وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         دولة الموحدين - ملوك دولة الموحدين عبد المؤمن وابنه يوسف وحفيده يعقوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          عقد مودة ورحمة بين زوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          16طريقة تجلب بها البركة لبيتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          ألا تشعرين بالحر ؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          المرأة عند الإغريق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          القاضي الفارس الفرج بن كنانة وأسد بن الفرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          مجموع الأثبات الحديثية لآل الكزبري الدمشقيين وسيرهم وإجازاتهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          من مواعظ الإمام سفيان الثوري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          أولادنا... هل نستوعبهم؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          الشَّبَابُ وَرَمَضَان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-02-2020, 05:57 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,966
الدولة : Egypt
افتراضي وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -

وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -
عابد بن عبد الله الثبيتي

الخطبة الأولى
الحمد لله المتوحّد في الجلال بكمال الجمال تعظيماً وتكبيراً، المتفرّد بتصريف الأحوال على التفصيل والإجمال تقديراً وتدبيراً، المتعالي بعظمته ومجده الذي نزَّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله: كم يعرض للمرء المسلم في دنياه من المصائب والنكبات، وكم يطرأ عليه من الهموم والغموم، ناهيك عما يصيبه من الفتن وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَناً كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِناً وَيُمْسِي كَافِراً، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِناً وَيُصْبِحُ كَافِراً، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا))، وذلك لأنه لا يأتي على الناس زمان إلا والذي بعده شر منه، فربما تكالبت الأحداث على الإنسان فيتعاظمها، ويرى أنها مهلكته، ويظن ألا مصاب إلا مصابه، ولا نازلة إلا التي حلت به.
ولو رفع العبد رأسه لوجد أنه ما أصيبت أمة الإسلام بشيء أشد عليها من موت نبيها - صلى الله عليه وسلم -، فبموته انقطع الوحي من السماء، وفتح على الناس باب الفتن والأهواء، وكلما بعد زمان الناس عن زمانه قلَّ نور الهداية، وكثرت الظلمات.
فعن عائشة – رضي الله عنها - قالت: كشف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ستراً بينه وبين الناس فإذا الناس يصلون وراء أبي بكر، فحمد الله على ما رأى من حسن حالهم رجاء أن يخلفه الله فيهم بالذي رآهم، فقال: ((يا أيها الناس أيما أحد من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعز بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري، فإن أحداً من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي)).
لهذا كان من حقه - صلى الله عليه وسلم - على أمته أن يقرأوا سيرته، ويتعزوا عن مصائبهم بذكر مصابهم فيه.
لعمرك ما الرزية فَقْدُ مال*** ولا شاة تموت ولا بعيـر
ولكن الرزية فقـد شهـم *** يموت بموته خلق كثيـر
فتعالوا معي لنعيش أسبوعاً مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، لنعيش معه بمشاعرنا لا بأجسادنا، لنعيش معه بقلوبنا لا بأبداننا، لنعيش معه الأسبوع الأخير من حياته وهو يودع الدنيا إلى الرفيق الأعلى.
عباد الله:
إنه لما تكاملت الدعوة، وسيطر الإسلام على الموقف؛ أخذت طلائع التوديع للحياة والأحياء تطلع من مشاعره - صلى الله عليه وسلم -، وتتضح بعباراته وأفعاله.
اعتكف في رمضان من السنة العاشرة عشرين يوماً بينما كان لا يعتكف إلا عشرة أيام فحسب، وتدارس مع جبريل القرآن مرتين، وقال في حجة الوداع: ((إني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً))، وقال وهو عند جمرة العقبة: ((خذوا عني مناسككم، فلعلي لا أحج بعد عامي هذا))، وأنزلت عليه سورة النصر في أوسط أيام التشريق؛ فعرف أنه الوداع، وأنه نعيت إليه نفسه.
وفي أوائل صفر سنة إحدى عشرة خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أحد فصلي على الشهداء كالمودع للأحياء والأموات، ثم انصرف إلى المنبر فقال: ((إني فرط لكم، وأنا شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها)).
وخرج ليلة - في منتصفها - إلى البَقِيع فاستغفر لهم، وقال: ((السلام عليكم يا أهل المقابر، لِيَهْنَ لكم ما أصبحتم فيه بما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع آخرها أولها، والآخرة شر من الأولى))، وبشرهم قائلاً: ((إنا بكم للاحقون)).
