مقدمة التفسير - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 171 - عددالزوار : 59782 )           »          شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 162 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 112 - عددالزوار : 28264 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 64 - عددالزوار : 797 )           »          طرق تساعد على تنمية ذكاء الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          السلفيون ومراعاة المصالح والمفاسد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 25 - عددالزوار : 687 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 100 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 64 - عددالزوار : 16036 )           »          افتراءات وشبهات حول دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 5 - عددالزوار : 66 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21-02-2021, 05:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,445
الدولة : Egypt
افتراضي مقدمة التفسير

مقدمة التفسير




فضيلة الإمام الأكبر الشيخ


محمود شلتوت[1]



عنى المسلمون منذ فجر الإسلام، وانبثاق نور الهداية الإلهية على ربوع العالم بالقرآن الكريم مصدر تلك الهداية، ومنبع ذلك الإشراق، عناية كبرى شملت جميع نواحيه، وأحاطت بكل ما يتصل به وكان لها آثارها المباركة الطيبة في حياة الإنسان عامة والمسلمين خاصة، فأفاد منها العلم، وأفاد منها العقل، وأفاد منها الدين، وأفاد منها الفن، وأفاد منها القانون والتشريع، وأفادت منها الفلسفة والأخلاق، وأفادت منها السياسة والحكم، وأفاد منها الاقتصاد والمال، وأفاد منها كل مظهر من مظاهر النشاط الفكري والعملي عرفه الناس في حياتهم المادية والروحية.
ولقد زخرت المكتبة الإسلامية من آثار هذا النشاط العظيم، بل زخرت مكتبات أخرى في لغات أخرى، وأمم أخري، بكنوز رائعة يقف العقل أمامها حائرًا مشدوها، يخالجه مزيج من الإعجاب والمهابة، ويملكه معنى عميق من معاني الخضوع، أمام هذه العظمة التي لا كفاء لها إلا الإقرار بالعجز والخضوع.
ولكي ندرك مدى هذه العناية الكبرى التي تلقي بها المسلمون القرآن في جميع عصورهم ومراحل حياتهم، وعلى أيدي علمائهم وملوكهم ووزرائهم وأمرائهم وأغنيائهم وأرباب الفن فيهم، وأهل الإحسان في كل ناحية من نواحي الإحسان – لكي ندرس مدى هذه العناية الكبرى، علينا أن نلتفت إلى ما سجله التاريخ الفكري للمسلمين.
لا نكاد نعرف علمًا من العلوم التي اشتغل بها المسلمون في تاريخهم الطويل إلا كان الباعث عليه هو خدمة القرآن، الكريم من ناحية ذلك العلم، فالنحو الذي يقوم اللسان ويعصمه من الخطأ، أريد به خدمة النطق الصحيح للقرآن. وعلوم البلاغة التي تبرز خصائص اللغة العربية وجمالها، أريد بها بيان نواحي الإعجاز في القرآن. والكشف عن أسراره الأدبية، وتتبع مفردات اللغة، والتماس شورادها وشواهدها وضبط ألفاظها، وتحديد معانيها، أريد بها صيانة ألفاظ القرآن ومعانيه أن تعدو عليها عوامل التحريف أو الغموض. والتجويد والقراءات لضبط أداء القرآن وحفظ لهجاته. والتفسير لبيان معانيه، والكشف عن مراميه. والفقه لاستنباط أحكامه. والأصول بيان قواعد تشريعه العام وطريقة الاستنباط منه. وعلم الكلام لبيان ما جاء به من العقائد، وأسلوبه في الاستدلال عليها. وقل مثل هذا في التاريخ الذي يشتغل به المسلمون تحقيقًا لما أوحي به الكتاب الكريم في مثل قوله: { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ}.. {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ}.. {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ}. وقل مثل هذا أيضًا في علم تقويم البلدان وتخطيط الأقاليم، الذي يوحي به مثل قوله تعالي: {سِيرُوا فِي الْأَرْضِ}.. {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا }.. "وفي علوم الكائنات التي يوحي بها مثل قوله: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
وهكذا علوم الفلك والنجوم والطب وعلوم الحيوان والنبات وغير ذلك من علوم الإنسان. لا يخلو علم منها أن يكون الاشتغال به في نظر من اشتغل به من المسلمين مقصودًا به خدمة القرآن أو تحقيق إيحاء أوحي به القرآن.. حتى الشعر إنما اشتغلوا به ترقية لأذواقهم، وتربية لملكاتهم وأعدادًا لها كي تفهم القرآن وتدرك جمال القرآن، وحتى العروض كان من أسباب عنايتهم به أنه وسيلة لمعرفة بطلان قول المشركين، أن محمدًا شاعر، وأن ما جاء به شعر.
