السياسة الشرعية - ملتقى الشفاء الإسلامي
 

اخر عشرة مواضيع :         انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : أبـو آيـــه - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 858790 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393172 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215588 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-03-2024, 11:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي السياسة الشرعية

السياسة الشرعية (1)… طاعة أولي الأمر


في ظل ثورات الربيع العربي في بعض الدول العربية كتونس ومصر وسوريا ... وغيرها، كثرت الأقلام وتناثرت المقالات حول الكيفية أو الآلية التي تدور عليها طاعة أولي الأمر، ومتى تجوز معصيتهم بل والانقلاب عليهم.
دعونا نرجع إلى ديننا الحنيف، فسنرى أنه حدد الضوابط اللازمة والضرورية التي تحكم تلك الطاعة. قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (النساء:58-59).
أخي القارئ، إذا تأملت الآيتين السابقتين ستجد أن الطاعة لها شقان أساسيان هما ولاة الأمور والرعية، فالآية الأولى قد نزلت في ولاة الأمور بأن يؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل.
أما الآية الثانية فنزلت في الرعية بما عليهم من طاعة أولي الأمر الفاعلين في قسمهم وحكمهم، إلا أن يَأمروا ـ ولاة الأمور ـ بمعصية، فإن أمروا بمعصية الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كما أوضح لنا النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن تنازعوا في شيء فالحَكم والفَيصل هنا هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن طاعة أولي الأمر من طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، بل وجاء الفعل {وأطيعوا...} بصيغة الأمر الذي يوجب طاعة أولي الأمر بالشروط السالفة الذكر.
وفى السياق نفسه قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه كلمات أصاب فيهن: حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله، وأن يؤدي الأمانة، وإذا فعل ذلك فحق على الناس أن يسمعوا له ويطيعوا، ويجيبوه إذا دعا.
ولا ننسى أن طاعة أولي الأمر من قبل الرعية علامة جلية من علامات الإيمان بالله واليوم الأخر، حيث قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ..} إلى قوله تعالى: {إن كنتم تؤمنون....} (النساء: 58 - 59).
ألا تتذكرون عصر الخلفاء الراشدين المهديين, فقد أجمعت الأمة وتوحدت على طاعة الصديق أبي بكر والفاروق عمر بن الخطاب, فدانت الجزيرة العربية بأسرها, بل وفتحت بلاد الفرس والروم وأصبحت الدولة الإسلامية من أقوى الدول الموجودة حينئذ, ثم تغير الحال وأبى بعضهم طاعة أولي الأمر المتمثلين في عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما فتفرقت الأمة وتشتت المسلمون وظهرت الفتن والقلاقل, وتعددت الآراء الدينية والمذهبية ولم يلتئم الشمل إلى عصرنا هذا.
أيها النواب الكرام، الحل بأيدينا، فإن تحققت تلك الطاعة يعم الأمن والأمان والاستقرار الذي يترتب عليه نمو اقتصاد الكويت، ومعه يعم الخير لسائر الرعية، كبيرها وصغيرها، غنيها وفقيرها؛ لأن أساس الحكم هو العدل، والعدل أساس الملك.
ولكن يتبادر إلى العقول والأذهان أسئلة عدة منها: ما شروط اختيار ولاة الأمور؟ وهل كل إنسان يصلح أن يكون والي أمر من أمور المسلمين؟ هذا ما سندركه في مقالنا القادم ـ إن شاء الله تبارك وتعالى.



اعداد: محمد الراشد




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-03-2024, 11:59 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السياسة الشرعية

السياسة الشرعية (2)

