الشعر العربي القديم بين التلقي والتأويل - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4417 - عددالزوار : 853533 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3948 - عددالزوار : 388644 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12522 - عددالزوار : 214070 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النقد اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-11-2020, 01:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي الشعر العربي القديم بين التلقي والتأويل

الشعر العربي القديم بين التلقي والتأويل
عبد المجيد علوي اسماعيلي



تمهيد:
تأسست الحياة العربية قبل الإسلام على نظام القبيلة باعتبارها وحدة سياسية، واجتماعية واقتصادية.
وقد اقتضى هدا النظام القبلي ناطقا رسميا يدافع عن كيانه ويحمي مصالحه، فكان الشاعر هو الذي يخلد مآثر قومه، ويوثق أيامهم، وينشر مفاخرهم، ويذيع أمجادهم، ويهجو أعدائهم، ويتصدى لخصومهم.
ومن هنا، طفا على مسرح الأحداث دور الشاعر الذي يعكس بلغة شعرية موقفا محددا تتناقله الرواة، وتحفظه الأفئدة، بحيث أضحت القبائل تهنئ بعضها بعضا إذا نبغ بينهم شاعر، علما أنهم كانوا لا يهنئون إلا بثلاث: غلام يولد، وشاعر ينبغ، أو فرس تنتج[1].
وكان الشعراء ألسنة قبائلهم وذوي الرأي فيهم، يستغيثون بهم عند الشدائد، ويستعينون بهم وقت النوائب، ويلجئون إليهم زمن المعارك والحروب[2].
والشعر بدون منازع ديوان العرب، وسجل مفاخرها، ومآثرها وأمجادها.
يقول الجاحظ في هذا السياق: "فكل أمة تعتمد في استبقاء مآثرها، وتحصين ما قبلها، على ضرب من الضروب وشكل من الأشكال. وكانت العرب في جاهليتها تحتال في تخليدها بأن تعتمد في ذلك على الشعر الموزون، والكلام المقفى وكان ذلك هو ديوانها"[3].
والى ذلك يشير ابن سلام الجمحي بقوله: "كان الشعر في الجاهلية عند العرب ديوان علمهم، ومنتهى حكمهم، به يأخذون، وإليه يصيرون"[4].
وكان الشعراء في الجاهلية بمنزلة الحكام يقولون فيرضى بقولهم، ويحكمون فيمضي حكمهم، وكانت إنتاجا تهم الشعرية مرجعا لغويا يحتج بها على معاني الألفاظ وأصول اللغة[5].
وكان العرب يستحسنون من الشاعر ما لا يقبلونه من غيره، بحيث قد يتخذ الهجاء صبغة المدح[6].
ومعلوم أن الشعر يرفع من مكانة الشاعر بين الناس فتنسى عيوبه في نظر السامعين [7].
لذلك كان هذا النوع الأدبي أشرف الكلام عند العرب وأقدسه، بحيث علقوه على أركان الكعبة وكتبوه بماء الذهب على حد تعبير عبد الرحمان بن خلدون[8].
ومما يؤكد قدسية الشعر عند العرب، أنهم كانوا ينشدونه على موتاهم[9].
وهم على وضوء، كما فعلوا مع قصيدة المتلمس الميمية [10].
وكالخبر الذي يشير أن عمرو بن هند أمر الحارث بن حلزة ألا ينشد قصيدته المزية إلا متوضئا[11].
ومن أدلة اهتمام القبائل بأشعار شعرائها، أنها كانت تحفظ نصوصهم، ويرويها أبناؤهم ويدنونها لأجيالهم المتعاقبة، مثل معلقة عمرو بن كلثوم، حتى قيل في حق بني تغلب:
ألهى بني تغلب عن كل مكرمة *** قصيدة قالها عمرو بن كلثوم
يروونها أبدا مذ كان أولهم *** يالرجال لشعر غير مشؤوم[12]
والأدهى من ذلك، أن الملك كان إذا ا ستجاد قصيدة الشاعر يقول: "علقوا لنا هذه لتكون في خزائنه"[13].
تأسيسا على ما سبق يمكن أن نستنتج ما يلي:
أ- مركزية الشاعر العربي القديم في نظام القبيلة، وتأثيره على مجرى حياتها العامة والخاصة.
ب- الوقع الجمالي الذي يخلفه أثر الشاعر في وجدان أفرد القبيلة وباقي المتلقين بمختلف مستوياتهم الثقافية و إدراكاتهم الجمالية.
ج- احتفاء وتقديس الإنسان العربي القديم للشعر، لما يتضمنه من قيم إنسانية، ومبادئ خلقية ولعلاقته الوطيدة بحياته العملية. فكيف يمكن قراءة القصيدة التقليدية؟ أي ما هي المعايير الجمالية التي يمكن أن ننطلق منها من أجل إعادة فهم الموروث الشعري العربي القديم؟ هل يمكن الحديث عن قارئ تاريخي لذلك الإنتاج؟ وكيف يمكن تصنيف أنواع قراء الإنتاج الشعري العربي القديم؟
1- من تاريخ التلقي:
يرجع الفضل في تأسيس جمالية التلقي من خلال مدرسة كونسطانس وإقامة ركائزها إلى الناقدين الألمانيين "ياوس yauss" و"إيزر ISER".
وقد لقيت أفكار هذه المدرسة صدى واسعا سواء داخل ألمانيا أو خارجها[14].
وتجدر الإشارة، في البداية، إلى أن الاهتمام بالمتلقي لم يكن بمثابة رد فعل ضده نظريات حديثة، أو ضد منهج معين، كالبنيوية مثلا كما يرى بعض الدارسين [15].
