القاضي أبو يوسف وحياته الفقهية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7818 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 45 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859336 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393658 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215880 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 75 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > الملتقى العام > ملتقى أعلام وشخصيات
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-03-2020, 06:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي القاضي أبو يوسف وحياته الفقهية

القاضي أبو يوسف وحياته الفقهية
د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري




المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، ولي المتقين، أحب الصالحين، وقرب المتقين، والصلاة والسلام على خير المرسلين، وإمام الأولين والآخرين، وبعد:
فهـذه نبذة مختصرة في ترجمة علم من أعلام الفقه الإسلامي، وقاضي من قضاة الإسلام الأوائل، بعنوان: "القاضي أبو يوسف - وحياته الفقـهية"، كتبتها رجاء الأسباب التالية:
1 - معرفة خصال هذا العلم وشمائله، والتعريج على مواطن الاقتداء والإتساء به، لعلي أن أسلك أثره، وأخطه خطته، وأزكي نفسي بذكر شمائله، قال أبو حنيفة: إن ذكر الحكايات عن العلماء أحب إلى نفسي من كثير من الفقه.

2 - الوقوف على ملامح تلك الفترة التي عاشها أبو يوسف، وكيف كانت بدايته الفقيرة في حلق العلم، ثم نهايته المشرقة في مجالس القضاء، وإدراك ما يصنع العلم بأهله.

3 - دراسة منهج مدرسة الرأي والمواقف منها، ومعرفة ما أفرزته هذه المدرسة من عطاء خصب للأمة الإسلامية متمثلة في علم من أعلامها البارزين.

لذا فقد حرصت على الوقوف على مواضع التأثير، والتقاط المواقف التي تشرح شخصية هذا العلم من جل جوانبها، وقد جعلت هذا البحث على مبحثين:
المبحث الأول: القاضي أبو يوسف، وأخذه للعـلم، وتحته مطلبان:
المطلب الأول: نسبـه وطلبه للعـلم.
المطلب الثاني: ثناء العلماء عليه.

المبحث الثاني: القاضي أبو يوسف، وبذله للعـلم، وتحته مطلبان:
المطلب الأول: توليه للقضاء.
المطلب الثاني: تدريسه وتأليفـه.
والله اسأل أن ينفعني بما كتبت، وأن يجعله سراجًا لي في الدنيا، ونورًا بين يديّ يوم القيامة، إنه سميع قريب مجيب.

الباحث/ طالب عمر بن حيـدرة الكثيري
الاثنين 13 محرم 1429هـ
♦ ♦ ♦

المبحث الأول: القاضي أبو يوسف، وأخذه للعلم:
المطلب الأول: نسبه وطلبه للعلم:
اسـمه ونسبه:
أبو يوسف القاضي، وصفه الذهبي: الإمام صاحب الإمام،[1] فقيه العراقين،[2] واسمه يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن سعد بن بجير بن معاوية بن قحافة بن نفيل بن سدوس بن عبد مناف بن أبي أسامة بن سحمة بن سعد بن عبد الله بن قرادة بن ثعلبة بن معاوية بن زيد بن الغوث بن بجيلة، وأم سعد بن بجير حبتة بنت مالك من بني عمرو بن عوف من الأنصار، وإنما يعرف سعد بأمه، يقال له: سعد بن حبتة، وهم حلفاء في بني عمرو بن عوف،[3] وسعد بن حبتة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان فيمن عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد مع رافع بن خديج وابن عمر.[4]

