غزوة أحد: دروس وعبر - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         المسائل الفقهية المتعلقة بالمسبحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          دم الاستحاضة سببه ركضة الشيطان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          حكم التسميع والتحميد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          فضل الصلاة في الصف الأول والصفوف المقدمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          جوانب خفية في الخلاف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          الوجيز في فقه الزكاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 181 - عددالزوار : 60938 )           »          أبو بكر الصديق رضي الله عنه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 30 )           »          لماذا يصمت العالم عن المجاعة في غزة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          أعمال تعدل أجر الصدقات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22-02-2020, 03:42 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,947
الدولة : Egypt
افتراضي غزوة أحد: دروس وعبر

غزوة أحد: دروس وعبر (1)




الشيخ مثنى الزيدي





إنَّ الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله - صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعدُ:
فلقد بَعَثَ الله نبيَّنا محمدًا على حين فترة من الرُّسل، والحياة مليئة بظلماء جهالاتها، ودهماء ضلالاتها، فأخذ النبيُّ ومعه صحبٌ كرامٌ بنشْر هذا الدين في الآفاق، فتصدَّى أهلُ الكفر والعناد لدعوته، وأشهروا الأسيافَ لمقابلته، فالْتقوا في بدر، وتحقَّق النصرُ بعَوْن الله، فارتفعتْ رايةُ الإسلام، وعادَ المشركون إلى مكَّة بالثبور، كلٌّ يبكي قتلاه، ويشكو بلواه، وعَظُمَ عليهم المصاب، فعزمت قريش على إعداد العُدّة لملاقاة المسلمين، وأمضوا عامًا كاملاً في الاستعداد، فاجتمع جمعهم واتجه جيشُهم إلى المدينة النبويَّة في شوال من السنة الثالثة للهجرة؛ ليأخذوا بثأْرِهم من يوم بدر، ونزلوا عند جبل أُحُد على شفير الوادي، وكانَ رجال من المسلمين قد أَسِفُوا على ما فاتهم من مشهدِ بدر، فأشاروا على النبيِّ بالخروج لملاقاتهم، وعزَمَ المسلمون على الخروج إليهم، وبعْد أن صلى النبيُّ بالناس يومَ الجمعة دَخَلَ بيتَه، وخَرَجَ متهيِّئًا للقتال، لابسًا لأْمَة الحرْب، وقال: ((ما ينبغي لنبيٍّ لبسَ لأْمَته أن يضعَها، حتى يحكمَ الله بينه وبين عدوِّه))؛ رواه البخاري.

ثم خَرَجَ في ألفٍ من الرجال، فلمَّا كانوا بين المدينة وأُحُد، انخذلَ عنه عبدالله بن أُبَيّ - رأس النفاق - بثُلُث الجيش، فتركَهم رسولُ الله ومَضَى حتى نزلَ الشِّعب من أُحُد، في عُدوة الوادي إلى الجبل، وجَعَلَ ظهرَه وعسكره إلى أُحُد، فصَارَ جيشُ المشركين فاصلاً بين المسلمين، وبيْن المدينة، وجَعَلَ على الرُّماة خمسين رجلاً، أمَّرَ عليهم عبدالله بن جُبير، وأمرَهم أنْ يلزموا مكانَهم، وألا يفارقوه ولو رأوا الطيرَ تخطَّفهم، وقال: ((إنْ رأيتمونا نُقتَلُ، فلا تنصرونا، وإنْ رأيتمونا نغنمُ، فلا تشركونا)).

فلمَّا كانَ صبيحة يوم السبت، استعدَّ للقتال واستعدت قريش أيضًا للقتال، المشركون قوامهم ثلاثة آلاف رجل، فيهم مائتا فارس، يقودُهم أبو سفيان، يريدون أن يطفئوا نورَ الله، وإضلال العِباد، والمسلمون سبعمائة رجل، يبتغون النصر أو الشهادة.

وحرّضَ النبيُّ أصحابه على القتال، وحضَّهم على الصبْر والمجالدة، وتقابلَ الجيشان، وتقاربَ الجمعان؛ السيوف مُصلتة، والرِّماح مُبرزة، والسهام مُنتثرة؛ حِزْب الرحمن، وحِزْب الشيطان.