وفي اليوم الثامن أو التاسع والعشرين من شهر صفر سنة11هـ - وكان يوم الاثنين - شهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جنازة في البقيع؛ فلما رجع وهو في الطريق أخذه صداع في رأسه، واتقدت حرارته، حتى إنهم كانوا يجدون سَوْرَتَها فوق العِصَابة التي تعصب بها رأسه.
وقد صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالناس وهو مريض أحد عشر يوماً، وجميع أيام المرض كانت واحد وثلاثون، أو واحد وأربعون يوماً.
وفي الأسبوع الأخير ثقل برسول الله - صلى الله عليه وسلم – المرض؛ فجعل يسأل أزواجه: ((أين أنا غداً؟ أين أنا غداً؟)) ففهمن مراده، فأذنَّ له يكون حيث شاء، فانتقل إلى بيت عائشة يمشي بين الفضل بن عباس وعلي بن أبي طالب، عاصباً رأسه، تخط قدماه، حتى دخل بيتها، فقضي عندها آخر أسبوع من حياته.
وكانت عائشة تقرأ عليه بالمعوذات والأدعية التي حفظتها منه فكانت تنفث على نفسه، وتمسحه بيده رجاء البركة.
وفي يوم الأربعاء قبل خمسة أيام من الوفاة اتقدت حرارة العلَّة في بدنه، فاشتد به الوجع وغمي، فقال: ((هريقوا عليَّ سبع قِرَب من آبار شتي، حتى أخرج إلى الناس، فأعهد إليهم)) فأقعدوه في مِخَضَبٍ، وصبوا عليه الماء حتى طفق يقول: ((حسبكم، حسبكم)).
وعند ذلك أحس بخفة؛ فدخل المسجد متعطفاً ملحفة على منكبيه، قد عصب رأسه بعصابة دسمة حتى جلس على المنبر، وكان آخر مجلس جلسه، فحمد الله، وأثني عليه، ثم قال: ((أيها الناس، إليَّ))، فثابوا إليه، فقال فيما قال: ((لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) وفي رواية: ((قاتل الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد))، وقال: ((لا تتخذوا قبري وثناً يعبد))، وعرض نفسه للقصاص قائلاً: ((من كنت جلدت له ظَهْراً فهذا ظهري فليستقد منه، ومن كنت شتمت له عِرْضاً فهذا عرضي فليستقد منه))، ثم نزل فصلى الظهر، ثم رجع فجلس على المنبر، وعاد لمقالته الأولى في الشحناء وغيرها، فقال رجل: إن لي عندك ثلاثة دراهم فقال: ((أعطه يا فضل))، ثم أوصى بالأنصار قائلاً: ((أوصيكم بالأنصار فإنهم كِرْشِي وعَيْبَتِي، وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم، فاقبلوا من مُحْسِنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم))، وفي رواية أنه قال: ((إن الناس يكثرون، وتَقِلُّ الأنصار حتى يكونوا كالملح في الطعام، فمن ولي منكم أمراً يضر فيه أحداً أو ينفعه فليقبل من محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم))، ثم قال: ((إن عبداً خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء، وبين ما عنده؛ فاختار ما عنده))، قال أبو سعيد الخدري: فبكي أبو بكر، وقال: "فديناك بآبائنا وأمهاتنا"، فعجبنا له، فقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ، يخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عبد خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا، وبين ما عنده؛ وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو المخير، وكان أبو بكر أعلمنا.
ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن من أمنّ الناس على في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سد، إلا باب أبي بكر)).
وفي يوم الخميس قبل الوفاة بأربعة أيام قال وقد اشتد به الوجع: ((هلموا أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده))، وفي البيت رجال فيهم عمر، فقال عمر: "قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبكم كتاب الله"، فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: "قربوا يكتب لكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم –"، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغط والاختلاف قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قوموا عني)).
وأوصى ذلك اليوم بثلاث: أوصي بإخراج اليهود والنصارى والمشركين من جزيرة العرب، وأوصى بإجازة الوفود بنحو ما كان يجيزهم، أما الثالث فنسيه الراوي، ولعله الوصية بالاعتصام بالكتاب والسنة، أو تنفيذ جيش أسامة، أو هي: ((الصلاة وما ملكت أيمانكم)).
والنبي - صلى الله عليه وسلم - مع ما كان به من شدة المرض كان يصلي بالناس جميع صلواته حتى ذلك اليوم - يوم الخميس قبل الوفاة بأربعة أيام -، وقد صلى بالناس ذلك اليوم صلاة المغرب، فقرأ فيها بالمرسلات عرفاً.
