التبيان في إعراب القرآن ----- متجدد - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الجامع في أحكام صفة الصلاة للدبيان 3 كتاب الكتروني رائع (اخر مشاركة : Adel Mohamed - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          دور المسجد في بناء المجتمع الإنساني المتماسك السليم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          ملامح الشخصية الحضارية في الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          المثنى بن حارثة الشيباني فارس الفرسان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          أدب الحديث على الهاتف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          المدرسة الإسماعيلية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          أثر صحبة العلماء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          أحكام خطبة الجمعة وآدابها***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 94 - عددالزوار : 74472 )           »          علمني هؤلاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          الحب المفقود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النحو وأصوله

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-10-2020, 09:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,491
الدولة : Egypt
افتراضي التبيان في إعراب القرآن ----- متجدد

الكتاب : التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري
(المتوفى : 616هـ)

الناشر : دار الفكر
1421هــ _ 2001مــ

عدد الأجزاء : 2




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 23-10-2020, 09:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,491
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التبيان في إعراب القرآن ----- متجدد



الكتاب : التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري
سورة الفاتحة
صــ8 إلى صــ 13
الحلقة (2)


إِعْرَابُ الِاسْتِعَاذَةِ :
( أَعُوذُ ) أَصْلُهُ أَعْوُذُ بِسُكُونِ الْعَيْنِ وَضَمِّ الْوَاوِ ، مِثْلُ أَقْتُلُ ; فَاسْتُثْقِلَتِ الضَّمَّةُ عَلَى الْوَاوِ فَنُقِلَتْ إِلَى الْعَيْنِ وَبَقِيَتْ سَاكِنَةً . وَمَصْدَرُهُ عَوْذٌ ، وَعِيَاذٌ ، وَمَعَاذٌ .

وَهَذَا تَعْلِيمٌ وَالتَّقْدِيرُ فِيهِ : قُلْ أَعُوذُ .

وَ ( الشَّيْطَانِ ) فَيْعَالٌ مِنْ شَطَنَ يَشْطُنُ إِذَا بَعُدَ ، وَيُقَالُ فِيهِ شَاطَنَ وَتَشَيْطَنَ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ كُلُّ مُتَمَرِّدٍ لِبُعْدِ غَوْرِهِ فِي الشَّرِّ .

وَقِيلَ : هُوَ فَعْلَانُ ، مِنْ شَاطَ يَشِيطُ إِذَا هَلَكَ ; فَالْمُتَمَرِّدُ هَالِكٌ بِتَمَرُّدِهِ .

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سُمِّيَ بِفَعْلَانَ لِمُبَالَغَتِهِ فِي إِهْلَاكِ غَيْرِهِ .

وَ ( الرَّجِيمِ ) فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ ، أَيْ مَرْجُومٌ بِالطَّرْدِ وَاللَّعْنِ .

وَقِيلَ : هُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ ، أَيْ يَرْجُمُ غَيْرَهُ بِالْإِغْوَاءِ .
[ ص: 9 ] إِعْرَابُ التَّسْمِيَةِ : قَالَ تَعَالَى : ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ( 1 ) ) الْبَاءُ فِي : بِسْمِ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ ; فَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ الْمَحْذُوفُ مُبْتَدَأٌ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ خَبَرُهُ ، وَالتَّقْدِيرُ ابْتِدَائِي بِسْمِ اللَّهِ ; أَيْ كَائِنٌ بِاسْمِ اللَّهِ ; فَالْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْكَوْنِ وَالِاسْتِقْرَارِ .

وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ : الْمَحْذُوفُ فِعْلٌ تَقْدِيرُهُ ابْتَدَأْتُ ، أَوْ أَبْدَأُ ، فَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِالْمَحْذُوفِ ، وَحُذِفَتِ الْأَلِفُ مِنَ الْخَطِّ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ ، فَلَوْ قُلْتَ لِاسْمِ اللَّهِ بَرَكَةٌ أَوْ بِاسْمِ رَبِّكَ ، أَثْبَتَّ الْأَلِفَ فِي الْخَطِّ .

وَقِيلَ حَذَفُوا الْأَلِفَ ; لِأَنَّهُمْ حَمَلُوهُ عَلَى سِمٍ ، وَهِيَ لُغَةٌ فِي اسْمٍ .

وَلُغَاتُهُ خَمْسٌ : سِمٌ بِكَسْرِ السِّينِ وَضَمِّهَا ، اسْمٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّهَا ، وَسُمَى مِثْلُ ضُحَى .

وَالْأَصْلُ فِي اسْمٍ : سُمُوٌ فَالْمَحْذُوفُ مِنْهُ لَامُهُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي جَمْعِهِ أَسْمَاءُ وَأَسَامِي وَفِي تَصْغِيرِهِ " سُمَيٌّ " وَبَنَوْا مِنْهُ فَعِيلًا ، فَقَالُوا فُلَانٌ سَمِيُّكَ : أَيِ [ ص: 10 ] اسْمُهُ كَاسْمِكَ ، وَالْفِعْلُ مِنْهُ سَمَّيْتُ وَأَسْمَيْتُ ; فَقَدْ رَأَيْتَ كَيْفَ رَجَعَ الْمَحْذُوفُ إِلَى آخِرِهِ .

وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ : أَصْلُهُ وَسَمَ لِأَنَّهُ مِنَ الْوَسْمِ ، وَهُوَ الْعَلَامَةُ وَهَذَا صَحِيحٌ فِي الْمَعْنَى فَاسِدٌ اشْتِقَاقًا .

فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ أُضِيفَ الِاسْمُ إِلَى اللَّهِ ، وَاللَّهُ هُوَ الِاسْمُ ؟ .

قِيلَ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ الِاسْمَ هُنَا بِمَعْنَى التَّسْمِيَةِ ، وَالتَّسْمِيَةُ غَيْرُ الِاسْمِ ; لِأَنَّ الِاسْمَ هُوَ اللَّازِمُ لِلْمُسَمَّى ، وَالتَّسْمِيَةُ هُوَ التَّلَفُّظُ بِالِاسْمِ . وَالثَّانِي : أَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفُ مُضَافٍ ، تَقْدِيرُهُ بِاسْمِ مُسَمَّى اللَّهِ . وَالثَّالِثُ أَنَّ اسْمًا زِيَادَةٌ ; وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ : إِلَى الْحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكُمَا وَقَوْلُ الْآخَرِ : دَاعٍ يُنَادِيهِ بِاسْمِ الْمَاءِ أَيِ السَّلَامُ عَلَيْكُمَا ، وَنُنَادِيهِ بِالْمَاءِ .

وَالْأَصْلُ فِي اللَّهِ الْإِلَاءُ ، فَأُلْقِيَتْ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ عَلَى لَامِ الْمَعْرِفَةِ ثُمَّ سُكِّنَتْ وَأُدْغِمَتْ فِي اللَّامِ الثَّانِيَةِ ، ثُمَّ فُخِّمَتْ إِذَا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهَا كَسْرَةٌ ، [ وَرُقِّقَتْ إِذَا كَانَتْ قَبْلَهَا كَسْرَةٌ ] وَمِنْهُمْ مَنْ يُرَقِّقُهَا فِي كُلِّ حَالٍ ، وَالتَّفْخِيمُ فِي هَذَا الِاسْمِ مِنْ خَوَاصِّهِ .

وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ : هَمْزَةُ إِلَاهٍ حُذِفَتْ حَذْفًا مِنْ غَيْرِ إِلْقَاءٍ ، وَهَمْزَةُ إِلَاهٍ أَصْلٌ ; وَهُوَ مِنْ أَلِهَ يَأْلَهُ إِذَا عُبِدَ ، فَالْإِلَهُ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ أَيِ الْمَأْلُوهِ ، وَهُوَ الْمَعْبُودُ .

وَقِيلَ أَصْلُ الْهَمْزَةِ وَاوٌ ; لِأَنَّهُ مِنَ الْوَلَهِ ، فَالْإِلَهُ تَوَلَّهُ إِلَيْهِ الْقُلُوبُ ; أَيْ تَتَحَيَّرُ .

وَقِيلَ أَصْلُهُ لَاهُ عَلَى فَعِلَ ، وَأَصْلُ الْأَلِفِ يَاءٌ ; لِأَنَّهُمْ قَالُوا فِي مَقْلُوبِهِ لَهِيَ أَبُوكَ ثُمَّ أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ .

( الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) صِفَتَانِ مُشْتَقَّتَانِ مِنَ الرَّحْمَةِ .

وَالرَّحْمَنُ مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ . وَفِي الرَّحِيمِ مُبَالَغَةٌ أَيْضًا ; إِلَّا أَنَّ فَعْلَانًا أَبْلَغُ مِنْ فَعِيلٍ .

وَجَرُّهُمَا عَلَى الصِّفَةِ ; وَالْعَامِلُ فِي الصِّفَةِ هُوَ الْعَامِلُ فِي الْمَوْصُوفِ .

وَقَالَ الْأَخْفَشُ : الْعَامِلُ فِيهَا مَعْنَوِيٌّ وَهُوَ كَوْنُهَا تَبَعًا وَيَجُوزُ نَصْبُهُمَا عَلَى إِضْمَارِ أَعْنِي ، وَرَفْعُهُمَا عَلَى تَقْدِيرِ هُوَ .
[ ص: 11 ] سُورَةُ الْفَاتِحَةِ : وَعَدَدُ آيَاتِهَا ( 7 ) قَالَ تَعَالَى : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( 2 ) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ( 3 ) ) الْجُمْهُورُ عَلَى رَفْعِ ( الْحَمْدُ ) بِالِابْتِدَاءِ . وَ ( لِلَّهِ ) الْخَبَرُ ، وَاللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ ، أَيْ وَاجِبٌ ، أَوْ ثَابِتٌ . وَيُقْرَأُ ( الْحَمْدُ ) بِالنَّصْبِ ، عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرُ فِعْلٍ مَحْذُوفٍ ; أَيْ أَحْمَدُ الْحَمْدَ ; وَالرَّفْعُ أَجْوَدُ ; لِأَنَّ فِيهِ عُمُومًا فِي الْمَعْنَى .

وَيُقْرَأُ بِكَسْرِ الدَّالِ ; إِتْبَاعًا لِكَسْرَةِ اللَّامِ ; كَمَا قَالُوا : الْمِعِيرَةُ وَرِغِيفٌ ; وَهُوَ ضَعِيفٌ فِي الْآيَةِ ; لِأَنَّ فِيهِ إِتْبَاعُ الْإِعْرَابِ الْبِنَاءَ ، وَفِي ذَلِكَ إِبْطَالٌ لِلْإِعْرَابِ .

وَيُقْرَأُ بِضَمِّ الدَّالِ وَاللَّامِ عَلَى إِتْبَاعِ اللَّامِ الدَّالَ ; وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا ، لِأَنَّ لَامَ الْجَرِّ مُتَّصِلٌ بِمَا بَعْدَهُ ، مُنْفَصِلٌ عَنِ الدَّالِ ، وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي حُرُوفِ الْجَرِّ الْمُفْرَدَةِ ; إِلَّا أَنَّ مَنْ قَرَأَ بِهِ فَرَّ مِنَ الْخُرُوجِ مِنَ الضَّمِّ إِلَى الْكَسْرِ ، وَأَجْرَاهُ مَجْرَى الْمُتَّصِلِ ; لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يُسْتَعْمَلُ الْحَمْدُ مُنْفَرِدًا عَمًّا بَعْدَهُ .

وَالْـ ( رَبِّ ) مَصْدَرُ رَبَّ يَرُبُّ ، ثُمَّ جُعِلَ صِفَةً كَعَدْلٍ وَخَصْمٍ ; وَأَصْلُهُ رَابَ .

وَجَرُّهُ عَلَى الصِّفَةِ أَوِ الْبَدَلِ . وَقُرِئَ بِالنَّصْبِ عَلَى إِضْمَارِ أَعْنِي ، وَقِيلَ : عَلَى النِّدَاءِ ، وَقُرِئَ بِالرَّفْعِ عَلَى إِضْمَارِ هُوَ .

( الْعَالَمِينَ ) جَمْعُ تَصْحِيحٍ ، وَاحِدَهُ عَالَمٌ ، وَالْعَالَمُ : اسْمٌ مَوْضُوعٌ لِلْجَمْعِ ، وَلَا [ ص: 12 ] وَاحِدَ لَهُ فِي اللَّفْظِ ; وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الْعِلْمِ عِنْدَ مَنْ خَصَّ الْعَالَمَ بِمَنْ يَعْقِلُ ; أَوْ مِنَ الْعَلَامَةِ عِنْدَ مَنْ جَعَلَهُ لِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ .

وَفِي ( الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) الْجَرُّ وَالنَّصْبُ وَالرَّفْعُ ، وَبِكُلٍّ قُرِئَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي رَبٍّ .
قَالَ تَعَالَى : ( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ( 4 ) ) قَوْلُهُ تَعَالَى : مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ يُقْرَأُ بِكَسْرِ اللَّامِ مِنْ غَيْرِ أَلِفٍ ، وَهُوَ مَنْ عَمُرَ مُلْكُهُ ; يُقَالُ مَلِكٌ بَيِّنُ الْمُلْكِ بِالضَّمِّ . وَقُرِئَ بِإِسْكَانِ اللَّامِ ; وَهُوَ مِنْ تَخْفِيفِ الْمَكْسُورِ ، مِثْلَ فَخِذٍ وَكَتِفٍ ، وَإِضَافَتُهُ عَلَى هَذَا مَحْضَةٌ ، وَهُوَ مَعْرِفَةٌ فَيَكُونُ جَرُّهُ عَلَى الصِّفَةِ ، أَوِ الْبَدَلِ مِنَ اللَّهِ ، وَلَا حَذْفَ فِيهِ عَلَى هَذَا ، وَيُقْرَأُ بِالْأَلِفِ وَالْجَرِّ ، وَهُوَ عَلَى هَذَا نَكِرَةٌ ; لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ إِذَا أُرِيدَ بِهِ الْحَالُ أَوْ الِاسْتِقْبَالُ لَا يَتَعَرَّفُ بِالْإِضَافَةِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ جَرُّهُ عَلَى الْبَدَلِ لَا عَلَى الصِّفَةِ ; لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ لَا تُوصَفُ بِالنَّكِرَةِ . وَفِي الْكَلَامِ حَذْفُ مَفْعُولٍ تَقْدِيرُهُ : مَالِكِ أَمْرِ يَوْمِ الدِّينِ ، أَوْ مَالِكِ يَوْمَ الدِّينِ الْأَمْرَ وَبِالْإِضَافَةِ إِلَى " يَوْمِ " خَرَجَ عَنِ الظَّرْفِيَّةِ ; لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِيهِ تَقْدِيرُ فِي ; لِأَنَّهَا تَفْصِلُ بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إِلَيْهِ . وَيُقْرَأُ مَالِكَ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنْ يَكُونَ بِإِضْمَارِ أَعْنِي ; أَوْ حَالًا .

وَأَجَازَ قَوْمٌ أَنْ يَكُونَ نِدَاءً . وَيُقْرَأُ بِالرَّفْعِ عَلَى إِضْمَارِ هُوَ ، أَوْ يَكُونَ خَبَرًا لِلرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ رَفَعَ الرَّحْمَنَ ، وَيُقْرَأُ مَلِيكُ يَوْمِ الدِّينِ رَفْعًا وَنَصْبًا وَجَرًّا .

وَيُقْرَأُ ( مَلَكَ يَوْمَ الدِّينِ ) عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ وَيَوْمُ مَفْعُولٌ أَوْ ظَرْفٌ . ( وَالدِّينُ ) مَصْدَرُ دَانَ يَدِينُ .
قَالَ تَعَالَى : ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ( 5 ) ) قَوْلُهُ تَعَالَى : ( إِيَّاكَ ) الْجُمْهُورُ عَلَى كَسْرَةِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ .

[ ص: 13 ] وَقُرِئَ شَاذًّا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ . وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ لُغَةً مَسْمُوعَةً .

وَقُرِئَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ . وَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّهُ حُذِفَ إِحْدَى الْيَاءَيْنِ ; لِاسْتِثْقَالِ التَّكْرِيرِ فِي حَرْفِ الْعِلَّةِ وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ فِي الشِّعْرِ قَالَ الْفَرَزْدَقُ : تَنَظَّرْتُ نَصْرًا وَالسِّمَاكَيْنِ أَيْهُمَا عَلَيَّ مَعَ الْغَيْثِ اسْتَهَلَّتْ مَوَاطِرُهُ .

وَقَالُوا فِي أَمَّا : أَيْمَا ، فَقَلَبُوا الْمِيمَ يَاءً كَرَاهِيَةَ التَّضْعِيفِ ، وَإِيَّا عِنْدَ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ اسْمٌ مُضْمَرٌ ; فَأَمَّا الْكَافُ فَحَرْفُ خِطَابٍ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ لَا مَوْضِعَ لَهَا ، وَلَا تَكُونُ اسْمًا ; لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتِ اسْمًا لَكَانَتْ إِيَّا مُضَافَةً إِلَيْهَا ، وَالْمُضْمَرَاتُ لَا تُضَافُ ، وَعِنْدَ الْخَلِيلِ هِيَ اسْمٌ مُضْمَرٌ أُضِيفَتْ إِيَّا إِلَيْهِ ; لِأَنَّ إِيَّا تُشْبِهُ الْمُظْهَرَ لِتَقَدُّمِهَا عَلَى الْفِعْلِ وَالْفَاعِلِ ، وَلِطُولِهَا بِكَثْرَةِ حُرُوفِهَا ، وَحُكِيَ عَنِ الْعَرَبِ : إِذَا بَلَغَ الرَّجُلُ السِّتِّينَ فَإِيَّاهُ وَإِيَّا الشَّوَابِّ .

وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ : إِيَّاكَ بِكَمَالِهَا ، وَهَذَا بَعِيدٌ ; لِأَنَّ هَذَا الِاسْمَ يَخْتَلِفُ آخِرُهُ بِحَسْبِ اخْتِلَافِ الْمُتَكَلِّمِ وَالْمُخَاطَبِ وَالْغَائِبِ ، فَيُقَالُ إِيَّايَ وَإِيَّاكَ وَإِيَّاهُ .

وَقَالَ قَوْمٌ : الْكَافُ اسْمٌ ، وَإِيَّا عِمَادٌ لَهُ وَهُوَ حَرْفٌ وَمَوْضِعُ إِيَّاكَ نَصْبٌ بِـ ( نَعْبُدُ ) .

فَإِنْ قِيلَ إِيَّاكَ خِطَابٌ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى لَفْظِ الْغَيْبَةِ ، فَكَانَ الْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ إِيَّاهُ .