بل كان الهدف من ذلك، هو إعادة الاعتبار لقطب أساسي أهمل في الدراسات الأدبية، وهذا القطب هو القارئ أو المتلقي بصفة عامة [16].
لقد اعتمدت جمالية التلقي، والنقد الخاص بالقارئ، على حقول معرفية مختلفة مثل قاعدة النسبية في العلوم الطبيعية التي حولت الاهتمام من الشيء الملاحظ إلى الإنسان الملاحظ[17].
كما استفادت من الظاهراتية التي ترى أن الحقيقة نسبية ولا يمكن إدراكها إلا في الحالة التي يدخل فيها الإنسان في علاقات مع الأشياء.
وعلى هذا الأساس، لا تتمثل حقيقة العمل الأدبي إلا من خلال تداخل القارئ مع النص [18].
والمبدع ذاته لا يعنى بنقل الحقائق الموجودة في العالم الخارجي، بل يخرج الكلمات من العالم المحسوس وينسجها من صنع خياله. وهذا العمل يكون محكم البناء مهيئا لأن يستكمل على نحو خاص لدى كل قارئ، بل عند كل قراءة للقارئ الفرد[19].
وإذا لم يكن البناء محكما، فإن التفاعل بين القارئ والنص يصبح متعذرا.
ويعتبر انجارادن ENGARDEN -وهو من رواد الظاهراتية- أن للعمل الفني قطبين: القطب الفني والقطب الجمالي: فالقطب الفني يرجع إلى النص الذي أنتجه الكاتب، في حين يرتبط القطب الجمالي بالتحقيق المنجز من طرف القارئ[20].
ومن هذه الزاوية، يرى ايزر ISER أن العمل الأدبي لا يوجد إلا في نقطة التقاء النص والقارئ، وهو ذو خاصية افتراضية التي تنتج عنها فعالية النص ويكون الوقع رهينا بها[21].
وليس بإمكان العمل الأدبي أن يحدث وقعا مادام لم يقرأ، فالقراءة هي التي تخرجه من حالة الكمون إلى حالة التجسيد أو التحقيق[22] ومن هنا انطلق، ايزر ISER لمعالجة عملية القراءة التي يتم داخلها التفاعل، وبالتالي تشكيل المعنى الذي هو نتاج لهدا التفاعل. إن القراءة -حسب ايزرISER - هي اللحظة التي يبدأ فيها النص في إحداث الوقع 23 وهي لا تنظر إلى التواصل على أنه علاقة ذات اتجاه و احد من النص إلى القارئ، بل تنظر إليه على أنه تفاعل فعال ومثمر بين النص والقارئ[24].
وإذا كانت نظرية الوقع الجمالي عند ايزر ISER ترتبط بالنص، فان جمالية التلقي عند ياوس YAUSSمرتبطة بإحكام القارئ التاريخية[25].
ولقد اغترف ياوس YAUSSمن حقول معرفية متشعبة استفاد منها وحاورها، بل وتجاوزها في غالب الأحيان: فإلى جانب ظاهراتية هوسرل HUSSEREL، وريكور RICOEUR، وانجاردن ENGARDEN، حاور ياوس YAUSS كذلك الماركسية، والشكلانية، والبنيوية، والسيميولوجيا[26]. كما أن نظرته للعمل الأدبي تشمل في الآن نفسه النص باعتباره بنية، وتلقيه أو نظرة القارئ، أو المتفرج، أو الجمهور المتلقي بصفة عامة، وهو يتفق في ذلك مع ايزر ISER[27].
وقد أكد ياوس YAUSS، انطلاقا من المنطق الهرمينوطيقي، القائم على السؤال والجواب على تطور العلاقة القائمة بين العمل والجمهور: أي بين تأثير العمل وتلقيه[28]: فهذه الجدلية تفسح المجال للاغتراف من منابع الماضي وبفضلها يتأكد التواصل بين الحاضر والماضي[29].
ولا يتم هذا التواصل أو الخلق الجديد للقديم إلا بواسطة التأويل فهو الذي يجعل أعمال الماضي منفتحة، باستمرار، على الوقت الراهن[30].
لقد أكد ياوس YAUSS مدى تركيز تاريخ الأدب على الكاتب وعلى العمل مع إغفال شبه تام لمتلقي الرسالة الأدبية: أي الجمهور القارئ.
فقد كان تاريخ الأدب ولفترات طويلة تاريخا للمؤلفين والمؤلفات، مع إغفال العلاقات الوظيفية أو الوظيفة التاريخية للمتلقي، على الرغم من أهمية هذا المحفل الأخير: ذلك أن الأدب والفن بصفة عامة، لا يصبح صيرورة تاريخية ملموسة إلا بواسطة تجربة أولئك اللذين يتلقون المؤلفات، ويتمتعون بها، ويقومونها، ومن ثم يعترفون بها، أو يرفضونها، يختارونها، أو يهملونها فيبنون تباعا لذلك تقاليد، بل إنهم يستطيعون بصفة خاصة أن ينهلوا من جهة بالدور النشيط المتمثل في الاستجابة لتقليد ما وذلك بإنتاج مؤلفات جديدة[31].
وشدد ياوس YAUSSمن منطلق محاورته للماركسية والشكلانية، على ضرورة استقلالية الأدب، وفي نفس الوقت أن يتمتع بتاريخيته الخاصة، وهذه التاريخية ذات طبيعة مزدوجة: أدبية وجمالية متسائلا في الوقت ذاته: ألا يمكن للتاريخ أن يقيم بين السلسلة الأدبية والسلسلة غير الأدبية علاقات تستوعب العلاقات بين التاريخ والأدب، دون إفراغ هذا الأخير من خصوصيته الجمالية ودون إخضاعه لوظيفة انعكاسية بسيطة؟[32].
