كيف تقوِّمُ بحثاً؟

[ابوالوليد المسلم]

كيف تقوِّمُ بحثاً؟



د. عبدالحكيم الأنيس








(هذه رؤوس أقلام في هذا الموضوع، ولم أر أحداً كتب فيه، ولعلي أتفرغ قليلاً فأبسط القول فيه، ومن الله العون والتوفيق)





• قبل كل شيء تقرأُ البحثَ مرةً بتأنٍّ، فإن وجدتَ أنك قادرٌ على تقويمه فبها، وإلا فاعتذرْ كما فعل عددٌ من الفضلاء.





• انظر هل البحث مقيَّد بمجلةٍ معينةٍ؟ فإن كان كذلك فلا بُدّ من ملاحظة شروطها الخاصة.





• العناصر المطلوب بحثُها في البحث: الفكرة، المصادر، الفهم والهضم، الصياغة، التبويب والترتيب، النتائج، الأمانة العلمية.





وهذا بيان ذلك:


1- الفكرة: هل هي تستحق الدراسة والبحث؟





2- المصادر: تلاحظ المصادر من حيث الكم والنوع، أي هل أحاط الباحث بمصادر بحثه، وهل رجع إلى مصادر أصلية؟ وهناك رأي بالإفادة من المصادر المتأخرة لأنها تمثِّلُ استقرارَ الرأي سواء في الكتب الفقهية، أو شروح الحديث، أو كتب التفسير. وإذا فات الباحثَ مصادر في بحثه فمن الأفضل الإشارة إليها.





3- الفهم والهضم: هل نضِج هذا الموضوع في نفسه، وأحاط بجوانبه، وهل يبدو عليه التمكُّنُ منه؟





4- التبويب والترتيب: يلاحظ في البحث أن يكون مبوَّباً على أبواب، أو على مباحث، أو مطالب، وأن يكون مرتباً ترتيباً معقولاً منطقياً.





5- الصياغة: هل راعى قواعدَ العربية نحواً وصرفاً ومفردات وإملاءً، وهل استعمل أدوات الترقيم؟





6- النتائج: ما قيمة النتائج التي توصّل إليها، وهل تضيفُ شيئاً ذا بال على المعرفة، كأنْ يكون توصّل إلى بيان خطأ، أو كشَفَ عن حكمٍ لمسألة معاصرة، أو أتى بحلٍّ لمعضلة علمية.





7- الأمانة العلمية: هل كان أميناً في قوله، ونقله، وفي إفادته من غيره.





ممّا يساعد على كشف "البحث":


1) مراجعة الآيات على المصحف.





2) مراجعة الأحاديث على أصولها.





3) مراجعة النصوص المنقولة على مصادرها، وقراءة ما قبل النص وما بعده، فربما انتقى الباحثُ أو استعجلَ فبترَ النص أو أساء فهمه.





4) أن تقرأ وتستعرض ما كُتب في الموضوع من كتب أو رسائل، والمذاكرةُ مع الآخرين نافعة في هذا المجال، كما أنَّ ترتيب الكتب على الموضوعات في الفهارس وتنظيم المكتبات يُسهِّل لك الوصول إلى ما كُتب في الموضوع الواحد من كتب.





5) الانتباه في الرجال إلى الأعلام المتشابهة: كأبناء الأثير، وابن الجوزي وابن قيم الجوزية، وابن الجزري، وأبناء تيمية، وابن حجر العسقلاني والهيتمي، وهكذا...





6) إذا كان البحث دراسة عن كتاب فلا بُدَّ من قراءة ذلك الكتاب كله أو بعضه، لمعرفة مدى إحاطة الباحث به.





7) قراءة البحث أكثر من مرة.





كيفية إعداد التقرير:


قبل كل شيء لابد أن يستشعر المقوِّم خطورةَ الموضوع، وأنه إذا تعجّل أو انصاع للهوى قد يُعَدُّ من الظالمين.





من حيث الشكل هناك طريقتان:


1- أن تمشي معه على الصفحات (أي ترتبه ترتيباً موضعياً).


