بين المتقدِّمين والمتأخِّرين كَم تركَ الأوَّلُ للآخِر! - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4417 - عددالزوار : 853424 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3948 - عددالزوار : 388579 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12522 - عددالزوار : 214015 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-12-2019, 04:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي بين المتقدِّمين والمتأخِّرين كَم تركَ الأوَّلُ للآخِر!

بين المتقدِّمين والمتأخِّرين


كَم تركَ الأوَّلُ للآخِر!


بشار بكور




ما تزال كتبُ ومؤلفات علمائنا السابقين رحمهم الله تعالى ذاتَ مِيسمٍ خاصٍ، وطابعٍ متميز، لا يجده الواقفُ على كتب العلماء المعاصرين. ولا يُنْكَرُ- وليس ينبغي- أن ما انطوت عليه هذه الكتبُ التراثيةُ من علمٍ وافرٍ، وجهدٍ باهر، ونظرٍ دقيق، ومَلَكةٍ في الكتابة راسخة، وغوصٍ على حقائق العلم والمعرفة، هو الذي أمدَّ ولا يزال يُمِدُّ أصحابَ الكتب المعاصرة ببحرٍ من العلم زاخرٍ، لا يدرَك غَوْره، يَعُلُّون منه ويَنْهَلون. وإنَّك لتجد المؤلفَ المعاصر إذا أراد أن يزيِّن كلامَه ويجعل له ماءً ورونقاً وَلَّى وجهَه شطْرَ العلماء السابقين يتخيَّرُ من حلاوة لسانهم، وحُسْنِ بَيانِهم، فيُشيد بكلامِهم كلامَه، ويعضد ببيانهم بيانَه.





لكن هل تقدُّمُ العالم داعٍ إلى عدم جواز تخطئته أو إلى تقديم كلامه ورأيه دوماً؟ ما مزيَّةُ المتقدِّم على المتأخِّر؟ هل يا ترى يستطيع المتأخِّر أن يأتي بجديد الأفكار والآراء والتحليلات مما لم يقف عليه المتقدِّم؟ هل هناك مصطلحاتٌ متباينةُ الاستعمال بين المتقدِّمين والمتأخِّرين؟





تسعى هذه المقالة للإجابة عن هذه الأسئلة.


وقبل البدء يتساءل المرء- وحُقَّ له - ما هو: الحدُّ الفاصلُ بين المتقدِّمين والمتأخِّرين؟ يذكر الإمام الذهبيُّ رحمه الله (ت 748هـ) في مقدِّمة كتابه "ميزان الاعتدال" أن الحدَّ الفاصل بين المتقدّم والمتأخّر هو رأسُ سنة ثلاثمئة.[1] وهذا الحدُّ طبعاً ليس على إطلاقه، فهو ليس الحدَّ المقصود دائماً وأبداً عند الحديث عن المتقدِّمين والمتأخِّرين؛ إذ ربما يقصد بعضُ أهل العلمِ بـ"المتقدِّمين" أهلَ القرنِ الأول وهو نفسه من القرن الثاني، كما سيمرُّ بنا.






أَحَدُ رَجُلَينِ


يقول العلامة الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور: "ولقد رأيتُ النَّاسَ حول كلام الأقدمين أحدَ رجلين: رجلٍ مُعْتَكفٍ فيما شادَه الأقدمون، وآخرَ آخذٍ بمِعْوَله في هدم ما مضت عليه القرون. وفي كلتا الحالتين ضرر كثير. وهنالك حالة أخرى ينجبر بها الجناحُ الكَسيرُ، وهي أن نعمد إلى ما أشادَه الأقدمون فنهذِّبَه ونزيده، وحاشا أن نَنْقُضَه أو نُبيدَه، عِلْماً بأن غَمْضَ فَضْلِهم كُفرانٌ للنعمة، وجَحْدَ مزايا سلفِها ليس من حميد خصال الأمة، فالحمد لله الذي صدَّق الأمل، ويسَّرَ إلى هذا الخير ودَلّ."[2].





للقِدَمِ هيبةٌ لا تُنْكَر


يقول الجرجانيُّ (ت 392هـ) في كتابه "الوسَاطةُ بين المتنبي وخصومه": " ودونك هذه الدواوينَ الجاهليةَ والإسلامية فانظرْ هل تجد فيها قصيدةً تسْلَم من بيتٍ أو أكثرَ لا يمكن لعائبٍ القدْحُ فيه؛ إما في لفظِه ونظمِه، أو ترتيبِه وتقسيمِه، أو معناه، أو إعرابه؟ ولولا أن أهلَ الجاهلية جُدُّوا[1] بالتقدُّم، واعتقد الناس فيهم أنهم القدوةُ، والأعلام والحجة، لوجدتَ كثيراً من أشعارهم معيبةً مُسْتَرذَلةً، ومردودة منفية، لكن هذا الظنَّ الجميلَ والاعتقادَ الحسن ستَرَ عليهم، ونفى الظِّنةَ عنهم، فذهبتْ الخواطرُ في الذبّ عنهم كلَّ مذهبٍ، وقامتْ في الاحتجاج لهم كلَّ مقامٍ "[3].