ويرى ياوس YAUSS، من منطلق تقنية السؤال والجواب، وجوب تنظيم الأسئلة التي أجاب عنها النص، ولن يتم ذلك إلا إذا أعيد تشكيل أفق توقع الجمهور الأول: أي وقت ظهور الإبداع.
إن السؤال الذي أجاب عنه النص يجب أن ينظم، ولا يمكن لنفس السؤال أن يستمر وذلك بان يتحول إلى السؤال التالي: ماذا يشكل التراث بالنسبة إلينا؟[33].
ولعل سعي ياوس YAUSS إلى إعادة كتابة تاريخ الأدب، من زاوية التلقي، قد قاده إلى القول بأن تاريخ الأدب يجب أن يأخذ في اعتباره القراء وقراء اتهم، والقراء عنده ثلاثة أصناف[34]:
1- قراء ليسوا سوى قراء متلقين.
2- القراء اللذين يغير العمل موضوع اختياراتهم.
3- الكتاب النقاد اللذين يكتبون بدورهم.
ونجد أنفسنا بالتالي أمامنا:
أ- قارئ عادي.
ب- قارئ ناقد.
ج- قارئ كاتب.
واقترح ياوس YAUSS، في أفق إعادة تشكيل أفق توقع وتتبع تلقي النصوص، مسارا للتلقي يتضمن ثلاث أزمنة توازيها ثلاث قراءات، وهي كالتالي:
1- زمن الإدراك الجمالي قراءة أولى.
2- زمن التأويل الإسترجاعي قراءة ثانية.
3- زمن القراءة التاريخية قراءة ثالثة [35].
وإذا كانت عملية الإدراك في الإبداع تختلف باختلاف الحس والعقل والحلم[36].
فإن بالإمكان التساؤل في مجال التلقي: ألا يمكن ربط الحس بالمتلقي العادي، والعقل بالمتلقي الناقد، والحلم بالمتلقي المبدع؟ ألا يمكن تصنيف متلقي الشعر العربي انطلاقا من هذا الثالوث: الفهم مرتبط بالمتلقي العادي، والتفسير متعلق بالمتلقي الناقد، والتطبيق متصل بالمتلقي المبدع؟ ألا يمكن تصنيف الأسس التي ارتكز عليها المتلقون النقاد في تعاملهم مع النصوص الشعرية ضمن الثالوث المشكل لأفق التوقع كما حدده ياوس YAUSS؟
2- أصناف متلقي الشعر العربي القديم:
إذا كان أرسطو قد ميز بين المتلقي الوضيع والمتلقي الخبير أو الممتاز[37] واسكاربيت ESCARPIT بين قارئ مستهلك لا يتجاوز الإعجاب، وقارئ عارف ذكي يتجاوز العمل إلى الظروف المحيطة بإنتاج النص، يحلله ويسائله، ولا يؤمن بشيخوخته، أو موته[38].
فان ياوس YAUSS -كما أشرنا إلى ذلك- يميز بين ثلاثة أصناف من القراء، ولذلك فإن عملية التواصل تدفعنا إلى التساؤل الذي طرحه سارتر لمن نكتب؟ على اعتبار أن الأدب -من منظور الفيلسوف الوجودي- لا يتحقق إلا بفعل القراءة وبغيرها يبقى حبرا على ورق[39].
إن الأعمال تبقى في الصدور أو في الرفوف بدون قيمة تذكر، وقيمتها مرتبطة باستعمال المتلقي لها[40].
ويمكن حصر أنواع القراء في تراثنا الشعري النقدي، بمختلف ردود أفعالهم الحسية، أو الإبداعية، أو النقدية، فيما يلي:
ا- المتلقي العادي: ويمكن قياس وقع الشعر بردود أفعال المتلقين، وهذه الردود تختلف باختلاف المتلقي، ومن ذلك: رد الفعل الحسي الحركي، ورد الفعل الإبداعي، ورد الفعل العقلي.
ومعلوم أن التلقي الحسي يرتبط بالجانب النفسي، ولا يخرج عن دلالة الإعجاب ولا يتعداها إلى تعبيرات جسدية تعبر عن انفعالات داخلية كالإيماء، والبكاء، والضرب بالأرجل، والتصفيق، والمكافأة، والهزة، والإطراب.
ويعتبر الشعر مرتكزا فنيا من حيث قدرته على تحريك المشاعر، وإثارة الحماس، ولا يهز ملك ولا رئيس لشيء من الكلام كما يهتز ويرتاح لسماعه[41].
فالشعر يوقظ مشاعر المحبة والألفة، كما يثير دموع الفرح والندم: نذكر في هدا الصدد، مثلا لهارون الرشيد، لما سمع ملاحي سفينة كانوا يقلونها وهم ينشدون شعرا لأبي العتاهية جعل يبكي وينتحب[42].
وطلب يوما من أبي العتاهية أن يعظه فأنشده:
لا تأمن الموت في طرف ولا نفس *** إذا انتشرت بالأبواب والحرس
واعلم بان سهام الموت قاصدة *** لكل مدرع منا ومترس
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها *** إن السفينة لا تجري على اليابس
فبكى الرشيد، حتى بل كمه[43].
والبكاء مرحلة تعقبها راحة نفسية وشفاء من الهموم والأحزان.
وهذا ما انتبه إليه بعض القدماء لذلك قال أبو بكر بن عياش: كنت إذا أصابتني المصيبة تصبرت وأمسكت عن البكاء، فأجد ذلك يشتد علي حتى مررت، ذات يوم، بالكناسة فإذا أعرابي واقف على ناقة له وهو ينشد:
لعل انحدر الدمع يعقب راحة *** من الوجد أو يشفي نجي البلابل
فساءلت عنه، فقيل لي: هذا ذو الرمة.