وعند العشاء زاد ثقل المرض بحيث لم يستطع الخروج إلى المسجد، قالت عائشة: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أصَلَّى الناس؟)) قلنا: لا يا رسول الله، وهم ينتظرونك، قال: ((ضعوا لي ماء في المِخْضَب))، ففعلنا فاغتسل، فذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق، فقال: ((أصلى الناس؟))، ووقع ثانياً وثالثاً كما وقع في المرة الأولى من الاغتسال، ثم الإغماء حينما أراد أن ينوء، فأرسل إلى أبي بكر أن يصلي بالناس، فصلي أبو بكر تلك الأيام سبع عشرة صلاة في حياته - صلى الله عليه وسلم -، وهي صلاة العشاء من يوم الخميس، وصلاة الفجر من يوم الإثنين، وخمس عشرة صلاة فيما بينها.
قال جابر: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل موته بثلاث وهو يقول: ((ألا لا يموت أحد منكم إلا وهو يحسن الظن بالله)).
وفي يوم السبت أو الأحد وجد النبي - صلى الله عليه وسلم - في نفسه خفة، فخرج بين رجلين لصلاة الظهر، وأبو بكر يصلي بالناس؛ فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر، فأومأ إليه بألا يتأخر، قال: ((أجلساني إلى جنبه))، فأجلساه إلى يسار أبي بكر، فكان أبو بكر يقتدي بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويسمع الناس التكبير.
وقبل يوم الأحد أعتق النبي - صلى الله عليه وسلم - غلمانه، وتصدق بستة أو سبعة دنانير كانت عنده، ووهب للمسلمين أسلحته.

وفي الليل أرسلت عائشة بمصباحها امرأة من النساء، وقالت: أقطري لنا في مصباحنا من عُكَّتِك السمن، وكانت درعه - صلى الله عليه وسلم - مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من الشعير!!
وفي آخر يوم من حياته:
والمسلمون في صلاة الفجر من يوم الاثنين، وأبو بكر يصلي بهم؛ لم يفجأهم إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكشف ستر حجرة عائشة فينظر إليهم، وهم في صفوف الصلاة، ثم تبسم يضحك، فنكص أبو بكر على عقبيه؛ ليصل الصف، وظن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد أن يخرج إلى الصلاة.
فقال أنس: وهَمَّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم فَرَحاً برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأشار إليهم بيده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أتموا صلاتكم، ثم دخل الحجرة وأرخي الستر، فكانت تلك النظرة منه آخر نظرة لأصحابه، كانت تلك النظرة هي نظرة الوداع للدنيا، نظر إليهم ليطمئن قلبه أن أصحابه ما زالوا على العهد، ليرى ثمرة جهاد ثلاث وعشرين سنة وهم صفوف بين يدي ربهم - عز وجل -.
ولما ارتفع الضحى دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - فاطمة فسَارَّها بشيء فبكت!، ثم دعاها، فسارها بشيء فضحكت! قالت عائشة: فسألنا عن ذلك فيما بعد، فقالت: سارني النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه، فبكيت، ثم سارني فأخبرني أني أول أهله يتبعه فضحكت.
وبشر النبي - صلى الله عليه وسلم - فاطمة بأنها سيدة نساء العالمين، ورأت فاطمة ما برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الكرب الشديد الذي يتغشاه، فقالت: واكرب أباه، فقال لها: ((ليس على أبيك كرب بعد اليوم))، ودعا الحسن والحسين فقبلهما، وأوصي بهما خيراً، ودعا أزواجه فوعظهن وذكرهن.
وطفق الوجع يشتد ويزيد، وقد ظهر أثر السم الذي أكله بخيبر حتى كان يقول: ((يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبْهَرِي من ذلك السم)).
وقد طرح خَمِيصَة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك - وكان هذا آخر ما تكلم وأوصي به الناس: ((لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد - يحذر ما صنعوا - لا يبقين دينان بأرض العرب))، وأوصى الناس فقال: ((الصلاة، الصلاة، وما ملكت أيمانكم))، كرر ذلك مراراً.