مولده ونشأته في طلب العلم:
قال أبو جعفر الطحاوي: مولد أبي يوسف سنة ثلاث عشر ومائة،[5] وقد روى الخطيب البغدادي بسنده عن علي بن الجعد قال: أخبرني يعقوب بن إبراهيم أبو يوسف القاضي، قال: توفي أبي؛ إبراهيم بن حبيب، وخلفني صغيرًا في حجر أمي، فأسلمتني إلى قصار أخدمه؛ فكنت أدع القصار، وأمر إلى حلقة أبي حنيفة، فأجلس استمع، فكانت أمي تجيء خلفي إلى الحلقة، فتأخذ بيدي وتذهب بي إلى القصار، وكان أبوحنيفة يعني بي؛ لما يرى من حضوري وحرصي على التعلم، فلما كثر ذلك على أمي، وطال عليها هربي، قالت: لأبي حنيفة؛ ما لهذا الصبي فساد غيرك، هذا صبي يتيم لا شيء له، وإنما أطعمه من مغزلي، وآمل أن يكسب دانقًا يعود به على نفسه، فقال لها أبو حنيفة: مري يا رعناء، هذا هو ذا يتعلم أكل الفالوذج بدهن الفستق، فانصرفت عنه، وقالت له: أنت شيخ قد خرفت، وذهب عقلك، ثم لزمته؛ فنفعني الله بالعلم، ورفعني حتى تقلدت القضاء، وكنت أجالس الرشيد، وآكل معه على مائدته، فلما كان في بعض الأيام قدم إلي هارون فالوذجة، فقال لي هارون: يا يعقوب، كل منه فليس كل يوم يعمل لنا مثله، فقلت: وما هذه يا أمير المؤمنين؟ فقال: هذه فالوذجة بدهن الفستق، فضحكت، فقال لي: مم ضحكت؟ فقلت: خيرًا أبقى الله أمير المؤمنين، قال: لتخبرني وألح علي، فخبرته بالقصة من أولها إلى آخرها؛ فعجب من ذلك، وقال: لعمري إن العلم ليرفع وينفع دينًا ودنيا، وترحم على أبي حنيفة، وقال: كان ينظر بعين عقله مالا يراه بعين رأسه.[6]

وقد روى الخطيب البغدادي بسنده عن علي بن الجعد قال: أخبرني يعقوب بن إبراهيم أبو يوسف القاضي، قال: توفي أبي؛ إبراهيم بن حبيب، وخلفني صغيرًا في حجر أمي، فأسلمتني إلى قصار أخدمه؛ فكنت أدع القصار، وأمر إلى حلقة أبي حنيفة، فأجلس استمع، فكانت أمي تجيء خلفي إلى الحلقة، فتأخذ بيدي وتذهب بي إلى القصار، وكان أبوحنيفة يعني بي؛ لما يرى من حضوري وحرصي على التعلم، فلما كثر ذلك على أمي، وطال عليها هربي، قالت: لأبي حنيفة؛ ما لهذا الصبي فساد غيرك، هذا صبي يتيم لا شيء له، وإنما أطعمه من مغزلي، وآمل أن يكسب دانقًا يعود به على نفسه، فقال لها أبو حنيفة: مري يا رعناء، هذا هو ذا يتعلم أكل الفالوذج بدهن الفستق، فانصرفت عنه، وقالت له: أنت شيخ قد خرفت، وذهب عقلك، ثم لزمته؛ فنفعني الله بالعلم، ورفعني حتى تقلدت القضاء، وكنت أجالس الرشيد، وآكل معه على مائدته، فلما كان في بعض الأيام قدم إلي هارون فالوذجة، فقال لي هارون: يا يعقوب، كل منه فليس كل يوم يعمل لنا مثله، فقلت: وما هذه يا أمير المؤمنين؟ فقال: هذه فالوذجة بدهن الفستق، فضحكت، فقال لي: مم ضحكت؟ فقلت: خيرًا أبقى الله أمير المؤمنين، قال: لتخبرني وألح علي، فخبرته بالقصة من أولها إلى آخرها؛ فعجب من ذلك، وقال: لعمري إن العلم ليرفع وينفع دينًا ودنيا، وترحم على أبي حنيفة، وقال: كان ينظر بعين عقله مالا يراه بعين رأسه.[7]