فكنت بعد إذا أصابتني مصيبة بكيت فأجد لذلك راحة، فقلت: قاتل الله الأعرابي ما كان أعلمه، وأفصح لهجته[44].
وإلى هذا المعنى ذهب الفرزدق بقوله:
فقلت لها إن البكاء لراحة *** به يشفى من ظن أن لا تلاقيا [45].
وقد سبق امرؤ القيس إلى هذا المعنى بقوله:
وإن شفائي عبرة مهراقة فهل *** عند رسم دارس من معول؟[46].
ويمكن أن نسوق مثالا آخر للمتعة الحسية التي كان يشعر بها المتلقي للأشعار الجيدة: فهذا الوليد بن يزيد طرب ثم بكى حتى مزج كأسه بدمعه، وذلك لما أنشد قول بشار بن برد:
أيها الساقيان صبا شرابي *** واسقياني من ريق بيضاء رود
إن دائي الظما وإن دوائي *** شربة من رضاب ثغر برود
وسمع مرة شعرا ينشد، فطرب حتى نزل عن فرسه وسريره[47].
وسمع هارون الرشيد شعرا لأبي العتاهية يغنيه إبراهيم الموصلي، حتى وثب على رجليه وصاح: يا آدم لو رأيت من يحضرني من ولدك اليوم لسرك[48].
علما أن الشعر المنشد أو المغنى كان يهدئ من روع هارون الرشيد ويسكن غضبه [49].
وتأثير الشعر يكون أشد إذا فهم المتلقون معانيه، فقد كان أعجب الأشياء إليهم ما فهموه[50].
وهذا النوع من الشعر هو الذي يميلون إلى حفظه، فإذا أنشدوا أو غنوا به ازدادت حدة وقعه: فهارون الرشيد مثلا كان يحفظ شعر ذي الرمة مند صباه وكان يعجبه، فإذا سمع غنائه أطربه أكثر مما يطربه غيره مما لا يحفظ شعره[51].
ولهذا طلب منه إبراهيم الموصلي بنصيحة من الوزير جعفر بن يحيى أن يختصه بالغناء في شعر ذي الرمة[52].
والسر في ذلك أن النفس إنما تألف ما جانسها وتقبل الأقرب فالأقرب إليها[53].
وتسكن إلى كل ما وافق هواها، فإذا ورد في حالة من حالاتها ما يوافقها اهتزت له، وحدثت لها أريحة وطرب، وإذا ورد عليها ما يخالفها قلت واستوحشت[54].
وللأشعار - كما يقول ابن طبا طبا- على اختلافها مواقع لطيفة عند الفهم لا تحد كيفيتها[55].
والفهم -كما يرى أبو هلال العسكري- يأنس بالكلام المعروف، ويسكن إلى المألوف[56].
يقول أبو الطيب المتنبي في نفس الإطار:
إنما تنفع المقالة في المرء إذا *** صادفت هوى في الفؤاد
وإذا الحلم لم يكن عن طباع ** لم يحلم تقدم الميلاد[57].
ونذكر في هذا الصدد ما حدث لشباب اصطحبوا شيخا في سفينة من الكوفة، وأرادوا إنشاد الشعر والتغني به، فاستحيوا من الشيخ، فقال بعضهم: إن معنا قينة ونحن نجلك ونحب أن نسمع غنائها، قال: الله المستعان، فغنت، فلم يتمالك الشيخ نفسه طربا، فألقى بنفسه في الفرات وجعل يخبط بيديه فأدركوه وقد كاد يغرق. فقالوا: ما صنعت بنفسك؟ فقال: إني والله أعلم من معاني الشعر ما لا تعلمون[58].
ولهذا، كانت لذته أكبر، وتأثير الشعر فيه أقوى وأشد.
ب- المتلقي الناقد:
يمكن النظر إلى هذا الصنف من زاويتين: المتلقي السامع والمتلقي القارئ، والصنفان معا حاضران من الجاهلية إلى القرن الخامس الهجري، ولكن يبدو الصنف الأول كان سائدا، بشكل كبير، قبل شيوع التدوين وانتشار الكتابة، وإذا كان للموضوع الجمالي -حسب ياوس YAUSS خاصيتان: خاصية الشكل والمعنى[59].
فإن من الملاحظ أن الجانب الأول طغى على المتلقي السامع، في حين طغى الجانب الدلالي على الناقد.
1- المتلقي السامع:
من الملاحظ أن التلقي عن طريق السمع يرتبط ارتبطا وثيقا بإنشاد الأشعار والتغني بها، وما يتطلبه ذلك من صوت حسن، وذلك لعظم موقع الصوت الحسن من القلب، وأخذه بمجامع النفس[60].
ويستدل ابن عبد ربه على التأثير البالغ للصوت الحسن بأدلة نقلية، وأخرى عقلية علمية: فقد قال بعض أهل التفسير في قول الله -تبارك وتعالى-: (يزيد في الخلق ما يشاء) هو الصوت الحسن.
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي موسى الأشعري لما أعجبه صوته: ((لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داوود))[61].
أما الأدلة العلمية، فمنها ما ذهب إليها أهل الطب من أن الصوت الحسن يسري في الجسم، ويجري في العروق، فيصفو له الدم، ويرتاح له القلب، وتهش له النفس، وتهتز له الجوارح، وتخف له الحركات[62].
كما أن الألحان الحسان تبعث على مكارم الأخلاق... وقد يبكي الرجل بها على خطيئته، ويرق القلب من قسوته[63].