استعمال الأصلح من ولاة الأمور



أولاً يجب أن نعلم جيداً أن لفظ ولاة الأمور لا ينطبق على الحكام فقط بل يسري على كل إنسان يرعى مصالح الناس, كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عن رعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُول...» رواه البخاري. فالوزير مسؤول عن وزارته، ونائب البرلمان مسؤول عن دائرته, ومدير المدرسة مسؤول عن مدرسته, والأب مسؤول عن أهل بيته..... وهكذا؛ لذلك يجب على ولي الأمر أن يولي على كل عمل من أعمال المسلمين أصلح من يجده لذلك العمل.
فالولايات تنقسم إلى ولايات عامة, وولايات خاصة, أما الأولى فيجب على ولي الأمر ألا يوظف إلا من هو أصلح لذلك العمل بعينه, فقد يكون الإنسان صالحاً في هذا العمل بعينه وغير صالح في عمل أخر. وكذلك الولايات الخاصة كمدير المدرسة وغيره, حتى في رعاية الإنسان لأهله ؛ إذا أراد أن يوصي على أولاده الصغار يختار من أولاده الأصلح, وليس الكبير لأنه أكبر بل يختار الأصلح, فقد يجد الصغير من الأولاد أصلح ممن هو فوقه, وهذا هو مقتضى الأمانة.
وعثمان رضي الله عنه لا شك أنه خليفة راشد عين من أقاربه من رأى أنه الأصلح للأمة، وقال فيه ابن عثيمين: إنه أخطأ في اجتهاده، ولا نقول حابى أقاربه. فهو أحد الخلفاء الراشدين ومن الذين شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة والذي جهز جيش العسرة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم». رواه أحمد وحسنه الألباني.
فقد يسأل القارئ ويقول: أنا لا أعرف الناس بسيماهم ولا أعرف نواياهم وما في صدورهم, وهل هذا الرجل يصلح لهذا العمل, أم لا؟
- الإجابة: نعم، قد يكون هذا عذراً, ولكن إذا وجدنا أنه غير صالح لهذا العمل وجب على الفور بدون أدنى تفكير ولا تأخير عزله عن منصبه وتولية من هو خير منه وأصلح، ولذلك أنصح نوابنا الكرام أن يؤدي كل واحد منهم ما أوجب الله عليه من ولاية أمور الأمة, فقد أعطاك الناخبون أصواتهم أملاً منهم أن ترعى مصالحهم وتحمل همومهم وأعباءهم, وتشرع لهم قوانين شرعية لازمة لتيسر لهم حياتهم وتحمي حقوقهم, ولا تنصرف إلى أغراضك الدنيوية الزائلة حتماً, أما ما تفعله لخدمة ناخبيك ووطنك ـ الكويت ـ فيمكث في الأرض, وسيظل دائماً حياً ظاهراً، وهذا هو دورك الحقيقي.
إن دور نائب مجلس الأمة أمانة، واجب عليه الحفاظ عليها وأداؤها على أكمل وجه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا ضيعت الأمانة، فانتظر الساعة, فقيل: يا رسول الله! وما إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة» رواه البخاري. فمن لم يكن أهلاً لذلك, فإنه لا يحق له أن يتولى هذه الولاية حتى لو عرضت عليه ولا يقول أجرب نفسي كما يفعله بعض الناس, ومن كان أهلاً لها, ولكن خاف ألا يعدل فإنه لا يجوز أيضاً أن يتولاها.
وأختم قائلاً: ما من راع يسترعيه الله رعية، ليس المراد هنا الإمام الأعظم أو نائبه أو حتى الوزير وحسب، حتى الرجل في بيته إذا مات وهو غاش لأهله فإن الله يحرم عليه رائحة الجنة كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «لاَ يَسْتَرْعِى اللَّهُ عَبْدًا رَعِيَّةً يَمُوتُ حِينَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهَا إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» رواه مسلم.
نسال الله العافية والسلامة.
والله الموفق والمستعان.



اعداد: محمد الراشد
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 08-03-2024, 06:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السياسة الشرعية

السياسة الشرعية (3)

اختيار الأمثل فالأمثل



بعد تحديد كيفية اختيار ولاة الأمور, فمن الطبيعي أن الحاكم لن يحكم بمفرده ولن يستطيع معرفة أحوال العامة؛ لذلك فهو يحتاج إلى من يعاونه من وزراء ومحافظين وأمناء... وغيرهم, لذلك من الواجب عليه اختيار الأمثل فالأمثل لمثل تلك المناصب التي تنوب عنه في الحكم والفصل بين عامة الناس.
وإذا فعل ذلك بعد الاجتهاد التام, وأخذه للولاية بحقها؛ فقد أدى الأمانة, وقام بالواجب في هذا, وصار في هذا الموضع من أئمة العدل والمقسطين عند الله. فإذا اختار الأمثل فالأمثل لكل منصب بحسبه، فوجب عليه أن يراقبه وأن ينصحه وليس معناه أن يوليه ويتركه؛ لأنه ليس أهلاً, وإنما نُصِّب للضرورة.
ويجب على من ينوب عن الحاكم أن تتوافر فيه القوة والأمانة:, القوة في كل وظيفة أو ولاية بحسبها, فمثلاً في باب الحروب القوة هنا تتمثل في شجاعة القلب وقوة البدن, والخبرة الميدانية بالحروب والكر والفر...., وفي ولاية أخرى كالحُكم بين الناس «القضاء» القوة فيها بالعلم, وقوة الشخصية, والمقدرة على تنفيذ القانون وعدم التهاون فيه. ولو أن صاحب الولاية الثانية وضعناه مكان صاحب الولاية الأولى لصار جباناً وفر من ظله, وفشل في مهمته؛ لأن كل شيء يكون بحسبه, حتى في الأمور الحسية, فالنجار قوي في النجارة والحداد في حدادته, فيعطى كل إنسان ما يليق به, والأمانة والعدل في ذلك.
ولا تكون شروط المنصب وفق الشهادات العلمية فحسب, فلو وظف إنساناً قد أخذ شهادة الدكتوراه في الفقه, ثم ولاه ولاية القضاء, وتبين له عدم تمكنه من تخصصه وعجزه فيه بالرغم من حصوله على أعلى الشهادات فيها, فيجب عليه عزله وتولية من هو أصلح منه؛ فالوظائف ليست بالشهادات العلمية فقط, وليست هي التي يقاس بها الرجل, فربما حصل عليها بالغش أو بالرشوة, فكم من إنسان ليست عنده هذه الشهادات, لكنه جيد ويصلح لتلك الوظيفة, فالواجب أن نولي الأمر من هو أهله بالمعنى الحقيقي, لا بالدرجات الوضعية والشهادات الحاصل عليها وهنا يقول القائل: أليست تلك الشهادات تُعين صاحب الأمر على اختيار الأمثل؟
نقول: نعم، هي وسيلة مساعدة لحسن الاختيار, ولكن إذا تبين له أنه ليس بأهل لتلك المهمة فوجب على ولي الأمر إقالته, حتى ولو احتج قائلاً: عندي الدكتوراه منذ عشرين سنة.
فنقول له: مادام ظهر عجزك وفشلك, فلا يجوز أن نوليك أمور المسلمين, لا في القضاء ولا في التدريس ولا في غيرها.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «القضاة ثلاثة:, قاضيان في النار, وقاض ٍ في الجنة, فرجل علم الحق وقضى بخلافه فهو في النار, ورجل قضى بين الناس على جهل فهو في النار, ورجل علم الحق وقضى به فهو في الجنة». أخرجه أبو داود والترمذي وصححه الألباني.
فوزارة التربية على سبيل المثال لا الحصر, تنشر الإعلانات لشغل وظيفة معلم، ثم تضع الشروط الواجب توافرها في المتقدمين لشغل تلك الوظيفة؛ وبناءً على شهاداته العلمية وخبراته العملية يتم توظيفه، فالأمانة تقتضي متابعة هذا المعلم باستمرار, فإذا ثبتت كفاءته لتلك المهمة استمر فيها, وإلا وجب عزله وتولية من هو أصلح منه وهكذا.
والله الموفق والمستعان.