2- أن ترتبه ترتيباً (موضوعياً) فتجمع كل نوع من الملحوظات على حدة. والثانية أفضل وأدل.





من حيث المضمون:



• تذكر الأخطاء الصريحة في الواقع، أو ما انتهى إليه بحثُك، ولابد من تكرار النظر والتأني قبل إصدار الحكم.



• وتضمِّنه أيضاً من وجهات نظرك ما تراه نافعاً في الارتقاء بالبحث إلى المستوى الأفضل.



• يُجنب التقرير الألفاظ الجارحة.



• يُلطَّف التقريرُ، ويختم بالدعاء للباحث في آخره.



• يَتجنبُ المقوِّم التمحَّل والتطويل، فالمهم التنبيه على أشياء قوية.



• يُنصح المقوِّم أن يدوِّن أفكاره وآراءه حالاً على أوراق خارجية، ثم يختار منها ما يراه جديراً بالذكر، لأنه إذا أخّر الكتابة عنها قد يَنسى، أو لا يجد الهمة لمناقشة ما تجمّع في ذهنه من ملحوظات.





هل لحجم البحث اعتبار؟


ليس بالضرورة، فرُبَّ بحث في (15) صفحة قدّمَ إِضافة علمية نافعة، ورُبَّ بحث في (50) صفحة كان مُعاداً مكروراً...





توجيهات عامة:


• لا تُحرجِ الجهة التي تتعامل معها بمحاولة معرفة اسم صاحب البحث، وليَكن نظرُك للبحث خالصاً، والاسمُ قد يَحجب الحقيقة، ورُبَّ أسماء كبيرة تعجلتْ أو اعتمدتْ على شهرتها.





• كن دقيقاً في التعامل من حيث الحفاظ على الوقت المحدّد، لأنَّ هذا يعني أنك مقوِّم يمكن الاعتماد عليه والتعامل معه، ويضفي عليك الثقة، وإذا اختصرتَ المدة - مع الإتقان - كان أفضل.





• إذا تمكنتَ من طباعة تقريرك فهو أفضل لعدة أمور: فالطباعة تسهِّل قراءة تقريرك، وإذا اطلع صاحبُ البحث عليه فلن يهتدي إليك.





• الحفاظ على السرِّية مهمٌّ جداً في أثناء التقويم.





• الأصل في التحكيم أن يُعرضَ على باحثٍ أعلى درجة، ولكنا قد نتجاوز هذا، وفي علوم الحديث هناك رواية الأكابر عن الأصاغر، ونجد في تاريخنا مَنْ كان يعتمد على تلاميذه في تحرير مؤلفاته كابن حجر وغيره.





• قراءة نقد المؤلِّفين مثل " فوات المؤلفين " للدكتور علي جواد الطاهر.





• أمّا إذا كان البحث تحقيقَ مخطوط فإنَّ الكلام على ذلك يأخذُ منحىً آخر.





• لابد من الاطلاع على منهج التحقيق العلمي من خلال قراءة بعض الكتب النافعة في هذا المجال مثل: "تحقيق النصوص ونشرها" لعبد السلام هارون، و"تحقيق المخطوطات الشرعية" للدكتور محيي هلال السرحان.





• قراءة كتبٍ اعتنتْ بنقد النصوص المحققة، مثل كتابات الأستاذ الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، وغيرها، كـ "فوات المحققين" للدكتور علي جواد الطاهر، ومتابعة مجلة "عالم الكتب"، ومجلة "العرب" اللتين تصدران في الرياض، و"المورد" التي تصدر في بغداد، و"معهد المخطوطات العربية" التي تصدر في القاهرة، ومجلات مجامع اللغة العربية، والمجامع الفقهية.





المقوِّم يجبُ أن يتحلى بـ:



1- الاطلاع الواسع.


2- متابعة الحركة العلمية.


3- الإنصاف.


4- التأني والتثبت.


5- حفظ السر.





• عدم الوقوف عند أمور شكلية مثل إلزام الباحث بصيغة معينة للديباجة.


والله من وراء القصد.