تَفْضِيلُ المتقدِّمين


يقول الإمام مُجاهِد بن جَبْرٍ المكِّيُّ (ت 104هـ): "ذهب العلماءُ، فلم يبقَ إلا المتعلِّمون، وما المجتهدُ فيكم إلا كاللاعبِ فيمن كان قبلَكُم" [4].





وقيل لأيوب السَّخْتياني (ت 131هـ): "العلم اليومَ أكثرُ أم أقلُّ؟ قال: الكلام اليومَ أكثرُ، والعلم كان قبل اليومِ أكثرَ."[5].





ويقول القارئ اللغويُّ أبو عمرو بنُ العلاء (ت 154هـ): "إنما نحن بالإضافة إلى مَنْ كان قبلَنا كبقْلٍ في أصول رَقْلٍ."[6].





كَم تركَ الأوَّلُ للآخِر!


يقول المبرِّدُ (ت285هـ) في "الكامل": "ليس لقِدَم العَهْدِ يُفَضَّلُ الفائِلُ[7]، ولا لحِدْثانِه يُهتَضَمُ المُصيبُ، ولكنْ يعطَى كُلٌّ ما يستحقُّ.[8]"



قال الجاحظ: (ت 255هـ) "إذا سمعتَ الرجلَ يقول: ما ترك الأوَّلُ للآخِر شيئاً، فاعلمْ أنه لا يريدُ أن يُفلِح.[9]".






يقول ابن مالك (ت672هـ) في مقدّمة كتابه "تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد": " وإذا كانت العلومُ مِنَحاً إلهية، ومواهبَ اختصاصيةً فغيرُ مستبعَدٍ أن يُدَّخَر لبعض المتأخِّرين ما عسُرَ على كثيرٍ من المتقدِّمين، أعاذنا الله من حسدٍ يسدُّ بابَ الإنصاف ويصدُّ عن جميل الأوصاف[10]" يعلق المرتضى الزَّبيديُّ (ت 1205هـ) على كلام ابن مالك قائلاً: "والمعنى أن تَقدُّم الزمان وتأخُّرَه ليست له فضيلةٌ في نفسه؛ لأن الأزمانَ كلَّها متساويةٌ، وإنما المعتَبر الرجالُ الموجودون في تلك الأزمان، فالمصيبُ في رأيه ونقلِه ونقدِه لا يضرُّه تأخُّرُ زمانِه الذي أظهره اللهُ فيه، والمخطئ الفاسدُ الرأيِ الفاسدُ الفهمِ لا ينفعه تقدُّم زمانِه، وإنما المُعاصرة كما قيل: حِجابٌ والتقليد المَحْضُ وبالٌ على صاحبه وعذاب. أنشدنا شيخنا الأديب عبد الله بن سلامة المؤذن:




قُلْ لمَن لا يرى المُعاصِرَ شيئاً

ويرى للأوائل التَّقْديما




إنَّ ذاك القديمَ كانَ حديثاً

وسَيُسمَّى هذا الحديثُ قَديما[11]










وقريبٌ من كلام ابن مالك ما قاله حاجي خليفة (ت1067هـ) في مقدِّمة "كشف الظنون:" " واعلم أن نتائجَ الأفكار لا تقف عند حدٍّ، وتصرُّفاتِ الأنظار لا تنتهي إلى غاية، بل لكل عالم ومتعلم منها حظٌّ يُحْرزه في وقته المقدَّر له، وليس لأحدٍ أن يزاحمه فيه؛ لأن العالَم المعنوي واسعٌ كالبحر الزاخر، والفيضَ الإلهي ليس له انقطاعٌ ولا آخر، والعلومُ منحٌ إلهية ومواهبُ صَمَدانية، فغير مستبعد أن يُدَّخَر لبعض المتأخِّرين ما لم يدَّخر لكثير من المتقدِّمين فلا تغترَّ بقول القائل: "ما ترك الأول للآخر"، بل القول الصحيح الظاهر: "كم ترك الأول للآخر" فإنما يُستجَاد الشيء ويُسترذَل لجَوْدته ورداءته لا لقِدَمه وحدوثه. ويقال: ليس بكلمةٍ أضرَّ بالعلم من قولهم: "ما ترك الأول شيئاً" لأنه يقطع الآمال عن العلم، ويحمل على التقاعد عن التعلم، فيقتصر الآخر على ما قدَّم الأولُ من الظواهر وهو خطر عظيم وقول سقيم، فالأوائل وإن فازوا باستخراج الأصول وتمهيدها فالأواخر فازوا بتفريع الأصول وتشييدها، كما قال عليه الصلاة والسلام: "أمتي أمة مباركة لا يُدْرَى أوَّلها خير أو آخرها""[12].





