شرح حديث: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4411 - عددالزوار : 849075 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3941 - عددالزوار : 385595 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 171 - عددالزوار : 59782 )           »          شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 164 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 112 - عددالزوار : 28266 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 64 - عددالزوار : 798 )           »          طرق تساعد على تنمية ذكاء الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          السلفيون ومراعاة المصالح والمفاسد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 25 - عددالزوار : 687 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 100 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18-01-2021, 04:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,445
الدولة : Egypt
افتراضي شرح حديث: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه

شرح حديث: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه
الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع






إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.



أما بعد:

فأيُّها الإخوة المؤمنون، إن الله جل وعلا قد عزَّى عباده جميعًا، قد عزَّى جميعَ الناس في أنفسهم، وأخبر أنهم جميعًا يموتون، كما قال عز من قائل: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾ [آل عمران: 185]، وقال عز وجل أيضًا: ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ﴾ [القصص: 88]، وأخبَر سبحانه نبيَّه محمدًا عليه الصلاة والسلام، وخاطبَه بهذا الأمر العظيم؛ لأنه أكرمُ الخلْق، وأشرف عبادِ الله جميعًا فقال له سبحانه ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ﴾ [الزمر: 30]، وبذلك كانت هذه الآية الكريمة: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾ [آل عمران: 185] تعْزيةً لكل أحَد؛ ذلك لأنه ما مِن حيٍّ على وجه الأرض، ولا في هذا الوجود مِن الخْلق إلا ومآله إلى الموت، ﴿ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَام ﴾ [الرحمن: 27]، وما مِن مخلوق إلا وهو يُدافِع الموت ويكرهُه ويكرهُ لقاءَه؛ ولذلك لما أخبر بهذه الحقيقة نبيُّنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في مرةٍ، بحضْرة مِن الصحابة رضي الله عنهم تعجَّبوا مِن هذا، وتعجَّبوا مِن حديثه عليه الصلاة والسلام، وأنهم يكرهون الموت، واستغرَبوا ما يترتَّب على ذلك؛ مما سَبق إلى أنفسهم مِن أن كراهية الموت تقتضي كراهية لقاءِ الله تعالى، وقد وضَّح النبيُّ عليه الصلاة والسلام حقيقة هذا الأمر، كما ثبت في صحيحَيِ البُخاري ومسلم: عن عُبادة بن الصامت، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((مَنْ أحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، أحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، ومَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ))، قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها، أو بَعْضُ أَزْوَاجِهِ رضي الله عنهن: إنَّا لنَكْرَهُ الموتَ، قَالَ: ((لَيْسَ ذَاكِ، وَلَكِنَّ المؤمِنَ إذَا حَضَرَهُ الموتُ بُشِّرَ برِضوانِ اللهِ وَكَرَامتِهِ، فَلَيْسَ شَيءٌ أحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا أمَامَهُ، فَأحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، وَأَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وإنَّ الكافِرَ إذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللهِ وَعُقُوبَتِهِ، فَلَيْسَ شَيءٌ أكرَهَ إليْهِ مِمَّا أمَامَهُ، كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، وَكَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ)).



وهذا يُوضِّح أن المؤمن سيكون إلى خير، وذلك بما ينتظره مِن الخير الذي أمامه، وقد أزال النبُّي صلى الله عليه وآله وسلم الإشكالَ الذي يَسبق إلى النفوس مِن أن كراهية الموت تقتضي كراهية لقاءِ الله، فأزال هذا اللبس، وقرَّر المعنى الصحيح، فإن النفوس جميعًا - كما تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها - تكره الموتَ، لكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وضَّح حقيقة الأمر، وأن المؤمن إذا حُضِر ونزلَتْ به الملائكةُ فإنه يرى مِن الخير الشيءَ الكثير، ولهذا فإنه يحبُّ لقاء الله، ويستبشر به؛ بل إنه في تلك اللحظات ليستعجل مِن ملك الموت، ومَن معه أن يقبضوا روحه حتى يصير إلى ما أمامه مِن الخير، كما يوضِّحه حديث آخر في شأن قبض الأرواح، وأن المؤمن تخرج روحه وتسيل في يد ملك الموت كما تسيل القطرة مِن في السِّقاء، وذلك للراحة التي يجدُها، والاستبشار الذي يتهلل به وجهه، وتسعد به نفسُه، كما يوضِّحه أيضًا قول رب العزة سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30]، وفي تلك اللحظاتِ والمؤمنُ يُعاين هذه البشارات، ويسمعها مِن الملائكة؛ رُسُلِ اللهِ - مَن الذي يجعله يتشبث بالدنيا؟ إنه محبٌّ لِلِقاء الله، محبٌّ لرضوانه، محبٌّ للملك العظيم الذي أمامه، محبٌّ للنعيم الأعظم الذي رأى بعض آثاره، فإنه في تلك اللحظات يُعاين مكانه، ومقعده من الجنة، فهو يتشوَّف ويستعجل لأن يصل إلى ذلك المآل، كيف لا يستعجل وهناك أعظمُ النعيمِ وأكبرُه وأشرفُه وأجلُّه وأعلاه، وهو رؤية وجْه الربِّ تبارك وتعالى، وحينئذٍ حينما سَبَق إلى نفس هذا المؤمن حبُّ لقاء الله أحبَّ اللهُ لقاءه.