لطـيفة:
روى القاضي الصيمري بسنده هذه القصة الماتعة عن الفضل بن غانم قال: كان أبو يوسف مريضًا شديد المرض، فعاده أبو حنيفة مرارًا، فصار إليه آخر مرة، فرآه ثقيلاً، فاسترجع، ثم قال: لقد كنت أؤملك بعدي للمسلمين، ولئن أصيب الناس بك ليموتن معك علم كثير، ثم رزق العافية، وخرج من العلة، فأخبر أبو يوسف بقول أبي حنيفة فيه، فارتفعت نفسه، وانصرفت وجوه الناس إليه، فعقد لنفسه مجلسًا في الفقه، وقصر عن لزوم مجلس أبي حنيفة، فسأل عنه، فأخبر أنه قد عقد لنفسه مجلسًا، وأنه بلغه كلامك فيه، فدعا رجلاً كان له عنده قدر، فقال: سر إلى مجلس يعقوب، فقل له: ما تقول في رجل دفع إلى قصار ثوبًا ليقصره بدرهم، فسار إليه بعد أيام في طلب الثوب، فقال له القصار: ما لك عندي شيء! وأنكره، ثم إن رب الثوب رجع إليه، فدفع إليه الثوب مقصورًا أله أجرة؟ فإن قال: له أجرة، فقل: أخطأت، وإن قال: لا أجرة له، فقل: اخطأت، فسار إليه، فسأله، فقال أبو يوسف: له الاجرة، فقال له: أخطأت، فنظر ساعة، ثم قال: لا أجرة له، فقال له: أخطأت، فقام أبو يوسف من ساعته، فأتى أبا حنيفة، فقال له: ما جاء بك إلا مسألة القصار، قال: أجل، فقال: سبحان الله من قعد يفتي الناس، وعقد مجلسًا يتكلم في دين الله، وهذا قدره! لا يحسن أن يجيب في مسألة من الإجارات، فقال: يا أبا حنيفة، علمني، فقال: إن كان قصره بعد ما غصبه فلا أجرة له؛ لأنه إنما قصره لنفسه، وإن كان قصره قبل أن يغصبه فله الأجرة؛ لأنه قصره لصاحبه، ثم قال: من ظن أنه يستغني عن التعلم؛ فليبك على نفسه.[8]

وكان أبو يوسف يقول: ما قلت قولاً خالفت فيه أبا حنيفة إلا وهو قول قاله، ثم رغب عنه.[9]

المطلب الثاني: ثناء العلماء عليه:
قال النسائي في الوحدان: أبو يوسف القاضي ثقة،[10] وقال يحيى بن معين: كان أبو يوسف القاضي يميل إلى أصحاب الحديث كثيرًا، وكتبنا عنه، ولم يزل الناس يكتبون عنه،[11] وقال: ليس في أصحاب الرأي أحد أكثر حديثًا، ولا أثبت من أبى يوسف، سمعت أبا يعلي يقول: سمعت عمرو الناقد يقول: لا أرى أن أروي عن أحد من أصـحاب الرأي إلا أبو يوسف فإنه كان صاحب سنة... وهو كثيرًا ما يخالف أصحابه، ويتبع أهل الأثر إذا وجد فيه خبرًا مسندًا،[12] ولم يختلف يحيى بن معين وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني في ثقته في النقل،[13] وكان أحمد بن حنبل يقول: أول ما طلبت الحديث ذهبت إلى أبي يوسف القاضي، ثم طلبنا بعد، فكتبنا عن الناس،[14] وعن بشر بن الوليد قال: سمعت أبا يوسف يقول: سألني الأعمش عن مسألة؛ فأجبته فيها، فقال لي: من أين قلت هذا؟ فقلت: لحديثك الذي حدثتناه أنت، ثم ذكرت له الحديث، فقال لي: يا يعقوب، إني لأحفظ هذا الحديث قبل أن يجتمع أبواك، فما عرفت تأويله حتى الآن!،[15] قال ابن حبان في ترجته في الثقات: صالحًا، وكان يسرد الصوم.[16]

وعن هلال بن يحيى قال: كان أبو يوسف يحفظ التفسير والمغازي وأيام العرب وكان أقل علومه الفقه،[17] وقال جعفر بن يس قال: كنت عند المزني فوقف عليه رجل، فسأله عن أهل العراق، فقال له: ما تقول في أبي حنيفة؟ فقال: سيدهم، قال: فأبو يوسف؟ قال: أتبعهم للحديث، قال: فمحمد بن الحسن؟ قال: أكثرهم تفريعًا، قال: فزفر؟ قال: أحدثهم قياسًا،[18] وقال المزني: أبو يوسف اتبع القوم للحديث،[19] وهو أول من وضع الكتب في أصول الفقه على مذهب أبي حنيفة، وأملى المسائل ونشرها، وبث علم أبي حنيفة في أقطار الأرض، قال النخعي: حدثنا أحمد بن عمار بن أبي مالك قال: سمعت عمار بن أبي مالك يقول: ما كان فيهم مثل أبي يوسف، لولا أبو يوسف ما ذكر أبو حنيفة ولا بن أبي ليلى، ولكنه هو نشر أقوالهم، وبث علومهم.[20]