كما أن الطيور والحيوانات تكون مجبولة على حب النغم الجيد والصوت الحسن، وقد يجرها ذلك إلى حتفها، قال الراجز:
والطير قد يسقه للموت *** إصغائه إلى حسن الصوت[64].
وذكر ابن سلام الجمحي أن الناس يحبون أن يسمعوا الشعر من أفوه أحسن المنشدين[65].
وكان يقال لابن المحرز صناج العرب[66].
لأنه كان يصنع أغاني أشعار العرب فيبدع في ذلك.
وكان الأعشى يسمى صناجة العرب لجودة شعره[67].
وقد يكون ذلك لجودة إنشاده أيضا.
إن المتلقي عندما يتعامل مع شعر معين، فإنه لا يكون مجرد مستهلك منفعل، بل إنه فاعل وقد يضيف إليه من المحاسن ما لم يكن يخطر لمبدعه على بال، ولعل أهم ما كان المتلقي يزين به الشعر هو الصوت الحسن، وبالتالي جودة الإنشاد أو الغناء، والغناء حلة الشعر إن لم يلبسها طويت[68].
ولم يهمل نقادنا القدماء أهمية الغناء، وما يثيره من وقع شديد في نفوس المتلقين، فهو معروف الشرف، عجيب الأثر، ظاهر النفع في معاينة الروح، ومناجاة العقل، وتنبيه النفس، واجتلاب الطرب، وتفريج الكرب، وإثارة الهزة... وما لا يحصى عدده[69].
ويمكن أن نخلص مما سبق إلى ما يلي:
1- إن المتلقي السامع ليس مجرد منفعل ومستهلك، بل فاعل فهو يحسن الشعر بصوته إنشادا أو غناء، وذلك تباعا لطبيعة الشعر التي تقتضي ذلك.
2- إن إنشاد الشعر أو التغني به يساعد المتلقي الأول -الذي هو المبدع - على النظم، كما يساعد المتلقين بصفة عامة على اكتشاف هناته وهفواته.
3- إن وقع الشعر المنشد أو المغنى أشد على المتلقي، ولهذا يثير الحماس في المقاتل، ويحل مجموعة من الأزمات، ويثير مجموعة من الأحاسيس والمحبة ومشاعر الشفقة.
4- إن التغني بالشعر يساهم في شهرة صاحبه، وانتشار شعره، ولهذا وجدنا من يتعاقد من الشعراء مع المغنين من أجل التغني بأشعارهم.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 02-11-2020, 01:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الشعر العربي القديم بين التلقي والتأويل


2- المتلقي الناقد:
نشير في البداية إلى أن القراءة هي نقطة التقاء القارئ بالنص، وهي اللحظة التي يبدأ فيها النص في إحداث الوقع كما يرى ايزر ISER [70].
وهي سابقة عن كل تأويل.
ولا يتم التفاعل بين بنية العمل الأدبي ومتلقيها إلا أثناءها[71].
إنها تنظر إلى التواصل على أنه علاقة ذات اتجاه واحد من النص إلى القارئ، بل إنها تفاعل فعال بينهما [72].
وإذا كان المتلقي السامع يعتمد على المسموع وما يتبع ذلك من صوت وإشارات، فان المتلقي القارئ يرتكز على المقروء وما يتبع ذلك من خط أو غيره، أي على المكتوب.
والنقاد من القدماء لم يغفلوا هدا الجانب الحساس، ونذكر على رأسهم الجاحظ الذي عاصر فترة انتقالية فاصلة بين مرحلتين: مرحلة التركيز على السمع، وبالتالي على الذاكرة ومخزونها، ومرحلة الاهتمام بالكتابة والمكتوب.
ولم يفت الجاحظ تسجيل أهمية المرحلة الثانية على اعتبار أن المآثر تكون عرضة للضياع، والتبديل، والتحريف، إذا اقتصرت على السماع والحفظ [73].
ومن هنا، جاء اهتمام القدماء بالخط واعتبروه نوعا من أنواع الدلالات التي حصروها في خمسة: اللفظ، ثم الإشارة، ثم العقد، ثم الخط، ثم الحال وتسمى نصبة [74].
ورووا أن للخط مزايا كثيرة خاصة وأنه يتوجه إلى جمهور عريض يتعدى عصره إلى عصور لاحقة. وقالوا اللسان مقصور عن القريب الحاضر، والقلم مطلق في الشاهد والغائب... والكتاب يقرأ في كل مكان ويدرس في كل زمن، واللسان لا يتعدى سامعه ولا يتجاوز إلى غيره[75].
ومادام الخط موجها إلى قراء متعددين عبر توالي الأزمنة على اختلاف الأمكنة، فإنه اعتبر أحسن تلك الدلالات السالفة الذكر، وذلك؛ لأنه كما قال ابن عبد ربه: يقوم مقامها في الإيضاح عند المشهد، ويفضلها في المغيب؛ لأن الكتب تقرأ في الأماكن المتباينة، والبلدان المتفرقة، وتدرس في كل عصر وزمن، وبكل لسان.
واللسان وان كان دلقا فصيحا لا يعدو سامعه، ولا يجاوزه إلى غيره[76].
قال الشاعر:
وما من كاتب إلا ستبقى *** كتابته وإن فنيت يداه[77].
وكل هذا يبين أهمية الكتابة والحرص الشديد على تجنب الأخطاء حتى لا ينفر القارئ، فيعرض عن الكتاب ويضرب عنه صفحا، لهذا رأوا أن تأثير القلم كتأثير الرمح، أو كما قال ابن عبد ربه: "إن محل القلم من الكاتب كمحل الرمح من الفارس"[78].
