موسوعة الشفاء للإعجاز العلمي فى القران والسنه .. بالإضافه الى اخر المقالات المنشوره - الصفحة 174 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         نظرات في رِسَالَةٌ فِي الصُّوفِيَّةِ وَالْفُقَرَاءِ (اخر مشاركة : رضا البطاوى - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4376 - عددالزوار : 826444 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3907 - عددالزوار : 374334 )           »          سحور 9 رمضان.. حواوشي البيض بالخضار لكسر الروتين والتجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 283 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 361 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 480 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 380 )           »          صحتك فى شهر رمضان ...........يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 376 )           »          اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 382 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > الملتقى العلمي والثقافي

الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1731  
قديم 12-01-2014, 08:59 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي رد: موسوعة الشفاء للإعجاز العلمي فى القران والسنه .. بالإضافه الى اخر المقالات المنشو

يتبــع الموضوع السابق

هل القرآن يغني عن السنة ؟

هل تريد أن يقول: لا عليه أن يغسل يده من بقايا هذا الطعام، و أن يجعلها تذهب إلى المصارف، فتمتزج مع القاذورات
؟!..
هل هذا هو المتفق مع مدنيتك التي تعتز بها؟ و هل هذا هو الذي يتفق مع مقتضى الشكر على نعمة أسداها الله عز و جل إليك؟ أم هل تريد من رسول الله أن يقول لك: إذا رأيت أنك قد تركت بقايا طعام في أطراف الإناء فما عليك إلا أن تقوم مشمئزاً منها معرضاً عنها، و لا عليك، و قد أشعرك الشبع بالقرف منها، أن تلقي فوقها من رماد دخينتك، و ما قد مسحت به فمك و أنفك من قطع المحارم الورقية!!.. أغلب الظن أن رسول الله لو علمك أن تفعل هذا لهللت و استبشرت و كبرت، و انتشيت لهذه التعليمات التي تتفق مع مدنيتك.
و لكن تعالوا نضع هذه المدنية الحديثة في الميزان، ميزان الذوق الإنساني الرفيع، ميزان الوفاء للمنعم عز و جل، أي عاقل يقول: إن هذا الميزان يقضي بأن يترك الإنسان بقايا الطعام بهذا الشكل بعد أن يشبع، بل يقضي بأن يتعمد ترك شيء منه في الطبق و أن يقوم عنه قيام المشمئز منه و المترفع فوقه ؟!..
إن الذي يفعل هذا إنسان لئيم بغير شك!..
و لكي تعلم صدق ما أقول قارن بين حالتك و أنت جائع شديد الجوع حتى لكدت أن تقع في مسبغة مهلكة، ( و كلنا معرضون لهذا ) و بين حالتك و أنت تتقلب في النعم التي أنت فيها، ماذا كنت تصنع لو ألمت بك الحالة الأولى ( و مرة أخرى أقول: كلنا معرضون لها ) و رأيت هذه البقايا من الطعام في قعر إناء.
ستقبل إليها و تلتهمها بالملعقة ثم بأصابعك، بل بلسانك أيضاً، ستلعق كل ما يوجد من آثار لهذا الطعام في الإناء، لأنك جائع، و لا أحد يعتب على الجائع فيما يصنع، لأننا كلنا هذا الرجل عندما ينتابنا الجوع..
ترى هل علي أن أمثل من نفسي حالة المستغني عن الله و عطائه، عندما يعطيني فأشبع، ناسياً ما أنا معرّض له في كل ساعة، فأترفع عن بقايا الطعام المتفرق في أطراف الطبق، و أجعل من ترفعي هذا لسان استغناء و كبرياء أمام الآخرين، ثم لا أبالي أن تذهب هذه البقايا في المجاري مع القاذورات، و أنا أعلم أن الله لو زجني في حرمان مطبق مجيع، فلسوف أبحث عن هذه البقايا و أمثالها بين القمامة و على " المزابل " و لربما أزاحم في ذلك الحيوانات؟!..
أما منطق اللؤم فيقول نعم، لك أن تسكر بالعطاء و تنسى المعطي. و لا تشغل بالك باحتمالات الحرمان، فلكل حادث حديث!!..
و أما منطق الشكر و الوفاء فيقول: يجب أن يكون لسان الناطق بحمد الله في الشبع، هو ذاته لسانك الناطق بحمده في الجوع. إذ أنت عبده الضعيف في كلا الحالين، و أنت المحتاج إليه عند إقبال النعمة كما أنت محتاج إليه عند إدبارها..
و يقول منطق الوفاء: إن جوهر الشكر لله لا يستبين لدى التهامك الطعام و التقاطك لنثراته وأنت جائع، إذ أنت إنما تتعامل في هذه الحال، مع مشاعر جوعك و حاجتك .. و إنما يستبين جوهر الشكر عندما يشبعني الله و يغنيني، ثم أقبل إلى الطعام بالطريقة ذاتها، ألتقط نثاره، و أتعقب بقاياه، أينما كانت على أصابعي أو داخل طبقي أو ما تساقط منه حولي.. أحفل بذلك كله و أنا أتمتع بنعيم العطاء، كما كنت أحفل به أيام الجوع و البأساء..
و يقول منطق الشكر و الوفاء: من حمد الله على نعمته في السراء وقاه الله بذلك من الضراء.
إذن فحديث مسلم عن جابر الذي يأمر فيه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بلعق الأصابع ومسح الطبق من بقايا الطعام، دعوة إلى الشكر و الوفاء و تحذير من اللؤم و الاستكبار.
و أشهد أنه لا يشمئز من هذا الحديث و يتسامى على إتباعه، إلا من يشمئز من الشكر والوفاء، و يجنح إلى اللؤم و الكبرياء.
تلك هي المعذرة الثانية التي تُصطنع اليوم لإبعاد السنة عن مجال الحجية بها، و للتفريق الذي حذر القرآن منه بين الله و رسوله.. فهل هناك من معذرة أخرى؟
ربما كانت معذرتهم الأخرى، أن في أحاديث رسول الله و تصرفاته، ما يبدو لكل متأمل و ناظر أنه لا ينطلق إليها من قرار ديني بعث به، و لكنه يمارسها كأي منا بحكم بشريته و إنسانيته، و بحكم تعامله مع الدنيا كسائر الناس الآخرين.
و نقول في الجواب عن هذا: مع يقيننا بأن سنة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) مصدر من مصادر الشريعة الإسلامية فعلاً، بنص من كلام الله سبحانه و تعالى، و بقرار من القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، نقول: هل كل تصرفات رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تعد سنة نافذة، و من ثم فهي مصدر ثان من مصادر الشريعة الإسلامية؟
لا .. هناك تصرفات داخلة في الأعمال الجبلية، التي تصدر من المصطفى (صلى الله عليه وسلم) بوصف كونه بشراً من الناس، يأكل كما يأكلون، يشرب كما يشربون، ينعس فينام، يتعب فيستريح، يتصرف التصرفات الجبلية التي يتعرض لها الناس بحكم بشريتهم، يناقش في أمر الأطعمة و تحضيرها مثلاً، أو الآبار وحفرها، أو التكتيكات العسكرية و اختيار أجداها.
هذه الأمور لا تدخل في نطاق السنة، التي هي مصدر من مصادر التشريع، أي الحرام و الواجب و الحلال و المكروه و نحو ذلك.
من المعلوم أن أمهات الكتب التي تعنى بأصول الفقه تحفل ببيان هذا الأمر و تفصيل القول فيه. و من خير من كتب فيه الإمام الشاطبي في كتابه "الموافقات".
حتى الأقوال و الأفعال التي تدخل في معنى السنة، التي هي المصدر الثاني للتشريع، إنما تأخذ حجيتها من إقرار القرآن لرسول الله عليها ببيان مؤكد، أو بسكوت ينبئ عن الإقرار بها و عدم المعارضة لها. فمصدر انقيادنا لهذه السنة يقيننا بأنه رسول من عند الله، فهو لا يأمرنا أو ينهانا إلا بالذي يأمرنا به أو ينهانا عنه الله.. و عندما يخطّئ الله رسوله في أمر ما، فإننا في كل الأحوال إنما نتلقى تعاليمنا من عند رسول الله.. و كل ما يخبرنا به أو يجتهد فيه من أمور الدين، فهو بالنسبة إلينا حق يجب الانقياد له و الأخذ به، و عندما يأتيه تصحيح من عند الله، فإنما نأخذه نحن من عند رسول الله لأنه هو واسطتنا في الانقياد لأوامر الله.. و هذا هو معنى قول الله تعالى (و ما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله )[النساء: 64].
إذن فحيثما أقر القرآن تصرف المصطفى (صلى الله عليه وسلم) بسكوت أو بتأكيد فقد ترسخت حجية السنة التي نطق بها أو فعلها رسول الله و تأكد وجوب انقيادنا له. و حيثما استدرك القرآن على شيء قاله المصطفى (صلى الله عليه وسلم)،أو على أمر اجتهادي اجتهده النبي فالحجة تستقر بما قد نطق به كتاب الله سبحانه و تعالى، و لكن عن طريق خبر رسول الله و بيانه. و لعل هؤلاء الذين يقولون: القرآن يغني عن السنة، لم يدرسوا هذه القواعد و الأحكام العلمية عن السنة و لو يدركوا حقيقتها و أبعادها.
و إذن فنحن في كلا الاحتمالين المتوقعين لنتيجة اجتهاده مكلفون بأتباعه وطاعته.
فمثلاً، جاءت زوجة أوس بن الصامت إلى رسول الله تشكو إليه أن زوجها قال لها: أنت مني كظهر أمي، و أخذت تسأله عن معنى هذا الكلام، فقال لها: ما أراك إلا قد حرمت عليه، قاله اجتهاداً من عنده.. أي الذي أراه أن هذا كناية طلاق، لذا فينبغي أن تكوني قد حرمت عليه.. و يبدو أنها أدركت أنه قال ذلك اجتهاداً لا عن وحي، فناقشته قائلة: لعله لم يرد طلاقاً، و لكنه (صلى الله عليه وسلم) عاد فقال لها: ما أراك إلا حرمت عليه، فقالت له يا رسول الله: إن لي منه صبية إن ضممتهم إلي جاعوا، و إن تركتهم إليه ضاعوا، و لكنه عاد فقال لها: ما أراك إلا قد حرمت عليه!.. فقامت تقول: أشكو إلى الله أمري!..
و سرعان ما نزل على رسول الله قوله تعالى: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها و تشتكي إلى الله و الله يسمع تحاوركما )[المجادلة : 1]. إلى أن قال تعالى : (و الذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ) [المجادلة : 3] إلى آخر الآيات . فأوضحت الآيات أن كلام أوس ليس طلاقاً، كما قد اجتهد رسول الله، و إنما هو ظهار، و من ثم فبوسعه أن يعود إلى زوجته بعد الكفارة التي يجب عليه أن ينفذها. فأرسل النبي وراء زوجة أوس بن الصامت، و تلا عليها الآيات التي أنزلها الله سبحانه و تعالى عليه، وبين لها الحكم الذي أوحى به إليه الله عز و جل..
والمهم أن نعلم بأن امرأة أوس إنما تلقت الحكم الذي يجب عليها أن تأخذ نفسها به ، في كلا الحالتين من رسول الله (ص). فعندما اجتهد في الحالة الأولى و أنبأها بأنها قد حرمت عليه، كان واجباً عليها الانقياد لبيانه و طاعته في حكمه لأن الله قد أمرها و المسلمين جميعاً بطاعة رسول الله. و عندما تنزل عليه التصحيح و أنبأها به، وجب عليها أن تطيعه (صلى الله عليه وسلم) وتنقاد لبيانه الثاني هذا. و هذا هو معنى قولنا: إن الله يملك أن يصحح اجتهاد رسول الله و أن يدله على ما هو الحق في علمه، و لكن أحداً من غير الله لا يملك أن يخطئه في اجتهاده و يعصيه في ذلك بهذه الحجة.
و بعد فتلك هي حجج هؤلاء الذين يطرحون هذه المقولة و ينشرونها و يذيعونها، و ربما ألفوا فيها الكتب، و كتبوا فيها المقالات، و نشروا الدوريات، و عادوا و كرروا بإلحاح أن القرآن يغني، في هذا العصر، عن السنة. و قد تبين لنا أنها أعذار وهمية، لا ظل لها من الدلالة العلمية و البرهان المنطقي.
إذن، فلا بد أن نصنفها في قائمة الأغلوطات.
و قد آن لنا الآن، و قد تبين لنا بطلانها في ميزان الدراية العلمية و المنطقية أن نلفت النظر إلى بعض الخطط الخارجية المرسومة لإقصاء هذه الأمة عن إسلامها من حيث لا تشعر، و إلى أن الدعوة إلى نبذ السنة ليست إلا استجابة لأوامر صادرة من أصحاب تلك الخطط.
وليم كليفورد مدير معهد علم الإجرام في استراليا، أوفدته هيئة الأمم المتحدة ممثلاً لها لحضور سلسلة مؤتمرات "المنظمة العربية للدفاع الاجتماعي ضد الجريمة" و المنبثقة عن جامعة الدول العربية، بصفة مراقب، كان ذلك في أواخر السبعينات.
عاد كليفورد هذا بانطباعات و اقتراحات ضمنها تقريراً مطولاً، أودعه بعض أروقة الأمم المتحدة، ثم قدمه إلى دوائر أميركية خاصة تعنى بأحوال الشرق الأوسط.
و قد شاء الله أن يصل هذا التقرير المطول إلي.. و قد كتبت عنه دراسة مفصلة في كتابي "على طريق العودة إلى الإسلام" و ها أنا ألفت النظر هنا إلى أهم النقاط التي فيه.
أولاً: يقرن الكاتب بين ما يسميه "حركة انبعاث إسلامية قوية تغذيها ولية مضادة للاستعمار و بين ما يراه انهياراً بصورة ملحوظة لتلك الهيبة التي كانت تنبع سابقاً من اقتباس النماذج المثلي من المجتمعات الحضارية الغربية التي هي أكثر تفوقاً من الناحية الفنية و الأكثر تقدماً و غنى".
ثانياً: يحمل الكاتب الغرب من خلال هذه المقارنة مسؤولية النتائج التي قد تنجم من ذلك الانبعاث الإسلامي الحثيث الذي بات ينذر بتجاوز الحدود التقليدية للممارسات الإسلامية، حيث يبرز على أنه نوع من السعي الحثيث إلى استعادة تحقيق الذات.
ثالثاً: يتوقع كاتب التقرير، بقدر كبير من الخوف و القلق أن يحقق هذا الانبعاث النجاح المطلوب في المرافق الاجتماعية و السياسية، بحيث يتسبب عن هذا النجاح ما يضاعف حماس الشعوب الإسلامية في دعم انبعاثها الإسلامي و استعادة نظمه و أحكامه.. لذا فالمتوقع من النجاح الدنيوي و الحماس الديني أن ينفخ أحدهما القوة في الآخر، على حد تعبيره.
رابعاً: يربط الكاتب مخاوفه هذه بالقوة المادية الأولى التي يتمتع بها الشرق العربي، ألا و هي النفط.. و يكرر بشدة أن حركة انبعاث إسلامية جادة، تدعمها الطاقة المادية التي يتمتع بها أصحاب ينابيع النفط، كفيلة بقلب موازين الحضارة كلها، و القضاء على ما تبقى للغرب من هيبة و نفوذ، على حد تعبيره.
خامساً: يؤكد الكاتب أهمية القضاء على هاتين القوتين: المادية و الدينية، و يوصي باتباع السبل الكفيلة بوضع الغرب يده على ينابيع النفط!..
و فيما يتعلق بالخوف من الرجوع إلى ينابيع الشريعة الإسلامية يوصي بالعمل على ما يلي:
أولاً: فصل القرآن عن السنة و إقناع المسلمين بأن ما يسمى سنة ليس إلا اجتهادات شخصية من النبي عليه الصلاة و السلام.
ثانياً: إخضاع القرآن للاجتهادات و التأويلات المفتوحة و الكفيلة بمسايرة الإسلام للحضارة الغربية و اندماجها في سياسة الغرب.
هذا تلخيص لتقرير مطول يبلغ 30 صفحة، و أعتقد أن بوسع كل مثقف أن يلاحظ كيف طبق الشطر الأول من توصية " كليفورد " ذلك الشطر الداعي إلى بسط الغرب سلطانه على ينابيع النفط، كأدق ما يكون التطبيق. كما أن بوسع أي مثقف أن يلاحظ أنشطة الجنود المكلفين بتنفيذ الشطر الثاني منها، و الداعي إلى فصل القرآن عن السنة و تسليط الاجتهادات الكيفية على القرآن..
فالدعوة إلى نبذ السنة و الاكتفاء بالقرآن ناشطة في كل البلاد العربية، و ما وراءها من الأقطار الإسلامية، الأسلوب واحد و المبررات واحدة..
و القصد من هذه الخطة إخراج القرآن من حصنه الذي يحرسه و يحميه ألا و هو السنة، حتى إذا تهاوت من حوله رقابة السنة و ضوابطها، و ظهر القرآن أمام جمهرة العابثين به في العراء، سهل عليهم أن يفرغوه مما لا يريدون و أن يملؤوه بعد ذلك بما يريدون، و أن يجعلوا أخيراً من القرآن مخلاة لما توحي به الدوائر الغربية من الأفكار و الفلسفات التي تضمن بقاء هيمنة الغرب على هذا الشرق الإسلامي، و تقضي على الأخطار التي يحذر منها ( بهلع شديد) وليم كليفورد.
و انظروا كيف تسير الدعوة المهتاجة إلى نبذ السنة جنباً إلى جنب مع الدعوة إلى ما يسمى ب "القراءة المعاصرة" ..
أجل، القراءة المعاصرة هي البديل الذي ينبغي أن تحل محل السنة!.. أن يشرح رسول الله القرآن الذي تنزل عليه، لا، ليس هذا من حقه!.. أما أن يحل محله من يصرون اليوم على أن يخضعوه من خلال القراءة المعاصرة، لما يشتهون و يهوون و لما يمليه عليهم منفذو توصيات وليم كليفورد، فذلك حق ثابت لهم!!..
و ما هي "القراءة المعاصرة".
هي البديل المقترح عن قواعد تفسير النصوص التي تخضع لها اللغة العربية منذ عمر هذه اللغة إلى يومنا هذا، و التي يتم التخاطب على أساسها بين المتحاورين، مثل قاعدة: الأصل في الكلام الحقيقة، و لا يصار إلى المجاز إلا عند تعذر الحقيقة، و قاعدة اللفظ العام يجري على عمومه، و قاعدة العام يجري على عمومه، و قاعدة اللفظ المطلق يحمل على الفرد الكامل، يحمل المطلق على المقيد و ليس العكس، العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.. الخ.
و العجيب الذي يفضح هذه الخطة من مصدرها المرسوم إلى عملائها المنفذين، أن هذه "القراءة المعاصرة" لا تستدعى لتسلط على النصوص القانونية، و لا على النصوص الفلسفية، ولا على نصوص التاريخ، و لا على الأدب الجاهلي و لا القصة القديمة.. و إنما يلاحق بها القرآن حصراً.. فمن هو ذاك الغبي الذي يجهل معنى هذه الدعوة و ما وراءها؟..
وبوسعك أن تجد هذه الشنشنة بالطابع ذاته أينما حللت و اتجهت من البلاد الإسلامية العربية و غيرها.
في تركيا دعوة ملحة إلى إخضاع القرآن للقراءة المعاصرة.
في مصر.. في الباكستان، في البلاد الإسلامية من جنوب شرق أسيا، و إنك لتنظر فتجد المعزوفة هي هي، و اللحن هنا وهناك هو هو ..
ولا بد أن نستجيب للعقل فنلاحق دعاة القراءة المعاصرة بالسؤال التالي: إن كان مبدأ القراءة المعاصرة هو الحق في دراسة القرآن و فهمه، و القواعد العربية التي كان التخاطب يتم بها مع العرب الذين تنزل القرآن بينهم و في عصرهم، باطلة و غير صحيحة، فلماذا لا تطبق القراءة المعاصرة هذه على كل الكلام العربي الذي وجد في عصر نزول القرآن أو من قبله أو من بعده؟ و لماذا لا يتم تحريره هو الآخر من ربقة تلك القواعد العربية المعتمدة في أصول التخاطب؟!.. لماذا لا يخضعون مراجع الفلسفة القديمة للقراءة المعاصرة.؟ لماذا لا يخضعون الأدب الجاهلي و المعلقات العشر، كمعلقة امرئ القيس و غيرها للقراءة المعاصرة؟!..
لماذا القرآن وحده، دون غيره من هذه الكتب القديمة كلها، هو الذي يراد بإلحاح إخضاعها للقراءة المعاصرة؟!..
الجواب الواضح هو أنه لا مصلحة لدى أصحاب هذه الدعوة و ملقنيهم بالتلاعب بشعر امرئ القيس أو النابغة الذبياني أو التاريخ أو الأدب أو غيرها.. إذ الهدف المطلوب هو تغيير الإسلام و تبديد مبادئه و أحكامه و بتر صلة ما بينه و بين المسلمين الذين يأبون إلا انقياداً لأوامره و أحكامه، كما ألح على ذلك وليم كليفورد في نهاية تقريره.. و إنما يتم هذا الهدف بتسليط القراءة المعاصرة على القرآن ، لا على كتب التاريخ و الأدب و نحوها.
غير أن سلطان القراءة المعاصرة لا يمكن أن يهيمن على القرآن، ما دامت السنة النبوية تحرسه و تحمي معانيه و أحكامه. لذا فقد كان لا بد من إقصاء السنة و القضاء عليها أولاً.
أخيراً أذكركم بالوصية التي أوصى بها الزعيم الشيوعي الإيطالي ( تولياني ) قبل موته عام 1963 فلقد كان من وصيته أن لا يحارب الإسلام من خارج سلطانه و دائرته، لأن ذلك يثير ردود فعل كثيرة عند المسلمين، و إنما النهج الأمثل هو التسرب إلى داخل الإسلام، و القضاء عليه من داخله، باسم الاهتمام به و تجديده و الغيرة عليه.
غبي جداً من يتصوربعد هذا – أن هؤلاء الذين يسعون اليوم إلى القضاء على الإسلام من داخله، أنصار و جنود له.. و لكن الأغبى منه من يسعى هذا السعي للعبث بالإسلام و القضاء عليه، و هو يظن أن في المسلمين الصادقين في إسلامهم من ينطلي عليه خداعه و يؤخذ بألاعيبه و دجله..
المصدر:مقتبس من كتاب يغالطونك إذ يقولون؟!! بقلم الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي
  #1732  
قديم 12-01-2014, 09:01 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي رد: موسوعة الشفاء للإعجاز العلمي فى القران والسنه .. بالإضافه الى اخر المقالات المنشو