وعلى الضد مِن ذلك فإن الكافر أو الفاجر إذا رأى أمامه النكال والعذاب؛ فإنه يكره أن يتحوَّل عن هذه الدنيا؛ لأنه يعلم أن ما أمامه أشد وأعظم مِن العذاب والنكال الذي ينتظره.



والمقصود أيها الإخوة المؤمنون: أن المؤمن حين لحظات الموت إذا بُشِّر بالرضوان والرحمة فإنه يحبُّ لقاء الله عز وجل، ويتشوَّف إليه فيحبُّ اللهُ لقاءه، أما الكافر والعياذ بالله فإنه إذا بُشِّر بعذاب الله وسخطه كره لقاءَ الله، فكره اللهُ لقاءَه، وفي هذا المعنى يقول العلامة النووي رحمه الله: (إن الْكَرَاهَةَ الْمُعْتَبَرَةَ هِيَ الَّتِي تَكُونُ عِنْدَ النَّزْعِ، فِي حَالَةٍ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَلَا غَيْرُهَا، فَحِينَئِذٍ يُبَشَّرُ كُلُّ إِنْسَانٍ بِمَا هُوَ صَائِرٌ إِلَيْهِ، وَمَا أعدَّ له، وَيُكْشَفُ لَهُ عَنْ ذَلِكَ)، وبهذا ندرك أيها الإخوة المؤمنون ما ينبغي على الإنسان من الاستعداد لهذه النقلة العظمى؛ حتى إذا حضَرَت كان قد أعدَّ العمل الصالح الذي يسرُّه أن يلقاه، لا أن يتمنَّى على الله الأماني، ويرجو أن يُعاد ويرجع إلى الدنيا كما أخبر الله عن أولئك في قوله: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾ [المؤمنون: 99، 100]، وكما قال الله تعالى مُخبرًا عن هؤلاء أيضًا: ﴿ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾ [الفجر: 23، 24]، فلقاءُ الله حاصل لا محالة، ولكن الناس يتفاوتون في حب هذا اللقاء أو كراهيته، بالنظر لما قدَّموا في هذه الحياة الدنيا، والله جل وعلا يقول: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 223]، ويقول عز من قائل: ﴿ مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [العنكبوت: 5]، ويقول عز من قائل: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]، وقال الله تعالى أيضًا: ﴿ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 46]، وقال سبحانه مادحًا عبادَه المؤمنين، ومبشرًا لهم بحُسن العُقبى: ﴿ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ﴾ [الأحزاب: 44]، وهذا اللقاءُ للهِ سبحانه الذي يُوَفَّاهُ المؤمنون لقاءٌ كلُّه شرف وعِزٌّ وفخامة وتشريف من الرب الكريم، ففي الصحيحين من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَسَيُكَلِّمُهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَيْسَ بَيْنَه وَبَيْنَ اللهِ تَرْجُمَانٌ، ثُمَّ يَنْظُرُ فَلَا يَرَى شَيْئًا قدَّامَهُ، ثُمَّ يَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَتَسْتَقْبِلُهُ النَّارُ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَّقِيَ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ))، وفي رواية عند البخاري: ((ما منكم مِن أحد إلا وسيكلمه ربُّه ليس بينه وبينه ترجمان، ولا حجابٌ يحجبه))، وفي رواية أيضًا عند البخاري ((وليلقينَّ الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له، فيقولنَّ: ألم أبعث إليك رسولًا فيبلغك؟ فيقول: بلى، فيقول: ألم أعطك مالًا وولدًا وأفضل عليك؟ فيقول: بلى، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم، وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم)). وروى مسلم أيضًا من حديث أبي هريرة قال: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: ((هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ فِي الظَّهِيرَةِ لَيْسَتْ فِي سَحَابَةٍ؟)). قَالُوا: لاَ. قَالَ: ((فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ فِي سَحَابَةٍ؟)). قَالُوا: لاَ. قَالَ عليه الصلاة والسلام: ((فَوَالَّذِي نَفْسِى بِيَدِهِ؛ لاَ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ إِلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا - قَالَ - فَيَلْقَى الْعَبْدَ فَيَقُولُ: أَي فُلْ، أَلَمْ أُكْرِمْكَ، وَأُسَوِّدْكَ، وَأُزَوِّجْكَ، وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالإِبِلَ، وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ فَيَقُولُ: بَلَى. قَالَ فَيَقُولُ: أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلاَقِىَّ؟ فَيَقُولُ لاَ. فَيَقُولُ فَإِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي...)). الحديث.