يقول أبو العلاء المعري:




وإني وإنْ كُنْتُ الأخيرَ زَمانُهُ

لآتٍ بما لم تَسْتَطِعْه الأوائلُ [13]













مَزيَّةُ المتقدِّمين


يتحدث الشاطبيُّ (ت790هـ) رحمه الله عن أنَّ أخْذَ العلم من أهله له طريقان: المشافهة، ومطالعة كتب المصنِّفين. ويشترط لتحقيق النفع بالطريق الثاني شرطين: الأول: أن يحصلَ لطالب العلم من فهمِ مقاصد ذلكِ العلمِ المطلوب، ومعرفة اصطلاحات أهله. والشرط الثاني:" أن يتحرَّى كتُبَ المتقدِّمين من أهل العلم المراد فإنهم أقعَدُ به من غيرهم من المتأخِّرين، وأصل ذلك التجربة والخبر؛ أما التجربة فهو أمرٌ مشاهَد في أي علم كان؛ فالمتأخِّر لا يبلغ من الرسوخ في علم ما بلغه المتقدِّم، وحسبك من ذلك أهل كل علمٍ عمليٍّ أو نظريٍّ، فأعمال المتقدِّمين- في إصلاح دنياهم ودينهم- على خلاف أعمال المتأخِّرين وعلومهم في التحقيق أقْعَدُ، فتَحَقُّقُ الصحابة بعلوم الشريعة ليس كتحقُّق التابعين، والتابعون ليسوا كتابعيهم وهكذا إلى الآن. ومَن طالع سيرَهم وأقوالهم وحكاياتهم أبصَرَ العجب في هذا المعنى. وأما الخبر ففي الحديث: "خيرُ القرون قرني ثم الذين يلُوْنهم ثم الذين يلونهم." وفي هذا إشارة إلى أن كلَّ قرنٍ مع ما بعده كذلك."[14].





مَزيّة المتأخِّرين


يقول العلامة ابن عابدين (ت 1252هـ) رحمه الله في حاشيته "ردُّ المُحتارِ على الدُّرِّ المختار": " وأنت ترى كُتُبَ المتأخِّرين تفوق على كتب المتقدِّمين في الضبط والاختصار، وجَزالةِ الألفاظ، وجمع المسائل؛ لأن المتقدِّمين كان مصرِفُ أذهانهم إلى استنباطِ المسائل وتقويم الدلائل. فالعالم المتأخِّر يصرِف ذهنَه إلى تنقيح ما قالوه، وتبْيينِ ما أجْملوه، وتقْييدِ ما أطْلقوه، وجَمْع ما فرَّقوه، واختصارِ عباراتهم، وبيانِ ما استقرَّ عليه الأمرُ من اختلافاتهم، فهو كماشطة عروسٍ- ربَّاها أهلُها حتى صلحت للزواج - تزيِّنُها وتعرضها على الأزواج، وعلى كلٍّ فالفضل للأوائل، كما قال القائل:




كالبَحْرِ يَسْقيهِ السَّحابُ وما له

فَضْلٌ عليهِ لأنَّه مِن مائهِ [15]










اصطلاحاتٌ مختلفةُ الاستعمال بين المتقدِّمين والمتأخِّرين


يطلق المتقدِّمون عبارةَ (حديث مُنكَر) على مجرّدِ ما تفرّد به الراوي وإن كان من الثقات، فيكون حديثه صحيحاً غريباً. أما المتأخِّرون فيطلقونه على رواية راوٍ ضعيفٍ خالفَ الثقات.[16] جاء في " قواعد في علوم الحديث" للمحدث ظفَر بن أحمد التَّهانوي: "قال الحافظ [أي ابن حجر] في مقدمة "الفتح" في ترجمة محمد بن إبراهيم التيمي بعد ذكر قول أحمد بن حنبل فيه: «يروي أحاديث مناكير»: قلت: المنكرُ أطلقه أحمدُ بن حنبل وجماعةٌ على الحديث الفردِ الذي لا متابِعَ له فيُحمَل هذا على ذلك، وقد احتجَّ به الجماعةُ. ا.هـ. وقال في موضع منه: أحمد وغيره يطلقون المناكيرَ على الأفراد المطْلَقة."[17].





وقال السيوطي (ت 911هـ) في "تدريب الراوي":"وقع في عبارتهم: «أنكر ما رواه فلان كذا» وإن لم يكن ذلك الحديث ضعيفاً، وقال ابن عدي: أنكر ما روى بريد بن عبد الله بن أبي بردة::إذا أراد الله بأمة خيراً قبض نبيها قبلَها" قال: وهذا طريق حسن، رواته ثقات، وقد أدخله قوم في صحاحهم. انتهى. والحديث في صحيح مسلم، وقال الذهبي: أنكر ما للوليد بن مسلم من الأحاديثِ حديثُ حَفْظِ القرآن، وهو عند الترمذي، وحسنه وصححه الحاكم على شرط الشيخين. "[18].





يقصد المتقدِّمون بلفظ "الشيخ" أنه ليس من أعلام أهل العلم، وإنما هو شيخٌ وقعت له روايات أُخِذت عنه.[19] نجد مثالاً عليه ما جاء في كتاب "نصب الراية" للزيلعي: "حديث آخر أخرجه الترمذي عن طالب بن حجير عن هود بن عبد اللّه بن سعد عن جدّه مزيدة العصري، قال: دخل رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح، وعلى سيفه ذهب وفضة، انتهى. وقال: حديث حسن غريب. قال ابن القطان في كتابه: وإنما حسّنه الترمذي، لأنه لا يقبل المسانيدَ على عادته في ذلك، وهو عندي ضعيف لا حسن، فإن هود بن عبد اللّه بن سعيد بصري، لا مزيد فيه على ما في الإسناد من رواية عن جده، ورواية طالب بن حجير عنه، فهو مجهول الحال، وطالب بن حجير أبو حجير كذلك، وإن كان قد روى عنه أكثرُ من واحد، وسئل عنه الرازيَّان. فقالا: شيخ، يعنيان بذلك أنه ليس من أهل العلم، وإنما هو صاحب رواية، انتهى كلامه ملخصاً "[20].