تطور دراسة الإعجاز القرآني على مر العصور

أ.د / عبد الغني محمد بركة
أستاذ متفرغ بكلية اللغة العربية، ووكيل الكلية الأسبق في جامعة الأزهر
بدايةً ... إن استيعاب هذه الجهود العلمية الزاخرة بالأفكار والقضايا والمناقشات والآراء، في إطار مقالة مختصرة أمر فوق الطاقة.
لهذا: أرجو أن تعتبر هذه المقالة رؤوس موضوعات، تلقى عليها بعض الأضواء لتكون مرشداً لمن يرغب في مواصلة بحث الموضوع باستيعاب وتعمق، ويمكننا أن نشير على النقاط الأساسية التي سنحاول أن نجمع فيها أطراف الموضوع.
بحيث تمهد كل نقطة لما تتلوها، وتلتحم بها، ليشكل المجموع بناء مترابط الأجزاء، يعطي فهماً للموضوع حسب الطاقة.
سنبدأ ـ إن شاء الله ـ ببيان معنى الإعجاز والمعجزة، وكيف أنها ضرورة لإثبات صدق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ثم ننتقل إلى الحديث عما امتازت به المعجزة القرآنية عن غيرها من معجزات الأنبياء السابقين، نظراً للخصائص التي انفردت بها الرسالة الإسلامية، ثم نستعرض المراحل التي مرت بها قضية الإعجاز بدءاً من صدر الإسلام، وانتقالاً إلى مرحلة تالية ركز العلماء فيها جهودهم على مواجهة ما أثاره المشككون من شبهات حول الموضوع، ثم إلى مرحلة نضج القضية، وإبراز الجوانب الموضوعية التي جعلت من النص القرآني نصاً معجزاً، ثم ننتقل أخيراً إلى العصر الحديث، وما قام به علماؤه من إضافات أكدت أن الإعجاز القرآني إعجاز دائم متجدد على مدى الزمن، لتظل الدعوة الإسلامية محروسة بدليل صدقها حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
أما عن المعجزة: فهي مشتقة من الفعل: ( أعجز ).
نقول: أعجزني هذا الشيء، أي: صيرني عاجزاً، بمعنى: أنه فاق قدرتي، ولم أستطع القيام به.
ومن هنا عرف العلماء المعجزة بأنها: أمر يجريه الله على يد نبي من أنبيائه عليهم السلام، يفوق قدرة البشر، ويتحدى به النبي قومه فلا يستطيعون مجتمعين أو متفرقين أن يأتوا بشيء يماثله، والحكمة في ذلك: أن ادعاء النبوة وما يلزمه من الاتصال بالملأ الأعلى، وتلقى خبر السماء، لا تسلم به العقول دون دليل حاسم يثبته، ولهذا جرت سنة الله تعالى أن يظهر على يد كل نبي أمراً معجزاً يكون دليلاً على صدق دعواه، حتى يتبين الحق من الباطل، وتنقطع حجة المعارضين.
ووجه دلالة المعجزة على صدق النبي، أن العقل يدرك أن الكون يسير على سنن مطردة، وأن هناك ارتباط لا يتخلف بين الأسباب ومسبباتها العادية، فالنار تحرق، والولد يولد من أب وأم، إلى غير ذلك من الربط بين الأسباب ومسبباتها، فإذا تخلفت الأسباب عن مسبباتها، فولد ولد من غير أب كعيسى عليه السلام، أو أصبحت النار لا تحرق، بل تكون برداً وسلاماً، كما حدث لإبراهيم عليه السلام، أو تحرك الجامد كما حدث لعصى موسى، إذ انقلبت حية تلقف ما يأفكون.... إذا حدث هذا حكم العقل بأن الذي فعل ذلك لا بد أن يكون فوق الأسباب ومسبباتها، وأنه يفعل ما يشاء ويختار، وأن الذي خرق العادات لا بد أن يكون هو خالقها وموجدها، وأن خرق العادات لا بد أن يكون مقصوداً، فإذا علمت الغاية، وبينت المقاصد تبين صدق ما يدعيه النبي.
ولكي تكون المعجزة قاطعة لكل حجة، كانت دائماً من جنس ما يحسنه قوم النبي وينبغون فيه، إذ تكون بهذا أقوى دلالة على صدق النبي في دعواه.
وعلى هذه القاعدة المطردة، جاءت معجزة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قرآناً يتلى، لأن البيان كان مناط فخر العربي، وموئل تطاولهم واعتزازهم.
غير أن النظرة الدقيقة تعطي معجزة نبينا صلى الله عليه وسلم أبعاداً أخرى، تتناسب مع طبيعة رسالته الخاتمة.
ذلك أن معجزات الأنبياء السابقين، كانت مادية ملموسة ينتهي أثرها بمجرد إعلان تعاليمها، ولا تلزم إلا من اطلع عليها أو صدق من أخبره بها، لأن ذلك هو المناسب لطبيعة هذه الرسالات السابقة على الرسالة الإسلامية.
فقد كانت كل رسالة خاصة بقوم النبي الذين بعث إليهم كما أنها رسالات مؤقتة بزمن معين، لا يمضي وقت حتى يصطفي الله نبياً جديداً، يحدد ما أندرس من الشريعة السابقة، أو يضيف إليها ويوسع في آفاقها، حسبما يقتضيه تطور البشرية.
أما رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فلها طبيعة أخرى، إذ هي خاتمة الرسالات جميعاً، وهي الحلقة الأخيرة في سلسلة النبوات الطاهرة، كما أنها عامة للبشر جميعاً، وصدق الله العظيم حيث يقول: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ، وحيث يقول سبحانه: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين)[سورة الأحزاب:40].
ومن هنا كان لا بد أن تكون معجزته شيئاً باقياً ثابتاً أبد الدهر، لتكون حجة الله القائمة على خلقه في كل زمان ومكان.
ولتظل الدعوة محروسة بمعجزتها، مقرونة بدليل صدقها إلى قيام الساعة، فكانت المعجزة المحمدية قرآناً يتلى، ويتعهد الله بحفظه وصيانته من أن يبدل أو يحرف إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون .
ولقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، فيما يروى عنه أنه قال: ( ما من نبي إلا أوتي ما على مثله آمن البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة ) متفق عليه.
والعجيب: أن العرب ظلوا يطالبون الرسول عليه السلام بمعجزات مادية، من جنس معجزات الأنبياء السابقين، ويحكي القرآن الكريم عنهم ذلك: )وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعاً (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلا بَشَراً رَسُولاً (93) )[سورة الإسراء].
ولكن الله تعالى بين لهم أنهم إذا كانوا صادقين حقاً، وفي أنهم سيستجيبون للمعجزات، فإن القرآن أكبرها جميعاً وأعلى شأناً مما يطلبون )وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيات عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51))[سورة العنكبوت].
هذا، وقضية الإعجاز القرآني من أولى القضايا التي اتجه العلماء إلى دراستها، وبذلوا جهوداً هائلة في تحقيقها، والكشف عن أدلتها، وتتبع أوجهها، إذ هي الأساس الذي يقوم عليه البناء الإيماني للمسلم، فالذي يطمئن عقله وقلبه، ويصل إلى اليقين بأن القرآن الكريم معجز للبشر وأنه من المستحيل أن يتمكن البشر مجتمعين أو متفرقين أن يأتوا بمثله.
أقول: إن الإنسان الذي يصل يقينه إلى هذا الحد، ليس أمامه إلا أن يسلم بأن القرآن الكريم من عند الله وما دام القرآن من عند الله فكل ما تضمنه حق خالص، لا سبيل لباطل إليه، ويكون ذلك موجباً للإيمان بما فيه، والانقياد لتعاليمه، والسير على هداه.
ولنبدأ بالقضية في مراحلها الأولى، منذ بدء الدعوة، فلا خلاف في أن للعرب الذين نزل فيهم القرآن الكريم قدم راسخة في البيان والبلاغة، وقدرة فائقة في تذوق الكلام والتمييز بين جيده ورديئه، فقد امتازوا من بين معاصريهم من الأمم بالنزوع إلى الكلام الطيب، وأقاموا الأسواق الأدبية، يعرض فيها كل بليغ ما تجود به قريحته من شعر أو خطبة أو حكمة، كانوا يتبارون في التجويد، ويحتكمون إلى نقاد شهدوا لهم بالقدرة على النقد والتمييز بين الكلام، فيقدم هذا ويؤخر ذلك تبعاً لما تضمنه كلام كل منهم من بلاغة وقوة.
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام، أنه قد حدثت قبل البعثة المحمدية أحداث كانت توطئة وتمهيداً لما سيحدث بعد البعثة من تحد للعرب جميعاً ببلاغة القرآن وإعجازه، فوجود الكعبة المشرفة في مكة وتوافد العرب من أنحاء الجزيرة العربية عليها في مواسم الحج، ووقوعها أيضاً في منتصف الطريق بين اليمن جنوباً والشام شمالاً، وهي طريق ممهدة مسلوكة لقوافل التجارة، هذا الوضع الفريد أحدث تقارباً بين اللهجات العربية، وجعل لهجة قريش هي السائدة بين العرب، ففي مكة تختلط القبائل وتتلاقح اللهجات العربية وتتقارب، وتصفي مما بها من وعورة وغرابة، فتتماذج لتصبح لهجة سائدة يتكلمها الجميع، ويبدعون بها آثارهم الأدبية، وقد أدى ذلك كله إلى أن يصبح العرب جميعاً في ربوع الجزيرة العربية، وأنحائها مؤهلين لتذوق بلاغة الكلام في راقي مدارجه.
وفي هؤلاء القوم الذين يعتزون بالبيان، ويتناقلون شوارده ودرره، وتهنأ القبيلة بالشاعر ينبغ بين أبنائها، لأنه سيكون الصوت المدافع عنها، والمذيع لمفاخرها.
في هؤلاء القوم نزول القرآن الكريم، وتلا عليهم المصطفى صلى الله عليه وسلم ما يتلقاه من ربه، وتتابعت نجوم القرآن الكريم على قلب رسول الله، وعلى الفور أدرك العرب أنهم أمام شيء لا عهد لهم به، وأن ما يسمعونه إنما هو كلام معجز لا يستطيعه بشر.
وقد أتضح هذا بجلاء فيما رواه التاريخ الصحيح عنهم، سواء في ذلك ما صدر عن بعضهم من أقوال، أو ما ثبت من أحوال حين تحداهم القرآن الكريم أن يأتوا بمثله أو بشيء من مثله.
أما عن أقوالهم فمن ذلك: حديث الوليد بن المغيرة حين أتى قريشاً فقال: إن الناس يجتمعون غداً بالموسم، وقد فشا أمر هذا الرجل ـ يعني: النبي صلى الله عليه وسلم ـ فهم سائلوكم عنه فبماذا تردون عليهم، فأخذوا يتدارسون الأمر فقالوا: نقول: مجنون يحنق ـ أي: يشتد غضبه فلا يدري ما يقول. فقال الوليد: يأتونه فيكلمونه، فيجدونه صحيحاً فصيحاً عادلاً، فيكذبوكم. فقالوا: نقول هو شاعر: قال الوليد: هم العرب، وقد رووا الشعر، وفهم الشعراء، وقوله ليس يشبه الشعر فيكذبونكم. قالوا: نقول كاهن، قال: إنهم لقوا الكهان، فإذا سمعوا قوله لم يجدوه يشبه الكهنة، فيكذبونكم. ثم انصرف إلى منزله. فقالوا: صبأ الوليد ـ يعنون أسلم ـ ولئن صبأ لا يبقى أحد إلا صبأ. ثم بعثوا إليه ابن أخيه أبا جهل بن هشام ابن المغيرة، ليساومه حتى يرجع عما يراه في محمد، فعاد إلى قريش فقال: تزعمون أني صبأت، ولعمري: ما صبأت، إنكم قلتم: محمد مجنون، وقد ولد بين أظهركم، لم يغب عنكم ليلة ولا يوماً، فهل رأيتموه يحنق قط، فكيف يكون مجنوناً ولا يحنق قط؟ وقلتم: شاعر، أنتم شعراء، فما منكم أحد يقول ما يقول، وقلتم كاهن، فهل حدثكم محمد في شيء يكون في غد إلا أن يقول إن شاء الله قالوا فكيف نقول يا أبا المغيرة؟ قال: أقول: ساحر يفرق بين الرجل وامرأته، والرجل وأخيه، فنزل فيه قوله تعالى: (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) ) [سورة المدثر]، والقصة غنية عن أي تعليق فهي تفصح بكل جلاء عن حيرة صناديد قريش وقادتها ورجال الرأي فيها، في قرآن محمد، الذي لا عهد لهم بمثله.
ومما وعاه التاريخ أيضاً، أن الوليد عقبة سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[سورة النحل] فقال له: أعد، فأعاد. فقال الوليد ـ والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق وإن أعلاه لمثمر، وما هو بقول بشر.
ومن أحوالهم الدالة على تأثير القرآن فيهم، أنه ربما وصلت آيات منه إلى مسمع أشدهم عداوة للإسلام.
فإذا به يتحول إلى إنسان جديد، ويلقى وراء ظهره كل ما كان يكنه من عداوة وبغض للإسلام ونبيه، ويتقدم مبايعاً موقناً أن هذه الكلمات ليست من قول بشر. حدت هذا لعمر بن الخطاب إذ خرج ذات مساء متوشحاً سيفه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورهطاً من أصحابه في بيت عند الصفا، سمع أنهم مجتمعون فيه.
فقابله أحد أصحابه وعرف مقصده فقال له: غرتك نفسك يا عمر، أفلا رجعت إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم، فسأله عمر وقد رابه ما سمع: أي أهل بيتي تعني، فأخبره أن صهره (وابن عمه) سعيد بن زيد قد أسلم، وكذلك أسلمت زوجته أخت عمر فاطمة بنت الخطاب. فذهب إليها عمر مغيظاً محنقاً.
وهنا سمع خبايا يتلو عليهما القرآن، فاقتحم الباب وبطش بصهره وبأخته فاطمة ثم أخذ الصحيفة التي لمح أخته تخفيها عند دخوله فلما قرأ صدراً منها من سورة طه قال: ما أحسن هذه الكلام وأكرمه، ثم ذهب من فوره إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعلن إسلامه فكبر النبي تكبيرة عرف أهل البيت من أصحابه أن عمر قد أسلم، وأعز الله به الإسلام.
وعندما رأى المشركون تأثير القرآن فيمن يستمع إليه، كان طريقهم لمقاومته، هو الحيلولة بمختلف الوسائل بين القرآن والناس، مهما كلفهم ذلك من تضحية، فتواصوا بعدم سماعه، وكانوا يلاقون القبائل الواردة إلى مكة في المواسم، يحذرونهم منه، ويحكي القرآن الكريم ذلك عنهم في قوله تعالى(وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون).
وما ذلك إلا لأنهم أدركوا تأثير هذا القرآن فيهم وفي أتباعهم، وهم يرون هؤلاء الأتباع كأنهم يسحرون بين عشية وضحاها بالآيات يسمعون إليها، فتنقاد إليها النفوس، وتهوي إليها الأفئدة.