قِيلَ : عَادَةُ الْعَرَبِ الرُّجُوعُ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ ، وَمِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ ، وَسَيَمُرُّ بِكَ مِنْ ذَلِكَ مِقْدَارٌ صَالِحٌ فِي الْقُرْآنِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( نَسْتَعِينُ ) الْجُمْهُورُ عَلَى فَتْحِ النُّونِ . وَقُرِئَ بِكَسْرِهَا وَهِيَ لُغَةٌ ; وَأَصْلُهُ نَسْتَعْوِنُ ; نَسْتَفْعِلُ مِنَ الْعَوْنِ ; فَاسْتُثْقِلَتِ الْكَسْرَةُ عَلَى الْوَاوِ ، فَنُقِلَتْ إِلَى الْعَيْنِ ، ثُمَّ قُلِبَتْ يَاءً لِسُكُونِهَا وَانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 20-01-2021, 04:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,491
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التبيان في إعراب القرآن ----- متجدد



الكتاب : التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري
سورة الفاتحة
صــ14 إلى صــ 19
الحلقة (3)


قال تعالى : ( اهدنا الصراط المستقيم ( 6 ) صراط الذين أنعمت عليهم ) .

[ ص: 14 ] قوله تعالى : ( اهدنا ) لفظه أمر ، و الأمر مبني على السكون عند البصريين ، ومعرب عند الكوفيين ، فحذف الياء عند البصريين علامة السكون الذي هو بناء ، وعند الكوفيين هو علامة الجزم .

و ( هدى ) يتعدى إلى مفعول بنفسه ، فأما تعديه إلى مفعول آخر فقد جاء متعديا إليه بنفسه ; ومنه هذه الآية ; وقد جاء متعديا بإلى كقوله تعالى : ( هداني ربي إلى صراط مستقيم ) [ الأنعام : 161 ] وجاء متعديا باللام ، ومنه قوله تعالى : ( الذي هدانا لهذا ) [ الأعراف : 43 ] .

و : ( السراط ) بالسين هو الأصل ; لأنه من سرط الشيء إذا بلغه ، وسمي الطريق سراطا لجريان الناس فيه كجريان الشيء المبتلع .

فمن قرأه بالسين جاء به على الأصل ، ومن قرأه بالصاد قلب السين صادا ; لتجانس الطاء في الإطباق ، والسين تشارك الصاد في الصفير والهمس ، فلما شاركت الصاد في ذلك قربت منها ، فكانت مقاربتها لها مجوزة قلبها إليها لتجانس الطاء في الإطباق .

ومن قرأ بالزاي قلب السين زايا ; لأن الزاي والسين من حروف الصفير ، والزاي أشبه بالطاء ; لأنهما مجهورتان .

ومن أشم الصاد زايا قصد أن يجعلها بين الجهر والإطباق .

وأصل : ( المستقيم ) مستقوم ، ثم عمل فيه ما ذكرنا في " نستعين " ، ومستفعل هنا بمعنى فعيل أي السراط القويم . ويجوز أن يكون بمعنى القائم ; أي الثابت .

وسراط الثاني بدل من الأول ، وهو بدل الشيء من الشيء ، وهما بمعنى واحد ، وكلاهما معرفة .

و ( الذين ) اسم موصول ، وصلته أنعمت ، والعائد عليه الهاء والميم .

[ ص: 15 ] والغرض من وضع " الذي " وصف المعارف بالجمل ; لأن الجمل تفسر بالنكرات ، والنكرة لا توصف بها المعرفة . والألف واللام في الذي زائدتان وتعريفها بالصلة ، ألا ترى أن من و ما معرفتان ولا لام فيهما فدل أن تعرفهما بالصلة والأصل في الذين اللذيون ; لأن واحده الذي ، إلا أن ياء الجمع حذفت ياء الأصل ; لئلا يجتمع ساكنان .

والذين بالياء في كل حال ; لأنه اسم مبني ، ومن العرب من يجعله في الرفع بالواو ، وفي الجر والنصب بالياء ، كما جعلوا تثنيته بالألف في الرفع وبالياء في الجر والنصب .

وفي الذي خمس لغات : إحداها : لذي بلام مفتوحة من غير لام التعريف ، وقد قرئ به شاذا . والثانية : الذي بسكون الياء . والثالثة : بحذفها وإبقاء كسرة الذال . والرابعة : حذف الياء وإسكان الذال . والخامسة بياء مشددة .
قال تعالى : ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) قوله تعالى : ( غير المغضوب ) يقرأ بالجر ، وفيه ثلاثة أوجه : أحدهما : أنه بدل من الذين . والثاني : أنه بدل من الهاء والميم في عليهم . والثالث : أنه صفة للذين .

فإن قلت الذين معرفة " وغير " لا يتعرف بالإضافة ، فلا يصح أن يكون صفة له ، ففيه جوابان . أحدهما : أن " غير " إذا وقعت بين متضادين ، وكانا معرفتين تعرفت بالإضافة ; كقولك عجبت من الحركة غير السكون ; وكذلك الأمر هنا ; لأن المنعم عليه ، والمغضوب عليه متضادان . والجواب الثاني : أن الذين قريب من النكرة ; لأنه لم يقصد به قصد قوم بأعيانهم ; وغير المغضوب قريبة من المعرفة بالتخصيص الحاصل لها بالإضافة ; فكل واحد منهما فيه إبهام من وجه واختصاص من وجه .

ويقرأ ( غير ) بالنصب ، وفيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه حال من الهاء والميم ، والعامل فيها أنعمت ، ويضعف أن يكون حالا من الذين ; لأنه مضاف إليه ، والصراط لا يصح أن يعمل بنفسه في الحال ; وقد قيل إنه ينتصب على الحال من الذين ، ويعمل فيها معنى الإضافة . والوجه الثاني : أنه ينتصب على الاستثناء من الذين ، أو من الهاء والميم . والثالث أنه ينتصب بإضمار أعني .

و ( المغضوب ) مفعول من غضب عليه ، وهو لازم ، والقائم مقام الفاعل [ ص: 16 ] " عليهم " . والتقدير : غير الفريق المغضوب ، ولا ضمير في المغضوب ; لقيام الجار والمجرور مقام الفاعل ، ولذلك لم يجمع ، فيقال الفريق المغضوبين عليهم ; لأن اسم الفاعل والمفعول إذا عمل فيما بعده لم يجمع جمع السلامة .

( ولا الضالين ) : ( لا ) زائدة عند البصريين للتوكيد ، وعند الكوفيين هي بمعنى غير ، كما قالوا : جئت بلا شيء ، فأدخلوا عليها حرف الجر ، فيكون لها حكم غير .

وأجاب البصريون عن هذا بأن ( لا ) دخلت للمعنى ، فتخطاها العامل ، كما يتخطى الألف واللام ، والجمهور على ترك الهمز في الضالين ، وقرأ أيوب السختياني بهمزة مفتوحة ، وهي لغة فاشية في العرب في كل ألف وقع بعدها حرف مشدد ، نحو ضال ، ودابة ، وجان ; والعلة في ذلك أنه قلب الألف همزة لتصح حركتها لئلا يجمع بين ساكنين .
فصل : وأما ( آمين ) : فاسم للفعل ، ومعناها اللهم استجب ، وهو مبني لوقوعه موقع المبني ، وحرك بالفتح لأجل الياء قبل آخره ، كما فتحت أين ; والفتح فيها أقوى ; لأن قبل الياء كسرة ، فلو كسرت النون على الأصل لوقعت الياء بين كسرتين .

وقيل : ( آمين ) اسم من أسماء الله تعالى ، وتقديره يا آمين ، وهذا خطأ لوجهين : أحدهما : أن أسماء الله لا تعرف إلا تلقيا ولم يرد بذلك سمع .

والثاني : أنه لو كان كذلك لبني على الضم لأنه منادى معرفة أو مقصود ، وفيه لغتان : القصر وهو الأصل ، والمد وليس من الأبنية العربية ، بل هو من الأبنية الأعجمية كهابيل وقابيل . والوجه فيه أن يكون أشبع فتحة الهمزة ، فنشأت الألف ، فعلى هذا لا تخرج عن الأبنية العربية .
فصل في هاء الضمير نحو : عليهم وعليه وفيه وفيهم .

وإنما أفردناه لتكرره في القرآن : الأصل في هذه الهاء الضم ; لأنها تضم بعد الفتحة والضمة والسكون نحو إنه ، وله ، وغلامه ، ويسمعه ، ومنه ، وإنما يجوز كسرها بعد الياء نحو عليهم ، وأيديهم ، وبعد الكسر نحو به ، وبداره ، وضمها في الموضعين جائز ; لأنه الأصل ، وإنما كسرت لتجانس ما قبلها من الياء والكسرة وبكل قد قرئ .

فأما ( عليهم ) ففيها عشر لغات ، وكلها قد قرئ به : خمس مع ضم الهاء ، وخمس مع كسرها .

[ ص: 17 ] فالتي مع الضم : إسكان الميم ، وضمها من غير إشباع ، وضمها مع واو ، وكسر الميم من غير ياء ، وكسرها مع الياء ، وأما التي مع كسر الهاء فإسكان الميم ، وكسرها من غير ياء ، وكسرها مع الياء ، وضمها من غير واو ، وضمها مع الواو .

والأصل في ميم الجمع أن يكون بعدها واو كما قرأ ابن كثير ، فالميم لمجاوزة الواحد ، والألف دليل التثنية نحو عليهما ، والواو للجمع نظير الألف ، ويدل على ذلك أن علامة الجماعة في المؤنث نون مشددة نحو عليهن ، فكذلك يجب أن يكون علامة الجمع للمذكر حرفين ، إلا أنهم حذفوا الواو تخفيفا ، ولا لبس في ذلك ; لأن الواحد لا ميم فيه ، والتثنية بعد ميمها ألف وإذا حذفت الواو سكنت الميم ; لئلا تتوالى الحركات في أكثر المواضع نحو ضربهم ويضربهم .

فمن أثبت الواو أو حذفها وسكن الميم فلما ذكرنا . ومن ضم الميم دل بذلك على أن أصلها الضم ، وجعل الضمة دليل الواو المحذوفة .

ومن كسر الميم وأتبعها ياء فإنه حرك الميم بحركة الهاء المكسورة قبلها ، ثم قلب الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها .

ومن حذف الياء جعل الكسرة دليلا عليها .

ومن كسر الميم بعد ضمة الهاء فإنه أراد أن يجانس بها الياء التي قبل الهاء .

ومن ضم الهاء قال : إن الياء في عليها حقها أن تكون ألفا ، كما ثبتت الألف مع المظهر ، وليست الياء أصل الألف ، فكما أن الهاء تضم بعد الألف ، فكذلك تضم بعد الياء المبدلة منها .

ومن كسر الهاء اعتبر اللفظ ، فأما كسر الهاء وإتباعها بياء ساكنة ، فجائز على ضعف ، أما جوازه فلخفاء الهاء بينت بالإشباع ، وأما ضعفه فلأن الهاء خفية ، والخفي قريب من الساكن ، والساكن غير حصين ، فكأن الياء وليت الياء .

وإذا لقي الميم ساكن بعدها جاز ضمها نحو عليهم الذلة ; لأن أصلها الضم وإنما أسكنت تخفيفا فإذا احتيج إلى حركتها كان الضم الذي هو حقها في الأصل أولى ويجوز كسرها إتباعا لما قبلها .

وأما فيه وبنيه ، ففيه الكسر من غير إشباع وبالإشباع ، وفيه الضم من غير إشباع وبالإشباع .

[ ص: 18 ] وأما إذا سكن ما قبل الهاء ، نحو : منه ، وعنه ، وتجدوه ، فمن ضم من غير إشباع فعلى الأصل ، ومن أشبع أراد تبيين الهاء لخفائها .
[ ص: 19 ] سورة البقرة بسم الله الرحمن الرحيم قوله تعالى : ( الم ( 1 ) ) هذه الحروف المقطعة كل واحد منها اسم ; فألف : اسم يعبر به عن مثل الحرف الذي في قال . ولام يعبر بها عن الحرف الأخير من قال . وكذلك ما أشبهها والدليل على أنها أسماء أن كلا منها يدل على معنى في نفسه وهي مبنية ; لأنك لا تريد أن تخبر عنها بشيء وإنما يحكى بها ألفاظ الحروف التي جعلت أسماء لها فهي كالأصوات نحو غاق في حكاية صوت الغراب .

وفي موضع ( الم ) ثلاثة أوجه : أحدها : الجر على القسم ، وحرف القسم محذوف ، وبقي عمله بعد الحذف ; لأنه مراد فهو كالملفوظ به كما قالوا الله لتفعلن في لغة من جر والثاني موضعها نصب وفيه وجهان : أحدهما : هو على تقدير حذف القسم كما تقول الله لأفعلن ، والناصب فعل محذوف تقديره التزمت الله أي اليمين به . والثاني هي مفعول بها تقديره : اتل الـم . والوجه الثالث : موضعها رفع بأنها مبتدأ وما بعدها الخبر .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 20-01-2021, 05:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,491
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التبيان في إعراب القرآن ----- متجدد



الكتاب : التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري
سورة البقرة
صــ20 إلى صــ 25
الحلقة (4)


قال تعالى : ( ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ( 2 ) ) .

قوله عز وجل : ( ذلك ) : ذا اسم إشارة ، والألف من جملة الاسم .

[ ص: 20 ] وقال الكوفيون الذال وحدها هي الاسم ، والألف زيدت لتكثير الكلمة ، واستدلوا على ذلك بقولهم : ذه أمة الله ; وليس ذلك بشيء ; لأن هذا الاسم اسم ظاهر ، وليس في الكلام اسم ظاهر على حرف واحد حتى يحمل هذا عليه ، ويدل على ذلك قولهم في التصفير : ذيا فردوه إلى الثلاثي ، والهاء في ذه بدل من الياء في ذي .

وأما اللام فحرف زيد ليدل على بعد المشار إليه .

وقيل هي بدل من ها ; ألا تراك تقول هذا ، وهذاك ; ولا يجوز هذلك .

وحركت اللام لئلا يجتمع ساكنان ، وكسرت على أصل التقاء الساكنين ، وقيل كسرت للفرق بين هذه اللام ولام الجر ، إذ لو فتحتها فقلت : ذلك ، لالتبس بمعنى الملك .

وقيل : ذلك هاهنا بمعنى هذا . وموضعه رفع ، إما على أنه خبر الم ، والكتاب عطف بيان ، ولا ريب في موضع نصب على الحال ، أي هذا الكتاب حقا أو غير ذي شك ، وإما أن يكون ذلك مبتدأ ، والكتاب خبره ، ولا ريب حال ، ويجوز أن يكون الكتاب عطف بيان ، ولا ريب فيه الخبر ، وريب مبني عند الأكثرين ; لأنه ركب مع لا ، وصير بمنزلة خمسة عشر ، وعلة بنائه تضمنه معنى من ، إذ التقدير لا من ريب ، واحتيج إلى تقدير من لتدل لا على نفي الجنس ، ألا ترى أنك تقول لا رجل في الدار فتنفي الواحد وما زاد عليه ، فإذا قلت لا رجل في الدار ، فرفعت ونونت ، نفيت الواحد ولم تنف ما زاد عليه إذ يجوز أن يكون فيها اثنان أو أكثر .

وقوله : ( فيه ) فيه وجهان : أحدهما : هو في موضع خبر لا ، ويتعلق بمحذوف تقديره لا ريب كائن فيه ، فيقف حينئذ على فيه . والوجه الثاني : أن يكون لا ريب آخر الكلام وخبره محذوف للعلم به ، ثم تستأنف ، فتقول فيه هدى ، فيكون هدى مبتدأ ، وفيه الخبر ، وإن شئت كان هدى فاعلا مرفوعا بفيه ، ويتعلق في على الوجهين بفعل محذوف . وأما هدى فألفه منقلبة عن ياء ; لقولك : هديت والهدى .

[ ص: 21 ] وفي موضعه وجهان : أحدهما : رفع ، إما مبتدأ ، أو فاعل على ما ذكرنا ; وإما أن يكون خبر مبتدأ محذوف ; أي هو هدى ; وإما أن يكون خبرا لذلك بعد خبر .

والوجه الثاني : أن يكون في موضع نصب على الحال من الهاء في فيه ; أي لا ريب فيه هاديا ، فالمصدر في معنى اسم الفاعل ، والعامل في الحال معنى الجملة تقديره : أحققه هاديا . ويجوز أن يكون العامل فيه معنى التنبيه والإشارة الحاصل من قوله ذلك .

قوله تعالى : ( للمتقين ) اللام متعلقة بمحذوف تقديره : كائن أو كائنا على ما ذكرناه من الوجهين في الهدى ، ويجوز أن يتعلق اللام بنفس الهدى ; لأنه مصدر ، والمصدر يعمل عمل الفعل ، وواحد المتقين متقي ، وأصل الكلمة من وقى فعل ، ففاؤها واو ، ولامها ياء ، فإذا بنيت من ذلك افتعل قلبت الواو تاء ، وأدغمتها في التاء الأخرى ، فقلت : اتقى ، وكذلك في اسم الفاعل وما تصرف منه ، نحو متق ومتقى .

ومتق : اسم ناقص ، وياؤه التي هي لام محذوفة في الجمع لسكونها وسكون حرف الجمع بعدها ; كقولك : متقون ومتقين ووزنه في الأصل مفتعلون ; لأن أصله موتقيون ، فحذفت اللام لما ذكرناه فوزنه الآن مفتعون ومفتعين ، وإنما حذفت اللام دون علامة الجمع ; لأن علامة الجمع دالة على معنى ، إذا حذفت لا يبقى على ذلك المعنى دليل ، فكان إبقاؤها أولى .
قال تعالى : ( الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ( 3 ) ) .

قوله تعالى : ( الذين يؤمنون ) هو في موضع جر صفة للمتقين ، ويجوز أن يكون في موضع نصب ، إما على موضع للمتقين ، أو بإضمار أعني .

ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمارهم ، أو مبتدأ وخبره ( أولئك على هدى ) . وأصل ( يؤمنون ) يؤأمنون ; لأنه من الأمن ، والماضي منه آمن ، فالألف بدل من همزة ساكنة قلبت ألفا كراهية اجتماع همزتين ، ولم يحققوا الثانية في موضع ما لسكونها ، وانفتاح ما قبلها . ونظيره في الأسماء : آدم ، آخر .

فأما في المستقبل فلا تجمع بين الهمزتين اللتين هما الأصل ; لأن ذلك يفضي بك في المتكلم إلى ثلاث همزات : الأولى همزة المضارعة ، والثانية همزة أفعل التي في آمن ، [ ص: 22 ] والثالثة الهمزة التي هي فاء الكلمة ، فحذفوا الوسطى كما حذفوها في أكرم ; لئلا تجتمع الهمزات ، وكان حذف الوسطى أولى من حذف الأولى ; لأنها حرف معنى ، ومن حذف الثالثة : لأن الثالثة فاء الكلمة : والوسطى زائدة .

وإذا أردت تبيين ذلك فقل : إن آمن أربعة أحرف ، فهو مثل دحرج ، فلو قلت : أدحرج لأتيت بجميع ما كان في الماضي وزدت عليه همزة المتكلم ، فمثله يجب أن يكون في أومن ، فالباقي من الهمزات : الأولى ، والواو التي بعدها مبدلة من الهمزة الساكنة التي هي فاء الكلمة ، والهمزة الوسطى هي المحذوفة ، وإنما قلبت الهمزة الساكنة واوا لسكونها وانضمام ما قبلها ، فإذا قلت " نؤمن ، وتؤمن ، ويؤمن ، جاز لك فيه وجهان : أحدهما : الهمز على الأصل .

