تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) - الصفحة 24 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         وما أدراك ما ناشئة الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          كف الأذى عن المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          انشراح الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          فضل آية الكرسي وتفسيرها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          المسارعة في الخيرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          أمة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الصحبة وآدابها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          البلاغة والفصاحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          مختارات من كتاب " الكامل في التاريخ " لابن الأثير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          ماذا لو حضرت الأخلاق؟ وماذا لو غابت ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #231  
قديم 11-10-2020, 04:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

معنى قوله تعالى: (ثم أتموا الصيام إلى الليل)

قال: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187] أتموا الصيام من الفجر الذي هو انتشار الضوء في الأفق إلى الليل، والليل يبتدئ بغروب الشمس، سقطت عين الشمس بالأفق فدخل الليل.إذاً: وأتموا الصيام إلى الليل، ما هو الصيام؟ هو الإمساك والامتناع عن شهوتي البطن والفرج، وهل للبطن شهوة؟ أي نعم، يشتهي الطعام والحلويات أو لا؟ يشتهي الماء والعصير أو لا؟ والفرج له شهوة.

معنى قوله تعالى: (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد)

إذاً: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ [البقرة:187]، أي: الزوجات وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، هذا إعلام لنا بمشروعية الاعتكاف، وهو ملازمة المسجد للعبادة، ويشترط للعكوف أن يكون المسجد مسجداً جامعاً، أي: تصلى فيه الجمعة، حتى لا يخرج منه ليصلي الجمعة، والعكوف أقله يوم وليلة، كونك تجلس نصف النهار أو الليل وتقول: اعتكفت ليس هو العكوف الشرعي، هو عكوف لغوي، العكوف في المسجد: ملازمة المسجد لا تخرج إلا للبول أو الوضوء، أو تأتي بطعام من السوق أو شراب بدون أن تتكلم ولا تجادل، إذا لم يكن لك من يأتيك بطعامك وشرابك، وتنام في المسجد، وإن احتلمت فاخرج على الفور اغتسل وارجع، لا تبق محتلماً.إذاً: هذا الاعتكاف فيه فضل عظيم لا يقادر قدره، حسبك أن عبد الله عكف في بيت ربه يذكره، وهو قراءة القرآن والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء والركوع والسجود أربعاً وعشرين ساعة، فإذا جاءك النوم فنم ولا حرج، وقد اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم عشر ليالٍ، والاعتكاف سنة في العشر الأواخر من رمضان.يقول تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، ما معنى: ولا تباشروهن؟ المباشرة: أن تمس البشرة البشرة، فنحن بشر لأن بشرتنا ما عليها ريش ولا وبر، فـ(باشر زوجته): اختلطت بشرته ببشرتها، كناية عن الجماع والوطء. وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ [البقرة:187]، لا الناهية، حرام عليكم، وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، فمن غلبته شهوته فذهب إلى بيته وواقع امرأته بطل اعتكافه وفسد، ويجب قضاؤه حتماً؛ لأنه دخل في عبادة وتركها بدون مقتضٍ ولا موجب، أثم وعليه أن يقضيها، إذ المعتكف قد تغلبه نفسه ويمشي إلى البيت مثلاً ليأتي بطعام أو شراب فينهزم، فإذا انهزم بطل اعتكافه وعليه قضاؤه، وهذا كلام الله: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ [البقرة:187] والحال أنكم عاكفون في المساجد.ويقضي في شوال أو في أي وقت، إذا التزم بعشرة أيام فإنه يقضيها في شوال، وإذا التزم بيوم وليلة فقط يقضي يوماً وليلة.

معنى قوله تعالى: (تلك حدود الله فلا تقربوها)

ثم قال تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ [البقرة:187]، تلك الأحكام التي بيناها من قوله: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ [البقرة:187] إلى هذه الجملة: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187] هذه كلها حدود الله، فَلا تَقْرَبُوهَا [البقرة:187] ولا تعتدوها، ابتعدوا عنها، وقوله: فَلا تَقْرَبُوهَا [البقرة:187] أعظم من: تعتدوها؛ لأن النهي عن قربانها من بعيد.

معنى قوله تعالى: (كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون)

ثم يقول تعالى: كَذَلِكَ [البقرة:187] كهذا البيان والتبيين يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ [البقرة:187] التي تحمل شرائعه وأحكامه، وآداب وأخلاق الكمال البشري، يبينها للناس أبيضهم وأسودهم من عرب وعجم، ولكن من هم؟ الذين يؤمنون بهذا الكتاب، ويقرءونه ويفهمون ما فيه من طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعلة: لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة:187] كل هذا من أجل التقوى، إذاً: للتقوى شأن عظيم. والذين ما حضروا هذه الحلقة ليقم أحدهم ويبين لنا سر التقوى وسنعطيه ألف ريال، ولكن لا يعرفون، وقد يقال: يا شيخ! ماذا تريد؟ فأقول: نريد أهل المدينة المنورة يأتون بيوت الله يتعلمون العلم، في ساعة ونصف فقط بين المغرب والعشاء، ينبغي أن يمتلأ المسجد بنا نحن ونسائنا وأطفالنا، كل ليلة نتلقى الكتاب والحكمة، وتمضي الأيام والأعوام وأحدهم ما يجلس جلسة كهذه أبداً، فكيف يتعلم، من أين له أن يتعلم، أيوحى إلينا؟ إنما العلم بالتعلم كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم.فالتقوى هي امتثال الأمر واجتناب النهي، أن تطيع الله ورسوله وأولي الأمر في الأمر والنهي، هذه هي التقوى، فكيف علت وأصبحت هكذا؟ الجواب: لأن المتقي طيب النفس زكي الروح، روحه كأرواح الملائكة في السماء، هذا الذي يقبله الله ويرضى عنه ويدنيه، وولاية الله التي يطلبها العقلاء متوقفة على التقوى، من هم أولياء الله؟ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]، أولياء الله من ألف سنة عند العرب والعجم سيدي عبد القادر ، سيدي عيدروس وفلان وفلان، ولا يعرفون ولياً بين الناس، تدخل إلى القاهرة وإلى الإسكندرية أو دمشق أو بغداد أو الرياض، وتقول لشخص: من فضلك أنا جئت من بلاد بعيدة، نريد ولياً من أولياء هذه البلاد أزوره، فوالله! ما يأخذك إلا إلى ضريح، ولا يعرف أن هناك ولياً لله! فمن فعل بنا هذا؟ الثالوث الأسود المكون من المجوس واليهود والنصارى، كيف فعلوا بنا هذا؟ لأننا بالولاية نحفظ، فولي الله انتبه أن تقول فيه كلمة سوء: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )، فأصبح الرجل إذا فجر ما يمر بقبر الولي أو بضريحه، بل يأتي من شارع آخر خائفاً من الولي، فحصروا خوفنا في القبور، وسلطوا بعضنا على بعض: الزنا، السرقة، الكذب، القتل، الضرب، الدمار بيننا؛ لأننا أعداء الله ما نحن أولياء الله، لو علمونا أننا أولياء فما يستطيع الإنسان أن يؤذي ولي الله أبداً والله يقول: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )، فانظر كيف توصلوا إلى أن أبحنا الزنا والربا واللواط والجرائم، فالمؤمن أخوه يقتله يسبه يشتمه، ويزني بامرأته، فكيف يتم هذا؟ لأننا لسنا أولياء الله، ما علمونا أننا أولياء الله، من فعل هذا؟ العدو، هل عرفنا عداوته؟ كلا أبداً، بل هم أصحابنا! إذاً: ماذا نقول؟ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62] من هم؟ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]، الولاية تتحقق بخطوتين: آمن حق الإيمان واتق الرحمن فأنت ولي الله، وإن لم تؤمن أو لم تتق فأنت ولي الشيطان.فلهذا أمرنا بهذه الحدود وهذه الآداب في الصيام والاعتكاف ثم قال: لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة:187] فيصبحوا أولياء الله عز وجل، فاللهم اجعلنا من المتقين.

ذكر بعض أحكام سنة السحور

من سنن الصيام: السحور، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر )، الفرق بين صيامنا وصيام اليهود والنصارى أكلة السحر، هم لا يتسحرون؛ لأنهم بهائم، أما نحن فمرابطون مجاهدون صناع، نأكل قبل الفجر بخمس دقائق ونمشي للعمل لننتج، فالسحور هو الغداء المبارك، لو كنا أهل علم فلن نتسحر وننام، بل نتسحر وإذا أذن المؤذن صل واحمل مسحاتك أو آلتك إلى عملك، ولن تفكر في الطعام لأنك شبعان. ويدعو النبي صلى الله عليه وسلم إلى تأخير هذه السنة فيقول: ( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور )، ما هذه الرحمة المحمدية؟ يدعونا إلى أنه بمجرد أن تغيب الشمس نأكل، رحمة بنا أو لا؟ لو قال: أخروا حتى تصلوا العشاء أو المغرب ففي ذلك أجر لكان ذلك ضرراً بنا، لكن قال: ( عجلوا الفطر وأخروا السحور ) إلى قبيل الفجر بدقائق، فهذا الشارع حكيم أو لا؟ إنه أستاذ الحكمة ومعلمها صلى الله عليه وسلم.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

شرح الكلمات

والآن تسمعون شرح هذه الآيات مرة ثانية.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ شرح الكلمات: لَيْلَةَ الصِّيَامِ [البقرة:187]: الليلة التي يصبح العبد بعدها صائماً.الرفث: الجماع. لِبَاسٌ لَكُمْ [البقرة:187]: كناية عن اختلاط بعضكم ببعض؛ كاختلاط الثوب بالبدن. تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ [البقرة:187]: بتعريضها للعقاب، ونقصان حظها من الثواب بالجماع ليلة الصيام قبل أن يحل الله تعالى ذلك. بَاشِرُوهُنَّ [البقرة:187]: جامعوهن، أباح لهم ذلك ليلاً لا نهاراً. وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [البقرة:187]: أي: اطلبوا بالجماع الولد إن كان قد كتب لكم في قضاء الله وقدره، ولا يكن الجماع لمجرد الشهوة ]، هذه تربية ربانية.[ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ [البقرة:187]: الفجر الكاذب، وهو بياض يلوح في الأفق كذنب السرحان ]، أي: كذنب الذئب. [ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ [البقرة:187]: سواد يأتي بعد البياض الأول فينسخه تماماً. الْفَجْرِ [البقرة:187]: انتشار الضوء أفقياً، ينسخ سواد الخيط الأسود ويعم الضياء الأفق كله. عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]: منقطعون إلى العبادة في المسجد تقرباً إلى الله تعالى. حُدُودُ اللَّهِ [البقرة:187]: جمع حد، وهو ما شرع الله تعالى من الطاعات فعلاً أو تركاً. كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ [البقرة:187]: أي كما بين أحكام الصيام يبين أحكام سائر العبادات من أفعال وتروك ليهيئهم للتقوى التي هي السبب المورث للجنة ]. التقوى سبب مورث للجنة، كما قال تعالى: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا [مريم:63]، وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ [الشعراء:85]، قالها إبراهيم عليه السلام، إذاً: الجنة تورث، وسبب إرثها التقوى.

معنى الآية

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ معنى الآية الكريمة:كان في بداية فرض الصيام أن من نام بالليل لم يأكل ولم يشرب ولم يقرب امرأته حتى الليلة الآتية؛ كأن الصيام يبتدئ من النوم لا من طلوع الفجر، ثم إن ناساً أتوا نساءهم وأخبروا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى هذه الآية الكريمة تبيح لهم الأكل والشرب والجماع طوال الليل إلى طلوع الفجر، فقال تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [البقرة:187] أي: الاختلاط بهن؛ إذ لا غنى للرجل عن امرأته، ولا للمرأة عن زوجها. هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187]: يسترها وتستره؛ كالثوب يستر الجسم، وأعلمهم أنه تعالى علم منهم ما فعلوه من إتيان نسائهم ليلاً بعد النوم قبل أن ينزل حكم الله فيه بالإباحة أو المنع، فكان ذلك منهم خيانة لأنفسهم، فقال تعالى: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ [البقرة:187] فاحمدوه.وأعلن لهم عن الإباحة بقوله: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [البقرة:187]، يريد: من الولد؛ لأن الجماع لا يكون لمجرد قضاء الشهوة، بل للإنجاب والولد ]، وغداً سينعقد مؤتمر يمنع الولادة، فلعنة الله عليهم.قال: [ وحدد لهم الظرف الذي يصومون فيه، وهو النهار من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فقال تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187]، وحرم على المعتكفين في المساجد مباشرة نسائهم، فلا يحل للرجل وهو معتكف أن يخرج من المسجد ويغشى امرأته، وإن فعل أثم وفسد اعتكافه ووجب عليه قضاؤه، قال تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، وأخبرهم أن ما بينه لهم من الواجبات والمحرمات هي حدوده تعالى فلا يحل القرب منها ولا تعديها، فقال عز وجل: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا [البقرة:187]، ثم قال: كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة:187]، فامتن تعالى على المسلمين بهذه النعمة، وهي بيان الشرائع والأحكام والحدود بما يوحيه إلى رسوله من الكتاب والسنة؛ ليعد بذلك المؤمنين للتقوى، إذ لا يمكن أن تكون تقوى ما لم تكن شرائع تتبع وحدود تحترم، وقد فعل فله الحمد وله المنة ].وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #232  
قديم 11-10-2020, 04:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (122)
الحلقة (129)



تفسير سورة البقرة (87)

يبين الله عز وجل في هذه الآية حكم أكل أموال المسلمين بالباطل، وأنه يحرم على المسلم أن يأكل لحم أخيه بغير طيب نفس منه، ثم ذكر نوعاً من شر أنواع أكل المال بالباطل، وهو دفع الرشوة إلى القضاة والحكام ليحكموا لهم بغير الحق، فيورطوا القضاة في الحكم بغير الحق ليأكلوا أموال إخوانهم بشهادة الزور واليمين الغموس الفاجرة، وهذا الحكم من الله يدخل فيه مال المسلم ومال غير المسلم على حد سواء.

قراءة في تفسير قوله تعالى: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ...) من كتاب أيسر التفاسير

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- ندرس كتاب الله؛ رجاء أن يتحقق لنا ذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). اللهم حقق لنا ذلك يا ولي المؤمنين.كنا قد أخذنا في الدرس السابق قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة:187]، هذه الآية شرحناها وفهمنا مراد الله تعالى منها، وبقي أن نذكر هداية هذه الآية الكريمة.

هداية الآية

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآية: من هداية الآية:أولاً: إباحة الأكل والشرب والجماع في ليالي الصيام من غروب الشمس إلى طلوع الفجر ]، من أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: (( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ))[البقرة:187] الآية.[ ثانياً: بيان ظرف الصيام ]، بيان وقت الصيام، [ وهو من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس ]، من أين أخذنا هذه الهداية؟ من قوله تعالى: (( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ))[البقرة:187]، فالفجر إذاً فجران: صادق وكاذب.[ ثالثاً: بيان ما يمسك عنه الصائم، وهو الأكل الشرب والجماع ]، من أين أخذ هذا الحكم أو هذه الهداية؟ من قوله تعالى: (( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ ))[البقرة:187] الآية.[ رابعاً: مشروعية الاعتكاف وخاصة في رمضان، وأن المعتكف لا يحل له مخالطة امرأته وهو معتكف، حتى تنتهي مدة اعتكافه التي عزم أن يعتكفها ]، من أين أخذنا ذلك من الآية؟ من قوله تعالى: (( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ))[البقرة:187]، وقد عرفنا أن من باشر امرأته وهو معتكف فسد اعتكافه، ووجب قضاؤه بعد رمضان، وعرفنا أن الاعتكاف لا يقل عن أربع وعشرين ساعة، عن يوم وليلة، ولا يكون اعتكافاً شرعياً إلا إذا كان صاحبه صائماً، لا اعتكاف بدون صيام، أقله يوم وليلة، وأفضل ما يكون الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان.[ خامساً: استعمال الكناية بدل التصريح فيما يستحى من ذكره ]، حيث قال تعالى: (( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ ))[البقرة:187]، فكنى عن الجماع بالمباشرة من باب تربيتنا لنعيش على الآداب وحسن الأخلاق، ما قال: ولا تجامعوهن. [ سادساً: حرمة انتهاك حرمات الشرع وتعدي حدوده ]، من قوله تعالى: (( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا ))[البقرة:187].[ سابعاً: بيان الغاية من إنزال الشرائع ووضع الحدود وهي تقوى الله عز وجل ]، إذ قال تعالى: (( كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ))[البقرة:187].[ ثامناً: ثبت بالسنة سنة السحور، واستحباب تأخيره ما لم يخش طلوع الفجر، واستحباب تعجيل الفطر ]، لحديث: ( فصل ما بين صومنا وصوم أهل الكتاب أكلة السحر )، ( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور ).

تفسير قوله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ...)

ولننتقل للآية الآتية من هذه السورة المباركة.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:188].هذا النهي الإلهي، والذي نهانا هو ربنا العليم الحكيم، فقال: وَلا تَأْكُلُوا [البقرة:188] و(لا) ناهية، ويطلق الأكل للمال على كل استعمالاته، سواء للباس، للسكن، للركوب، للشراء، الكل يطلق عليه لفظ: أكل المال؛ لأن الغالب أن الأموال تستعمل فيما يأكله الآدمي. وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ [البقرة:188] هل هي أموالنا؟ أي نعم، فالله هو واهبها لنا، ونحن كفرد واحد، أمة واحدة، لا فرق بين البعيد والقريب ولا الشريف والوضيع، ولا العربي ولا العجمي، نحن مثل أمة واحدة. وَلا تَأْكُلُوا [البقرة:188]أيها المؤمنون أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [البقرة:188] والباطل خلاف الحق، وفي هذا يدخل المال الذي يؤخذ من طريق الاغتصاب، إذ الاغتصاب باطل، والذي يؤخذ من طريق الخداع والغش فهو باطل، والذي يؤخذ من طريق شهادة الزور فهو أخذ باطل، الباطل ما كان بغير مقابل، فلا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه، وكل ما أخذ بغير طيب النفس فهو حرام، وهو مأخوذ بالباطل، وقد حرم الله علينا أن نأخذ أموالنا بالباطل، وقد يأخذ المرء مال أخيه مع طيب نفسه؛ وذلك كالذي يقامر ويأخذ مال أخيه بالقمار ونفسه طيبة، لكن كونه راضياً ولا ينكر هل هو راضٍ حقيقة عن أخذ ماله؟ والله! ما هو براضٍ، إذاً: فيبقى اللفظ على عمومه، لا يحل لمؤمن أن يأكل مال مؤمن بغير حق، بأن يأكله بالباطل، وأموال أهل الذمة كأموال المسلمين، لا يحل لمؤمن أن يأخذ مال كتابي كيهودي أو نصراني بغير حق، لا فرق بين هذا وذاك، وكلمة (بينكم) تشمل الأمة كلها على اختلافها.