ثم جاء دور التحدي، ليحسم الأمر، ويقطع عليهم كل سبيل، فقد تحداهم القرآن الكريم، وكرر عليهم التحدي في صور متعددة فدعاهم أول مرة أن يأتوا بمثله، فلما عجزوا تنزل معهم إلى الأخف فالأخف فدعاهم أن يأتوا بعشر سور مثله فلما عجزوا تنزل معهم في التحدي إلى أبعد مدى يمكن أن يصل إليه التنزيل، فاكتفى منهم بأن يأتوا بسورة واحدة منه، دون تحديد السورة، طالت أم قصرت، وذلك في قوله تعالى في سورة البقرة، وهي آخر آيات التحدي، إذ نزلت في العهد المدني:(وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) [سورة البقرة].
وكانت هذه الآية الكريمة قمة التحدي، بما تضمنته من إثارة واستفزاز لهم، كي يدفعوا عن أنفسهم هذه العجز، إن كانت بهم قدرة على ذلك، قد أباح لهم أن يستعينوا بمن شاءوا إن كانوا صادقين، ثم بالغ في إثارتهم واستفزازهم حتى يثبت أن قدرتهم على المعارضة منفية تماماً، فلن تقع ولن تكون فقال لهم: ولن تفعلوا أي: إن هذا فوق قدرتكم، وفوق الحيلة، وفوق الاستعانة، ثم جعلهم وقوداً، ثم قرنهم بالأحجار، ثم سماهم كافرين؛ وليس بعد ذلك مدى يذهب إليه في الإثارة والاستفزاز، فلو كان بهم طاقة لدفعوا عن أنفسهم هذا الهوان، ولعارضوا القرآن حتى يبطلوا دعواه.
إن طبيعة الأشياء تقتضي ألا يسلم الإنسان لخصمه بالفضل، وهو يجد سبيلاً إلى دفعه ولا يرضى إنسان لنفسه أن يوصم بالعجز وهو قادر على قهر أعدائه، فكيف يجوز أن يقوم من يدعي النبوة في قوم من صميم العرب، أهل اللسن والفصاحة، فيخبرهم أنه رسول الله تعالى إلى الخلق كافة، وأنه يبشر بالجنة، وينذر بالنار، ثم يسفه أحلامهم، ويسلب آلهتهم كل قيمة، ثم يقول: حجتي أن الله تعالى قد أنزل علي كتاباً عربياً مبيناً، تعرفون ألفاظه، وتفهمون معانيه، ألا إنكم لا تقدرون على أن تأتوا بمثله، ولا بعشر سور منه، ولا بسورة واحدة حتى وإن استعنتم بمن شئتم من الجن والإنس، كيف يصنع معهم ذلك، ثم لا تدعوهم أنفسهم إلى معارضته ليبينوا خطأ دعواه، ألا يكون ذلك عجزاً منهم، واعترافاً بأن ذلك فوق قدرتهم.
ولو أن العرب قد تركوه وشأنه، لقلنا إنهم قد تجاهلوه استخفافاً بأمره، ولكنهم قد بلغ بهم الغيظ من مقالته حداً تركوا معه أحلامهم الراجحة، وواجهوه بكل قبيح، ولقوه بكل أذى ومكروه ووقفوا له بكل طريق، ودارت بينهم وبينه المعارك الطاحنة، التي قتل فيها صناديدهم، ونال منهم ونالوا منه.
فهل يعقل أن يتركوا إبطال حجته، وهي لا تكلفهم أكثر من معارضة ما جاء به بكلام من مثله، ثم يلجأون إلى مواجهته بأمور تأباها الحكمة، ويدعو إليها السفه، ولا يقدم عليها إلا من أعوزته الحيلة وعز عليه المخلص، وأيقن أنه لا سبيل له إلى ما يرمي إليه.
وهكذا حسم الأمر وأصبح الإعجاز القرآني حقيقة تاريخية لا جدال حولها ولا شبهة فيها، واستمر الحال على هذا طوال القرن الأول والثاني الهجريين، حتى إذا جاء القرن الثالث الهجري وحمل معه دعاوى وشبهات أثارها الحاقدون، الذين سبقوا إلى الإسلام بحكم الغلبة، ونفوسهم تنطوي على حقد دفين، ينتهز فرصة مواتية ليتنفس عن أحقاده وبغضه، وتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ قضية الإعجاز القرآني.
هذه المرحلة الجديدة يمكن أن نطلق عليها ( مرحلة الدفاع عن الإعجاز القرآني )، وقد تمثل ذلك في الرد على ما أثاره المشككون من شبهات، إضافة إلى بحوث علمية دقيقة تبرز السمات الموضوعية التي بين بها الأسلوب القرآني وتصل ببلاغته إلى حد الإعجاز.
أما عن الشبهات التي أثيرت فمن أهمها شبهتان:
الشبهة الأولى:القول بأن عجز العرب عن الإتيان بمثل القرآن لم يكن بسبب عدم قدرتهم على ذلك، بل إنهم عجزوا لأن الله صرفهم عنه بما أطلق عليه القول بالصرفة.
الشبهة الثانية:أن القرآن الكريم يتضمن بعض الألفاظ والأساليب المعيبة في مقامها وسياقها.
ونبدأ بمناقشة موضوع القول بالصرفة.
يرى بعض الباحثين أن فكرة الصرفة قد تسربت إلى الفكر الإسلامي من الثقافة الهندية، وأن بعض المثقفين من علماء المسلمين اطلعوا على أقوال ـ البراهمة ـ رجال الدين في الديانة الهندية في كتابهم المسمى ـ الفيدا ـ، وهو يشتمل على مجموعة من الأشعار ليس في كلام الناس ما يماثلها في زعمهم.
ويقول جمهور علمائهم: إن البشر يعجزون عن أن يأتوا بمثلها لأن ـ براهماً ـ صرفهم عن أن يأتوا بمثلها، وعندما دخلت الأفكار الهندية في عهد أبي جعفر المنصور ومن وليه من حكام بني العباس، تلقفها الذين يحبون كل وافد من الأفكار فدفعتهم الفلسفة إلى أن يعتنقوا ذلك القول، ويطبقوه على القرآن الكريم وإن كان لا ينطبق، فقال قائلهم: .... إن العرب إذا عجزوا عن أن يأتوا بمثل القرآن، ما كان عجزهم لأمر ذاتي من ألفاظه ومعانيه ونظمه، بل كان عجزهم لأن الله صرفهم عن أن يأتوا بمثله.
ويقال: أن أول من جاهر بهذا القول وأعلنه ودعا إليه ودافع عنه هو إبراهيم ابن سيار الشهير بالنظام، المتوفى سنة 224.
والنظام هذا هو رأس المعتزلة وعمدة المتكلمين، وأستاذ الجاحظ.
والواقع: أن مفهوم الصرفة كما ذكره النظام لم يكتب له الرواج، نظراً لأنه يسلب النص القرآني إعجازه الذاتي، ويدعى أنه في طوق العرب لو لم يصرفهم الله عن معارضته.
وقد قال غيره من العلماء بالصرفة لكن مفهومها عندهم مغاير لمفهومها عند النظام، فقد نسب القوة بالصرفة إلى الشريف المرتضى، وهو من علماء الشيعة الذي يشار إليهم بالبنان.
ومفهوم الصرفة عند الشريف المرتضى: أن العرب قادرون على النظم والعبارات المماثلة لما جاء في القرآن الكريم، لكن عجزهم أنه كان بسبب أنهم لم يعطوا العلم الذي يستطيعون به محاكاة القرآن.
وهذا القول ينافيه أن الله سبحانه وتعالى طالبهم بأن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات... وأعفاهم من أن يكون كلامهم مشتملاً على ما في القرآن من علم، واقتصر على التحدي بالنظم والعبارة واللفظ.
على أنه من العلماء من يقول بالصرفة، باعتبارها وجهاً من وجوه الإعجاز، من جهة كونها دالة على القوة وباعتبار أن ذلك ـ على فرض حدوثه ـ يعتبر أمراً خارجاً عن العادة كسائر المعجزات التي دلت على النبوة، أي: أن ذلك احتمال عقلي، والتسليم به إنما هو على سبيل التنزل مع الخصم والمجادلة والمنافحة عن الحق، وهذه الطريقة وإن لم تكن مرضية، لأن القرآن في نفسه معجز لا يستطيعه بشر، إلا أنها تصلح على سبيل التنزل والمجادلة والمنافحة عن الحق.
باعتبار أنها لو صحت فإنها لا تطعن في أن القرآن الكريم من عند الله، بل تثبت أن الصرفة دليل على النبوة، وهذا لا يمنع من أن القرآن في نفسه معجز.
وأياً كان الأمر في مفهوم الصرفة عند أصحاب القول بها، فقد تصدى العلماء لهذه الشبهة، واقتلعوها من جذورها، وبلغوا من ذلك مبلغاً لا مزيد عليه.
وسوف أوجز أقوال العلماء في الرد على أصحاب هذه الشبهة وإبطالها دون الرد على أصحاب هذه الردود، تجنباً للتكرار.
وإن كان أهم هؤلاء العلماء: الخطابي ( ت سنة 388 ) في كتابه: بيان إعجاز القرآن، والرماني ( ت سنة 386 ) في كتابه: النكت في القرآن. والباقلاني ( ت سنة 403 ) في كتابه: إعجاز القرآن... وعبد القاهر الجرجاني ( ت سنة 471 ) في كتابه: الرسالة الشافية في إعجاز القرآن.
استدل العلماء على بطلان القول بالصرفة بأدلة/ منها:
أولاً:لو كان الأمر على ما ذهبوا إليه، وكان الإعجاز بالصرفة حقاً، فإنه يلزم من ذلك أن يكون العرب قد تراجعت حالها في البلاغة والبيان، وفي جودة النظم وشرف المعنى، وأن يكونوا قد نقصوا في قرائحهم وأذهانهم، وعدموا الكثير مما كانوا يستطيعون، وأن تكون أشعارهم وخطبهم التي قاموا بها بعد أن سمعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وتحدوا إلى المعارضة قاصرة عما سمع منهم من قبل القصور الشديد.
وإذا كان الأمر كذلك، وأنهم منعوا منزلة من الفصاحة كانوا عليها، لزمهم أن يعرفوا ذلك من أنفسهم، ولو عرفوه لجاء عنهم ذكره، ولكانوا قد قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم، إنا كنا نستطيع قبل هذا الذي جئتنا به، ولكنك سحرتنا، واحتلت علينا في شيء حال بيننا وبينه، وكان أقل ما يجب عليهم في ذلك: أن يتذاكروه فيما بينهم، ويشكو البعض إلى بعض، وإذا كان ذلك لك لم يرد، ولم يذكر أن كان منهم قول في هذا المعنى لا ما قال ولا ما كثر، فهذا دليل على أنه قول فاسد، ورأي ليس من آراء ذوي التحصيل. فإن قالوا: إنه نقصان حدث في فصاحتهم من غير أن يشعروا به، قيل لهم: إذا كانوا لم يشعروا بما حدث لهم من نقص ما فلا يتصور أن تقوم لهم حجة بالعجز عنه مثل القرآن.
ثانياً:لو سلمنا أن العرب المعاصرين للبعثة قد صرفوا كما يزعمون، لم يكن من قبلهم من أهل الجاهلية مصروفين عما كان يعدل القرآن في الفصاحة والبلاغة وحسن النظم.
فلما لم يوجد في كلام من قبلهم مثله، علم أن ما دعاه القائل بالصرفة ظاهره البطلان.
ثالثاً: إن في سياق آية التحدي ما يدل على فساد هذا القول، وذلك أنه لا يقال عن الشيء يمنعه الإنسان بعد أن كان قادراً عليه ـ لا يقال في هذه الحالة: إني قد جئتكم بما لا تقدرون على مثله ولو احتشدتهم له، وإنما يقال: إني أعطيت أن أحول بينكم وبين كلام كنتم تستطيعونه وأمنعكم إياه وما شاكل ذلك. كما يقال مثلاً للأشداء، إن الآية أن تعجزوا عن رفع ما كان يسهل عليكم رفعه، فقد بان إذن ـ أنه لا مساغ لحمل الآية على ما ذهبوا إليه.
رابعاً: الأخبار التي جاءت عن العرب في شأن تعظيم القرآن، وفي وصفه به، من نحو أن له لحلاوة وأن عليه لطلاوة.... الخ.
فمحال أن يعظموه وأن يبهتوا عند سماعه، وهم يرون فيما قاله الأولون ما يوازيه.
وهكذا ساق العلماء الدليل تلو الدليل على بطلان القول بالصرفة، وتأكيد أن بلاغة القرآن تعود إلى أمر ذاتي فيه، جعله معجزاً للبشر.
هذا عن شبهة القول بالصرفة، أما عن شبهة أن القرآن الكريم قد تضمن ألفاظاً وأساليب ليست مما تقتضيه البلاغة، فقد فند العلماء أيضاً هذه الشبهة بردود مفحمة، من ذلك مثلاً ما ذكره الخطابي في رده على بعض ما أثاروه من شبهات.
فقد قال المشككون في قوله تعالى: (قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) [سورة يوسف].
قالوا: إنما يستعمل في فعل السباع خصوصاً ( الافتراس ) يقال: افترسه السبع، هذا هو المختار الفصيح في منعاه، فأما ( فأكله ) فهو عام لا يختص به نوع من الحيوان.
ويرد الخطابي قائلاً. فإما قوله تعالى فأكله الذئب فإن الافتراس معناه في فعل السبع والقتل. فحسب، وأصل الفرس ـ دق العنق، والقوم إنما ادعوا على الذئب أنه أكله أكلاً، وأتى على جميع أجزائه. وذلك أنهم خافوا مطالبة أبيهم لهم بأثر باق منه، يشهد بصحة ما قالوه، فادعوا فيه الأكل ليزيلوا عن أنفسهم المطالبة، والفرس لا يعطي تمام هذا المعنى. وبهذا يكون اللفظ القرآني قد وقع مطابقاً للمعنى المراد.
وإليكم نموذجاً آخر.
قال تعالى: (وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم )[سورة ص] قال المشككون: المشي ـ في هذا ليس بأبلغ الكلام، ولو قيل بدل ذلك: امضوا وانطلقوا ـ لكان أبلغ وأحسن.
ويرد الخطابي:أن المشي ـ في هذا المحل أولى وأشبه بالمعنى، وذلك لأنه إنما قصد الاستمرار على العادة الجارية، في غير انزعاج منهم، ولا انتقال عن الأمر الأول، وذلك أشبه بالثبات والصبر على الأمر المأمور به في قوله واصبروا والمعنى: كأنهم قالوا: امشوا على هيأتكم، ولا تبالوا بقوله.
ولو قيل: امضوا وانطلقوا... لكان فيه زيادة انزعاج ليس في قوله ( امشوا ) والقوم لم يقصدوا ذلك ولم يريدوه.
فالخطابي هنا يربط بين المقام واختيار اللفظ الملائم له دون غيره، فلما كان الملأ من قريش يريدون أن يشعروا أتباعهم بأن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم لا يستحق الاهتمام به، ولا الاكتراث له، لأنه ظاهر البطلان في زعمهم، فالواجب تجاهله تمام، كأن شيئاً لم يحدث، وأن أفضل ما نواجهه به نمضي في حياتنا، ونتناسى الأمر كله، وهذا المقام استدعى التعبير ـ امشوا ـ لأنه هو الملائم لما يريدون أيهما إتباعهم به.
أما امضوا وانطلقوا ـ فلا تناسب المقام كما توحي به من الانزعاج وتغيير العادة الرتيبة التي اعتادوها، والأمر ليس كذلك ـ في زعمهم ـ بالنسبة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فهو أقل من أن يأبهوا له.
وذلك منهم في تضليل أتباعهم وطمس معالم الحقيقة عنهم.


يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــع


  #1733  
قديم 12-01-2014, 09:03 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي رد: موسوعة الشفاء للإعجاز العلمي فى القران والسنه .. بالإضافه الى اخر المقالات المنشو

يتبــع الموضوع السابق

تطور دراسة الإعجاز القرآني على مر العصور



وهكذا يمضي الخطابي وغيره من علماء تلك الفترة يوردون الشبهات ويفندونها بما كشف عن وجده الحق في البلاغة القرآنية.
ننتقل الآن إلى ما أنجزه علماء هذه المرحلة، من بحوث علمية دقيقة، تبرز السمات الموضوعية التي اتسم بها الأسلوب القرآني، وتصل ببلاغته إلى حد الإعجاز.
نبدأ أولاً:بما أبرزه علماء هذه المرحلة، من تعدد وجه الإعجاز القرآني، وأنهم قسموا وجوه الإعجاز قسمين، الأول الوجه المعجز الذي وقع به التحدي، وهو الإعجاز البلاغي وحده، لأنه الوجه المطرد في كل سورة من سور القرآن الكريم، وقد كان التحدي بأن يأتوا بسورة من سوره، والوجه الذي يعتبر القاسم المشترك في كل السور إنما هو الإعجاز البلاغي.
القسم الثاني:وجود معجزة في ذاتها لكن لم يقع بها التحدي، كالإخبار بالغيب، وما تضمنه القرآن من علوم ومعارف لا يتهيأ لبشر الإحاطة بها... إلى غير ذلك من الوجوه المعجزة للبشر التي سنتعرض لبعضها.
وبهذا كان القرآن الكريم معجزاً للعالم كله، فطبيعة الرسالة الإسلامية هي التي تستوجب هذا التعدد في الجوانب المعجزة بالقرآن الكريم، فهي ـ كما سبق أن أوضحنا ـ خاتمة الرسالات، كما أنها موجهة إلى الجنس البشري كله، وهذه الخصائص التي انفردت بها دون سائر الرسالات اقتضت أن تكون معجزتها أمراً معجزاً في هذا الإطار الممتد عبر الزمن إلى يوم الدين، وعبر العالم كله بما يضم من أجناس وشعوب وثقافات ومذاهب.
ومن هنا قسم العلماء البشر في إدراك الإعجاز القرآني في ثلاثة أقسام:
أول الأقسام:من تناهى في معرفة اللسان العربي، ووقف على طرقه ومذاهبه ـ كالعرب الذين نزل فيهم القرآن، ومن أتى بعدهم ممن راض نفسه بالعلم واكتملت لديه آلة التمييز بين الأساليب وخصائصها، وهذا القسم يدرك الإعجاز القرآني إدراكاً ضرورياً لا يحتاج معه إلى بحث أو تدقيق. ويكفيه في ذلك التأمل والتصور.
القسم الثاني:وهو المقابل للقسم الأول، ويضم هذا القسم من ليسوا من أصحاب اللسان العربي، على ثقافتهم وحضاراتهم، وهؤلاء يمكنهم إدراك الإعجاز القرآني عن طريق الاستدلال العقلي، بأن يعلموا عجز العرب ـ وهم أهل اللسان الذي نزل به أذن أشد عجزاً منهم.
كما يمكنهم إدراك الإعجاز القرآني من خلال معرفتهم بالوجوه الأخرى التي اقتضتها حكمة الله ورحمته، فغير العربي يجد في هذه الوجوه الأخرى إعجازاً يلزمه بالتصديق بأن هذا الكتاب من عند الله، وأن ما تضمنه هو شرع الله الواجب الإتباع.
وهذه الوجوه في تعددها واختلاف طبيعتها وافية تماماً بالإلزام على مدى التاريخ، ولكل الأجناس والشعوب، وستظل كذلك ـ إن شاء الله ـ ما بقيت الحياة.
والعجيب في الأمر: أن إدراك الإعجاز في الوجوه التي تضمنها القرآن الكريم التي لم يتحد بها العرب الأوائل أمر ميسور لا يتطلب سوى صدق التوجه والاستعداد لقبول الحق.
لأن هذه الوجوه تعود إلى ضوابط موضوعية ملزمة لكل عاقل، وهل يجادل أحد في أن محمداً صلى الله عليه وسلم لا يستطيع كبشر أن يخترق حجب الغيب ويخبر عما كان وما سيكون منها، إذاً لا بد أنه يستمد ذلك من قوة أعلى من البشر، وهل يجادل أحد في أنه عليه السلام، لا يستطيع ـ كبشر ـ أن يأتي من العلوم الكونية والإنسانية ما لا يدرك البشر بعضه إلا بعد مرور قرون متطاولة.
وقل مثل هذا في جميع الوجوه المعجزة التي تضمنها القرآن الكريم، ولم يتحد بها العرب الأوائل.
القسم الثالث:من كان من أهل اللسان العربي، إلا أنه لم يبلغ في الفصاحة الحد الذي يتناهى إلى معرفة وجوه تصرف اللغة، وطرق الأساليب. وهؤلاء عليهم أن يأخذوا أنفسهم بدراسة الأساليب وحدود البلاغة ـ ومواقع البيان، إلى غير ذلك مما يؤهلهم لإدراك ما في القرآن الكريم من بلاغة معجزة، وإلا فليكتفوا بالاستدلال العقلي وبالوجوه الأخرى الدالة على الإعجاز، كما هو الشأن فيمن ليسوا من أهل العربية.
ننتقل الآن إلى جهود علماء هذه المرحلة الزمنية في إبراز السمات الموضوعية للأسلوب القرآني التي وصلت به إلى درجة الإعجاز، ونكتفي هنا بما جاء في كتاب ( إعجاز القرآن ) للباقلاني، فقد تضمن كل ما نقله عمن سبقه وأضافه هو إليه ما هداه إليه اجتهاده في الموضوع.
يرى الباقلاني أن السمات المميزة للأسلوب القرآني وانفرد بها متعددة منها:
أولاً: مغايرة الأسلوب القرآني لجميع أنماط التعبير المعروفة عند العرب فالقرآن الكريم ليس شعراً أو سجعاً ولا مرسلاً إرسالاً، كما هو الشأن في صور التعبير عند العرب، لكنه نمط فريد، لا يشبه شيئاً من أنماط تعبيرهم عن المعاني.
وقد بذل الباقلاني جهداً مضنياً في إثبات فكرته هذه، وقد أصاب في بعض ما قال، ولم يسلم له بعضه مما لا يتسع المقام لتفصيله.
ثانياً: عدم التفاوت الفني في الأسلوب القرآني، ويعني بذلك: أن القرآن الكريم في جميع سوره وآياته على درجة واحدة من البلاغى، ولا يتدنى عن شيء، وتلك سمة لا طاقة للبشر بها، ويتضح ذلك في جوانب كثيرة، فالقرآن الكريم لا يتفاوت على كثرة ما يتصرف فيه من الأعراض من قصص ومواعظ، واحتجاج وحكم وأحكام، ووعد ووعيد، وتبشير وتخويف، إلى آخر الأغراض التي تضمنها القرآن الكريم.
والباقلاني: محق في كل ما قاله عن هذه السمة التي انفرد بها القرآن دون غيره، فهذا شيء لا يمكن أن يتحقق لبشر مهما سمت منزلته، وتعاظم اقتداره البياني، وأمامنا آراء النقاد تؤكد ذلك، وتجمع عليه إجماعاً لا يشذ عنه أحد.
لقد كان العرب عندما يوازنون بين الشعراء، يضربون المثل في الإجادة، بامرىء القيس إذا ركب، والنابغة إذا رهب، وزهيراً إذا رغب، ومعنى ذلك: أن كلاً من هؤلاء يجود في غرض معين ويشهد له بالتفوق فيه، ومؤدى ذلك: أنه يقصر في غير هذا الغرض.
وعندما حاول صاحب كتاب ( الواسطة بين المتنبي وخصومه )... الدفاع عن المتنبي، كان أقصى ما يريد في دفاعه عنه قوله: ليس بغيتنا فيما قصدنا، الشهادة لأبي الطيب بالعصمة، وإنما غايتنا أن نلحقه بأهل طبقته، وأن نجعله رجلاً من فحول الشعراء، ونمنعك من إحباط حسناته بسيئاته، ولا نسوغ ذلك التحامل على تقدمه في الأكثر بتقصيره في الأقل... وهذا اعتراف من أكبر المدافعين عن المتنبي بما في شعره من تفاوت بين الإجادة والتقصير. وتلك غاية ما يستطيعه المدافع عنه.
ولقد قام الباقلاني بعمل رائع حقاً ـ عندما عمد إلى قصيدتين من عيون الشعر العربي بالنقد، إحداهما: معلقة امرىء القيس، حامل لواء شعراء الجاهلية، والأخرى للبحتري، من أحب الحظوة والتقدم عند نقاد الكلام، والقيمة الحقيقة لما قام به الباقلاني، أنه أبرز هذه الحقيقة وأكدها.
وهي: أن البشر لا يمكن أن يصل بأدبه على الكمال، بل لا بد أن يعتريه التفاوت، ويعلو ويهبط، ويحلق ويهوي.
أما القرآن الكريم فأينما يممت لم تقع عينك منه إلا على الطريقة المثلى للتعبير، والمطابقة الكاملة لما يقتضيه الحال.
وسوف أورد ـ إن شاء الله ـ شواهد قرآنية في أغراض متفاوتة تؤكد هذا كله. عندما أجد السياق المناسب لذلك.
ثالثاً:تميز الكلمة من القرآن غيرها من سائر الكلام، بالرونق والفصاحة، ويتبين ذلك في القرآن ورجحان فصاحته، بأن تذكر منه الكلمة في تضاعيف الكلام، أو تقذف ما بين شعر، فتأخذ الأسماع، وتتشوق إليها النفوس، ويرى وجه رونقها بادياً، غامراً سائر ما تقرن به كالدرة التي ترى في سلك الخرز، وكالياقوتة وسط العقد.
رابعاً: إن اله تعالى قد سهل سبيل القرآن بجملته، فهو خارج عن الوحشي المستكره، والغريب المستنكر وعن الصنعة المتكلفة، وجعله سبحانه قريباً إلى الأفهام، ويبادر لفظه معناه إلى القلب، يساير المغزى منه عبارته إلى النفس، وهو مع ذلك ممتنع المطلب، غير نطمع مع قربه في نفسه، والموهبة مع دنوه أن يقدر عليه أو يظفر به.
وهكذا مضى الباقلاني وغيره يعددون السمات التي انفرد بها الأسلوب القرآني وبوأه منزله الإعجاز.
ولننتقل على مرحلة جديدة يمكن أن نطلق عليها... ( مرحلة نضج قضية الإعجاز البلاغي ). ويأتي على قمة الدارسين لقضية الإعجاز القرآني في هذه المرحلة، الإمام عبد القاهر الجرجاني ( المتوفى سنة 471 هـ )، فقد كانت دراساته البلاغية في مجملها، تنطلق من إحساس عميق، بأن قضية الإعجاز القرآني يجب أن تحتل المقام الأول في اهتمامات العلماء، وأن إدراك الإعجاز القرآني لا يتم إلا بدراسة متأنية واعية لخصائص التعبير، التي تجعل بعضه يعلو بعضاً، حتى يصل إلى درجة تنقطع عندها الآمال في معارضته، وهي درجة (الإعجاز ).
وآراء عبد القاهر حول الموضوع، موزعة في كتبه البلاغية، وأهمها: دلائل الإعجاز، والرسالة الشافية، وأسرار البلاغية.
ويمكننا أن نختصر آراءه حول القضية في ثلاثة موضوعات أساسية تدور حولها دراساته في كتبه كلها.
أولها: أن القرآن معجز ببلاغته.
وثانيها: أن بلاغة القرآن في نظمه، فإعجازه في نظمه.
وثالثها: بيان طبيعة النظم وما هيته.
وسنحاول ـ إن شاء الله ـ أن نتتبع هذه الموضوعات الموزعة في كتبه، ونبرز جوانبها المتعددة، بما يجعلها صورة دقيقة لآرائه في القضية.
أولاً: القرآن الكريم معجز ببلاغته:
يمهد عبد القاهر لإثبات ذلك بذكر بعض الحقائق التي يؤدي التسليم بها إلى التسليم بأن القرآن الكريم معجز ببلاغته فيقول:
( معلوم أن سبيل الكلام سبيل ما يدخله التفاضل، وأن للتفاضل فيه غايات ينأى بعضها عن بعض، ومنازل يعلو بعضها بعضاً، وأن علم ذلك علم يخص أهله، وأن الأصل والقدوة فيه للعرب، ومن عداهم تبع لهم، وقاصر عنهم فيه.
وأنه لا يجوز أن يدعى للمتأخرين من الخطباء والبلغاء عن زمن النبي ـ صلى الله عليه وسلم الذي نزل فيه الوحي، وكان فيه التحدي، أنهم زادوا على أولئك الأولين، أو كملوا في علم البلاغة أو تعاطيه ما لم يكملوا له... والأمر في ذلك أظهر من أن يخفى، أو ينكره جاهل أو معاند.
وإذا نظرنا في دلائل أحوال العرب الذين نزل فيهم القرآن، وفي أقوالهم حين تلي عليهم، وتحدوا بأن يأتوا بمثله، وجدنا أحوالهم وأقوالهم تفصح بأنهم لم يشكوا في عجزهم عن معارضته، والإتيان بمثله، ولم تحدثهم أنفسهم بأن لهم إلى ذلك سبيلاً على وجه من الوجوه.
ثم يورد عبد القاهر بعد ذلك من أقوال العرب الذين نزل فيهم القرآن وأحوالهم ما يؤكد هذه الحقيقة.
على نحو ما سبق به من أقوال العلماء، التي أشرنا إليها قبل ذلك.
وبعد أن يصل إلى هدفه من إثبات ذلك بأقوالهم أنفسهم، وبمناقشة من أتى بعدهم، وإبطال دعواهم المشككة في بلاغة القرآن من ادعاء ( الصرافة ) وغيرها، ينتقل إلى النقطة التالية وهي:
ـ إن بلاغة القرآن في نظمه، فإعجازه في نظمه. وهنا يذكرنا عبد القاهر، بأن المزية التي يعود إليها تقدم كلام على كلام في البلاغة، إنما تدرك بالفكر.
ويتوصل إليها بإعمال النظر وبذل الجهد.
فهل يمكن أن يكون في الكلمات المفردة ما يدرك ويستنبط بالرؤية والجهد، إن الكلمات إرض مشاع، لكل قائل أن يأخذ منها ما يحقق غرضه.
وكذلك لا يجوز أن يكون الإعراب من الوجه التي تظهر بها المزية، وذلك لأن العلم بالإعراب مشترك بين العرب جميعاً، فليس أحدهم أعلم من غيره بأن إعراب الفاعل الرفع، أو المفعول النصب.
ومن العجيب: أننا إذا نظرنا في الإعراب، وجدنا وجه التفاضل فيه محالاً، لأنه لا يتصور أن يكون للرفع والنصب في كلام مزية عليهما في كلام آخر، وإنما الذي يتصور، أن يكون معنا كلاماً قد وقع في إعرابهما خلل، ثم كان أحدهما أكثر صواباً من الآخر، وكلاماً قد استمر أحدهما على الصواب ولم يستمر الآخر، ولا يكون هذا تفاضلاً في الإعراب، ولكن تركا له في شيء واستعمالاً له في آخر.
وكذلك لا تعود الفضيلة في الكلام بأن يكون المتكلم قد استعمل من اللغتين في الشيء أصحهما وما يقال أنها أفصحهما، ولا بأن يكون قد استعمل الغريب من الألفاظ، لأنه العلم بجميع ذلك لا يعدو أن يكون علماً باللغة، وبأنس الكلم المفردة، وبما طريقة الحفظ، دون أن يستعان عليه بالنظر وإعمال الفكر.
وإذا كانت المزية التي توجب تقدم الكلام على غيره، لا تعود إلى شيء مما ذكر، فلا شك أنها تقود إلى النظم وصياغة العبارة، فذلك هو الجانب الوحيد الذي يحتاج إلى الفكر وبذل الجهد ثم أننا نعلم أن تفضيل الكلام على غيره، ووصفه بالفصاحة والبلاغة، إنما يعود لأمر أحدثه في الكلام، وشيء كان له جهد فيه، وإذا كان كذلك فينبغي أن ننظر إلى المتكلم، هل يستطيع أن يزيد من عند نفسه شيئاً في اللفظ ليس في اللغة، حتى يجعل من صنيعه مزية يعبر عنها بالفصاحة.
إذا نظرنا وجدنا أنه لا يستطيع أن يصنع باللفظ شيئاً أصلاً، ولا أن يحدث فيه وصفاً، كيف وإنه أفسد على نفسه وأبطل أن يكون متكلماً، لأنه لا يكون متكلماً حتى يعمل أوضاع اللغة على ما وضعت عليه فلم يبق للمتكلم شيء ينسب إليه سوى طريقة نظم العبارة، أو صياغة الفكرة في ألفاظ، عن طريق تعليق الكلمات ببعضها البعض، وفق معاني النحو، لتصبح صورة للمعنى في نفسه. وهذا يجيء الدور على بيان مفهوم النظم وماهيته.
وجوهر النظم عند عبد القاهر، أن تصاغ العبارة بطريقة تفصح تماماً عما في نفس قائلها، وتكشف عما يريد أن يوصله إلى مخاطبة، ولا يتم ذلك إلا إذا كانت عبارته صورة للمعنى القائم في نفسه فالمتكلم في صياغته للعبارة، إنما يقتفي أثر المعنى في نفسه، ويرتب عبارته حسب ترتيب المعنى، فالبليغ صانع، له من صناعته بمقدار ما بذل من جهد في سبيل صناعة أسلوب جميع، وعليه أن يختار أسلوب العرض المناسب، الذي يتضمن من الخواص ما يكون مطابقاً للمعنى القائم في نفسه، بدءاً من اختيار الألفاظ التي هي ألصق بالمعنى من حيث معناها اللغوي، ودلالاتها المتعددة بجرسها وإيحاءاتها التي اكتسبها طوال استعمالها في أذهان مستمعيها، ومروراً باختيار الصيغة لمطابقتها بخواصها لدقائق جوانب المعنى وخرافية، وانتهاء بإبراز في الصورة المناسبة لما يقتضيه المقام، ومن هنا كان اختلاف الأدباء في عرض المعاني والتعبير عنها.
ذلك لأن المعنى الواحد تتعاقب عليه الصور، ويصوغه كل أديب في صورة فيها من السمات والخصائص ما يبرر نسبتها إليه دون سواه، وإن كان أصل المعنى أو الغرض العام واحداً في الجميع، وتتفاوت هذه الصور في الجمال بمقدار التوفيق في المآخاة بين المعنى والصورة الدالة عليه.
وشواهد ذلك حاضرة، ننظر إلى قول الناس: الطبع لا يتغير.
فتر فيه معنى عامياً غفلاً معروفاً في كل جيل، ثم ننظر إلى قول المتنبي:
يراد من القلب نسيانكم وتأبى الطباع على الناقل
هذا، وقد لقيت آراء عبد القاهر ما هي أهل له، من قبول العلماء الذين تلقوها، وهيأ الله منهم من تكفل بالجانب التطبيقي لها، وعلى رأسهم الإمام جار الله الزمخشري ( المتوفى سنة 538) في كتابه تفسير القرآن الذي سماه ( الكشاف عن حقائق التنزيل، وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، والذي أصبح منهلاً ينهل منه الباحثون عن أسرار الإعجاز القرآني. كما هيأ له من ضبط ولمَّ شعثها وضبط قواعدها. وترتيب أبوابها وعلى رأس هؤلاء: الفخر الرازي في كتابه ( نهاية الإيجاز في دراسة الإعجاز ).
غير أن الرازي في محاولته لضبط آراء أستاذه غلبت عليه طبيعته المنطقية الفلسفية، فبدت واضحة في عمله. ووقع في خطأ أفسد ما حاول إصلاحه، فآراء عبد القاهر على ما بها من توزع في مواطن معالجتها، وإطناب في محاولة الإقناع بها، كانت تساق في أسلوب أدبي يخاطب الوجدان والذوق، ويبرز أسرار جمال التعبير بأسلوب رقيق شفاف يستهوي القلوب.
أما الرازي، فقد أحال الأمر إلى مجال للجدل المنطقي، وتتبع لما توجيه القسمة العقلية للآراء فتتابعت تقسيماته للموضوعات إلى عشرات الأبواب ومئات الفصول، وأمثالها من القواعد والتنبيهات التي يصل القارىء في تتبعها.
وهذا المسلك الذي اختطه الرازي ظل طوال قرون مسيطراً على عقول الباحثين، فساروا خلفه مستسلمين، يتبارون داخل دائرة مغلقة لا تجد في ثناياها غير تلخيص كتاب، ثم إعادة للتلخيص، فحاشية على الشرح، ثم تعليق على الحاشية، إلى آخر هذه السلسلة العقيمة التي لا تتضمن، على الرغم مما بها من جهد عقلي خارق، وقدرة مذهلة على الحجاج ـ لا تتضمن شيئاً مما كانت البلاغة أحوج ما تكون إليه لتؤدي دورها في صقل المواهب، وتنمية الملكات القادرة على الإحساس بجماليات التعبير وتذوق محاسنه.
وتطاول الزمن دون أن يتغير هذا المنهج في البحث، حتى أذن الله تعالى لهذه الأمة أن تفيق من غفوتها، وأن تنفض عنها الكثير من المعوقات التي تشل حركتها.
وعلى أيدي رواد النهضة فبعثت من جديد كتب عبد القاهر ورجال مدرسته، التي يتسم منهجها باستلهام النصوص الأدبية وأسرارها.