والثاني : قلب الهمزة واوا تخفيفا ، وحذفت الهمزة الوسطى حملا على أومن ، والأصل يؤأمن ، فأما أومن فلا يجوز همز الثانية بحال لما ذكرنا .

و ( الغيب ) هنا : مصدر بمعنى الفاعل أي يؤمنون بالغائب عنهم .

ويجوز أن يكون بمعنى المفعول ; أي المغيب كقوله : ( هذا خلق الله ) [ لقمان : 11 ] ; أي مخلوقه . ودرهم ضرب الأمير أي مضروبه .

قوله عز وجل : ( ويقيمون ) أصله يؤقومون ، وماضيه أقام ، وعينه واو ; لقولك فيه يقوم ، فحذفت الهمزة كما حذفت في أقيم لاجتماع الهمزتين ، وكذلك جميع ما فيه حرف مضارعة لئلا يختلف باب أفعال المضارعة . وأما الواو فعمل فيها ما عمل في نستعين ، وقد ذكرناه . وألف الصلاة منقلبة عن واو لقولك صلوات . والصلاة مصدر صلى . ويراد بها هاهنا الأفعال والأقوال المخصوصة ، فلذلك جرت مجرى الأسماء غير المصادر .

قوله تعالى : ( ومما رزقناهم ) : من متعلقة بـ ( ينفقون ) ، والتقدير : وينفقون مما رزقناهم ; فيكون الفعل قبل المفعول كما كان قوله ( يؤمنون ) و ( يقيمون ) كذلك ، وإنما أخر الفعل عن المفعول لتتوافق رءوس الآي . وما بمعنى الذي ، ورزقنا يتعدى إلى مفعولين ، وقد حذف الثاني منهما هنا ، وهو العائد على ما ، تقديره رزقناهموه ، أو رزقناهم إياه .

[ ص: 23 ] ويجوز أن تكون ما نكرة موصوفة بمعنى شيء ; أي ومن مال رزقناهم ; فيكون رزقناهم في موضع جر صفة لما . وعلى القول الأول لا يكون له موضع ; لأن الصلة لا موضع لها ولا يجوز أن تكون ما مصدرية ; لأن الفعل لا ينفق ومن للتبعيض ويجوز أن تكون لابتداء غاية الإنفاق .

وأصل ( ينفقون ) يؤنفقون ; لأن ماضيه أنفق ، وقد تقدم نظيره .
قال تعالى : ( والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون ( 4 ) ) .

قوله تعالى : ( بما أنزل إليك ) وما هاهنا بمعنى الذي ولا يجوز أن تكون نكرة موصوفة أي بشيء أنزل إليك لأنه لا عموم فيه على هذا ولا يكمل الإيمان إلا أن يكون بجميع ما أنزل إلى النبي وما للعموم وبذلك يتحقق الإيمان .

والقراءة الجيدة أنزل إليك ، بتحقيق الهمزة . وقد قرئ في الشاذ ( أنزل إليك ) بتشديد اللام .

والوجه فيه أنه سكن لام أنزل ، وألقى عليها حركة الهمزة فانكسرت اللام وحذفت الهمزة فلقيتها لام إلى فصار اللفظ بما ( أنزل ليك ) ، فسكنت اللام الأولى ، وأدغمت في اللام الثانية ، والكاف هنا ضمير المخاطب ، وهو النبي ، ويجوز أن يكون ضمير الجنس المخاطب ، ويكون في معنى الجمع ، وقد صرح به في آي أخر كقوله : ( لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم ) [ الأنبياء : 10 ] .

قوله تعالى : ( وبالآخرة ) الباء متعلقة بـ ( يوقنون ) ، ولا يمتنع أن يعمل الخبر فيما قبل المبتدأ ، وهذا يدل على أن تقديم الخبر على المبتدأ جائز ، إذ المعمول لا يقع في موضع لا يقع فيه العامل ، والآخرة صفة ، والموصوف محذوف ، تقديره : وبالساعة الآخرة ، أو بالدار الآخرة كما قال : ( وللدار الآخرة خير ) وقال : ( واليوم الآخر ) [ البقرة : 62 ، 126 ، 177 ] .

[ ص: 24 ] قوله تعالى : ( هم يوقنون ) هم مبتدأ ذكر على جهة التوكيد ، ولو قال وبالآخرة يوقنون لصح المعنى ، والإعراب ، ووجه التوكيد في هم تحقيق عود الضمير إلى المذكورين لا إلى غيرهم ، ويوقنون الخبر ، وأصله يؤيقنون ; لأن ماضيه أيقن ، والأصل أن يؤتى في المضارع بحروف الماضي ، إلا أن الهمزة حذفت لما ذكرنا في يؤمنون ، وأبدلت الياء واوا لسكونها وانضمام ما قبلها .

قال تعالى : ( أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ( 5 ) ) .

قوله تعالى : ( أولئك ) هذه صيغة جمع على غير لفظ واحده ، وواحده ذا ; ويكون أولئك للمؤنث والمذكر ، والكاف فيه حرف للخطاب وليست اسما ، إذ لو كانت اسما لكانت إما مرفوعة أو منصوبة ، ولا يصح شيء منهما ، إذ لا رافع هنا ولا ناصب ، وإما أن تكون مجرورة بالإضافة ، وأولاء لا تصح إضافته ; لأنه مبهم ، والمبهمات لا تضاف ، فبقي أن تكون حرفا مجردا للخطاب ، ويجوز مد أولاء وقصره في غير القرآن .

وموضعه هنا رفع بالابتداء ، و : ( على هدى ) الخبر ، وحرف الجر متعلق بمحذوف أي أولئك ثابتون على هدى ويجوز أن يكون أولئك خبر الذين يؤمنون بالغيب وقد ذكر .

فإن قيل : أصل على الاستعلاء ، والهدى لا يستعلى عليه ، فكيف يصح معناه هاهنا ؟ .

قيل معنى الاستعلاء حاصل ; لأن منزلتهم علت باتباع الهدى .

ويجوز أن يكون لما كانت أفعالهم كلها على مقتضى الهدى ، كان تصرفهم بالهدى كتصرف الراكب بما يركبه .

قوله تعالى : ( من ربهم ) في موضع جر صفة لهدى ، ويتعلق الجار بمحذوف تقديره هدى كائن ، وفي الجار والمجرور ضمير يعود على الهدى ، ويجوز كسر الهاء وضمها على ما ذكرنا في عليهم في الفاتحة .

قوله تعالى : ( وأولئك ) مبتدأ ، و : هم مبتدأ ثان و : ( المفلحون ) خبر المبتدأ الثاني ، والثاني وخبره خبر الأول .

ويجوز أن يكون هم فصلا لا موضع له من الإعراب ، والمفلحون خبر أولئك .

[ ص: 25 ] والأصل في مفلح مؤفلح ، ثم عمل فيه ما ذكرناه في يؤمنون .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 20-01-2021, 05:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,491
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التبيان في إعراب القرآن ----- متجدد



الكتاب : التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري
سورة البقرة
صــ26 إلى صــ 31
الحلقة (5)


قال تعالى : ( إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ( 6 ) ) .

قوله تعالى : ( سواء عليهم ) رفع بالابتداء ، وأأنذرتهم أم لم تنذرهم جملة في موضع الفاعل ، وسدت هذه الجملة مسد الخبر ، والتقدير : يستوي عندهم الإنذار وتركه ، وهو كلام محمول على المعنى ، ويجوز أن تكون هذه الجملة في موضع مبتدأ ، وساء خبر مقدم ، والجملة على القولين خبر إن ، ولا يؤمنون لا موضع له على هذا ، ويجوز أن يكون سواء خبر إن وما بعده معمول له ، ويجوز أن يكون لا يؤمنون خبر أن ، وسواء عليهم وما بعده معترض بينهما .

ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر . و ( سواء ) مصدر واقع موقع اسم الفاعل ، وهو مستو ، يعمل عمل يستوي ، ومن أجل أنه مصدر لا يثنى ولا يجمع ، والهمزة في سواء مبدلة من ياء ; لأن باب طويت ، وشويت أكثر من باب قوة ، وحوة فحمل على الأكثر .

قوله تعالى : ( أأنذرتهم ) قرأ ابن محيصن بهمزة واحدة على لفظ الخبر ، وهمزة الاستفهام مرادة ، ولكن حذفوها تخفيفا وفي الكلام ما يدل عليها ، وهو قوله : أم لم ; لأن أم تعادل الهمزة وقرأ الأكثرون على لفظ الاستفهام ، ثم اختلفوا في كيفية النطق به ، فحقق قوم الهمزتين ، ولم يفصلوا بينهما ، وهذا هو الأصل ، إلا أن الجمع بين الهمزتين مستثقل ; لأن الهمزة نبرة تخرج من الصدر بكلفة ، فالنطق بها يشبه التهوع ، فإذا اجتمعت همزتان كان أثقل على المتكلم ، فمن هنا لا يحققهما أكثر العرب .

ومنهم من يحقق الأولى ، ويجعل الثانية بين بين ; أي بين الهمزة والألف وهذه في الحقيقة همزة مليئة ، وليست ألفا ، ومنهم من يجعل الثاني ألفا صحيحا ، كما فعل ذلك في آدم وآمن ، ومنهم من يلين الثاني ، ويفصل بينها وبين الأولى بالألف ، ومنهم من يحقق الهمزتين ، ويفصل بينهما بألف .

[ ص: 26 ] ومن العرب من يبدل الأولى هاء ، ويحقق الثانية ، ومنهم من يلين الثانية مع ذلك ، ولا يجوز أن يحقق الأولى ، ويجعل الثانية ألفا صحيحا ، ويفصل بينهما بألف ; لأن ذلك جمع بين ألفين ، ودخلت همزة الاستفهام هنا للتسوية ، وذلك شبيه بالاستفهام ; لأن المستفهم يستوي عنده الوجود والعدم ; فكذلك يفعل من يريد التسوية ، ويقع ذلك بعد سواء كهذه الآية ، وبعد ليت شعري ، كقولك : ليت شعري أقام أم قعد ، وبعد لا أبالي ولا أدري .

وأم هذه هي المعادلة لهمزة الاستفهام ، ولم ترد المستقبل إلى معنى المضي حتى يحسن معه أمس ، فإن دخلت عليها إن الشرطية عاد الفعل إلى أصله من الاستقبال .

قال تعالى : ( ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم ( 7 ) ) قوله تعالى : ( وعلى سمعهم ) السمع في الأصل مصدر سمع ، وفي تقديره هنا وجهان : أحدهما : أنه استعمل مصدرا على أصله ، وفي الكلام حذف تقديره : على مواضع سمعهم ; لأن نفس السمع لا يختم عليه .

والثاني : أن السمع هنا استعمل بمعنى السامعة ، وهي الأذن ، كما قالوا : الغيب بمعنى الغائب ، والنجم الغائب والنجم بمعنى الناجم ، واكتفى بالواحد هنا عن الجمع ، كما قال الشاعر :
بها جيف الحسرى فأما عظامها فبيض وأما جلدها فصليب
يريد جلودها .

قوله تعالى : ( وعلى أبصارهم غشاوة ) يقرأ بالرفع على أنه مبتدأ ، وعلى أبصارهم خبره ، وفي الجار على هذا ضمير .

وعلى قول الأخفش غشاوة مرفوع بالجار ، كارتفاع الفاعل بالفعل ، ولا ضمير في الجار على هذا الارتفاع الظاهر به ، والوقف على هذه القراءة على : ( وعلى سمعهم ) .

ويقرأ بالنصب بفعل مضمر تقديره : وجعل على أبصارهم غشاوة ; ولا يجوز أن [ ص: 27 ] ينتصب بختم ; لأنه لا يتعدى بنفسه . ويجوز كسر الغين وفتحها وفيها ثلاث لغات أخر ، غشوة بغير ألف ، بفتح الغين ، وضمها ، وكسرها .

قوله تعالى : ( ولهم عذاب ) مبتدأ وخبر ، أو فاعل عمل فيه الجار على ما ذكرنا قبل وفي : ( عظيم ) ضمير يرجع على العذاب لأنه صفته .
قال تعالى : ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ( 8 ) ) .

قوله تعالى : ( ومن الناس ) : الواو دخلت هنا للعطف على قوله : ( الذين يؤمنون بالغيب ) وذلك أن هذه الآيات استوعبت أقسام الناس ; فالآيات الأول تضمنت ذكر المخلصين في الإيمان وقوله : ( إن الذين كفروا ) تضمن ذكر من أظهر الكفر وأبطنه وهذه الآية تضمنت ذكر من أظهر الإيمان ، وأبطن الكفر ، فمن هنا دخلت الواو لتبين أن المذكورين من تتمة الكلام الأول ، ومن هنا للتبعيض ، وفتحت نونها ولم تكسر ; لئلا تتوالى الكسرتان .

وأصل الناس عند سيبويه أناس ، حذفت همزته ، وهي فاء الكلمة ، وجعلت الألف واللام كالعوض منها ، فلا يكاد يستعمل الناس إلا بالألف واللام ، ولا يكاد يستعمل أناس بالألف واللام ، فالألف في الناس على هذا زائدة واشتقاقه من الأنس .

وقال غيره ليس في الكلمة حذف ، والألف منقلبة عن واو وهي عين الكلمة ، واشتقاقه من ناس ينوس نوسا ، إذا تحرك وقالوا في تصغيره نويس .

قوله : ( من يقول ) ( من ) في موضع رفع بالابتداء ، وما قبله الخبر أو هو مرتفع بالجار قبله على ما تقدم .

و ( من ) هنا نكرة موصوفة ، ويقول صفة لها ويضعف أن تكون بمعنى الذي ; لأن الذي يتناول قوما بأعيانهم والمعنى هاهنا على الإيهام والتقدير ، ومن الناس فريق يقول .

و ( من ) موحدة اللفظ ، وتستعمل في التثنية والجمع والتأنيث بلفظ واحد ، والضمير الراجع إليها يجوز أن يفرد حملا على لفظها ، وأن يثنى ويجمع ويؤنث حملا على معناها ، وقد جاء في هذه الآية على الوجهين ، فالضمير في يقول مفرد ، وفي آمنا وما هم جمع . والأصل في يقول يقول بسكون القاف وضم الواو ; لأنه نظير يقعد ويقتل ، ولم يأت إلا على ذلك ، فنقلت ضمة الواو إلى القاف ; ليخف اللفظ بالواو ومن هاهنا إذا [ ص: 28 ] أمرت لم تحتج إلى الهمزة ; بل تقول : قل ; لأن فاء الكلمة قد تحركت فلم تحتج إلى همزة الوصل .

قوله تعالى : ( آمنا ) : أصل الألف همزة ساكنة ، فقلبت ألفا لئلا تجتمع همزتان ، وكان قلبها ألفا من أجل الفتحة قبلها ، ووزن آمن أفعل من الأمن .

و : ( الآخر ) فاعل فالألف فيه غير مبدلة من شيء .

قوله : ( وما هم ) هم ضمير منفصل مرفوع بما عند أهل الحجاز ، ومبتدأ عند تميم ، والباء في الخبر زائدة للتوكيد ، غير متعلقة بشيء ، وهكذا كل حرف جر زيد في المبتدأ أو الخبر أو الفاعل وما تنفي ما في الحال ، وقد تستعمل لنفي المستقبل .

قال تعالى : ( يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون ( 9 ) ) .

قوله تعالى : ( يخادعون الله ) في الجملة وجهان أحدهما لا موضع لها .

والثاني : موضعها نصب على الحال ، وفي صاحب الحال والعامل فيها وجهان : أحدهما : هي من الضمير في يقول ، فيكون العامل فيها يقول ، والتقدير : يقول آمنا مخادعين ، والثاني : هي حال من الضمير في قوله بمؤمنين ، والعامل فيها اسم الفاعل ، والتقدير : وما هم بمؤمنين في حال خداعهم .

ولا يجوز أن يكون في موضع جر على الصفة لمؤمنين ; لأن ذلك يوجب نفي خداعهم ، والمعنى على إثبات الخداع ، ولا يجوز أن تكون الجملة حالا من الضمير في آمنا ، لأن آمنا محكي عنهم بـ ( يقول ) ، فلو كان يخادعون حالا من الضمير في آمنا ، لكانت محكية أيضا ، وهذا محال لوجهين : أحدهما : أنهم ما قالوا آمنا وخادعنا . والثاني أنه أخبر عنهم بقوله يخادعون ، ولو كان منهم لكان : نخادع بالنون .

وفي الكلام حذف تقديره : ( يخادعون ) نبي الله . وقيل هو على ظاهره من غير حذف .

قوله عز وجل : ( وما يخادعون ) وأكثر القراءة بالألف ، وأصل المفاعلة أن تكون من [ ص: 29 ] اثنين وهي على ذلك هنا ; لأنهم في خداعهم ينزلون أنفسهم منزلة أجنبي يدور الخداع بينهما ، فهم يخدعون أنفسهم وأنفسهم تخدعهم ، وقيل المفاعلة هنا من واحد ; كقولك سافر الرجل ، وعاقبت اللص . ويقرأ يخدعون بغير ألف مع فتح الياء

ويقرأ بضمها على أن يكون الفاعل للخدع الشيطان ; فكأنه قال : وما يخدعهم الشيطان . ( إلا أنفسهم ) أي عن أنفسهم ، وأنفسهم نصب بأنه مفعول ، وليس نصبه على الاستثناء ; لأن الفعل لم يستوف مفعوله قبل إلا .

قال تعالى : ( في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون ( 10 ) ) .

قوله تعالى : ( فزادهم الله ) زاد يستعمل لازما كقولك زاد الماء ويستعمل متعديا إلى مفعولين كقولك زدته درهما وعلى هذا جاء في الآية .

ويجوز إمالة الزاي ; لأنها تكسر في قولك زدته وهذا يجوز فيما عينه واو مثل خاف إلا أنه أحسن فيما عينه ياء .

قوله تعالى : ( أليم ) هو فعيل بمعنى مفعل ; لأنه من قولك آلم فهو مؤلم ، وجمعه ألماء وإلام ، مثل شريف وشرفاء وشراف .

قوله تعالى : ( بما كانوا يكذبون ) هو في موضع رفع صفة لأليم ، وتتعلق الباء بمحذوف تقديره : أليم كائن بتكذيبهم أو مستحق ، وما هنا مصدرية ، وصلتها يكذبون ، وليست كان صلتها ; لأنها الناقصة ، ولا تستعمل منها مصدر ، ويكذبون في موضع نصب خبر كان ، وما المصدرية حرف عند سيبويه ، واسم عند الأخفش ، وعلى كلا القولين لا يعود عليها من صلتها شيء .
قال تعالى : ( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ( 11 ) ) .