ثُمَّ أذِنَ النبيُّ بالقتال، ودنَا بعضُهم من بعض، وتلاحَمَ الفُرسان، وحَمِي الوطيس، وكانت الدائرة للمسلمين، وأنْزَلَ الله نصرَه على المؤمنين، وانكشفَ المشركون، وسقطَ لواؤهم، وولّوا مُدبرين، فلمَّا رأى الرماة هزيمتَهم، ظنُّوا أنه ليس للمشركين رَجْعة، فنزلَ مَن نَزلَ منهم في طلب الغنيمة، وتركوا مكانَهم الذي أمرَهم رسولُ الله بحفظِه، وذكَّرهم أميرُهم بلزومه، فنزلوا وخَلا الثّغْر، فالتفَّ خالد بن الوليد - وهو على الشرْك يومئذ - من وراء جبل الرُّماة، فقتلَ العشرة الباقين من الرُّماة الذين على الجبل، وأصبحَ جيشُ المسلمين بين خيَّالة المشركين من الخلف، وبين مُشاتِهم من الأمام، وأحاطوا بالمسلمين، وانهزمتْ طائفة من المسلمين، وتفرَّق سائرُهم، ووقعَ القتْل فيهم - رضي الله عنهم وأرضاهم - وأدرَك المشركون الرسولَ فحالَ دونَهم نفرٌ من المسلمين نحوٌ من العشرة، حتى قُتِلوا جميعًا، ثُمَّ جالدَهم طلحة بن عبيدالله؛ حتى أبعدهم عنه، فَشُلَّت يدُه - رضي الله عنه - وتَرَّس أبو دُجانة عليه بظهرِه، والنبال تقعُ عليه وهو لا يتحرَّك؛ وِقاية لرسول الله، وصرَخَ الشيطانُ بأعلى صوته: إن محمدًا قد قُتِلَ، ووقعَ ذلك في قلوبِ كثير من المسلمين، وتولَّى أكثرهم؛﴿ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا ﴾ [الأحزاب: 38].

وأقبلَ الرسولُ نحو المسلمين، فرأوه واجتمعوا به، ونهضوا معه إلى الشِّعب الذي نزلَ فيه، واستندوا إلى الجبل، وغسل علي بن أبي طالب الدمَ عن وجهِ النبيِّ، وصبَّ ماءً على رأْسه.

ومالَ المشركون إلى رِحَالِهم وفي الأرض أشلاء وأرواح تحتضرُ، وكان هذا كلُّه يومَ السبت، ووضعتِ الحرب أوزارَها، حصادُها سبعون شهيدًا من المسلمين، واثنان وعشرون هالكًا من الكافرين، قتلانَا في الجنة، وقتلاهم في النار.

فأُحُد يا إخوتي نصرٌ لا هزيمة، معركة فَيَّاضةٌ بالعِبَر والعِظَات، أحداثُها صفحات ناصعة، يتوارثُها الأجيال بعد الأجيال، أنزلَ اللهُ فيها ستينَ آية في كتابه المبين، كان لها أثرٌ عميقٌ في نفس النبيِّ، ظلَّ يذكره إلى قُبيل وفاته.


إن أوَّل درسٍ مِن دروس أُحُد هو أنَّ النصرَ مِن عند الله، فإنْ شاء نصرَكم، وإنْ شاءَ خذلَكم - سبحانه وتعالى - ولا نتلفَّظ بألفاظ الجُبَناء في أننا لا نملِكُ شيئًا أمامَ طاقة الكفَّار، فلماذا لا يكون الإعداد على قدْر الطاقة؟ وإن كانتْ طاقتنا لا تمثِّل شيئًا أمامَ القوة الرهيبة التي يمتلكها الأعداءُ فما العمل؟


الإجابة: أنَّ النصرَ لا يكون بالعوامل الماديَّة فقط، إلا إذا تساوى الطرفان، فإذا تقابلَ كافرٌ مع كافرٍ ففي هذه الحالة كانت الغلبة للأكثر عُدة وعتادًا والأدق تنظيمًا، أما إذا تقابلَ المؤمن مع الكافر، فإنَّ الميزانَ يختلفُ، ولو كانَ لكثرة العدد والعتاد دورٌ رئيس في النصرِ، لانْتصر المسلمون في يوم حُنين حينما بلغوا من الكثرة مبلغًا عظيمًا؛ حتى قال بعضُهم لن نُغلبَ اليومَ من قِلَّة، فماذا حدثَ؟ قال - سبحانه -:﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾ [التوبة: 25].