وعرض خواطر العلماء ونظراتهم في تلك النصوص بأسلوب مشرق مضيء يستهوي الدارس، ويضع يده على موطن جماله، ويفصح عن سر سموه.
وسنختار علماً من هؤلاء كنموذج لمن تعرض لقضية الإعجاز القرآني في العصر الحديث، وهو المرحوم الدكتور / محمد عبد الله دراز، وكتابه ( النبأ العظيم ).
يعتبر كتاب ... النبأ العظيم... كتاباً فريداً في منهجه الذي اتبعه في دراسة هذه القضية والإقناع بها لأنه كما يقول مؤلفه: حديث يبدأ من نقطة البدءـ فلا يتطلب من قارئه انضواء تحت راية معينة، ولا اعتناقاً لمذهب معين، ولا يفترض فيه تخصصاً في ثقافة معينة، ولا حصولاً على مؤهل معين، وإنما يناشد القارىء فقط أن يعود بنفسه صحيفة بيضاء، إلا من فطرة سليمة، ورغبة صادقة في الوصول إلى الحق، وسوف يأخذ المؤلف بيد القارىء مجتازاً به مراحل البحث، التي يسلم بعضها إلى بعض، في رفق وأناة يصل إلى نهاية المطاف، الذي لا يسع القارىء إلا التسليم به.
ويتضمن الكتاب بحوثاً تتضمن مرحلتين متتابعتين في البحث.


يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع




  #1734  
قديم 12-01-2014, 09:06 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي رد: موسوعة الشفاء للإعجاز العلمي فى القران والسنه .. بالإضافه الى اخر المقالات المنشو


يتبــع الموضوع السابق

تطور دراسة الإعجاز القرآني على مر العصور



الأولى: دراسة تمهيدية خارجة عن جوهر القرآن نفسه، هدفها الوصول إلى أن القرآن الكريم إلهي المصدر، وليس للرسول صلى الله عليه وسلم فيه إلا الحفظ، ثم الحكاية والتبليغ، ثم البيان والتفسير، ثم التطبيق والتنفيذ.
المرحلة الثانية:دراسة في جوهر القرآن نفسه. هدفها إثبات الإعجاز القرآني من أي النواحي اتجهنا إليه، سواء في ذلك ناحية أسلوبه، أو ناحية علومه ومعارفه، أو ناحية اثره الذي أحدثه في العالم وغير به التاريخ.
أما عن إثبات أن القرآن الكريم إلهي المصدر، فيرى الدكتور / دراز: أنه لا خلاف على أن القرآن الكريم جاء على لسان رجل عربي أمي ولد بمكة، هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم أما من أين جاء به محمد صلى الله عليه وسلم أمن عند نفسه ووحي ضميره، أم من عند معلم، ومن هو هذا المعلم فهذا مات يحتاج إلى بيان.
وأول ذلك: أن القرآن صريح في أنه لا صنعة فيه لمحمد صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الخلق، وإنما هو منزل من عند الله لفظه ومعناه.
قال تعالى: (إنا أنزلناه قرآناً عربياً ).
وقال سبحانه لنبيه: قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي، إن أتبع إلا ما يوحى إلي .
والمعروف أن كثيراً من الأدباء يسطون على آثار غيرهم فيسرقونها، أما أن أحداً ينسب لغيره أنفس آثار عقله، وأغلى ما تجود به قريحته، فذلك ما لم يلده الدهر.
وقد يحيك في صدر جاهل: أن هذا الزعيم قد نسب القرآن إلى الوحي الإلهي، لأنه في ذلك ما يعنيه على تحقيق غرضه من استجابة الناس له، ونفاذ أمره فيهم. لكن علينا أن نتذكر أموراً تمحو هذه الشبهة:
أولها:أن صاحب هذا القرآن قد صدر عنه الكلام المنسوب إلى نفسه، والكلام المنسوب إلى الله تعالى، فلم تكن نسبة ما نسبه إلى نفسه بناقصة من لزوم طاعته شيئاً، ولا نسبة ما نسبه على ربه بزائدة فيه شيئاً، بل استوجب على الناس طاعته فيهما على السواء، فكانت حرمتهما في النفوس على سواء.
ثانيهما:أن هذه الشبه مبنية على افتراض باطل، وهو تجويز أن يكون هذا الزعيم من الذين يرون الوصول إلى غايتهم بأية وسيلة كانت، مستبيحين الكذب والتمويه، فالواقع التاريخي يؤكد أنه عليه السلام، كان في حركاته وسكناته، وفي رضائه وغضبه، وسائر جوانب حياته مثالاً في دقة الصدق وصرامة الحق، وأن ذلك كان من أخص شمائله قبل الرسالة، وبعدها.
وسنته المطهرة زاخرة بالمثل الواضحة الدالة على مبلغ صدقه وأمانته في دعوى الوحي هذه.
ومن ذلك: أنه عليه السلام كانت تنزل به نوازل نحفره على القول، وتلح عليه أن يتكلم، بحيث لو كان الأمر إليه لسارع إلى الكلام، لكنه كانت تمضي الأيام والليالي، ولا يجد في شأن ما نزل به قرآناً يقرؤه على الناس، من ذلك ما أرجف به المرجفون من حديث الإفك، فقد طال الأمر وأبطأ الوحي والناس يخوضون، ولو كان الأمر إليه، لسارع إلى تبرئتها صيانة لعرضه، لكنه صلى الله عليه وسلم ظل صابراً حتى نزل بعد طول انتظار صدر سورة النور معلناً براءتها.
ثالثاً:صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له من الذكاء الفطري، والبصيرة النافذة، ما يؤهله لإدراك الحق والباطل من الآراء، والحسن والقبيح من الأخلاق.
إلا أن ما في القرآن الكريم لم يكن كله من هذا النوع الذي تبلغه بالملكات البشرية مهما بلغ اكتمالها.
إذا أضفنا إلى ذلك ما تضمنه القرآن من أمور غيبية تقع في مستقبل الأيام ثم تتحقق كما أخبر عنها تماماً، دون أن يتخلف منها شيء ازددنا يقيناً بأن القرآن الكريم، ما هو إلا وحي يوحى، وأنه لا سبيل للقوى البشرية إليه بحال، كما أخبر أن الروم سيغلبون الفرس بعد بضع سنين، وليس ذلك فقط بل سيواكب هذا تزامن معه أن ينتصر المسلمون على أعدائهم.
يقول سبحانه:(غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الأرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (6) [سورة الروم].
وتمضي الأيام ويتحقق وعد الله تماماً كما أخبر.
ومن ذلك أيضاً: وعد الله بحفظ كتابه الكريم بقوله: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون .
وتمضي الأيام وها هو كتاب محفوظ بعناية الله وحفظه، على الرغم مما دبر له من مكائد وما مر بالمسلمين من محن، بل إننا نرى عجباً، فكلما هجس في خواطر الغيورين على كتاب الله هاجس يمس حفظ كتاب الله رأينا من أساليب الحفظ وأساليب تلقيه نقياً كاملاً بأصوات قراءة يتلونه حق تلاوته، كما أنزل من مخارج حروفه حرفاً حرفاً لا ينقص منه مدة ولا غنة، مما لا يخطر على بال أحد، من إذاعات متخصصة وتسجيلات وحكمة، ومن تسابق الغيورين على البذل في القيام بحق لكتاب الله.
وهكذا يصل الدكتور / دراز بالقارىء، إلى الاقتناع العقلي والاطمئنان القلبي بأن القرآن الكريم إلهي المصدر.
وينتقل بعد ذلك إلى مرحلة الدراسة في جوهر القرآن نفسه، هدفها إثبات أن القرآن الكريم معجز من أي ناحية جئناه.
وتحت عنوان: ( الإعجاز اللغوي للقرآن الكريم ) يدير الدكتور / دراز حواراً هادئاً يناقش ويقنع دون تعسف أو انفعال، شأن الواثق بنفسه، فيستعرض الشبهات التي يمكن أن تثار حول الموضوع ويجيب عنها بما يشفي به الصدور من ذلك ما قد يقال من أننا إذا سلمنا بأن سكوت العرب عن المعارضة كان عجزاً إلا أننا لا نرى من الناحية اللغوية للقرآن الكريم ما يمكن أن يكون سبباً في الإعجاز، لأن القرآن لم يخرج عن مفهوم العرب في لغتهم، فمن حروفهم ركبت كلماته، ومن كلماتهم ألفت جمله وآياته وعلى مناهجهم في التأليف جاء تأليف، فأي جديد في ذلك كله حتى نقول: أنه جاءهم بما فوق طاقتهم اللغوية؟.
والجواب: أننا نسلم بأن القرآن لم يخرج في لغته عن سنن العرب إفراداً وتركيباً، لكن هذا لا يمنع أن يأتي القرآن بما يعجز الجميع.
ويورد الدكتور / دراز شبهة أخرى فحواها، أن العرب على اختلاف مراتبهم في البيان، لم يصلوا إلى طبقة البلاغة المحمدية، وهذا القصور الذي قعد بهم عن مجاراته في عامة كلامه، هو الذي قعد بهم عن معارضة قرآنه، فلا يكون هذا العجز حجة على قدسية القرآن، كما لو يكن حجة على قدسية الأسلوب النبوي؟.
الجواب: أننا نسلم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان أفصح العرب، لكن: أكان هذا التفاوت بينه وبين الناس مما يتفق مثله في العادة بين بعض الناس وبعض في حدود القدرة البشرية، أم كان أمراً شاذاً خارقاً للعادة بالكلية؟ ولا بد من التسليم بأن ما كان بين الرسول وغيره من تفاوت في الأسلوب، هو ما يكون بين بليغ وبليغ، وبين الحسن والحسين.
فقد نقرأ القطعة من البيان النبوي، فنطمع في مجاراتها، وقد نقرأ الحكمة فيشتبه علينا أمرها، أمن كلام النبي صلى الله عليه وسلم أم من كلام الصحابة والتابعين، أما الأسلوب القرآني فإنه يحمل طابعاً لا يلتبس معه بغيره، ولا يجعل طامعاً يحوم حول حماه.
بل إننا نقول: لو كان القرآن صورة لتلك الفطرة المحمدية لوجب أن ينطبع ذلك على سائر كلامه صلى الله عليه وسلم كما انطبع على القرآن، لأن الفطرة الواحدة لا تكون فطرتين، ولكننا نرى الأسلوب القرآني ضرباً وحدة الأسلوب النبوي ضرباً وحده.
ينتقل بعد ذلك د / دراز إلى الحديث عن خصائص الأسلوب القرآني وأولها ما يسميه القشرة السطحية للجمال القرآني.
فيقول: أول ما يسترعي انتباه المستمع للقرآن الكريم خاصية تأليفه الصوتي، ذلك أننا حين ننصت عن بعد إلى قارىء يرتل القرآن حق ترتيله، بحيث لا يصل إلى مسامعنا جرس الحروف وإنما نسمع فقط حركتها وسكناتها ومدَّاتها وغناتها واتصالاتها وسكناتها، سوف نجد أنفسنا بإزاء لحن غريب عجيب لا تجده في كلام آخر لوجود هذا التجديد ـ بل إننا سنجد فيه شيئاً لا تجده في الموسيقى والشعر، لأن القصائد تتحد فيها الأوزان بيتاً بيتاً، وكذلك الموسيقى تتشابه أصداؤها وتتقارب فلا يلبث السمع أن يملها بينما نحن مع القرآن في لحن متنوع متجدد يأخذ بأوتار القلب.
ثانياً: الخصائص البيانية للقرآن الكريم:
يرتب الدكتور / دراز دراسته لهذا الجانب على أربع درجات:
أـ القرآن في قطعة قطعة منه، ويعني بالقطعة ما يؤدي معنى كاملاً، يؤدي عادة في بضع آيات وقد يؤدي في آية طويلة أو سورة قصيرة، وهو الحد الأدنى للتحدي.
وفي هذا الجانب لا يرى في وصف القرآن خيراً من أنه تلتقي عنده نهايات الفضيلة كلها، على تباعد ما بين أطرافها. فهو يجمع أولاً بين... القصد في اللفظ الوفاء بحق المعنى.. فالذي يعمد إلى إيجاز اللفظ لا مناص من أن يحيف على المعنى قليلاً أو كثيراً، فإن حرصه على الإيجاز يحمله على بذل جهده في ضم أطراف المعنى، وحذف ما استطاع من أدوات التمهيد والتشويق، ووسائل التثبيت والتقرير، إلى غير ذلك مما تمس حاجة النفس إليه في البيان، فيخرج ثوباً متقلصاً، يقصر عن غايته.
أما الذي عمد إلى الوفاء بحق المعنى، وإبراز دقائقه، فلن يجد بداً من أن يمد في نفسه مداً، لأنه لا يجد في القليل من اللفظ ما يؤدي عن نفسه رسالتها كاملة، فإذا أعطى نفسه حظها من ذلك باعد بين أطراف كلامه وأبطأ في الوصول إلى غايته.
والدليل على ذلك: أن البليغ حينما يتعقب كلام نفسه ـ الفينة بعد الفينة ـ يجد فيه زائداً يمحوه أو ناقصاً يثبته ويجد فيه ما يقدم أو يؤخر، كما يروى عن زهير ـ وهو من هو.
في تهذيب قصائده التي كان يسميها ( الحوليات ) لأنه كان يقضي عاماً كاملاً في تهذيبها قبل أن يطلع عليها أحداً.
أما القرآن الكريم، فإن هاتين الغايتين على أتمهما فيه، فحيثما نظرنا في القرآن نجد بياناً قد قدر على حاجة النفس أحسن تقدير، يؤدي لنا من كل معنى صورة نقية لا يشوبها شيء مما هو غريب عنها، وافية لا يشذ منها شيء من عناصرها الأصلية، ولواحقها الكمالية، كل ذلك في أوجز لفظ وأنقاه.
كما يجمع القرآن بين خطاب العامة وخطاب الخاصة... فإننا لو خاطبنا الأذكياء بالواضح المكشوف الذي نخاطب به الأغبياء لنزلنا بهم إلى مستوى لا يرضونه لأنفسهم.
ولو أننا خاطبنا العامة باللمحة الدالة والإشارة المعبرة لجئناهم من ذلك بما لا تطيقه عقولهم، أما في القرآن الكريم فإن جملة واحدة منه تلقى إلى العلماء والجهلاء، وإلى الأذكياء والأغبياء، وإلى السوقة والملوك، فيراها كل منهم مقدرة على مقياس عقله. وعلى وفق حاجته، وهذا شيء لا يوجد على أتمه إلا في القرآن الكريم.
كما يجمع القرآن الكريم بين إقناع العقل وإمتاع العاطفة. فإن قوة التفكير في الإنسان تبحث عن الحق لمعرفته، عن الخبر للعمل به، أما قوة الوجدان فإنها تسجل إحساساً بما في الأشياء من لذة وألم، والبيان التام هو الذي يوفي بهاتين الحاجتين، يمنح النفس حظها من الفائدة العقلية والمتعة الوجدانية معاً، وهذا أمر لم يأت على أتمه إلا في القرآن الكريم.
كما يجمع القرآن أيضاً بين ( البيان والإجمال )، فإن الناس إذا عمدوا إلى تحديد أغراضهم، لم تتسع لتأويل، وإذا أجملوها ذهبوا إلى الإبهام والإلباس، أما بالنسبة للقرآن الكريم، فإننا نجد في أسلوبه من الملامسة الشفوف والخلو من كل غريب ما يجعل ألفاظه تسابق معانيها إلى النفس، ولكننا إذا أعدنا الكرة، ونظرنا فيه من جديد، رأينا أنفسنا بإزاء معنى جديد، يلوح لنا غير الذي سبق إلى فهمنا أول مرة، حتى ترى للجملة الواحدة أو الكلمة الواحدة، وجوهاً عدة، كلها صحيح أو محتمل للصحة، وللنظر في قوله تعالى: (والله يرزق من يشاء بغير حساب( لنرى مصداق ذلك:
فهذه الكلمة على ما بها من وضوح في المعنى، إلا أنه بها من المرونة ما يبيح لنا أن نذهب في معناها مذاهب متعددة: فإذا قلنا في معناها:
أنه سبحانه يرزق من يشاء بغير محاسب يحاسبه، ولا سائل يسأله. لماذا يبسط لهؤلاء ويقدر على هؤلاء. أصبنا. وإذا قلنا: أنه يرزق بغير تقتير ولا محاسبة لنفسه عند الاتفاق خوف النفاد أصبنا ـ ولو قلنا أنه يرزق من يشاء من حيث لا ينتظر ولا يحتسب أصبنا. ولو قلنا: أنه يرزق من يشاء بغير معاتبة ومناقشة على عمله أصبنا، كما لو قلنا: أنه يرزق من يشاء رزقاً كثيراً لا يدخل تحت حصر ولا حساب أصبنا. ويكون في هذا أو ذاك وعد للصالحين. إما بدخول الجنة بغير حساب أو بمضاعفة الأجر أضعافاً مضاعفة كثيرة لا يحصرها العد.
وهكذا نرى أن ما تم به القرآن من مرونة في النص الكريم وسف الفرق الإسلامية كلها على اختلاف منازعها، كما وسع الآراء العلمية على اختلاف وسائلها.
وينتقل د / دراز بعد ذلك إلى النظر في القرآن كوحدات أكبر، فتحت عنوان: ( القرآن في سورة منه ) يذكر أن ذلك يؤدي بنا إلى ملاحظة الجمع بين ( الكثرة ) و (الوحدة ) في كل سورة.
فمن المعروف: أن القرآن الكريم لم ينزل جملة واحدة، وإنما نزل منجماً حسب الوقائع والدواعي المتجددة، وكان الرسول عليه السلام كلما نزلت عليه آية، أمر كتاب الوحي بأن يضعوها في مكان كذا من سورة كذا، دون اعتبار لترتيبها حسب نزولها.
واستمر الحال على ذلك منذ بعثته عليه السلام حتى قبيل وفاته ( زهاء 23 سنة )، والرسول عليه السلام بشر، ما كان ليدري ما ستجيء به الأيام من أحداث، ولا ما سيكون في مستقبل الزمان من قضايا، وبالتالي: لم يكن يعرف ما سينزل بشأنها من قرآن.
وتمضي الأيام وآيات القرآن بتتابع نزولها والرسول يأمر بوضعها مواضعها التي يشير إليها، موزعة على السور، حتى اكتمل نزول القرآن. فإذا نحن أمام بناء متناسق متكامل تتآخى أجزاؤه. وتأتلف وتنسجم، ولا يؤخذ عليه شيء من التنافر أو التفاوت بين شيء من أجزائه، حتى أن الناظر فيه دون أن يعلم بنزوله منجماً، ولا يخطر بباله أنه رتب بهذه الطريقة.
إن ذلك ولا شك دليل قاطع على أن القرآن الكريم كلام الله لا كلام بشر.
ويرى الدكتور / دراز أن هذا النهج الكلي في دراسة النسق القرآني هو السياسة الرشيدة، التي يجب أن تتبع، فلا يتقدم الناظر إلى البحث في الصلات الموضعية بين جزء وجزء، إلا بعد أن يحكم النظر في السورة كلها، بإحصاء أجزائها وضبط مقاصدها العامة، فالسورة مهما تعددت قضاياها، فهي كلام واحد، يتعلق آخره بأوله، وأوله بآخره، ويترامى بجملته إلى غرض واحد كما تتعلق الجمل بعضها ببعض في القضية الواحدة.
ولا نجد ما نختم به دراستنا ( النبأ العظيم ) خيراً من قوله صاحبه: ( لعمري لئن كانت للقرآن الكريم في بلاغته معجزات وفي أساليب ترتيبه معجزات، وفي نبوءاته معجزات، وفي تشريعاته الخالدة معجزات، وفي كل ما استخدمه من حقائق العلوم النفسية والكونية معجزات. لعمري أنه في ترتيبه آية على هذا الوجه معجزة المعجزات).
وبعد: أيها القارئ الكريم: ماذا نأخذ وماذا ندع لنبيين أن القرآن الكريم معجز، أنه في الحقيقة معجز من أي ناحية أتيناه، إنه معجز في بلاغته، معجز في ترابطه وتماسكه، معجز في تشريعاته وهدايته، معجز في معارفه وعلومه، معجز في غيوبه وأسراره، إنه روح من الله، صدق فيه قوله سبحانه: )وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ )صدق الله العظيم. وصدق نبيه الكريم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
* * *
أ.د. / عبد الغني محمد بركة
تم نشر المقالة بالتعاون مع جمعية الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ـ مصر القاهرة
  #1735  
قديم 12-01-2014, 09:07 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي رد: موسوعة الشفاء للإعجاز العلمي فى القران والسنه .. بالإضافه الى اخر المقالات المنشو