وتبعًا لهذه الأنحاء المختلفة في نظر المسلمين إلى القرآن واشتغالهم به، ترى التفاسير ذات ألوان متنوعة، فمنها ما يغلب عليه تطبيق قواعد النحو وبيان إعراب الكلمات وبنائها، ومنها ما يغلب عليه بيان نواحي البلاغة والإعجاز، ومنها ما يهتم بالفقه والتشريع، وبيان أصول الأحكام، وهكذا ..
ولعل مما يدلنا أيضًا على مدى هذه العناية أن الذين فاتتهم القدرة على معالجة القرآن من هذه النواحي العلمية، لم يفتهم أن يضربوا بسهم في نواح أخرى، جعلوها مظهرًا من مظاهر عنايتهم، وسبيلا إلى نيل حظهم من رضا الله وثوابه، فهذا يكتب القرآن بخط جميل، وهذا يزخرف صفحاته وأوائل سوره، وهذا يرقم آياته، وهذا يطرز سجله وغلافه، وهذا يرصد الأموال لتحفيظه، والمكافأة على التبريز فيه، وما زالت المساجد إلى يومنا هذا محتفظة بمظهر من هذه المظاهر هي تلك المقارئ التي يجتمع فيها القراء يتبادلون فيها قراءته وتجويده والاستماع إليه.
لهذا كله أعتقد أني لا أتجاوز حد القصد والاعتدال إذا قلت: إنه لم يظفر كتاب من الكتب سماويًا كان أو أرضيًا، في أية أمة من الأمم قديمها وحديثها بمثل ما ظفر به القرآن على أيدي المسلمين، ومن شارك في علوم المسلمين، ولعل هذا يفسر لنا جانبًا من الرعاية الإلهية لهذا الكتاب الكريم الذي تكفل الله بحفظه وتخليده في قوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} فما كان الحفظ والتخليد بمجرد بقاء ألفاظه وكلماته مكتوبة في المصاحب مقروءة بالألسنة، متعبدًا بها في المساجد والمحاريب، وإنما الحفظ والخلود بهذه العظمة التي شغلت الناس وملأت الدنيا، وكانت مثارًا لأكبر حركة فكرية اجتماعية عرفها البشر. ومن فضل الله علينا في هذا العصر، أن الركب سائر لم يقف، ولم يفتر، وأن هذا الروح الكريم ما يزال يسيطر على المسلمين، وينتقل فيهم من جيل إلى جيل يورثه الآباء للأبناء، وسيظل كذلك – إن شاء الله – حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين.
وهؤلاء هم المسلمون، على تفرقهم في البلاد والأقاليم، وتفرقهم في السلطان والنفوذ، وضعفهم  أمام دول الغرب، وبالرغم مما غمروا به وغزوا من علوم متنوعة، وثقافات متعددة ذات ألوان مادية، وأدبية، واجتماعية، وتشريعية، لا يزالون يعتصمون بالقرآن، ويدينون بقدسية القرآن، ويتآزرون على خدمة القرآن، وأنهم ليستشرفون جميعًا لمطلع ذلك اليوم الذي يعود فيه سلطان القرآن فيكون التشريع تشريع القرآن، والأخلاق أخلاق القرآن، والهدي هدي القرآن، ونرجو أن يكون قريبًا.