معنى قوله تعالى: (وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون)

وقوله: وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ [البقرة:188] هذا يندد بالرشوة وبأصحابها وبالقضاة الذين يأخذونها، الرِشوة والرُشوة والرَشوة: ما يعطى للحاكم ليحكم بغير حق، يعرف المواطن المؤمن أن هذا البستان لي لا له هو، ولوجود شبهة أو محاولة يرشي الحاكم ليحكم له بذلك البستان، والبستان كالدار، كالدابة، ككل شيء، الأمور ذات البال هي التي ترفع إلى القضاء، فحرم الله تعالى على المؤمنين أن يدلوا بأموالهم إلى القضاة والحكام ليتوصلوا بذلك إلى أكل أموال إخوانهم بالباطل؛ إذ قال تعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:188].وقوله تعالى: لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا [البقرة:188] قدراً معيناً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ [البقرة:188] الملطخ للنفس، المقبح لها المشوه لها، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:188] أن هذا المال حرام، وأن الدابة ليست لك أو البستان أو كذا، وترشي الحاكم مع وجود شبهة تدعي بها أن الدابة دابتك أو أن الدار دارك، وأنت تعرف أنها ليست لك، وتغرر بالحاكم وتضلله، وتفسد عليه حياته، فتشجع القضاء بالباطل بما تدلي به إليه من مال، وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ [البقرة:188] من أجل ماذا؟ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا [البقرة:188] يقل ويكثر، وهذه اللام لام العاقبة والصيرورة، لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ [البقرة:188] وكلمة (النَّاسِ) تشمل الكافر والمؤمن، فلهذا قال أهل التفسير: أهل الذمة بيننا لا يصح لمؤمن أن يأكل أموالهم بالباطل بحال من الأحوال، لا يقولن: هذا يهودي أو هذا نصراني ويقيم شبهة، ويقدم القضية للحاكم ويقول: هذا يهودي عدو، فيقضي له بالباطل ويأكل مال الناس.وقوله تعالى: وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:188] والحال أنكم تعلمون أن هذا حرام ولا يصح ولا يجوز بحال من الأحوال، ولهذا كانت الرشوة من أفظع الذنوب وأسوئها؛ أن نعطي الحاكم مالاً كالرشاء الذي ننزع به الدلو من البئر، من أجل أن نحصل على مال محرم.هذه الآية نص في حرمة الرشوة واستعمالها، ولا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يدعي أخيه في ماله، ثم يرفع القضية إلى القضاء إلى الحاكم ويرشي الحاكم ليحكم له بمال أخيه. ولنرجع إلى الآية الكريمة في الكتاب.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

شرح الكلمات

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ شرح الكلمات:الباطل: خلاف الحق ]، فالشيء إما أن يكون حقاً أو باطلاً، لا وسط بينهما، ما هناك شيء ما هو لا حق ولا باطل، إما أن يكون حقاً أو باطلاً، فالباطل خلاف الحق.[ تدلوا: الإدلاء بالشيء: إلقاؤه، والمراد هنا: إعطاء القضاة والحكام الرشوة ليحكموا لهم بالباطل حتى يتوصلوا إلى أموال غيرهم ] فيأكلوها بالباطل.[ فريقاً: أي: طائفة وقطعة من المال ]، وفريق من الناس: جماعة، كذلك فريق من المال، قطعة من المال، كل ما يؤخذ من مجموعة ويفرق بينه وبين غيره يقال فيه: فريق، سواء كان دنانير ودراهم، أو كان رجالاً ونساء، الفريق هو القطعة من المال في هذه الآية: لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:188].[ بِالإِثْمِ [البقرة:188]: المراد به هنا: بالرشوة وشهادة الزور، واليمين الفاجرة، أي: الحلف بالكذب ليقضي القاضي لكم بالباطل في صورة حق ]؛ لأن المدعي هذا قد يحلف، يقول القاضي: احلف، فيحلف بالله الذي لا إله غيره وهو كاذب، ولهذا فاليمين الغموس هي التي يحلف صاحبها وهو كاذب ويتعمد، بعض أهل العلم قالوا: هذه لا كفارة فيها، ومنهم مالك ، ما يكفي فيها صيام ولا إطعام؛ لأنها سميت بالغموس؛ لأنها تغمس صاحبها في أتون الجحيم، وبعض أهل الفقه يقول: مهما كان فإنه يكفر فيطعم عشرة مساكين ولا ينفعه ذلك؛ لأنه حلف فاجراً متعمداً من أجل أن يأخذ أموال الناس أو يمزق أعراضهم، فلهذا قال: المراد بالإثم هنا: الرشوة وشهادة الزور، وشهادة الزور أن يقول: أشهد بالله أن كذا لفلان وهو يكذب، أشهد أن فلاناً ما قال كذا وكذا، يقوله أمام القاضي.ولهذا في الصحيح أيام كان النبي صلى الله عليه وسلم يربي رجاله كان جالساً بينهم في هذا المسجد، ثم قال لهم بهذا الاستفهام: ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ فقالوا: بلى يا رسول الله، قال: الشرك بالله وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس -اهتماماً بالأخيرة- ثم قال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور )، وما زال يكررها حتى فزع الأصحاب وتمنوا أن لو سكت خشية أن ينزل ما ينزل، قال الراوي: ( حتى قلنا: ليته سكت ). وشهادة الزور كثرت لما هبطت أمتنا وأصبح يحوم حول المحكمة صعاليك ويتحسسون، فإذا جاء أحد قال له: تريد شهادة؟ أنا أشهد معك، فيضع في جيبه نقوداً ويدخل يشهد، ويحلف بالله ما كان هذا أو لم يكن، أما إذا كان من قبيلته أو من أهل قريته -بل حتى من إقليمه- فيشهد له شهادة زور لكونه من بلاده، ما سبب هذا؟ الجهل، ما جلسوا في حجور الصالحين كما جلس الأصحاب في حجر الحبيب صلى الله عليه وسلم، فمن أين يعرف ويتعلم؟ بل يشهد وهو يضحك.قال: [ بِالإِثْمِ [البقرة:188]: المراد به هنا: بالرشوة وشهادة الزور، واليمين الفاجرة ]، أي: اليمين الغموس، هذه يمين الفجور والخروج عن طاعة الله ورضوانه.قال: [ أي: الحلف بالكذب ليقضي القاضي لكم بالباطل في صورة حق ]؛ لأنه قال: اعتمد على شهادة فلان وفلان. فهذه مفردات هذه الآية المباركة.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #233  
قديم 11-10-2020, 04:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

معنى الآية

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ معنى الآية الكريمة: لما أخبر تعالى في الآية السابقة ] ذات الأحكام المتعددة [أنه يبين للناس ] إذ قال تعالى: كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ [البقرة:187]، والآيات القرآنية هي التي تحمل الأحكام الشرعية: الحلال والحرام والحق والباطل وما إلى ذلك.[ أنه يبين للناس أحكام دينه ليتقوه بفعل المأمور وترك المنهي ]، ليتقوه: أي: ليتقوا الله، بأي شيء يتقوه؟ بفعل ما أمرهم وترك ما نهاهم، والتقوى: التي بها نتقي الله حتى لا يسخط علينا ولا يغضب ولا ينتقم، فهي امتثال أوامره وأوامر نبيه صلى الله عليه وسلم، واجتناب نواهي الله ونواهي الرسول صلى الله عليه وسلم، بهذا يتقى الله، ما يتقى بالجيوش الجرارة، بالحصون العالية، بالأسوار الحصينة، هذه ما تنفع، والله! لا تنفع، بم يتقى الله؟ بطاعته وطاعة رسوله، فمن أطاع الله تعالى فيما أمر وفيما نهى -أي: في فعل المأمور وترك المنهي- وأطاع الرسول في ذلك فهو متقٍ، وهو في عداد المتقين.

وراثة الجنة بالتقوى

وللتقوى فضل عظيم، فهي سبب وراثة الجنة، فالجنة دار السلام تورث، وورثتها معلومون، وسبب الوراثة تقوى الله عز وجل، واقرءوا: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا [مريم:63]، يورث الله الجنة من كان تقياً. وإبراهيم الخليل في دعوته التي حفظناها قال: وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ [الشعراء:85]، إذاً: الجنة تورث كالتركات المالية تورث، نحن الآن نتوارث بثلاثة أسباب: النسب، المصاهرة، الولاء، فالنسب: كالبنوة والأخوة والقرابة، والمصاهرة: بين الزوجة والزوج، والولاء أيام كان عندنا العبيد، والآن كلنا عبيد، لكن هل نحن عبيد لله؟ لا، للدينار والدرهم، إذاً: فالجنة دار السلام لها ورثة يرثونها، وسبب إرثهم تقواهم لله عز وجل. وسر هذه التقوى: أنها تزكي النفس أي: تطهرها، كيف تزكي النفس يا شيخ، كيف تطهرها؟ الجواب: أن الله إذا أمر بكلمة تقال أو حركة تحدث فقد جعل تلك الكلمة يخرج منها إشعاع نوراني يصل إلى النفس فتطهر به، ما شرع الله جل جلاله من عبادة قولية أو فعلية أو اعتقادية إلا وعمل ذلك يولد الطاقة النورانية في النفس المعبر عنه بالحسنات، فالمتقي كل يوم يزكي بنفسه، المواد التي تزكي النفس يفعلها، والمواد التي تخبث النفس يتركها، يفعل المأمور المزكي للنفس، ويترك المنهي المخبث لها الملوث لها، وهكذا كل يوم يزكي هذه النفس ويبعدها عما يخبثها، وإن حدث مرة أنه أذنب فإنه يتوب إلى الله ويرجع إليه، ويغسل ذلك الأثر بما يفرغ عليه من الحسنات، فإذا وافاه الأجل والنفس طاهرة فإنه تفتح له أبواب السماء. وهل تعرفون حكم الله في هذه القضية؟ صدر على البشرية كلها، حكم الله صدر وأكثر البشر لا يعرفون هذا ولا يسمعون به، ولو كانوا بصراء فإنه إن قيل: صدر حكم الله عليكم، وبلغنا أن عالماً بالهند عرف هذا الحكم؛ فوالله ليمشن إليه. فما هذا الحكم؟ إنه قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، ومن يراجع؟ لا استئناف ولا مراجعة، قد أفلح من زكى نفسه أي: طيبها وطهرها، وقد خاب -أي: خسر- من دساها بما صب عليها من أطنان الذنوب والآثام حتى لم يبق لها وجود.هذا حكم الله الذي صدر على البشرية، ولشأن هذا الحكم ولتأثيره أقسم الله عليه بأقسام ما أقسمها على حكم كهذا، فماذا قال تعالى؟ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [الشمس:1-8].والمقسم عليه قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]؛ لأن الله عز وجل لما خلق الجنة، وهيأها بنعيمها حكم ألا يدخلها إلا ذو نفس طاهرة، ولما خلق عالم الشقاء وأعده كذلك حكم بألا يدخله إلا خبيث النفس منتن الروح.ولهذا قال تعالى: إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الانفطار:13-14]، من هم الأبرار؟ بنو هاشم؟ أتباع عيسى؟ الأبرار: جمع بر أو بار، هم المطيعون الصادقون.والفجار: جمع فاجر، فمن هو هذا الفاجر؟ هو الذي فجر عن الطريق السوي، وأخذ يذهب ذات اليمين وذات الشمال، ما مشى مع الطريق إلى باب الجنة، إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ [الانفطار:13] لبرهم، وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الانفطار:14] لفجورهم، هذا يؤكد معنى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، بل يبينه ويشرحه.وفي آية الأعراف: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [الأعراف:40-41]، عجب هذه الآية!أخبرنا أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: أن ملك الموت وأعوانه إذا أخذوا الروح الخبيثة يعرجون بها إلى السماء، فيستفتحون السماء فلا تفتح لهم أبواب السماء، ويرجعون من السماء الأولى، وأما الأرواح الطاهرة، النقية، النظيفة بسبب العبادات المزكية للنفس، المطهرة لها، وبسبب الإبعاد عن الذنوب والآثام المخبثة للنفس المدسية لها؛ فوالله! ما ينتهى بها إلا إلى تحت العرش.

حكاية شيخ الإسلام ابن تيمية مع خالته في مرض موتها

ولهذا عندنا لطيفة ذكرها شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله تعالى ورضي الله عنه، يقول عن شيخه الإمام أحمد بن تيمية رحمه الله: كانت لي خالة في دمشق، فمرضت، فزرتها في مرضها. وزيارة المرضى سنة من سنن الإسلام، قال: فعدتها في مرضها، فقالت لي: يا شيخ! أنا مقبلة على الله، كانت شاعرة بقرب أجلها؛ لأن المرض له آثاره، أو لرؤيا رأتها، على كل حال قالت: إني مقبلة على الله، وإذا وقفت أنا بين يديه فماذا أقول؟ علمني. قال: فارتج علي وفزعت، وما عرفت ماذا أقول؟ قال: ثم فتح الله علي، فقلت لها: قولي: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. هذا الذي نقوله نحن مع الله بعد كل فريضة، بعد السلام نستغفر الله؛ لأننا قد أسأنا في المقابلة وما أدينا المناجاة على وجهها، وهذا واقع، فنفزع إلى الاستغفار أولاً، ثم نقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. قال: وقمت عنها وماتت رحمة الله عليها، فرأيتها في المنام فقالت: يا شيخ! جزاك الله خيراً، جزاك الله خيراً، جزاك الله خيراً؛ إني لما وقفت بين يدي ربي ما عرفت ما أقول، واندهشت، ثم ذكرت الكلمة التي علمتني فقلتها، فجزاك الله خيراً. فبعد كل صلاة فريضة تقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ما نقول: السلام عليك يا رب الأرباب، السلام عليك يا خالق العباد، السلام عليك يا ذا الجلال والإكرام، فهو السلام، فكيف تقول: عليك السلام وهو السلام ومنه السلام؟ تقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. واسم البر التقي يدون في عليين، فحين يسجل في عليين يهبطون بالروح إلى القبر للمحنة والابتلاء، واقرءوا كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ [المطففين:18-21]. والفجار والظلمة أين كتبهم؟ أين تسجل أسماؤهم؟ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ [المطففين:18-9]، في أسفل الكائنات.إذاً: احمدوا الله على نعمة الإيمان والإسلام.

تتمة معنى الآية

ونعود إلى معنى الآية الكريمة، وهي قول الله عز وجل: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:188].قال: [ معنى الآية الكريمة: لما أخبر تعالى في الآية السابقة أنه يبين للناس أحكام دينه ليتقوه بفعل المأمور وترك المنهي؛ بين في هذه الآية حكم أكل أموال المسلمين بالباطل، وأنه حرام، فلا يحل لمسلم أن يأكل مال أخيه بغير طيب نفس منه، وذكر نوعاً هو شر أنواع أكل المال بالباطل، وهو دفع الرشوة إلى القضاة والحاكمين ليحكموا لهم بغير الحق، فيورطوا القضاة في الحكم بغير الحق ليأكلوا أموال إخوانهم بشهادة الزور واليمين الغموس الفاجرة والتي يحلف فيها المرء كاذباً، وقال تعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:188]، حرمة ذلك ومنعه ]، فمعنى الآية -والحمد لله- واضح.