"الحديث الضعيف" في اصطلاح المتقدِّمين هو الحديث الذي ضعُف ونزل عن درجة الصحيح، فهو ربما يشمل الحسنَ. لأن الخبرَ عند المتقدِّمين صحيح وضعيف. أما الحديث الضعيف بالاصطلاح المشهور فهو ما تعارف عليه المتأخِّرون.[21].





و يذكر ابن تيمية (ت 728هـ) رحمه الله أن التِّرْمِذِي أَوَّلُ مَنْ قَسَّمَ الْأَحَادِيثَ إلَى صَحِيحٍ وَحَسَنٍ وَغَرِيبٍ وَضَعِيفٍ، وَلَمْ يُعْرَفْ قَبْلَهُ هَذَا التَّقْسِيمُ عَنْ أَحَدٍ لَكِنْ كَانُوا يُقَسِّمُونَ الْأَحَادِيثَ إلَى صَحِيحٍ وَضَعِيفٍ، كَمَا يُقَسِّمُونَ الرِّجَالَ إلَى ضَعِيفٍ وَغَيْرِ ضَعِيفٍ. وَالضَّعِيفُ عِنْدَهُمْ نَوْعَانِ: ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَهُوَ الضَّعِيفُ فِي اصْطِلَاحِ التِّرْمِذِيِّ. وَالثَّانِي ضَعِيفٌ يُحْتَجُّ بِهِ، وَهُوَ الْحَسَنُ فِي اصْطِلَاحِ التِّرْمِذِيِّ، وَلِهَذَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ؛ كَحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَإِبْرَاهِيمَ الْهِجْرِيِّ وَغَيْرِهِمَا؛ فَإِنَّ ذَلِكَ الَّذِي سَمَّاهُ أُولَئِكَ ضَعِيفًا هُوَ أَرْفَعُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْحَسَنِ؛ بَلْ هُوَ مِمَّا يَجْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ صَحِيحًا وَالتِّرْمِذِي قَدْ فَسَّرَ مُرَادَهُ بِالْحَسَنِ أَنَّهُ: مَا تَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا مُتَّهَمٌ؛ وَلَمْ يَكُنْ شَاذًّا.[22].





وجاء في "إعلام الموقعين" لابن القيِّم (ت 751هـ) رحمه الله: "الأصل الرابع: الأخذ بالمرسَل والحديث الضعيف إذا لم يكن في الباب شيءٌ يدفعه وهو الذي رجَّحه على القياس؛ وليس المرادُ بالضعيف عنده الباطلَ ولا المنكرَ ولا ما في روايته متَّهمٌ بحيث لا يسوغ الذهابُ إليه فالعمل به بل الحديثُ الضعيف عنده قسيمُ الصحيح، وقسْمٌ من أقسام الحسن. ولم يكن يقسم الحديثَ إلى صحيح وحسن وضعيف، بل إلى صحيح وضعيف، وللضعيف عنده مراتبُ فإذا لم يجد في الباب أثراً يدفعه ولا قولَ صاحب[23] ولا إجماعاً على خلافه كان العمل به عنده أَوْلى من القياس. وليس أحد من الأئمة إلا وهو موافقه على هذا الأصل من حيث الجملةُ فإنه ما منهم أحدٌ إلا وقد قدَّم الحديثَ الضعيف على القياس "[24].





وفي موضع آخر: "وأصحاب أبي حنيفة رحمه الله مُجمِعون على أن مذهب أبي حنيفة أن ضعيف الحديث عنده أولى من القياس والرأيِ، وعلى ذلك بنى مذهبَه كما قدَّمَ حديث القهقهة مع ضعفه على القياس والرأي، وقدّمَ حديث الوضوء بنبيذ التمر في السفر مع ضعفه على الرأي والقياس، ومنَعَ قطْعَ السارق بسرقة أقلَّ من عشرة دراهم، والحديث فيه ضعيف، وجعل أكثرَ الحيض عشرة أيام، والحديث فيه ضعيف، وشرط في إقامة الجمعةِ المِصْرَ، والحديث فيه كذلك، وترَك القياسَ المحضَ في مسائل الآبار لآثارٍ فيها غير مرفوعة. فتقديمُ الحديث الضعيفِ وآثارِ الصحابة على القياس والرأي قولُه وقول الإمام أحمدَ. وليس المراد بالحديث الضعيف في اصطلاح السلف هو الضعيفُ في اصطلاح المتأخِّرين بل ما يسميه المتأخِّرون حسناً قد يسميه المتقدِّمون ضعيفاً كما تقدّم بيانه."[25].