ولو كانَ للعدد والعَتَاد دورٌ في النصر في معركة المؤمنين مع الكافرين، لأباد جيشُ جالوت طالوتَ ومَن معه، ولو كان للعددِ والعَتَاد دورٌ في النصر في المعركة، لأبادَ جيش قريش المسلمين في بدر، فقد كان يفوقُهم ثلاثةَ أضعاف العددِ وقُرَابة عشرة أضعاف في العتاد، لو كانَ للعدد والعَتَاد دورٌ في نَصْر المؤمنين على الكافرين، لما قال الله: ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 249]، ولَمَّا حدثَ للمسلمين ما حدثَ في أُحُد لم يرجع الله ذلك إلى قِلَّة عددِهم أو ضَعف خُطَطهم، وإنَّما أعادَ ما أصابهم إلى المعصية، وحُبِّ الدنيا، واستمعوا للعليم الخبير يخبرنا عن ذلك بقوله: ﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 152].

نعم هذه هي القاعدة التي يجبُ على المؤمنين أن يدركوها: وما النصرُ إلا من عند الله، فلا العَدد ولا العُدة ولا حُسن التخطيط والتنظيم تُغْني وتَنْصُر إن لم ينصر اللهُ؛﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾[محمد: 7].

فستنتصرُ أمة الإسلام يومَ أنْ تُطبِّقَ شريعةَ الله في حياتها، وتطهِّر نفسَها من منكرات فشتْ فيها.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه.

وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُه ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه.

أما بعدُ:
أيُّها المسلمون، الجنَّة لا تُنال إلا على جسرٍ من المشقَّة والتعب، والطريق طويلٌ شاقٌّ حافلٌ بالمتاعب والعَقَبَات، وفي الامتحان بالغَلَبَة والهزيمة ذُلّ وخُضوع يوجِبُ العِزَّ والنصرَ، وهو - سبحانه - إذا أرادَ أنْ يعزَّ عبدَه كسرَه أولاً، ومن ثَمَّ تكون رِفْعَته على قدْرِ خضوعه وانكساره لله، وعودته إليه - سبحانه وتعالى - ندعو الله بذلك، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 22-02-2020, 03:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,947
الدولة : Egypt
افتراضي رد: غزوة أحد: دروس وعبر

غزوة أحد: دروس وعبر (2)




الشيخ مثنى الزيدي







إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا وسيئات أعْمالنا، من يهدِ الله فهو المهتدي، ومَن يضلل فلن تجد له وليًّا مُرشدًا، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وعلى آله وصحبه أجْمعين، ومَن اهتدى بهَدْيهم إلى يوم الدين.









أما بعدُ:


وضعَ الرسول - صلى الله عليه وسلم - في معركة أُحُد بنفسِه خُطَّة المعركة، وأوَّل ما فَعَلَه أنْ وَزَّع خمسين من مَهَرة الرُّماة وراءَ جيشه في أعلى الشِّعب من أُحُد، وألَحَّ عليهم بملازمة أماكنهم، قائلاً: ((احْموا ظهورَنا، وإن رأيتمونا نُقْتَل فلا تنصرونا، وإنْ رأيتمونا نَغْنَمُ فلا تشاركوننا)).