وإذا كان المسلمون قد تلقوا كتاب الله بهذه العناية، واشتغلوا به على هذا النحو الذي أفادت منه العلوم والفنون، فإن هناك – مع الأسف الشديد – ناحيتين كان من الخير أن يظل القرآن بعيدًا عنهما، احتفاظًا بقدسيته وجلاله، هاتان الناحيتان هما: ناحية استخدام آيات القرآن لتأييد الفرق والخلافات المذهبية، وناحية استنباط العلوم الكونية، والمعارف النظرية الحديثة منه، وأحب أن أثبت على صفحات هذه المجلة (يقصد مجلة "رسالة الإسلام" التي تصدر عن جماعة التقريب، والتي نشر بها تفسيره الذي طبع مستقلاً فيما بعد) وبين يدي ما سأكتبه لها من التفسير، رأيي في هاتين الناحيتين واضحًا، فأقول:
أما الناحية الأولى: فإنه لما حدثت بدعة الفرق، والتطاحن المذهبي، والتشاحن الطائفي، وأخذ أرباب المذهب، وحاملو رايات الفرق المختلفة يتنافسون في العصبيات المذهبية والسياسية، امتدت أيديهم إلى القرآن، فأخذوا يوجهون العقول في فهمه وجهات تتفق وما يريدون،
وبذلك تعددت وجهات النظر في القرآن، واختلفت مسالك الناس في فهمه وتفسيره وظهرت في أثناء ذلك ظاهرة خطيرة، هي تفسير القرآن بالروايات الغريبة، والإسرائيليات الموضوعة التي تلقفها الرواة من أهل الكتاب، وجعلوها بيانًا لمجمل القرآن وتفصيلاً لآياته، ومنهم من عني بتنزيل القرآن على مذهبه أو عقيدته الخاصة، وبذلك وجدت تحكمات الفقهاء والمتكلمين وغلاة المتصوفة وغيرهم ممن يروجون لمذاهبهم، ويستبيحون في سبيل تأييدها والدعاية لها أن يقتحموا حمى القرآن، فأصبحنا نرى من يؤول الآيات لتوافق مذهب فلان، ومن يخرجها عن بيانها الواضح، وغرضها المسوقة له، لكيلا تصلح دليلاً لمذهب فلان، وبهذا أصبح القرآن تابعًا بعد أن كان متبوعًا، ومحكومًا عليه بعد أن كان حاكمًا.
كانت هذه ثورة- ثورة غير منظمة، عقدت حول القرآن غبارًا كثيفًا حجب عن العقول ما فيه من نور الإرشاد والهداية، وكان من سوء الحظ أن صادفت هذه الثورة عهد التدوين، فحفظت ودونت بعض الآراء الباطلة في بطون الكتب وأخذت بحكم الأقدمية ومرور الزمن نوعًا من القداسة التي يخضع لها الناس، فتلقاها المسلمون في عصور الضعف الفكري، والانحلال السياسي كقضايا مسلمة، وعقائد موروثة لا يسوغ لهم التحلل منها، ولا الاعتداء عليها، ولا التشكيك فيها.