اعداد: محمد الراشد




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 08-03-2024, 08:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السياسة الشرعية

السياسة الشرعية (4)

قلة اجتماع الأمانة والقوة في الناس



بينا قبل ذلك أن ولاة الأمور يجب عليهم اختيار من تتوافر فيهم القوة والأمانة؛ لكي يساعدوهم في رعاية مصالح الرعية. ولكن ما الحل إذا لم يوجد من تجتمع فيه هاتان الصفتان؟ فتجد مثلاً الذي ليس أهلاً لوظيفة ما من حيث الأمانة، وتجده قوياً نشيطاً في إنجاز الأعمال، وتجد الرجل الأمين قد يفقد القوة اللازمة لتسيير أمور تلك الولاية؛ ولذلك تجد الذين يولون الناس يختارون الأول الذي ينجز أعمالهم وإن لم يكن أميناً.
«اللهم إني أشكو إليك جَلد الفاجر وعَجز الثقة»، هكذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما لم يجد من هو أهل للولايات، فالأول: قوة بلا أمانة، والثاني: أمانة بلا قوة، وهذا في زمن الفاروق, فما بال زماننا هذا؟!
فالواجب اختيار الأصلح لكل ولاية بحسبها, فإذا وُجد رجلان أحدهما أعظم أمانة, والأخر أعظم قوة قدِّم أنفعهما للناس وأقلها ضررًا، فإمارة الحروب يتقدم لها الرجل الشجاع القوي حتى وإن كان فاجراً، وفي هذا سُئِل الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - أيهما أفضل للغزو الرجل القوي الفاجر أم الضعيف الصالح؟ ومع من يُغزى؟ فرد قائلاً: القوي الفاجر؛ لأن قوته للمسلمين وبها يعود النفع عليهم وفجوره على نفسه فقط، والصالح الضعيف صلاحه لنفسه وضعفه على المسلمين، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : «إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر». رواه البخاري.
ولهذا استعمل الرسول صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد على الحرب منذ أن أسلم, مع أنه قد يفعل ما ينكره النبي صلى الله عليه وسلم حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يده إلى السماء قائلاً: «اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد» رواه البخاري، وكان أبو ذر الغفاري رضي الله عنه أصلح منه في الأمانة والصدق، ومع ذلك نهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن الإمارة والولاية لأنه رآه ضعيفاً.
وإن كانت الحاجة في الولاية إلى الأمانة أقوى وأشد وجب عليك تقديم الأمين في حفظ الأموال وغيرها، ولكن ما المانع في اشتراك الاثنين معاً في ولاية واحدة؟ فمثلاً ولاية القضاء تحتاج الأعلم والأورع، فإن كان أحدهما أعلم والآخر أورع، قدِّم من يُظهِر الحق ويخاف أن تحيد نفسه عن الحق: الأورع، ويكون نائبه الأعلم فيما يدقق الحُكم ويخاف فيه الاشتباه. وإذا أردنا أن نولي ولاية لرجل قوي لكنه ليس أميناً فما المانع أن نضم إليه رجلاً أميناً يعينه ويذكره، وكذلك إذا كان أميناً ولكنه ليس بقوي نضم له إنساناً قوياً يساعده في إنجاز الأعمال سواء أكان نائباً أم مساعداً، يرجع إليه في الأمور وإذا رأى فيه تقصيراً أمره أن يتم الأمر. وخير مثال لهذا أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما؛ فإذا كان أبو بكر رقيق القلب حانياً اشتد عمر، وإذا كان الصديق قوياً عازماً على إنفاذ أمره لان عمر ورقَّ حاله كما حدث في حروب الردة.
ولذلك أقول: إن أصواتنا الانتخابية هي أمانة سيحاسبنا الله عز وجل عليها؛ فيجب أن نعطيها لمن يستحق، فلا يجوز أن يكون معيار اختيار نائب مجلس الأمة حسب الغِنَى والفقر أو العصبية القبلية، ولكن يجب أن نفكر أولاً في طبيعة هذا النائب أيصلح لتلك المهمة أم لا؟ هل لديه القوة والأمانة على تشريع القوانين التي تتوافق مع الشريعة الإسلامية أم لا؟ فوالله لو تحقق هذا في زماننا لعم العدل وقل الظلم وانتشر الخير على عامة الناس وتحققت مطالب المواطنين دون الحاجة إلى الرشوة أو المحسوبية أو الواسطة التي تفسد علينا حياتنا بما فيها من ضياع الحقوق ووصولها إلى


