من فنون علم البيان: المجاز - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الاكتفاء بسماع أذكار الصباح والمساء عند قولها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الفرق بين صلاة التراويح وصلاة القيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          قراءة القرآن بصوت مرتفع في المسجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          الفرصة الأخيرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          ترزقوا وتنصروا وتجبروا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          لا سمَرَ إلَّا لِمُصَلٍّ ، أوْ مُسافِرٍ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          على أبواب العشر الأواخر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          رمضان شهر الإقبال على مجالس العلم والعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          التغيير الشامل في رمضان .. هل هو ممكن؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          تاريخ غزوة بدر .. الميلاد الثاني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى الإنشاء

ملتقى الإنشاء ملتقى يختص بتلخيص الكتب الاسلامية للحث على القراءة بصورة محببة سهلة ومختصرة بالإضافة الى عرض سير واحداث تاريخية عربية وعالمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26-04-2021, 01:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي من فنون علم البيان: المجاز

من فنون علم البيان: المجاز
أبو أنس أشرف بن يوسف بن حسن



شرح دروس البلاغة للشيخ محمد بن صالح العثيمين

تحقيق الأستاذ أشرف بن يوسف (2)





المجاز: هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له، لعلاقة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى السابق.

كالدرر المستعملة في الكلمات الفصيحة في قولك: فلان يتكلم بالدرر، فإنها مستعملة في غير ما وضعت له؛ إذ قد وضعت في الأصل للآلئ الحقيقية، ثم نقلت إلى الكلمات الفصيحة؛ لعلاقة المشابهة بينهما في الحسن.

والذي يمنع من إرادة المعنى الحقيقي قرينة (يتكلم).

وكالأصابع المستعملة في الأنامل في قوله تعالى: ﴿ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ ﴾ [البقرة: 19]، فإنها مستعملة في غير ما وضعت له؛ لعلاقة أن الأنملة جزء من الأصبع، فاستعمل الكل في الجزء، وقرينة ذلك أنه لا يمكن جعل الأصابع بتمامها في الآذان (1).

والمجاز إن كانت علاقته المشابهة بين المعنى المجازي والمعنى الحقيقي - كما في المثال الأول - يسمى استعارة، وإلا فمجازًا.



(١) أولًا: هل المجاز موجود في اللغة أم لا؟
الجواب: من العلماء من أنكر أن يكون موجودًا في اللغة.
وحجتهم: أن المعنى إنما يُعيِّنه السياق وقرائن الأحوال، وأن الكلمات نفسها ليس لها معنى ذاتي، بل هي بحسب التركيب، وإذا كانت بحسب التركيب صار الذي يعين المعنى هو السياق، وإذا تعين المعنى فهذا هو الحقيقة.

فإذا قلت: رأيت أسدًا يحمل سيفًا، فهل يمكن لأي واحد يسمع هذا الكلام أن يشتبه عليه الأسد الحقيقي بالرجل الشجاع؟!
الجواب: لا يمكن.

إذن: هذا اللفظ مستعمل حقيقة في موضعه بقرينة الحال.

لكن لو قلت: رأيت أسدًا، فهنا لا يمكن أن يراد به الرجل الشجاع؛ لأن الكلمة موضوعة في الأصل للحيوان المفترس المعروف، فتحمل عند عدم القرينة على ما وضعت له أولًا.

وهذا هو الذي حققه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وأطال فيه في كتاب الإيمان[1]، ولخصه تلميذه ابن القيم، وقرَّبه إلى الأفهام بكتابه: "الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة"[2].

على كل حال: يرى هؤلاء العلماء أنه لا مجاز في اللغة مطلقًا، وحجتهم - كما سبق - أن المعنى يُعيِّنه السياق، وأن الكلمة بسياقها لا يمكن أن يراد بها إلا ما سيقت له، وهذا هو الحقيقة.

ومنهم من يرى: أن المجاز في اللغة واقع، وفي القرآن ممنوع؛ كالشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله؛ فإنه ألف رسالة تدل على أن المجاز ممنوع في القرآن، لكنه موجود في اللغة العربية.

وحجته في ذلك: أن من علامات المجاز جواز نفيه، ولا شيء في القرآن يجوز نفيه؛ فبَطَلَ أن يكون في القرآن مجاز.