مدلولُ النَّسخِ عند المتقدِّمين أوسعُ منه عند المتأخِّرين. جاء في "إعلام الموقعين": "قال حذيفة: إنما يفتي الناسَ أحدُ ثلاثةٍ: مَن يعلم ما نُسِخَ من القرآن، أو أميرٌ لا يجد بُدَّاً، أو أحمقُ متكلف. قلت [أي: ابن القيم]: مراده ومراد عامة السلف بالناسخ والمنسوخ رفعُ الحكم بجملته تارةً وهو اصطلاح المتأخِّرين، ورفعُ دِلالة العامِّ والمطلق والظاهر وغيرها تارةً إما بتخصيصٍ أو تقييدٍ أو حملِ مُطْلَقٍ على مقيَّدٍ وتفسيرِه وتبيينه حتى إنهم ليُسمُّون الاستثناءَ والشرطَ والصفة نسخاً لتضمن ذلك رفعَ دلالة الظاهر وبيان المراد. فالنسخ عندهم وفي لسانهم هو بيانُ المراد بغير ذلك اللفظ بل بأمرٍ خارج عنه؛ ومن تأمَّل كلامَهم رأى من ذلك فيه ما لا يحصى، وزال عنه به إشكالاتٌ أوجبها حَمْل ُكلامِهم على الاصطلاح الحادث المتأخر."[26].
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13-12-2019, 04:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: بين المتقدِّمين والمتأخِّرين كَم تركَ الأوَّلُ للآخِر!







وقال ولي الله الدَّهْلويُّ (ت1176هـ): "إنهم كانوا يستعملون النسخَ بمعناه اللغوي المعروف الذي هو إزالة شيء، لا بمعنى مصطلح الأصوليين الخاص، فمعنى النسخ عندهم: إزالة بعض الأوصاف في آيةٍ بآية أخرى سواءٌ كان ذلك بياناً لانتهاء مدة العمل بآية من الآيات الكريمة، أو صرفَ الكلام عن المعنى المتبادر إلى غير المتبادر، أو بيانَ أن القيد اتفاقٌ وليس احترازياً أو تخصيصاً للعموم، أو بيانَ الفارق بين المنصوص والمقيس عليه ظاهراً، أو إزالةَ عادة من العادات الجاهلية، أو رفعَ شريعة من الشرائع السابقة "[27].





♦ مرادُ المتقدِّمين من "حدّثنا"و "أخبرنا"و "أنبأنا" واحدٌ، بخلاف المتأخِّرين. قال البخاري (ت 256هـ) رحمه الله في "صحيحه" في كتاب العلم: باب من رفع صوته بالعلم: "باب قول المحدِّث: «حدثنا» أو «أخبرنا» أو «أنبأنا». وقال لنا الحُمَيديُّ: كان عند ابن عيينةَ (حدّثنا وأخبرنا وأنبأنا وسمعت) واحداً. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ. وَقَالَ شَقِيقٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَلِمَةً. وَقَالَ حُذَيْفَةُ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثَيْنِ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ. وَقَالَ أَنَسٌ: عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ."[28].