هداية الآية

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم وسائر المؤمنين:[ هداية الآية ]، إذ كل آية تحمل هداية.[ من هداية الآية:أولاً: حرمة أكل أموال المسلم بغير حق، سواء كان بسرقة أو بغصب أو بغش أو باحتيال ومغالطة.ثانياً: حرمة الرشوة، وهي ما يدفع للحاكم ليحكم بغير الحق ]، الحاكم قد يكون قاضياً، وقد يكون شيخ قرية أو جماعة، يدفع له ليحكم بغير الحق.[ ثالثاً: مال الكافر غير المحارب كمال المسلم في الحرمة ]، أما المحارب فدمه وماله حلال، والمحارب: العبد الذي بيننا وبين قومه حرب دائرة، فماله حلال؛ لأن دمه حلال، لكن إذا كان معاهداً ذمياً فلا يحل، أو كان مستأمناً لا يحل أكل ماله، ولهذا اذكروا قول الله تعالى من سورة الفرقان في صفات عبادة الرحمن: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ [الفرقان:68] أي: قتلها إِلَّا بِالْحَقِّ [الفرقان:68]، فما هي النفس التي لا تقتل إلا بالحق؟ هي نفس المحارب، فلا يحل لمؤمن أن يأكل مال كافر، ولا أن يسيل دمه أبداً بوصفه كافراً.قال: [ مال الكافر غير المحارب كمال المسلم في الحرمة، إلا أن مال المسلم أشد حرمة؛ لحديث: ( كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه ) ]. مال الكافر حرام، لكن مال المؤمن أعظم وأشد؛ لأن إزعاجك لمؤمن، وتخوفيك، وإقلاقك له من أكبر الذنوب، بخلاف الكافر، فلو فزع أو انقبض أو تألم فما هو بشيء.[ ولقوله تعالى ] في هذه الآية: [ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [البقرة:188] ]، وحكم الحاكم لا يحل الحرام، لا تفهم أن القاضي إذا قضى لك بمال أنه أصبح حلالاً، فحكم الحاكم لا يجعل الحرام حلالاً، لا يحل ما حرم الله!قال في الهامش: [ حكم الحاكم لا يحل حراماً، سواء كان أموالاً أو فروجاً ]، وإذا قضى القاضي بأن الزوجة زوجتك مثلاً وأنت ليس بزوج لها فهل يصبح النكاح حلالاً؟ كلا.قال: [ لهذا الآية أولاً، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الصحيحين عن أم سلمة رضي الله عنها ]، وهي التي مكثت سنة كاملة وهي تبكي في الأبطح، أخذ ولدها، وذهب عنها زوجها، فعن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ألا إنما أنا بشر )، ما أنا بملك من الملائكة، أنا بشر والبشر يصيب ويخطئ أو لا؟ ( وإنما يأتيني الخصم، فلعل بعضكم أن يكون ألحن -أفصح- بحجته من بعض فأقضي له، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من نار فليحملها أو ليذرها ). يقول صلى الله عليه وسلم وهو يخاطب أصحابه وأمته: (أنا بشر) لست بملك أعرف الغيب وأعلم ما غاب، وقد يكون الخصم ألحن من خصمه وأفصح، يحسن التعبير، فأقضي له بحسب ما سمعت من بيانه، فمن حكمت له بغير حقه فإنما هو قطعة من النار إن شاء أخذها وإن شاء تركها؛ لأن القاضي قد يخدعه الفصيح، يؤثر عليه بإيراد حجج باطلة، لكن يزوقها ويحسنها ويجعلها معقولة ومقبولة، والآخر المظلوم ما يفصح، بل يتلكأ في كلامه، بل قد يقول ما لا يقبل، فيتهمه القاضي بأنه أيضاً كاذب، فيصدر القاضي حكمه، وهو هنا غير آثم، ولا إثم عليه؛ لأنه قضى بحسب ما سمع، والذي يأخذ ذلك الحق وهو يعلم أنه خدع الحاكم فإنما هو قطعة من نار إن شاء أخذها وإن شاء تركها.

وقفة مع أدب الحياء

معاشر المستمعين! بدأنا في الآداب، وذكرنا منها أدباً، ونحن مأمورون بأن نتأدب مع الله، بل مأمورون بأن نتأدب مع بعضنا، مع أقاربنا، مع أباعدنا، فكيف -إذاً- لا نتأدب مع ربنا؟ وقد قلنا: أول أدب: الشكر على النعم، كيف تأكل وتشرب وتكتسي في بيت ولا تحمد صاحب البيت ولا تشكره؟ أهذا أدب؟ يركبك دابته، يسقيك ماءه، يكسوك ثوبه، ولا تقول له: جزاك الله خيراً؟! أين الأدب؟!فنحن نتقلب في نعم الله، فإذا لم نشكره على كل صغيرة وكبيرة أسأنا الأدب، ما نحن بأدباء أبداً، ومن هنا قلنا: كلما أكلنا لقمة، كلما حصلت نعمة نفزع إلى قول: الحمد لله، والشكر لله، لنكون قد تأدبنا مع الله الذي ينعم علينا ويجدد النعم في كل لحظة.والأدب التالي: هو الحياء من الإيمان، الحياء كله خير، وفي هذا خبر الرجلين اللذين مر بهما النبي صلى الله عليه وسلم في أزقة المدينة، أحدهما يلوم أخاه ويعتب عليه، يقول له: اترك هذا الحياء، افعل كذا، أضعت نفسك، أضعت مالك بهذا الحياء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم، ( دعه؛ إنما الحياء من الإيمان )، هو ينصح أخاه بأن الحياء أضاع مالك، أضاع حقوقك.. كما يفعل الناس، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم توجيه هذا قال: ( دعه -اتركه- فإن الحياء من الإيمان ).والحياء: خلق، من عمل على اكتسابه اكتسبه، وأصبح لا يستطيع أن ينطق ببذاءة أو سوء، إذاً: الحياء عندما يميل أحدنا إلى المعصية يجب أن يستحي من الله.وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #234  
قديم 11-10-2020, 04:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (123)
الحلقة (130)



تفسير سورة البقرة (88)

سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الأهلة ما بالها تكون صغيرة، ثم تكبر حتى تتكامل، ثم تعود لتصغر حتى تكون كما بدأت، فجاءه الوحي صلى الله عليه وسلم بأن يبين لهم أن هذه الأهلة هي مواقيت، وعلة بدئها صغيرة، ثم تكبر حتى تتكامل، ثم تعود تصغر حتى المحاق، هي أن يعرف الناس بها مواقيتهم التي يؤقتونها لأعمالهم وعباداتهم، فتفرق الشهور ويعرف الصيام ويعرف الحج، وتعرف العقود وآجالها وغير ذلك من المصالح.

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين من يوم الأحد- ندرس كتاب الله عز وجل.وأعيد تلك البشرى التي زفت إليكم من طريق الحبيب صلى الله عليه وسلم، إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: (من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله).وأخرى ما ننساها: أن المؤمن إذا صلى الفريضة وجلس ينتظر أختها التي تأتي بعدها كانت الملائكة تصلي عليه: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يحدث، حتى يصلي الصلاة الثانية، ولو أردنا هذا الخير بالمال فلن يقادر قدره، ولن نجد مالاً يبلغه، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.وثالثة البشريات: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وقد سبق لنا دراسة قوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:188]، هذه الآية دلت دلالة قطعية على حرمة أكل أموال الناس بغير طيب نفوسهم، وسواء كانوا مؤمنين أو كافرين، نص قطعي الدلالة على تحريم أكل أموال الناس بغير طيب نفوسهم.ثانياً: دلت على تحريم الرشوة، وأنها من أقبح ما يكون، وأن المؤمن لا يقدم على مثلها.والرشوة: أن تعطي الحاكم أو القاضي مالاً ليقضي لك بحق أخيك فتأخذه، فتهلك وتهلك القاضي معك، إذ قال: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:188].

تفسير قوله تعالى: (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ...)

وها نحن الليلة مع هذه الآية المباركة من سورة البقرة، إذ انتهى الدرس إليها:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [البقرة:189].قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ [البقرة:189]، هذا الخطاب ممن؟ من الله عز وجل، وإلى من؟ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقال: سأله كذا، أي: طلب منه كذا، سأله مالاً، سأله قرطاساً، سأله دابة، أي: طلبه، وإذا كان المطلوب خبراً وعلماً يقال: سأله عن كذا ليعرف، فسأل للطلب يتعدى بنفسه، سألته كذا، أي: طلبت منه، وسألته عن كذا: طلبت بيانه وما أريد منه. يَسْأَلُونَكَ [البقرة:189]، عم؟ عَنِ الأَهِلَّةِ [البقرة:189]، ولم يسألون هذا السؤال؟ سألوا وقالوا للرسول صلى الله عليه وسلم: لم الأهلة تبدو صغيرة ثم تتكامل وتصبح قمراً، ثم تأخذ في الاضمحلال حتى تغيب، ما سر هذا؟ وعلى كل حال فصاحب الفراغ يسأل هذا السؤال، وإلا فما هناك حاجة إلى هذا، وقد سألوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره تعالى بقوله: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ [البقرة:189].

المراد بالأهلة

الأهلة: جمع هلال، وهو الأيام الأولى من الشهر، ثلاثة أيام، إذا رآه الناس رفعوا أصواتهم: الهلال.. أهل الهلال، ظهر، وبعد الثلاثة أيام يصبح قمراً إلى أن يضمحل، والعامة يقولون: مات الشهر، ويولد يوم كذا! وهذا مأخوذ عن اليهود وجهالهم، وإلا فالقمر ما يموت ثم يخلق في اليوم الثاني، وإنما يستتر ويظهر في اليوم الذي بعده. والشهر تسعة وعشرون يوماً أو ثلاثون، قرر هذه القاعدة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلن يستطيع ابن امرأة تحت السماء أن ينقضها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( الشهر هكذا وهكذا وهكذا ) وعقد أصابعه، يعني: تسعة وعشرين يوماً وثلاثين يوماً.

معنى قوله تعالى: (قل هي مواقيت للناس والحج)

يقول تعالى: قُلْ [البقرة:189]، أجبهم يا رسولنا عن سؤالهم هذا، قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة:189]، هذا الجواب، بمعنى أن الشهر حين يبتدئ بالهلال ثلاثة أيام ثم يتكامل ويصبح قمراً ثم يضمحل وينتهي ويستأنف رجوعه من جديد، العلة في هذا أو السر أو الحكمة أن ذلك مواقيت للناس وللحج.ومواقيت: جمع ميقات، والميقات أخص من الوقت، الوقت عام، والميقات محدد، مواقيت للناس؛ لأنهم يتعاملون بالسلم، بالاستقراض، بالديون، فلولا الشهر فكيف سيعرفون الآجال؟ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ [البقرة:189]، يعده مدة شهرين ويأتيه بما وعده، يعده لشهر رجب أو رمضان، لولا هذه الأهلة بهذه الطريقة فكيف سيعرف الناس الآجال؟ ستتعطل حياتهم، وفوق ذلك الحج، وهو يوم واحد في السنة، وهو تاسع ذي الحجة، فلولا الأهلة تبدو صغيرة وتتكامل وتكبر ثم ترجع وتعود، فكيف سنعرف الحج الذي قرره الله وافترضه على عباده. قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة:189] بصورة خاصة؛ لأنه تاسع شهر ذي الحجة، فكان الجواب مقنعاً مسكتاً، يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ [البقرة:189] يا رسولنا، قُلْ [البقرة:189] لهم: هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ [البقرة:189] عامة، أبيضهم وأصفرهم، والحج بصورة خاصة، فمواعيد الناس وعقودهم لا بد لها من ضوابط وليس إلا الشهور، لو جعلنا الشهر الشمسي فكيف سنعرف أن الشهر دخل أو لم يدخل؟ إلا من يحسب أو في جيبه مفكرة، لكن البشرية ليست كلها هكذا، يعرفون الشهر بالهلال، يعرفون العام بعدة الشهور، يعرفون نصف السنة كذلك.

معنى قوله تعالى: (وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى)

قال تعالى: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى [البقرة:189]، هذا يقرر أن العرب في الجاهلية -وخاصة أهل المدينة من الأوس والخزرج- كان أحدهم إذا أحرم بالحج أو العمرة وتجرد وخرج من بيته يريد مكة، فإذا عنَّ له أن يعود إلى بيته لأمر ما فماذا يصنع؟ لا يجيز لنفسه أن يدخل تحت نجف الباب يظلله، فيحتاج إلى أن يصعد على الجدار من فوق السقف ويهبط؛ حتى لا يدخل تحت نجف الباب. ولا تضحك؛ فالروافض إلى الآن ما زالوا إذا أحرم أحدهم لا يريد أن يظلله شيء، حتى سقف السيارة!إذاً: فأبطل الله هذه البدعة، إذ الله ما تعبدنا بها، والله لا يعبد إلا بما شرع، فكوننا نخترع، نبتكر، نوجد ما نسميه طاعة لله، ونطيع الله به وهو ما شرعه، فهذا لا يحل أبداً وهو بدعة وضلال. وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا [البقرة:189]، من فوق السقف وتهبطون؛ خشية أن تنزلوا تحت نجف الباب.

صور من إنكار الشارع التقرب بغير المشروع

وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى [البقرة:189]، البر بر عبد اتقى الله عز وجل، بفعل أوامره وترك نواهيه، هذا هو العبد البار، وهذا هو البر والخير، أما بدعة تبتدعها يا عبد الله وتتقرب بها فما تقبل.ونذكر حادثة أبي إسرائيل أحد الصحابة رضوان الله عليهم، ولعله كان من اليهود وأسلم، نذر أن يقوم ولا يقعد، وأن يقوم في الشمس ولا يستظل، وأن يسكت ولا يتكلم، وأن يصوم ولا يفطر، وهو في الحصباء، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرجل فرأى أنه واقف في الشمس ولم يقعد وطالت مدته وهو ساكت لا يتكلم، فسألهم عن حاله، فقالوا: هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم لله ولا يقعد، وأن يسكت ولا يتكلم، وأن يصوم ولا يفطر، وأن يقف في الشمس ولا يستظل بأي شيء يظله، فأمرهم أن يأتوا به، وقال لهم: ( مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه )، اسقط ثلاثاً وأبقى الرابعة؛ لأن الله ما تعبدنا بالوقوف في الشمس، ولا بالقيام دون القعود، ولا بدون استظلال، وإنما أمرنا بالصيام، فمن أراد أن يصوم تملقاً لله وتزلفاً فليفعل، أما أن يتملق الله ويطلب حبه ورضاه ببدعة يبتدعها فوالله! ما تنفع؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة )، ضلالة تضل صاحبها عن طريق الهدى ليشقى ويردى، فإياكم، احذروا! وهذا القضية واضحة.وفي خبر الثلاثة الذين دخلوا على عائشة رضي الله عنها وسألوا عن صيام الرسول صلى الله عليه وسلم وقيامه، فيه أنها أخبرتهم، فتعاهدوا فقال أحدهم: أنا أصوم ولا أفطر، والآخر قال: أنا لا أتزوج النساء، والثالث قال: أنا أصلي الليل كله ولا أنام، فإذا كان الرسول يصوم ويقوم فأين نحن منه؟ وهو مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر! وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقف يخطب الناس وقال: ( ما بال أقوام يقولون كذا وكذا؟ إني -وأنا رسول الله- أصوم وأفطر، وأنام وأقوم، وآتي النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني )، هذه سني ومن رغب عن سنتي فليس مني، فتابوا وتراجعوا، وعلى رأسهم ابن مظعون رضي الله تعالى عنه أخو النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة.والشاهد عندنا: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا [البقرة:189]؛ لأن هذه بدعة ابتدعها الناس، فالله أمر بتعرية الرأس وكشفه والتجرد من المخيط، بهذا تعبدنا الله على لسان رسوله، فكل من أراد مكة للعمرة والحج لا بد أن يتجرد من المخيط وأن يعري رأسه ويكشفه لله في الحر والبرد على حد سواء، أما أن نبتكر أو نخترع أو نحاول أن نتقرب إلى الله بما لم يشرع فهذا لا يقربنا من الله، بل يبعدنا.

انتفاء تحصيل الطهارة بغير العبادات المشروعة

وهذه الحقيقة تقررت عندنا مئات المرات، وهي: أن هذه العبادات ما سرها؟ هل لأن الله في حاجة إليها؟ لا والله، إذا: عوائدها تعود على من؟ على العباد، فهذه العبادات شأنها شأن الغذاء والماء والهواء للبدن، حياتك متوقفة على الغذاء والماء والهواء، بدونها تموت يا عبد الله، فصحتك متوقفة على هذه.إذاً: وطهارة روحك لتصبح كأرواح أهل السماء في الطهر والصفاء؛ ليتم التجانس وتنتقل إلى أهل السماء وتعيش معهم، فهذه الروح بم تطيب وتطهر؟ ما هي الأدوات؟ الجواب: هي هذه العبادات التي شرعها الله عز وجل، لا غيرها، فمن لم يعبد الله تعالى بها فوالله! ما زكت نفسه، ولا طابت، ولا طهرت، ولا ينفع فيها ماء ولا صابون، ولا حيلة أبداً.إذاً: هذه الأدوات التي تزكي النفس إن لم يكن الله قد شرعها فهل تفعل شيئاً؟ كلا. ولو اجتمع العلماء ليخترعوا بدعة عظيمة.وعلى سبيل المثال: هل هناك أفضل من الحجرة النبوية وما فيها بعد الكعبة؟ كلا. فلو قال قائل: هيا بنا نطوف بحجرة الحبيب صلى الله عليه وسلم ونحن نهلل ونكبر ونصلي على الرسول وآله وصبحه سبع مرات لنشفي صدورنا، لنطهر نفوسنا، وأخذوا يفعلون، فهل هذا الطواف يحدث زكاة لنفوسهم؟ والله! ما كان، ولن يحدث إلا ظلمة وعفناً ونتناً، وعلى هذا المبدأ لا يرضى مؤمن ببدعة مهما كانت؛ لأنها لا تنتج الطاقة المطلوبة وهو النور المعبر عنه بالحسنات.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #235  
قديم 11-10-2020, 04:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

رد التقرب بغير المشروع

وعندنا قاعدة حفظها المؤمنون والمؤمنات، كلمة فاصلة هي قول الرسول صلى الله عليه وسلم، والذي يسمعها ولا يحفظها وما يبالي بها ميت، ولأن يخرج من المسجد خير له. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، من عمل عملاً ما أمرنا به فهو مردود على صاحبه، لن يعود بأجر ولا مثوبة ولا حسنة أبداً؛ لأننا ما كلفناه، هو الذي اخترع وابتدع وفعل، وهكذا سائر البدع التي استحسنتها العقول الفارغة أو الضالة أو اللاهية البعيدة عن سر هذه الشريعة الإلهية فجعلت البدعة لوجه الله. فهؤلاء قالوا: أحرمنا، فكيف أدخل تحت الباب ويكون فوق رأسي السقف! وهذا تقرب إلى الله، فعلوه تقرباً، إي والله العظيم، ما هو لأجل الرياء ولا السمعة، يريدون رضا الله، لكن لما لم يشرع الله هذا عاتبهم وأبطل به عملهم.