مثال ذلك: لو قلت: رأيت أسدًا يحمل سيفًا، فإنه يجوز لأي واحد أن يعارضك، ويقول: هذا ليس بأسد، هذا رجل شجاع.

فمن علامات المجاز: صحة نفيه، وليس في القرآن ما يصح نفيه، لكن ما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله أقرب للصواب، وما دمنا نقول: إن المعنى تابع للسياق وقرائن الأحوال، فإنه لا مجاز فيه[3].

ولهذا نجد الفرق، حتى في نبرات الصوت، فلو قلت لواحد: اسكت، اسكت، بصوت منخفض، وقلت لآخر: اسكت، برفع صوت، فإنه يفهم من الأول الأمر بالسكوت بطمأنينة، ومن الثاني الزجر بشدة، مع أن الاختلاف بينهما إنما هو في الأداء فقط؛ فالمعاني تعيِّنها السياقات والقرائن، لكن الجمهور على ثبوت المجاز في القرآن، وفي اللغة العربية، فلننظر ما هو المجاز عندهم؟

يقول المؤلف: المجاز هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له.

فخرج به اللفظ المستعمل فيما وضع له.

فإذا استعملت أسدًا في الحيوان المفترس، فهو غير مجاز، وإذا استعملته في الرجل الشجاع فهو مجاز.

لكن لا بد من قيود؛ ولهذا قال المؤلف رحمه الله: لعلاقة، يعني: لا بد أن يكون بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي علاقة؛ ولهذا لا نستعمل الخبز بدل الثياب مثلًا.

فلو قلت لك: خذ هذه عشرة ريالات، اشتر بها ثيابًا، فذهبت واشتريت بها خبزًا، وأتيت إلي بكيس خبز، فأنكرت ذلك عليك، فقلت: هذا مجاز.

نقول: لا يصح هذا المجاز؛ لأنه لا علاقة بين هذا وهذا.

ثم قال المؤلف رحمه الله: مع قرينة مانعة من إرادة المعنى السابق.

أي: الحقيقي، فإن لم يوجد قرينة تمنع من إرادة المعنى الحقيقي، فليس بمجاز، ولا يجوز أن يحمل على المجاز.

ولهذا نقول للذين حرفوا آيات الصفات وأحاديثها، نقول لهم: ليس عندكم قرينة تمنع من إرادة المعنى الحقيقي.

فإذا قالوا: اليد بمعنى النعمة.
قلنا: لماذا؟
قالوا: لأن هناك ما يمنع من إرادة المعنى الحقيقي - وهو عندهم العقل - فلا يمكن عقلًا أن يكون له يد؛ لأنه يلزم من ذلك أن يكون جسمًا، وأن يكون مماثلًا للمخلوقات، وهذا ممتنع[4].

ولذلك صار ارتكاب المجاز ركيزة يرتكز عليها المعطلة، ومشَوْا على هذا.

المهم أن الشروط الآن ثلاثة:
الأول: أن يكون مستعملًا في غير ما وضع له.
والثاني: أن يكون هناك علاقه بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي.
الثالث: أن يوجد قرينة تمنع من إرادة المعنى الحقيقي.

ثم قال المؤلف رحمه الله: كالدرر المستعملة في الكلمات الفصيحة في قولك: فلان يتكلم بالدرر، فإنها مستعملة في غير ما وضعت له؛ إذ قد وضعت في الأصل للآلئ الحقيقية، ثم نقلت إلى الكلمات الفصيحة؛ لعلاقة المشابهة بينهما في الحسن.

إذن: العلاقة هنا الحسن؛ ولذلك إذا قلنا: فلان يتكلم بكلام كالدرر، وسئلنا: أين وجه الشبه؟
قلنا: الحُسن، والذي يمنع من إرادة المعنى الحقيقي قرينة، وهي (يتكلم)؛ لأنه لا يمكن أن الدرر التي هي اللآلئ تخرج من فيه إذا قام يتكلم؛ فصار (يتكلم) قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي، والعلاقة موجودة، وهي الحسن.

قال المؤلف رحمه الله: وكالأصابع المستعملة في الأنامل في قوله تعالى: ﴿ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ ﴾ [البقرة: 19] القائل هو الله سبحانه وتعالى، ومن المعلوم أنه لا يمكن أن يجعل الإنسان كل الأصبع في أذنه؛ إذ إن[5] المعروف أن ثقب الأذن لا يدخل فيه الأصبع، لا من جهة السعة، ولا من جهة العمق.