اعداد: محمد الراشد




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 08-03-2024, 09:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السياسة الشرعية

السياسة الشرعية (5)

الـصــــــــــــلاة



أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة الصلاة, فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله, فالصلاة ركن أصيل من أركان الإسلام؛ ولهذا كانت أكثر الأحاديث النبوية الشريفة عن الصلاة، وعن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم: «لتنتقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضا الحكم وآخرهن الصلاة». رواه ابن حبان وصححه الألباني.
فإقامة الدين وصلاحه يتوقفان على صلاة العبد وصلاحها وإتمامها, وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميراً على حرب أمّره على الصلاة بأصحابه، فالصلاة فرض على كل مسلم بالغ عاقل لا تسقط عنه أبداً إلا بالموت، فإن كنت لا تستطيع أن تصلي واقفاً فجالساً أو على جنب، وإن نسيت صلاة فصلها حين تتذكرها، وإن كنت مسافراً فجائز لك القصر في الصلاة الرباعية ـ وإن لم تستطع الوضوء لعلة ما, فجائز لك أيضاً التيمم وهكذا, ومن هنا يتضح أن الصلاة لا تسقط عن العبد إلا بموته, عكس الزكاة والصيام والحج فكل هذه تتطلب مقدرة من الفرد على أدائها وإلا سقطت عنه.
كل تلك الرخص قد رخصها الله عز وجل، حتى يستطيع العبد تأدية الصلاة في أي وقت وفى أي مكان، بل كانت آخر ابتسامة للنبي صلى الله عليه وسلم عندما رأى أبا بكر يؤم المسلمين في الصلاة, وكانت آخر كلماتهصلى الله عليه وسلم : «الله الله في الصلاة» أو «الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم».
وكذلك عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- يكتب إلى عماله: إن أهم أموركم عندي الصلاة؛ فمن حافظ عليها وحفظها حفظ دينه، ومن ضيعها كان لما سواها من عمله أشد إضاعة.
نعم, هذا لا غبار عليه؛ فإن أكثر الناس من العمال على أمور المسلمين إضاعة لأعمالهم هم الذين يضيعون الصلاة, وكذلك الموظفون المهملون للوظائف التي وكلت إليهم تجدهم ضعفاء في صلاتهم؛ لأن من ضيعها فهو لما سواها أضيع, ولا ننسى أن الصلاة هي الصلة بين العبد وربه, وإذا لم يكن بين الإنسان وبين الله صلة فكيف يحافظ على عمله وصلته بين الناس؟!
قال الحسن البصري كلمات من نور: «من أراد أن يكلمه الله فعليه بالقرآن, ومن أراد أن يكلم الله فعليه بالصلاة».
فالصلاة هي أقوال وأفعال يقوم بها المسلم بهدف التقرب إلى الله عز وجل, بل إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} (العنكبوت:45).
ومن هنا يتضح أن ولاة الأمور عليهم عبء كبير في اختيار من يُسير أمور الناس بأن يكون محافظاً على صلاته؛ لأنه كما قلنا سالفاً إن المؤدي لصلاته تامةً في أوقاتها، فهو محافظ على عمله وعلى حقوق الناس، ومن جانب آخر كيف نعطي أصواتنا لنواب لا يقربون المسجد، إلا من رحم ربي، فكيف له أن يطبق الشريعة الإسلامية؟! وأن تكون تشريعاته وقوانينه التي تصدر منه مطابقة للمصدر الصحيح ألا وهي الشريعة الإسلامية؟! ولكن نحمد الله عز وجل، فقد ظهرت البشرى في مجلسنا الموقر بعد إقراره عقوبة الإعدام بحق كل من يسب الذات الإلهية أو يسب النبي الكريم[ أو زوجاته رضي الله عنهن، عسى أن يوفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه.