لا يمكن أن يصيب الهدف إلا إذا كان معدا إعدادا جيدا، وإذا أجيد استعماله.
كما رأى مجموعة من النفاد أن على الكاتب ألا يسرع في الكتابة، بل ينبغي أن يكون متأنيا، و أن يعلم أن كل الناس يعرفون القراءة، وأنهم سينتقدون كتابه إذا وجدوه مضطربا وغير متماسك.
لهذا قال بعض رؤساء الكتاب: "ليس الكتاب في كل وقت غير نسخة لم تحرر بصواب، لأنه ليس أحد أولى بالأناة والروية من كاتب يعرض عقله، وينشر بلاغته، فينبغي أن يعمل النسخ ويرويها ويقبل عفو القريحة ولا يستكرهها، ويعلم على أن جميع الناس أعداء له، عاقون بكتابه، منتقدون عليه، متفرغون إليه"[79].
وإلا فان الكتاب سيكون عرضة ليس فقط للانتقاد، بل للنبذ والتهميش، وبالتالي للضياع والجمود، ولا يتداوله الرواة[80].
وهذا هو السر في تأكيد البعض على ضرورة أخذ المكتوب إليه بعين الاعتبار[81].
إن العناية بالخط والكتابة، وغيرهما من لوازم الكتاب، كانت نابعة من إيمان القدماء بأهمية الكتاب ودوره في إمتاع المتلقي وإفادته[82]: فهو غداء للعقل والروح معا.
قيل لبعض العلماء: ما مبلغ سرورك بأدبك وكتبك؟ فقال: هي إن خلوت لذة، وإن اهتممت سلوة.
وإن قلت: إن زهر البستان ونور الجنان يجلوان الأبصار ويمتعان بحسنهما الألحاظ، فإن بستان الكتب يجلو العقل، ويشحذ الذهن، ويحيي القلب، ويقوي القريحة، ويعين الطبيعة، ويبعث نتائج العقول، ويستثير دفائن القلوب، ويمتع في الخلوة، ويؤنس في الوحشة، ويضحك بنوادره، ويسر بغرائبه، ويفيد ولا يستفيد، ويعطي ولا يأخذ، وتصل لذته إلى القلب من غير سآمة تدركك، ولا مشاقة تعرض لك[83].
ووصف الشعراء ذلك شعرا، ومنهم أبو الطيب الذي قال:
أعز مكان في الدنا سرج سابح *** وخير جليس في الزمان كتاب[84].
وقال الشاعر:
نعم الأنيس إن خلوت كتاب *** تلهو به إن خانك الأحباب
لا مفشيا سرا إذا استودعته *** وتفاد منه حكمة وصواب[85].
وروي أن رجلا مر بعبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر وهو جالس بجانب قبر وبيده كتاب، فسأله: ما أجلسك ها هنا؟ قال: إنه لا أوعظ من قبر، ولا أمتع من كتاب[86].
ومن الأشياء التي تشد انتباه القارئ، إلى جانب الخط والشكل، التنويع في مواضيع المؤلفات النقدية والأدبية بصفة عامة.
لقد زخرت هذه المؤلفات بإشارات واضحة إلى محاولة شد انتباه القارئ، وإرضائه والتخفيف عنه، وذلك بجعل التنويع والخروج من موضوع إلى آخر من الثوابت المنهجية الأساسية، إذ كان الخروج من جد إلى هزل، ومن حزن إلى سهل، أنقى للكلل، وأبعد من الملل[87].
وهذا دليل على حرص المؤلفين على عدم تحسيس القارئ بالملل، وجعله يتتبع القراءة إلى آخر الكتاب.
قال أبو العتاهية:
لا يصلح النفس إذا كانت مدبرة *** إلا التنقل من حال إلى حال[88].
وقال أبو تمام:
فطول مقام المرء في الحي مخلق *** لديباجته فاغترب تتجدد
فإني رأيت الشمس زيدت محبة *** إلى الناس أن ليست عليهم بسرمد[89].
وقد يورد الكاتب بابا فيقرنه بباب آخر لا يمت إليه بأدنى صلة، ولكن كما قال الجاحظ قد يجري السبب فيجري معه بقدر ما يكون تنشيطا لقارئ الكتاب؛ لأن خروجه من الباب إذا طال لبعض العلم كان ذلك أروح على قلبه، وأزيد في نشاطه[90].
وقد يكون هذا هو سبب تنويع الشعراء داخل القصيدة الواحدة، فمتى لم يخرج السامع من شيء إلى شيء لم يكن لذلك النظام عنده موقع[91].
ويمكن أن نعوض كلمة السامع هنا بالمتلقي بصفة عامة.
إن باستطاعة المتلقي القارئ أن يركز على المقاطع التي تهمه، وذلك بإعادة قراءتها، والتلذذ بها، وانتقادها، بحيث تتقلص المسافة الفاصلة بينه وبين العمل المقروء.
وقد تتقلص هذه المسافة حتى عندما يتعلق الأمر بالإنشاد إذا تم الوقوف على بعض المقاطع التي تهم المتلقي، والدليل على ذلك أنه ثمة يوم ذكر فيه شعر أبي العتاهية، وذلك بحضور الجاحظ، وذكرت أرجوزته المزدوجة التي أطلق عليها اسم ذات الأمثال[92].
فأخذ بعض من حضر ينشدها حتى أتى على قوله:
بالشباب المريح التصابي *** روائح الجنة في الشباب
فقال الجاحظ: قف. ثم قال: انظروا إلى قوله: "روائح الجنة في الشباب"، فإن له معنى كمعنى الطرب الذي لا يقدر على معرفته إلا القلوب، وتعجز عن ترجمته الألسنة، وإدامة التفكير فيه.