الشهادة بفضله على أقرانه:
روى الخطيب بسنده إلى محمد بن عمارة يقول: رأيت أبا يوسف وزفر يومًا افتتحا مسألة عند أبي حنيفة من حين طلعت الشمس إلى أن نودي بالظهر، فإذا قضى لأحدهما على الآخر، قال له الآخر: أخطأت ما حجتك، فيخبره حتى كان آخر ذلك أن قضى لأبي يوسف على زفر حين نودي بالظهر، فقام أبو يوسف، قال: فضرب أبو حنيفة على فخذ زفر، وقال: لا تطعمن في الرياسة بأرض يكون هذا بها.[21]

وروى أيضًا عن نجيح بن إبراهيم قال: حدثنا ابن كرامة قال: كنا عند وكيع يومًا، فقال رجل: أخطأ أبو حنيفة، فقال وكيع: كيف يقدر أبو حنيفة يخطئ! ومعه مثل أبي يوسف وزفر في قياسهما، ومثل يحيى بن أبي زائدة وحفص ابن غياث وحبان ومندل في حفظهم الحديث، والقاسم بن معن في معرفته باللغة والعربية، وداود الطائي وفضيل بن عياض في زهدهما وورعهما، من كان هؤلاء جلساؤه لم يكد يخطئ؛ لأنه أن أخطأ ردوه.[22]

قال أبو حنيفة يومًا: أصحابنا هؤلاء ستة وثلاثون رجلاً؛ منهم ثمانية وعشرون يصلحون للقضاء، ومنهم ستة يصلحون للفتوى، ومنهم اثنان يصلحان يؤدبان القضاة وأصحاب الفتوى، وأشار إلى أبي يوسف وزفر.[23]

وعن البرقاني قال: سألت أبا الحسن الدارقطني عن أبي يوسف صاحب أبي حنيفة، فقال: هو أقوى من محمد بن الحسن.[24]

المبحث الثاني: القاضي أبو يوسف، وبذله للعـلم:
المطلب الأول: توليه القضاء:
صيره المهدي مع ابنه موسى - وهو ولي عهده - على قضائه، وكان معه بجرجان حين أتته الخلافة، ثم قدم معه بغداد،[25] وولاه موسى بن المهدي القضاء بها، ثم هارون الرشيد من بعده، وهو أول من دعي بقاضي القضاة في الإسلام،[26] فولي القضاء إلى أن مات ست عشرة سنة،[27] وقال ابن سماعة: كان أبو يوسف يصلى بعد ما ولي القضاء في كل يوم مائتي ركعة.[28]

قال أبو عمر: لا أعلم قاضيًا كان إليه تولية القضاء في الآفاق من الشرق إلى الغرب إلا أبا يوسف هذا فى زمانه، وأحمد بن أبي داود في زمانه،[29] ويقال: إنه أول من غير لباس العلماء إلى هذه الهيئة التي هم عليها في هذا الزمان، وكان ملبوس الناس قبل ذلك شيئًا واحدًا لا يتميز أحد عن أحد بلباسه.[30]

عجيبة في عدله وقوله كلمة الحق:
روى الخطيب عن وكيع أخبرني إبراهيم بن أبي عثمان عن يحيى بن عبد الصمد قال: خوصم موسى أمير المؤمنين إلى أبي يوسف في بستانه، فكان الحكم في الظاهر لأمير المؤمنين، وكان الأمر على خلاف ذلك، فقال أمير المؤمنين لأبي يوسف: ما صنعت في الأمر الذي يتنازع إليك فيه؟ قال: خصم أمير المؤمنين يسألني أن أحلف أمير المؤمنين أن شهوده شهدوا على حق، فقال له موسى: وترى ذلك، قال: قد كان ابن أبي ليلى يراه، قال: فأردد البستان عليه.[31]