المعارضون للإعجاز العلمي في القرآن والسنة

مناقشة الآراء ودحض الحجج
أ.د/كارم السيد غنيم
أستاذ في جامعة الأزهر حاصل على دكتوراه في علم الحشرات
ورئيس جمعية الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في الأزهر
الحمد لله الذي أنزل القرآن ختاماً لكتبه ورسالاته إلى البشر أجمعين، وأودع فيه من الأسرار مالا ينقضي وما لا ينتهي إلى يوم القيامة، الحمد لله الذي جعل القرآن معجزة خالدة لخاتم الأنبياء والرسل، معجزة عقلية ذهنية علمية، معجزة اكتملت فيها كافة جوانب الإعجاز: في اللغة، في البيان، في الإخبار بما فات، وما يجري وما هو آت، معجزة أحتوت من الأمور العلمية والمسائل الكونية والقواعد السياسية والأسس والكليات الاقتصادية والتفصيلات الاجتماعية والحقوق الإنسانية والنظم البشرية .. ما لا يستطيع أي مخلوق أن يأتي بمثله على مر الزمان، وسيظل القرآن الكريم معجزة الإسلام الخالدة، وبرهانه الباقي، منذ نزل بين أناس فصحاء وعلى قوم بلغاء، ولطالما يتلى بين باحثين وعلماء.
ونحن في زمن الكشوف العلمية، والاختراعات التكنولوجية، في زمن ثورة المعلومات والهندسة الوراثية، وارتياد الفضاء والاتصال بالكواكب الأخرى وزيارتها، في زمن " القرية الواحدة " يعرف فيه القاصي والداني، ويتصل فيه أهل القطب بأهل اللب، بل نحن في زمن " الحجرة الواحدة " بفضل ثورة الاتصالات العارمة، نحن في هذا الزمن الحاضر علينا أن نوظف هذه العلوم والمعارف في تفسير آيات كتابنا المجيد، وإن لم نفعل فقد قصرنا تقصيراً يحاسبنا الله عليه، وإن لم نفعل فكيف بمن سيأتون بعدنا من أجيال يحترموننا أو يجلوننا، كيف يحترمون أو يجلون جيلاً لم يعط في خدمة القرآن ـ والدعوة الإسلامية عموماًـ عطاء غيره ممن سبقه من أجيال.
وبالرغم من أن نتائج دراسات وبحوث الإشارات العلمية للآيات القرآنية أضحت ضرورة في الدعوة الإسلامية، وخصوصاً في المجتمعات غير المسلمة، المجتمعات المتقدمة علمياً وتكنولوجيا، فإن البعض لا يزال يعارض هذا المنحى في الدراسات والبحوث، سواء عن جهل به أو عن خوف من تحديث أساليب الدعوة، وقد درجوا على أساليب معروفة قديمة كانت صالحة لعصور سابقة.[1].
وعلى أية حال، فالمعارضون لهذا الاتجاه البحثي ـ قداماهم ومحدثوهم ـ ليس لهم نصيب من المعارف الطبيعية أو العلوم المدنية، وإنما سوادهم ـ إن لم يكن جميعهم ـ أصحاب معارف وعلوم نظرية وحسب، ويستطيع الباحث أن يركز كلامهم في نقاط محددة، وهي نقاط ـ أو حجج ـ يمكن دحضها بعد الوقوف عليها جيداً، وهذا ما قمنا به في هذا المقال، بتوفيق من الله تعالى، ولا نبتغي في هذا سوى مرضاته بخدمته لكتابه العظيم، والسعي لنشر دينه الحنيف في أرجاء الأرض قاطبة.
ولا ندعي أننا أتينا على الموضوع بجميع تفاصيله، وإنما نقدم ما أفاء الله به علينا وما أسعفتنا به المراجع وما سمع به الوقت، (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً)[2].
المنكرون لاتجاه استعمال نتائج الكشوف العلمية والبحوث التجريبية في تفسير أو تفهم الآيات الكونية بالقرآن ليسوا بالكثرة التي ينتشر بها علماء الفريق الثاني، ونحن هنا نورد آراء أهم رواد المنكرين كما يلي :
أبو إسحاق الشاطبي:
يمثل هذا التيار علماء قدامى وعلماء محدثون، ولعل الشاطبي صاحب (الموافقات) يعتبر من أقدم النكرين لهذا الاتجاه في تفسير آيات القرآن، وقد بسط القول في إنكاره، والرد على القائلين به.
ويقول أبو إسحاق الشاطبي (المتوفى سنة 790هـ ) في كتابه (الموافقات في أصول الشريعة): إن كثيراً من الناس تجاوزوا في الدعوى على القرآن الحد، فأضفوا إليه كل علم يذكر للمتقدمين أو المتأخرين: من علوم التطبيقات والتعاليم (أي الرياضيات والهندسة وغيرها)، والمنطق وعلم الحروف، وجميع ما نظر فيه الناظرون من أهل الفنون، وأشباهها، وهذا إذا عرضناه على ما تقدم( أي : تم ذكره في كتاب الموافقات) لم يصح.
ثم يضيف الشاطبي إلى هذا ما ينفي به حق القائلين بالتفسير العلمي، فيقول: وإضافة إلى هذا، فإن السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم كانوا أعرف الناس بالقرآن، وبعلومه، وما أودع فيه. ولم يبلغنا أنه تكلم أحدهم في شيء من هذا المدعى.. سوى ما ثبت فيه من أحكام التكاليف وأحكام الآخرة، وما يلي ذلك. ولو كان لهم في ذلك خوض ونظر لبلغنا منه ما يدلنا على أصل المسألة، إلا أن ذلك لم يكن، فدل على أنه غير موجود عندهم، وذلك دليل أن القرآن لم يقصد فيه تقرير لشيء مما زعموا.
ثم عرض الشاطبي لأدلة الداعين إلى " التفسير العلمي " وأخذ يدحضها مركزاً على مستندهم ويتمثل في الآيتين : (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء) [سورة النحل], وقوله تعالى ما فرطنا في الكتاب من شيء) [سورة الأنعام]. وقال بأن المقصود بالتبيان هنا هو إظهار أحكام التكاليف، والتعبيد، وأحكام الآخرة، وما يتعلق بأصول الهداية، وليس بصدد العلوم الكونية. وفي الآية قال بأن الكتاب المقصود هنا هو " اللوح المحفوظ " ولم يقل كما يقولون بأنه القرآن الكريم.
ومما يذكر أن الشاطبي هذا من علماء القرن الهجري الثامن، الذي ظهر فيه الزملكاني صاحب كتاب (التبيان في إعجاز القرآن)، وابن تيمية صاحب كتاب في الإعجاز هو (جواب أهل العلم والإيمان)، والخطيب القزويني صاحب كتاب ( التلخيص لمفتاح السكاكي)، ويحيى بن حمزة العلوي، والأصبهاني، وابن قيم الجوزية وابن كثير، والزركشي.
وهو إلى جانب ما أورده في كتابه(الموافقات) جعل الاستعانة على فهم القرآن الكريم، مقصور على العرب خاصة، وليس إلى غيرهم. وكان مما قاله ونقله عنه الدكتور أحمد العمري[3]: " إن هذه الشريعة أمية لأمة أمية ".
ويعقب العمري على هذه المقولة بقوله: جعل الشاطبي هذا القول قاعدة، دخل منها إلى أن الشريعة جارية على مذاهب العرب، وبنى على ذلك أن كثيراً من الناس قد تجاوزوا في الدعوى على القرآن، فأضافوا إليه كل علم من العلوم، على النحو الذي ذكرناه في نص قول الشاطبي في الفقرات السابقة.
ثم إن صاحب (القرآن يتحدى)[4]يرد على الشاطبي مقولته " إن هذه الشريعة أمية لأمة أمية " من وجوه :
1. إن إطلاق " الأمية " على الشريعة مجازفة لا تستند إلى أي دليل، خاصة وأن الكلام إنما يدور حول العلوم المندرجة في القرآن الكريم، ومن البداهة أن علوم القرآن لا تدخل تحت حصر، لأنه كلام الله تعالى، والحصر من صفاتنا لا من صفات القرآن.
2. إن أحداً لم يدع استنباط جزئيات العلوم الكونية من القرآن، مثل الرياضيات والفلك، وإلا لكن القرآن في مادته لا يخرج عن مادة أي كتاب من تأليف البشر. بل إن المناقشة تدور حول موضوع آخر غير هذا، وهو أن التبحر في العلوم الكونية يكشف لنا عن وجوه الإعجاز ما لم نكن نعلمه في عصرنا.
3. إن كان بعض الذين طبقوا هذا المنهج قد جانبهم الصواب، فإن هذا يحدث لكل من يعالج قضية من القضايا، أو مسألة من المسائل العلمية التي تقبل النقاش، فالعيب ليس في المنهج، وإنما العيب فيمن تصدوا لتطبيقه، ولا أهمية عندهم لذلك.
4. الاعتراض على من قال: إنه يستنبط العلوم من القرآن الكريم ليس بحجة، ولا تحجير على فضل الله تعالى، ولا يوجد اثنان من العلماء يتساويان في فهم كتاب الله عز وجل.
ومن قبل هذا فلقد انبرى محمد الطاهر بن عاشور [5]( وهو من المفسرين التونسيين المعاصرين) في تفسيره " التحرير والتنوير " إلى تفنيد مقولة الشاطبي بأن الشريعة أمية لأمة أمية، فقال: إن هذه المقولة واهية لوجوه ستة:
1. إن ما بناه عليه، يقتضي أن القرآن لم يقصد منه انتقال العرب من حال إلى حال، وهذا باطل. بقول الله سبحانه: ( تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك، ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا.. ) [سورة هود/49]، فهذا تصريح بأن القرآن يحتوي كثيراً من الحقائق التي يجهلها قومه، والتي هي من قبيل أنباء الغيب والمعجزات.
2. إن مقاصد القرآن راجعة إلى عموم الدعوة، وهو معجزة باقية، فلابد أن يكون فيه ما يصلح لأن تتناوله أفهام من يأتي من الناس في عصور انتشار العلوم في الأمة.
3. إن السلف قالوا: إن القرآن لا تنقضي عجائبه، يعنون معانيه، ولو كان كما قال الشاطبي لانقضت عجائبه، بانحصار أنواع معانيه.
4. إن من تمام إعجازه أن يتضمن من المعاني ـ مع إيجاز لفظه ـ ما لم تف به الأسفار المتكاثرة.
5. إن مقدار أفهام المخاطبين به ابتداء لا تقتضي إلا أن يكون المعنى الأصلي مفهوماً لديهم، فأما ما زاد عن المعاني الأساسية فقد يتهيأ لفهمه أقوام، وتحجب عنه أقوام.
ولنطالع الآن رأي الداعية الشيخ محمد الغزالي بخصوص مقولة الإمام الشاطبي (إن هذه الشريعة أمية لأمة أمية)، يقول الشيخ محمد الغزالي[6] :
هناك قضية هامة وردت فيما سبق،وهي : قضية أمية الأمة، وأمية الشريعة، التي أتى الشاطبي على ذكرها.. وهي قضية خطيرة، إذا أخذناها على إطلاقها فإنها تؤدي إلى محاصرة العقل.. فهل يُعقل أن تكون هذه " الأمية " خالدة ؟ أم أنها مرحلة مؤقتة، كان العرب عليها، ومن ثم انتهت وأصبحت الأمة تكتب وتحسب ؟ وأرى أن الأمة، في مرحلة من حياتها، قد تكون أمية لا تقرأ، ولا تكتب ولا تحسب، ثم يتغير حالها إلى مرحلة أخرى، فتصبح أمة عالمة قارئة.. فهل يمكن أن تبقى الأمة متوقفة على الوسائل الأمية في النظر والحكم والعلم ؟ الأمة اليوم أصبحت تقرأ وتكتب وتحسب .. فالتقرير على أن الأمية صفة قسرية أو ملازمة للأمة، وأن الأحكام يجب أن تبقى مناسبة لمرحلة الأمية، أظن أنه أمر يتعارض مع طبيعة الحياة، وصيرورتها كما يتعارض مع خلود الرسالة وقدرتها على الاستجابة لدواعي العصر.
وأمر الإصرار من بعض العلماء على " الأمية " عجيب ! وهو ما أدى إلى التعسف والتوقف عند بعض المفهومات وعدم تجاوزها..
" إنا أمة أمية لا تكتب ولا تحسب " [7] ! لكن هل هذا يعني أن تبقى الأمة أبداً لا تقرأ، ولا تكتب، ولا تحسب ! وهل هذا يعني أيضاً أن نبقى بعيداً عن الكسب العلمي؟ وكانت أول آية نزلت تفرض التعلم والتحول إلى القراءة والكتابة ؟
والسؤال أيضاً: بعد نزول القرآن: هل تبقى الأمة أمية؟ لقد كانت أمة أمية، ثم جاء هذا العلم المزدوج المضاعف الكثير في كتاب الله، فكيف تبقى أمية بعده ؟ هذا مستحيل.
والسؤال هو : هل كلمة " أمية " التي وردت في الحديث نسبة للجهل أو الأمة ؟ فاليهود يرون أن " النبي أمي " تعني : النبي المبعوث من غيرهم، أو من بقية العالم .
ويخيل إلىّ أن المقصود " بالنبي الأمي " : النبي الذي خرج بعيداً عن الدائرة التي كان يؤخذ منها الأنبياء، وهي إسرائيل، وإن كان هناك أنبياء عرب.
(ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ) [سورة البقرة].
ولما سألت الرسول صلى الله عليه وسلم أبيّ بن كعب [8]عن أفضل آية عنده، قال: آية الكرسي. قال له " ليهنك العلم أبا المنذر "[9]. أي ليكن العلم هنيئا لك
ويقول تعالى : (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم )[سورة النساء].
فالعلم هو صفة القرآن ... وصفة المشتغلين به. فكيف يقال : " إن الأمة أمية مع القرآن ؟ هذا مستحيل . والقرآن وجه لاقتحام أسوار الحياة والتغلغل في أسرارها، ومجال العلم الإلهي فيها والحكمة الإلهية فيها. فكيف يُقال : إن الرسالة أمية؟
ألا يمكن أن يكون هناك أفق آخر للقضية ؟ وهو : أن التكاليف والعبادات وما إلى ذلك، يمكن أن تكون لها صفة العموم، وتشمل الناس جميعاً بمختلف مستوياتهم الفكرية والعلمية، والرسالة ميسرة لكل بحسب كسبه. كأني ألمح في بعض الوجوه أن التعاليم الإسلامية كالأمر بالصلاة والصوم.. الخ، لا تستدعي سوية معينة من الكسب العلمي، حتى يستطيع الإنسان أن يدركها، وإلا كيف يمكن أن نخرج ذلك من الأمة الأمية ؟ !
وتعقيباً على ما ذهب إليه الشاطبي، أقول: إن العرب إذا كانوا في ذلك العصر أمة أمية، فالأمية لا يمكن استمرارها .. هذا شيء. والشيء الآخر : إن الخطاب ليس للعرب ولكنه للناس ـ المتعلم وغيره ـ كما أنه ليس لزمان واحد فقط.
كان العرب أمة أمية ... وكان الفرس والرومان هم المثقفون.. وعندما أنظر إلى الفرس والروم أجد أنه كانت لديهم جهالات ربما لم تكن موجودة عند العرب .. وربما أن العرب أحسن من الروم والفرس، في جاهليتهم تلك : (الله أعلم حيث يجعل رسالته) الأنعام.
قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " إنا أمة أمية " أي تجهل الكتابة والحساب في عصر معين ـ لا يقتضي أن تبقى أمية دائماً، والقرآن خطاب خالد مجرد من حدوث الزمان والمكان.
ففكرة أمية الأمة، وأمية الشريعة، والإصرار على بقاء المرحلة البدوية واستمرارها مرفوض.. أمة تستقبل القرآن لابد أن تكون أميتها قد زالت بهذا القرآن نفسه.. فإذا كان القرآن يدل على مصادر معرفة في أساس المنطق الحديث، وأساس حضارة أوربا، فكيف تكون الأمة أمية؟ هذا أمر مستبعد.
القرآن لم ينزل على العرب وحدهم، ولم ينزل لفترة معينة، وإنما هو خالد عبر الزمن.. فكيف يمكن أن ينتفع أصحاب الكسب العلمي والمعارف العلمية في المستقبل إذا اعتبر خطاباً أمياً للأميين؟
والأمر العجيب: أن الشاطبي، على الرغم من قدراته العقلية في تحديد مقاصد الشريعة، قال بهذا!
محمد الذهبي:
الدكتور محمد حسين الذهبي هو الآخر من رواد التيار المناوئ لنزعة ما يسمى "التفسير العلمي " للآيات الكونية الواردة بالقرآن الكريم .
ولكنه يعرف هذا التفسير بأنه العمل الذي يحكم الاصطلاحات العلمية في عبارات القرآن، ويجتهد في استخراج مختلف العلوم والآراء الفلسفية منها.
وهناك عدد من الجوانب التي ورد بها الذهبي دعوة القائلين بالتفسير العلمي، ساقها الدكتور سعاد يلدرم[10]في بحث له بالمؤتمر العالمي الأول للإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة المشرفة المنعقد بإسلام أباد (باكستان) سنة 1408هـ (1987م) .. وهي آراء بثها الذهبي في كتابه (التفسير والمفسرون)، وموجز هذه النقول:
1. الناحية اللغوية:
تغيرت ألفاظ قرآنية وتوسعت دلالاتها على مر الزمان. وتعددت معاني اللفظ الواحد، فبعضها عرفته العرب وقت نزول القرآن، وبعضها لا علم للعرب به وقت نزول القرآن، ... فهل يعقل أن نتوسع في فهم ألفاظ القرآن توسعها يجعلها تدل على معان جدت باصطلاح حادث ؟
2. الناحية البلاغية:
وموجز القول فيها أن الذهبي توصل إلى ضرر البلاغة القرآنية من جهة التغير العلمي للقرآن. وحجته هي الذين خاطبهم الله بهذا القرآن وقت نزوله إذ كانوا يجهلون هذه المعاني، رغم أن الله يريدها من خطابه إياهم، لزم أن يكون القرآن غير بليغ، لأنه لم يراع حال المخاطب؟ وإن كانت العرب تعرف هذه المعاني وقت نزول القرآن بين ظهرانيهم، فلم لم تظهر نهضة العرب العلمية منذ نزل القرآن؟ .
3. الناحية الإعتقادية:
وتتلخص في أن قواعد العلم ونظرياته لا قرار لها ولا بقاء، فإذا ذهبنا إلى تقصيد القرآن ما لم يقصد إليه من نظريات ثم ظهر بطلانها، فلسوف يتزعزع اعتقاد المسلمين في القرآن.
هذا، وإن كان الدكتور الذهبي قد شدد على المسرفين في التفسير العلمي للقرآن، إلا أنه بدا غير معترض على الفكرة في حد ذاتها، لأنه قال في أواخر ما كتب : وحسبهم أن لا يكون في القرآن نص صريح، يصادم حقيقة علمية ثابتة. وحسب القرآن أنه يمكن التوفيق بينه وبين ما جد ويجد من نظريات وقوانين علمية، تقوم على أساس من الحق وتستند إلى أصل من الصحة.
محمد رشيد رضا:
على الرغم من أن بعض الباحثين اعتبر الشيخ محمد رشيد رضا ممن أجازوا لغة " التفسير العلمي للقرآن " [11]إلا أننا طالعنا ما أوضح لنا أنه من المانعين لهذا الاتجاه [12]، باعتباره صارفاً عن القرآن وهديه وتشريعه، وينبغي على الذين سلكوا هذا المسلك الذي يخرج بالتفسير عن وظيفته، ويعمد إلى تأويل القرآن على غير تأويله، كالرازي في تفسيره، ومن تأثر بخطاه. أن يعيدوا النظر في ذلك. وقد عرض محمد رشيد رضا آراءه هذه في مقدمة تفسير المنار.
محمد المراغي :
الشيخ محمد مصطفى المراغي (شيخ الأزهر السابق المتوفى سنة 1364هـ يقول : يجب ألا نجر الآية إلى العلوم كي نفسرها، ولا العلوم إلى الآية، ولكن إن اتفق ظاهر الآية مع حقيقة علمية ثابتة فسرناها بها. وحينما ألف الدكتور عبد العزيز إسماعيل كتاب (الإسلام والطب الحديث) عرضه على الشيخ المراغي فأثنى الشيخ في مقدمته على المؤلف وحمد له جهوده، ولكنه لم يوافقه على مسكله في تحميل الآيات القرآنية ما لا تتحمله، فقال: لست أريد من هذا ـ يعني ثناءه على الكتاب ومؤلفه ـ أن أقول إن الكتاب الكريم (أي : القرآن) أشتمل جميع العلوم جملة وتفصيلاً بالأسلوب التعليمي المعروف، وإنما أريد أن أقول إنه أتى بأصول عامة لكل ما يهم الإنسان معرفته به، ليبلغ درجة الكمال جسداً وروحاً، وترك الباب مفتوحاً لأهل الذكر من المشتغلين بالعلوم المختلفة ليبينوا للناس جزئياتهان بقدر ما أوتي منها في الزمان الذي هم عائشون فيه[13].
هذا، وكان الشيخ محمود شلتوت (شيخ الأزهر الأسبق) والشيخ محمد المدني، والدكتور محمد عبد الله دراز من علماء هذا التيار أيضاً.
عاطف العراقي:
الدكتور عاطف العراقي أستاذ الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة، كنا من قبل نراه يكتب صنو اسمه (أستاذ الفلسفة الإسلامية)، لكنه الآن يكتفي بذكر الكلمتين (أستاذ الفلسفة) !!! وهو من أشهر الذين تأثروا بفكر الأب جورج قنواتي في مصر، وهو الذي احتضن الدكتور العراقي وساعده كثيراً. تحدث الدكتور العراقي في ندون (الدين والعلم والفلسفة) التي نظمها نادي العلوم جامعة القاهرة، ونقلتها جريدة عقيدتي [14]المصري، فجاء إلى الدراسات العلمية للآيات الكونية الواردة بالقرآن، وقال ما نصه: استخلاص النظريات العلمية من الآيات القرآنية خطأ كبير يسيء للدين ويضيره أكثر مما يفيده، فقد لاحظنا في السنوات الأخيرة من دأب على الربط بين النظريات العلمية التي قد تتغير بمرور الزمن وقد يثبت خطؤها في حين أن القرآن ثابت.... وقد وجدنا من قال إن معظم النظريات العلمية الحديثة من الجاذبية والإلكترونات وغيرها قد وردت في القرآن منذ أربعة عشر قرناً.. وأشار الشيخ محمد عبده والكواكبي والشيخ بخيت وغيرهم إلى ذلك وساقوا أدلة خاطئة لإمكان استخلاص نظريات علمية من القرآن .. الأمر الذي جعل الدكتور طه حسين يهاجمهم في كتابه (من بعيد) بتفنيد حججهم والتهكم عليها بقوله : " يبدوا لي أنهم يسرفون في أكل الفول والعدس الذي ينصرف إلى أدمغتهم فيؤدي إلى تصرفات فاسدة في ظل التغير العلمي يوما بعد يوم، وخاصة إذا جاء أناس وقالوا بتأييد القرآن لنظرية علمية ثم جاء عالم آخر غداً وأثبت خطأها، فماذا يكون موقف العلماء الذي فسروا العلم بالقرآن. أما التهكم الذي صدر عن الدكتور طه حسين فما كان يليق بمثله أن يأتي به، ولكنه وقد وصل إلى هذا المستوى، وذلك من خلال العديد من المقالات التحليلية النقدية للأستاذ أنور الجندي في بابه الثابت بمجلة منار الإسلام الظبيانية (مؤلفات في الميزان)، وقد جمعت المجلة هذه المقالات في كتاب أصدرته بنفس عنوان الباب " مؤلفات في الميزان " .
عبد الكريم الخطيب :
وممن يهزأ بنزعة " التفسير العلمي " للقرآن الكريم عبد الكريم الخطيب الذي قال في تحقيق صحافي[15]: إنه نوع من التهريج والإدعاء (!!!)، يقوم به أصحابه فيلصقون بالقرآن أشياء أشد ما تكون بعدا عنه. ويضرب مثالاً بالآية القرآنية : (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون ) [سورة الذاريات]، فيقول : إن أصحاب هذا التفسير يتحدثون عن التمدد والتزايد في الألوان، فمن أين جاءوا بهذا؟ ويأتي بمثال آخر هو الآية (أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) [سورة الرعد] وقد قال هؤلاء عن ذلك بتآكل الشواطئ البحرية.
ويؤكد الخطيب أن العلم متغير لا يثبت على حال، حيث تنقض النظريات القائمة بنظريات حديثة.
هذا، ولا يفوتنا أن نذكر رائدين من رواد المنكرين، وهما الشيخ أمين الخولي، وبنت الشاطيء (الدكتور عائشة عبد الرحمن).
ونستطيع أن نلخص آراء المعارضين لاتجاه " التفسير العلمي للقرآن الكريم في النقاط الآتية:
1. إن القرآن نزل ليفهمه العرب في الصدر الأول من الإسلام، وأن علينا معاشر المسلمين أن نحذوا حذوهم فيما فهموه من آياته البينات بحسب مدلولات ألفاظه المفهومة، لأنهم عرب أدرى بلغتهم، وأقدر على فهم معاني كلماتها منا.
لما كانت البلاغة هي المطابقة لمقتضى الحال، فإن التفسير العلمي للقرآن يضر ببلاغة القرآن، لأن من خوطبوا بالقرآن في وقت نزوله، إن كانوا يجهلون هذه المعاني، وكان الله يريدها من خطابه إياهم، لزم على ذلك أن يكون القرآن غير بليغ، لأنه لم يراع حال المخاطب !! وإن كانوا يعرفن هذه المعاني فلم لم تظهر نهضة العرب العلمية من ليلة نزول القرآن الذي حوى علوم الأولين والآخرين؟ [16]
2. إن القرآن الكريم لا شأن له بالعلوم الطبيعية، فهو لم ينزل ليحدث الناس عن نظريات العلوم، ودقائق الفنون، وأنواع المعازف، وإنما هو كتاب أنزل للناس للإرشاد والهداية وبيان التكاليف وأحكام الآخرة.
إن هناك دليلاً واضحاً من القرآن على أن القرآن ليس كتاباً يريد الله به شرح حقائق الكون، وهذا الدليل هو ما روى عن معاد أنه قال : يا رسول الله : إن اليهود تسألنا ويكثرون مسألتنا عن الأهلة، فما بال الهلال يبدو دقيقاً ثم يزيد حتى يستوي ويستدير ثم ينقص حتى يعود كما كان؟ .
فأنزل الله هذه الآية : (يسألونك عن الأهلة، قل: هي مواقيت للناس والحج)[سورة البقرة][17].
3. إن " التفسير العلمي " للقرآن يعرض القرآن للدوران مع مسائل العلوم في كل زمان ومكان. والكشوف العلمية والبحوث الكونية ما هي إلا فروض ونظريات، يعتقد رجال العلوم فترة من الزمان في صحتها ثم لا يلبثون بأنفسهم أن يبطلوها. ومن ثم فلا يجوز للمسلم الغيور على قدسية القرآن أن يقحم آياته في أشياء ومعارف تتغير وتتبدل، حتى إننا نرى ما كان حقيقياً بالأمس يصبح خطأ اليوم، وما هو حقيقي اليوم قد يصبح خطأ غداً .. فكيف نستخدم علوما هذا شأنها في تفسير آيات خالدة باقية لا يتطرق إليها أدى تغيير أو تبديل.؟
إننا إذا ذهبنا إلى تقصد القرآن ما لم يقصد من نظريات، ثم ظهر بطلان هذه النظريات، فسوف يتزلزل اعتقاد المسلمين في القرآن الكريم، لأنه لا يجوز للقرآن أن يكذب اليوم ما صححه بالأمس[18].
هكذا يتضح لنا أن المانعين أو المنكرين لظاهرة " التفسير " العلمي لآيات القرآن ذات الإشارات الكونية، يكتفون بالوقوف عند المعاني الظاهرية فقط لهذه الإشارات دون الدخول فيما تتضمنه هذه الإشارات أو تدل عليه من سبق علمي أو بيان لحقيقة علمية لم يتوصل العلم إليها إلا حديثاً، بل يرون هذا العمل صارفاً عن الغاية الرئيسية للقرآن، وهي : هداية الإنسان وإصلاح حاله!
ولنتفرغ الآن لدحض حجج المانعين للتفسير العلمي في القرآن، المعارضين لبيان أوجه الإعجاز العلمي فيه، كما يلي:



يتبـــــــــــــــــــــــــــــع


  #1736  
قديم 12-01-2014, 09:11 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي رد: موسوعة الشفاء للإعجاز العلمي فى القران والسنه .. بالإضافه الى اخر المقالات المنشو