قيد هذا التراث العقول والأفكار بقيود جنت على الفكر الإسلامي فيما يختص بفهم القرآن، والانتفاع بهداية القرآن، فجمد الناس علي تقليد هذه الكتب واتخذوها حكمًا بينهم، واعتقدوا كل ما فيها من غير تمييز بين حق وباطل، ونافع وضار، واعتقدوا أنه لا يصح لمؤمن أن ينكر شيئًا منها، وقالوا: هذا شيء  عليه السابقون المتقدمون ودونوه في كتبهم، وشرحوا به كتاب الله، وتلقته الأمة بالقبول، وما كان لنا، ولسنا بأعلم منهم بالدين، ولا بأبعد نظرًا في فهم أساليب القرآن وتخريج الأحكام، أن نحيد عما تلقيناه منهم قيد شعره، ولا أن نخالفه في قليل ولا كثير، وبذلك أسلموا عقولهم إلى غيرهم، وجنوا على أنفسهم بحرمانها لذة التفكير، وجنوا على دينهم باعتقاد أن هذه الأوهام من الدين، وقعدوا عن النظر في القرآن، وامتلأت أذهانهم بألوان من الأوهام الفاسدة عن التشريع والعقيدة، وما يحل وما يحرم، وصار كثير من المسلمين يعتقد أن الحلال ما أحله فلان في كتاب كذا، وأن الحرام ما حرمه في كتاب كذا، بل وصل الأمر ببعض أهل العلم إلى أن يقول: أن هذا الشيء ثابت في القرآن، لأن فلانًا وفلانًا حملوا عليه بعض آيات الكتاب الحكيم.
وأما الناحية الثانية: فإن طائفة أخرى هي طائفة المثقفين الذين أخذوا بطرف من العلم الحديث أو تلقفوا شيئًا من النظريات العلمية والفلسفية والصحية وغيرها، أخذوا يستندون إلى ثقافتهم الحديثة، ويفسرون آيات القرآن على مقتضاها.
نظروا في القرآن فوجدوا الله سبحانه وتعالى يقول: (ما قرطنا في الكتاب من شيء) فتأولوها على نحو زين لهم أن يفتحوا في القرآن فتحًا جديدًا، ففسروه على أساس من النظريات العلمية المستحدثة، وطبقوا آياته على ما وقعوا عليه من نظريات العلوم الكونية، وظنوا أنهم بذلك يخدمون القرآن، ويرفعون من شأن الإسلام، ويدعون له أبلغ دعاية في الأوساط العلمية والثقافية.
نظروا في القرآن على هذا الأساس فأفسد ذلك عليهم أمر علاقتهم بالقرآن، وأفضي بهم إلى صور من التفكير لا يريدها القرآن، ولا تتفق مع الغرض الذي من أجله أنزله الله، فإذا مرت بهم آية فيها ذكر للمطر، أو وصف للسحاب، أو حديث عن الرعد أو البرق، تهللوا واستبشروا وقالوا: هذا هو القرآن يتحدث إلى العلماء الكونيين، ويصف لهم أحدث النظريات العلمية عن المطر والسحاب، وكيف ينشأ وكيف تسوقه الرياح ؟ وإذا رأوا القرآن يذكر الجبال أو يتحدث عن النبات والحيوان وما خلق الله من شيء، قالوا: هذا حديث القرآن عن الطبيعة وأسرار الطبيعة. وإذا رواه يتحدث عن الشمس والقمر والكواكب والنجوم، قالوا: هذا حديث يثبت لعلماء الهيئة والفلكيين أن القرآن كتاب علمي دقيق!
ومن عجيب ما رأينا من هذا النوع أن يفسر بعض الناظرين في القرآن قوله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ، يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} بما ظهر في هذا العصر من الغازات السامة، والغازات الخانقة التي أنتجها العقل البشري فيما أنتج من وسائل التخريب والتدمير. يفسرون الآية بهذا ويغفلون عن قوله تعالي بعدها: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ، أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ، ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ}.
روى أن رجلا جاء إلى ابن مسعود وقال له: تركت في المسجد رجلاً يفسر القرآن برأيه، يفسر قوله تعالي: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} بأن الناس يوم القيامة يأتيهم دخان فيأخذ بأنفاسهم حتى يأخذهم كهيئة الزكام، فقال ابن مسعود: "من علم علمًا فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، إنما كان هذا لأن قريشًا استعصوا على النبي صلى الله عليه وسلم فدعا عليهم بسنين كسني يوسف فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيري بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد.