قوله عز وجل : ( وإذا قيل لهم ) : إذا في موضع نصب على الظرف ، والعامل فيها جوابها ، وهو قوله : قالوا ، وقال قوم : العامل فيها قيل ، وهو خطأ ; لأنه في موضع جر بإضافة إذا إليه ، والمضاف إليه لا يعمل في المضاف ، وأصل قيل قول ، فاستثقلت الكسرة على الواو فحذفت ، وكسرت القاف لتنقلب الواو ياء ، كما فعلوا في أدل وأحق ، ومنهم من يقول نقلوا كسرة الواو إلى القاف ، وهذا ضعيف ; لأنك لا تنقل إليها الحركة إلا بعد تقدير سكونها ، فيحتاج في هذا إلى حذف ضمة القاف ، وهذا عمل كثير .

[ ص: 30 ] ويجوز إشمام القاف بالضمة مع بقاء الياء ساكنة تنبيها على الأصل .

ومن العرب من يقول في مثل قيل وبيع : قول وبوع ، ويسوي بين ذوات الواو والياء ، قالوا : وتخرج على أصلها ، وما هو من الياء تقلب فيه واوا لسكونها وانضمام ما قبلها ، ولا يقرأ بذلك ما لم تثبت به رواية ، والمفعول القائم مقام الفاعل مصدر ، وهو القول ، وأضمر ; لأن الجملة بعده تفسره والتقدير : وإذا قيل لهم قول هو لا تفسدوا . ونظيره ( ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه ) [ يوسف : 35 ] ; أي بدا لهم بداء ورأي . وقيل : ( لهم ) هو القائم مقام الفاعل ; لأن الكلام لا يتم به ، وما هو تفسره الجملة بعده .

ولا يجوز أن يكون قوله : ( لا تفسدوا ) قائما مقام الفاعل ; لأن الجملة لا تكون فاعلا ، فلا تقوم مقام الفاعل ، ولهم في موضع نصب مفعول قيل .

قوله : ( في الأرض ) الهمزة في الأرض أصل ; وأصل الكلمة من الاتساع ، ومنه قولهم : أرضت القرحة إذا اتسعت . وقول من قال : سميت أرضا ، لأن الأقدام ترضها ليس بشيء ; لأن الهمزة فيها أصل ، والرض ليس من هذا .

ولا يجوز أن يكون في الأرض حالا من الضمير في تفسدوا ; لأن ذلك لا يفيد شيئا ، وإنما هو ظرف متعلق بـ ( تفسدوا ) .

قوله : ( إنما نحن ) ( ( ما ) ) ههنا كافة لإن عن العمل لأنها هيأتها للدخول على الاسم تارة وعلى الفعل أخرى وهي إنما عملت لاختصاصها بالاسم .

وتفيد ( إنما ) حصر الخبر فيما أسند إليه الخبر ، كقوله ( إنما الله إله واحد ) [ النساء : 171 ] وتفيد في بعض المواضع اختصاص المذكور بالوصف المذكور دون غيره ، كقولك ( ( إنما زيد كريم ) ) ; أي ليس فيه من الأوصاف التي تنسب إليه سوى الكرم ، ومنه قوله تعالى : ( إنما أنا بشر مثلكم ) [ الكهف : 110 ] ; لأنهم طلبوا منه ما لا يقدر عليه البشر ; فأثبت لنفسه صفة البشر ، ونفى عنه ما عداها

[ ص: 31 ] قوله : نحن : هو اسم مضمر منفصل مبني على الضم . وإنما بنيت الضمائر لافتقارها إلى الظواهر التي ترجع إليها ، فهي كالحروف في افتقارها إلى الأسماء ، وحرك آخرها لئلا يجتمع ساكنان ، وضمت النون ; لأن الكلمة ضمير مرفوع للمتكلم فأشبهت التاء في قمت . وقيل ضمت لأن موضعها رفع ، وقيل النون تشبه الواو فحركت بما يجانس الواو ، ونحن ضمير المتكلم ومن معه ، وتكون للاثنين والجماعة ، ويستعمله المتكلم الواحد العظيم ، وهو في موضع رفع بالابتداء و : ( مصلحون ) خبره .

قال تعالى : ( ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ( 12 ) ) .

قوله تعالى : ( ألا ) : هي حرف يفتتح به الكلام لتنبيه المخاطب .

وقيل معناها : حقا ، وجوز هذا القائل أن تفتح أن بعدها كما تفتح بعد حقا ، وهو في غاية البعد .

قوله : ( هم المفسدون ) هم مبتدأ ، والمفسدون خبره ، والجملة خبر إن ، ويجوز أن تكون هم في موضع نصب توكيدا لاسم إن .

ويجوز أن يكون فصلا لا موضع لها ; لأن الخبر هنا معرفة ، ومثل هذا الضمير يفصل بين الخبر والصفة ، فيعين ما بعده للخبر .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 14-03-2021, 07:14 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,491
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التبيان في إعراب القرآن ----- متجدد



الكتاب : التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري
سورة البقرة
صــ32 إلى صــ 37
الحلقة (6)

قال تعالى : ( وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون ( 13 ) ) .

قوله تعالى : ( وإذا قيل لهم آمنوا ) : القائم مقام المفعول هو القول ويفسره آمنوا لأن الأمر والنهي قول .

قوله : ( كما آمن الناس ) الكاف في موضع نصب صفة لمصدر محذوف ; أي إيمانا مثل إيمان الناس ; ومثله : كما آمن السفهاء .

قوله : ( السفهاء ألا إنهم ) في هاتين الهمزتين أربعة أوجه : أحدها : تحقيقهما وهو الأصل .

والثاني : تحقيق الأولى ، وقلب الثانية واوا خالصة فرارا من توالي الهمزتين ، وجعلت الثانية واوا ; لانضمام الأولى ، والثالث : تليين الأولى ، وهو جعلها بين الهمزة وبين الواو ، وتحقيق الثانية . والرابع : كذلك إلا أن الثانية واو .

[ ص: 32 ] ولا يجوز جعل الثانية بين الهمزة والواو ; لأن ذلك تقريب لها من الألف ; والألف لا يقع بعد الضمة والكسرة وأجازه قوم .

قال تعالى : ( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون ( 14 ) الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون ( 15 ) ) .

قوله تعالى : ( لقوا الذين آمنوا ) أصله لقيوا ، فأسكنت الياء لثقل الضمة عليها ، ثم حذفت لسكونها وسكون الواو بعدها ، وحركت القاف بالضم تبعا للواو .

وقيل : نقلت ضمة الياء إلى القاف بعد تسكينها ، ثم حذفت .

وقرأ ابن السميفع : لاقوا بألف وفتح القاف وضم الواو ، وإنما فتحت القاف وضمت الواو لما نذكره في قوله : ( اشتروا الضلالة ) .

قوله : ( خلوا إلى ) : يقرأ بتحقيق الهمزة ، وهو الأصل .

ويقرأ بإلقاء حركة الهمزة على الواو ، وحذف الهمزة فتصير الواو مكسورة بكسرة الهمزة ، وأصل خلوا خلووا ، فقلبت الواو الأولى ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، ثم حذفت لئلا يلتقي ساكنان ، وبقيت الفتحة تدل على الألف المحذوفة .

قوله : ( إنا معكم ) : الأصل : إننا ، فحذفت النون الوسطى على القول الصحيح ، كما حذفت في إن إذا خففت ، كقوله تعالى : ( وإن كل لما جميع ) [ يس : 32 ] ومعكم ظرف قائم مقام الخبر ; أي كائنون معكم .

قوله تعالى : ( مستهزئون ) : يقرأ بتحقيق الهمزة وهو الأصل وبقلبها ياء مضمومة ، لانكسار ما قبلها ومنهم من يحذف الياء لشبهها بالياء الأصلية في مثل قولك : يرمون ويضم الزاي ، وكذلك الخلاف في تليين همزة يستهزئ بهم .

قوله تعالى : ( يعمهون ) : هو حال من الهاء والميم في يمدهم .

[ ص: 33 ] و ( في طغيانهم ) متعلق بـ ( يمدهم ) أيضا ، وإن شئت بـ ( يعمهون ) . ولا يجوز أن تجعلهما حالين من يمدهم ; لأن العامل الواحد لا يعمل في حالين .

قال تعالى : ( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ( 16 ) ) .

قوله تعالى : ( اشتروا الضلالة ) : الأصل اشتريوا ، فقلبت الياء ألفا ، ثم حذفت الألف لئلا يلتقي ساكنان ، الألف والواو . فإن قلت : فالواو هنا متحركة ؟ . قيل : حركتها عارضة ، فلم يعتد بها وفتحة الراء دليل على الألف المحذوفة .

وقيل : سكنت الياء لثقل الضمة عليها ، ثم حذفت لئلا يلتقي ساكنان .

وإنما حركت الواو بالضم دون غيره ; ليفرق بين واو الجمع والواو الأصلية في نحو قوله : لو استطعنا ، وقيل ضمت لأن الضمة هنا أخف من الكسرة ; لأنها من جنس الواو .

وقيل : حركت بحركة الياء المحذوفة ، وقيل ضمت ; لأنها ضمير فاعل ، فهي مثل التاء في قمت ، وقيل : هي للجمع فهي مثل نحن ، وقد همزها قوم ، شبهوها بالواو المضمومة ضما لازما نحو : أثؤب .

ومنهم من يفتحها إيثارا للتخفيف ، ومنهم من يكسرها على الأصل في التقاء الساكنين ، ومنهم من يختلسها فيحذفها لالتقاء الساكنين وهو ضعيف ; لأن قبلها فتحة ، والفتحة لا تدل عليها .

قال تعالى : ( مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون ( 17 ) ) .

قوله تعالى : ( مثلهم كمثل ) : ابتداء وخبر ، والكاف يجوز أن يكون حرف جر فيتعلق بمحذوف ، ويجوز أن يكون اسما بمعنى مثل فلا يتعلق بشيء .

قوله : ( الذي استوقد ) : الذي هاهنا مفرد في اللفظ ، والمعنى على الجمع ، بدليل قوله : ( ( ذهب الله بنورهم ) ) وما بعده . وفي وقوع المفرد هنا موقع الجمع وجهان : أحدهما : هو جنس ، مثل : من وما ، فيعود الضمير إليه تارة بلفظ المفرد ، وتارة بلفظ الجمع . والثاني : أنه أراد الذين فحذفت النون لطول الكلام بالصلة ، ومثله : ( والذي جاء بالصدق وصدق به ) ثم قال : ( أولئك هم المتقون ) [ الزمر : 33 ] .

[ ص: 34 ] واستوقد بمعنى أوقد ، مثل استقر بمعنى قر ; وقيل : استوقد استدعى الإيقاد .

قوله تعالى : ( فلما أضاءت ) : لما هاهنا اسم ، وهي ظرف زمان ، وكذا في كل موضع وقع بعدها الماضي ، وكان لها جواب ، والعامل فيها جوابها ، مثل : إذا .

وأضاءت : متعد ، فيكون ( ( ما ) ) على هذا مفعولا به ; وقيل أضاء لازم ، يقال : ضاءت النار وأضاءت بمعنى ، فعلى هذا يكون ( ( ما ) ) ظرفا ، وفي ( ( ما ) ) ثلاثة أوجه : أحدها : هي بمعنى الذي .

والثاني : هي نكرة موصوفة ; أي مكانا حوله . والثالث هي زائدة .

قوله : ( ذهب الله بنورهم ) [ البقرة : 17 ] الباء هنا معدية للفعل ، كتعدية الهمزة له ، والتقدير : أذهب الله نورهم . ومثله في القرآن كثير .

وقد تأتي الباء في مثل هذا للحال ; كقولك : ذهبت بزيد ، أي ذهبت ومعي زيد .

قوله تعالى : ( وتركهم في ظلمات ) : تركهم هاهنا يتعدى إلى مفعولين ; لأن المعنى صيرهم ، وليس المراد به الترك الذي هو الإهمال ، فعلى هذا يجوز أن يكون المفعول الثاني في ظلمات ، فلا يتعلق الجار بمحذوف ، ويكون ( ( لا يبصرون ) ) حالا .

ويجوز أن يكون لا يبصرون هو المفعول الثاني ، وفي ظلمات ظرف يتعلق بتركهم ، أو بـ ( ( يبصرون ) ) ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في يبصرون ، أو من المفعول الأول .
قال تعالى : ( صم بكم عمي فهم لا يرجعون ) ( ( 18 ) ) .

قوله تعالى : ( صم بكم ) : الجمهور على الرفع ، على أنه خبر ابتداء محذوف ; أي هم صم ، وقرئ شاذا بالنصب على الحال من الضمير في يبصرون .

قوله تعالى : ( فهم لا يرجعون ) : جملة مستأنفة ; وقيل موضعها حال ، وهو خطأ ; لأن ما بعد الفاء لا يكون حالا ; لأن الفاء ترتب ، والأحوال لا ترتيب فيها .

( ويرجعون ) فعل لازم ; أي لا ينتهون عن باطلهم ، أو لا يرجعون إلى الحق .

[ ص: 35 ] وقيل : هو متعد ومفعوله محذوف ، تقديره : فهم لا يردون جوابا مثل قوله : ( إنه على رجعه لقادر ) ( ( 8 ) ) [ الطارق : 8 ] .

قال تعالى : ( أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين ( 19 ) ) .

قوله تعالى : ( أو كصيب ) : في " أو " أربعة أوجه : أحدها : أنها للشك ، وهو راجع إلى الناظر في حال المنافقين ; فلا يدري أيشبههم بالمستوقد ، أو بأصحاب الصيب ; كقوله : ( إلى مائة ألف أو يزيدون ) [ الصافات : 147 ] ; أي يشك الرائي لهم في مقدار عددهم . والثاني : أنها للتخيير أي شبهوهم بأي القبيلتين شئتم . والثالث : أنها للإباحة . والرابع : أنها للإبهام ; أي بعض الناس يشبههم بالمستوقد ، وبعضهم بأصحاب الصيب ، ومثله قوله تعالى : ( كونوا هودا أو نصارى ) [ البقرة : 135 ] ; أي قالت اليهود : كونوا هودا ، وقالت النصارى : كونوا نصارى ، ولا يجوز عند أكثر البصريين أن تحمل ( ( أو ) ) على الواو ، ولا على ( ( بل ) ) ، ما وجد في ذلك مندوحة ، والكاف في موضع رفع عطفا على الكاف في قوله : ( كمثل الذي ) .

ويجوز أن يكون خبر ابتداء محذوف ، تقديره : أو مثلهم كمثل صيب .

وفي الكلام حذف تقديره : أو كأصحاب صيب وإلى هذا المحذوف يرجع الضمير من قوله : يجعلون . والمعنى على ذلك ; لأن تشبيه المنافقين بقوم أصابهم مطر فيه ظلمة ورعد وبرق لا بنفس المطر ، وأصل ( ( صيب ) ) صيوب على فيعل ; فأبدلت الواو ياء ، وأدغمت الأولى فيها ، ومثله : ميت وهين ، وقال الكوفيون : أصله صويب على فعيل وهو خطأ ; لأنه لو كان كذلك لصحت الواو كما صحت في طويل وعويل .

( من السماء ) : في موضع نصب . و ( من ) : متعلقة بصيب ; لأن التقدير : كمطر صيب من السماء ، وهذا الوصف يعمل عمل الفعل ، ومن لابتداء الغاية .

ويجوز أن يكون في موضع جر على الصفة لصيب ; فيتعلق من بمحذوف أي كصيب كائن من السماء .

والهمزة في السماء بدل من واو قلبت همزة لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة ونظائره تقاس عليه . ( فيه ظلمات ) : الهاء تعود على صيب ، وظلمات رفع بالجار والمجرور ; [ ص: 36 ] لأنه قد قوي بكونه صفة لصيب . ويجوز أن يكون ظلمات مبتدأ وفيه خبر مقدم ، وفيه على هذا ضمير والجملة في موضع جر صفة لصيب ، والجمهور على ضم اللام وقد قرئ بإسكانها تخفيفا ، وفيه لغة أخرى بفتح اللام .

والرعد : مصدر رعد يرعد ، والبرق مصدر أيضا وهما على ذلك موحدتان هنا ، ويجوز أن يكون الرعد والبرق بمعنى الراعد والبارق ، كقولهم : رجل عدل وصوم .

( يجعلون ) : يجوز أن يكون في موضع جر صفة لأصحاب صيب ، وأن يكون مستأنفا ، وقيل يجوز أن يكون حالا من الهاء في فيه ، والراجع على الهاء محذوف ، تقديره : من صواعقه ; وهو بعيد لأن حذف الراجع على ذي الحال كحذفها من خبر المبتدأ ، وسيبويه يعده من الشذوذ . ( من الصواعق ) : أي من صوت الصواعق .

( حذر الموت ) : مفعول له . وقيل مصدر أي حذرا مثل حذر الموت .

والمصدر هنا مضاف إلى المفعول به .

( محيط ) : أصله محوط ; لأنه من حاط يحوط ، فنقلت كسرة الواو إلى الحاء فانقلبت ياء .

قال تعالى : ( يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير ( 20 ) ) .

قوله تعالى : ( يكاد ) : فعل يدل على مقاربة وقوع الفعل بعدها ; ولذلك لم تدخل عليه أن ; لأن أن تخلص الفعل للاستقبال ، وعينها واو ، والأصل يكود ، مثل خاف يخاف ، وقد سمع فيه كدت ، بضم الكاف ، وإذا دخل عليها حرف نفي دل على أن الفعل الذي بعدها وقع ، وإذا لم يكن حرف نفي لم يكن الفعل بعدها واقعا ولكنه قارب الوقوع .

وموضع ( يخطف ) نصب لأنه خبر كاد ، والمعنى قارب البرق خطف الأبصار .

والجمهور على فتح الياء والطاء وسكون الخاء ، وماضيه خطف كقوله تعالى : ( إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ) [ الصافات : 10 ] وفيه قراءات شاذة : إحداها : كسر الطاء على أن ماضيه خطف بفتح الطاء . والثانية : بفتح الياء والخاء والطاء وتشديد الطاء ، والأصل : [ ص: 37 ] يختطف ، فأبدل من التاء طاء ، وحركت بحركة التاء ، والثالثة : كذلك إلا أنها بكسر الطاء على ما يستحقه في الأقل . والرابعة : كذلك ، إلا أنها بكسر الخاء أيضا على الإتباع .

والخامسة : بكسر الياء أيضا إتباعا أيضا . والسادسة : بفتح الياء وسكون الخاء وتشديد الطاء ، وهو ضعيف ; لما فيه من الجمع بين الساكنين . ( كلما ) : هي هنا ظرف ، وكذلك كل موضع كان لها جواب .

و ( ( ما ) ) مصدرية ; والزمان محذوف ; أي كل وقت إضاءة .

وقيل ( ( ما ) ) هنا نكرة موصوفة ، ومعناها الوقت والعائد محذوف أي كل وقت أضاء لهم فيه ، والعامل في كل جوابها . و ( فيه ) : أي في ضوئه . والمعنى بضوئه . ويجوز أن يكون ظرفا على أصلها .

والمعنى : إنهم يحيط بهم الضوء .

( شاء ) : ألفها منقلبة عن ياء ; لقولهم في مصدره : شئت شيئا ، وقالوا شيأته ; أي حملته على أن يشاء . ( لذهب بسمعهم ) : أي أعدم المعنى الذي يسمعون به . ( وعلى كل ) : متعلق بـ : ( ( قدير ) ) في موضع نصب .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 14-03-2021, 07:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,491
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التبيان في إعراب القرآن ----- متجدد



الكتاب : التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري
سورة البقرة
صــ38 إلى صــ 42
الحلقة (7)

قال تعالى : ( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ( 21 ) ) .