يتبــــــــــــع الموضوع السابق

المعارضون للإعجاز العلمي في القرآن والسنة



دحض الحجة الأولى:
في دحض هذه الحجة يجب أولاً أن نوضح أموراً:
الأمر الأول: إن القرآن الكريم نزل للبشرية حتى يوم القيامة على اختلاف ثقافات عصورهم وتنوع علوم أهلها، وهو إذ يخاطب العقول على اختلاف المواهب والثقافة والتدبر والتدبر والتفكر، وكل عقل يأخذ منه ما يطيقه وما ينتفع به، فإذا عجزت بعض العقول عن إدراك بعض المعاني لآيات القرآن وجب علينا أن نستعين بكبار العلماء الباحثين، فإن الله تعالى يقول : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) [سورة النحل]، وكم استنبط العلماء والفقهاء والباحثون من آيات القرآن الكريم معاني وأحكاماً لم يعرفها السابقون، ذلك أن القرآن كما عبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم : (حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد ـ أي التلاوة ـ ولا تنقضي عجائبه).
فالدارس للقرآن الكريم يأخذ منه بمقدار موهبته الفكرية وإيمانه القوي، وثقافته العلمية، ومعارفه العديدة، وتفكيرها العميق، وكلما نما العقل البشري، واتسعت مداركه، وتنوعت ثقافته، وتعددت تجاربه، وغزرت معارفه، أدرك من القرآن الكريم ما لم يدركه سواه.
الأمر الثاني : إن القرآن الكريم من أوجه إعجازه إعطاؤه معاني متعددة للعبارة الواحدة الواردة فيه:
1. وأكثر من هذا أننا نجد أحياناً عبارة واحدة تعطينا معنى خاصاً، وفي الوقت نفسه تعطينا ما يبدو مضاداً لهذا المعنى. ومثال ذلك قول الله تعالى : ( وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حباً فمنه يأكلون * وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون * ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون) [سورة يس ].
فالمعنى الأول المفهوم من الآية الكريمة أن الله خلق لنا الثمر لنأكل منه وهو الذي صنعته ولم يصنعه بشر، أي أن " ما " في " وما عملته أيديهم " نافية لفعل البشر في الصنع والخلق، لكن للآية معنى آخر غير المعنى الأول و هو : أن الله خلق الثمرات لنأكل منها طازجة، ولنأكل مما صنعته أيدينا من هذه الثمرات، الطهي أو العصير أو التمليح أو التجفيف أو التقديد، أي أن " ما " التي أشرنا إليها سابقاً هنا موصولة وليست للنفي.
وأصبح للآية معنيان، وربما لها أكثر، وكل منهما صحيح، وعطاء الله لا ينفذ.
2. وهناك آيات عديدة تعطينا معاني عديدة، يظهر بعضها في زمن، ويظهر بعض ما فيها في أزمان متوالي، تبعاً لازدياد فنون الثقافة والكشوف العلمية المتوالية، وأن على العلماء المسلمين المعاصرين إيضاح هذه المعاني حسب ما لديهم من علوم ومعارف حديثة تخدم مفاهيم هذه الآيات.
الأمر الثالث: حينما تستخدم العلوم الكونية والمعارف الطبيعية في تجلية آيات قرآنية وبيان أوجه العظمة ونقاط الإعجاز فيها، إنما نفعل كما يفعل اللغويون وأصحاب البيان، فاستخدام علوم اللغة العربية في بيان أوجه الإعجاز القرآني لم يكن موجوداً في عصر النبوة، وقد ظهرت في عصور متأخرة، والعلماء قاطبة يجمعون على استخدامها في بيان أوجه الإعجاز في القرآن، فلماذا نجيز لهؤلاء استخدام علومهم ونحرم على علماء الكونيات والطبيعيات أن يسخروا علومهم في تجلية جوانب الإعجاز العلمي للآيات الكونية في القرآن ؟ !!
وفيما يلي أمثلة قليلة لنوضح بها أن العلوم الكونية والمعارف الطبيعية لا تقل أهمية عن علوم اللغة العربية ( التي لم يعترض أحد على استخدامها لبيان أوجه الإعجاز القرآني) في بيان وتجلية جوانب من إعجاز الآيات الكونية:
المثال الأول :
يقول الحق ـ تبارك وتعالى ـ (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ) [سورة الغاشية ] فهل الأمر الإلهي بالنظر إلى الإبل لمجرد مناسبتها لخطاب البدو والأعراب؟ فإذا كان هذا صحيحاً فكذلك لا تزال الدراسات الحديثة تكشف عن معجزات أحيائية رائعة في ذلك المخلوق الرائع، الذي نستطيع أن نثبت أنه خص بالذكر من بين ما لا يحصى من مخلوقات الله، نموذجاً يتدبر في دراسته المتدبرون، هذا إضافة إلى أن النظر هنا ليس معناه نظر حدقة العين، وإنما النظر بمعنى التدبر والتبصر والدراسة والبحث.
المثال الثاني :
يقول الحق تبارك وتعالى : (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير .. ) [سورة المائدة]، فليس من الصحيح المقنع أن علة التحريم في لحم الخنزير هي ما تناقلته بعض التفاسير من أشياء يسهل الرد عليها ودحضها، ومنا الرائحة الكريهة، أو أن الخنزير يتغذى على الأقذار أو ما شابه هذه الأقوال الضعيفة، ولكن علينا ـ بعد إيماننا بتحريمه والامتثال للأمر الإلهي بالطاعة ـ أي نفهم ما أثبته العلماء المعاصرون من حقائق تقرر أن تحريمه لعلة مستقرة فيه، وليس لعلة عارضة عليه يحل لحمه بزوالها[19].
المثال الثالث:
يقول الحق ـ تبارك وتعالى ـ : ( فلا أقسم بالشفق * والليل وما وسق * والقمر إذا اتسق * لتركبن طبقاً على طبق * فما لهم لا يؤمنون * وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون * بل الذين كفروا يكذبون )[سورة الانشقاق ]. فسر بعض المفسرين قوله تعالى : ( لتركبن طبقاً عن طبق) بالصعود الروحي من سماء إلى سماء، وفسرها آخرون بصعود رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات : سماء تلو سماء، وفسرها آخرون بصعود رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات : سماء تلو سماء في رحلة المعراج العظيمة التي طوى فيها هي ورحلة الإسراء الزمان والمكان.هذا وإن كانت بعض التفاسير قد قنع بها المسلمون في عصورهم السابقة، فإن بعض التفاسير يشوبها الغموض فيما عرضته من شرح لهذه الآية، لذلك جاء نفر من العاملين في حقل الإعجاز العلمي للقرآن ليزيل هذا الغموض في الفهم [20]، إنه يرى الآيات السابقة على هذه الآية (19) تمهد لها، فالله يقسم ببعض ظواهر الكون الطبيعية التي خلقها بقدرته وأحكم فيها صنعته، الشفق : الوهج الأحمر الذي يتشتت من ضوء الشمس عقب غروبها أو قبل شروقها، الليل : ظلام الفضاء الكوني وما يحتويه من أسرار، القمر إذا اتسق: اكتمل وأصبح بدراً .. جواب القسم هو " لتركبن طبقاً عن طبق " أي لتسافرن من مرحلة إلى مرحلة في عصر قادم، ولتصعدن من طبقة إلى طبقة في الجو ( تروبوسفير ـ الأزموسفير ـ الإيونوسفير ـ الإكسوسفير ) وذلك رحلة اختراق طبقات الجو إلى الأجرام السماوية المجاورة فكان رائد الفضاء يخترق طبقة تلو الأخرى، وهو إخبار بمستقبل سيحدث في حياة الناس، وهو السفر عبر الفضاء واجتياز الأجواء.
المثال الرابع:
يقول الحق ـ تبارك وتعالى : ( وأرسلنا الرياح لواقح ) [سورة الحجر].
يمكن فهم عدة مفاهيم لهذه الآية الكريمة، منها: أن الله يرسل الرياح حاملة المطر الذي ينزل في الأرض فيحيي مواتها، فينبت النبات والثمرات، حيث يشرح المفسرون معنى الريح اللاقح بأنها كل ريح تأتي بخير، وعكسها الريح العقيم. ومن مفاهيم هذه الآية أيضاً أن الرياح تحمل حبوب اللقاح (غبار الطلع ) Pollen Grainsمن أعضاء الذكورة في النباتات إلى أعضاء الأنوثة في أفراد أخرى من هذه النباتات، فيتم الأخصاب، فتثمر النباتات الثمار التي نأكلها ونحيا بها. ومن مفاهيم الآية أيضاً أن الرياح تحمل الحشرات تلك التي تحمل حبوب اللقاح لتقوم بنفس العملية التي ذكرناها لنفس الغرض المذكور.
ومن مفاهيم الآية أيضا أن الرياح تلقح التربة أي تمدها بالعناصر اللازمة لخصوبتها، ومنها الأزوت الذي يوجد طبيعياً في الهواء مثلاً.
ومن المفاهيم الجديدة لهذه الآية : ( وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين )[سورة الحجر] ما أفاء الله به على أستاذنا الدكتور محمد جمال الدين الفندي [21]حيث يقول : تثير الرياح السحاب، أي تكونه وتدفعه حيث تدأب على إمداده وتغذيته ببخار الماء الذي تحمله وتجلبه معها من البحار والمحيطات. وكذلك تغذية بجسيمات صغيرة تسمى (نوى التكاثف) ووظيفة هذه (النوى) هي تجميع جزيئات الماء في مناطق إثارة السحب لتكون قطرات صغيرة من الماء أو من بللورات الثلج، والفرق بين السحابة التي تمطر والسحابة التي لا تمطر هو : أن الأولى لها مدد مستمر من بخار الماء، ونوى التكاثف بواسطة الرياح أو الهواء الصاعد، أما الثانية فليس لها أي مدد. وينجم عن استمرار الرياح في (تلقيح ) السحاب الي تثيره ببخار الماء ونوى التكاثف نزول المطر. ومن هنا تكون " الفاء " في قوله تعالى " فأنزلنا " هي فاء السببية ، أي : نجم عن هذا التلقيح نزول المطر. أما قوله سبحانه ( وما أنتم له بخازنين) ففيه إشارة أخرى إلى معجزة أخاذة هي الدورة المائية بين السماء والأرض، حيث إن ماء المطر يعود مرة أخرى إلى المحيطات والبحار عن طريق الأنهار أو المياه الجوفية، وتعود الشمس فتبخر بعض ماء المحيط والبحر لتعود الدورة من جديد وهلم جرا.
المثال الخامس:
يقول الحق ـ تبارك وتعالى ـ (إن كل نفس لما عليها حافظ ) [سورة الطارق]، فما هي مفاهيم الحفظ الذي يقيمه الله على كل نفس حماية لها ؟ .
إن من مفاهيمه أن الله يحفظنا من الأخطار المحدقة بنا لأنه سبحانه (خير حافظاً وهو أرحم الراحمين ) [سورة يوسف]، فهو يحفظنا دون أن ندري من أخطار لا ندركها. ومن معاني هذا الحفظ أن الله سخر بعض ملائكته لتسجيل علينا أقوالنا وأفعالنا، ليجازينا عنها بما نستحقه من جزاء كما قال سبحانه : ( وإن عليكم لحافظين * كراماً كاتبين * يعلمون ما تفعلون ) [سورة الانفطار].
ومن معاني هذا الحفظ أن على كل منا رقيبا يحفظه من أن يدمر الآخرين، أو يعيث في الأرض فساداً إلا حين يشاء الله أن يجعل بعض الناس فتنة للبعض الآخر.
ومن المعاني الحديثة لهذه الآية وهذا الحفظ، أن يقرر العلماء حقيقة وجود كرات الدم البيضاء (White Blood Corpuscles) داخل جسم الإنسان والتي مهمتها الدفاع عن الجسم إذا تسللت إليه الجراثيم الممرضة (Pathogens) وقد اتسعت البحوث على هذه الكرات وعلى وظائفها ودورها في هذا الحفظ، فيمكن الرجوع إلى مثل هذه البحوث إذا أردنا التفصيل العلمي.
ومن المعاني الحديثة لهذه الآية وهذا الحفظ، ما كشفه الأطباء من وجود خطوط دفاعية داخل الجسم تكافح الجراثيم الغازية له، منها مثلا: الشعيرات والمخاط في الأنف ـ إذا تسللت الجراثيم عن طريق الأنف ـ ودمع العين ـ إذا تسللت الجراثيم عن طريق العين ـ ودفاع اللوزتين ـ إذا تسللت عن طريق الفم ـ وغير ذلك كثير مفصل في كتب الطب الحديث[22].
ومن المعاني الحديثة أيضاً لهذه الآية وهذا الحفظ ما توصل إليه علماء الأحياء، وهو : أن الله سبحانه زود كل كائن حي بما يحفظه ويحميه في ميادين الصراع القائمة بين الأحياء، فزود الإنسان بعقل يحميه من عوامل الفتك والأفتراس، وبه يستطيع تسخير كل ما هو كائن في الكون، كما أنه سبحانه زود السلاحف بالدروع، وزود الثعابين بالسم، والغزلان بالخفة والسرعة، والنباتات الضعيفة بالأشواك.. وهكذا كل كائن خلقه الله سبحانه زوده بما يحميه.
المثال السادس:
يقول الحق ـ تبارك وتعالى : (هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقاً، وما يتذكر إلا من ينيب ) [سورة غافر]، فالمعنى العام للآية هو أن الله سبحانه يرينا آياته حينا وجيلاً بعد جيل، وينزل لنا من السماء رزقاً، ولا يعرف آيات الله العديدة ونعمه الجزيلة، ولا يتذكرها إلا من آمن بالله ورجع إليه بالإنابة والمتاب. لكن ما المقصود بالرزق المنزل من السماء ؟؟؟
يقول المفسرون القدامى : إن الرزق المنزل من السماء هو ماء المطر، وهذا فعلاً رزق عظيم يحفظ علينا حياتنا من نبات وحيوان وإنسان، ولكن يمكن إضافة معان حديثة على مفهوم الرزق هنا.
ومن المعاني الحديثة لهذا الرزق تلك الأشعة الحرارية التي تصلنا باعتدال من الشمس، فلو انقطعت عنا لماتت جميع الأحياء من شدة البرودة، ولتجمدت مياه المحيطات والبحار والأنهار، ومن ناحية أخرى، فإنه لو زاد مقدارها عن الذي تنزل به لتبخرت مياه جميع الأحياء من ذلك ومن شدة الحرارة.
ومن هذه المعاني الحديثة تلك الأشعة الضوئية التي يتوقف عليها النبات في إمكانية بنائه الضوئي(Photosynthesis) لغذائه الداخلي، وعلى النبات يحيا الإنسان والحيوان، وعلى الحيوان أيضاً يحيا الإنسان.
ومن هذه المعاني الحديثة رماد الشهب الذي يتساقط على الأرض، وتبلغ أعداد هذه الشهب عشرات الملايين في كل يوم، فتحترق حين ملامستها للغلاف الجوي، ويسقط رمادها على الأرض، فيزيد التربة خصباً وصلاحية للإنتاج والإثمار.
ومن المعاني التي اهتدى إليها العلم الحديث لذلك الرزق هو غازات مثل ثاني أكسيد الكربون (Carbon dioxid) والأوكسجين (Oxygen) والأزوت (Nitrogen) وكلها ضروري وحتمي لحياة الكائنات الحية، نباتية كانت أو حيوانية.
ثم إن من المعاني المقصودة أيضاً للرزق هو ذلك الرزق الروحي المعنوي، ويتمثل في الكتب والرسالات السماوية التي نزلت على الرسل الكرام لهداية الناس وانتشالهم من جهالات وظلمات وضلالات الدنيا، فأحييت قلوبهم ونفوسهم.
المثال السابع:
يقول الحق تبارك وتعالى : (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون ) [سورة الذاريات]، هذه الآية فسرها الأقدمون تفسيراً صحيحاً سليماً منطقياً، ومجمل قولهم: أن هذا الكون رغم اتساعه ورغم ما ضم وحوى من أجرام، فإن لدى الخالق العلي القدير المزيد والمزيد.
ويقول الدكتور الفندي في معان حديثة تضاف إلى ما فهمه الأقدمون بل تزيد من مفاهيم الآية: إن الناس في بادئ الأمر كانوا يظنون بمركزية الأرض للكون، وأن السماء تنتهي عند القبة الزرقاء، وأن النجوم معلقة غير بعيدة في تلك القبة، ثم عرف الناس فيما بعد: المجموعة الشمسية التي لا يزيد قطرها عن خمس ساعات ضوئية (الساعة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء في ساعة كاملة بسرعته البالغة 300.000 كم/ثانية)، ثم امتدت أبعاد السماء إلى مجرتنا التي سماها المسلمون (الطريق اللبني)، أو (طريق اللبانة) وقطر هذه المجرة ـ أو الجزيرة الكونية ـ هو 100.000سنة ضوئية ثم باستخدام المناظير الفلكية اكتشف الإنسان المجرات الأخرى وعرف أقرب المجرات إلى مجرتنا، وهي مجرة المرأة المسلسلة، وتبعد عنا بنحو 700.000 سنة ضوئية، أما القبة الزرقاء فهي مجرد ظاهرة ضوئية تحدث في جو الأرض.
ثم اتسعت السماء أمامنا حتى وصلت ـ في ظل الفلك الراديوي ـ إلى حدود 20.000مليون سنة ضوئية !!! ثم لقد كشفت لنا المناظير الراديوية تعبيراً رائعاً في قول الله تعالى (فلا أقسم بمواقع النجوم * وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ) [سورة الواقعة].
المثال الثامن:
يقول الله تعالى : ( وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج، ومن كل تأكلون لحماً طرياً وتسخرجون حلية تلبسونها، وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) [سورة فاطر].
من البدهي أن بعض الحلى تستخرج من البحر المالح، وقد يستبعد بعض الناس أن تكون المياه العذبة مصدراً للحلى أيضاً، ولكن العلم والبحوث أثبتا غير ذلك . فاللؤلؤ كما أنه يستخرج من أنواع معينة من البحار يستخرج أيضاً من أنواع معينة أخرى من صدفيات الأنهار، فتوجد اللآليء في المياه العذبة في إنجلترا وأسكتلندا وما كان يسمى تشيكوسلوفاكيا وفي اليابان...
ويدخل في ذلك ما تحمله المياه العذبة من المعادن العالية الصلادة كالماس الذي يستخرج من رواسب الأنهار الجافة المعروفة بالبرقة. ويوجد الياقوت كذلك في الرواسب النهرية الموجودة بالقرب من باندالاس في بورما العليا وفي سيان وسيلان.
ومن الإعجاز شبه الكريمة التي تستعمل في الزينة: حجر التوباز، وهو موجود في الرواسب النهرية في مواقع كثيرة ومنتشر في البرازيل وروسيا وكذلك الزيدكون، فهو حجر كريم جذاب تقترب خواصه من خواص الماس، ومعظم أنواعه تستخرج من الرواسب النهرية.
أتضح إذاً بالكشوف العلمية أن الحلية أصناف وأنواع وأشكال، وأنها من الهاءين : الملح والعذب، وليس من الملح وحده كما كان يظن الناس، بل اكتشفوا حديثاً ما أشار إليه القرآن قديماً.
المثال التاسع :
يقول الله تعالى : ( تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي، وترزق من تشاء بغير حساب) [سورة آل عمران].
أما ما فسرت به الآية فهو موجود في كتب التفسير المعروفة، لكننا نرى أن هذه الآية تشير إلى دورة الحياة والموت، وهذه الدورة معجزة من معجزات الخالق التي يزخر بها الكون، وتتلخص هذه الدورة في تحول الماء وثاني أكسيد الكربون والنيتروجين والأملاح غير العضوية الممتصة من التربة ـ في النباتات الخضراء وأنواع معينة من البكتريا ـ وفي وجود الطاقة الشمسية، إلى مواد عضوية هي:مادة الحياة في الأحياء، والاتجاه المعاكس لهذه الدورة، أي الشق المضاد، هو تحول المادة الحية إلى مادة غير حية، أي تحول أجزاء من المادة الحية إلى طاقة ومواد أخرى غير مرغوب فيها هي النفايات، وقد يتحول الجسم كله إلى ذلك، وهذا إذا انسل منه سر الحياة ومات، فكل هذه المواد العضوية تتحول كيميائياً إلى مواد غير عضوية بسيطة، جاهزة للدخول في تركيب مواد عضوية والتحول إلى مواد حية جديدة... وهكذا تتكرر الدورة من مادة حية إلى مواد غير حية، ومن الأخيرة على الأولى، أي الحي يخرج من ميت، والميت ينتج من حي، وسبحان رب المعجزات ومقدرها، سبحان الله الخالق القادر المبدع.
المثال العاشر:
يقول الله تعالى ( وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة، قل بلى وربي لتأتينكم، عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين )[سورة سبأ].
إن الإنسان منذ آلاف السنين وهو دائم التفكير في طبيعة المادة، وقد افترض الفيلسوفان الإغريقيان ديمقراط وليوسيبوس منذ 300 ـ 400 سنة قبل الميلاد، أ،ه إذا شطر الشيء شطرين، ثم شطر كل منها شطرين آخرين، وهكذا مرات، فإننا سنحصل في النهاية على الوحدة البنائية للمادة، وأطلقا على هذه الوحدة اسم " الذرة Atom" أي : الجوهر الذي لا ينقسم، أو الجزء الذي لا يتجزأ .. ثم تطور الفكر البشري في هذا الموضوع تطوراً كبيراً، عبر العصور المتوالية، وجاء لوشميدث Loschmidt(1865م) ، ثم هيتروف Hitrof (1914م) ستونيStony ولسون Wilsonلينارد Leonard، رذرفورد Rutherfordبوهر Bohrهايزنبرج Heisenbergنيوتن Newtonأينشتين Einstein، فأصبحنا نعلم الآن أن الذرة لها مثقال، وأنها قابلة للانفلاق وأن بها محتويات (أصغر منها).
وإن جولة سريعة في كتب التفسير المعروفة لتوضح لنا تأويلات المفسرين لكلمة " ذرة " فمنهم من قال بأنها النمل الصغير، ومنهم من قال بأنها الهباءة( ويقصد بها دقائق الغبار في الجو، وتظهر بوضوح عندما يسقط شعاع شمس عليها خصوصاً في حيز مظلم)...
هذا وإن كان الناس قديماً يقنعون بهذه التفسيرات، فإننا لدينا من المعطيات العلمية ما يوضح أشياء أو على الأقل شيئاً لم يكن معلوماً مطلقاً وهو ما أشارت إليه الآية القرآنية بكلمات (ولا أصغر من ذلك)، فالأصغر من الشيء هو محتويات الشيء، والأصغر من الذرة هو محتويات الذرة إلكترون، بروتون، نيوترون، كوارك... حقاً إنه كلام العليم القدير( وما يعذب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ) [سورة يونس].وفي هذه الآية نقرأ: " من " وهي لفظة تدل هي الأخرى على محتويات الذرة وإمكانية انشقاقها وتجزئتها، لأن " من " للتبعيض.. بل إنك لو عدت إلى النص القرآني الأول لقرأت : عالم الغيب ، وذلك قبل أن تأتي كلمة : " ذرة " مما يدل على أن الذرة لا تزال في عالم الغيب، فالإنسان يتعرف عليها بآثارها، لكن لم يرها رأي العين، أو هي : غيب لجل الناس حتى وإن عاينها نفر من الباحثين المتخصصين.
وفي ختام دحض هذه الحجة من حجج المانعين أو المنكرين لتيار الدراسات والبحوث العلمية للآيات الكونية، يقول الأستاذ عمر عبيد حسنة[23]:
وقد يكون من أخطر الإصابات التي لحقت بالعقل المسلم فحالت بينه وبين التدبر وكسر الأقفال، ووضع الأغلال والآصار، والتحقق بالفكر القرآني والرؤية القرآنية الشاملة، والاغتراف منها لعلاج الحاضر، والامتداد صوب المستقبل، واعتماد مصدراً للمعرفة والبعث الحضاري ـ التوهم بأن الأبنية الفكرية السابقة التي استمدت من القرآن في العصور الأولى، هي نهاية المطاف، وأن إدراك أبعاد النص مرتهن بها، في كل زمان ومكان، وما رافق ذلك من النهي عن القول في القرآن بالرأي، وجعل الرأي دائماً قرين الهوى، وسوء النية وفساد القصد، وفي هذا ما فيه من محاصرة للنص القرآني، وقصر فهمه على عصر معين، وعقل محكوم برؤية ذلك العصر، وحجر على العقل، وتخويف من التفكير، الأمر الذي يحول بين الإنسان والتدبر المطلوب إليه بنص القرآن.
لقد أورثنا مناخ التقليد الجماعي الذي عطل فينا ملكة الاجتهاد، والإبداع، والإنجاز لقرون طويلة نوعاً من العجز المزمن، جعلنا دون سوية التعامل مع القرآن، وإدراك سننه في الأنفس والآفاق، والاقتصار على بضع مئات من الآيات نظر فيها الأقدمون على أنها الأحكام التشريعية .. ولا نزال ـ إلى اليوم ـ نبدي فيها ونعيد من خلال ميراث الفقهاء وليس من خلال ميراث موقعها من الرؤى القرآنية، حيث للآيات مقاصد عدة : تربوية، واجتماعية، ونفسية، وكونية، ومنبهات حضارية، ووسائل الكشف العلمي حيث لا يخرج الحكم التشريعي عن أن يكون واحداً منها.
وبعد، فهذه أمثلة قليلة سقناها لندلل على أن القرآن الكريم لا يفسره عالم واحد ولا جيل واحد، ولكن كلما اتسعت فنون الثقافة العلمية وكثرت الكشوف وتنوعت الاكتشافات العلمية ظهرت لنا معان عظيمة، وانجلت وتجلت أمامنا أوجه لإعجاز آيات الله البينات لم تظهر من قبل.



