائدة: 112)، قال المعلمي اليماني -رحمه الله-: «فالآية ظاهرةٌ في أن القوم كانوا قد أسلموا، وأخذوا بحظٍّ من الإيمان، ولكن بقي في قلوبهم شيءٌ من الجهل والشكِّ، ولم يوجب هذا أن يُعَدُّوا كفَّارًا أو مرتدِّين». أدلة السنة النبوية ومن أدلة السُنَّة النبويَّة: حديث أبي هريرة -رضي الله الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -[- قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ: فَإِذَا مَاتَ فَحَرِّقُوهُ وَاذْرُوا نِصْفَهُ فِي البَرِّ، وَنِصْفَهُ فِي البَحْرِ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ لَيُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ العَالَمِينَ! فَأَمَرَ اللَّهُ البَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، وَأَمَرَ البَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: لِمَ فَعَلْتَ؟ قَالَ: مِنْ خَشْيَتِكَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ، فَغَفَرَ لَهُ». فهذا رجل شكَّ في قدرة الله -تعالى- على بعثِه بعدما أُحرق وذري، ومع ذلك غفر الله له؛ لأنه كان جاهلا، قال ابن قتيبة -رحمه الله-: «هذا رجل مؤمن بالله، مقرٌّ به، خائف منه، إلا أنه جهل صفةً من صفاته، فظن أنه إذ أُحرق وذري في الريح أنه يفوت الله -تعالى-، فغفر الله -تعالى- له بمعرفته ما بنيته وبمخافته من عذابه جَهْلَهُ بهذه الصفة من صفاته. وقد يَغْلطُ في صفات الله -تعالى- قومٌ من المسلمين، ولا يُحكم عليهم بالنار، بل تُرجأ أمورهم إلى من هو أعلم بهم وبنياتهم». لا يسع أحد رد أسماء الله وصفاته وقال الشافعي -رحمه الله-: «لله أسماء وصفات، جاء بها كتابه، وأخبر بها نبيه - صلى الله عليه وسلم - أمته، لا يسع أحدًا قامت عليه الحجة ردها؛ لأن القرآن نزل بها، وصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القول بها، فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر، فأما قبل ثبوت الحجة فمعذور بالجهل؛ لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل، ولا بالروية والفكر، ولا نكفر بالجهل بها أحدًا، إلا بعد انتهاء الخبر إليه بها، ونثبت هذه الصفات، وننفي عنها التشبيه كما نفاه عن نفسه، فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيْر} (الشُّوْرَى: 11)». ثبوت العذر بالجهل والأدلة على ثبوت العذر بالجهل والخطأ والتأويل كثيرة مشهورة، ومما يؤكد ذلك: عدم تكفير الصحابة -رضي الله عنهم- للخوارج، فعلي -رضي الله عنه- لما سئل عنهم: أكفارٌ هُم؟ قال: من الكفر فرّوا، قيل: فمنافقون؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلّا قليلا، وهؤلاء يذكرون الله كثيرا. قيل: فما هم؟ قال: قوم أصابتهم فتنة فعموا فيها وصموا، ولا شكَّ أن سيرته معهم تدلُّ على أنه -ومعه الصحابة- لا يكفرونهم، فلم يبدؤوهم بقتال إلا حينما سفكوا الدم الحرام، ولم يعاملوهم معاملة المرتدين. عدم تكفير الخوارج على ضلالتهم قال الخطابي: «أجمع علماء المسلمين على أن الخوارج -مع ضلالتهم- فرقة من فرق المسلمين، وأجازوا مناكحتهم وأكل ذبائحهم، وأنهم لا يُكفَّرون ما داموا متمسكين بأصل الإسلام»، هذا مع كون الخوارج يكفِّرون الصحابة الذين ثبت فضلهم بالقرآن والسنة، ويستحلون الدم الحرام والمال الحرام، ولكن لما كان ذلك كله بتأويل امتنع تكفيرهم. وقال ابن قدامة -رحمه الله-: «وأكثر الفقهاء على أنهم (أي: الخوارج) بغاة، ولا يرون تكفيرهم، قال ابن عبد البر: لا أعلم أحدًا وافق أهل الحديث على تكفيرهم وجعلِهم كالمرتدين». وقال أيضا: «وإن استحلَّ قتل المعصومين وأخذ أموالهم بغير شبهة ولا تأويل فكذلك، وإن كان بتأويل كالخوارج فقد ذكرنا أن أكثر الفقهاء لم يحكموا بكفرهم مع استحلالهم دماء المسلمين وأموالهم، وفِعْلِهم لذلك متقربين به إلى الله -تعالى-، وكذلك لم يحكم بكفر ابن ملجم مع قتله أفضل الخلق في زمنه، متقربا بذلك، وقد عُرِف من مذهب الخوارج تكفيرُ كثيرٍ من الصحابة ومن بعدهم، واستحلال دمائهم وأموالهم، واعتقادهم التقرب بقتلهم إلى ربهم، ومع هذا لم يحكم الفقهاء بكفرهم؛ لتأويلهم». عدم تكفير الصحابة لمانعي الزكاة ومن أدلة ذلك أيضا: عدم تكفير الصحابة لمانعي الزكاة، مع أن منعهم للزكاة كان لاعتقادهم عدم وجوبها بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونفي وجوب الزكاة كفر بلا شك؛ لأنه تكذيب للقرآن، ولكن لما كان ذلك بتأويل امتنع تكفيرهم، وهؤلاء هم الذين اختلف أبو بكر مع عمر -رضي الله عنهما- في قتالهم، فإنهم لم يختلفوا في قتال منِ ارتدوا لعبادة الأوثان، أو اتّبعوا مدعي النبوة؛ لوضوح شأنهم، وإنما اختلفوا في مانعي الزكاة؛ لوجود الشبهة عندهم، واستقرّ الأمر على قتالهم قتال الطوائف الممتنعة عن شرائع الإسلام، وهو لا يستلزم تكفير أعيانهم كما هو معلوم. عدم تكفير عمر -رضي الله عنه- لمن استباحوا الخمر ومن أدلة ذلك: عدم تكفير عمر -رضي الله عنه- والصحابة لمن استباحوا الخمر، كقدامة بن مظعون متأولًا قوله -تعالى-: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَّآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوا وَّآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوا وَّأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (المائدة: 93)؛ وذلك لوجود الشبهة، مع أن استحلال الخمر كفر وتكذيب للقرآن، ولكن لما كان ذلك بتأويل لم يكفر قدامة بن مظعون -رضي الله عنه- بذلك، وإن عاقبه عمر على ذلك بالجلد. كلّ جاهل بشيء لا يحكم بكفره قال ابن قدامة -رحمه الله-: «وكذلك كلّ جاهل بشيء يمكن أن يجهله لا يحكم بكفره حتى يعرف ذلك، وتزول عنه الشبهة، ويستحلّه بعد ذلك، وقد قال أحمد: من قال: (الخمر حلال) فهو كافر يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه. وهذا محمول على من لا يخفى على مثله تحريمه لما ذكرنا». اعداد: شريف طه
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|