وأغرب من هذا وأعجب أن يفسر بعض هؤلاء المفسرين المحدثين شأنًا غيبيًا من شئون الله الخاصة لم ينزل بتفصيله وحى، ولم يطلع الله على حقيقته أحدًا من خلقه ببعض الظواهر الحاضرة التي اكتشفها العلم واهتدي إليها بنو الإنسان، يفسر: "الكتاب المبين" الذي تحصي في الحسنات والسيئات ويعرض على أصحابها يوم القيامة، بالتسجيل الهوائي للأصوات، ويقول: أظهر العلم ذلك بالمخترعات البشرية، واستخدمه فيما يختص بحفظ الحركات والسكنات والخواطر النفسية، والله القادر خلق الكون على هذه السنن لغاية أسمى من ذلك، هي محاسبة الناس يوم القيامة، وعرض أعمالهم عليهم كشريط مسجل يضم جميع حركات الناس وسكناتهم وخواطرهم وأقوالهم، وما قدموا من عمل.
يقولون هذا ويفسرون به قوله تعالي: {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} وقوله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا} ويهجمون على الغيب بما لم يأذن به الله، ويجدون من العلماء من يؤيدهم ويشجعهم ويزكيهم ويتمني أن يكثر الله من أمثالهم!
أن هؤلاء في عصرنا الحديث لمن بقايا قوم سالفين فكروا مثل هذا التفكير ولكن على حسب ما كانت توحي به إليهم أحوال زمانهم، فحاولوا أن يخضعوا القرآن لما كان عندهم من نظريات علمية أو فلسفية.
ولسنا نستبعد إذا راجت عند الناس في يوم ما نظرية داروين مثلا. أن يأتي إلينا مفسر من هؤلاء المفسرين المحدثين فيقول: إن نظرية داروين قد قال بها القرآن منذ مئات السنين.
هذه النظرة للقرآن خاطئة من غير شك. لأن الله لم ينزل القرآن ليكون كتابًا يتحدث فيه إلى الناس عن نظريات العلوم ودقائق الفنون وأنواع المعارف، وهي خاطئة من غير شك لأنها تحمل أصحابها والمغرمين بها على تأويل القرآن تأويلاً متكلفًا يتنافى مع الإعجاز ولا يسيغه الذوق السليم. وهي خاطئة لأنها تعرض القرآن للدوران مع مسائل العلوم في كل زمان ومكان، والعلوم لا تعرف الثبات ولا القرار ولا الرأي الأخير، فقد يصح اليوم في نظر العلم ما يصبح غدا خرافة من الخرافات.
فلو طبقنا القرآن على هذه المسائل العلمية المتقلبة، لعرضناه للتقلب معها، وتحمل تبعات الخطأ فيها، ولأوقفنا أنفسنا بذلك موقفًا حرجًا في الدفاع عنه.
فندع للقرآن عظمته وجلالته، ولنحفظ عليه قدسيته ومهابته، ولنعلم أن ما تضمنه من الإشارة إلى أسرار الخلق، وظواهر الطبيعة إنما هو لقصد الحث على التأمل والبحث والنظر، ليزداد الناس إيمانًا مع إيمانهم.

وحسبنا أن القرآن لم يصادم ولن يصادم حقيقة من حقائق العلوم تطمئن إليها العقول، قيل: يا رسول الله، ما بال الهلال يبدو دقيقاً مثل الخيط ثم يزيد حتى يعظم ويستوي ويستدير، ثم لا يزال ينقص ويدق حتى يعود كما كان، لا يكون على حالة واحدة. فنزل قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.

وإنك لتجد هذا في سؤالهم عن الروح يقول عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} أليس في هذا دلالة واضحة على أن القرآن ليس كتابًا يريد الله به شرح حقائق الكون، وإنما هو كتاب هداية وإصلاح وتشريع.


[1] شيخ الجامع الأزهر الأسبق، وصاحب تفسير القرآن الكريم.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 64.58 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 62.71 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.91%)]