كيفية تقوى الله عز وجل

وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى [البقرة:189]، أي: صاحب البر المتقي.ونعود فنقول: الله جل جلاله بم يتقى عذابه وسخطه، هل بجحافل الجيوش؟ هل بالأموال؟ بالرجال؟ بالعصبيات؟ بما يتقى غضب الله وعذابه؟يتقى فقط بطاعته وطاعة رسوله، لا تعصه فقط، قال: صم فصم، قال: أفطر فأفطر، قال: نم فنم، قال: استيقظ فاستيقظ، هذا الذي يتقى به الله عز وجل، فالبر كله في تقوى الله عز وجل، وصاحب البر هو التقي، أما الفاجر الخارج عن طاعة الله ورسوله فما هو بالمتقي أبداً ولا يستطيع أن يتقي عذاب الله، ولا غضبه ولا سخطه بأي وسيلة من الوسائل إلا بالإسلام له، بأن يسلم قلبه ووجهه لله. يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ [البقرة:189] يا رسولنا هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة:189]، يوقتون بها ديونهم وأعمالهم، وميقات للحج بصورة خاصة، إذ الحج عرفة: ( الحج عرفة )، ويوم عرفة هو تاسع ذي الحجة، فلولا هذه الأهلة فكيف سنعرف الحج؟ كيف نعرف الشهر، ونعرف التاسع منه؟ ما نستطيع، مع أن الحج مفروض قبل الإسلام، من يوم أن بنى إبراهيم البيت أمر أن يؤذن في الناس أبيضهم وأصفرهم بالحج.وقوله: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ [البقرة:189] بر مَنِ اتَّقَى [البقرة:189]، الذي يتقي الله، يخافه، فلا يفجر، ولا يفسق، ولا يخرج عن طاعته، ذاك الذي حصل له النجاة، ذاك الذي اتقى عذاب الله.

معنى قوله تعالى: (وأتوا البيوت من أبوابها)

ثم قال تعالى: وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا [البقرة:189]، هذا كالمثل، من طلب شيئاً ينبغي أن يطلبه من الطريق الذي يحصل منه عادة، وَأْتُوا الْبُيُوتَ [البقرة:189]، من أين؟ مِنْ أَبْوَابِهَا [البقرة:189]، كل من أراد أن يطلب شيئاً جرت سنة الله الحصول عليه يطلبه من ذاك الطريق لا من طريق آخر.رجل أراد أن يصبح غنياً ثرياً، فكيف يطلب الآن الغنى والثروة؟ يجب أن يكدح، وأن يعمل الليل والنهار، وأن يربط على نفسه، من أجل أن يحصل، إذ من هنا تأتي الثروة أو لا؟ وإن قال: أنا آتي بالثروة وأحصل عليها من طريق الإجرام والتلصص والسرقة والاحتيال فهل هذا هو الطريق؟ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا [البقرة:189]، لا تأتوها من ظهورها.أراد أن يشبع، فهل يدخل الطعام من أذنيه أو منخريه؟ لا بد أن يدخله من فمه، وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا [البقرة:189].

معنى قوله تعالى: (واتقوا الله لعلكم تفلحون)

إذاً: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [البقرة:189]، نقول: هذه (لعل) الإعدادية: لتعدكم التقوى للفلاح، ولو قلنا: (لعل) للترجي فسيبقى العاملون المتقون خائفين دائماً وأبداً، فالتقوى تعدهم للفلاح، هذه سنة الله، فمن أكل شبع، من شرب ارتوى، من اتقى الله عز وجل أفلح. والفلاح يكون دنيوياً وأخروياً، فمن اتقى الله ففعل الأوامر واجتنب النواهي فوالله! ليسعدن في دنياه، فلا وسواس، ولا هواجس، ولا آلام ولا خوف ولا اضطراب أبداً ما دام على منهج الله سائراً، والفلاح الأخري هو المقصود بالذات، فما هو الفلاح في الآخرة؟ أن يبعد عن النار ويدخل الجنة، لآية آل عمران: زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185]، آمنا بالله، اجتاز المفازة المهلكة ودخل دار النعيم. وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [البقرة:189]، واتقوا الله -يا عباد الله، أيها المؤمنون- رجاء أن تفلحوا، فمن اتقى الله أفلح؛ لأن المتقي لله ذاك الذي أسلم لله قلبه ووجهه، قلبه لا يتقلب إلا في طلب رضا الله، وجهه لا يلتفت أبداً إلى غير الله، دائماً مع الله، فهذا العبد أفلح.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

شرح الكلمات

نقرأ هذه الآية من الكتاب؛ لنقف على بعض ما فيها من بيان وهدى.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ شرح الكلمات: الأهلة: جمع هلال، وهو القمر في بداية ظهوره في الثلاثة الأيام الأولى ]، يقال فيه: هلال؛ [ لأن الناس إذا رأوه رفعوا أصواتهم: الهلال .. الهلال.المواقيت: جمع ميقات، الوقت المحدد المعلوم للناس ]، الوقت المحدد المعلوم للناس، فإن كان مطلقاً غير محدد ولا معلوم فهو الوقت، والدنيا كلها وقت واحد من بدايتها إلى نهايتها، لكن الميقات وقت محدد بالشهر أو بالشهور أو بالأعوام.[ إتيان البيوت من ظهورها: أن يتسور الجدار ويدخل البيت تحاشياً أن يدخل من الباب ]، هذه بدعة باطلة لا يثابون عليها.[ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى [البقرة:189]: البر الموصل إلى رضوان الله تعالى بر عبد اتقى الله تعالى بفعل أوامره واجتناب نواهيه ]، فليس البر دخول البيوت من ظهورها، هذه بدعة لا تصح ولا تقبل.[ الفلاح: الفوز، وهو النجاة من النار ودخول الجنة ]، كما قال تعالى: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ [الشعراء:90-91]، الجنة تبرز للمتقين كما يبرز القمر، فالجنة أزلفت وأدنيت وقربت للمتقين، وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ [الشعراء:91].أتذكرون كيفية بروز النار؟ أما تذكرون قول الله تعالى من سورة الفجر: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ [الفجر:23]، جيء بها من أين؟ تجر بسبعين ألف زمام، كل زمام ممسك به سبعون ألف ملك، تجر حتى تبرز ويشاهدها أهل الموقف.إذاً: إياك أن تفهم أن الزمام هذا حبل غليظ صنعته اليابان، نحن علمنا أن أهل النار، أهل الكفر والفجور والظلم والشر كل واحد منهم تدخل فيه سلسلة من فيه وتخرج من دبره طولها سبعون ذراعاً، ما هو بذراع السلطان اليوم، فإذا كان عرض هذا الكافر مائة وخمسة وثلاثين كيلو متر، وضرسه كجبل أحد؛ إذاً: فهذه السلسلة بأي ذراع؟ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ [الحاقة:32]، لم؟ إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ [الحاقة:33-34].إذاً: برزت الجحيم للغاوين، أزلفت الجنة للمتقين، هذا الموقف والبشرية هائجة مائجة، تنتظر حكم الله فيها، فمن نجاه الله من النار وأدخله الجنة دار الأبرار قيل عنه: فاز فلان ابن فلان، هذا هو الفوز العظيم: النجاة من النار أولاً، ودخول الجنة ثانياً.أما من دخلوا النار ولو خرجوا منها بعد أحقاب من السنين فما فازوا، فإنهم يخرجون منها وقد امتحشوا، أصبحوا كالفحم، ويغسلون في نهر عند باب الجنة يقال له: نهر الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة في السيل.وقد يقال: يا شيخ! عرفنا الفلاح أنه النجاة من النار ودخول الجنة، فنريد أن نعرف بم يكون هذا الفلاح؟ ما هي الأدوات؟ ما هي الآلات؟ كيف نحصل عليه؟ الجواب: طاعة الله ورسوله والتقوى هي السبب المورث، يا من يريدون الجنة! إن للجنة سبباً فحققوه وإلا فلا حظ لكم في هذا الأمل أو الطمع، السبب هو التقوى؛ لأنها تزكي نفسك وتطهرها حتى تصبح كأنفس وأرواح أهل السماء في الملكوت الأعلى. وأصحاب الأرواح الخبيثة، العفنة، المنتنة من أوضار الذنوب والآثام؛ أرواحهم كأرواح الشياطين، والله! ما تدخل الجنة وهي كذلك، بل تنزل إلى عالم الخبث والدرن.وهل من شاهد في القرآن على هذه القضية؟ يا أهل القرآن! الأرواح الطاهرة تفتح لها أبواب السماء إلى أن تصل إلى دار السلام، والأرواح الخبيثة المنتنة تخبث بالمعاصي، فالكذبة يكذبها العبد تحول نفسه إلى هذا العفن أو النتن، فإذا لم يبادر إلى غسلها وتنظيفها خسرت. إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا [الأعراف:40]، والذي كذب بآيات القرآن هل صام وصلى؟ هل تجنب الربا والزنا؟ ما آمن، كذب بالآيات. وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا [الأعراف:40]، والمستكبر عنها وإن آمن هل يعمل بها؟ الآن المسلمون استكبروا عن شرع الله وما طبقوه، فهل انتفعوا بالشريعة؟ هل طهرت البلاد؟ هل حصل أمن وإخاء ومودة؟ الجواب: لا؛ لأنهم ما طبقوا.وضربنا مثلاً لنفرق بين المستكبر والمكذب، فقلنا: مريضان في مستشفى، هذا على سرير وهذا على سرير، ففحصوا فقالوا لهما: عليكما أن تستعملا هذه الأدوية بهذا النظام بالساعة كالصلوات الخمس، فالأول قال: أنا لا أومن بهذه الخرافة، أي دواء هذا؟ ما آمن بالدواء ورفضه، فهلك ومات.والثاني: وصفوا له الأدوية وأوقاتها فقال: جزاكم الله خيراً، لكن نفسي ما تقبله، ما عندي قابلية لهذه الأدوية، أنا أعرف أنها نافعة لكن ما هناك انشراح للصدر عندي، فما استعملها فهلك كالأول، فأي فرق بينهما؟ فاليهود والنصارى ما آمنوا بالشريعة الإسلامية، فهلكوا، والمسلمون من يوم أن أعرضوا عنها وتركوها مثلهم، أولئك كفروا وهؤلاء في صورة المستكبرين، يقولون: كيف نطبق قانون الرجعية؟! والواقع يشهد أنه ما في العالم إلا هذا البلد، فكل دولة استقلت تطبق قوانين وشرائع من استعمرها، كأنهم مسحورون، فما تحقق أمن ولا طهر ولا صفاء؛ لأنها سنة الله، فالطعام يشبع، الماء يروي، النار تحرق، الحديد يقطع، سنن لا تتبدل، من لم يطبق شرع الله الذي أنزله لتحقيق الطهر والأمن والصفاء والكمال فوالله! لن يحصل له شيء. إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا [الأعراف:40]، ما لهم؟ لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف:40]، هل الجمل الأورق يدخل في عين الإبرة؟ والإبرة: حديدة رقيقة فيها ثقب تدخل فيها المرأة الخيط وتستخرجه وتخيط الثياب المقطعة، فهل يمكن أن ندخل بعيراً في عين إبرة؟ مستحيل، كذلك مستحيل أن يدخل من كذب بآيات الله واستكبر عنها فخبث بشركه وكفره وفسقه، مستحيل أن يدخل دار السلام، فمن يفتح له أبواب السماء حتى يلج ويدخل؟وقال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، لقد قضى الله، لقد حكم الجبار، ولا مراجع لقضائه ولا معقب لحكمه، فقد قال: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، هنا تقرير المصير، لا في الأمم المتحدة، يا ابن آدم! يتقرر مصيرك في الدار الآخرة، فإن أنت آمنت واستقمت وجاهدت نفسك والهوى وفعلت ما أمر به وتركت ما نهي عنه فأنت قررت مصيرك إلى الجنة، وإن أعرضت واستكبرت وتجاهلت وجريت وراء الشهوة والهوى والدنيا ولعبت معرضاً عن الله وذكره فأنت قررت مصيرك في العالم الثاني الأسفل.

معنى الآية

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ معنى الآية الكريمة ]، وهي قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [البقرة:189]قال: [ روي أن بعض الصحابة رضوان الله عليهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلين: ما بال الهلال يبدو دقيقاً، ثم يزيد ثم يعظم ويصبح بدراً ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما كان أول بدئه؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة:189] ].قال: [ وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم: هي مواقيت للناس، وعلة بدئها صغيرة، ثم تتكامل، ثم تنقص حتى المحاق: هي أن يعرف الناس بها مواقيتهم التي يؤقتونها لأعمالهم، فبوجود القمر على هذه الأحوال تعرف عدة النساء ]، فالمرأة المعتدة بالموفاة عدتها أربعة أشهر وعشرة أيام، فلولا الهلال فكيف سنعرف الأشهر؟ قال: [ وتعرف الشهور، فنعرف رمضان ونعرف شهر الحج ووقته، كما نعرف آجال العقود في البيع والإيجار، وسداد الديون وما إلى ذلك ]، فلا بد من هذا القمر بهذه الطريقة.[ وكان الأنصار في الجاهلية إذا أحرم أحدهم بحج أو عمرة وخرج من بيته وأراد أن يدخل لغرض خاص لا يدخل من الباب حتى لا يظله نجف الباب، فيتسور الجدار ويدخل من ظهر البيت لا من بابه، وكانوا يرون هذا طاعة وبراً، فأبطل الله تعالى هذا التعبد الجاهلي بقوله عز وجل: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ [البقرة:189] بر أهل التقوى والصلاح، وأمرهم أن يأتوا البيوت من أبوابها فقال تعالى: وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا [البقرة:189]، وأمرهم بتقواه عز وجل ليفلحوا في الدنيا والآخرة فقال: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [البقرة:189] ].

هداية الآية

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[هداية الآية الكريمة:من هداية الآية: أولاً: أن يسأل المرء عما ينفعه ويترك السؤال عما لا ينفعه ]، وفي الحديث الصحيح: ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه )، فحين تقوم الآن وتسأل سؤالاً ما يتحقق به أي خير لك ولا للسامعين، فهل يجوز هذا السؤال؟ هو إضاعة للوقت، ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه )، كل ما لا علاقة له بطهره وصفائه أو بكماله لا يلتفت إليه.[ ثانياً: فائدة الشهور القمرية عظيمة؛ إذ بها تعرف كثير من العبادات.ثالثاً: حرمة الابتداع في الدين، ولو كان برغبة في طاعة الله تعالى وحصول الأجر ]؛ لأن المبتدع في الغالب يريد رضا الله والحصول على الأجر، لا يبتدع فقط للفتنة، قد يوجد في الضلال من يبتدعون لفتنة الناس، لكن أغلب الناس يبتدعون رغبة فيما عند الله وحباً فيه.[ رابعاً: الأمر بالتقوى المفضية بالعبد إلى فلاح العبد ونجاته في الدارين ]. معاشر المستمعين والمستمعات! هيا نتأدب مع الله، وقد عرفنا أول أدب: أننا نشكره على آلائه وإنعامه، وإلا فقد أسأنا الأدب مع الله، فهو يطعمنا ويسقينا، يركبنا ويكسونا ويداوينا، خلق الكون كله لنا حتى الجنة والنار، ثم لا نقول: الحمد لله والشكر لله، أي أدب هذا؟ ويا ويل من يسب الله ويشتمه، ويكذبه ويكفر به وهو يأكل ويشرب من رزقه!ثانياً: الحياء عند الميل إلى المعصية، عندما تميل يا عبد الله إلى الكلمة السيئة أو الفعل المحرم فاستح من الله؛ لأنه يراك، ويعلم حالك، وما تقدم على فعله، فأنت بين يديه، فكيف لا تستحي؟ هل يستطيع واحد الآن وهو عاقل أن يكشف عن سوأته ويبول؟ هل يكشف عن فرجه فقط؟إذاً: فيا عبد الله! عندما تميل نفسك إلى معصية اذكر أن الله يراك، فاستح منه، واقطع عملك وقف؛ لأنك بين يديه، كيف يراك وأنت تسرق؟! كيف وأنت بين يديه ترتكب إثماً وهو يراك؟ فمن رزق الحياء من الله فما يستطيع أبداً أن يعصي الله، فقط نحتاج إلى الذكر ونبعد الغفلة، عندما يهم أحدنا بمعصية الله فليذكر الله أنه معه ويراه، فيقف، ولا يقدم عليها.إذاً: الحياء عند الميل إلى معصية الله، عندما تميل النفس وتريد أن تفعل اذكر أن الله تعالى يراك وأنك بين يديه فتستحي منه كما تستحي من الناس، وكنا نعرف كثيراً من الشبيبة يدخنون، لكن ما يستطيع أن يدخن أمام والده، أبداً، بل رأيناهم إذا مروا برجل صالح من أهل العلم أو الصلاح أو كبار السن يطفئون السيجارة حياء، فمثل هذا لو علم أن الله يكره التدخين لأنه يؤذي ملائكته لما دخن، ولكن الجهل هو المصيبة.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #236  
قديم 14-10-2020, 06:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (124)
الحلقة (131)



تفسير سورة البقرة (89)

هذه الآيات من أوائل ما نزل من القرآن في شأن قتال الكافرين، وهي متضمنة الإذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بقتال من يقاتلهم، والكف عمن يكف عنهم، مبيناً سبحانه أن فتنة قتال أهل الشرك والكفر أهون عند الله من فتنة الكافرين للمؤمنين، وحملهم على الكفر باضطهادهم وتعذيبهم وصدهم عن دين الله، وأن إخراج الكافرين وقتالهم إنما هو جزاء كفرهم واعتدائهم وظلمهم.

تفسير قوله تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- ندرس كتاب الله عز وجل أملاً في أن يحقق الله تعالى لنا ذلك الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ). اللهم حقق لنا ذلك يا ربنا.وها نحن مع هذه الآيات الأربع من سورة البقرة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ [البقرة:190-193].