قوله تعالى : ( ياأيها الناس ) : أي اسم مبهم لوقوعه على كل شيء أتي به في النداء توصلا إلى نداء ما فيه الألف واللام إذا كانت ( ( يا ) ) لا تباشر الألف واللام ، وبنيت لأنها اسم مفرد مقصود ، وها مقحمة للتنبيه ; لأن الأصل أن تباشر ( ( يا ) ) الناس ، فلما حيل بينهما بأي ، عوض من ذلك ( ( ها ) ) ، والناس وصف لأي لا بد منه ; لأنه المنادى في المعنى ، ومن هاهنا رفع ; ورفعه أن يجعل بدلا من ضمة البناء ، وأجاز المازني نصبه كما يجيز يا زيد الظريف ، وهو ضعيف لما قدمنا من لزوم ذكره ، والصفة لا يلزم ذكرها . ( من قبلكم ) : من هنا لابتداء الغاية في الزمان ، والتقدير : والذين خلقهم من قبل خلقكم ; [ ص: 38 ] فحذف الخلق ، وأقام الضمير مقامه . ( لعلكم ) : متعلق في المعنى بـ ( اعبدوا ) ; أي اعبدوا ليصح منكم رجاء التقوى ; والأصل توتقيون ; فأبدل من الواو تاء ، وأدغمت في التاء الأخرى ، وسكنت الياء ، ثم حذفت ، وقد تقدمت نظائره فوزنه الآن تفتعون .

قال تعالى : ( الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون ( 22 ) ) .

قوله تعالى : ( الذي جعل ) : هو في موضع نصب بـ ( تتقون ) ، أو بدل من ربكم ، أو صفة مكررة ، أو بإضمار أعني .

ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمار هو الذي ، وجعل هنا متعد إلى مفعول واحد ، وهو الأرض . ( فراشا ) حال ، ومثله : ( والسماء بناء ) .

ويجوز أن يكون جعل بمعنى صير ، فيتعدى إلى مفعولين ، وهما الأرض وفراشا ، ومثله : والسماء بناها . ( ولكم ) متعلق بـ ( جعل ) ; أي لأجلكم . ( من السماء ) : متعلق بأنزل ، وهي لابتداء غاية المكان .

ويجوز أن يكون حالا . والتقدير : ماء كائنا من السماء ; فلما قدم الجار صار حالا ، وتعلق بمحذوف ، والأصل في ماء موه ; لقولهم : ماهت الركية تموه ، وفي الجمع أمواه ، فلما تحركت الواو وانفتح ما قبلها قلبت ألفا ، ثم أبدلوا من الهاء همزة وليس بقياس .

( من الثمرات ) : متعلق بأخرج ، فيكون ( ( من ) ) لابتداء الغاية ، ويجوز أن يكون في موضع الحال ، تقديره : رزقا كائنا من الثمرات .

و ( لكم ) : أي من أجلكم . والرزق هنا بمعنى المرزوق ، وليس بمصدر .

( فلا تجعلوا ) : أي لا تصيروا ، أو لا تسموا ، فيكون متعديا إلى مفعولين .

والأنداد : جمع ند ونديد . ( وأنتم تعلمون ) : مبتدأ وخبر في موضع الحال . ومفعول تعلمون محذوف ; أي تعلمون بطلان ذلك .

والاسم من أنتم ( ( أن ) ) ، والتاء للخطاب ، والميم للجمع ، وهما حرفا معنى .

قال تعالى : ( وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين ( 23 ) ) .

[ ص: 39 ] قوله تعالى : ( وإن كنتم ) : جواب الشرط ( ( فأتوا بسورة ) ) . و ( ( إن كنتم صادقين ) ) شرط أيضا جوابه محذوف أغنى عنه جواب الشرط الأول ; أي إن كنتم صادقين فافعلوا ذلك . ولا تدخل إن الشرطية على فعل ماض في المعنى ; إلا على كان لكثرة استعمالها ، وأنها لا تدل على حدث . ( مما نزلنا ) : في موضع جر صفة لريب ; أي ريب كائن مما نزلنا .

والعائد على ( ( ما ) ) محذوف أي نزلناه ، و ( ( ما ) ) بمعنى الذي ، أو نكرة موصوفة . ويجوز أن يتعلق ( ( من ) ) بريب ; أي إن ارتبتم من أجل ما نزلنا .

( فأتوا ) : أصله : ائتيوا ، وماضيه أتى ، ففاء الكلمة همزة ; فإذا أمرت زدت عليها همزة الوصل مكسورة ، فاجتمعت همزتان والثانية ساكنة ، فأبدلت الثانية ياء لئلا يجمع بين همزتين ، وكانت الياء الأولى للكسرة قبلها ، فإذا اتصل بها شيء حذفت همزة الوصل استغناء عنها ، ثم همزة الياء لأنك أعدتها إلى أصلها لزوال الموجب لقلبها .

ويجوز قلب هذه الهمزة ألفا إذا انفتح ما قبلها مثل هذه الآية ، وياء إذا انكسر ما قبلها ; كقوله : الذي إيتمن ، فتصيرها ياء في اللفظ ، وواوا إذا انضم ما قبلها ; كقوله : يا صالح أوتنا . ومنهم من يقول : ذن لي . ( من مثله ) : الهاء تعود على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيكون من للابتداء ، ويجوز أن تعود على القرآن فتكون من زائدة ، ويجوز أن تعود على الأنداد بلفظ المفرد ; كقوله تعالى : ( وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين ) [ النحل : 66 ] .

( وادعوا ) : لام الكلمة محذوف ; لأنه حذف في الواحد دليلا على السكون الذي هو جزم في المعرب ، وهذه الواو ضمير الجماعة .

( من دون الله ) : في موضع الحال من الشهداء ، والعامل فيه محذوف تقديره : شهداءكم منفردين عن الله ، أو عن أنصار الله .
قال تعالى : ( فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين ( 24 ) ) .

قوله تعالى : ( فإن لم تفعلوا ) : الجزم بلم لا بإن لأن ( ( لم ) ) عامل شديد الاتصال بمعموله ، ولم يقع إلا مع الفعل المستقبل في اللفظ ، وإن قد دخلت على الماضي في اللفظ ، وقد وليها الاسم كقوله تعالى : ( وإن أحد من المشركين ) [ التوبة : 6 ] .

[ ص: 40 ] ( وقودها الناس ) : الجمهور على فتح الواو وهو الحطب ، وقرئ بالضم ، وهو لغة في الحطب ; والجيد أن يكون مصدرا بمعنى التوقد ويكون في الكلام حذف مضاف تقديره : توقدها احتراق الناس ، أو تلهب الناس ، أو ذو وقودها الناس .

( أعدت ) : جملة في موضع الحال من النار ; والعامل فيها فاتقوا .

ولا يجوز أن يكون حالا من الضمير في " وقودها " لثلاثة أشياء : أحدها أنها مضاف إليها . والثاني : أن الحطب لا يعمل في الحال . والثالث : أنك تفصل بين المصدر أو ما عمل عمله وبين ما يعمل فيه بالخبر ، وهو الناس .

قال تعالى : ( وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون ( 25 ) ) .

قوله تعالى : ( أن لهم جنات ) : فتحت ( أن ) هاهنا ; لأن التقدير بأن لهم ، وموضع أن وما عملت فيه نصب ببشر ; لأن حرف الجر إذا حذف وصل الفعل بنفسه . هذا مذهب سيبويه .

وأجاز الخليل أن يكون في موضع جر بالباء المحذوفة ; لأنه موضع تزاد فيه فكأنها ملفوظ بها ، ولا يجوز ذلك مع غير أن ، لو قلت بشره بأنه مخلد في الجنة جاز حذف الباء ; لطول الكلام ، ولو قلت بشره الخلود لم يجز ; وهذا أصل يتكرر في القرآن كثيرا ; فتأمله واطلبه هاهنا . ( تجري من تحتها الأنهار ) : الجملة في موضع نصب صفة للجنات ، والأنهار مرفوعة بـ ( تجري ) لا بالابتداء ، ومن تحتها الخبر ، ولا بتحتها ; لأن تجري لا ضمير فيه ; إذ كانت الجنات لا تجري ، وإنما تجري أنهارها ، والتقدير من تحت شجرها ، لا من تحت أرضها ، فحذف المضاف . ولو قيل : إن الجنة هي الشجر ، فلا يكون في الكلام حذف لكان وجها .

( كلما رزقوا منها . . . ) : إلى قوله ( من قبل ) في موضع نصب على الحال من الذين آمنوا ، تقديره : مرزوقين على الدوام ، ويجوز أن يكون حالا من الجنات ; لأنها قد وصفت وفي الجملة ضمير يعود إليها ، وهو قوله : منها ( رزقنا من قبل ) : أي رزقنا ، فحذف العائد . وبنيت قبل لقطعها عن الإضافة ; لأن التقدير من قبل هذا .

[ ص: 41 ] ( وأتوا به ) : يجوز أن يكون حالا ، وقد معه مرادة تقديره قالوا ذلك وقد أتوا به . ويجوز أن يكون مستأنفا . و ( متشابها ) : حال من الهاء في به . ( ولهم فيها أزواج ) : أزواج مبتدأ ، ولهم الخبر وفيها ظرف للاستقرار ، ولا يكون فيها الخبر ; لأن الفائدة تقل إذ الفائدة في جعل الأزواج لهم ، و ( فيها الثانية تتعلق بـ " خالدون " . وهاتان الجملتان مستأنفتان . ويجوز أن تكون الثانية حالا من الهاء والميم في لهم ، والعامل فيها معنى الاستقرار .

قال تعالى : ( إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين ( 26 ) ) .

قوله تعالى : ( لا يستحيي ) : وزنه يستفعل ، ولم يستعمل منه فعل بغير السين ، وليس معناه الاستدعاء ، وعينه ولامه ياءان ، وأصله الحياء ، وهمزة الحياء بدل من الياء .

وقرئ في الشاذ يستحي ، بياء واحدة ، والمحذوفة هي اللام كما تحذف في الجزم ، ووزنه على هذا يستفع ، إلا أن الياء نقلت حركتها إلى العين ، وسكنت ، وقيل المحذوف هي العين ، وهو بعيد . ( أن يضرب ) : أي من أن يضرب ; فموضعه نصب عند سيبويه ، وجر عند الخليل .

( ما ) : حرف زائد للتوكيد . و " بعوضة " بدل من مثلا .

وقيل : ( ما ) : نكرة موصوفة ، وبعوضة بدل من ما .

ويقرأ شاذا بعوضة بالرفع على أن تجعل ما بمعنى الذي ويحذف المبتدأ ; أي الذي هو بعوضة ، ويجوز أن يكون ما حرفا ويضمر المبتدأ تقديره مثلا هو بعوضة . ( فما فوقها ) : الفاء للعطف ، وما نكرة موصوفة أو بمنزلة الذي ، والعامل في فوق على الوجهين الاستقرار والمعطوف عليه بعوضة .

( أما ) : حرف ناب عن حرف الشرط وفعل الشرط ، ويذكر لتفصيل ما أجمل ويقع الاسم بعده مبتدأ ، وتلزم الفاء خبره ، والأصل مهما يكن من شيء فالذين آمنوا يعلمون ، لكن لما نابت أما عن حرف الشرط كرهوا أن يولوها الفاء ، فأخروها إلى الخبر ، وصار ذكر المبتدأ بعدها عوضا من اللفظ بفعل الشرط . ( من ربهم ) : في موضع نصب على الحال . والتقدير : أنه ثابت أو مستقر من ربهم ، والعامل معنى الحق ; وصاحب الحال الضمير المستتر [ ص: 42 ] فيه . ( ماذا ) : فيه قولان : أحدهما : أن " ما " اسم للاستفهام ، موضعها رفع بالابتداء ، وذا بمعنى الذي و : أراد صلة له ، والعائد محذوف ، والذي وصلته خبر المبتدأ . والثاني : أن ما ، وذا اسم واحد للاستفهام ، وموضعه نصب بـ ( أراد ) ، ولا ضمير في الفعل ، والتقدير : أي شيء أراد الله . ( مثلا ) : تمييز ; أي من مثل ، ويجوز أن يكون حالا من هذا ; أي متمثلا ، أو متمثلا به ; فيكون حالا من اسم الله . ( يضل ) : يجوز أن يكون في موضع نصب صفة للمثل ، ويجوز أن يكون حالا من اسم الله ، ويجوز أن يكون مستأنفا . ( إلا الفاسقين ) : مفعول يضل ، وليس بمنصوب على الاستثناء ; لأن يضل لم يستوف مفعوله قبل إلا .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 11-04-2021, 01:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,491
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التبيان في إعراب القرآن ----- متجدد



الكتاب : التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري
سورة البقرة
صــ43 إلى صــ 47
الحلقة (8)

قَالَ تَعَالَى : ( الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ( 27 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( الَّذِينَ يَنْقُضُونَ ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ صِفَةٌ لِلْفَاسِقِينَ .

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَصْبًا بِإِضْمَارِ أَعْنِي ، وَأَنْ يَكُونَ رَفْعًا عَلَى الْخَبَرِ ; أَيْ هُمُ الَّذِينَ .

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً وَالْخَبَرُ قَوْلُهُ : أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ .

( مِنْ بَعْدِ ) : مِنْ لِابْتِدَاءِ غَايَةِ الزَّمَانِ عَلَى رَأْيِ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ ، وَزَائِدَةٌ عَلَى رَأْيِ مَنْ لَمْ يُجِزْهُ ، وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى أَصْلِهِ ; لِأَنَّهُ لَا يُجِيزُ زِيَادَةَ مِنْ فِي الْوَاجِبِ .

( مِيثَاقِهِ ) : مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْإِيثَاقِ ، وَالْهَاءُ تَعُودَ عَلَى اسْمِ اللَّهِ ، أَوْ عَلَى الْعَهْدِ ; فَإِنْ أَعَدْتَهَا إِلَى اسْمِ اللَّهِ كَانَ الْمُصْدَرُ مُضَافًا إِلَى الْفَاعِلِ ، وَإِنْ أَعَدْتَهَا إِلَى الْعَهْدِ كَانَ مُضَافًا إِلَى الْمَفْعُولِ .

( مَا أَمَرَ ) : مَا بِمَعْنَى الَّذِي ; وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً ، وَ " أَنْ يُوصَلَ " فِي مَوْضِعِ جَرٍّ بَدَلًا مِنَ الْهَاءِ ; أَيْ يُوصِلُهُ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ مَا بَدَلَ الِاشْتِمَالِ ; تَقْدِيرُهُ : وَيَقْطَعُونَ وَصْلَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ .

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ ; أَيْ هُوَ أَنْ يُوصَلَ .

( أُولَئِكَ ) مُبْتَدَأٌ : وَ " هُمْ " مُبْتَدَأٌ ثَانٍ ، أَوْ فَصْلٌ ، وَ " الْخَاسِرُونَ " الْخَبَرُ .

قَالَ تَعَالَى : ( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) ( ( 28 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ ) : كَيْفَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ ، وَالْعَامِلُ فِي [ ص: 43 ] تَكْفُرُونَ ; وَصَاحِبُ الْحَالِ الضَّمِيرُ فِي " تَكْفُرُونَ " ، وَنَحْوُ ذَلِكَ . وَ ( تَكْفُرُونَ ) : يَتَعَدَّى بِحَرْفِ الْجَرِّ ، وَقَدْ عُدِّيَ بِنَفْسِهِ فِي قَوْلِهِ : ( أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ ) : وَذَلِكَ حُمِلَ عَلَى الْمَعْنَى ، إِذِ الْمَعْنَى جَحَدُوا . ( وَكُنْتُمْ ) : " قَدْ " مَعَهُ مُضْمَرَةٌ ، وَالْجُمْلَةُ حَالٌ .

( ثُمَّ إِلَيْهِ ) : الْهَاءُ ضَمِيرُ اسْمِ اللَّهِ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرَ الْإِحْيَاءِ الْمَدْلُولَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ : فَأَحْيَاكُمْ .

قَالَ تَعَالَى : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) ( 29 ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( جَمِيعًا ) : حَالٌ فِي مَعْنَى مُجْتَمِعًا . ( فَسَوَّاهُنَّ ) : إِنَّمَا جَمَعَ الضَّمِيرَ ; لِأَنَّ السَّمَاءَ جَمْعُ سَمَاوَةٍ ، أُبْدِلَتِ الْوَاوُ فِيهَا هَمْزَةً ، لِوُقُوعِهَا طَرَفًا بَعْدَ أَلِفٍ زَائِدَةٍ . ( سَبْعَ سَمَوَاتٍ ) : سَبْعَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الضَّمِيرِ . وَقِيلَ التَّقْدِيرُ : فَسَوَّى مِنْهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ ; كَقَوْلِهِ : ( وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ ) : فَيَكُونُ مَفْعُولًا بِهِ ، وَقِيلَ سَوَّى بِمَعْنَى صَيَّرَ فَيَكُونُ مَفْعُولًا ثَانِيًا . ( وَهُوَ ) : يُقْرَأُ بِإِسْكَانِ الْهَاءِ ، وَأَصْلُهَا الضَّمُّ ; وَإِنَّمَا أُسْكِنَتْ لِأَنَّهَا صَارَتْ كَعَضُدٍ فَخُفِّفَتْ ، وَكَذَلِكَ حَالُهَا مَعَ الْفَاءِ وَاللَّامِ ; نَحْوَ : فَهُوَ ، لَهُوَ يُقْرَأُ . بِالضَّمِّ عَلَى الْأَصْلِ .
[ ص: 44 ] قَالَ تَعَالَى : ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ( 30 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَإِذْ قَالَ ) : هُوَ مَفْعُولٌ بِهِ ، تَقْدِيرُهُ : وَاذْكُرْ إِذْ قَالَ .

وَقِيلَ : هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ، تَقْدِيرُهُ : وَابْتِدَاءُ خَلْقِي إِذْ قَالَ رَبُّكَ . وَقِيلَ : زَائِدَةٌ وَ ( لِلْمَلَائِكَةِ ) : مُخْتَلَفٌ فِي وَاحِدِهَا وَأَصْلِهَا ; فَقَالَ قَوْمٌ أَحَدُهُمْ فِي الْأَصْلِ مَأْلَكٌ عَلَى مَفْعَلٍ ; لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْأَلُوكَةِ وَهِيَ الرِّسَالَةُ ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
وَغُلَامٍ أَرْسَلَتْهُ أُمُّهُ بِأَلُوكَ فَبَذَلْنَا مَا سَأَلْ
.

فَالْهَمْزَةُ فَاءُ الْكَلِمَةِ ، ثُمَّ أُخِّرَتْ فَجُعِلَتْ بَعْدَ اللَّامِ ، فَقَالُوا : مَلَأَكٌ ; قَالَ الشَّاعِرُ :
فَلَسْتُ لِإِنْسِيٍّ وَلَكِنْ لِمَلَاكٍ تَنَزَّلَ مِنْ جَوِّ السَّمَاءِ يَصُوبُ .