هكذا يكون لقاء الله، وهكذا تكون المناجاة، وهكذا تكون المحاسبة، فأما للمؤمنين فهي خير وعز وشرف وعفو ورحمة من الرب الكريم، وأما لمن أعرَض واستنكف فإنها إقامة للحجة، وبيان للنعم التي فرط فيها، فتكون العاقبة إلى خسار - عياذًا بالله من ذلك كله.



والمقصود أيها الإخوة المؤمنون: أن المؤمن ينبغي أن يُعدَّ لتلك اللحظات العظيمات، فإن العبرة بالخواتيم، والخواتيم ما هي إلا ميراث للسوابق، فمَن كانت سوابقُه إلى خير خُتم له بها، ومَن كانت سوابقُه في الشر والإثم كانت الخاتمة بمثلها، أجارنا الله وإياكم من الخزي والندامة.



بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بهدي النبيِّ الكريم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين مِن كل ذنْب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلَّم على عبد الله ورسوله نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.



أما بعد:

(مَنْ أحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، أحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، ومَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ)؛ هكذا تكون الحال في تلك اللحظات، التي يُحتضَر فيها الإنسان؛ فإما أن يُبشَّر برضوان ورحمته؛ فيستعجل تلك اللحظات يريد لقاء الله محبًّا له؛ فيحب اللهُ لقاءه، وإما أن يَرَى مع ملَك الموت وأعوانِه مُسُوح النار، وأكفان النار، فيكره لقاء الله ويكره ربُّنا لقاءه، أما المؤمن فإنه يتشوَّف ويتشرَّف بلقاء الله سبحانه، فبَعد أن كان الموت مكروهًا عنده بطبيعته الإنسانية صار الموتُ في تلك اللحظات محبوبًا عنده بطبيعته الأخروية، التي يُشاهد فيها النعيم العظيم والمُلْكَ المقيم، وتأمَّلوا رحمكم الله في حُبِّ الله للقاء عبده، فما أكرمَ ربَّنا، وما أعظمَ إحسانَه، وإلا فمَن هو هذا العبد حتى يجعل الله له هذه المنزلة، فيحب لقاءه.



وتأمَّلوا أيضًا في أن الله سبحانه يُغدق على هذا العبد المؤمن من رحمته وإحسانه، ومِن لُطفه وبَرَكَاته الشيءَ الكثير، كما يوضِّحه أيضًا الحديثُ القدسيُّ الذي رواه البخاري عن نبيِّنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى؛ أنه يقول: ((ومَا تَرَدَّدْتُ في شَيءٍ أنَا فَاعِلُهُ؛ تَرَدُّدِي في قبْض نَفْسِ عبدي المؤْمِنِ، يَكْرَهُ الموْتَ، وأنَا أكْرَهُ مَسَاءتَهُ)).



ربُّنا سبحانه مِن رحمته ورعايته لعبده المؤمن يَكْره مَسَاءَتَه بالموت، لكنه لا بد له منه، ((ومَا تَرَدَّدْتُ في شَيءٍ أنَا فَاعِلُهُ))؛ تردُّد اللهِ تردُّد يليق به سبحانه، فإنه ليس كالخلْق الذين يترددون بسبب خفاء الأمر عليهم؛ أنفْعل هذا مِن ذاك؟ فالله عليم خبير، ولكن تردُّده سبحانه كما فسَّره في تمام الحديث أنه لأن عبده المؤمن يكره الموت، والله يكره مساءته، ولكن لا بد لولوج الجَنَّة مِن الولوج عبر بوابة الموت، فما من أحد إلا وهو داخل هذا الباب، ثم يكون الخلْق إما إلى جَنَّة أو نار.