اعداد: محمد الراشد




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 09-03-2024, 06:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السياسة الشرعية

السياسة الشرعية (6)

- الإسلام دين ودنيا



مَن يدعي أن الإسلام يهتم بالدين فقط ويترك أمور الدنيا بما فيها من معاملات البشر مع بعضهم, فالله منه براء؛ إنما الإسلام دين يهتم بالدنيا وما فيها من أمور تساعد العبد المؤمن على الوصول إلى النهاية السعيدة في الآخرة ألا وهي جنات تجري من تحتها الأنهار؛ ولذلك فإننا لسنا منهيين عن إصلاح دنيانا، فالإسلام ليس دين رهبانية, بل دين حق, ودين عدل, يعطي النفوس ما تستحق، ويعطي الخالق ما يجب, فنحن مأمورون بإصلاح دنيانا كما أنت مأمورون بإصلاح ديننا.
سأل نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه - رضي الله عنهن - عن عمله في السر، فكأنهم تقالّوها فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم, وقال بعضهم: لا أنام على فراش, ثم لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم وعلم بما قالوا، حمد الله وأثنى عليه, ثم قال: «ما بال أقوام قالوا كذا وكذا لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني». متفق عليه.
وهذا خير دليل على أن الدين الإسلامي دين يحث على التمتع بما أحله الله لنا من متاع الدنيا ومباهجها، فما شادّ أحد الدين إلا غلبه، وبالتالي فإن ولاة الأمور عليهم مساعدة الرعية على تمام دينهم ودنياهم، ولا ننسى أن إصلاح الدين يعتمد على إصلاح الدنيا في المقام الأول، أما الوالي الذي يهدف في ولايته إلى إصلاح الدنيا فقط ناسياً دينه, وانصرف إلى الترف واللهو, وما أشبه ذلك, فهذا والله ولايته ناقصة, فالولاية الحقة هي التي يريد الوالي فيها أن يستقيم الناس على دين الله.
فمثلاً: إذا قدرنا صاحب البيت في بيته لا يهمه إلا أن يأتي إلى أولاده بالفاكهة الطازجة و«الفرش» اللينة والماء البارد وما لذ وطاب من الأطعمة والأشربة, وكل ما يريح أولاده من مترفات الحياة وملذاتها, أما الدين - للأسف - فهو في غفلة عنه وكما أوضحنا في المقالات السابقة أن الأب ولي على أهل بيته مسؤول عنهم مسؤولية كاملة وسوف يُسأل عنهم يوم الدين؛ ولذلك فإنه بذلك تكون ولايته قاصرة ورعايته أيضاً قاصرة, ومن كان همه هو إصلاح أهله إصلاحاً دينياً، فإنه بالطبع يُجازي على هذا الفعل، ويوضع له في ميزان حسناته - إن شاء الله - ويبتغي أن تكون وسائل الدنيا القصد منها إصلاح الدين، ولتكن المكافآت والمنح والسيارات الجديدة لمن كان أكثر طاعة وحرصاً على دينه من أولاده... وهلم جراً، فإن فعل العبد ذلك ابتغاء وجه الله تعالى وفى سبيل إعانة أهل بيته على طاعة الله عز وجل أعانه الله عليه, أما من ليس له نية صادقة أو قصد حسن ويفعل ما يفعل بقصد إتراف أهله باللباس والطعام والملذات وصناعة المنازل ؛ فإن هذا في الحقيقة عنده قصور عظيم واضح في ولايته.
ومن هذا المنطلق فإن الحياة الدنيا ما هي إلا وسيلة توصلنا إلى الغاية المنشودة ألا وهي رضا الله، فعلى كل راع أن يتقي الله فيما يملك ويبتعد عن الإسراف والترف الزائد عن الحد في حياته الدنيا الزائلة, وأن تكون نيته فيما ينفق خالصةً لوجه الله تعالى.
والله الموفق والمستعان.


اعداد: محمد الراشد




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 09-03-2024, 07:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السياسة الشرعية

السياسة الشرعية (7)