ثُمَّ رتَّبَ جيشَه في صفٍّ منتظمٍ، وتخيَّر للمقدِّمة أفرادًا من الذين يُوزَنون بالمئات، وأمَرَ ألاَّ يُباشرَ القتال إلا بإذْنِه، ولَمَّا نشب العراك، انطلق المسلمون يعملون في نظام عجيب من توجيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكأنَّهم حجرُ الرَّحى تدور حول قُطْبها، فهي تميلُ يَمنة ويَسْرة، ولكنَّها لا تنفض عن دائرة القطب، ولعلَّ مردَّ التماسُك في هذا النظام ثقةُ الجيش جميعًا بحِكْمة القائد ووجوب الطاعة له، ووحدتهم وتماسُكهم على قلب رجلٍ واحد، لا خلافَ ولا شِقَاق ولا نِزَاع، ولا أحدَ يعيب على أحدٍ توجهَه واختياره لطريقه في العمل، خصوصًا وأنهم كانوا في ساحة واحدة في معركة واحدة، فليس هناك جندي واحد إلا وفي صدرِه يقينٌ مُطلقٌ بأنَّ مصيرَ المعركة يتوقَّف على مَدَى انسجام الجنود في إرادة الرسول - صلى الله عليه وسلم - نفسه، ومن هنا كانت قلوبُهم متعلِّقة بإشارته، يديرُها في الاتجاه الذي توحي به الحِكْمة، ويقين بأنه سيختارُ ما عند الله، ويقدِّمه على بهرج الحياة، وأموالها ومناصبها وإغراءاتها.





وهكذا سارت المعركة في اتجاهها الطبيعي، وفي غمرة الاندحار الهائل شَعَرَ قادة الوثنيَّة بعجزِ آلهتهم عن الصمود في وجه هذا الدمِ الجديد الذي دفعَه الإسلام في شرايين جنوده، وأدركوا أنَّهم أمام القوَّة التي لا تُقْهَر، ولا تثبت لها حميَّة الجاهليَّة، مهما تبلغ هذه الحميَّة من الاستخفاف بالموت، إنَّها القوة التي مزّقتْ صلات العصبيَّات والمنافع الأرضيَّة المقِيتَة لتقيمَ على أنقاضها وشائجَ أخرى من قرابة العقيدة وقوة التوحيد والإخلاص لله وحدَه لا شريك له، وبذلك أزالتْ سلطان الأسر الذي طالما يُدَمِّر القلوبَ ويضعُف الجنود، وحواجز الأنساب؛ ليجعلَ من الأفراد المتنابذين المتباعدين أُسَرة واحدة في أخوَّة جديدة دونها كلُّ روابط الأرض.





أَجَلْ، لقد كان مُستحيلاً لقوة من البشر أن تتماسكَ في وجه هذا السيل الجارف من القُوَى التي يحارب بها محمد - صلى الله عليه وسلم - اللهم إلا أنْ تنقلبَ هذه القُوَى على نفسها، فيحطِّم بعضُها بعضًا، وهيهات ما دام زِمام هذه النفوس الجديدة في يدِ هذا القائد الجديد.





ولكن حَدَثَ ما لم يكنْ في الحُسْبان، وها هي قوة الجيش يتسرَّب إليها الخَللُ فجْأَة، كما يداهم محرِّك القلعة الطائرة، فإذا هي تهوي عنْ عرْشها السماوي إلى القَرار السحيق.





إنَّ النفوس التي كانت إلى ساعة خَلتْ تقاتلُ بأمرِ ربِّها لإعلاء كلمته والدفاع عن رسالته، قد جذبتِ الدنيا أعنَّتها، فإذا هي تنصرفُ عن مطاردة العدوِّ؛ لتشغل بجمْعِ الغنائم والحصول على الأموال، فهيَّأت لهم بذلك فرصة الاستجمام، ثُمَّ أتاحتْ لهم مجالَ العمل لتجميع فلولهم.





ورأى خالد بن الوليد - وهو قائد مَيْمنة المشركين في حينها - قبل أن يدخلَ الإسلام ما عَرضَ لجنود محمد - صلى الله عليه وسلم - من التشاغُل، وكان يرصد الأمرَ عن كثب، يترقَّب ظهور مناسبة تمكنِّه من نجْدة قومِه، فإذا هو يدور من رواء الشِّعب ليفاجئ رُماة المسلمين وقد اختلفوا فيما بينهم، واندفعَ أكثرُهم إلى معسكر قريش يشركون إخوانهم في الغنائم، فلم يبقَ منهم في مركز الدفاع إلا دون العشرة من المؤمنين، أبوا أن يفارقوا المكانَ الذي أمرَهم رسولُ الله بالْتزامه مَهْمَا كانت النتائج! ووالله هنيئًا لهم.