فعندنا القرينة مانعة، وهي أن الأصابع لا يمكن أن تدخل كلها في الأذن؛ فإنها مستعملة في غير ما وضعت له، والعلاقه أن الأنملة التي عبر عنها بالأصبع جزء من الأصبع.

والمقصود: يجعلون أناملهم في آذانهم، فاستعمل الأصابع (الكل) في الجزء من الأصابع.

أما الذين يمنعون المجاز، فيقولون: من المعلوم عند كل مخاطب أنك إذا قلت: فلان جعل أصبعه في أذنيه، فالمراد جعل جزءًا منه، وليس المراد أنه أدخل الأصبع كله.

لكن أحيانًا يقصد بذلك المبالغة، وأنه من شدة مبالغتهم لسد آذانهم يتكئون على الأصابع كثيرًا، حتى كأنهم أدخلوها كلها.


مرسلًا،كما في المثال الثاني (1).



(1) يعني رحمه الله: أنه إذا كانت العلاقة هي المشابهة، فهو استعارة، وهذا هو الأكثر في المجاز.

وإن كانت العلاقه غير المشابهة، سمي مجازًا مرسلًا؛ مثل: إطلاق الكل على البعض، أو البعض على الكل، أو السبب على المسبَّب، أو المسبَّب على السبب.

المهم: أن الضابط هو أن الاستعارة تكون علاقتها المشابهة، وما كان علاقته غير المشابهة فهو مجاز مرسل.


[1] انظر كتاب "الإيمان" من مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ٧ / ٨٧ وما بعدها.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: وبكل حال فإن تقسيم الألفاظ إلى حقيقة، ومجاز، هو اصطلاح حادث بعد انقضاء القرون الثلاثة، لم يتكلم به أحد من الصحابة، ولا التابعين لهم بإحسان، ولا أحد من الأئمة المشهورين في العلم؛ كمالك والثوري والأوزاعي وأبي حنيفة والشافعي، بل ولا تكلم به أئمة اللغة والنحو؛ كالخليل وسيبويه وأبي عمرو بن العلاء، ونحوهم؛اهـ.

[2] " ابن القيم: هو شمس الدين، أبو عبدالله، محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي، المعروف بابن قيم الجوزية، العالم الرباني، طبق ذكره الخافقين، أخذ عن شيخ الإسلام وغيره، وقام هو وشيخه أتم قيام في إزالة البدع، وكانا من آيات الله، ونعمه العظمى، حفظ بهما دينه، لما اشتدت مناوأة الإسلام، حتى عظمت بلية مدعية المجاز، توفي رحمه الله، سنة إحدى وخمسين وسبعمائة.
قال - قدس الله روحه - في الصواعق المرسلة، في الرد على الجهمية والمعطلة: فصل في كسر الطاغوت، الذي وضعته الجهمية لتعطيل حقائق الأسماء والصفات، وهو: طاغوت المجاز، هذا الطاغوت لهج به المتأخرون، والتجأ إليه المعطلون، وجعلوه جُنَّة يتترسون به من سهام الراشقين، ويصدون به عن الوحي المبين.
وذكر خمسين وجهًا في إبطاله؛ منها: أنه قول مبتدع، وأن تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز تقسيم فاسد، وتحكُّم محض، ولا يستلزم وجوده، وأن دعواه تستلزم وضعًا قبل الاستعمال، وكلام الله ليس له وضع سابق على الاستعمال، فلا تتصور فيه دعوى المجاز، وعد منها ما يثلج الصدر، وذكر شيئًا من فروقهم بين الحقيقة والمجاز.
ثم قال: ولهذا قالت الجهمية المعطلة في الصفات: إنها مجازات في حق الرب، لا حقائق لها، وهذا هو الذي حدانا على تحقيق القول في المجاز؛ فإن أربابه ليس لهم فيه ضابط مطرد، ولا منعكس، وهم متناقضون غاية التناقض، خارجون عن اللغة والشرع وحكم العقل إلى اصطلاح فاسد.
قال: وقد صرح غلاتهم بإنكار معانيها بالكلية، ويقولون: هي ألفاظ لا معاني لها.
وقال أيضًا: وتكون عندهم حقيقة للمخلوق، مجازًا للخالق، وهذا من أبطل الأقوال، وأعظمها تعطيلًا، وقد التزمه معطلوهم، فلا يكون عندهم رب العالمين موجودًا حقيقة، ولا ملكًا حقيقة، ولا ربًّا حقيقة، وكفى أصحاب هذه المقالة بها كفرًا، وهذا القول لازم لكل من ادعى المجاز في شيء من أسماء الرب وأفعاله، لزومًا لا محيص لهم عنه.
وانظر حاشية مقدمة التفسير لابن قاسم النجدي ص 87،86.