وخير المعاني ما كان القلب إلى قبوله أسرع من اللسان إلى وصفه[93].
لكن عملية التطويل وإدامة التفكير، لا تتم إلا للقارئ، وهذا التمعن والتعمق تتولد عنه تعدد القراءات لعمل واحد من قارئ إلى آخر، بل ولدى نفس القارئ في فترات مختلفة.
وقد رأى بعض النقاد، أن ما يعطي للشعر خاصيته وتميزه عن الكلام العادي، تعدد مواضيعه، وانتشار معانيه، فليس في الأرض -حسب عبد العزيز الجرجاني- بيت من أبيات المعاني لقديم أو محدث، إلا ومعناه غامض مستتر، ولولا ذلك لم تكن إلا كغيرها من الشعر تفرد فيها الكتب المصنفة[94].
على سبيل الخاتمة:
يمكن أن نستنتج مما سبق:
1- أن المكتوب يتوجه إلى جمهور عريض من المتلقين، ويتجاوز حدود الزمن والمكان وذلك عكس المسموع.
2- أن الكتاب يأخذون بعين الاعتبار هذا الجمهور العريض، وذلك بالعناية البالغة بالكتابة وكل لوازمها بمنهج التنويع في مؤلفاتهم.
3- أن المتلقي القارئ يتميز عن السامع بتقلص المسافة التي تفصله عن العمل.
4- أن الاحتكاك المباشر بالنص قد يسمح للقارئ بالتمعن في قراءته والتعمق فيها.
5- أن النصوص عندما ما تكون في أيدي القراء، قد تصبح مفتوحة وقابلة لتعدد القراءات، وقد تكون هذه القراءات إبداعا آخر يفوق تقديرات وتوقعات ومقاصد المبدع.
__________________________________________________ ________
الهوامش:
1- العمدة في صناعة الشعر نقده، ابن رشيق القيرواني، تحقيق محيي الدين عبد الحميد، القاهرة، ط2، 1955، 1\65.
2- انظر في هذا الصدد ما قاله سعد عندما أرسل إلى ذوي صناع الكلام من رجال الشعر والنثر مثل الشماخ، والحطيئة، وأوس بن مغراء، وعبده بن الطيب، فخاطبهم قائلا: "انطلقوا فقوموا في الناس بما يحق عليكم، ويحق عليهم عند مواطن الناس، فإنكم من العرب بالمكان الذي أنتم به، وأنتم شعراء العرب، وخطبائهم، وذوو رأيهم، ونجدتهم، وسادتهم فسيروا في الناس فذكروهم وحرضوهم على القتال، فساروا فيهم... "[انظر: تاريخ الإسلام و الملوك، ابن جرير الطبري، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف القاهرة، د. ت. ط، 3\533].
3- الحيوان، الجاحظ، تحقيق عبد السلام هارون، القاهرة، د. ت. ط، 1\71.
4- طبقات فحول الشعراء، ابن سلام الجمحي، تحقيق محمود محمد شاكر، مطبعة المدني القاهرة، د. ت. ط. 1\24.
5- الزينة في الكلمات الإسلامية العربية، أبو حاتم الرازي، تحقيق حسين بن فيض الله الهاني، القاهرة، 1957، د. ط، 1\83 و92.
6- انظر في هدا السياق: قصة بني جعفر ابن قريع اللذين كان يقال لهم بنو أنف الناقة، و كيف تحول هذا اللقب القدحي السلبي إلى صفة مدحية، يفتخر بها عندما قال الحطيئة مادحا إياهم بقوله:
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم *** ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا
انظر الزينة، م. س، 1\94.
7- انظر في هذا ما حدث للشاعر البكري الحارث بن حلزة، وقد كان أبرصا، لما أنشد من وراء حجاب أو سبعة حجب الملك عمرو بن هند قصيدته التي يفتخر فيها على تغلب في حادثة حرب البسوس المشهورة، ورد فعل الملك و قد تفاعل معها بحيث رفع الحجب واحدا تلو الآخر، وأقعده على طعامه، وصيره في سماره. انظر: البرصان والعرجان، للجاحظ، تحقيق محمد مرسي الخولي، القاهرة، 1972، د. ط، ص: 24.
8- المقدمة، ابن خلدون، دار الشعب مصر، د. ت. ص: 535 و547.
9- الفهرست، ابن النديم، مطبعة الرحمانية، القاهرة، د. ت. ص: 138.
10- المفصل في تاريخ العرب، د. جواد علي، دار العلم للملايين بيروت، 1976، د. ط، 9\69.
11- شرح القصائد السبع الطوال، ابن الأنباري، تحقيق عبد السلام هارون، دار المعارف بمصر، 1963، د. ط، ص: 370.
12- الأغاني، أبو الفرج الأصفهاني، طبعة بيروت، د. ت، 9\368.
13- العمدة، م. س، 1\96.
14- عن قيام هده المدرسة و الظروف التاريخية التي برزت فيها و عن أصدائها، يمكن الرجوع إلى مجلة POETIQUE شتنبر، رقم 79، ص: 285، هامش 1و 2.
15- قراءة في القراءة، د. رشيد بنحدو، الفكر العربي المعاصر، ع 48\49، 1988، ص: 13.
16- حديث مع وولفغانغ ابزر، نبيلة إبراهيم، فصول، الهيئة العامة المصرية للكتاب، مج 5، ع 1، أكتوبر نونبر دجنبر، 1984، ص: 102.
17- نفسه، ص: 103.
18- نقسه، ص: 102.
19- نفسه، ص:. 10
20- ISER، W، ACTE DE LECTURE، THEORIE DE L EFFET ESTHETIQUE، TRADUIT DE L ALLEMAND، PAR EVELENE SZNYCER PIERRE MARDAGGA، EDITEUR BRUXELLES، 1985، P: 48.