مراحل تشريع الجهاد

بين يدي تفسير هذه الآية أعلمكم: أن الله لم يأذن لرسوله والمؤمنين بقتال الكافرين والمشركين فترة من الزمن، كما هو شأنه صلى الله عليه وسلم في مكة قبل الهجرة، وبعد الهجرة أذن الله تعالى لهم في القتال، وأول آية في هذه الشأن قوله تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ [الحج:39]، ثم خص هذا العام بهذه الآية الكريمة: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:190]، من؟ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ [البقرة:190]، فمن قاتلكم قاتلوه، من كف عن قتالكم كفوا عن قتاله، وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [البقرة:190].إذاً: أذن لهم في قتال من يقاتلونهم، ولم يأذن لهم في قتال من لم يقاتلهم، ثم بعدما انتصر الإسلام وانتشرت الدعوة نزلت آيات من سورة التوبة، فأعطى الله المشركين في الجزيرة فرصة للتفكر والتأمل: إما أن يدخلوا في الإسلام، أو أن يخرجوا من هذه الديار، وإلا فسوف يقاتلون، قال تعالى: فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التوبة:5]، أعطاهم أربعة أشهر، حيث قال تعالى: بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ * وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [التوبة:1-3]، إذا بعث الرسول صلى الله عليه وسلم علياً في السنة التاسعة يعلن هذا الإعلان: لا يطوفن بالبيت عريان، ولا يحجن مشرك بعد هذا العام.إذاً: فهم ممهلون أربعة أشهر، هؤلاء أصحاب العهود، فمن كانت مدته أقل من أربعة أشهر فمدته تلك، ومن كانت أكثر من أربعة أشهر فأربعة فقط: فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ [التوبة:5]، والمراد من هذا: تطهير هذه الديار، ديار التوحيد، ديار الجزيرة. ثم نزلت آية أخرى في آخر سورة التوبة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة:123]، إعلان في قتال المشركين والكافرين، ومعنى (يَلُونَكُمْ) أي: يحاددونكم.إذاً: فدائرة القتال تكون ضيقة أولاً، ثم نقاتل من حولنا فتتسع وتتسع حتى تنتظم الكرة الأرضية، فالجهاد واجب كفائي، ولا ينتهي حتى لا يبقى في الأرض من يعبد غير الله.

خطوات ومراحل قتال الكفار

وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ [الأنفال:39]، أي: شرك، وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [الأنفال:39]، ولفظ (قاتِل) غير (اقتل)؛ فلهذا بين الرسول صلى الله عليه وسلم كيف نقاتل المشركين الذين يلوننا، مهما اتسعت ديارنا، وهو أن نعسكر بجيوشنا على مقربة من بلادهم، ثم نبعث رسولنا أو سفيرنا إليهم، فهم مخيرون بين اثنين، فإن رفضوهما تعين القتال:الأول: أن يدخلوا في رحمة الله، في الإسلام، نقول لهم: جئناكم بدين ربكم، من أجل إكمالكم وإسعادكم، والقضاء على الشر والفساد والخبث بينكم، فإن قبلوا دعوة الله وادخلوا في رحمته فكلنا إخوان في الله عز وجل، وإن رفضوا، وأصروا على معتقداتهم ودينهم قلنا: إذاً: اسمحوا لنا أن ندخل دياركم، ونتولى أمر قيادتكم وأنتم آمنون في بلادكم على دينكم؛ لأن دخولنا ومشاهدة إخوانكم لنا يحملهم على أن يدخلوا في الإسلام، كانوا خائفين من الإسلام والمسلمين، إذا دخل المسلمون ديارهم، وشاهدوا أنوار الصدق والطهر والعدل والرحمة والكمال انجذبوا ودخلوا في رحمة الله، ونحن نتولى حمايتكم والدفاع عنكم، مقابل إعلان أنكم قابلون لحمايتنا، ويدفعون الجزية، يدفعها الذكور منهم دون الإناث، والقادرون دون العجزة، كذا درهماً في السنة يسمى بالجزية، فإن قبلوا هذه دخل المسلمون وتولوا القضاء، ونشر الدعوة والتعليم والإصلاح؛ وفي سنة أو أقل إذا البلاد كلها أنوار. فإن رفضوا فلم يبق إذاً إلا القتال، فإن رفضوا الأولى والثانية تعين قتالهم، لا قتلهم، فندخل في حرب مع جيوشهم، وسوف ينكسرون، وتدخل خيل الله لتنشر الهدى والطهر والصفاء، وهذا الذي تم في البلاد الإسلامية، طهرت الجزيرة، يليها الشام، يليها اليمن، يليها العراق، وأخذ الإسلام ينتشر.هذه لا بد من معرفتها:أولاً: ما أذن للمؤمنين بالقتال؛ لضعفهم وعدم قدرتهم، كانوا يؤمرون بكف أيديهم، ولم يسمح لهم بقتال، فما اغتال مؤمن كافراً في مكة ثلاث عشرة سنة أبداً، ولم يسمح لهم بالقتال ولا في المدينة، حتى نزلت آية: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ [الحج:39] لأنهم يقاتلونهم بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ [الحج:39]. ثم تتابعت الآيات، فأذن لهم بقتال من يقاتلهم والكف عمن يكف عنهم، وبعد فترة من الزمن انتشر الإسلام وانتصرت دولته، فأمروا أولاً بتطهير الجزيرة، حتى لا يبقى فيها دينان أبداً، لا يجتمع دينان في الجزيرة، وبعد طهر الجزيرة نزل قوله تعالى: قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّارِ [التوبة:123]كلما اتسعت الحدود قاتلنا من يلينا حتى لا يبقى على الأرض من لا يعبد الله، هذا هو المفروض الواجب، فإن عجز المسلمون فعجزهم مؤقت، ويوم يزول ويقوون ويقدرون يقاتلون ويدخلون الناس في رحمة الله.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #237  
قديم 14-10-2020, 06:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

المقصد الشرعي من الجهاد

فالآن قوله تعالى: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:190] هذا قيد، وسبيل الله هي أن يعبد وحده وتعلو كلمته، هذا سبيل الله، وقاتلوا في سبيل الله لا في سبيل قبلية ولا مال ولا سمعة ولا انتصارات، وإنما الدافع الأول والأخير هو أن نقاتل من أجل أن يعبد الله وحده، لا هدف سوى هذا، وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ [البقرة:190] والذين لا يقاتلونكم لا تقاتلوهم، وَلا تَعْتَدُوا [البقرة:190] بقتالهم؛ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [البقرة:190].


تفسير قوله تعالى: (واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم ...)


قال تعالى: وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ [البقرة:191] الذين قاتلوكم وحاربوكم اقتلوهم حيث تمكنتم منهم، وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ [البقرة:191] من دياركم، أما أخرجوهم من مكة؟ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ [البقرة:191] يعني: ذنب الشرك ومصيبته أعظم من القتل، وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:191] والمراد به مكة والحرم، لا المسجد فقط، وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:191]، أي: في حرم مكة حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ [البقرة:191]، ولهذا لما دخل الرسول صلى الله عليه وسلم ورجاله فاتحين سنة ثمان أعلن أن مكة حرمها الله منذ أن خلق السماوات والأرض، فهي حرام إلى يوم القيامة، ولم تحل إلا ساعة أحلها الله له ثم عادت حرمتها إلى الأبد. وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ [البقرة:191] إذاً فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ [البقرة:191]، أي: قتالكم لهم وإخراجكم لهم كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ [البقرة:191]، هم قاتلوكم وأخرجوكم.

تفسير قوله تعالى: (فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم)

قال تعالى: فَإِنِ انتَهَوْا [البقرة:192] فدخلوا في الإسلام وعبدوا الله وحده فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ [البقرة:192] لهم رَحِيمٌ [البقرة:192] بهم، لا يحاسبهم ولا يجزيهم على شرهم وكفرهم وقتالهم لكم قبل إسلامهم، وعد الله الصادق، فَإِنِ انتَهَوْا [البقرة:192] عن الشرك والظلم وقتال المؤمنين فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:192] سيغفر لهم ذنوبهم ويرحمهم.

تفسير قوله تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله ...)

وقوله: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ [البقرة:193] هذا في الجزيرة، فَإِنِ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ [البقرة:193] إذا كفوا عن قتالكم فكفوا عنهم؛ فإنه لا عدوان إلا على من ظلم.وأطلق العدوان هنا من باب المشاكلة فقط، وإلا فقتالنا لمن قاتلنا لا يسمى عدواناً ولا ظلماً، مثل قوله تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [الشورى:40]، ما هي بسيئة لكن من باب المشاكلة في اللفظ.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

شرح الكلمات

إليكم شرح هذه الآيات: قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ شرح الكلمات: سبيل الله: الطريق الموصل إلى رضوانه وهو الإسلام، والمراد إعلاء كلمة الله ].هذا سبيل الله: الإسلام؛ لأنه يصل بالسالك إلى الجنة، والإسلام معناه: أن من أسلم قلبه لله عبد الله وحده، إذاً: فسبيل الله هو الطريق الموصل إلى رضوانه تعالى وهو الإسلام، فلن يظفر إنسان برضا الله ما لم يسلم له قلبه ووجهه. الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ [البقرة:190]: المشركون الذين يبدءونكم بالقتال. وَلا تَعْتَدُوا [البقرة:190]: لا تجاوزوا الحد فتقتلوا النساء والأطفال أو من اعتزل القتال من الرجال ].نقاتل ولكن في عدل لا في ظلم واعتداء، فلهذا لا يحل قتل النساء ولا الأطفال ولا من اعتزل القتال ولم يرض به، فالنساء إن قاتلن ودخلن المعارك يقتلن، كذلك أهل الصوامع والرهبان والعُبّاد من اليهود والنصارى إن بقوا في صوامعهم وعبادتهم فلا يحل قتالهم، فإن دخلوا المعارك وحملوا السلاح فإنهم يقتلون، والأطفال أمرهم واضح أنهم لا يقتلون.[ ثَقِفْتُمُوهُمْ [البقرة:191]: تمكنتم من قتالهم. وَالْفِتْنَةُ [البقرة:191]: الشرك. الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:191]: المراد به مكة والحرم من حولها. وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ [البقرة:193]: بأن لم يبق من يعبد غير الله تعالى. فَلا عُدْوَانَ [البقرة:193]: أي: لا اعتداء بالقتل والمحاربة إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ [البقرة:193]، أما من أسلم فلا يقاتل ] ولا يقتل.

معنى الآيات

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ معنى الآيات: هذه الآيات الثلاث: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:190] ] إلى قوله: جَزَاءُ الْكَافِرِينَ [البقرة:191] هذه الآيات الثلاث [ من أوائل ما نزل من الآيات في شأن قتال المشركين، وهي متضمنة الإذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بقتال من يقاتلهم، والكف عمن يكف عنهم.وقال تعالى: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:190] أي: في سبيل إعلاء كلمة الله ليعبد وحده الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ [البقرة:190]، واقتلوهم حيث تمكنتم منه، وأخرجوهم من ديارهم كما أخرجوكم أيها المهاجرون من دياركم ] لأن المهاجرين في المدينة هم الذين يعودون إلى قتال أهل مكة.[ ولا تتحرجوا من القتل، فإن فتنتهم للمؤمنين لحملهم على الكفر بالاضطهاد والتعذيب أشد من القتل نفسه. وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ [البقرة:191] فلا تكونوا البادئين؛ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ [البقرة:191]، كذلك القتل والإخراج الواقع منكم لهم يكون جزاء كل كافر يعتدي ويظلم، فإن انتهوا عن الشرك والكفر وأسلموا فإن الله يغفر لهم ويرحمهم؛ لأن الله تعالى غفور رحيم.أما الآية الرابعة ] في هذه الآيات [ وهي قوله تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ [البقرة:193] فهي مقررة لحكم سابقاتها؛ إذ فيها الأمر بقتال المشركين الذين قاتلوهم قتالاً يستمر حتى لا يبقى في مكة من يضطهد في دينه ويفتن فيه، ويكون الدين كله لله فلا يُعبد غير الله عز وجل في مكة.وقوله: فَإِنِ انتَهَوْا [البقرة:193] من الشرك بأن اسلموا ووحدوا فكفوا عنهم ولا تقاتلوهم؛ إذ لا عدوان إلا على الظالمين، وهم بعد إسلامهم ما أصبحوا ظالمين.

هداية الآيات

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآيات: من هداية الآيات:أولاً: وجوب قتال من يقاتل المسلمين، والكف عمن يكف عن قتالهم، وهذا قبل نسخ هذه الآية ].أما الآية الختامية من آخر سورة التوبة وآخر ما نزل فهي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ [التوبة:123]، كيف يلوننا؟ مثلاً: لنفرض أن البلاد التي حول الجزيرة ما زالوا كافرين، فهل نزحف لنقاتل تركيا قبل الشام؟ هل نقاتل إيران قبل بغداد؟ الجواب: لا، هل نقاتل شمال إفريقيا قبل المصريين؟ الجواب: لا.نقاتل الذين يلوننا، فإذا أسلموا دخلوا في رحمة الله ويصبح جيرانهم من الجهة الثانية هم جيراننا، ونأخذ في القتال حتى تتسع دائرة الإسلام وتنتظم الأرض كلها، كبركة ماء أو مستنقع واسع، فخذ حجراً وارمه في وسطه، فستنفتح دائرة ثم لا تزال تتسع حتى تصل إلى كل حافاته. فما نتجاوز بلداً مجاوراً ونذهب نقاتل من وراءه، لا يصح هذا، فالذي يلينا أولى بالرحمة والإحسان ممن كان بعيداً، والناس يعرفون أن الصدقة أولى بها الأقربون؛ لأن هذه الدعوة ما هي دعوة استعمار واستغلال، هذه دعوة نشر الهدى والرحمة بين البشر، والله رب الجميع هو الذي أذن في هذا وأمر به.وهكذا فعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما وصلوا إلى الأندلس إلا بعدما فتحوا شمال إفريقيا، ما وصلوا إلى جبال الألب في فرنسا حتى فتحوا أسبانيا.. وهكذا، قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ [التوبة:123].

التشابه في التدرج بين تشريع الجهاد وتحريم الخمر

وشأن الجهاد كشأن تحريم الخمر، فالخمر ما حرمت في يوم واحد، أو في آية واحدة، بل في فترات، وأول ما نزل فيها: أننا إذا شربناها لا نصلي: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى [النساء:43]، فمن كان سكران لا يحل له أن يدخل في الصلاة، حتى يزول سكره ويتوضأ ويصلي. وهنا حدثت التساؤلات: لماذا -إذاً- نشرب الخمر؟ فنزلت: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ [البقرة:219]، فأجاب الله تعالى: قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219]، واستمرت الحالة على هذا فترة من الزمن، فكان عمر يرفع صوته: يا رب! بين لنا في الخمر بياناً شافياً، يا ألله! بين لنا في الخمر بياناً شافياً. فنزلت آخر آية بشأن الخمر في سورة المائدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ [المائدة:90] إلى قوله: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91] فقال عمر : انتهينا يا ربنا. فأهريقت في أزقة المدينة حتى جرت في الأرض. فكذلك القتال، كانوا يتمنون ويطلبون الإذن من الرسول فقال لهم: اصبروا، أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، فلما قويت شوكتهم وأصبحوا أهلاً نزلت: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ [الحج:39] نزلت هذه الآية أن: قاتلوا من يقاتلكم، ثم في الآية قبل الختامية أعطوا المشركين عهداً لأربعة أشهر: إما أن تسلموا أو تخرجوا من الجزيرة؛ لأن وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم قربت، ولم يصلح أن يموت الرسول وفي الجزيرة من يعبد غير الله، لتكون قبة الإسلام وبيضته، وبعدها نزلت آية: قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ [التوبة:123] فتحمل مسئوليتها أبو بكر الصديق، فبعث بجيش أسامة إلى الأردن والشام، وعمر بعث بجيشه إلى العراق وفارس.. وهكذا، وعثمان بعث بجيشه إلى شمال إفريقيا، وأخذ الإسلام ينتشر وأصبحت حدودنا تلي نهر السند، ثم توقفنا بكيد أعدائنا ومكرهم، لكن في يوم ما لو عاد لنا سلطاننا وقدرتنا وقتالنا فسنطبق أمر الله عز وجل، نبدأ من جديد بأسبانيا لأنها في حدود المغرب، نبدأ بروسيا لأنها في حدود يوغسلافيا.. وهكذا.

معية الله تعالى بالنصر للمتقين الآخذين بالأسباب

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً [التوبة:123] بالسلاح والعتاد والقوة، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة:123] ومعنى هذا: اتقوا الله في كل أوامره ونواهيه، فالتفريط في السلاح والعتاد أيضاً معصية، صاحبه ما ينتصر، الخلاف والفرقة هي آيات الهزيمة، الإعلان عن معاصي الله والمجاهرة بها أهلها لا ينتصرون؛ فالله تعالى ما قال: يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله معكم، ما قال هذا، فلو قال هذا فحينئذ سيكونون مخدوعين، سيقولون: الله معنا! إذاً: غنوا واشربوا الخمر وغداً قاتلوا، فالله معكم! ولكن قال تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة:123] الذين يتقون غضب الله بترك معاصيه ومعاصي رسوله، أما أن نقاتل ونحن مرتكبو الجرائم والموبقات فلن ينصرنا، ومن أيسر ما يكون هنا أننا إذا اختلفنا انهزمنا، فالخلاف حرام بيننا، وإذا ما أعددنا العدة والسلاح فلن ننتصر، والله يقول: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60]، ونحن نقول: لا، ما هناك حاجة، فالله معنا!فلو كانت الآية: يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله معكم؛ لغنى المؤمنون، ولما أصبح أحدهم يبالي بالمعصية، فالنصر حتم لأن الله معنا، لكنه قال تعالى: (مع المتقين)، إن اتقيتم أوامرنا فنحن معكم، وإن عصيتم تركناكم لأنفسكم.