يعلق ابنُ حَجَرٍ العسقلانيُّ (ت852هـ) رحمه الله قائلاً: "وَمُحَصَّل التَّرْجَمَة التَّسْوِيَةُ بَيْن صِيَغ الْأَدَاء الصَّرِيحَة، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِظَاهِرٍ فِي الْحَدِيث الْمَذْكُور؟ فَالْجَوَاب أَنَّ ذَلِكَ يُسْتَفَاد مِنْ اِخْتِلَاف أَلْفَاظ الْحَدِيث الْمَذْكُور، وَيَظْهَر ذَلِكَ إِذَا اِجْتَمَعَتْ طُرُقه، فَإِنَّ لَفْظ رِوَايَة عَبْد اللَّه بْن دِينَار الْمَذْكُور فِي الْبَاب "فَحَدَّثُونِي مَا هِيَ" وَفِي رِوَايَة نَافِع عِنْد الْمُؤَلِّف فِي التَّفْسِير " أَخْبَرُونِي" وَفِي رِوَايَة عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ "أَنْبَئُونِي" وَفِي رِوَايَة مَالِك عِنْد الْمُصَنِّف فِي بَاب الْحَيَاء فِي الْعِلْم " حَدَّثُونِي مَا هِيَ" وَقَالَ فِيهَا" فَقَالُوا أَخْبَرَنَا بِهَا" فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ التَّحْدِيث وَالْإِخْبَار وَالْإِنْبَاء عِنْدهمْ سَوَاء، وَهَذَا لَا خِلَاف فِيهِ عِنْد أَهْل الْعِلْم بِالنِّسْبَةِ إِلَى اللُّغَة، وَمِنْ أَصْرَح الْأَدِلَّة فِيهِ قَوْله تَعَالَى ï´؟ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّث أَخْبَارهَا ï´¾ وَقَوْله تَعَالَى ï´؟ وَلَا يُنَبِّئك مِثْلُ خَبِير ï´¾. وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الِاصْطِلَاح فَفِيهِ الْخِلَاف: فَمِنْهُمْ مَنْ اِسْتَمَرَّ عَلَى أَصْل اللُّغَة، وَهَذَا رَأْي الزُّهْرِيّ وَمَالِك وَابْن عُيَيْنَةَ وَيَحْيَى الْقَطَّان وَأَكْثَرِ الْحِجَازِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ، وَعَلَيْهِ اِسْتَمَرَّ عَمَل الْمَغَارِبَة، وَرَجَّحَهُ اِبْن الْحَاجِب فِي مُخْتَصَره، وَنُقِلَ عَن الحَاكِم أَنَّهُ مَذْهَب الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة. وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى إِطْلَاقَ ذَلِكَ حَيْثُ يَقْرَأ الشَّيْخُ مِنْ لَفْظه، وَتَقْيِيدَه حَيْثُ يُقْرَأ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَذْهَب إِسْحَاق بن رَاهْوَيْهِ وَالنَّسَائِيِّ وَابْن حِبَّان وَابْن مَنْدَهْ وَغَيْرهم، وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى التَّفْرِقَة بَيْن الصِّيَغ بِحَسَبِ اِفْتِرَاق التَّحَمُّل: فَيَخُصُّونَ التَّحْدِيثَ بِمَا يَلْفِظ بِهِ الشَّيْخُ، وَالْإِخْبَارَ بِمَا يُقْرَأ عَلَيْهِ، وَهَذَا مَذْهَب اِبْن جُرَيْجٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيّ وَابْن وَهْب وَجُمْهُور أَهْل الْمَشْرِق. ثُمَّ أَحْدَثَ أَتْبَاعُهمْ تَفْصِيلًا آخَر: فَمَنْ سَمِعَ وَحْدَه مِنْ لَفْظ الشَّيْخ أَفْرَدَ فَقَالَ "حَدَّثَنِي" وَمَنْ سَمِعَ مَعَ غَيْره جَمَعَ، وَمَنْ قَرَأَ بِنَفْسِهِ عَلَى الشَّيْخ أَفْرَدَ فَقَالَ "أَخْبَرَنِي"، وَمَنْ سَمِعَ بِقِرَاءَةِ غَيْره جَمَعَ. وَكَذَا خَصَّصُوا الْإِنْبَاء بِالْإِجَازَةِ الَّتِي يُشَافِه بِهَا الشَّيْخُ مَنْ يُجِيزهُ. كُلّ هَذَا مُسْتَحْسَنٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عِنْدهمْ، وَإِنَّمَا أَرَادُوا التَّمْيِيز بَيْن أَحْوَال التَّحَمُّل. وَظَنَّ بَعْضهمْ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيل الْوُجُوب، فَتَكَلَّفُوا فِي الِاحْتِجَاج لَهُ وَعَلَيْهِ بِمَا لَا طَائِل تَحْته. نَعَمْ يَحْتَاج المتأخِّرون إِلَى مُرَاعَاة الِاصْطِلَاح الْمَذْكُور لِئَلَّا يَخْتَلِط؛ لِأَنَّهُ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّة عِنْدهمْ، فَمَنْ تَجَوَّزَ عَنْهَا اِحْتَاجَ إِلَى الْإِتْيَان بِقَرِينَةٍ تَدُلّ عَلَى مُرَاده، وَإِلَّا فَلَا يُؤْمَن اِخْتِلَاط الْمَسْمُوع بِالْمَجَازِ بَعْد تَقْرِير الِاصْطِلَاح، فَيُحْمَل مَا يَرِد مِنْ أَلْفَاظ المتقدِّمين عَلَى مَحْمَل وَاحِد بِخِلَافِ المتأخِّرين."[29].





♦ من الاعتراضات الواردة على القياس في أصول الفقه اعتراضان: فَسَادُ الْوَضْعِ وَفَسَادُ الِاعْتِبَارِ. أما الأول فهو بَيَانُ أَنَّ الْقِيَاسَ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ فِي هَذَا الْحُكْمِ، لَا لِفَسَادٍ فِيهِ، بَلْ لِمُخَالَفَتِهِ النَّصَّ أَوْ الْإِجْمَاعَ، أَوْ كَانَ إحْدَى مُقَدِّمَاتِهِ كَذَلِكَ، أَوْ كَانَ الْحُكْمُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالْقِيَاسِ، كَإِلْحَاقِ الْمُصَرَّاةِ بِغَيْرِهَا مِنْ الْعُيُوبِ فِي حُكْمِ الرَّدِّ وَعَدَمِهِ وَوُجُوبِ بَدَلِ لَبَنِهَا الْمَوْجُودِ فِي الضَّرْعِ، أَوْ كَانَ تَرْكِيبُهُ مُشْعِرًا بِنَقِيضِ الْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ.[30] أما الثاني فهو أَنْ لَا يَكُونَ الدَّلِيلُ عَلَى الْهَيْئَةِ الصَّالِحَةِ لِاعْتِبَارِهِ فِي تَرْتِيبِ الْحُكْمِ، كَتَرْتِيبِ الْحُكْمِ مِنْ وَضْعٍ يَقْتَضِي ضِدَّه، كَالضِّيقِ مِنْ التَّوَسُّعِ، وَالتَّخْفِيفِ مِنْ التَّغْلِيظِ، وَالْإِثْبَاتِ مِنْ النَّفْيِ، كَقَوْلِهِمْ فِي النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ: لَفْظٌ يَنْعَقِدُ بِهِ غَيْرُ النِّكَاحِ وَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ كَلَفْظِ الْإِجَارَةِ، فَإِنَّ كَوْنَهُ يَنْعَقِدُ بِهِ غَيْرُ مُنَاسِبٍ أَنْ يَنْعَقِدَ هُوَ بِهِ، لَا عَدَمُ الِانْعِقَادِ.[31] يذكر الزركشي (ت794هـ) رحمه الله أن هذين الاعتراضين متغايران عند المتأخِّرين، أَمَّا عند المتقدِّمين فهما مترادفان.[32].