[3] قال ابن قاسم النجدي في حاشيته على مقدمة التفسير ص81: قال شيخنا: من ادعاه في لغة العرب، لزمه أن يقوله في كتاب الله، وإلا تناقَض؛ لنزولِه بلغتهم؛اهـ.

[4] قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 3/ 48 - 52: إن كثيرًا من الناس يتوهم في بعض الصفات أو كثير منها، أو أكثرها، أو كلها، أنها تماثل صفات المخلوقين، ثم يريد أن ينفي ذلك الذي فهمه، فيقع في أربعة أنواع من المحاذير:
أحدها: كونه مثَّل ما فهمه من النصوص بصفات المخلوقين، وظن أن مدلول النصوص هو التمثيل.
الثاني: أنه إذا جعل ذلك هو مفهومها، وعطله، بقيت النصوص معطلة عما دلت عليه من إثبات الصفات اللائقة بالله، فيبقى مع جنايته على النصوص، وظنه السيئ الذي ظنه بالله ورسوله - حيث ظن أن الذي يفهم من كلامهما هو التمثيل الباطل - قد عطل ما أودع الله ورسوله في كلامهما من إثبات الصفات لله، والمعاني الإلهية اللائقة بجلال الله تعالى.
الثالث: أنه ينفي تلك الصفات عن الله عز وجل بغير علم؛ فيكون معطلًا لما يستحقه الرب.
الرابع: أنه يصف الرب بنقيض تلك الصفات، من صفات الأموات والجمادات، أو صفات المعدومات، فيكون قد عطل به صفات الكمال التي يستحقها الرب، ومثله بالمنقوصات والمعدومات، وعطل النصوص عما دلت عليه من الصفات، وجعل مدلولها هو التمثيل بالمخلوقات، فيجمع في كلام الله وفي الله بين التعطيل والتمثيل، فيكون ملحدًا في أسماء الله وآياته،مثال ذلك: أن النصوص كلها دلت على وصف الإله بالعلو والفوقية على المخلوقات، واستوائه على العرش.
فأما علوه ومباينته للمخلوقات، فيُعلَم بالعقل الموافق للسمع.
وأما الاستواء على العرش، فطريق العلم به هو السمع،وليس في الكتاب والسنة وصف له بأنه لا داخل العالم، ولا خارجه، ولا مباينه، ولا مداخله.
فيظن المتوهم أنه إذا وصف بالاستواء على العرش كان استواؤه كاستواء الإنسان على ظهور الفُلْك والأنعام؛ كقوله: ﴿ وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ﴾ [الزخرف: 12، 13].
فيتخيل له أنه إذا كان مستويًا على العرش، كان محتاجًا إليه كحاجة المستوي على الفُلك والأنعام، فلو غرقت السفينة لسقط المستوي عليها، ولو عثرت الدابة لخر المستوي عليها،فقياس هذا أنه لو عدم العرش لسقط الرب سبحانه وتعالى.
ثم يريد بزعمه أن ينفي هذا فيقول: ليس استواؤه بقعود ولا استقرار، ولا يعلم أن مسمى القعود والاستقرار يقال فيه ما يقال في مسمى الاستواء، فإن كانت الحاجة داخلة في ذلك، فلا فرق يبن الاستواء والقعود والاستقرار، وليس هو بهذا المعنى مستويًا، ولا مستقرًّا، ولا قاعدًا، وإن لم يدخل في مسمى ذلك إلا ما يدخل في مسمى الاستواء، فإثبات أحدهما ونفي الآخر: تحكُّمٌ.
وقد علم أن بين مسمى الاستواء والاستقرار والقعود فروقًا معروفة، ولكن المقصود هنا أن يعلم خطأ من ينفي الشيء مع إثبات نظيره، وكأن هذا الخطأ من خطئه في مفهوم استوائه على العرش؛ حيث ظن أنه مثل استواء الإنسان على ظهور الأنعام والفلك، وليس في هذا اللفظ ما يدل على ذلك؛ لأنه أضاف الاستواء إلى نفسه الكريمة،كما أضاف إليه سائر أفعاله وصفاته.