ويشدُّ خالد على بقيَّة الرُّماة فيُجْليهم، وينصبُّ من هناك على مؤخِّرة المسلمين فيبغتُهم بما لم يحتسبوا، ويبلغُ صياح كتيبة خالد مسامعَ قريش المهزومة، فإذا هي تريدُ لتعملَ في المسلمين تقتيلاً وتجريحًا!





وحدثَ ما لا بُدَّ من حدوثه في مثل هذا الخَلل المباغِت، وإذ المسلمون تُزَلْزَلُ بهم الأرضُ وتضطرب السبلُ، فلا يدرون أين يذهبون، فسَرعان ما انقلبَ النصرُ خسارة تحملُ معاني التأديب والتربية العظيمة، والدروس التي لا تُنْسَى لمن كان له قلبٌ أو ألْقَى السمع وهو شهيدٌ.





لقد كان يومُهم هذا يوم أُحُد امتحانًا صارمًا، حافلاً بالدروس الربَّانيَّة؛ ففي هذا اليوم تعلموا أنَّ معارك الإيمان لا تُكْسَب إلا بالنظام والطاعة المطْلَقة لله ولرسوله، وأنَّ على المؤمنين أن يَسْمُوا بأرواحِهم، فلا يشغلهم طلبُ الغنيمة عن رضوان الله، فإذا انحرفَ ببعضهم هوى الدنيا عن هدفِ الإيمان، كان ذلك عُدوانًا على سلامة المجموع، وتحطيمًا لنظام الوحدة بين المؤمنين، كالشرارة الصغيرة تضرمُ الحريقَ الشامل المروّع، ومن هنا تأتي السماء بتأديبها الرهيب، تعمُّ به البريء والخاطئ، لا تستثني أحدًا؛ لأنها تَعْتبرُ الجميعَ وحدة كاملة، كلّ جزْءٍ مسؤول عن كلِّ جزْء.





وصدق الله العظيم إذ قال:ï´؟ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ï´¾ [الأنفال: 46].





فالنزاع بين المسلمين هو بداية الفشلِ، وذَهاب الريح والقوِّة، والمكنة على هذه الأرض، ولَمَّا يتعاقب النزاعُ تتعاقب الهزائم، وترى الجمع قد ضَعُفَ، والقوة قد خارتْ، والعزائم قد انهارتْ، أمَّا الوحدة فلا تعرف إلا النَّصر لحياتها حليفًا، وهذا ما أرْشدنا إليه القران الكريم وسُنَّة رسوله الأمين - صلى الله عليه وسلم.





الخطبة الثانية


الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومَن اهْتدى بهَدْيه إلى يوم الدين.






وبعدُ:


فعن أنس - رضي الله عنه - أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - طلعَ له أُحُد، فقال: ((هذا جبلٌ يُحبُّنا ونحبُّه))، وهذا من أجمل دروس الخُلُق والوفاء، الذي عبَّر عنه النبيُّ بأرقى وشائج الصلة وهي المحبَّة.





فمِنَّا للمجاهدين أجملُ حبٍّ، وأغلى وفاء، أولئك الذين لولا أنَّ الله سخَّرهم لنا لما نامتْ لنا أهداب، ولَما أحسسنا بشيءٍ من طيب العيْش، ونعيم الأمان، واسترداد الحقوق بعد الاستلاب، فهل سنعي الدرسَ فنحمل لهم وفاءً يومَ أن أصابهم ما أصابهم اليوم مِن تقتيل ومطاردة وجوع واعتقال؟







نسأل الله أن يجعلَنا من الأوفياء الأتْقياء الأنْقياء، إنه وَلِيُّ ذلك والقادرُ عليه، وآخِر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين.









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 72.19 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 69.83 كيلو بايت... تم توفير 2.36 كيلو بايت...بمعدل (3.27%)]