يتبـــــــــــــــــــــــــــــع

  #1737  
قديم 12-01-2014, 09:13 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي رد: موسوعة الشفاء للإعجاز العلمي فى القران والسنه .. بالإضافه الى اخر المقالات المنشو

يتبــــــــــــع الموضوع السابق

المعارضون للإعجاز العلمي في القرآن والسنة



دحض الحجة الثانية:
إن المعارضين لهذا الاتجاه يتذرعون بأن القرآن كتاب هداية للبشر، ولا شأن له بالعلوم الطبيعية أو البحوث الكونية، وقولهم هذا على جانب من الحق، ولكنه ليس الحق كله، فهو كتاب هداية بالأحكام، وبالنظر والتأمل في بديع صنع الله ـ سبحانه وتعالى ـ ... كيف ذلك ؟
إن الله شاءت حكمته أن ينوع وسائل هدايته لخلقه، لأنه خبير بهم عليم بقدراتهم واستعداداتهم، فهو تارة يخاطبهم بما يمس قلوبهم مسا رقيقاً رفيقاً، وتارة أخرى يقرع عقولهم قرعاً قوياً شديداً، فكان من أبرز ما جلا به أبصارهم وأنار بصائرهم حضه إياهم على التدبر في آيات خلقه وصنعه، وإلا فما هي الحكمة الربانية من وراء سوق الآيات الكونية في القرآن الكريم.. آيات تذكر السماوات والأرض، والشمس والقمر ومنازله والمشارق والمغارب، والبروج والنجوم والكواكب، والليل والنهار، والفجر والغسق، والظلمات والنور، والبحار والأنهار والعيون، والرياح اللواقح والعقيم، والسحاب الثقال والمركوم والمنبسط، والبرق، والمطر، والجبال الراسيات، والجدد البيض والحمر والغرابيب السود، والأرض الهامدة والأرض المهتزة الرابية، والجنان والنخيل، والأعناب، والتين والزيتون، والطلع والسدر واليقطين، والنمل والنحل، وجناح بعوضة، وبيت العنكبوت، والطير الصافات، والإبل والخيل والأنعام، واللبن يخرج من بين الفرث والدم، والشراب الشافي يخرج من بطون النحل.
كل هذه الظواهر وتلك المخلوقات لهي جديرة جداً بأن يتدبر الإنسان أمورها، ويتأمل في إحكام صنعها، ويتفكر في عظمة خالقها ـ سبحانه وتعالى ـ حتى يصل إلى مرتبة الخشية، فإذا كان من أهل التخصص والبحوث زادت هذه الخشية وبلغت أوجها، وملأ حب الله الخالق الوهاب قلبه وأخذ عليه فؤاده.
أقرأ قول الحق ـ تبارك وتعالى : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ) [سورة فاطر].
وهذه الفكرة البالية التي ظهرت في قرني النهضة العلمية الحديثة، وهي أن القرآن كتاب هداية لا علاقة له بالكونيات أو أصول العلم التجريبية، زاد من رسوخها أن المتعلمين يرون حديث القرآن عن الكونيات حديثاً مفرق الأجزاء بين السور والآيات المختلفة، على غير ما هو معروف ومألوف لديهم في تصنيف الكتب العلمية، فظنوا بذلك أنه لا علاقة ولا رابطة بين أجزاء هذا الحديث في الموضوع الواحد.
وقد غاب عنهم أن هذا التفريق إنما هو مقصود في القرآن لحكمة بالغة، وأن هذه الآيات أو الأجزاء المفرقة في الموضوع الواحد مثلها مثل الجزئيات والحقائق العلمية التي يقررها البحث العلمي متفرقة أولا ثم يكون منها بعد ذلك ذلك بالعلم والاستقرار والتطبيق الأصول والقواعد العامة.
ثم هناك سبب آخر أدى إلى ظهور هذه الفكرة البالية التي نناقشها، ذلك هو إهمال التثقيف الديني في دور التعليم، واقتصاره على الطرق التقليدية البالية التي ظهرت في عهود التخلف الذي اعترى الأمة الإسلامية في القرون الماضية غير الغابرة، ذلك السبب أدى إلى انصراف المثقفين عن كتاب ربهم، وأضحى كثير من الناس على اختلاف درجاتهم العلمية وتخصصاتهم البحثية لا يتصلون بالقرآن سوى بسماعه في المآتم والافتتاحيات والطرب للتفنن في قراءاته من قراء هذا الزمان الذي اثروا على حساب القرآن الكريم، يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً حتى مكنهم نم تشييد العمارات وشراء العقارات، إنهم لم يجدوا حتى الآن رادعاً يوقفهم عن هذا العبث بروح الكتاب المجيد، وحسبنا الله ونعم الوكيل[24].
لقد وقفنا على كلام غريب حاول به صاحب كتاب ( الإشارات العلمية في القرآن الكريم ) أني يبرر القول بأن القرآن ليس كتاب علم، وإنما هو كتاب هداية فقط، وإن كان يدعو إلى التزود بالعلم. يقول المؤلف : " لكي يتضح لنا الفرق بين القول بأن القرآن كتاب علم، وبأن القرآن يدعو إلى العلم، إذا نقلنا كلا من القضيتين إلى شخص غير مسلم، كالمواطن الياباني مثلاً، إذا قلنا له إن القرآن كتاب علمي حوي كل العلوم الدنيوية، فإنه سيسأل ببساطة عن الحقائق العلمية والمعلومات والنظريات، عن المجرات والكواكب وحجم الشمس.. الخ .
وهنا سنقف عاجزين عن الرد، لأن القرآن لم يرد به شيء من هذا ( على حد زعم مؤلف الكتاب المذكور)، ولم يكن ليرد لأنه ليس كلام بشر، ولكنه وحي إلهي من لدن الخالق الأعظم للوجود والأكوان.. ولكن إذا قلنا له إن القرآن الكريم يدعو الإنسان إلى مكارم الأخلاق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويدعو إلى تعلم العلوم الكونية والتبحر فيها.. إذا قلنا له ما تقدم، فإن كلامنا يكون مقبولاً ومسموعاً. ونرد على المؤلف رداً رقيقاً فنقول: تبريرك هذا يا سيدي لمقولة (القرآن ليس كتاب علم ) يوضح التخصص النظري ( القانون) الذي تعمل به، وأنك لست على دراية بما يحتوي القرآن من سبق علمي وإعجاز علمي، بما لو اطلع عليه علماء الغرب لوفر عليهم سنوات طويلة من البحوث الشاقة لكي يصلوا إلى حقيقة مثل انفلاق الذرة أو انشطارها، وأنها ليست أصغر وحدة في الكون، وقد صرح(وأقول صرح وليس أشار فقط) القرآن بذلك، لكن الألفاظ والكلمات والآيات تحتاج من يفهمها فهما صائباً، ويستخرج منها بعض كوامنها الثرية، فاللفظة القرآنية بحر مليء بالنور، وعلى قدر تعلمك للغوص، على قدر ما تجنبه من اللآلئ والدرر الثمينة، وكلما سعيت في هذا البحر بجد ومثابرة كلما عدت إلينا بمحصول وفير.. نعم ولا عجب، فالقرآن لن تنتهي عجائبه ولن تنضب معائن أسراره على مر الزمان.
أما الاستدلال بما ورد في رواية معاذ عن الأهلة وسبب نزول الآية، وأن ذلك دليل على عدم ولوج الكلام في مسائل الأهلة، وبالتالي المسائل الكونية، فهو معارض لما رواه الطبري في تفسيره عن قتادة في هذه الآية قالوا : سألوا النبي صلى الله عليه وسلم : لم جعلت هذه الأهلة؟ فأنزل الله فيها ما تسمعون، هي مواقت للناس والحج، فجعلها لصوم المسلمين ولإفطارهم، ولمناسكهم وحجهم ولهدى نسكهم، ومحل دينهم في أشياء، والله أعلم بما يصلح خلقه.
وروى عن الربيع وابن جريح مثل ذلك، ففي هذه الروايات التي ساقها الطبري أن السؤال هو : لم جعلت هذه الآهلة؟ وليس السؤال: ما بال الهلال يبدو دقيقاً ثم يزيد حتى يستوي ويستدير ثم ينقص. ولذلك فإنه لا دليل في الآية على نفي التفسير العلمي[25].
وعلى أية حال، فقد وردت في القرآن الكريم الدعوة صريحة ومؤكدة إلى التدبر في آيات الله التنزيلية، وكذلك الكونية، ولقد أربت آيات الحث على التدبر واستعمال العقل والفكر على خمسين آية، لا يتسع المقام هنا لسردها[26].
دحض الحجة الثالثة:
الحجة الثالثة هي قول المعارضين بأن ما يسمى (حقائق العلم) ليس سوى فروض ونظريات يعتقد رجال العلوم فترة من الزمان في صحتها، ثم لا يلبثون أن يثبتوا بأنفسهم بطلانها، ولذلك لا يجوز الرجوع إليها عند دراسة آيات الذكر الحكيم. هذا الدعم عموماً غير صحيح من وجوه:
إن الذي يتغير في العلم ليس قواعده، أو أسسه، بل فروضه التي لازالت تخضع للدراسة والتمحيص، ذلك لأنها إنما تستنبط باستخدام قوى العقل في ظل الثابت من حقائق العلم، وكلما تراكمت معلوماتنا السليمة عن الكون، تلك المعلومات المستمدة بالرصد والقياس والتتبع، كلما كانت هناك فرصة أكبر لاستنباط النظريات أو لتعديلها أو تحويلها.
لاشك أن رجال العلوم الذين خلصت نواياهم، وأتقن تدريبهم على كيفية التعامل مع الفروض والنظريات والقوانين والقواعد والملاحظات والتجارب، لاشك أن العلماء الكونيين الذي آمنوا بالله وبرسله ورسالاته، وأحكموا التخصصات، وتعمقوا في لججها، لا شك إذا تحدث هؤلاء في أمور الآيات الكونية الواردة في القرآن الكريم يكون ذلك نشاطاً محموداً منهم، مأجورون عليه.
ولكن يجب علينا معرفة أن رجال العلوم الكونية ـ كغيرهم ـ يتفاوتون فيما بينهم من حيث المراس والدراسة والإتقان، وأن هناك فرقاً كبيراً بين استخدام الحقائق العلمية حين الكلام عن آيات القرآن، وبين الاعتماد على الفروض والنظريات، ولنوضح ذلك بما يلي من الأمثلة:
المثال الأول:
إن الضوء منذ عهد ( الحسن بن الهيثم) تراكمت فيه معلومات وحقائق علمية، فتوصل العلماء إلى الضوء ( ينعكس) أو ( يرتد) reflectsمن الأجسام التي يسقط عليها، ثم عرفوا أنه (ينكسر) ، ثم توصلوا إلى أنه (يتشتت) أو ( يتناثر) dispersesوأنه (يحيد) Deviatesوكذلك (يستقطب) Polarizedوهكذا ظهرت في ظل هذه الحقائق عدة نظريات علمية تتعلق بطبيعة الضوء أو كنهه أو حقيقته المطلقة، منها نظرية (الجسيمات الصغيرة جداً) التي قال بها نيوتن، ثم (النظرية الموجية) Wave Theory التي قال بها هيجن، ثم ( نظرية الكم) Quantum Theoryلبلانك الخ.
ولم تثبت حقيقة الضوء على حال حتى الآن.
المثال الثاني :
إن معرفة أن الكائن الحي يتكون من عدة خلايا متكاملة متعاونة لأداء وظائف قضاء الحياة المكتوبة، إن معرفة هذه الحقيقة منذ قرن ونصف قرن لم يبطله ما يتوالى من الكشوف المدهشة مع تقدم المجاهر (الميكروسكوبات) وأدوات البحث والتقصي والتدقيق، فهل اكتشاف الكروموسومات (الصبغيات) أو الليسوسومات (الأجسام الحالة) بواسطة المجاهر ( الميكروسكوبات) الإلكترونية أبطل وهدم النظريات الخلوية التي اكتشفت منذ مائة وخمسين سنة، ثم هل هدمها أيضاً ما تم اكتشافه فيها بواسطة علوم الوراثة (Genetics) والكيمياء الحيوية (Biochemistry) والفيزياء الحيوية (Biophysics) والبيولوجيا الجزئية (Molecular Biology) من جينات (مورثات) وأحماض نووية وجزئيات ملفوفة، وغير ذلك.
المثال الثالث:
النظرية الذرية (Atomic Theory) التي عرفها الإنسان قديماً، وهي أن كل عنصر Elementمن العناصر المادية يتكون من ذرات، هل هدمتها الكشوف الحديثة والبحوث حينما توصلت إلى تحديد وجود بروتونات Protonوإلكترونات Electronونيوترونات Neutronsوإلى ما هو أدق من ذلك وأعجب مثل الكوارتات Quarksوغيرها ؟
وفي ختام هذا الفصل نرى من الواجب علينا أن نرد على الأستاذ عمر عبيد حسنة الذي كتب في تقديمه للكتاب العشرين من سلسلة كتاب الأمة (دولة قطر) يعرض بالإعجاز العلمي للقرآن الكريم، ويعتبر السعي في جوانب هذا المجال عجزاً من المسلمين عن الإبداع، وقصوراً منهم عن مواكبة الحضارة العالمية، ووقوفاً عند حدود الاحتماء بالميراث الماضي، إلى غير ذلك مما لم نسمعه أو نقرأه لكتاب أفاضل وعلماء متعمقين، بهذا الأسلوب المتجاوز للحد!!
إن الأستاذ عمر حسنه يناصر الرأي القائل بأن القرآن ليس فيه إعجاز علمي أصلاً، في حين أنه يؤيد ورود حقائق علمية في القرآن، فكيف يؤكد ما سبق أن رفضه في نفس الفقرة؟! [27].
بل وبعد ذلك بسطور يؤكد على أن هذه الحقائق العلمية حين تنزلت في عصر الأمية العلمية كانت ولا تزال دلائل النبوة وبرهان صدقهاـ على حد تعبيره ـ فكيف به يسقط عجز الأمة اليوم وقصورها في مجالات التقدم التكنولوجي على أمور يعد من بينها البحوث الجارية في مجال الإعجاز العلمي للقرآن الكريم ؟ !
إنه إن كان يخشى أن يستغني بعض المسلمين اليوم بالإعجاز العلمي للقرآن عن محاولة الإبداع والإنجاز العلمي والتقني، فإننا نقول له : لقد أخطأت في ظنك هذا، ولا مبرر للخشية، فإن الذين يسعون في مجالات الإعجاز العلمي للقرآن الكريم ـ والسنة النبوية الشريفة ـ بعمق وكفاءة ومنهجية، هم علماء مشهود لهم أيضاً بالكفاءة العلمية في تخصصاتهم، علماء لو أحسن تنسيق أعمالهم، ولو أعطوا الفرصة، كما يجدونها في خارج الدول العربية، هناك في دول المقصد ـ أي المهجر أو الجذب ـ لقاموا بحضارة علمية تقنية، يصلون بها ماضي الأمة الزاهر بحاضرها المرير بمستقبلها المأمول. إنني لم أر عالماً يطرق باب الإعجاز العلمي أو يبدع في بيان أحد وجوهه إلا ووجدته على درجة عالية من الخلق الإسلامي، والعقلية العلمية، والفكر التقني، والحس الديني الرفيع. فلا داعي إذا لما ذهب إليه الأخ الأستاذ عمر حسنة في كلامه خلال التقديم لكتاب الأمة(20) .
هذا ومن العجيب أن الأستاذ حسنة قد كرر كلامه هذا مرة أخرى في مقدمة كتبها للكتاب الخامس من سلسلة قضايا الفكر الإسلامي التي يصدرها المعهد العالمي للفكر الإسلامي [28]،وختم كلامه بهذه العبارة :
لذلك نخشى أن ينقلب موضوع الإعجاز العلمي المعاصر من منبع حضاري مورق، إلى صورة من التفاخر والتظاهر المعوق، وتكريس التخلف والأمية العلمية.
الهوامش:
[1] سبق أن عالجنا ثوابت ومتغيرات الدعوة الإسلامية في محاضرة لنا مطبوعة في العدد الثاني من سلسلة كتاب الإعجاز التي تصدرها جمعية الإعجاز العلمي للقرآن والسنة بمصر
[2] سورة الإسراء من الآية : 85.
[3] العمري [د/أحمد جمال ]: مفهوم الإعجاز القرآني (حتى القرن السادس الهجري) دار المعارف بمصر ، ط، 1984م.
[4] عز الدين [أحمد ] : القرآن يتحدى . دار السعادة ، ط1 1973.
[5] ابن عاشور [محمد الطاهر] : تفسير التحرير والتنوير تونس ، 1984م.
[6] الغزالي (محمد) :كيف نتعامل مع القرآن سلسلة قضايا الفكر الإسلامي (5) المعهد العالمي للفكر الإسلامي ـ مكتب القاهرة ـ ط3 1992.
[7] الحديث متفق عليه، رواه البخاري في صحيحه، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، في كتاب الصيام، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تكتب ولا تحسب ) رواه مسلم في صحيحه في كتاب الصيام . باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤية الهلال وأنه إذا غم في أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوماً.
[8] أبيّ بن كعب بن قيس بن عبيد، من بني النجار، من الخزرج، أبو المنذر، صحابي أنصاري، كان قبل الإسلام حبر من أحبار اليهود، كان من كتاب الوحي، وشهد بدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتب كتاب الصلح لأهل المقدس، وأمره عثمان بجمع القرآن، فاشترك في جمعه، مات بالمدينة المنورة عام 21هـ (642م).
[9] الحديث رواه مسلم في صحيحه عن أبي بن كعب رضي الله عنه في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي.
[10] يلدرم [د/سعاد] : مستندات التوفيق بين النصوص القرآنية وبين النتائج العلمية الصحيحة . المؤتمر العالمي الأول للإعجاز العلمي للقرآن والسنة . إسلام أباد ، 1408هـ (1987م).
[11] ولد الشيخ [محمد أمين]: خلاصة بحث التفسير العلمي للقرآن، بين المجيزين والمانعين. المؤتمر العلمي الأول للإعجاز العلمي في القرآن والسنة. إسلام أباد، 1408هـ (1987م).
[12] الدريني [د/محمد فتحي] : موقف الأصوليين والعلماء (قداماهم ومحدثيهم) من التفسير العلمي مجلة أسماء (1) هـ (1988م).
[13] إسماعيل [د/عبد العزيز ]: الإسلام والطب الحديث المقدمة.
[14] جريدة (عقيدتي) التي تصدر بمصر، عدد الثلاثاء 26/4/1994م.
[15] التفسير العلمي للقرآن بين المؤيدين والمعارضين ، مجلة المسلمون (1) 1402هـ 1981م.
[16] إبراهيم (مدحت) : الإشارات العلمية في القرآن الكريم، مكتبة غريب، ط1 1993م.
[17] إبراهيم (مدحت حافظ) : نفس المرجع.
[18] الذهبي (د/محمد حسين) : نقلاً عن بحث الدكتور سعاد يلدرم، المؤتمر العالمي الأول للإعجاز العلمي في القرآن والسنة 1987م (مرجع سابق).
[19] للمزيد من التفصيل في هذه النقطة انظر : البار (د/محمد علي) : الأسرار الطبية والأحكام الفقهية في تحريم الخنزير. الدار السعودية للنشر والتوزيع، جدة ط1 1406ـ 1986م.
[20] حسب النبي (د/منصور محمد) : الكون والإعجاز العلمي للقرآن . دار الفكر العربي ط1، 1981م.
[21] الفندي (د. محمد جمال الدين) : الله والكون. الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط1 1976/ وله أيضاً : مع القرآن في الكون. الهيئة المصرية العامة للكتاب ط1 1992م وله أيضاً : الكتاب الكوني أو المعجزة الخالدة. جزءان المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمصر ط1 ـ 1994م.
[22] للمزيد من التفصيل في هذه النقطة انظر : غنيم (د. كارم السيد) : الشخصية المسلمة ومتغيرات العصر الحديث. دار الآفاق العلمية بمصر ط1، 1994م.
[23] حسنة (عمر عبيد) : مقدمة كتاب (كيف نتعامل مع القرآن) المعهد العالمي للفكر الإسلامي (مكتب القاهرة) ط3ـ 1992م.
[24] أخرج الترمذي عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من قرأ القرآن فليسأل الله به، فإن سيجئ أقوام يقرأون القرآن ويسألون به الناس) فالذي يؤجر نفسه لقراءة القرآن والتغني به فقد ارتكب إثماً كبيراً. للمزيد أنظر : إسماعيل (د. شعبان محمد) مع القرآن الكريم . مكتبة الحرمين ـ القاهرة ط1 1414هـ ـ 1994م.
[25] ولد الشيخ (محمد الأمين ) مرجع سابق.
[26] انظر كتابنا ( أبعاد التكوين العقلي للفرد في الإسلام) دار الصحوة بالقاهرة . ط1ـ 1988م.
[27] أنظر ص 14 من كتاب ( قضية التخلف في العالم الإسلامي المعاصر) تأليف الأستاذ الدكتور : زغلول راغب النجار، سلسلة كتاب الأمة (20) قطر، ط1 في 1409هـ ـ 1988م.
[28] أنظر ص 21 من كتاب : كيف نتعامل مع القرآن . المعهد العالمي للفكر الإسلامي (مكتب القاهرة) ط3ـ 1992م
  #1738  
قديم 12-01-2014, 09:20 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي رد: موسوعة الشفاء للإعجاز العلمي فى القران والسنه .. بالإضافه الى اخر المقالات المنشو

تمت الموسوعة بفضلا من الله
وعلمو
بان المعجزات التي وصلا لها العلماء
في علم الله لا شي
لان علم الله لا يحاط به
فهو الله
له الاسماء الحسناء والصفات العلى
ونعمه ومعجزاته
لاتحصى



الحمدلله الذي بفضله توفقة لإتمام الموسوعة

حقيقةً مسيره علميه من اروع ما طلعة عليه في عالم النت
الاعجاز العلمي في القران والسنه

وصف لا أستطيع ان اوصفه لكم

دعواتكم لي أخواني واخواتي


والحمدلله رب العالمين



من هنـــــــــــــــا الدخول لفهرس مواضيع الموسوعة



..

كل احتــــــــــــــــرامي لكل باحث وقارئ ومستفيد


موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 79 ( الأعضاء 0 والزوار 79)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 226.61 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 221.67 كيلو بايت... تم توفير 4.94 كيلو بايت...بمعدل (2.18%)]