فذكر أنه خلَق ثم استوى،كما ذكر أنه قدر فهدى، وأنه بنى السماء بأيدٍ، وكما ذكر أنه مع موسى وهارون يسمع ويرى.. وأمثال ذلك.
فلم يذكر استواءً مطلقًا يصلح للمخلوق، ولا عامًّا يتناول المخلوق،كما لم يذكر مثل ذلك في سائر صفاته، وإنما ذكر استواءً أضافه إلى نفسه الكريمة.
فلو قدر - على وجه الفرض الممتنع - أنه هو مثل خلقه - تعالى عن ذلك - لكان استواؤه مثل استواء خَلْقه.
أما إذا كان هو ليس مماثلًا لخلقه، بل قد علم أنه الغني عن الخلق، وأنه الخالق للعرش ولغيره، وأن كل ما سواه مفتقر إليه، وهو الغني عن كل ما سواه، وهو لم يذكر إلا استواءً يخصه، لم يذكر استواءً يتناول غيره، ولا يصلح له - كما لم يذكر في علمه وقدرته ورؤيته وسمعه وخلقه إلا ما يختص به - فكيف يجوز أن يتوهم أنه إذا كان مستويًا على العرش كان محتاجًا إليه، وأنه لو سقط العرش لخر من عليه؟! سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوًّا كبيرًا.
هل هذا إلا جهل محض وضلال ممن فهم ذلك وتوهمه، أو ظنه ظاهر اللفظ ومدلوله، أو جوَّز ذلك على رب العالمين الغني عن الخلق؟ بل لو قدر أن جاهلًا فهم مثل هذا وتوهمه، لبُيِّن له أن هذا لا يجوز، وأنه لم يدل اللفظ عليه أصلًا، كما لم يدل على نظائره في سائر ما وصف به الرب نفسه.
فلما قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ ﴾ [الذاريات: 47] فهل يتوهم متوهم أن بناءه مثل بناء الآدمي المحتاج، الذي يحتاج إلى زنبيل ومجارف وضربِ لَبِنٍ وجبل طين وأعوان؟
ثم قد علم أن الله تعالى خلق العالم بعضه فوق بعض، ولم يجعل عاليه مفتقرًا إلى سافله؛ فالهواء فوق، وليس مفتقرًا إلى أن تحمله الأرض، والسحاب أيضًا فوق الأض، وليس مفتقرًا إلى أن تحمله، والسموات فوق الأرض، وليست مفتقرة إلى حمل أرض لها.
فالعلي الأعلى رب كل شي ومليكه إذا كان فوق جميع خلقه: كيف يجب أن يكون محتاجًا إلى خلقه أو عرشه؟! أو كيف يستلزم علوه على خلقه هذا الافتقار وهو ليس في المخلوقات؟ وقد علم أن ما ثبت لمخلوق من الغنى عن غيره، فالخالق سبحانه وتعالى أحق به وأولى؛ اهـ.

[5] اعلم - رحمك الله - أنه قد اختلف النحاة في الحكم همزة (إن) هل تكسر أم تفتح؟ بعد (حيث، وإذا، وإذ) على ثلاثة أقوال:
1- القول الأول: وجوب الكسر.
قال ابن هشام رحمه الله في شرح الشذور ص230: وقد أولع الفقهاء وغيرهم بفتح (إن) بعد (حيث)، وهو لحن فاحش؛ فإنها لا تضاف إلا إلى الجملة، و(أن) المفتوحة ومعمولها في تأويل المفرد؛ اهـ.
2- القول الثاني: وجوب الفتح،وبه قال ابن الحاجب.
3- القول الثالث: جواز الأمرين؛ الكسر والفتح،وانظر شرح الشذور ص230، حاشية 5.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 71.65 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 69.77 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.63%)]