وجوب قتال الكفار بمراحله وخطواته

فالهداية الأولى: [ وجوب قتال من يقاتل المسلمين، والكف عمن يكف عن قتالهم، وهذا قبل نسخ هذه الآية]، أما قلنا: إن الخطة هي: أن الذين يلوننا في الشمال في الجنوب في الشرق في الغرب نعسكر حقيقة أمامهم، ثم نراسلهم، وهم مخيرون بين الدخول في الإسلام ليكملوا ويطهروا ويسعدوا، ولا شيء ولا درهم يؤخذ منهم، بل نحمل إليهم المال إن كانوا فقراء، فإن رفضوا فليأذنوا لنا أن ندخل ديارهم لتعليم الناس وهدايتهم، وأن نطبق بينهم شرع الله لإصلاحهم وإكمالهم، ويعطونا ما يسمى بالجزية، يعني: نقد لا قيمة له، وإنما هو إعلان عن أنهم دخلوا في ولاية المسلمين وحمايتهم، فإن رفضوا فلم يبق حينئذ إلا أن نقاتلهم حتى يخضعوا، ومن نقاتل؟ نقاتل الجيوش والحكومة، فهل يبقى الشعب المسكين محروماً من هداية الله؟ فإذا هزمنا الجيوش دخلنا ونشرنا الرحمة والخير والهدى بينهم.

حرمة الاعتداء في القتال

[ ثانياً: حرمة الاعتداء في القتال ]، ويكون الاعتداء في القتال مثلاً بالإحراق بالنار، يكون الاعتداء بقتل الأطفال، كيف بطفل يقتل، أو يضرب، أو يؤذى؟! يكون الاعتداء بقتل النساء، النساء حسب سنة الله تعالى لا يبرزن للقتال، وإن حدثت حادثة نادرة فلا قيمة لها، النساء لا يقاتلن أبداً.والآن بعض حكوماتنا المتقدمة جيشت النساء! وهذه أضحوكة، رأيت في المجلة مجاهدات، والشاهد عندنا أن هذا خبط وضلال وتفاهة في العقول، نعرض عن الإسلام ولا نطبق قواعده ولا شرائعه، ونجيش النساء ونجعل الحارسات والمجاهدات، هل انعدم الرجال؟قال: [ حرمة الاعتداء في القتال بقتل الأطفال والشيوخ والنساء إلا أن يقاتلن ] فشيء آخر، فمن أين أخذنا هذه الهداية؟ من قوله تعالى: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [البقرة:190].

حرمة القتال في الحرم وبيان حكم قتل اللائذ به

[ ثالثاً: حرمة القتال عند المسجد الحرام، أي: في مكة والحرم، إلا أن يبدأ العدو بالقتال فيه ].لما دخل الرسول صلى الله عليه وسلم باثني عشر ألفاً هل دخلوا ليقتلوا المشركين؟ كلا أبداً، من قاتلهم قتلوه، ومن أسلم وانقاد لم يقتل، ومع هذا أعلن الرسول عن حرمتها من يوم أن خلق الله السماوات والأرض، وأنها حرام إلى يوم القيامة، ولم تحل إلا ساعة من نهار، أحلها الله لرسوله، ثم عادت حرمتها إلى يوم القيامة، لكن لو أن أشخاصاً هربوا إلى مكة وهم مجرمون فما الحكم؟ الجواب: الأولى أننا نلقي القبض عليهم ونخرجهم خارج الحرم، ونعدمهم إذا كانوا قد قتلوا، ولا نقتلهم في الحرم، هم قتلوا إخواننا خارج مكة في جدة في الطائف وهربوا إلى الحرم، فهل نقتلهم في الحرم؟ الذي عليه الجمهور أن يخرجوا إلى خارج الحرم ويقام عليهم حد القتل خارج الحرم، امتثالاً لقول الله تعالى: وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:191]، لكن لو هاجموا ودخلوا برجالهم إلى مكة فماذا نصنع؟ نقاتلهم، ما دام أنهم قد قاتلونا فيه فلا بد أن نقاتلهم.

محو الإسلام والتوبة ما قبلهما من الذنوب

[ رابعاً: الإسلام يجب ما قبله ]، ما معنى: يجب؟ يقطع، الجب: القطع، ما قبل إسلام المرء يترك كله ولو قتل ألف مقتول وأخذ مليار دولار وفعل ما فعل، إذا أسلم جاء في عهد جديد والأول كله معفو عنه، لا يطالب به ولا يؤاخذ به أبداً، الإسلام يجب ما قبله، والتوبة أيضاً تجب ما قبلها، كان يشرب خمراً، كان يتعاطى ربا، كان عاقاً لوالديه، كان خائناً لجيرانه، ثم تاب توبة نصوحاً، فما يبقى مطالباً بشيء، اللهم إلا الحقوق الخاصة بالأفراد، فالمال يرده إلى أصحابه. فالتوبة أيضاً تجب ما قبلها، وهي التوبة النصوح التي صاحبها لا يعود إلى الذنب ولو صلب وقتل وأحرق، والإسلام يجب -أي: يقطع- ما قبله، ما الدليل على هذا؟ هو قوله تعالى: فَإِنِ انتَهَوْا [البقرة:192] عن الشرك والكفر وقتالكم وأذيتكم وإخراجكم من دياركم فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:192]، فإن انتهوا وتابوا فالله عز وجل يغفر لهم ويرحمهم، لماذا؟ لأنه تعالى غفور رحيم.فالإسلام يجب ما قبله، أخذنا ذلك من قوله تعالى: فَإِنِ انتَهَوْا [البقرة:192] عن قتالكم وحربكم وعن الشرك والكفر والفسق والفجور؛ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:192] فسيغفر لهم ويرحمهم؛ لأنه هذا وصفه: الغفور الرحيم.

حكم الجهاد وبيان حالات تعينه

[ خامساً: وجوب الجهاد ] أي: قتال الكفار من أجل أن يعبد الله وحده، هذا القتال واجب، [ وهو فرض كفاية ]، وفرض الكفاية يقابل فرض العين، فرض العين هو ما تعين على كل واحد من أهل الجهاد ذكر ليس بأعرج ولا مريض ولا أعمى، وليس بشيخ هرم، هذا هو الذي يتعين عليه القتال، أما النساء والأطفال والمرضى والعميان والعرجان فلا، فالجهاد فرض كفاية إذا قام به بعض المؤمنين وأدوا الواجب وانتصروا أو دفعوا عن المسلمين الخطر فالآخرون لا يأثمون أبداً، نعم يحرمون الأجر وما في ذلك شك، ما داموا جالسين ولا يقاتلون فكيف يثابون؟ كل ما في الأمر أنهم لا يأثمون، ومن أراد الثواب فليخرج، إلا إذا قال إمام المسلمين: لا تخرجوا، فحينئذ أطاعوا إمام المسلمين فأطاعوا الله، فهم مأجورون لأن قلوبهم مع الجهاد، كالذين رجعوا لضعفهم وعجزهم وقلوبهم تتحرق. إذاً: [ وجوب الجهاد، وهو فرض كفاية ] إذا قام به جيوش المسلمين أو مقاتلوهم سقط الواجب عن الباقين، فإن عجز الجيش ولم يقدر على الفتح أو الدفع فحينئذ تعين على المؤمنين أن يكملوا ذلك النقص ويسقط الواجب حينئذ، ولهذا يقول أهل الفقه: يتعين الجهاد ويكون فرض عين في ثلاثة مواطن:الأول: أن يداهم العدو مدينة من مدننا في حدوده، ميناء من موانئنا، فأهل المدينة أو المنطقة يجب عليهم أن يقاتلوا هذا العدو نساء ورجالاً حتى يردوه من حيث أتى، ويواصلوا قتالهم حتى يصلهم المدد، وفي الزمان الأول كان المدد يحتاج إلى عشرة أيام، لأنهم يسيرون ببغال وخيول وجمال، والآن في خمس ساعات، فأهل المنطقة التي هاجمها العدو بالليل أو بالنهار يجب أن يقاتلوا ولا يسقط الفرض عن أحدهم إلا عن عاجز، حتى يردوا العدو ويقهروه، أو يصل إليهم إمدادات المسلمين وحينئذ يسقط وما يصبح فرض عين، هذا موطن.الموطن الثاني: أن يعين الإمام المجاهدين، يقول: أبناء الخامسة والعشرين إلى الثلاثين كلهم في التعبئة، أو يقول: أصحاب الواحد والعشرين من أعمارهم إلى الثلاثين الكل يدخلون ويلتحقون بالجهاد، فلا يصح لواحد من هؤلاء أن يتأخر.وموطن آخر وهو ما يعرف بالتعبئة العامة أو النفير، إذا رأى إمام المسلمين أن هذا العدو ما يكفي له عدد فالأمة كلها تدخل المعركة، كما حدث في غزوة تبوك ونزل: إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ [التوبة:39]، فلم يبق مؤمن إلا مريض أو من اعتذر بعذر باطل، وما تخلف إلا ثلاثة نفر بدون عذر، وحصل الذي حصل، وتاب الله تعالى عليهم.

حكم جهاد النفس

ذاك هو التعبئة العامة، وما عدا هذا فالجهاد فرض كفاية، إلا أن جهاد النفس -وهو أشق- فرض عين، لا يسقط عن مؤمن ولا مؤمنة، جاهد نفسك حتى لا تعبد إلا ربك، أي: لا تعبد هواك ولا دنياك ولا شياطينك، بل اعبد الله وحده، ومعنى هذا أن تحملها على النهوض بالتكاليف والواجبات بلا تردد، وتحملها على الابتعاد عن معاصي الله، وحاربها ليلاً ونهاراً، ما هو بعام أو عشرة أعوام، بل طول عمرك، فلهذا يقال: الجهاد الأكبر هو جهاد النفس، والجهاد الأصغر ضمنه، وورد في هذا حديث ضعيف لكن معناه صحيح، لما عادوا من غزوة قال لهم: ( رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ).وقوله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] هذا يتناول أولاً جهاد النفس، يجاهد نفسه في ذات الله، أتدري لم نجاهد الكفار؟ لأجل أن يعبدوا الله أولاً، من أجل أن يعبدوا الله وحده ويدخلوا في الرحمة.إذاً: وجهادنا لأنفسنا لأجل ماذا؟ من أجل أن نعبد الله أولاً، وأن ندخل في رحمته، ولهذا فجهاد النفس ذكره الحافظ ابن حجر في شرحه للبخاري فقال: جهاد النفس هو أن تحملها وهي كارهة على أن تتعلم ما يُعبد به الله، وتعرف كيف تعبده. فتعلم العلم الضروري، تتعلم كيف تتوضأ، وتغتسل، وتتيمم، وتصلي،و تصوم، وتزكي، وتحسن.. وسائر هذه الضروريات، تحملها على أن تتعلمها وهي كارهة قطعاً، فهي ما تريد التعب ولا السهر، ثم تحملها على أن تعمل بكل ما علمته، ولا تتخلى أبداً عن فريضة عرفتها أو واجب علمته ولم تعمله، وهذا يحتاج إلى إكراه لها وضغط عليها، حتى تعمل بكل ما تعلمته، ثم تحملها على أن تُعلِّم ذلك، فهذا هو الجهاد الأكبر. نحن نغزو الكفار من أجل أن نعلمهم، وهذه المرتبة الثانية، إذ نحن أولاً نعبد الله ونستقيم على منهجه، فإذا كملنا وطبنا وطهرنا ننقل رحمة الله إلى غيرنا، هذا الجهاد هو جهاد النفس.

حكم المعاهدات مع الدول الكافرة في حالة ضعف المسلمين

أما جهاد الكفار فكما علمتم: قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ [التوبة:123] بجيوشنا المدربة المسلحة في الحدود، وهي تراسل من حولها وتغزوهم، فإن ضعفنا فلا بأس أن نتخذ معهم معاهدات مؤقتة، فإذا ما استطعنا أن نقاتل فرنسا فإننا نتخذ معها عهداً لأربعين سنة، لثلاث سنوات.. لكذا، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم باليهود في المدينة، لما نزل المدينة عاهد بني قريظة، عاهد بني النضير، عاهد بني قينقاع، ومن أخلف الوعد ومزقه فإنه يستوجب القتال، وما قاتلهم حتى نقضوا، فبنو قينقاع ماذا فعلوا؟ آذوا مؤمنة جاءت إلى حداد تصلح عنده سواراً أو خلخالاً أو كذا، وجلست تنتظر بنقابها، فجاء يهودي وهي جالسة يتهكم بها وأخذ ثوبها من ورائها ووضعه على رأسها لتبدو عورتها، وهم يضحكون، فصاحت فجاء مسلم فقتله، فاجمعوا على المسلم فقتلوه، وحينئذ أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم عن قتالهم؛ لأنهم نقضوا العهد بأذية المؤمنة، وشفع لهم ابن أبي وأجلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المدينة بدون قتال، ولكن خرجوا ولم يبق منهم أحد.وبنو النضير تآمروا على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم، كان بينه وبينهم معاهدة على أنهم يدفعون الدية باشتراك وتعاون، وكانت الدية كثيرة، فذهب الرسول مع أبي بكر وعمر إلى بني النضير يطالب بموجب الاتفاقية أن يساهموا في هذه الدية التي تحملها الرسول صلى الله عليه وسلم، فقالوا: مرحباً، وأنزلوه في ظل جدار وفرشوا له الفراش، ثم أخذوا يفكرون كيف يقتلونه، فهداهم الشيطان إلى أن يطلقوا عليه رحى من السطح، واتفقوا على هذا، وأوحي إليه صلى الله عليه وسلم بالمؤامرة بالهاتف الإلهي أن: قم، فجمع عليه ثيابه وقام ومشى وراءه أصحابه، ودخل المدينة وأمر بإعداد العدة لجهاد بني النضير، فخرج مع رجاله وعلى رأسهم الراشدون وطوقوا البلاد.ونزل فيهم قرآن: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنْ اللَّهِ فَأَتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ [الحشر:2]هؤلاء بنو النضير، فلما هاجمهم الأصحاب قطعوا نخلهم، كما قال تعالى: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ [الحشر:5]، وإن كان بعض الصحابة تألم لقطع النخل أو إحراقه؛ لأنهم أصروا وأبوا أن ينزلوا، وبعد ذلك أعلنوا عن هزيمتهم وطلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحملوا أمتعتهم، فأذن لهم، فحملوا حتى الأبواب والأخشاب، وذهبوا ونزلوا بخيبر.وبنو قريظة آخرهم لما جاءت الأحزاب بالمؤامرات وتضامنوا مع أعداء الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن ثم أعلن عن قتالهم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #238  
قديم 14-10-2020, 06:10 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (125)
الحلقة (132)



تفسير سورة البقرة (90)

في سياق الأمر من الله عز وجل لنبيه ومن معهم من المؤمنين بقتال المشركين، وجههم سبحانه هنا بأن من قاتلهم في الشهر الحرام فليقاتلوه في الشهر الحرام، ومن قاتلهم في الحرم فليقاتلوه في الحرم، ومن قاتلهم محرماً فليقاتلوه وهم محرمون، وهكذا الحرمات قصاص بينهم ومساواة، ومن اعتدى عليهم فلهم أن يعتدوا عليه بمثل ذلك، ثم أمرهم سبحانه بتقواه والإنفاق في سبيله لمجاهدة أعدائه سبحانه؛ لأن في ذلك نجاتهم، وفي التخلي عنه خسرانهم وهلاكهم.

تفسير قوله تعالى: (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين من يوم الأحد- ندرس كتاب الله، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، بالإضافة إلى ذلكم الأمل الغالي المنشود لكل العقلاء من المؤمنين والمؤمنات، وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله ).فحالكم كحال المجاهدين والحمد لله، هل يمكن أن نظفر بمثل هذا الخير في غير هذا المجلس؟ لا. وها نحن مع قول ربنا عز وجل: الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ * وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:194-195].هذه الآية الأولى مع ما قبلها في سياق تشجيع المؤمنين المعتدى عليهم على قتال أعدائهم، وتعليمهم أن من قتلهم في الشهر الحرام فليقاتلوه في الشهر الحرام. ‏

المراد بالشهر الحرام

إذاً: قوله جل ذكره: الشَّهْرُ الْحَرَامُ [البقرة:194] ما المراد بالشهر الحرام؟ الأشهر الحرم أربعة: ثلاثة سرد، أي: متوالية واحداً بعد واحد، وآخرها فرد ليس قبله ولا بعده شهر حرام، فالثلاثة السرد هي: القعدة، والحجة، ومحرم، ثلاثة أشهر سرد واحداً بعد واحد، والفرد هو: رجب، بين شعبان وجمادى الآخرة، ويقال فيه: رجب الأصم؛ لأنك لا تسمع فيه صوت السلاح وقعقعته، هدنة فرضها الله عز وجل على العرب في الجاهلية، إذا شاهدوا هلال رجب لم تسمع صوت السلاح أبداً، ويسود الجزيرة أمن لن تستطيع الأمم المتحدة أن تفرضه لو جلبت كل قواتها، ولكن تدبير الله.ويقال فيه: رجب الأصب؛ لأن الخير يصب فيه صباً، هذا الشهر صيامه مستحب، ولكن لا يكمل كرمضان، لا بد من الفرق بين الواجب والمستحب، فليصم ما شاء أن يصوم، ثم يفطر في أوله أو آخره.

المراد بكون الشهر الحرام بالشهر الحرام وكون الحرمات قصاصاً

فقوله تعالى: الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ [البقرة:194] أي: من قاتلكم في الشهر الحرام فقاتلوه في الشهر الحرام، أما أن يستحل هو القتال بالشهر الحرام ويقاتلكم وأنتم لا تستحلونه وتمدون أعناقكم لهم فسيدكم ما يرضى لكم بهذا. وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ [البقرة:194] الحرمات: جمع حرمة، كظلمات وظلمة، والحرمة: ما يحرم تناوله أو أخذه أو إعطاؤه، الحرمات منها الشهر الحرام، منها البلد الحرام، منها الإحرام، فمن قاتلنا في البلد الحرام نقاتله، من قاتلنا في الشهر الحرم نقاتله في الشهر الحرم، من قاتلنا وهو محرم نقاتله ونحن كذلك محرمون، هذا تدبير الله لأوليائه.