ومن رحمة الله سبحانه لعبده المؤمن ما يرسله مِن التثبيت له في تلك اللحظات العصيبة - على نحو ما تقدم إيراده من تلك الآية الكريمة ﴿ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30]، فالله سبحانه يُغدِق على هذا المؤمن، ومِن أعظَم النِّعم التي يمنُّ بها عليه أنه يَرى ربَّه يوم القيامة، رؤية تكريم وتشريف، وهذا ثابت بكتاب الله تعالى، وسُنَّة نبيِّه محمد عليه الصلاة والسلام، فرؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة هي أعظم النعيم، وأكرمه وأشرفه، وأما أهل الإعراض والاستنكاف والعصيان فإنهم يُعاقَبون بالحرمان مِن رؤية الله سبحانه، فإنهم وإنْ لقُوا ربهم ورأوه يوم القيامة فإنها ليست رؤية تشريف لهم، ويعقُبها بعد ذلك عقاب عظيم، وهو أن يُحرموا مِن رؤية الله تعالى، ثمَّ وبعد ذلك كما قال سبحانه: ﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾ [المطففين: 15]، أما المؤمن فإن الله يكرمه برؤيته، ويتكرر هذا في جنَّته، وهذا أعظم النعيم، بلَّغنا الله وإياكم ذلك على أحسن حال.



وبعدُ أيها الإخوة المؤمنون، فينبغي للمؤمن ألَّا تشغله الدنيا عن هذا المآل الذي هو صائر إليه لا محالة، فالإنسان بطبعه يُسَوِّف ويُؤجِّل مع أنه في كل يوم هو أقرب لأجله ولقاءِ ربه مِن يوم مضى، فكلُّ يوم يمضي يقرِّب الإنسان إلى أجله وللقاء ربه؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيه ﴾ [الانشقاق: 6].



فحريٌّ بمَن أيْقَن ذلك أن يستعدَّ، وأن يُحاسِب نفسَه قبل أن يُحاسَب، وأن يتأمل فيما قدَّم وأخر؛ فإن الموت ليست له علامة، فلا يُباعده صحةُ صحيحٍ، ولا شبابُ شابٍّ، ولا يُقرِّبه أيضًا مرضُ مريضٍ، ولا شيخوخةُ كبيرٍ، كلٌّ له أجله: ﴿ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [النحل: 61].



حريٌّ بالمؤمن أن يكون مستعدًّا لهذه اللحظات التي تتوقَّف عليها سعادتُه الأبديَّة، وإما شقاءٌ أبديٌّ - عياذًا بالله من ذلك، ((مَنْ أحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، أحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، ومَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ)).



ألا وصلُّوا وسلِّموا على خير خلْق الله نبيِّنا محمد، فقد أمَرَنا ربُّنا بذلك فقال عز من قائل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميد مجيد.

اللهم وارضَ عن خلفائه الراشدين، والأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين، وعنا معهم برحمتك يا أرحمَ الراحمين.



اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلًّا للذين آمنوا؛ ربنا إنك رؤوف رحيم.

اللهم إنا نحبُّ لقاءَك فأحب لقاءَنا، وأعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسْن عبادتك يا كريم.



اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربوْنا صغارًا، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.

اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.



اللهم احفظ على بلادنا أمْنها وإيمانها واستقرارَها وقيادتها، اللهم أصلح أئمَّتنا وولاة أمورنا، اللهم وفِّقهم للخيرات، وأعِذْهم مِن المنكَرات، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، وأبعِد عنهم بطانة السوء يا رب العالمين.



اللهم وَلِّ على المسلمين خيارَهم، واكفِهم شرارَهم، اللهم مَن أرد بالإسلام والمسلمين سوءًا فأشغله بنفسِه، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا سميع الدعاء. اللهم أصلح أحوال المسلمين، وألف بين قلوبهم، اللهم ارفع ما بهم مِن الضر والبلاء والفرقة والخلاف يا رب العالمين.



اللهم يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، أحسنْ عاقبتَنا في الأمور كلها.



عباد الله ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون ﴾ [النحل: 90]. فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولَذِكْرُ الله أكبرُ، والله يعلم ما تصنعون.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 69.44 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 67.55 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.71%)]