فَوَزْنُهُ الْآنَ مُعَفَّلٌ ، وَالْجَمْعُ مَلَائِكَةٌ عَلَى مَعَافِلَةٍ .

وَقَالَ آخَرُونَ : أَصْلُ الْكَلِمَةِ لَأَكٌ ، فَعَيْنُ الْكَلِمَةِ هَمْزَةٌ ، وَأَصْلُ مَلَكٍ مَلْأَكٌ مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ . وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ أُلْقِيَتْ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ عَلَى اللَّامِ ، وَحُذِفَتْ ; فَلَمَّا جُمِعَتْ رُدَّتْ فَوَزْنُهُ الْآنَ مَفَاعِلَةٌ .

وَقَالَ آخَرُونَ : عَيْنُ الْكَلِمَةِ وَاوٌ وَهُوَ مِنْ لَاكَ يَلُوكُ ، إِذَا أَدَارَ الشَّيْءَ فِي فِيهِ ; فَكَأَنَّ صَاحِبَ الرِّسَالَةِ يُدِيرُهَا فِي فِيهِ ، فَيَكُونُ أَصْلُ مَلَكٍ : مِثْلَ مَعَادٍ ، ثُمَّ حُذِفَتْ عَيْنُهُ تَخْفِيفًا ; فَيَكُونُ أَصْلُ مَلَائِكَةٍ مِثْلَ مَقَاوِلَةٍ ; فَأُبْدِلَتِ الْوَاوُ هَمْزَةً ، كَمَا أُبْدِلَتْ وَاوُ مَصَائِبَ .

وَقَالَ آخَرُونَ : مَلَكَ فَعَلَ مِنَ الْمُلْكِ وَهِيَ الْقُوَّةُ ، فَالْمِيمُ أَصْلٌ ، وَلَا حَذْفَ فِيهِ ، لَكِنَّهُ جُمِعَ عَلَى فَعَائِلَةٍ شَاذًّا : ( جَاعِلٌ ) : يُرَادُ بِهِ الِاسْتِقْبَالُ ، فَلِذَلِكَ عَمِلَ .

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى خَالِقٍ ، فَيَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ ، وَأَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى مُصَيِّرٍ ، فَيَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ ، وَيَكُونُ : فِي الْأَرْضِ هُوَ الثَّانِي . ( خَلِيفَةً ) : فَعِيلَةً بِمَعْنَى فَاعِلٍ ; أَيْ يَخْلُفُ غَيْرَهُ ، وَزِيدَتِ الْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ .

( أَتَجْعَلُ ) : الْهَمْزَةُ لِلِاسْتِرْشَادِ ; أَيْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ كَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ قَبْلُ .

وَقِيلَ : اسْتَفْهَمُوا عَنْ أَحْوَالِ أَنْفُسِهِمْ ; أَيْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مُفْسِدًا وَنَحْنُ عَلَى طَاعَتِكَ ، أَوْ نَتَغَيَّرُ . ( يَسْفِكُ ) : الْجُمْهُورُ عَلَى التَّخْفِيفِ وَكَسْرِ الْفَاءِ ، وَقَدْ قُرِئَ بِضَمِّهَا ، وَهُمَا لُغَتَانِ ، وَيُقْرَأُ بِالتَّشْدِيدِ لِلتَّكْثِيرِ . وَهَمْزَةُ ( الدِّمَاءَ ) مُنْقَلِبَةٌ عَنْ يَاءٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ دَمَى ; لِأَنَّهُمْ قَالُوا دَمَيَانِ .

( بِحَمْدِكَ ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ; تَقْدِيرُهُ نُسَبِّحُ مُشْتَمِلِينَ بِحَمْدِكَ ، أَوْ مُتَعَبِّدِينَ بِحَمْدِكَ . ( وَنُقَدِّسُ لَكَ ) : أَيْ لِأَجْلِكَ ; وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ زَائِدَةً ; أَيْ نُقَدِّسُكَ .

[ ص: 45 ] وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُعَدِّيَةً لِلْفِعْلِ ، كَتَعْدِيَةِ الْبَاءِ مِثْلَ سَجَدْتُ لِلَّهِ .

( إِنِّي أَعْلَمُ ) : الْأَصْلُ إِنَّنِي ، فَحُذَفِتِ النُّونُ الْوُسْطَى لَا نُونُ الْوِقَايَةِ ; هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ . ( وَأَعْلَمُ ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا ، وَيَكُونُ مَا مَفْعُولًا إِمَّا بِمَعْنَى الَّذِي ، أَوْ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمًا مِثْلَ أَفْضَلَ ، فَيَكُونُ مَا فِي مَوْضِعِ جَرٍّ بِالْإِضَافَةِ .

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِأَعْلَمَ ، كَقَوْلِهِمْ : هَؤُلَاءِ حَوَاجُّ بَيْتِ اللَّهِ بِالنَّصْبِ وَالْجَرِّ ; وَسَقَطَ التَّنْوِينُ ، لِأَنَّ هَذَا الِاسْمَ لَا يَنْصَرِفُ . فَإِنْ قُلْتَ أَفْعَلُ لَا يَنْصِبُ مَفْعُولًا قِيلَ إِنْ كَانَتْ مِنْ مَعَهُ مُرَادَةً لَمْ يُنْصَبْ ، وَأَعَلَمُ هُنَا بِمَعْنَى عَالِمٍ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِأَعْلَمَ : أَعْلَمَ مِنْكُمْ ، فَيَكُونُ " مَا " فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الِاسْمُ ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ : ( هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ ) [ الْأَنْعَامِ : 117 ] .

قَالَ تَعَالَى : ( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( 31 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَعَلَّمَ ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا ، وَأَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى : ( قَالَ رَبُّكَ ) : وَمَوْضِعُ جَرٍّ ، كَمَوْضِعِ قَالَ ، وَقَوَّى ذَلِكَ إِضْمَارُ الْفَاعِلِ . وَقُرِئَ : " وَعُلِّمَ آدَمُ " عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ . وَ ( آدَمَ ) : أَفْعَلُ ، وَالْأَلِفُ فِيهِ مُبْدَلَةٌ مِنْ هَمْزَةٍ هِيَ فَاءُ الْفِعْلِ ; لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ ، أَوْ مِنَ الْأَدَمَةِ ; وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَزْنُهُ فَاعِلًا ; إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَانَصْرَفَ مِثْلَ عَالَمٍ وَخَاتَمٍ ، وَالتَّعْرِيفُ وَحْدَهُ لَا يَمْنَعُ وَلَيْسَ بِأَعْجَمِيٍّ .

( ثُمَّ عَرَضَهُمْ ) : يَعْنِي أَصْحَابَ الْأَسْمَاءِ فَلِذَلِكَ ذَكَرَ الضَّمِيرَ .

( هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ ) : يُقْرَأُ بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ عَلَى الْأَصْلِ . وَيُقْرَأُ بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ ; قِيلَ : الْمَحْذُوفَةُ هِيَ الْأُولَى ، لِأَنَّهَا لَامُ الْكَلِمَةِ ، وَالْأُخْرَى أَوَّلُ الْكَلِمَةِ الْأُخْرَى ، وَحَذْفُ الْآخَرِ أَوْلَى . وَقِيلَ الْمَحْذُوفَةُ الثَّانِيَةُ ; لِأَنَّ الثِّقَلَ بِهَا حَصَلَ .

[ ص: 46 ] وَيُقْرَأُ بِتَلْيِينِ الْهَمْزَةِ الْأُولَى وَتَحْقِيقِ الثَّانِيَةِ ، وَبِالْعَكْسِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُبَدِّلُ الثَّانِيَةَ يَاءً سَاكِنَةً ، كَأَنَّهُ قَدَّرَهُمَا فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ طَلَبًا لِلتَّخْفِيفِ .
قَالَ تَعَالَى : ( قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ( 32 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( سُبْحَانَكَ ) : سُبْحَانَ اسْمٌ وَاقِعٌ مَوْقِعَ الْمَصْدَرِ ، وَقَدِ اشْتُقَّ مِنْهُ سَبَّحْتُ وَالتَّسْبِيحُ ، وَلَا يَكَادُ يُسْتَعْمَلُ إِلَّا مُضَافًا ; لِأَنَّ الْإِضَافَةَ تُبَيِّنُ مَنِ الْمُعَظَّمُ ، فَإِذَا أُفْرِدَ عَنِ الْإِضَافَةِ كَانَ اسْمًا عَلَمَا لِلتَّسْبِيحِ لَا يَنْصَرِفُ لِلتَّعْرِيفِ ، وَالْأَلِفُ وَالنُّونُ فِي آخِرِهِ مِثْلَ عُثْمَانَ ، وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ مُنَوَّنًا عَلَى نَحْوِ تَنْوِينِ الْعَلَمِ إِذَا نُكِّرَ ، وَمَا يُضَافُ إِلَيْهِ مَفْعُولٌ بِهِ ; لِأَنَّهُ الْمُسَبَّحُ .

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا ; لِأَنَّ الْمَعْنَى تَنَزَّهْتَ ، وَانْتِصَابُهُ عَلَى الْمَصْدَرِ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ سَبَّحْتُ اللَّهَ تَسْبِيحًا .

( إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ) : مَا مَصْدَرِيَّةٌ ; أَيْ إِلَّا عِلْمًا عَلَّمْتَنَاهُ ، وَمَوْضِعُهُ رَفْعٌ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ مَوْضِعِ لَا عِلْمَ كَقَوْلِكَ : لَا إِلَهُ إِلَّا اللَّهُ .

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَا بِمَعْنَى الَّذِي ، وَيَكُونُ عِلْمٌ بِمَعْنَى مَعْلُومٍ أَيْ لَا مَعْلُومَ لَنَا إِلَّا الَّذِي عَلَّمْتَنَاهُ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِالْعِلْمِ ; لِأَنَّ اسْمَ لَا إِذَا عَمِلَ فِيمَا بَعْدَهُ لَا يُبْنَى . ( إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ ) : أَنْتَ مُبْتَدَأٌ ، وَالْعَلِيمُ خَبَرُهُ ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ إِنَّ .

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَنْتَ تَوْكِيدًا لِلْمَنْصُوبِ ، وَوَقَعَ بِلَفْظِ الْمَرْفُوعِ لِأَنَّهُ هُوَ الْكَافُ فِي الْمَعْنَى ; وَلَا يَقَعُ هَاهُنَا إِيَّاكَ لِلتَّوْكِيدِ ; لِأَنَّهَا لَوْ وَقَعَتْ لَكَانَتْ بَدَلًا ، وَإِيَّاكَ لَمْ يُؤَكَّدْ بِهَا .

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَصْلًا لَا مَوْضِعَ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ .

وَ ( الْحَكِيمُ ) : خَبَرٌ ثَانٍ ، أَوْ صِفَةٌ لِلْعَلِيمِ عَلَى قَوْلِ مَنْ أَجَازَ صِفَةَ الصِّفَةِ ، وَهُوَ صَحِيحٌ ; لِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ هِيَ الْمَوْصُوفُ فِي الْمَعْنَى .

وَالْعَلِيمُ بِمَعْنَى الْعَالِمِ . وَأَمَّا الْحَكِيمُ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْحَاكِمِ ، وَأَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْمُحْكَمِ .

قَالَ تَعَالَى : ( قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ( 33 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( أَنْبِئْهُمْ ) : يُقْرَأُ بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ عَلَى الْأَصْلِ ، وَبِالْيَاءِ عَلَى تَلْيِينِ الْهَمْزَةِ ، وَلَمْ نَقْلِبْهَا قَلْبًا قِيَاسًا ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَحُذِفَتِ الْيَاءُ كَمَا تُحْذَفُ مِنْ قَوْلِكَ : أَبْقِهِمْ مِنْ بَقِيتُ .

[ ص: 47 ] وَقَدْ قُرِئَ أَنْبِهُمْ بِكَسْرِ الْبَاءِ مِنْ غَيْرِ هَمْزَةٍ وَيَاءٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ إِبْدَالُ الْهَمْزَةِ يَاءً إِبْدَالًا قِيَاسِيًّا .

وَأَنْبَأَ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ ، وَإِلَى الثَّانِي بِحَرْفِ الْجَرِّ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : بِأَسْمَائِهِمْ وَقَدْ يَتَعَدَّى بِعَنْ ; كَقَوْلِكَ : أَنْبَأْتُهُ عَنْ حَالِ زَيْدٍ . وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : ( قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ ) [ التَّوْبَةِ : 94 ] فَيُذْكَرُ فِي مَوْضِعِهِ .

( وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ ) : مُسْتَأْنَفٌ ، وَلَيْسَ بِمَحْكِيٍ بِقَوْلِهِ : أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَحْكِيًّا أَيْضًا ، فَيَكُونُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ . وَتُبْدُونَ وَزْنُهُ تُفْعُونَ ، وَالْمَحْذُوفُ مِنْهُ لَامُهُ وَهِيَ وَاوٌ ; لِأَنَّهُ مِنْ بَدَا يَبْدُو .

وَالْأَصْلُ فِي الْيَاءِ الَّتِي فِي : إِنِّي أَنْ تُحَرَّكَ بِالْفَتْحِ ; لِأَنَّهَا اسْمٌ مُضْمَرٌ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ ، فَتُحَرَّكُ مِثْلُ الْكَافِ فِي إِنَّكَ فَمَنْ حَرَّكَهَا أَخْرَجَهَا عَلَى الْأَصْلِ ، وَمَنْ سَكَّنَهَا اسْتَثْقَلَ حَرَكَةَ الْيَاءِ بَعْدَ الْكَسْرَةِ .

قَالَ تَعَالَى : ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ( 34 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا ) : الْجُمْهُورُ عَلَى كَسْرِ التَّاءِ . وَقُرِئَ بِضَمِّهَا ، وَهِيَ قِرَاءَةٌ ضَعِيفَةٌ جِدًّا ، وَأَحْسَنُ مَا تُحَمَلُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي لَمْ يَضْبُطْ عَلَى الْقَارِئِ ، وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْقَارِئُ أَشَارَ إِلَى الضَّمِّ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْهَمْزَةَ الْمَحْذُوفَةَ مَضْمُومَةٌ فِي الِابْتِدَاءِ ، وَلَمْ يُدْرِكِ الرَّاوِي هَذِهِ الْإِشَارَةَ .

وَقِيلَ إِنَّهُ نَوَى الْوَقْفَ عَلَى التَّاءِ سَاكِنَةً ، ثُمَّ حَرَّكَهَا بِالضَّمِّ إِتْبَاعًا لِضَمَّةِ الْجِيمِ ، وَهَذَا مِنْ إِجْرَاءِ الْوَصْلِ مَجْرَى الْوَقْفِ . وَمِثْلُهُ مَا حُكِيَ عَنِ امْرَأَةٍ رَأَتْ نِسَاءً مَعَهُنَّ رَجُلٌ ، فَقَالَتْ : أَفِي السَّوَ تَنْتُنَّهُ ، بِفَتْحِ التَّاءِ ، وَكَأَنَّهَا نَوَتِ الْوَقْفَ عَلَى التَّاءِ ، ثُمَّ أَلْقَتْ عَلَيْهَا حَرَكَةَ الْهَمْزَةِ فَصَارَتْ مَفْتُوحَةً .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 11-04-2021, 01:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,491
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التبيان في إعراب القرآن ----- متجدد



الكتاب : التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري
سورة البقرة
صــ48 إلى صــ 52
الحلقة (9)


[ ص: 48 ] ( إِلَّا إِبْلِيسَ ) : اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ . وَقِيلَ هُوَ مُتَّصِلٌ ; لِأَنَّهُ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ مَلَكًا . وَهُوَ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ لَا يَنْصَرِفُ لِلْعُجْمَةِ وَالتَّعْرِيفِ .

وَقِيلَ : هُوَ عَرَبِيٌّ ، وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الْإِبْلَاسِ ، وَلَمْ يَنْصَرِفْ لِلتَّعْرِيفِ ، وَإِنَّهُ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الْأَسْمَاءِ ، وَهَذَا بَعِيدٌ ، عَلَى أَنَّ فِي الْأَسْمَاءِ مِثْلَهُ ، نَحْوَ : إِخْرِيطٍ ، وَإِجْفِيلٍ ، وَإِصْلِيتٍ ، وَنَحْوِهِ . ( وَأَبَى ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنْ إِبْلِيسَ ; تَقْدِيرُهُ : تَرَكَ السُّجُودَ كَارِهًا لَهُ وَمُسْتَكْبِرًا .

( وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) : مُسْتَأْنَفٌ ; وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ حَالٍ أَيْضًا .
قَالَ تَعَالَى : ( وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ) ( ( 35 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ) : أَنْتَ تَوْكِيدٌ لِلضَّمِيرِ فِي الْفِعْلِ أَتَى بِهِ لِيَصِحَّ الْعَطْفُ عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ فِي : كُلْ أُأْكُلْ مِثْلُ اقْتُلُ إِلَّا أَنَّ الْعَرَبَ حَذَفَتِ الْهَمْزَةَ الثَّانِيَةَ تَخْفِيفًا ، وَمِثْلُهُ خُذْ وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ ، فَلَا تَقُولُ فِي الْأَمْرِ مِنْ أَجَرَ يَأْجُرُ جُرْ . وَحَكَى سِيبَوَيْهِ أُوْكُلْ شَاذًّا . ( مِنْهَا ) : أَيْ مِنْ ثَمَرَتِهَا ; فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَمَوْضِعُهُ نَصْبٌ بِالْفِعْلِ قَبْلَهُ وَمِنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ .

وَ ( رَغَدًا ) : صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ ; أَيْ أَكْلًا رَغَدًا ; أَيْ طَيِّبًا هَنِيئًا .

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ، تَقْدِيرُهُ كُلَا مُسْتَطِيبَيْنِ مُتَهَنِّئَيْنِ .

( حَيْثُ ) : ظَرْفُ مَكَانٍ ، وَالْعَامِلُ فِيهِ كُلَا . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنَ الْجَنَّةِ ، فَيَكُونُ حَيْثُ مَفْعُولًا بِهِ ; لِأَنَّ الْجَنَّةَ مَفْعُولٌ ، وَلَيْسَ بِظَرْفٍ ; لِأَنَّكَ تَقُولُ سَكَنْتُ الْبَصْرَةَ وَسَكَنْتُ الدَّارَ بِمَعْنَى نَزَلْتُ ، فَهُوَ كَقَوْلِكَ انْزِلْ مِنَ الدَّارِ حَيْثُ شِئْتَ . ( هَذِهِ الشَّجَرَةَ ) : الْهَاءُ بَدَلٌ مِنَ الْيَاءِ فِي هَذِي ; لِأَنَّكَ تَقُولُ فِي الْمُؤَنَّثِ هَذِي وَهَاتَا وَهَاتِي وَالْيَاءُ لِلْمُؤَنَّثِ مَعَ [ ص: 49 ] الذَّالِ لَا غَيْرَ ، وَالْهَاءُ بَدَلٌ مِنْهَا ; لِأَنَّهَا تُشْبِهُهَا فِي الْخَفَاءِ وَالشَّجَرَةُ نَعْتٌ لِهَذِهِ . وَقُرِئَ فِي الشَّاذِّ : " هَذِهِ الشَّيَرَةُ " وَهِيَ لُغَةٌ أُبْدِلَتِ الْجِيمُ فِيهَا يَاءً لِقُرْبِهَا مِنْهَا فِي الْمَخْرَجِ .