معنى قوله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)

فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ [البقرة:194]، هنا تأمل يا عبد الله وتأملي يا أمة الله، لا تفهمن أنك أنت مأمور بأن تعتدي على من اعتدى عليك، هذا لا يصح أبداً؛ لأن الفوضى انتهت وأصبحت الدولة الإسلامية قائمة بإمام المسلمين، والشريعة والقانون لا يحل لأحد أن يعتدي عليه آخر فيعتدي هو عليه، بل يجب أن يحمل أمره إلى الحاكم وهو الذي يقتص، وإلا فمعناه الفوضى على منتهاها، هذا بالنسبة إلى الفرد، أما بالنسبة إلى الأمة فنعم، والله يخاطب رسوله والمؤمنين: يا أمة الإسلام! الحرمات قصاص، من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى.أما الفرد المسلم فلأن يعفو ويصفح أفضل بكثير من أن ينقل أمره إلى الحكومة ويطالب بحقه فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40]، فإن كان ولا بد فليرفع أمره إلى المسئولين: كقضاة، أمراء، حكام، وهم الذين يقتصون له من عدوه. فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ [البقرة:194] أيتها الأمة الإسلامية، دولة من الدول أغارت واعتدت على شعب أو على قبيلة، أذن الله لنا في ذلك، أما الأفراد المؤمنون فإياكم أن تفهموا أن كل من ضُرب يضرب، وكل من أُخذ ماله يأخذ، فإنه إن كان هذا فلا حكم ولا حكومة ولا نظام إذاً، فأين الإسلام؟

حكم أخذ المرء مثل ماله من مال ظالمه

وهنا مسألة دقيقة من استطاع أن يفهمها فلا بأس، فإن لم تسطع فهمها فلا تحكها ولا تعمل بها، وهي أن محمد بن إدريس الشافعي الإمام من أئمة أهل السنة والجماعة، هذا القرشي المطلبي يرى أن المؤمن إذا سلبه أحد إخوانه مالاً، وتأكد أن فلاناً أخذ نعجته أو أخذ ثمرته، أو أخذ ثوبه، وهو متأكد أنه لو رفع أمره إلى الحاكم لا يستطيع الحاكم أن يعطيه حقه؛ ما هناك بينة ولا حجة، يقول الشافعي باجتهاد منه فقط: إذا كان في إمكانك يا عبد الله المسلم أن تأخذ من صاحبك بقدر ما أخذ، لا تزد ولا ربع تمرة، إذا كنت تقدر على أن تأخذ ممن أخذ منك بقدر ما أخذ أو أقل فلك ذلك، وإياك أن تزيد بأدنى شيء، فإن كنت قادراً على هذا الموقف وتستطيع ألا يعلم بك فتتهم بالسرقة ويقام عليك الحد بقطع يدك، فالموقف صعب، قد يتأتى لواحد ولا يتأتى لألف، لكن في بلاد ما فيها حكم عادل، فلان أنا موقن أنه أخذ مني نعجة، وأنا في حاجة، فإن كنت أعلم أنني سآخذ نعجة دون نعجته في السمن والجسم ولا يطلع علي أحد فلا بأس؛ لأني ما ظلمت، استرددت حقي فقط، ولكن من الخير أن تترك هذا، فوض أمرك إلى الله واعف واصفح والله يعوضك.فقوله: فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ [البقرة:194] هذا خطاب لرسول الله والمسلمين، يخاطب الأمة والدولة وليس الأفراد، وهذا أيضاً منسوخ بآية الجهاد: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ [التوبة:123]، فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التوبة:5] اعتدوا أو لم يعتدوا، انتهى أمر وجودهم في دار الإسلام.

معنى قوله تعالى: (واتقوا الله)

وقوله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ [البقرة:194] هذا أمر إلهي لعباده المؤمنين بأن يتقوه، أي: يتقوا غضبه وسخطه وعذابه؛ لأنه إذا غضب، إذا سخط، إذا انتقم فهو شديد العقاب.وأنتم أيها المؤمنون تعرفون قدرة الله، يحول النعمة إلى نقمة، والسعادة إلى شقاء، والصحة إلى مرض، والحياة إلى موت، أمم يقلب عليهم الأرض، إذاً: فاتقوا الله، أي: لا تخرجوا عن طاعته، لا تفسقوا عن طاعته، امتثلوا أمره بفعله وامتثلوا نهيه باجتنابه.أوامر الله ونواهيه لا تتصور فقط في الصلاة والزكاة، هي في كل ما شرع لنا أن نأخذ به ونعمل به، فالجهاد فريضة الله وقد عرفنا حكمه وبيناه، هذا الجهاد لا بد له من عدة، فإن خرجنا نقاتل عدونا بدون عدة وبدون عدد يكافئه ويقاتله فما اتقينا الله، إذاً: فقد يصيبنا بالنكبة ويسلط علينا العدو بالهزيمة؛ لأننا ما اتقيناه، فلو اتقيناه لعملنا بقوله: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال:60]، فإذا كان عدونا يقاتلنا بالمدافع ونخرج بالعصي ونقول: عصاي أفضل من مدفع بريطانيا أو إسرائيل؛ فهذا موقف غير صحيح. وَاتَّقُوا اللَّهَ [البقرة:194] أي: خافوا نقمته، خافوا سننه أن تنعكس عليكم، إذاً: فامتثلوا أمره واجتنبوا نهيه، أطيعوا رسوله وأطيعوا قائدكم في المعركة، لا تفترقوا ولا تختلفوا عليه.

معنى قوله تعالى: (واعلموا أن الله مع المتقين)

وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [البقرة:194] أمرهم أولاً بأن يتقوه، ثم أعلمهم أنه مع المتقين، ما قال: واتقوا الله واعلموا أن الله معكم، فمن يضمن أنهم اتقوا الله حتى يكون معهم؟ فلهذا قال: واعلموا أن الله مع المتقين له، الذين يعملون بسننه الكونية، ولا يفرطون أبداً فيما سن وقنن من قوانين الحياة، هؤلاء الله معهم بالنصر والتأييد، وما إلى ذلك من أنواع حب الله عز وجل للمؤمنين، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [البقرة:194].

أهمية العلم في تحصيل التقوى

وهنا لطيفة: لو قيل لنا: من هم المتقون؟ نقول: بنو هاشم، الأنصار؟ المتقون: الذين يفعلون ما أمر الله به ورسوله وينتهون عما نهى الله عنه ورسوله.ثم ما الذي أمر الله به ورسوله، وما الذي نهى الله عنه ورسوله؟ هنا الوقفة الطويلة: فـ(95%) من المسلمين والمسلمات ما يعرفون ما أمر الله به ولا ما نهى عنه، فكيف يتقونه إذاً؟ الذي ما يعرف ما أمر الله به كيف يتقيه فيه ويطيعه؟ لا يعرف ما نهى الله عنه فكيف يتقيه بتركه؟ هنا نبدأ بأول خطوة: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد:19] بم بدأ؟ اعلم أولاً، اعرف الأوامر والنواهي بالتفصيل في المعتقد والقول والعمل والسلوك معرفة يقينية، ثم افعل ما أمر الله به واترك ما نهى الله عنه، وبدون معرفة لن يستطيع أحد أن يكون تقياً، يغش نفسه، من يريد أن يكون من المتقين وهو لا يعرف بم يتقى الله وما سأل كيف يتحقق له ذلك؟ومن هنا وجب طلب العلم قبل أية حركة، قبل أن تتوضأ وتصلي يجب أن تعرف كيف تتوضأ، وكيف تصلي، ومعنى هذا: أن على المسلمين أن يتعلموا.

كيفية تحصيل العلم الموصل إلى التقوى

وكيف يتعلمون يا شيخ وهم مشغولون، يطلبون العيش من الصبح إلى الليل فكيف يتعلمون؟ أما تجدون لنا حلاً أيها المؤمنون؟ كيف نتعلم ونحن في هموم الحياة ومتطلباتها؟ الجواب معروف مللناه بالتكرار: اعملوا أيها العمال في المزارع، في المصانع، في الدكاكين، حتى العمال في السماء صاعدين هابطين بالمظلات، وإذا دقت الساعة السادسة مساء أوقفوا دولاب العمل، تطهروا، البسوا ثيابكم الطاهرة النظيفة، ألقوا بثياب العمل، واحملوا نساءكم وأطفالكم إلى المسجد الجامع، وليجلس النساء وراء الستارة والأطفال دونهن، والفحول أمامهن، ويجلس لهم عالم رباني يعرف عن الله ورسوله، فليلة آية وليلة حديث، ليلة آية يتعلمون وليلة حديثاً طول الحياة، هذا نظام حياتنا؛ لأننا نتهيأ لنخترق السبع الطباق وننزل بالملكوت الأعلى، فلا يشق علينا أبداً أن ننقطع إلى الله ساعة ساعتين في بيته، ويتم لنا -والله- العلم الكامل، ما يبقى في القرية ولا في الحي رجل ولا امرأة لا يعرف ما أحل الله ولا ما حرم، ولا يعرف ما أوجب الله ولا ما حرم، بالسماع فقط. قد تقول: يا شيخ! لا يمكن أن نتعلم بالسماع هذا؟فأقول: وأصحاب نبيك صلى الله عليه وسلم هل تعلموا بالقراطيس والأقلام؟ جلهم ما كان يقرأ ولا يكتب، هذا العلم ما يتطلب أبداً قراءة ولا كتابة، بل اعلم واعمل فقط، تعلمت مسألة فطبقها الليلة، فيرسخ العلم في جسمك كاملاً وفي كل حواسك، وإذا قلنا: ما نستطيع هذا، وأردنا أن ننفس عن أنفسنا إذا تركنا العمل وقلنا: نمشي إلى المقاهي ونريح أنفسنا كاليهود والنصارى؛ فإذاً: لا بأس، لكن لا ترفع رأسك إلى السماء ولا تطمع أن تدخل الملكوت الأعلى، كن كالهابطين إلى الدركات السفلى.

حكم الله تعالى بفلاح مزكي نفسه وهلاك مدسيها

قد تقول: يا شيخ! هذه مبالغة! فأقول: هل بلغكم حكم الله الصادر علينا؟ ما نص هذا الحكم؟ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10] زكاها أي: نفسه، بم يزكيها؟ بالبقلاوة، بالأرز واللحم، بالرقص؟ بم يزكيها؟ بما شرع من هذه العبادات التي تؤدى على الوجه الذي شرعت لتنتج الزكاة والطهارة للنفس، وفي نفس الوقت يتخلى ويبعد عن كل ما من شأنه أن يدسي نفسه كالكذب والنظرة المحرمة وسائر المعاصي إلى الكفر والشرك.وجهاد متواصل حتى الموت، ما هو بالأمر الهين أن تغمض عينيك وأنت في الملكوت الأعلى مع مواكب النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.من أين لنا هذا؟ ولكن ضاعت قرون عديدة لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وهم كالبهائم، والآن هل أفقنا؟ ما زلنا، فثلاثة أرباع المسلمين ما يعرفون الله ولا مراده ولا محبته.فلم لا تبلغون هذا؟ حتى لا نلوم الغائبين: لم أنتم لا تبلغون؟ هذا الشيخ يبكي كل ليلة فأدى الواجب، وأنتم لم كل صاحب حي لا يقول لأهل الحي: تعالوا نصلي المغرب والعشاء في مسجدنا، نأتي ببناتنا ونسائنا ونتعلم كتاب الله وسنة رسول الله، حتى نخرج من ظلمة الجهل حتى نزكي أنفسنا، وأهل القرية كذلك. إن كلامي هذا كان المفروض أن رؤساء البلديات يطبقونه، وشيخ القرية يقول: يا معشر المؤمنين! أنتم ماذا تصنعون بعد نهاية العمل؟ تعالوا إلى بيت الرب فكلنا نتعلم الكتاب والحكمة، لنزكي أنفسنا، لنهذب أخلاقنا، لنتأدب بآداب نبينا، لنكمل، وإذا صلينا العشاء شبعنا، ما نبغي أغاني ولا لهواً ولا باطلاً، حتى الأكل، فوالله! لتفاحة تكفيك ليوم، وتنامون مع الملائكة.فإن قالوا: لا. قلنا: غنوا، زمروا، واعبثوا لتناموا مع الشياطين، هذا واقعنا المر رضينا أم أبينا، حتى نتوب إلى الله توبة الصدق ونعود إليه بحق.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #239  
قديم 14-10-2020, 06:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

أركان التقوى وحقيقة المتقين

قال تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [البقرة:194] من هم المتقون؟ الذين عرفوا فيم يتقون الله من الفعل والترك، وفعلوا المأمور وتجنبوا المنهي، أولئك هم المتقون، أولئك الله معهم لن يخذلهم ولن يسلط عليهم عدوهم، ولن يكربهم ولن يحزنهم أبداً، لا في الدنيا ولا في الآخرة، للبيان السابق الذي أعلنه تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، اللهم اجعلنا منهم، فمن هم هؤلاء؟الجواب: المؤمنون المتقون هم أولياء الله، كأن سائلاً يقول: يا رب من هم أولياؤك؟ قال: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63].

تفسير قوله تعالى: (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ...)

وقوله تعالى: وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195] الإنفاق في سبيل الله إنفاق الطاقات، المال، العقل، البدن.وسبيل الله الإسلام الموصل إلى جوار الله في الملكوت الأعلى، سبيل الله أن يُعبد الله وحده، وتعبد البشرية كلها ربها حتى تصل إلى جواره في الملكوت الأعلى. وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195] التهلكة والهلكة والهلاك بمعنى واحد. ‏

مناسبة نزول الآية الكريمة

هنا يروى أن أبا أيوب الأنصاري مضيف نبيكم صلى الله عليه وسلم أول ضيافة في المدينة قال: لما رأينا انتصار رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين قلنا: هيا بنا يا أهل المدينة نعود إلى حقولنا ومزارعنا ننميها ونصلح من حالها، فقد أوقفنا العمل فيها لسنوات أربع أو خمس والآن الإسلام ظهر وانتصر، هيا نعود إلى أعمالنا الدنيوية، ما إن فاهوا بها ونطقوا في مجتمع خاص حتى فوجئوا بهذه الآية: وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195] لأن إيقاف الجهاد وإيقاف الاستعداد يجعل العدو ينظر إلينا على أننا ضعفة لا قدرة لنا فيكر علينا ويحطمنا.فلهذا رحم الله الشيخ رشيد رضا في مناره، قال: هذا يسمى بالسلم المسلح، على الأمة أن تعد العدة ما أمكنها، وإن كانت لا تنوي القتال، وليس هناك من يخامره فكر أن يقاتلها، معاهدات وأمن كامل كما هي أحوالنا، في هذا الوقت بالذات يجب أن تكون عدتنا أعظم عدة، أنواع السلاح على اختلافه، وأنواع رجالها، وإن كان ما لنا أمل في أن نقاتل، إذا شاهد العدو تلك القوة لا يفكر في الإغارة علينا ولا في قتالنا، أما إذا ميز وقدر وعرف كميات سلاحنا وما عندنا إذاً يدفعه الشيطان إلى أن يغير علينا، ولهذا قال لنا تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ [الأنفال:60] يعني: في حدود قدرتكم.ومن القدرة أنه إذا قيل: اسمعوا أيها المواطنون: من الآن لا نأكل أكلة الصباح أبداً، نكتفي بالغداء والعشاء، ونفقة الصباح كلها في ميزان الجهاد، فلا تصبح دولة أخرى أقوى منا، يعلن الإمام: اسمعوا: نكتفي بأكلة واحدة في الأربع وعشرين ساعة، وثمن تلك الأكلة في ميزانية الجهاد وإعداد العدة، والله! لكما تسمعون، وإلا فكيف يقول الله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60]؟ أي: ابذلوا ما تستطيعونه، وكوننا نحرم أكلة في اليوم مثلاً لأن نصبح أهل عتاد حربي ما هو بشيء أبداً في سبيل إبقائنا أحياء سعداء أطهاراً أتقياء، حتى لا يسلط علينا خبيث نجس كافر مشرك يذلنا ويهيننا ويفعل بنا العجب، وهل فعل أو لم يفعل؟ استعمرتنا بريطانيا، إيطاليا، أسبانيا، بلجيكا، هولندا.. العالم الإسلامي بكامله وضع تحت أقدام النصارى واليهود، واليهود حثالة البشر أذلونا، أهانونا، فعلوا بنا العجب، فلم؟ والله! إني لعلى علم، لقد أعرضنا عن الله فأعرض عنا ووكلنا إلى أنفسنا.وقد عرفنا قول أبي أيوب الأنصاري لما ظهر الإسلام وانتصر النبي صلى الله عليه وسلم، قال: قلنا لبعضنا: نحن الأنصار نعود إلى حدائقنا وأعمالنا وبساتيننا، فلم يرض الله تعالى ذلك لهم، فأنزل قوله تعالى: وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195].