الانتدابات في الوظائف



من الطبيعي أن توفر الحكومة ما عليها من التزامات تجاه المواطنين, من حيث توفير فرص العمل المناسبة لهم, ولا ننسى أن ولي الأمر عليه تولية الأصلح أو اختيار الأمثل فالأمثل بحسب كل وظيفة لديه, فهو يعلم متطلبات تلك الوظيفة وأي تخصص يَصلح له, بل يجب أن تتوافر في هذا الموظف صفتان ضروريتان هما الأمانة والقوة, ولكن هل يتساوى جميع الموظفين في رواتبهم؟ بمعنى أن من قام بعمل شاق يحتاج إلى العمل الكثير في جو غير ملائم كحرارة الجو أو برودته أو مكان يقابله الناس فيه ويؤذونه, أيكون مثل موظف يجلس في المكاتب المكيفة ما عليه إلا أن يكتب ما يوجه إليه؟! الإجابة: بالطبع لا؛ ولذلك على ولي الأمر أو من ينوب عنه من وزراء أو مدراء أو كبراء الموظفين أن يراعوا تلك الظروف وأن تكون رواتب الموظفين على حسب كل وظيفة, وحسب حاجة الناس إليها, وحسب مشقتها للقائم عليها, فالجزاء على قدر المشقة.
هذا ما على الدولة تجاه الموظفين، أما ما على الموظفين فهو ألا يطالبوا ولي الأمر بما لا يستحقونه من زيادة رواتبهم وما إلى ذلك، فإن طالبوه بما لا يستحقونه كانوا كمن قال الله تعالى فيهم: {وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} (التوبة:58).
ومثال حي واضح على طلب الزيادات غير الشرعية أن يطلب الموظف بدل انتداب وهو لم يتجاوز عتبة بابه, فإنه حرام على الموظف طلبه, وحرام على ولي الأمر أن يعطيه ما طلب أيضاً, يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى ـ: «هذا حرام عليكم أن تأخذوا ما لا تستحقونه, وحرام على الذين انتدبوكم أو أعطوكم عوض انتداب وأنتم لم تتحركوا، حرام عليهم ذلك وهم في الحقيقة خائنون لأماناتهم».
وهناك صنف من الموظفين يُكتب لهم انتداب عشرين يوماً, وتلك المهمة قد تنتهي في خمسة عشر يوماً فقط, فنراه يبطئ في عمله ويتأخر حتى تنتهي مدة العشرين يوماً الممنوحة له. هذا أيضا لا يجوز.
وقد يدعي من بعثهم أنهم راضون، وهذا غير صحيح؛ لأنك لو رفعت هذا للمسؤولين عنهم ما رضوا بتلك الانتدابات المزيفة, لكن هذه الانتدابات جاءت من المدراء المباشرين.
ولهذا أنصح إخواني وأخواتي في الله ألا يُدخل أحد منهم إلا ما هو حلال متأكد تماماً من عدم حرمته على أهل بيته.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «لو أمكن أن تُرجع هذا المال الذي أخذته نظير هذا الانتداب المزيف لكي يتبين أن هذا الذي منحك هذا المال أنه ليس بشخص أمين, ولكان خيراً لك وأطيب لأهل بيتك, وإذا لم يمكنك إرجاع هذا المال, فلتجعله في مصالح عامة أو تتصدق به على الفقراء, أو ما شابه ذلك».
والله الموفق والمستعان.



اعداد: محمد الراشد




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 09-03-2024, 08:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السياسة الشرعية

السياسة الشرعية (8)

التوظيف لمنع المظالم أو تخفيفها



يعمل الكثير منا في بعض الوظائف، ولكنه قد يرى ظلماً واقعاً على بعض المواطنين, ولا يدري ماذا يفعل ؟ أيقف صامتاً بلا حراك ؟ أم ينصر المظلوم على الظالم ؟ أم يترك العمل هذا ويبحث عن آخر ؟
يجب أن نعلم أمراً مهما وهو أن المُعين على الإثم والعدوان هو من أعان الظالم على ظلمه، أما من أعان المظلوم على تخفيف الظلم عنه فهذا ليس معيناً على الإثم والعدوان.
فعلى سبيل المثال, شخص يريد أن يعمل في وظيفة ما يتعامل فيها مع جمهور من الناس، فيفعل بعض الأمور تخفيفاً على الناس ـ مع موافقتها لقانون العمل الذي يعمل فيه ـ وأحياناً ينصح زملاءه الموظفين بحسن معاملة هؤلاء الناس، ولا يظلموهم، و لايفضلوا أحداً على أحدٍ لصلة قرابة أو محسوبية أو واسطة وما شابه ذلك, وأن يعطوا كل ذي حقٍِ حقه, فهذا في الواقع مصلحة للظالم والمظلوم, فالظالم تُخفِف عنه الإثم, والمظلوم تُخفِف عنه المظلمة, ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : « انصر أخاك ظالما أو مظلوماً» قالوا: يا رسول الله كيف ننصر الظالم ؟ قال: «تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه». رواه البخاري.
ومن ناحية أخرى يجب على هذا الموظف أن يدفع مظنة السوء عن نفسه, فمن الجائز أن يوجه إليه اللوم لو لم يقل: أنا أعمل من أجل مصلحة المسلمين, فإن لم يسأله أحد فلا يحل لأي شخص أن يقع في عرضه حتى يتبين, فقد يفتري عليه بعضهم أنه يأخذ الرشاوى والإكراميات لكي ييسر عمل هذا أو ذاك, فهذا افتراء على خلق الله بدون بينة واضحة, فهذا الموظف الشريف وضع نفسه في هذا الوضع دفعاً للظلم لا أكثر ولا أقل, إذاً كل إنسان يريد الإصلاح اتهم بقصدٍ سيئ فيقال: لا يريد الإصلاح ! والناس لا يسلم منهم أحداً, وما أكثر المنافقين في هذا الزمان, فإذا جاء رجل من المسلمين بمال كثير في سبيل الله, قالوا: هذا مراءٍ, وآخر جاء بصاع, فقالوا: إن الله غني عن صاعه .. وهكذا, وإذا تأملت الحقيقة لوجدت أن هؤلاء يريدون الخير, ولكن الناس لا يسلم منهم أحد كما قلنا, المهم أصلح أنت ما بينك وبين ربك, يصلح الله لك ما بينك وبين الناس.
وفي الأحوال التي لا يستطيع الإنسان فيها أن يخفف الظلم في بعض الوظائف, فعليه أن يترك هذا العمل حتى لا يكون مشاركاً في الظلم, ومن قال: لا أجد إلا هذه الوظيفة فإن الرزق على الله تعالى, أما لو قال: لو لم أتوظف فيها لتوظف فيها فاسق فاجر يفسد في الأرض بعد إصلاحها وعلى يده يزيد الظلم على الناس، فلا بأس في ذلك.
فإن أيقنت أنك تستطيع في موقع عملك أن تخفف المظالم عن الناس وتساعدهم فعلاً, فلا تتأخر عن فعل ذلك لما فيه خير لك ولغيرك.
والله الموفق والمستعان.