وبدأ الاختصار فأسندته عائشة إليها، وكانت بين يديه رَكْوَة فيها ماء، فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح به وجهه يقول: ((لا إله إلا الله، إن للموت سكرات...)) ثم رفع يده أو أصبعه، وشخص بصره نحو السقف، وتحركت شفتاه، فأصغت إليه عائشة وهو يقول: ((مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم اغفر لي وارحمني، وألحقني بالرفيق الأعلى، اللهم الرفيق الأعلى)) ثلاثاً، ومالت يده ولحق بالرفيق الأعلى.
إنا لله وإنا إليه راجعون.
وقع هذا الحادث حين اشتدت الضحى من يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول سنة أحد عشرة من الهجرة، وقد تم له - صلى الله عليه وسلم - ثلاث وستون سنة، وزادت أربعة أيام.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، لا راد لما قضى، ولا مانع لما قدر، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، أما بعد:
تسرب نبأ وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة، وأظلمت على أهلها أرجاؤها وآفاقها.
قال أنس: ما رأيت يوماً قط كان أحسن ولا أضوأ من يوم دخل علينا فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما رأيت يوماً كان أقبح، ولا أظلم من يوم مات فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ولما مات قالت فاطمة: يا أبتاه أجاب رباً دعاه، يا أبتاه مَنْ جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه.
ووقف عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول وقد فقد صوابه من وقع الخبر: إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما مات؛ لكن ذهب إلى ربه كما ذهب موسي بن عمران، فغاب عن قومه أربعين ليلة، ثم رجع إليهم.
وأقبل أبو بكر - رضي الله عنه - على فرس من مسكنه بالسُّنْح حتى نزل، فدخل المسجد، فلم يكلم الناس، حتى دخل على عائشة فتيمم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو مغشى بثوب، فكشف عن وجه صاحبه وصديق عمره، كشف عن وجه رفيق حزنه وفرحه، كشف عن وجه كالقمر، ثم أكب عليه يقبله ويبكي، ثم قال: بأبي أنت وأمي، لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي كتبت عليك فقد مِتَّهَا.
ثم خرج أبو بكر، وعمر يكلم الناس، فقال: اجلس يا عمر، فأبي عمر أن يجلس، فتشهد أبو بكر، فأقبل الناس إليه، وتركوا عمر، فقال أبو بكر: أما بعد، من كان منكم يعبد محمداً - صلى الله عليه وسلم - فإن محمداً قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت، قال الله: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ)[آل عمران:144].
قال ابن عباس: "والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها منه الناس كلهم، فما أسمع بشراً من الناس إلا يتلوها".
وقال عمر: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها؛ فعرفت أنه الحق، فعقرت حتى ما تُقُلِّني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها، علمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد مات.
ويوم الثلاثاء غسلوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غير أن يجردوه من ثيابه، وكان القائمون بالغسل: العباس وعليّا، والفضل وقُثَم ابني العباس، وشُقْرَان مولي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأسامة بن زيد، وأوس بن خَوْلي، فكان العباس والفضل وقثم يقلبونه، وأسامة وشقران يصبان الماء، وعلى يغسله، وأوس أسنده إلى صدره.
وقد غسل ثلاث غسلات بماء وسِدْر، ثم كفنوه في ثلاثة أثواب يمانية بيض سَحُولِيَّة من كُرْسُف، ليس فيها قميص ولا عمامة، أدرجوه فيها إدراجاً.
ثم قال أبو بكر: إني سمعت رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ما قبض نبي إلا دفن حيث يقبض))، فرفع أبو طلحة فراشه الذي توفي عليه، فحفر تحته، وجعل القبر لحداً.
ودخل الناس الحجرة أرسالاً عشرة فعشرة، يصلون على رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - أفذاذاً، لا يؤمهم أحد، وصلي عليه أولاً أهل عشيرته، ثم المهاجرون، ثم الأنصار، ثم النساء ثم الصبيان، ومضى في ذلك يوم الثلاثاء كاملاً، ومعظم ليلة الأربعاء.
عباد الله:
هذا أسبوع من أسابيع حياته - صلى الله عليه وسلم - قد زاد بسببه الإيمان في قلوبنا، ونبع الحب بين جوانحنا، فهنيئاً لمن صحبه، ونظر إليه، وسمع منه، وهنيئا لعبد تذكره فتمنى أنه رآه:
هي دعوة لكل مسلم رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبياً أن يستمسك بسنته، فإن النجاة في اقتفاء أثره قال الله - تعالى -: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ(32)).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 66.91 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 65.01 كيلو بايت... تم توفير 1.90 كيلو بايت...بمعدل (2.84%)]