معنى قوله تعالى: (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين)

وقوله تعالى: وَأَحْسِنُوا [البقرة:195] من هم المخاطبون؟ المؤمنون، أحسنوا لا تسيئوا، الإحسان بمعناه الحقيقي هو ثلث الإسلام، الدين الإسلامي السبيل الموصل إلى الله يتكون من ثلاث خطوات: الإيمان، الإسلام، الإحسان.والخطوة الأخيرة -الإحسان- أعظم من الإيمان والإسلام، لم؟ إذا لم يحسن إسلامه ما انتفع به، فالإحسان معناه العام: الإحسان إلى الفقراء المساكين المحاويج، إلى الأقارب، إلى إخوانك المؤمنين بالابتسامة والسلام عليهم، والنصرة.. وما إلى ذلك، كله إحسان، لكن الإحسان الخاص هو أن تعبد الله عبادة من شأنها أن تنتج لك القوة والكمال والطهارة والنظافة والسعادة في الدنيا والآخرة، بمعنى: أن تطبق شرع الله تطبيقاً تاماً فينتج هذه الكمالات.ولا يتم لك ذلك إلا إذا كنت تعيش مع الله، لا تفارق الله أبداً، أنت مع الله، إذا أردت أن تقول كلمة فاستئذنه هل تقولها أو لا، فإن كانت حلالاً نافعاً أذن لك، وإن كانت حراماً ضالة قال: لا تقل، لا تنظر نظرة إلا بإذنه، لا تأكل لقمة إلا بإذنه، لا تمش خطوة إلا بإذنه، لا تنم ساعة إلا بإذنه، أنت مع الله، فالذين يعيشون مع الله والله معهم هؤلاء لن يضرهم شيء ما داموا مع الله، ويشهد لهذا قوله صلى الله عليه وسلم لجبريل: ( أن تعبد الله كأنك تراه )، فإن ضعفت عن هذه المرتبة السامية ونزلت فاعبده وأنت تعلم أنه يراك، أما أن تعبده ولا أنت تراه ولا تعتقد أنه يراك فوالله لن تحسن العبادة، حتى ولو كان الوضوء فلن تتقنه.لا يمكنك أن تحسن العبادة حتى تنتج الطاقة الحقيقية من النور إلا إذا كنت تراقب الله في ذلك، مع مراقبة الله لا تستطيع أن تعبث أو تزيد أو تنقص أبداً، تؤديها كما هي، فإذا أديتها كما هي فإنها تولد النور الذي هو الحسنة. وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195]، هل الذي أحبه الله يلقي به في أتون القاذورات والأوساخ؟ والله! ما كان، إذا أحبك الله أمنت يا عبد الله؛ لا لشيء إلا على طهر وصفاء وكمال، ومناعة من كل عدو وكل شيطان، والذين يرغبون في حب الله فمن الليلة يحسنون فقط والله سيحبهم، هل تريدون أن يحبنا الله حقاً؟ لنحسن أعمالنا فقط، صلينا ركعتين، صلينا ركعة، ذكرنا، قرأنا، مشينا، جلسنا.. نحسن أعمالنا، ولا يتم ذلك إلا بمراقبة الله كأننا بين يدي الله نستحي أن نزيد أو ننقص.هذا الإحسان يولد النور فتشرق النفس والقلب، ويشع ذلك النور على السمع والبصر والمنطق واللسان، فنصبح كأننا ملائكة أطهار، والله يحب المطهرين، الله لا يحب الخبث أبداً ولا يحب أهله، يحب الطهر، والطهور شطر الإيمان، فمن أراد أن يكون من أحباء الله فماذا يعمل؟ يحسن عمله، كيف يحسن عمله؟ يؤديه كما هو مطلوب، لا يزيد، ولا ينقص، لا يقدم، لا يؤخر، لا يضيع منه شرطاً من شروطه ولا ركناً من أركانه، هذا العمل يولد له الحسنات فتشرق نفسه وتطيب وتطهر، فيصبح بذلك أهلاً لأن يحبه الله؛ لأنه من المطهرين.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

شرح الكلمات

لنستمع إلى شرح الآية في التفسير:قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ شرح الكلمات: الشهر الحرام: الشهر المحرم القتال فيه، والأشهر الحرم أربعة: ثلاثة سرد وواحد فرد، فالثلاثة هي: القعدة، والحجة، ومحرم، والرابع الفرد: رجب.الحرمات: جمع حرمة؛ كالشهر الحرام، والبلد الحرام، والإحرام ] هذه حرمات.[ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [البقرة:194]: المتقون: هم المؤمنون الذين يتقون معاصي الله تعالى ومخالفة سننه في الحياة، وكونه تعالى معهم يسددهم ويعينهم وينصرهم.التهلكة: الهلكة، والهلاك مثلها.الإحسان: اتقان الطاعة وتخليصها من شوائب الشرك، وفعل الخير أيضاً ] كله إحسان.

معنى الآيات

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ معنى الآيتين: الآية الأولى في سياق ما قبلها تشجع المؤمنين المعتدى عليهم على قتال أعدائهم، وتعلمهم أن من قاتلهم في الشهر الحرام فليقاتلوه في الشهر الحرام، ومن قاتلهم في الحرم فليقاتلوه في الحرم، ومن قاتلهم وهم محرمون فليقاتلوه وهو محرم، وهكذا الحرمات قصاص بينهم ومساواة، ومن اعتدى عليهم فليعتدوا عليه بمثل اعتدائه عليهم، وأمرهم بتقواه عز وجل وأعلمهم أنه معهم ما اتقوه بالتسديد والعون والنصر ]، فهو معهم ما اتقوه، أي: مدة ما هم متقون، بماذا؟ بالتسديد والعون والنصر.[ وأما الآية الثانية فقد أمرهم بإنفاق المال للجهاد لإعداد العدة وتسيير السرايا والمقاتلين، ونهاهم أن يتركوا الإنفاق في سبيل الله الذي هو الجهاد، فإنهم متى تركوا الإنفاق والجهاد كانوا كمن ألقى بيده في الهلاك، وذلك أن العدو المتربص بهم إذا رآهم قعدوا عن الجهاد غزاهم وقاتلهم وانتصر عليهم فهلكوا قطعاً، كما أمرهم بالإحسان في أعمالهم كافة ]، حتى في الطبخ، فالذي ما يحسن طبخ قدر هل يؤكل طعامه؟ الشاي إذا لم تحسن طبخه لا يشرب، فكيف بمعراج السماء الصلاة، إذا لم تحسنها ما تنتج الطاقة ولا تولدها أبداً.[ وإحسان الأعمال: إتقانها وتجويدها، وتنقيتها من الخلل والفساد، وواعدهم إن هم أحسنوا أعمالهم بتأييدهم ونصرهم، فقال تعالى : وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195] ومن أحبه الله أكرمه ونصره وما أهانه ولا خذله ]؛ لأن الله لا يهين أحباءه ولا يخذلهم، فما ذلك من شأنه عز وجل.

هداية الآيات

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ هداية الآيتين:من هداية الآيتين:أولاً: احترام الشهر الحرام وسائر الحرمات ]، فهيا نحترم الشهر الحرام، إذا دخل القعدة تركنا التدخين، دخل الحج فتركنا لعب الكيرم، دخل المحرم فتركنا السهرات، هذه أشهر حرم نحترمها، دخل رجب فما بقي فينا من يعصي الله، هذا شهر الله.[ ثانياً: جواز المقاصة والمجازاة لمن اعتدى بحيث يعامل بما عامل به سواء بسواء ].هذا في حق الحكومات لا في حق الأفراد، فـ( المرء مقتول بما قتل )، والقصاص لا يسقط إلا في شيئين: فجر فاجر بامرأة فماتت، فلا يقتل بالفجور به، وكيف يمكن ذلك؟ أو لاط لائط فقتل، فهل يقتل بطريق اللواط؟ كلا، أما إذا ضرب بعصا فإنه يضرب بعصا، أو سقى السم فإنه يسقى السم، أو قطع الرأس فإنه يقطع رأسه، المرء مقتول بما قتل، فالقصاص: المساواة.ففي الحديث: ( المرء مقتول بما قتل )، فالجارية التي قتلها اليهودي بحجر على رأسها أما قتله الرسول صلى الله عليه وسلم بالحجر أيضاً؟ هذا الحكم الشرعي، قتل برصاص يقتل برصاص، ذبح بسكين يذبح بسكين عندما يقام الحد عليه، إلا من قتل بزنا أو لواط فإنه لا يقتل بذلك، استثنى أهل العلم هذا الذي لا يمكن فيه المقاصة، فيقتل وكفى، فإن زنا حتى ماتت من زنا بها فإنه يقتل بها، أو لاط حتى مات من فعل به فإنه يقتل به، وفي باقي الأشياء المقاصة، كما لو أخذ منك نعجة فإنه تؤخذ منه نعجة، أخذ ألف ريال فيؤخذ منه ألف ريال، قطع يداً فتقطع يده، والذي يقوم بهذا هو الحاكم، أما أفراد الشعب والأمة فلا، ومن عفا وسمح وصفح فذلك أفضل له، وإن طالب بحقه فالقصاص، وقد سبق ما حكيناه عن الشافعي رحمه الله تعالى. [ ثالثاً: رد الاعتداء والنيل من المعتدي الظالم البادئ بالظلم والاعتداء ].هذا للدولة، يفعله إمام المسلمين إذا اعتدت دولة مجاورة، مع أن هذا منسوخ -كما قدمنا- بآية الجهاد، فالآن اعتدوا أو لم يعتدوا فنحن نعسكر أمامهم وندعوهم إلى الله ليدخلوا في رحمة الله، فهذه الآيات نزلت قبل آيات سورة التوبة.[ رابعاً: معية الله تعالى لأهل الإيمان والتقوى والإحسان ].معية الله: كون الله معهم يؤيدهم وينصرهم ويفتح عليهم ويحبهم، من هم؟ أهل التقوى والإيمان والإحسان، أما المعية العامة فالله عليم بكل خلقه، إذا كانت السموات يطويها بيمينه فأين البعد بيننا وبينه؟ نحن بين يديه حيثما كنا، فقط جاء المدفوعون إلى تحطيم الإسلام والقضاء عليه فجعلوا الحلول مبدأ وقالوا: الله حل في كل شيء، والله منزه أن يحل في هذه الأجسام الغارقة الباطلة الهاوية، هذا الكون يحمله بيديه فكيف يحل فيه؟ وهذا المذهب مذهب شر، وأخزاهم الله وما بقي منهم أحد، فحين نقول: الله معنا بنصره وتأييده فنعم، والله مع الكل أينما كانوا؛ لأنهم بين يديه كالنملة بين يدي إنسان، لا يخفى من أمرنا على الله شيء ولا يبعد عن الله منا شيء.[ فضيلة الإحسان لحب الله تعالى للمحسنين ].الإحسان ذو فضل كبير؛ لأنه يرزقك حب الله، وأي شيء يقربنا من حب الله هو أحب الأشياء إلينا، فالإحسان يقرب من حب الله؛ فالإحسان فضيلة لا تساويها فضيلة، اللهم اجعلنا من المحسنين.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #240  
قديم 14-10-2020, 06:12 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (126)
الحلقة (133)



تفسير سورة البقرة (91)

شرع الله عز وجل لعباده المؤمنين حج بيته الحرام، وجعل ذلك ركناً من أركان الإسلام التي يقوم عليها، فمن استطاع حج بيت الله وتوفر له زاده وراحلته وكفاية أهله وجب عليه الحج ولم يعذر بتركه، والحج يصاحبه أحياناً ما يمنع الحاج من إتمام حجه، لذا شرع الله له أن يشترط عند تلبيته بحج أو عمرة، حتى إذا ما أحصر ومنعه مانع من إتمام نسكه جاز له أن يتحلل في مكانه ويعود إلى بلده ولا شيء عليه.

تفسير قوله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- ندرس كتاب الله عز وجل، ورجاؤنا في الله أن يتحقق لنا ذلك الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وها نحن مع قول ربنا تبارك وتعالى من سورة البقرة: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [البقرة:196].معاشر المستمعين والمستمعات! هيا بنا نتدارس هذه الآية.فقول ربنا جل ذكره: وَأَتِمُّوا [البقرة:196] يخاطبنا الله عز وجل والحمد لله، ومن نحن وما نحن حتى يخاطبنا رب السماوات والأرض ورب كل شيء ومليكه؟ فالحمد لله، بم فزنا -يرحمكم الله- بهذا الكمال؟ هل بشرف الآباء.. بالوطن، بم؟ بإيماننا؛ لأن المؤمن حي متهيئ لأن يخاطب ويسمع ويعي ويفعل ويترك، والكافر ميت، فالحمد لله أن أحيانا الله مرتين: أحيانا بأرواحنا وأحيانا بالإيمان، فأصبحنا أهلاً لأن يشرفنا بأمره ونهيه.إذاً: نحن مأمورون بهذا، فبماذا يأمرنا؟ قال تعالى: وَأَتِمُّوا [البقرة:196] أيها المؤمنون الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196].

كيفية إتمام النسك لله تعالى

والسؤال: كيف نتمهما لله يا شيخ؟ بين لنا ما الطريق؟ الجواب: أولاً: ألا يخطر ببالنا خاطر يلفتنا إليه ويتركنا بعيدين عن ربنا، بل نتمهما لله وحده لا شريك له، ومن هنا فلا رياء ولا سمعة ولا قصد تجارة ولا كسب ولا فائدة، لا هم لك يا عبد الله إلا أن تحج أو تعتمر. وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196]، فلا يحل لك أن تدخل في حج ثم بعدما تأتي ببعض الفرائض تقول: يكفينا، أو: أنا شعرت بتعب فسأعود إلى أهلي، فإتمامهما من كلمة: لبيك اللهم لبيك إلى طواف الوداع، فلا يحل أن تنقص منهما واجباً ولا ركناً، هذا الإتمام، وأن يكون عملك خالصاً لله، لا تقل: أنا ذاهب إلى الحج وسأشتري بضائع من مكة فأربح فيها ما يشاء الله أن أربح، مع العلم أنك إذا ما نويت ثم وجدت بضائع في مكة أو في منى واشتريت للتجارة فلا حرج؛ لقول الله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:198]، لا تشرك التجارة في الحج أو العمرة، وإلا فما أطعت الله تعالى في أمره إياك بقوله: (وأتموا)، فقد نقصتهما وما أتممتهما.خلاصة ما نفهم به هذا ونقوله ونعمل به: أولاً: الإخلاص في هذه العبادة كغيرها، لا ليقال: حج فلان ولا اعتمر فلان، ولا لنشاهد البشرية أو نرى مظاهر الناس، لا يخطر هذا ببال، وإن خطر بباله لفظه وطرده، لا يريد إلا زيارة بيت الله والوقوف بعرفات يوم يباهي الله بعباده المؤمنين.ثم هذه النية -كما قدمنا- لا يخلط فيها عمله التعبدي بعمل دنيوي، لأنه تعالى قال: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196] فإتمامهما كيف يكون؟أولاً: بالإتيان بكل منهما وافياً كاملاً، لا يسقط ركناً ولا فرضاً ولا واجباً.ثانياً: أن تكون الفريضة لله لا يتمها لغير الله، ومن ذلك: ألا يشرك التجارة فيها فيحمل النقود ويقول: أنا إذا فرغت من الحج أو العمرة سأشتري بضائع وأبيعها، بل ينفي هذا عن نفسه، وإن حصل له ذلك.

معنى قوله تعالى: (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي)

وقوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] الإحصار والحصر معناه: أن عدواً أحصرنا في الطريق وقال: لن تدخلوا مكة، كما فعل المشركون بالمؤمنين في عمرة الحديبية، إذ خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم ومعه ألف وأربعمائة معتمرين يلبون من ذي الحليفة، وعلمت قريش بخروجهم فأعدت عدتها وجهزت جيشها وقالت: لن يدخلوا، إذاً: فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن نزل بالحديبية، وجرت سفارة بينه وبين قريش، وانتهت بألا يعتمروا هذا العام ولهم أن يعتمروا العام المقبل، وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك تسمى بعمرة القضاء أو القضية، وتمت الاتفاقية على صلح بارك الله فيه ونفع الله به المؤمنين نفعاً عظيماً، ومن ذلك إلقاء السلاح وإطفاء نار الحرب عشر سنين. فحين حصروا ما كان من الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن أمر أصحابه بأن ينحروا ويذبحوا ما عندهم ويتحللوا.

حكم التحلل بحصر المرض

إذاً: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ [البقرة:196] بسبب العدو أو بسبب مرض شديد مانع، وهنا يقف مالك وحده ومعه الشافعي فيقولان: المريض يبقى على إحرامه ولو بقي سنة لا يتحلل حتى يعود إلى مكة ويطوف، وفي هذا من الشدة ما فيه.ثم إنه ليس عندهم دليل، فالأمر قضية اجتهادية، فما دامت اجتهادية فالإحصار كما يكون بالعدو يكون بالمرض، سواء بالسيف أو بالأذى، وهل إذا ما استطاع أن يواصل العمرة أو الحج يبقى سنة وهو في مرضه على إحرامه يلبي؟ رحمة الله أوسع من هذا؛ فلهذا آثرنا هذا، فجعلنا الإحصار بالعدو وبالمرض الشديد، لا أن يبلغه أن امرأته ماتت أو حدث حادث في بيته فيرجع، هذا لا يسمى إحصاراً، الإحصار حقاً من الحصر والضغط، فما يستطيع، لمرض، أو عدو قال: لن تمر هذا العام، فما الحكم؟قال تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ [البقرة:196] فالواجب هو فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] إن استطعت، يعني: شاة أو بقرة أو بعيراً، الذي يتيسر لك، فَمَا اسْتَيْسَرَ [البقرة:196] أي: استسهل وخف وسهل، فاذبح وعد إلى بيتك. فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] والهدي ما يهدى إلى الحرم لجيران الله عز وجل، فالواجب هو ما استيسر من الهدي.

معنى قوله تعالى: (ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله)

(( وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ))[البقرة:196] إذا كان في الإمكان أن نبعث بالغنم.. بالبقر.. بالإبل إلى مكة فتذبح في الحرم، وحين نعلم أنهم وصلوا وانتهوا نحلق رءوسنا ونلبس ثيابنا ونعود، والمسافة ليست بعيدة، وإذا كان لا يتأتى أن نذبح في مكة فإننا نذبح في المكان الذي نحن فيه إذا كنا في قرية من القرى، فإن لم نستطع فإنا نذبح في أي مكان، أو نعود إلى المدينة ونذبح ونوزع على الفقراء والمساكين، (( فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ))[البقرة:196]، وبعدما نذبح نحلق شعورنا ونعلن عن تحللنا.(( وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ))[البقرة:196] ومحله الحرم، ليس مكة فقط ومنى، الحرم حدوده عشرين كيلو من الغرب وحوالي سبعة عشر من الشرق وكذا من الجنوب وسبعة كيلو من الشام؛ لأن ميقات عائشة هو التنعيم أو جبال التنعيم، هذه قريبة من مكة، والآن دخلت المباني وغطتها، لكن بقيت حراماً إلى يوم القيامة.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 268.37 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 262.48 كيلو بايت... تم توفير 5.89 كيلو بايت...بمعدل (2.19%)]