اعداد: محمد الراشد




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 10-03-2024, 09:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السياسة الشرعية

السياسة الشرعية (9)

إنما بعثتم ميسرين



بال مرةً أعرابي في المسجد فقام الصحابة إليه, فقال صلى الله عليه وسلم : «لا تزرموه»، أي: لا تقطعوا عليه بوله, ثم أمر بدلو من ماء فصب عليه, وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «إنما بعثتم ميسرين, ولم تبعثوا معسرين»، والحديثان في الصحيحين، هكذا كانت بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لذلك ينبغي أن يُعرف المسلم عن غيره بحسن أخلاقه وسلامة لسانه من قول المنكر وما يسيء إلى الناس, فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، ولتكن أخلاقك أخي المسلم كأخلاق خير البرية.
فلم لا يكون النبي صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة لنا جميعاً في كل أمورنا, في العمل، والمنزل, والطريق؟! وحتى إن لم تستطع أخي المسلم، فابتسامة رقيقة في وجه أخيك المسلم, قال النبي صلى الله عليه وسلم : «لا تَحقِرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق» رواه مسلم.
فأخي الذي يعمل في وظيفة يتعامل معها مع جمهور من الناس, لم لا تبتسم في وجه هؤلاء وتُيسر لهم أمورهم بما استطعت؟! فإنك بلا شك تُجازى على فعلتك تلك.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون، قالوا: وما المتفيهقون يا رسول الله؟ قال: المتكبرون » رواه الترمذي وصححه الألباني. فلا تكن أيها المسلم ثرثاراً كثير الكلام ولا متشدداً في أحكامك، بل كن لين القول والفعل، وابتعد عن الكبر؛ لأنه لن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر.
وحسن النية من مكارم الأخلاق، فعلى ولي الأمر أن يرأف بالرعية ويحسن إليهم، وليس معنى ذلك أن يفعل ما يهوونه، ويترك ما يكرهونه وإلا فسد الحال, فقد قال الله عز وجل: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ} (المؤمنون:71) وقال للصحابة: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} (الحجرات:7). وإنما الإحسان إليهم يكون بفعل ما ينفعهم في الدين والدنيا، ولو كرهه من كرهه، لكن ينبغي له أن يرفق بهم فيما يكرهون، ومثاله: فيما لو صلى الإمام بالناس صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لنفروا منه، فهل يترك صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ويصلي بهم على ما يريدون؟ بالطبع لا, ليس هذا من الإحسان إلى الرعية ( كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه طالب حاجة لم يرده إلا بها, أو بميسور القول؛ ولذلك فإن ولي الأمر عليه أن يكون كذلك في قسمه وحكمه, فإن الناس دائماً يسألون ولي الأمر ما لا يصلح من الأعطيات والأموال والأجور والولايات .. وغيرها، فيعوضهم من جهة أخرى إن أمكن، أو يردهم بميسور من القول، قال تعالى: { وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ } (الضحى:10) وإذا حكم على شخص فإنه قد يتأذى، فإذا طيب نفسه بما يصلح من القول والعمل كان ذلك من تمام السياسة، فقد قال الله عز وجل لموسي وهارون عليهما السلام لما أرسلهما إلى فرعون: {فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (طه:44).
وهذا ما يحتاج إليه الرجل في سياسته مع نفسه وأهل بيته؛ فإن النفوس لا تستقيم على الحق إلا ببعض اللين والرفق، فليكن كل زوج ليناً رقيقاً مع زوجته وأبنائه وليأخذهم باللين لحثهم على طاعة الله وعبادته.
والله الموفق والمستعان.