( فَتَكُونَا ) : جَوَابُ النَّهْيِ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ : إِنْ تَقْرَبَا تَكُونَا وَحَذْفُ النُّونِ هُنَا عَلَامَةُ النَّصْبِ ; جَوَابُ النَّهْيِ إِذَا كَانَ بِالْفَاءِ فَهُوَ مَنْصُوبٌ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَجْزُومًا بِالْعَطْفِ .

قَالَ تَعَالَى : ( فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ( 36 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( فَأَزَلَّهُمَا ) : يُقْرَأُ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ مِنْ غَيْرِ أَلِفٍ ; أَيْ حَمَلَهُمَا عَلَى الزَّلَّةِ ; وَيُقْرَأُ : فَأَزَالَهُمَا أَيْ نَحَاهُمَا ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِكَ : زَالَ الشَّيْءُ يَزُولُ ، إِذَا فَارَقَ مَوْضِعَهُ ، وَأَزَلْتَهُ نَحَّيْتَهُ ، وَأَلِفُهُ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ .

( مِمَّا كَانَا فِيهِ ) : مَا بِمَعْنَى الَّذِي ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً أَيْ مِنْ نَعِيمٍ أَوْ عَيْشٍ : اهْبِطُوا ، الْجُمْهُورُ عَلَى كَسْرِ الْبَاءِ وَهِيَ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ ، وَقُرِئَ بِضَمِّهَا ، وَهِيَ لُغَةٌ . ( بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ) : جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْوَاوِ فِي اهْبِطُوا ; أَيِ اهْبِطُوا مُتَعَادِينَ وَاللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِعَدُوٍّ ; لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بَعْضُكُمْ عَدُوٌّ لِبَعْضٍ وَيَعْمَلُ عَدُوٌّ عَمَلَ الْفِعْلِ لَكِنْ بِحَذْفِ الْجَرِّ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِعَدُوٍّ ; فَلَمَّا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ صَارَ حَالًا .

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةً ، وَأَمَّا إِفْرَادُ عَدُوٍّ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِمَا كَانَ بَعْضُكُمْ مُفْرَدًا فِي اللَّفْظِ ، أُفْرِدَ عَدُوٌّ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَضَعَ الْوَاحِدَ مَوْضِعَ الْجَمْعِ كَمَا قَالَ : ( فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي ) : [ الشُّعَرَاءِ : 77 ] .

( وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا أَيْضًا ، وَتَقْدِيرُهُ اهْبِطُوا مُتَعَادِينَ مُسْتَحِقِّينَ الِاسْتِقْرَارَ .

وَ ( مُسْتَقَرٌّ ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا بِمَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَكَانَ الِاسْتِقْرَارِ . وَ ( إِلَى حِينٍ ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ صِفَةً لِمَتَاعٍ ; فَيَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِمَتَاعٍ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَصْدَرِ ; وَالتَّقْدِيرُ : وَأَنْ تَمَتَّعُوا إِلَى حِينٍ .

قَالَ تَعَالَى : ( فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ( 37 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( فَتَلَقَّى آدَمُ ) : يُقْرَأُ بِرَفْعِ آدَمَ وَنَصْبِ كَلِمَاتٍ ، وَبِالْعَكْسِ ; لِأَنَّ كُلَّ مَا تَلَقَّاكَ فَقَدْ تَلَقَّيْتَهُ . وَ ( مِنْ رَبِّهِ ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِتَلَقَّى . وَيَكُونُ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ .

[ ص: 50 ] وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ صِفَةٌ لَكَلِمَاتٍ ، تَقْدِيرُهُ : كَلِمَاتٌ كَائِنَةٌ مِنْ رَبِّهِ ، فَلَمَّا قَدَّمَهَا انْتَصَبَتْ عَلَى الْحَالِ .

( إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ ) : هُوَ هَاهُنَا مِثْلُ أَنْتَ فِي : ( إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) وَقَدْ ذُكِرَ .

قَالَ تَعَالَى : ( قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ( 38 ) ) .

قَوْلُهُ : ( مِنْهَا جَمِيعًا ) : حَالٌ ; أَيْ مُجْتَمِعِينَ ، إِمَّا فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ ، أَوْ فِي أَزْمِنَةٍ ، بِحَيْثُ يَشْتَرِكُونَ فِي الْهُبُوطِ . ( فَإِمَّا ) : إِنْ حَرْفُ شَرْطٍ ، وَمَا حَرْفٌ مُؤَكِّدٌ لَهُ . وَ ( يَأْتِيَنَّكُمْ ) : فِعْلُ الشَّرْطِ مُؤَكَّدٌ بِالنُّونِ الثَّقِيلَةِ ، وَالْفِعْلُ يَصِيرُ بِهَا مَبْنِيًّا أَبَدًا .

وَمَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَفْعَالِ الشَّرْطِ عَقِيبَ إِمَّا كُلُّهُ مُؤَكَّدٌ بِالنُّونِ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ ; لِأَنَّ زِيَادَةَ مَا تُؤْذِنُ بِإِرَادَةِ شِدَّةِ التَّوْكِيدِ وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ غَيْرَ مُؤَكَّدٍ بِالنُّونِ .

وَجَوَابُ الشَّرْطِ : فَمَنْ تَبِعَ وَجَوَابُهُ . وَمَنْ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ ، وَالْخَبَرُ تَبِعَ ، وَفِيهِ ضَمِيرُ فَاعِلٍ يَرْجِعُ عَلَى مَنْ ، وَمَوْضِعُ تَبِعَ جَزْمٌ بِمَنْ ، وَالْجَوَابُ : فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ .

وَكَذَلِكَ كَلُّ اسْمٍ شَرَطْتَ بِهِ وَكَانَ مُبْتَدَأٌ فَخَبَرُهُ فِعْلُ الشَّرْطِ لَا جَوَابُ الشَّرْطِ ; وَلِهَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الْمُبْتَدَأِ ، وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الضَّمِيرُ فِي الْجَوَابِ حَتَّى لَوْ قُلْتَ مَنْ يَقُمْ أَكْرَمَ زَيْدًا جَازَ ، وَلَوْ قُلْتَ مَنْ يَقُمْ زَيْدًا أَكْرَمَهُ ، وَأَنْتَ تُعِيدُ الْهَاءَ إِلَى مَنْ لَمْ يَجُزْ .

وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْخَبَرَ هُوَ فِعْلُ الشَّرْطِ وَالْجَوَابُ ; وَقِيلَ الْخَبَرُ مِنْهُمَا مَا كَانَ فِيهِ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى مَنْ . وَ ( خَوْفٌ ) : مُبْتَدَأٌ وَعَلَيْهِمُ الْخَبَرُ ، وَجَاءَ الِابْتِدَاءُ بِالنَّكِرَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْعُمُومِ بِالنَّفْيِ الَّذِي فِيهِ .

وَالرَّفْعُ وَالتَّنْوِينُ هُنَا أَوْجَهُ مِنَ الْبِنَاءِ عَلَى الْفَتْحِ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ عَطَفَ عَلَيْهِ مَا لَا يَجُوزُ فِيهِ إِلَّا الرَّفْعُ وَهُوَ قَوْلُهُ : وَلَا هُمْ لِأَنَّهُ مَعْرِفَةٌ وَلَا لَا تَعْمَلُ فِي الْمَعَارِفِ ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ ; لِيَتَشَاكَلَ الْجُمْلَتَانِ كَمَا قَالُوا فِي الْفِعْلِ الْمَشْغُولِ [ ص: 51 ] بِضَمِيرِ الْفَاعِلِ ، نَحْوَ : قَامَ زَيْدٌ وَعَمْرًا كَلَّمْتُهُ ; فَإِنَّ النَّصْبَ فِي عَمْرٍو أَوْلَى لِيَكُونَ مَنْصُوبًا بِفِعْلٍ ، كَمَا أَنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ عَمِلَ فِيهِ الْفِعْلُ .

وَالْوَجْهُ الثَّانِي : مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى ; وَذَلِكَ بِأَنَّ الْبِنَاءَ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْخَوْفِ عَنْهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ ذَلِكَ بَلِ الْمُرَادُ نَفْيُهُ عَنْهُمْ فِي الْآخِرَةِ .

فَإِذَا قِيلَ : لِمَ لَا يَكُونُ وَجْهُ الرَّفْعِ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مَذْكُورٌ فِي جَزَاءِ مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ، وَلَا يَلِيقُ أَنْ يَنْفِيَ عَنْهُمُ الْخَوْفَ الْيَسِيرَ ، وَيَتَوَهَّمَ ثُبُوتَ الْخَوْفِ الْكَثِيرِ .

قِيلَ : الرَّفْعُ يَجُوزُ أَنْ يُضْمَرَ مَعَهُ نَفْيُ الْكَثِيرِ ; تَقْدِيرُهُ : لَا خَوْفٌ كَثِيرٌ عَلَيْهِمْ ، فَيُتَوَهَّمُ ثُبُوتُ الْقَلِيلِ ، وَهُوَ عَكْسُ مَا قُدِّرَ فِي السُّؤَالِ ، فَبَانَ أَنَّ الْوَجْهَ فِي الرَّفْعِ مَا ذَكَرْنَا .

( هُدَايَ ) : الْمَشْهُورُ إِثْبَاتُ الْأَلِفِ قَبْلَ الْيَاءِ عَلَى اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ قَبْلَ الْإِضَافَةِ .

وَيُقْرَأُ هُدَيَّ - بِيَاءٍ مُشَدَّدَةٍ - وَوَجْهُهَا أَنَّ يَاءَ الْمُتَكَلِّمِ يُكْسَرُ مَا قَبْلَهَا فِي الِاسْمِ الصَّحِيحِ ، وَالْأَلِفُ لَا يُمْكِنُ كَسْرُهَا ; فَقُلِبَتْ يَاءً مِنْ جِنْسِ الْكَسْرَةِ ثُمَّ أُدْغِمَتْ .قَالَ تَعَالَى : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) ( ( 39 ) ) .

قَوْلُهُ : ( بِآيَاتِنَا ) : الْأَصْلُ فِي آيَةِ آيَّةٍ ; لِأَنَّ فَاءَهَا هَمْزَةٌ ; وَعَيْنَهَا وَلَامَهَا يَاءَانِ ; لِأَنَّهَا مِنْ تَأَتَّى الْقَوْمُ ، إِذَا اجْتَمَعُوا . وَقَالُوا فِي الْجَمْعِ آيَاءٌ ، فَظَهَرَتِ الْيَاءُ الْأُولَى ، وَالْهَمْزَةُ الْأَخِيرَةُ بَدَلٌ مِنْ يَاءٍ ، وَوَزْنُهُ أَفْعَالٌ ، وَالْأَلِفُ الثَّانِيَةُ مُبْدَلَةٌ مِنْ هَمْزَةٍ هِيَ فَاءُ الْكَلِمَةِ ، وَلَوْ كَانَتْ عَيْنُهَا وَاوًا لَقَالُوا آوَاءٌ ، ثُمَّ إِنَّهُمْ أَبْدَلُوا الْيَاءَ السَّاكِنَةَ فِي أَيَّةٍ أَلِفَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ، وَمِثْلُهُ : غَايَةُ ، وَثَايَةُ . وَقِيلَ : أَصْلُهَا أَيِيَهْ ، ثُمَّ قُلِبَتِ الْيَاءُ الْأُولَى أَلِفًا لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا .

وَقِيلَ : أَصْلُهَا أَيَيَهْ بِفَتْحِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ ، ثُمَّ فُعِلَ فِي الْيَاءِ مَا ذَكَرْنَا . وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ فِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ حُكْمَ الْيَاءَيْنِ إِذَا اجْتَمَعَتَا فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ تُقْلَبَ الثَّانِيَةَ لِقُرْبِهَا مِنَ الطَّرَفِ .

وَقِيلَ : أَصْلُهَا آيِيَةُ عَلَى فَاعِلَةٍ ; وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ تُدْغَمَ ، فَيُقَالُ آيَّةُ مِثْلَ دَابَّةٍ ، إِلَّا أَنَّهَا خُفِّفَتْ كَتَخْفِيفِ كَيْنُونَةٍ فِي كَيِّنُونَةٍ ، وَهَذَا ضَعِيفٌ ; لِأَنَّ التَّخْفِيفَ فِي ذَلِكَ الْبِنَاءِ كَانَ لِطُولِ الْكَلِمَةِ . ( أُولَئِكَ ) : مُبْتَدَأٌ ، وَ " أَصْحَابُ النَّارِ " خَبَرُهُ . وَ " هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ أَصْحَابٍ .

[ ص: 52 ] وَقِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ النَّارِ لِأَنَّ فِي الْجُمْلَةِ ضَمِيرًا يَعُودُ عَلَيْهَا وَيَكُونُ الْعَامِلُ فِي الْحَالِ مَعْنَى الْإِضَافَةِ أَوْ لِلَّامِ الْمُقَدَّرَةِ .

قَالَ تَعَالَى : ( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ( 40 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( يَابَنِي إِسْرَائِيلَ ) : إِسْرَائِيلُ لَا يَنْصَرِفُ ; لِأَنَّهُ عَلَمٌ أَعْجَمِيٌّ ، وَقَدْ تَكَلَّمَتْ بِهِ الْعَرَبُ بِلُغَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إِسْرَائِيلُ بِهَمْزَةٍ بَعْدَهَا يَاءٌ بَعْدَهَا لَامٌ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ كَذَلِكَ ، إِلَّا أَنَّهُ يَقْلِبُ الْهَمْزَةَ يَاءً ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُبْقِي الْهَمْزَةَ وَيَحْذِفُ الْيَاءَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْذِفُهُمَا فَيَقُولُ : إِسْرَالُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إِسْرَايِنُ بِالنُّونِ ، وَبَنِي جَمْعُ ابْنٍ جُمِعَ جَمْعَ السَّلَامَةِ [ الْفُرْقَانِ : 41 ] .

وَبَنِي : جَمْعُ ابْنٍ جُمِعَ جَمْعُ السَّلَامَةِ ، وَلَيْسَ بِسَالِمٍ فِي الْحَقِيقَةِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ لَفْظُ وَاحِدِهِ فِي جَمْعِهِ ، وَأَصْلُ الْوَاحِدِ بَنَوَ عَلَى فَعَلَ بِتَحْرِيكِ الْعَيْنِ ; لِقَوْلِهِمْ فِي الْجَمْعِ أَبْنَاءٌ ، كَجَبَلٍ وَأَجْبَالٍ . وَلَامَهُ وَاوٌ ، وَقَالَ قَوْمٌ : لَامُهُ يَاءٌ ، وَلَا حُجَّةَ فِي الْبُنُوَّةِ ; لِأَنَّهُمْ قَدْ قَالُوا : الْفُتُوَّةُ وَهِيَ مِنَ الْيَاءِ .

( أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ) : الْأَصْلُ أَنْعَمْتُ بِهَا لِيَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى الْمَوْصُولِ ، فَحُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ ، فَصَارَ أَنْعَمْتُهَا ، ثُمَّ حُذِفَ الضَّمِيرُ كَمَا حُذِفَ فِي قَوْلِهِ ( أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا ) . ( وَأَوْفُوا ) : يُقَالُ فِي الْمَاضِي وَفَى ، وَوَفَّى ، وَمِنْ هُنَا قُرِئَ : ( أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ) : وَالْفَاءُ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ . ( وَإِيَّايَ ) : مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ فَارْهَبُونِ ، تَقْدِيرُهُ : وَارْهَبُوا إِيَّايَ فَارْهَبُونِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِـ ( ارْهَبُونِ ) ; لِأَنَّهُ قَدْ تَعَدَّى إِلَى مَفْعُولِهِ .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 11-04-2021, 01:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,491
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التبيان في إعراب القرآن ----- متجدد



الكتاب : التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري
سورة البقرة
صــ53 إلى صــ 57
الحلقة (10)


قَالَ تَعَالَى : ( وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ ) ( ( 41 ) ) .

[ ص: 53 ] قَوْلُهُ : ( مُصَدِّقًا ) : حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ مِنَ الْهَاءِ الْمَحْذُوفَةِ فِي أَنْزَلْتُ .

وَ ( مَعَكُمْ ) : مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِ ، وَالْعَامِلُ فِيهِ الِاسْتِقْرَارُ .

( أَوَّلَ ) : هِيَ أَفْعَلُ ، وَفَاؤُهَا وَعَيْنُهَا وَاوَانِ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ ، وَلَمْ يَنْصَرِفْ مِنْهَا فِعْلٌ لِاعْتِلَالِ الْفَاءِ وَالْعَيْنِ ، وَتَأْنِيثُهَا أَوْلَى ، وَأَصْلُهَا وَ " وَلَّى " فَأُبْدِلَتِ الْوَاوُ هَمْزَةً لِانْضِمَامِهَا ضَمًّا لَازِمًا ، وَلَمْ تَخْرُجْ عَلَى الْأَصْلِ كَمَا خَرَجَ وُقِّتَتْ وَوُجُوهٌ ، كَرَاهِيَةَ اجْتِمَاعِ الْوَاوَيْنِ .

وَقَالَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ : أَصْلُ الْكَلِمَةِ مِنْ وَأَلَ يَئِلُ إِذَا نَجَا ، فَأَصْلُهَا أَوْأَلَ ، ثُمَّ خُفِّفَتِ الْهَمْزَةُ بِأَنْ أُبْدِلَتْ وَاوًا ، ثُمَّ أُدْغِمَتِ الْأُولَى فِيهَا ، وَهَذَا لَيْسَ بِقِيَاسٍ ، بَلِ الْقِيَاسُ فِي تَخْفِيفِ مِثْلِ هَذِهِ الْهَمْزَةِ أَنْ تُلْقَى حَرَكَتُهَا عَلَى السَّاكِنِ قَبْلَهَا وَتُحْذَفَ .

وَقَالَ بَعْضُهُمْ : مِنْ آلَ يَئُولُ ; فَأَصْلُ الْكَلِمَةِ أَوَّلَ ، ثُمَّ أُخِّرَتِ الْهَمْزَةُ الثَّانِيَةُ فَجُعِلَتْ بَعْدَ الْوَاوِ ثُمَّ عُمِلَ فِيهَا مَا عُمِلَ فِي الْوَجْهِ الَّذِي قَبْلَهُ ، فَوَزْنُهُ الْآنَ أَعْفَلُ .

( كَافِرٍ ) : لَفْظُهُ وَاحِدٌ ، وَهُوَ فِي مَعْنَى الْجَمْعِ ; أَيْ أَوَّلُ الْكُفَّارِ كَمَا يُقَالُ هُوَ أَحْسَنُ رَجُلٍ وَقِيلَ التَّقْدِيرُ أَوَّلُ فَرِيقٍ كَافِرٍ .