من ذكائه في القضـاء:
قال حماد بن إسحاق الموصلي حدثني أبي قال: حدثني بشر بن الوليد، وسألته: من أين جاء؟ قال: كنت عند أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي، وكنا في حديث ظريف، قال: فقلت له: حدثني به، فقال: قال لي يعقوب: بينا أنا البارحة قد أويت إلى فراشي، وإذا داق يدق الباب دقًا شديدًا، فأخذت علي إزاري، وخرجت فإذا هو هرثمة بن أعين، فسلمت عليه، فقال: أجب أمير المؤمنين، فقلت: يا أبا حاتم، لي بك حرمة، وهذا وقت كما ترى، ولست آمن أن يكون أمير المؤمنين دعاني لأمرٍ من الأمور، فإن أمكنك أن تدفع بذلك إلى غدٍ فلعله أن يحدث له رأي، فقال: ما إلى ذلك سبيل، قلت: كيف كان السبب؟ قال: خرج إلي مسرور الخادم؛ فأمرني أن آتي بك أمير المؤمنين، فقلت: تأذن لي أصب علي ماء واتحنط، فإن كان أمر من الأمور كنت قد أحكمت شأني، وإن رزق الله العافية فلن يضر، فأذن لي فدخلت فلبست ثيابًا جددًا، وتطيبت بما أمكن من الطيب، ثم خرجنا، فمضينا حتى أتينا دار أمير المؤمنين الرشيد، فإذا مسرور واقف، فقال له هرثمة: قد جئت به، فقلت لمسرور: يا أبا هاشم، خدمتي وحرمتي، وهذا وقت ضيق، فتدري لم طلبني أمير المؤمنين؟ قال: لا، قلت: فمن عنده؟ قال: عيسى بن جعفر؟ قلت: ومن؟ قال: ما عنده ثالث، قال: مر وإذا صرت إلى الصحن؛ فإنه في الرواق، وهو ذاك جالس، فحرك رجلك بالأرض؛ فإنه سيسألك، فقل: أنا فجئت، ففعلت، فقال: من هذا؟ قلت: يعقوب، قال: ادخل، فدخلت، فإذا هو جالس، وعن يمينه عيسى بن جعفر، فسلمت فرد علي السلام، وقال: أظننا روعناك، قلت: إي والله، وكذلك من خلفي، قال: اجلس، فجلست حتى سكن روعي، ثم التفت إلي، فقال: يا يعقوب، تدري لم دعوتك؟ قلت: لا، قال: دعوتك لأشهدك على هذا؛ أن عنده جارية سألته أن يهبها لي فامتنع، وسألته أن يبيعها فأبى، والله لئن لم يفعل لأقتلنه، قال: فالتفت إلى عيسى، وقلت: وما بلغ الله بجارية تمنعها أمير المؤمنين، وتنزل نفسك هذه المنزلة، قال: فقال لي: عجلت علي في القول قبل أن تعرف ما عندي، قلت: وما في هذا من الجواب، قال: إن علي يمينًا بالطلاق والعتاق وصدقة ما أملك أن لا أبيع هذه الجارية ولا أهبها، فالتفت إلي الرشيد، فقال: هل له في ذلك من مخرج؟ قلت: نعم، قال: وما هو؟ قلت: يهب لك نصفها ويبيعك نصفها؛ فتكون لم تبع ولم تهب، قال عيسى: ويجوز ذلك، قلت: نعم، قال: فأشهد أني قد وهبت له نصفها، وبعته النصف الباقي بمائة ألف دينار، فقال: الجارية، فأتي بالجارية وبالمال، فقال: خذها يا أمير المؤمنين، بارك الله لك فيها، قال: يا يعقوب، بقيت واحدة، قلت: وما هي؟ قال: هي مملوكة، ولا بد أن تستبرأ، ووالله إن لم أبت معها ليلتي إني أظن أن نفسي ستخرج، قلت: يا أمير المؤمنين، تعتقها وتتزوجها؛ فإن الحرة لا تستبرأ، قال: فإني قد أعتقتها؛ فمن يزوجنيها؟ قلت: أنا، فدعا بمسرور وحسين، فخطبت وحمدت الله، ثم زوجته على عشرين ألف دينار، ودعا بالمال فدفعه إليها.[32]