21-IBID، P: 48.
22 IBID، P: 13.
23- IBID، P: 44.
24- IBID، P: 198.
25- IBID، P: 14-15.
26-yauss h. R، POUR UNE ESTHETIQUE DE LA RECEPTION، TRADUIT DE L ALLEMAND PAR CLAUDE MARLLARD، ED، GALLIMARD، PARIS، 1978، P: 252.
27- IBID، P: 246.
28-IBID، P: 248.
29-IBID، P: 120.
30-IBID، P: 122.
31-IBID، P: 11-12.
32-IBID، P: 43.
33 -IBID، P: 60.
34 -IBID، P: 09.
35-YAUSS H. R، POUR UNE HERMENEUTIQUE LITTERAIRE، TRADUIT DE L ALLEMAND PAR MAURICE JACOB، ED GALLIMARD، 1988، P: 357.
36 - التصور المنهجي و مستويات الإدراك في العمل الأدبي و الشعري، أحمد الطريسي، شركة بابل للطباعة و النشر، الرباط، 1989، ص: 27.
37- فن الشعر، أرسطو، ترجمة عبد الرحمان بدوي، دار صادر بيروت، ط 6، د. ت، ص: 78-79.
38-ESCARPIT، ROBERT، SOCIOLOGIE DE LA LITTERATURE، P: 115نقلا عن لذة النص أو مغامرة الكتابة لدى بارت، إفريقيا الشرق، 1991، د. ط، ص: 23..
39- SARTRE، J. P، QU EST-CE QE LA LITTERATURE ? ed، GALLIMARD، PARIS، 1948، P: 48.
40- البيان و التبيين، الجاحظ تحقيق فوزي عطوي، دار صعب بيروت، 1968 1\54 و انظر كذلك زهر الآداب و ثمرة الألباب، الحصري، تحقيق محيي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة مصر، 1953، 1\116.
41- الصناعتين الكتابة و الشعر، أبو هلال العسكري، تحقيق مفيد قميحة، دار الكتب العلمية بيروت، ط2، 1984، ص: 155
42- الأغاني، م. س، 4\108 و 109
43- نفسه، 4\112
44- نفسه، 5\374و 375
45- الصناعتين، م. س، ص: 143
46- ديوان امرئ القيس، أدونيس، كلام البدايات، دار الآداب، بيروت، ط1، 1989، ص: 211.
47- الأغاني، م. س، 4\408 و409.
48- نفسه، 5\252.
49- نفسه، 4\335.
50- نفسه، 4\73و 74.
51- نفسه، 5\249و 250.
52- نفسه، 5\250.
53- الوساطة بين المتنبي و خصومه، القاضي الجرجاني، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، و علي محمد البجاوي، مطبعة عيسى الحلبي و شركاؤه، ط4، 1996، ص: 29.
54- عيار الشعر، ابن طبا طبا العلوي، تحقيق طه الحاجري، و محمد زغلول سلام، المكتبة التجارية، 1956، د. ط، ص: 21.
55- نفسه، ص: 21.
56- الصناعتين، م. س، ص: 72.
57- ديوان المتنبي، دار صادر بيروت، 1975، ط6، ص: 25.
58- الأغاني، م. س، 4\410.
59-YAUSS ، H. R، POUR UNE ESTHETIQUE DE LA RECEPTION، OP. CIT، P: 246.
60- العقد الفريد، ابن عبد ربه، تحقيق أحمد أمين، أحمد الزين، إبراهيم الانباري، مطبعة لجنة التأليف والترجمة و النشر، ط2، 1948، 6\3.
61- نفسه، 4\6.
62- نفسه، 4\6.
63- نفسه، 6\5.
64- نفسه، 6\5.
65- طبقات فحول الشعراء، م. س، ص: 158.
66- الأغاني، م. س، 1\364.
67- نفسه، 1\364.
68- العمدة، م. س، 1\108.
69- الإمتاع و المؤانسة، أبو حيان التوحيدي، تحقيق أحمد أمين، و أحمد الزين، منشورات دار مكتبة الحياة بيروت لبنان، 2\136.
70-W. ISER ، ACTE DE LECTURE، OP. CIT، P: 44
71-IBID، P: 8.
72 -IBID، P: 198.
73- الحيوان، م. س، 1\41
74- البيان و التبيين، م. س، 1\55
75- نفسه، 1\57
76- العقد الفريد، م. س، 2\208
77- نفسه، 2\208.
78- نفسه، 4\173.
79- زهر الآداب و ثمرة الألباب، م. س، 1\121، و122.
80- نفسه، 1\124.
81- العقد الفريد، م. س، 4\173و 174.
82- زهر الآداب و ثمرة الألباب، م. س، 1\156.
83- نفسه، 1\152.
84- نفسه، 1\152.
85- العقد الفريد، م. س، 2\210.
86- نفسه، 2\210.
87- زهر الآداب و ثمرة الألباب، م. س، 1\4و5.
88- نفسه، 1\5.
89- أسرار البلاغة، عبد القاهر الجرجاني، علق على حواشيه، وأودع تعليقاته، محمد رشيد رضا، دار المعرفة بيروت، 1978، د. ط، ص: 106.
90- البيان و التبيين، 1\109.
91- نفسه، 1\118.
92- لأن كل بيت منها مثل سائر.
93- الأغاني، م. س، 4\40.
94- الوساطة بين المتنبي و خصومه، م. س




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 107.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 105.29 كيلو بايت... تم توفير 2.35 كيلو بايت...بمعدل (2.18%)]