♦ كلمتا "التفسير" و"التأويل" سواءٌ عند المتقدِّمين، متغايرتان عند المتأخِّرين. قال ابن الجوزي (ت597هـ) رحمه الله:" اختلف العلماء: هل التفسيرُ والتأويل بمعنى، أم يختلفان؟ فذهب قوم يميلون إلى العربية إلى أنهما بمعنىً، وهذا قولُ جمهور المفسرين المتقدِّمين. وذهب قوم يميلون إلى الفقه إلى اختلافهما، فقالوا: التفسير: إخراجُ الشيء من مقام الخفاء إلى مقام التجلِّي. والتأويل: نقْلُ الكلام عن وضعه فيما يحتاج في إثباته إلى دليلٍ لولاه ما تُرِكَ ظاهرُ اللفظ، فهو مأخوذ من قولك: آل الشيء إلى كذا، أي: صار إليه "[33].





خاتمة


وبعد فالعلم-أخي الكريم- ليس حِكْراً على المتقدِّمين وحدَهم رحمهم الله، وثوَّبهم الجنة، بل هو مَشاعٌ بين خلق الله جميعاً؛ إذ لكل مجتهدٍ نصيبٌ، ولا عيبَ أبداً أن يخالفَ المتأخِّرُ المتقدِّمَ سالكاً سبيلاً غيرَ سبيله، لكن مع الاحتفاظِ بأدبِ الاختلاف ومعرفة الفضل لأهل الفضل:




ولو قَبْلَ مَبْكاها بَكَيتُ صبابَةً

بسُعْدى شَفيتَ النّفْسَ قبلَ التندُّمِ




ولكنْ بَكَتْ قَبلي فهيَّج لي البُكا

بُكَاها فقلتُ: الفَضلُ للْمُتَقَدِّمِ










فنحن-أنى غدَوْنا ورُحْنا- إنما نلتقط فُتَاتَ موائدهم، ورَشاشَ سَيْلِهم، وكما قال العلامة المحقِّق المدقق، الشيخ المحدِّث عبد الفتاح أبو غدة، رحمه الله في كتابه العظيم "صفحات من صبر العلماء": "و إذا صادف أنك ألّفتَ كتاباً، أو كتبت بحثاً، أو حقّقت مسألةً، فلا تظنّنَّ بنفسك أنّكَ بَدْءُ تاريخها، وأبو عُذْرتها، ونابِطُ وجودها، فهذا الذي منَّ الله عليكَ به- إنْ كان كما رأيته صواباً سديداً-: قد استندتَ فيه إلى جهودِ الأوّلين، وإلى نبوغهم وتفانيهم في العلم، جمعاً وتنسيقاً، وضبطاً وتحقيقاً، فلولاهم ما كنتَ شيئاً ما، وهم بعلمهم وفضلهم وصبرهم وآثارهم: راشُوا جناحيك، وبصَّروا عينيك، وفتحوا أذنيك، وسدّدوا عقلَكَ وفهمك، فأنت حسنةٌ من حسناتهم، شعَرْتَ أو لم تشعر... فحذارِ أن تتعالى على المتقدِّمين فيما تكتب-ناسِخاً ماسِخاً مختلِساً-مؤلِّفاً، وترى نفسك أنك أتيت بشيءٍ فات الأوائلَ ولم تستطعه الأواخرُ، فلا تنزل (نا) و(نحن) من لسانك وقلمك وذهنك، فتصابَ بمرض نون الجماعة، كما حال من ترى من زعانف الفارغين وطحالب التافهين المتعالمين[34]".





المصادر


♦ إعلاء السنن. ظفَر بن أحمد التَّهانوي. إدارة ظفَر بن أحمد التَّهانوي. إدارة القرآن والعلوم الإسلامية.





♦ إعلام الموقعين عن رب العالمين. ابن القيم. تحقيق طه عبد الرؤوف سعد. دار الجيل: بيروت 1973.





♦ البحر المحيط في أصول الفقه. بدر الدين الزركشي. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: الكويت. ط2 1992.





♦ تاج العروس. الزَّبيدي. تحقيق عدد من الباحثين. حكومة الكويت. 1965-2001.





♦ تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي. السيوطي. تحقيق أحمد عمر هاشم. دار الكتاب العربي: بيروت. 1989.





♦ تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد. ابن مالك. تحقيق محمد كامل بركات. دار الكاتب العربي للطباعة: والنشر: مصر 1967.





♦ تفسير التحرير والتنوير. دار سحنون للنشر والتوزيع: تونس. 1997.





♦ حاشية ابن عابدين. تحقيق فئة من الباحثين بعناية د. حسام الدين فرفور. دار الثقافة والتراث: دمشق. 2000.





♦ زاد المسير في علم التفسير. ابن الجوزي. المكتب الإسلامي: بيروت. ط3 1984.





♦ الرفع والتكميل في الجرح والتعديل. محمد عبد الحي اللكنوي. تحقيق عبد الفتاح أبو غدة. دار الأقصى للنشر والتوزيع. ط 3 1987.





♦ صفحات من صبر العلماء. عبد الفتاح أبو غدة. مكتب المطبوعات الإسلامية: حلب. ط3 1992.