ومما يدل على ذلك أيضًا: أنه قدم إلى أبي يوسف مسلم قتل ذميًا، فأمر أن يقاد به، ووعدهم ليومٍ، وأمر بالقاتل فحبس، فلما كان في اليوم الذي وعدهم، حضر أولياء الذمي، وجيء بالمسلم القاتل، فلما هم أبو يوسف أن يقول: أقيدوه، رأى رقعة قد سقطت، فتناولها صاحب الرقاع وخنسها، فقال له أبو يوسف: ما هذه التي خنستها؟ فدفعها إليه، فإذا فيها أبيات شعر، قالها أبو المضرجي شاعر ببغداد:
يا قاتل المسلم بالكافرِ
جرت وما العادل كالجائرِ

يا من ببغداد وأطرافها
من فقهاء الناس أو شاعرِ

جار على الدين أبو يوسف
إذ يقتل المسلم بالكافرِ

فاسترجعوا وأبكوا على دينكم
واصطبروا فالأجر للصابرِ


قال: فأمر بالقمطر فشد وركب إلى الرشيد، فحدثه بالقصة، واقرأه الرقعة، فقال له الرشيد: اذهب فاحتل، فلما عاد أبو يوسف إلى داره، وجاءه أولياء الذمي يطالبونه بالقود، قال لهم: ائتوني بشاهدين عدلين أن صاحبكم كان يؤدي الجزية!.[33]

من نوادره وسرعة بديهته:
كان رجل يجلس إلى أبي يوسف فيطيل الصمت، فقال له أبو يوسف: ألا تتكلم؟ فقال: بلى، متى يفطر الصائم؟ قال: إذا غابت الشمس، قال: فإن لم تغب إلى نصف الليل، قال: فضحك أبو يوسف، وقال: أصبت في صمتك، وأخطأت أنا في استدعاء نطقك، ثم تمثل:
عجبت لإزراء العيي بنفسه
وصمت الذي قد كان للقول أعلما

وفي الصمت ستر للعيي وإنما
صحيفة لب المرء أن يتكلما[34].


وكان أبو يوسف راكبًا وغلامه يعدو وراءه، فقال له رجل: أتستحل أن يعدو غلامك؟ لم لا تركبه! فقال له: أيجوز عندك أن أسلم غلامي مكاريًا، قال: نعم، قال: فيعدو معي كما يعدو لو كان مكاريًا.[35]

وعن علي بن الجعد أن القاضي أبا يوسف كتب يومًا كتابًا، وعن يمينه إنسان يلاحظ ما يكتبه، ففطن له أبو يوسف، فلما فرغ من الكتابة التفت إليه، وقال له: هل وقفت على شيءٍ من خطأ؟ فقال: لا، والله ولا حرف واحد، فقال له أبو يوسف: جزيت خيرًا حيث كفيتنا مؤونة قراءته، ثم أنشد:
كأنه من سوء تأديبه ♦♦♦ أسلم في كتاب سوء الأدب [36]

المطلب الثاني: تدريسه، وتأليفه:
ترأس الإمام أبو يوسف حلقة شيخه أبي حنيفة بعد الإمام زفر، وإليه رجعت رئاسة المذهب الحنفي، فعلم وأفاد، وقرر المسائل، وفرع في أبواب القضاء، وإليه الفتوى فيه، وله من الكتب:
1 - اختلاف الأمصار.
2 - أدب القاضي على مذهب أبي حنفية.
3 - آمالي في الفقه.
4 - كتاب البيوع.
5 - كتاب الجوامع يحتوي أربعين كتاباً في اختلاف الناس والرأي المأخوذ به.
6 - كتاب الحدود.
7 - كتاب الخراج.
8 - كتاب الرد على مالك بن أنس.
9 - كتاب الفرائض، وغيرها.[37]