اعداد: محمد الراشد




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 10-03-2024, 10:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السياسة الشرعية

السياسة الشرعية (10)

أقسام الناس في الشجاعة والغضب



الغضب صفة بشرية لا يسلم الإنسان منها؛ فهو موجود في كل إنسان بنسب متفاوتة, فهناك من يغضب ويتعصب لأتفه الأسباب, وهناك من يتمالك نفسه عند الغضب ويتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ليس الشديد بالصُّرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب». (متفق عليه من حديث أبي هريرة).
فالثورة والصياح والصوت العالي عند الغضب ليست أبداً مقاييس للقوة, وإنما القوي هو الذي يستطيع أن يسيطر على نفسه ويمتلك زمام أموره عند الغضب؛ لأن الغضب من الشيطان والإنسان عندما يتملكه الغضب ويسيطر عليه يصبح شخصاً آخر فلا يدري ما يقول ولا ما يفعل، وعليه فإن الناس تُقسم إلى أربعة أقسام:
- الأول: قسم بليد لا يغضب لنفسه ولا لربه.
- الثاني: يغضب لنفسه ولربه.
- الثالث: يغضب لربه ولا يغضب لنفسه، وهذا هو الوسط.
- الرابع: يغضب لنفسه لا لربه, وهؤلاء هم شر الخلق.
وكما جاء في «الصحيحين» عن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده خادماً ولا امرأةً ولا دابةً ولا شيئاً قط إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا نيل منه شيء قط فانتقم لنفسه إلا أن تنتهك حرمات الله, فإذا انتهكت حرمات الله لم يقم لغضبه شيء حتى ينتقم لله تعالى». فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يغضب لنفسه أبداً، وإنما إذا انتهكت حرمة من حرمات الله, أما نحن فأسهل شيء هو السباب والشتائم والتمادي فيما يغضب الله، فها نحن أولاء نرى على شاشات التلفاز وصفحات الجرائد ما يحدث داخل مجلس الأمة من بعض النواب الذين يتملكهم غضبهم ويعمي بصائرهم وأبصارهم، المهم عنده أن ينتقم لنفسه عما بدر إليه من إساءة من نائب آخر مخالف له في الرأي، أو هذا الأول متعصب لرأيه غير مدرك لثقافة الحوار والاختلاف, أو خالفت الحكومة رأيه ورفضته، ولذلك أقول لكل واحد من النواب الكرام: انظر في أي قسم أنت من هؤلاء, ولماذا تغضب وتثور؟! أتغضب لنفسك أم لربك؟! فإذا كانت ثورتك وغضبك لإقرار قانون أو تشريع يتماشى مع الشريعة الإسلامية ومنهج السلف الصالح فجزاك الله خيراً ووفقك وأعانك، ونحن من خلفك ندعمك بكل ما نمتلك من قوة, فهذا دورك الحقيقي الذي ننتظره منك, فلا تخشَ في الله لومة لائم، وكن كالجبل الراسخ لا يتزحزح عن مكانه، أما ذلك الذي يثور لغرض شخصي أو لعمل (شو إعلامي) لكي يظهر في البرلمان فهذا خائن للأمانة التي وكلها إليه الناخبون «وإنما الأعمال بالنيات».
وقد يضرب المدرسون طلابهم غضباً لأنفسهم، وقد يكون لله، فقد يضرب المدرس الطالب لأنه رأى هذا الطالب امتهنه, وقد يضربه لأن هذا سوء أدب فيريد أن يقومه ويؤدبه ويعلمه، «وإنما الأعمال بالنيات». وهذا لا يخالف سنة الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه أمر بالضرب للتأديب فقال: «مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر». (رواه الترمذي وأبو داود)، وأولياء الأمور في العهد السابق كانوا يقولون: «خذ لحم وأعطنا عظم» أما الآن فإن تجرأ المدرس بكلمة فإما أن يضرب أو يشتم أو ترفع شكاوى بالمخفر عليه.
أما من يغضب لنفسه لا لربه، أو يأخذ لنفسه ولا يعطي غيره, فهؤلاء لا يصلح بهم دين ولا دنيا، كما أن الصالحين أرباب السياسة الكاملة هم الذين قاموا بالواجبات وتركوا المحرمات، وهم الذين يعطون ما يصلح الدين بعطائه, ولا يأخذون إلا ما أُبيح لهم ويغضبون لربهم إذا انتهكت محارمه ويعفون عن حظوظهم, وهذه أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم في بذله ودفعه, وهى أكمل الأمور، وكلما كان المسلم إليها أقرب كان أفضل، فليجتهد المسلم في التقرب إلى الله وليبتعد عما يثيره ويغضبه وليستغفر الله بعد ذلك.
والله الموفق والمستعان.



اعداد: محمد الراشد


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 131.85 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 126.01 كيلو بايت... تم توفير 5.84 كيلو بايت...بمعدل (4.43%)]