قَالَ تَعَالَى : ( وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) ( ( 42 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ ) : هُوَ مَجْزُومٌ بِالْعَطْفِ عَلَى وَلَا تَلْبِسُوا ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَصْبًا عَلَى الْجَوَابِ بِالْوَاوِ ; أَيْ لَا تَجْمَعُوا بَيْنَهُمَا ; كَقَوْلِكَ لَا تَأْكُلِ السَّمَكَ وَتَشْرَبِ اللَّبَنَ . ( وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ ، وَالْعَامِلُ لَا تَلْبِسُوا وَتَكْتُمُوا .

قَالَ تَعَالَى : ( وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ( 43 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ) : أَصْلُ أَقِيمُوا أَقْوِمُوا ، فَعَمِلَ فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي قَوْلِهِ : وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ : ( وَآتُوا الزَّكَاةَ ) : أَصْلُهُ : آتِيُوا فَاسْتُثْقِلَتِ الضَّمَّةُ عَلَى الْيَاءِ فَسُكِّنَتْ وَحُذِفَتْ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ ثُمَّ حُرِّكَتِ التَّاءُ بِحَرَكَةِ الْيَاءِ الْمَحْذُوفَةِ ، وَقِيلَ ضُمَّتْ تَبَعًا لِلْوَاوِ كَمَا ضُمَّتْ فِي اضْرِبُوا وَنَحْوِهِ ، وَأَلِفُ الزَّكَاةِ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ لِقَوْلِهِمْ زَكَا الشَّيْءُ يَزْكُو ، وَقَالُوا فِي الْجَمْعِ زَكَوَاتٌ .

( مَعَ الرَّاكِعِينَ ) : ظَرْفٌ .

قَالَ تَعَالَى : ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) ( ( 44 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَتَنْسَوْنَ ) : أَصْلُهُ تُنْسِيُونَ ، ثُمَّ عَمِلَ فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : ( اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ ) [ الْبَقَرَةِ : 16 ] ( أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) : اسْتِفْهَامٌ فِي مَعْنَى التَّوْبِيخِ ، وَلَا مَوْضِعَ لَهُ .

قَالَ تَعَالَى : ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ) ( ( 45 ) ) .

[ ص: 54 ] قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَاسْتَعِينُوا ) : أَصْلُهُ اسْتَعْوِنُوا ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْفَاتِحَةِ . وَأَنَّهَا الضَّمِيرُ لِلصَّلَاةِ ، وَقِيلَ لِلِاسْتِعَانَةِ ; لِأَنَّ اسْتَعِينُوا يَدُلُّ عَلَيْهَا ، وَقِيلَ عَلَى الْقِبْلَةِ لِدَلَالَةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا ، وَكَانَ التَّحَوُّلُ إِلَى الْكَعْبَةِ شَدِيدًا عَلَى الْيَهُودِ : إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِكَبِيرَةٍ ، وَإِلَّا دَخَلَتْ لِلْمَعْنَى وَلَمْ تَعْمَلْ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ قَبْلَهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِكَبِيرَةٍ لِيُسْتَثْنَى مِنْهُ فَهُوَ كَقَوْلِكَ هُوَ كَبِيرٌ عَلَى زَيْدٍ .

قَالَ تَعَالَى : ( الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) ( ( 46 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( الَّذِينَ يَظُنُّونَ ) : صِفَةٌ لِلْخَاشِعِينَ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِإِضْمَارٍ أَعْنِي ، وَرَفْعٍ بِإِضْمَارِ " هُمْ " .

( أَنَّهُمْ ) : أَنَّ وَاسْمُهَا وَخَبَرُهَا سَادٌّ مَسَدَ الْمَفْعُولَيْنِ ، لِتَضَمُّنِهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الظَّنُّ ، وَهُوَ اللِّقَاءُ ، وَذَكَرَ مَنْ أُسْنِدَ إِلَيْهِ اللِّقَاءُ ، وَقَالَ الْأَخْفَشُ : أَنَّ وَمَا عَمِلَتْ فِيهِ مَفْعُولٌ وَاحِدٌ ، وَهُوَ مَصْدَرٌ ، وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ : يَظُنُّونَ لِقَاءَ اللَّهِ وَاقِعًا .

( مُلَاقُو ) : أَصْلُهُ مُلَاقِيُوا ثُمَّ عُمِلَ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ، وَحُذِفَتِ النُّونُ تَخْفِيفًا ; لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ ، إِذَا كَانَ مُسْتَقْبَلًا ، وَلَمَّا حَذَفَهَا أَضَافَ . ( إِلَيْهِ ) : الْهَاءُ تَرْجِعُ إِلَى اللَّهِ ، وَقِيلَ إِلَى اللِّقَاءِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ مُلَاقُوا .

قَالَ تَعَالَى : ( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ( 47 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ ، تَقْدِيرُهُ : وَاذْكُرُوا تَفْضِيلِي إِيَّاكُمْ .

قَالَ تَعَالَى : ( وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ( 48 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَاتَّقُوا يَوْمًا ) : يَوْمًا هُنَا مَفْعُولٌ بِهِ ; لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّقْوَى لَا يَقَعُ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَالتَّقْدِيرُ : وَاتَّقُوا عَذَابَ يَوْمٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ .

( لَا تَجْزِي نَفْسٌ ) : الْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ نَصْبِ صِفَةُ الْيَوْمِ وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ تُجْزَى فِيهِ ثُمَّ حُذِفَ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ ; لِأَنَّ الظُّرُوفَ يُتَّسَعُ فِيهَا ، وَيَجُوزُ فِيهَا مَا لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهَا ، وَقَالَ غَيْرُهُ : تُحْذَفُ " فِي " فَتَصِيرُ تَجْزِيهِ ، فَإِذَا وَصَلَ الْفِعْلُ بِنَفْسِهِ ، حُذِفَ الْمَفْعُولُ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ . ( عَنْ نَفْسٍ ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِـ ( تُجْزَى ) .

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ ، عَلَى أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ شَيْئًا عَنْ نَفْسٍ . وَ ( شَيْئًا ) : هُنَا فِي حُكْمِ الْمَصْدَرِ ; لِأَنَّهُ وَقَعَ مَوْقِعَ جَزَاءٍ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ لِأَنَّ الْجَزَاءَ شَيْءٌ فَوُضِعَ الْعَامُّ مَوْضِعَ الْخَاصِّ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ ) : أَيْ فِيهِ ; وَكَذَلِكَ : ( وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ) . وَ ( مِنْهَا ) : فِي الْمَوْضِعَيْنِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِـ ( يُقْبَلُ ) وَيُؤْخَذُ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِشَفَاعَةٍ وَعَدْلٍ ، فَلَمَّا قَدِ انْتَصَبَ عَلَى الْحَالِ .

[ ص: 55 ] وَ " يُقْبَلُ " يُقْرَأُ بِالتَّاءِ لِتَأْنِيثِ الشَّفَاعَةِ وَبِالْيَاءِ لِأَنَّهُ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ وَحَسُنَ ذَلِكَ لِلْفَصْلِ .
قَالَ تَعَالَى : ( وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ) ( ( 49 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ ) : إِذْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ مَعْطُوفًا عَلَى ( اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ ) [ الْبَقَرَةِ : 50 ] ، ( وَإِذْ وَاعَدْنَا ) [ الْبَقَرَةِ : 51 ] ، وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى ، وَمَا كَانَ مِثْلُهُ مِنَ الْعُطُوفِ . ( مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ) : أَصْلُ آلٍ أَهْلٌ ، فَأُبْدِلَتِ الْهَاءُ هَمْزَةً لِقُرْبِهَا مِنْهَا فِي الْمَخْرَجِ ، ثُمَّ أُبْدِلَتِ الْهَمْزَةُ أَلِفًا لِسُكُونِهَا وَانْفِتَاحِ الْهَمْزَةِ قَبْلَهَا مِثْلُ آدَمَ وَآمَنَ ، وَتَصْغِيرُهُ أُهَيْلٌ ; لِأَنَّ التَّصْغِيرَ يَرُدُّ إِلَى الْأَصْلِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : أُوَيْلٌ ، فَأَبْدَلَ الْأَلِفَ وَاوًا ، وَلَمْ يَرُدَّهُ إِلَى الْأَصْلِ كَمَا لَمْ يَرُدُّوا عِيدًا فِي التَّصْغِيرِ إِلَى أَصْلِهِ .

وَقِيلَ أَصْلُ آلٍ أَوْلٌ ، مِنْ آلَ يَئُولُ ; لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَئُولُ إِلَى أَهْلِهِ ، وَفِرْعَوْنُ أَعْجَمِيٌّ مَعْرِفَةٌ . ( يَسُومُونَكُمْ ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنْ آلٍ .

( سُوءَ الْعَذَابِ ) : مَفْعُولٌ بِهِ ; لِأَنَّ يَسُومُونَكُمْ مُتَعَدٍّ إِلَى مَفْعُولَيْنِ يُقَالُ سُمْتُهُ الْخَسْفَ أَيْ أَلْزَمْتُهُ الذُّلَّ . ( يُذَبِّحُونَ ) : فِي مَوْضِعِ حَالٍ إِنْ شِئْتَ مِنْ " آلٍ " عَلَى أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنَ الْحَالِ الْأُولَى ; لِأَنَّ حَالَيْنِ فَصَاعِدًا لَا تَكُونُ عَنْ شَيْءٍ وَاحِدٍ ، إِذْ كَانَتِ الْحَالُ مُشَبَّهَةً بِالْمَفْعُولِ ، وَالْعَامِلُ لَا يَعْمَلُ فِي مَفْعُولَيْنِ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ ، وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ حَالًا مِنَ الْفَاعِلِ فِي يَسُومُونَكُمْ وَالْجُمْهُورُ عَلَى تَشْدِيدِ الْبَاءِ لِلتَّكْثِيرِ ، وَقُرِئَ بِالتَّخْفِيفِ .

( بَلَاءٌ ) : الْهَمْزَةُ بَدَلٌ مِنْ وَاوٍ ; لِأَنَّ الْفِعْلَ مِنْهُ بَلَوْتُهُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ ) . ( مِنْ رَبِّكُمْ ) : فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ صِفَةٌ لِبَلَاءٍ فَيَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ .

قَالَ تَعَالَى : ( وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ( 50 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ ) : بِكُمْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ مَفْعُولٌ ثَانٍ ، وَالْبَحْرُ مَفْعُولٌ [ ص: 56 ] أَوَّلٌ ، وَالْبَاءُ هُنَا فِي مَعْنَى اللَّامِ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ : بِسَبَبِكُمْ . وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمُعَدِّيَةُ كَقَوْلِكَ : ذَهَبْتُ بِزَيْدٍ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ : أَفْرَقْنَاكُمُ الْبَحْرَ ، وَيَكُونُ فِي الْمَعْنَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ ) [ الْأَعْرَافِ : 138 ] . وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ لِلْحَالِ ; أَيْ فَرَقْنَا الْبَحْرَ ، وَأَنْتُمْ بِهِ ، فَيَكُونُ إِمَّا حَالًا مُقَدَّرَةً أَوْ مُقَارِنَةً . ( وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ، وَالْعَامِلُ " أَغْرَقْنَا " .

قَالَ تَعَالَى : ( وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ ) ( ( 51 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَاعَدْنَا مُوسَى ) : وَعَدَ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ ، تَقُولُ وَعَدْتُ زِيدًا مَكَانَ كَذَا ، وَيَوْمَ كَذَا ، فَالْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ مُوسَى ، وَ " أَرْبَعِينَ " الْمَفْعُولُ الثَّانِي ، وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ تَمَامَ أَرْبَعِينَ ، وَلَيْسَ أَرْبَعِينَ ظَرْفًا ، إِذْ لَيْسَ الْمَعْنَى وَعَدَهُ فِي أَرْبَعِينَ .

وَيُقْرَأُ وَاعَدْنَا بِأَلِفٍ ، وَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْمُفَاعَلَةِ الْوَاقِعَةِ مِنَ اثْنَيْنِ ، بَلْ مِثْلَ قَوْلِكَ : عَافَاهُ اللَّهُ ، وَعَاقَبْتُ اللِّصَّ . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْوَعْدَ مِنَ اللَّهِ ، وَالْقَبُولَ مِنْ مُوسَى ، فَصَارَ كَالْوَعْدِ مِنْهُ ، وَقِيلَ : إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ مُوسَى أَنْ يَعِدَ بِالْوَفَاءِ فَفَعَلَ .

وَ ( مُوسَى ) : مُفْعَلٌ ، مِنْ أَوْسَيْتُ رَأْسَهُ ، إِذَا حَلَقْتُهُ ; فَهُوَ مِثْلُ أَعْطَى فَهُوَ مُعْطًى .

وَقِيلَ : هُوَ فُعْلَى مِنْ مَاسَ يَمِيسُ إِذَا تَبَخْتَرَ فِي مَشْيِهِ ، فَمُوسِيُّ الْحَدِيدِ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى ; لِكَثْرَةِ اضْطِرَابِهَا وَتَحَرُّكِهَا وَقْتَ الْحَلْقِ ، فَالْوَاوُ فِي مُوسَى عَلَى هَذَا بَدَلٌ مِنَ الْيَاءِ لِسُكُونِهَا وَانْضِمَامِ مَا قَبْلَهَا .

وَمُوسَى اسْمُ النَّبِيِّ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالِاشْتِقَاقِ ; لِأَنَّهُ أَعْجَمِيٌّ وَإِنَّمَا يُشْتَقُّ مُوسَى الْحَدِيدِ . ( ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ ) : ; أَيْ إِلَهًا ، فَحَذَفَ الْمَفْعُولَ الثَّانِي ، وَمِثْلُهُ : بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ ، وَقَدْ تَأْتِي اتَّخْذَتُ مُتَعَدِّيَةً إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ إِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى جَعَلَ وَعَمِلَ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ) [ الْبَقَرَةِ : 116 ] وَكَقَوْلِكَ : اتَّخَذْتُ دَارًا وَثَوْبًا ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ، وَيَجُوزُ إِدْغَامُ الذَّالِ فِي التَّاءِ لِقُرْبِ مَخْرَجَيْهِمَا ، وَيَجُوزُ الْإِظْهَارُ عَلَى الْأَصْلِ .

( مِنْ بَعْدِهِ ) : أَيْ مِنْ بَعْدِ انْطِلَاقِهِ ، فَحُذِفَ الْمُضَافُ .
[ ص: 57 ] قَالَ تَعَالَى : ( ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) ( ( 52 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( لَعَلَّكُمْ ) : اللَّامُ الْأُولَى أَصْلٌ عِنْدَ جَمَاعَةٍ ; وَإِنَّمَا تُحْذَفُ تَخْفِيفًا فِي قَوْلِكَ : عَلَّكَ ، وَقِيلَ هِيَ زَائِدَةٌ ، وَالْأَصْلُ عَلَّكَ ، وَلَعَلَّ حَرْفٌ ، وَالْحَذْفُ تَصَرُّفٌ ، وَالْحَرْفُ بَعِيدٌ مِنْهُ .

قَالَ تَعَالَى : ( وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ( 53 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَالْفُرْقَانَ ) : هُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ مِثْلُ الرُّجْحَانِ وَالْغُفْرَانِ ، وَقَدْ جُعِلَ اسْمًا لِلْقُرْآنِ .

قَالَ تَعَالَى : ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ( 54 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( لِقَوْمِهِ ) : اللُّغَةُ الْجَيِّدَةُ أَنْ تُكْسَرَ الْهَاءُ إِذَا انْكَسَرَ مَا قَبْلَهَا ، وَتُزَادَ عَلَيْهَا يَاءٌ فِي اللَّفْظِ ; لِأَنَّهَا خَفِيَّةٌ لَا تَبِينُ كُلَّ الْبَيَانِ بِالْكَسْرِ وَحْدَهُ ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَهَا يَاءٌ مِثْلُ عَلَيْهِ فَالْجَيِّدُ أَنْ تُكْسَرَ الْهَاءُ مِنْ غَيْرِ يَاءٍ ; لِأَنَّ الْهَاءَ خَفِيَّةٌ ضَعِيفَةٌ ، فَإِذَا كَانَ قَبْلَهَا يَاءٌ ، وَبَعْدَهَا يَاءٌ لَمْ يَقْوَ الْحَاجِزُ بَيْنَ السَّاكِنَيْنِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْهَاءِ فَتْحَةٌ أَوْ ضَمَّةٌ ضُمَّتْ وَلَحِقَتْهَا وَاوٌ فِي اللَّفْظِ نَحْوَ : إِنَّهُ وَغُلَامُهُ لِمَا ذَكَرْنَا . ( يَاقَوْمِ ) : حَذَفَ يَاءَ الْمُتَكَلِّمِ اكْتِفَاءً بِالْكَسْرَةِ ، وَهَذَا يَجُوزُ ، وَهَذَا فِي النِّدَاءِ خَاصَّةً ; لِأَنَّهُ لَا يَلْبَسُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُثْبِتُ الْيَاءَ سَاكِنَةً ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَفْتَحُهَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْلِبُهَا أَلِفًا بَعْدَ فَتْحِ مَا قَبْلَهَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ يَا قَوْمُ بِضَمِّ الْمِيمِ . ( إِلَى بَارِئِكُمْ ) : الْقِرَاءَةُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ ; لِأَنَّ كَسْرَهَا إِعْرَابٌ ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو تَسْكِينُهَا فِرَارًا مِنْ تَوَالِي الْحَرَكَاتِ ، وَسِيبَوَيْهِ لَا يُثْبِتُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ ، وَكَانَ يَقُولُ إِنَّ الرَّاوِيَ لَمْ يَضْبِطْ عَنْ أَبِي عَمْرٍو ; لِأَنَّ أَبَا عَمْرٍو اخْتَلَسَ الْحَرَكَةَ ، فَظَنَّ السَّامِعُ أَنَّهُ سَكَّنَ . ( ذَلِكُمْ ) : قَالَ بَعْضُهُمُ الْأَصْلُ ذَانِكُمْ ; لِأَنَّ الْمُقَدَّمَ ذِكْرُهُ التَّوْبَةُ وَالْقَتْلُ فَأَوْقَعَ الْمُفْرَدَ مَوْقِعَ التَّثْنِيَةِ ; لِأَنَّ ذَا يَحْتَمِلُ الْجَمِيعَ ، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ فَاقْتُلُوا تَفْسِيرُ التَّوْبَةِ فَهُوَ وَاحِدٌ . ( فَتَابَ عَلَيْكُمْ ) : فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ : فَفَعَلْتُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ .

قَالَ تَعَالَى : ( وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ( 55 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ ) : إِنَّمَا قَالَ : نُؤْمِنَ لَكَ لَا بِكَ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَنْ نُؤْمِنَ لِأَجْلِ قَوْلِكَ ، أَوْ يَكُونُ مَحْمُولًا عَلَى لَنْ نُقِرَّ لَكَ بِمَا ادَّعَيْتَهُ .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 215.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 209.92 كيلو بايت... تم توفير 6.02 كيلو بايت...بمعدل (2.79%)]