من أقواله ومواعظه:
كان يقول: صحبة من لا يخشى العار عار يوم القيامة، وقال: رؤوس النعم ثلاثة: فأولها نعمة الإسلام؛ التي لا تتم نعمة إلا بها، والثانية: نعمة العافية؛ التي لا تطيب الحياة إلا بها، والثالثة: نعمة الغنى؛ التي لا يتم العيش إلا بها، ومن نصائحه الجميلة لطلبة العلم: العلم شيء لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك، وأنت إذا أعطيته كلك من إعطائه البعض على غرر، وقال أيضًا: من أراد أن يتعلم الرأي فليأكل خبزًا دبنًا حتى يحرق كبده، ولا يأكل التين والعنب.[38]

وكان يقول: لا تطلب الحديث بكثرة الرواية؛ فترمى بالكذب، ولا تطلب الدنيا بالكيمياء فتفلس، ولا تحصل بيدك شيء، ولا تطلب العلم بالكلام؛ فإنك تحتاج تعتذر كل ساعة إلى واحد، وقال: العلم بالكلام جهل.[39]

وفـاته:
مات سنة إحدى وثمانين ومائة،[40] وفي طبقات خليفة بن خياط: مات سنة اثنتين وثمانين ومائة،[41] وقال ابن سعد في الطبقات: لخمس ليال خلون من ربيع الآخر، سنة اثنتين وثمانين ومائة في خلافة هارون،[42] قال الذهبي: عن سبعين سنة إلا سنة،[43] ولما مات قال عباد بن العوام: ينبغي لأهل الإسلام أن يعزى بعضهم بعضًا بأبي يوسف.[44]
وأوصى بمائة ألف لأهل مكة، ومائة ألف لأهل المدينة، ومائة ألف لأهل الكوفة، ومائة ألف لأهل بغداد،[45] فرحمه الله.

ثبت المراجع والمصادر:
1. التاريخ الكبير: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم أبو عبد الله البخاري الجعفي/ دار الفكر/ تحقيق: السيد هاشم الندوي.
2. تسمية من لم يرو عنه غير رجل واحد: أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي/ دار الوعي/ حلب/ 1369هـ/ ط1/ تحقيق: محمود إبراهيم زايد.
3. الثقات: محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي/ دار الفكر/ 1395هـ - 1975م/ ط1/ تحقيق: السيد شرف الدين أحمد.
4. مشاهير علماء الأمصار: محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي/ دار الكتب العلمية/ بيروت/ 1959م/ تحقيق: م. فلايشهمر.
5. الطبقات: خليفة بن خياط أبو عمر الليثي العصفري/ دار طيبة/ الرياض/ 1402هـ - 1982م/ ط2/ تحقيق: د. أكرم ضياء العمري.
6. الجرح والتعديل: عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس أبو محمد الرازي التميمي/ ط1/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت / 1271هـ - 1952م.
7. الكامل في ضعفاء الرجال: عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد أبو أحمد الجرجاني/ ط3/ دار الفكر/ بيروت/ 1409هـ - 1988م / تحقيق: يحيى مختار غزاوي.
8. الطبقات الكبرى: محمد بن سعد بن منيع أبو عبد الله البصري الزهري/ دار صادر/ بيروت/ د.ت.
9. تذكرة الحفاظ: أبو عبد الله شمس الدين محمد الذهبي/ دار الكتب العلمية/ بيروت/ ط1/ د.ت.
10. لسان الميزان: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي/ مؤسسة الأعلمي للمطبوعات/ بيروت/ 1406هـ - 1986 م/ ط3/ تحقيق: دائرة المعرف النظامية - الهند.
11. المعين في طبقات المحدثين: محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي أبو عبد الله/ دار الفرقان/ عمان/ الأردن/ 1404هـ/ ط1/ تحقيق: د. همام عبد الرحيم سعيد.
12. الكنى والأسماء: مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري أبو الحسين/ الجامعة الإسلامية/ المدينة المنورة/ 1404 هـ/ ط1/ تحقيق: عبد الرحيم محمد أحمد القشقري.
13. تسمية فقهاء الأمصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم: أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي/ دار الوعي/ حلب/ 1369هـ/ ط1/ تحقيق: محمود إبراهيم زايد.
14. تاريخ بغداد: أحمد بن علي أبو بكر الخطيب البغدادي/ دار الكتب العلمية/ بيروت/ د.ت.
15. الأنساب: أبو سعيد عبد الكريم بن محمد ابن منصور التميمي السمعاني/ ط1/ دار الفكر/ بيروت/ 1998م/ تحقيق: عبد الله عمر البارودي.
16. وفيات الأعيان، أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان/ دار الثقافة/ لبنان/ تحقيق: إحسان عباس.
17. الجواهر المضية في طبقات الحنفية/ عبد القادر بن أبي الوفاء محمد بن أبي الوفاء القرشي أبو محمد/ مير محمد كتب خانه - كراتشي/ د.ت.
18. تاج التراجم في طبقات الحنفية: أبو الفداء زين الدين قاسم بن قطلوبغا السودوني/ دار القلم/ دمشق/ سوريا/ 1413هـ - 1992م/ ط1/ تحقيق: محمد خير رمضان يوسف.
19. أخبار أبي حنيفة وأصحابه: القاضي أبي عبد الله حسين بن علي الصيمري/ ط2/ عالم الكتب/ بيروت/ 1405هـ - 1985م.