♦ فتح الباري. ابن حجر العسقلاني. عناية محب الدين الخطيب. دار الريان للتراث: القاهرة. ط2 1987.





♦ قواعد في علوم الحديث. ظفَر بن أحمد التَّهانوي. تحقيق عبد الفتاح أبو غدة. دار السلام: القاهرة ط6 1996.





♦ قيمة الزمن عند العلماء. عبد الفتاح أبو غدة. مكتب المطبوعات الإسلامية: حلب. ط 7 1996.





♦ الكامل. المبرد. تحقيق محمد الدالي. مؤسسة الرسالة: بيروت ط3 1997.





♦ كشف الظنون. حاجي خليفة. مكتبة المثنى: بغداد.





♦ مجموعة الفتاوى. ابن تيمية. دار الوفاء: المنصورة. ط 3 2005.





♦ معجم الأدباء. ياقوت الحموي. تحقيق إحسان عباس. دار الغرب الإسلامي: بيروت 1993.






♦ الموافقات. الشاطبي. تحقيق عبد الله دراز. دار المعرفة: بيروت. 1994.





♦ نزهة الألباء. أبو البركات ابن الأنباري. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. دار الفكر العربي: القاهرة. 1998.





♦ النسخ في القرآن الكريم. محمد صالح مصطفى. دار القلم: دمشق. 1988.





♦ نصب الراية لأحاديث الهداية. جمال الدين الزيلعي. تحقيق أيمن شعبان. دار الحديث: القاهرة 1995.





♦ الوساطة بين المتنبي وخصومه. الجرجاني. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم وعلي البجاوي. عيسى البابي الحلبي: القاهرة. ط3.






[1] "ميزان الاعتدال" 1/4.




[2] تفسير التحرير والتنوير 1/7




[3] أي: كان حظُّهم أنهم من المتقدمين.




[4] "قيمة الزمن عند العلماء"، ص 91.




[5] المرجع السابق.




[6] "نزهة الألباء"، ص 34، وهو بصيغة أخرى في "قيمة الزمن عند العلماء"، ص 91. والرقل: النخل الطويلة.




[7] في الكامل: القائل، وهو تصحيف كما أفاده الزبيدي في "تاج العروس" 1/ 93 وفال رأيُه فهو فائلُه، أي فاسده وضعيفه.




[8] "الكامل" 1/ 43.




[9] "معجم الأدباء" 5/ 2103.




[10] "تسهيل الفوائد"، ص 2.




[11] "تاج العروس" 1/93.




[12] "كشف الظنون" 1/39.




[13] "تاج العروس" 1/92.




[14] "الموافقات" 1/ 86-87.




[15] "حاشية ابن عابدين" 1/ 97.




[16] "قواعد في علوم الحديث"، ص 258-259، و"الرفع والتكميل في الجرح والتعديل"، ص211.




[17] "قواعد في علوم الحديث"، ص 259-260.




[18] "تدريب الراوي" 1/ 201.




[19] "إعلاء السنن" 4/ 338.




[20] "نصب الراية" 6/118. استفدت هذا النص من التهانوي في "إعلاء السنن".




[21] "إعلاء السنن" 1/99.




[22] "مجموعة الفتاوى" 18/ 17-18، بتصرف واختصار.




[23] كذا في المطبوع. ولعل المراد: صحابي.




[24] "إعلام الموقعين" 1/ 31.




[25] المرجع السابق 1/ 77.




[26] المرجع السابق 1/ 35. وقد نقل كلامَه هذا التهانويُّ في "قواعد في علوم الحديث" وعلق عليه قائلاً: " قلت: فالحاصل أن النسخ عندهم لا يختص ببيان التبديل، بل يعمُّ جميعَ أنواع البيان، وقد كثر استعمالُ النسْخِ بهذا المعنى العامِّ في كلام الحافظِ النَّقَّاد، إمام المحدثين في زمانه، رئيسِ الحنفية في عصره أبي جعفر الطحاوي، رحمه الله تعالى. ومن لم ينتبه لمراده يطلق عليه لسانَ الاعتراض، ويجعله هدفاً لسهام الملام، ويقول: دعوى النسخ لا تقبَل إلا ببيان التاريخ، أو بدليل آخر سواه ولا دليل هناك إلخ. ومَن جهلَ مُرادَ المتكلّم فلا يلومنَّ إلا نفسه. والله المستعان." ا.هـ ص 458-459.




[27] من كتاب "النسخ في القرآن الكريم"، ص 12-13 ونصُّ الدهلوي هذا في كتابه "الفوز الكبير في أصول التفسير" ص 83-84. تعريب سلمان الحسيني الندوي. دار الصحوة: القاهرة. ط3 1986.




[28] "صحيح البخاري" (مع فتح الباري) 1/ 174.




[29] "فتح الباري" 1/ 175.




[30] البحر المحيط 5/319.




[31] المرجع السابق 5/319.




[32] المرجع السابق 5/321.




[33] زاد المسير 1/4. وانظر "مجموعة فتاوى ابن تيمية" 17/ 197-199.




[34] "صفحات من صبر العلماء"، ص 386.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 94.46 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 92.10 كيلو بايت... تم توفير 2.35 كيلو بايت...بمعدل (2.49%)]