[1] لسان الميزان 7/ 124.

[2] تذكرة الحفاظ 1/ 292.

[3] طبقات ابن سعد 7/ 330، والثقات لابن حبان 7/ 645، والكنى والأسماء 2/ 922، وتسمية مشاهير الأمصار/ 128، وفيات الأعيان 6/ 378.

[4] تاريخ بغداد 14/ 244.

[5] تاريخ بغداد 14/ 244، والأنساب 4/ 432.

[6] تاريخ بغداد 14/ 244.

[7] تاريخ بغداد 14/ 244.

[8] أخبار أبي حنيفة 1/ 29.

[9] طبقات الحنفية 2/ 220.

[10] تسمية من لم يرو عنه إلا راو واحد/ 124.

[11] الجرح والتعديل 9/ 201.

[12] الكامل في الضعفاء 7/ 145.

[13] تاريخ بغداد 14/ 244.

[14] تاريخ بغداد 14/ 255.

[15] تاريخ بغداد 14/ 246، والأنساب 4/ 433، وفيات الأعيان 6/ 382.

[16] الثقات 7/ 647.

[17] الأنساب 4/ 433.

[18] الأنساب 4/ 433.

[19] تذكرة الحفاظ 1/ 293.

[20] تاريخ بغداد 14/ 245، ووفيات الأعيان 6/ 382.

[21] تاريخ بغداد 14/ 247.

[22] نفس المصدر.

[23] نفس المصدر.

[24] تاريخ بغداد 14/ 260.

[25] طبقات ابن سعد 7/ 330.

[26] تاريخ بغداد 14/ 242، والأنساب 4/ 432، ووفيات الأعيان 6/ 379.

[27] تاريخ بغداد 14/ 261.

[28] تذكرة الحفاظ 1/ 293.

[29] طبقات الحنفية 2/ 220.

[30] وفيات الأعيان 6/ 379، وطبقات الحنفية 2/ 222.

[31] تاريخ بغداد 14/ 249، وفيات الأعيان 6/ 383.

[32] تاريخ بغداد 14/ 250.

[33] تاريخ بغداد 14/ 254.

[34] الأنساب 4/ 432.

[35] وفيات الأعيان 6/ 383.

[36] وفيات الأعيان 6/ 382.

[37] هدية العارفين 2/ 226، وكشف الظنون 2/ 1415.

[38] تاريخ بغداد 14/ 248 - 249.

[39] وفيات الأعيان 6/ 383، وتاريخ بغداد 14/ 253.

[40] مشاهير الأمصار 1/ 171.

[41] ص 328.

[42] 7/ 330.

[43] تذكرة الحفاظ 1/ 293.

[44] تاريخ بغداد 14/ 261.

[45] طبقات الحنفية 2/ 222.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



 

[حجم الصفحة الأصلي: 79.32 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 76.97 كيلو بايت... تم توفير 2.35 كيلو بايت...بمعدل (2.96%)]