نصائح الحكماء - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         أسئلة بيانية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 6 - عددالزوار : 84 )           »          نذر الخواص.. ونذر العوام!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          من هو عمران؟ البيت الرسالي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          الطريق طويل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          أجلُّ النِّعَم! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          هل سيشفع لك الصيام والقرآن؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          غزة رمز للعزة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 493 )           »          حقوق العباد لا تسقط بالتقادم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          نظرات في رِسَالَةٌ فِي الصُّوفِيَّةِ وَالْفُقَرَاءِ (اخر مشاركة : رضا البطاوى - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4376 - عددالزوار : 826536 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19-06-2021, 04:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,355
الدولة : Egypt
افتراضي نصائح الحكماء

نصائح الحكماء

الشيخ عبدالله محمد الطوالة

الحمد لله حمد الرضا، حمدًا كثيرًا طيبًا، حمدًا كبيرًا أرحبًا، حمدًا كأنسام الصَّبا، كالزهر يعبق بالربا، كالنور شعشع لاهبًا، حمدًا جميلًا موجبًا، فهو الذي لم يزل بالنور محتجبًا.

علا عن الوصف من لا شيء يدركه
وجل عن سبب من أوجد السببا

والشكر لله في بدء ومختتم
فالله أكرم من أعطى ومن وهبا


﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾ [النصر: 3]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الباطن الظاهر الحق الذي بهرت آياته فذَّ العقول فأذعنت رهبًا، ﴿ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا ﴾ [النبأ: 37]، ثم الصلاة على النور المبين، ومن قد شاهد الكل من آياته عجبًا.

صلى عليه الذي أهداه نور هدًى
يبقى على الدهر إن ولَّى وإن ذهبا

محمد خير من تُرجى شفاعته
غدًا، وكل امرئ يجزى بما كسبا


اللهم صلِّ وسلم وبارك على حبيبنا وقدوتنا محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وسلم تسليمًا كثيرًا طيبًا؛ أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، وإذا أردتم ميزان عدل لا يحيف، ومنهج إنصاف بلا تطفيف، فأحبوا لغيركم ما تحبون لأنفسكم، واكرهوا لغيركم ما تكرهون لأنفسكم، وأحسنوا كما تحبون أن يُحسن إليكم، وأدُّوا إلى الناس ما تحبون أن يؤديَه الناس إليكم، وامنعوا عن الناس ما تحبون أن يمنعه الناس عنكم، ولا تقولوا لغيركم ما لا تحبون أن يقال لكم، وافعلوا الخير مع أهله ومع غير أهله، فإن لم يكونوا من أهله، فكونوا أنتم من أهله؛ ففي الحديث: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه))، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ [النساء: 135]؛ أما بعد:

فعن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الخلاء قال: فوضعت له وضوءًا، فلما خرج قال: من وضع هذا؟ فقيل له: عبدالله بن عباس، قال: فضمني النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدره، وقال: اللهم علمه الحكمة))، وفيما ينسب إلى لقمان الحكيم أنه قال: "إن القلب ليحيا بالكلمة من الحكمة، كما تحيا الأرض بوابل المطر"، وفي أثر ضعيف: ((الحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحق بها))، وخير من ذلك كله قول الحق تبارك وتعالى: ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 269]، والحكمة من الإحكام؛ وهو: وضع الشيء في موضعه بإتقان، والقول المحكم هو: القول الذي أحكمته التجارب وأنفذته البصيرة؛ لذا فستكون خطبة اليوم مجموعة مختارة من الحكم النافذة، والأقوال البليغة، جمعتها على مكثٍ، وحليتها بشيء من الآيات والأحاديث؛ فأخرجتُ وجبة دسمة من روائع الحكم وشائق الآداب، تبهج القلوب وتطرب الآذان، راجيًا من الله عز وجل أن تحظى لديه بالقبول الحسن، وأن ينفع بها قائلها والسامعين؛ إنه خير مسؤول، وهو الهادي إلى سواء السبيل.

عباد الله، لكل مقام مقال، ولكل زمان رجال، ولكل أجل كتاب، ولكل عمل ثواب، من تتبع الهوى هوى، وبقدر ما تتعنى، تنال ما تتمنى، والعمل الجاد إن لم يوصلك للقمة، فسيقربك منها كثيرًا، النعيم لا يدرك بالنعيم، ومن أراد الراحة، فعليه أن يترك الراحة، ومن أراد ألَّا يتعب، فعليه أن يتعب، ومن طلب العلا سهر الليالي، ومن طلب عظيمًا، خاطر بعظيم، واعلم أنك لن تتقدم دون أن تتعلم، ولن تتعلم دون أن تتألم، ولن تنجح دون أن تفشل، وإنما صنعت السفن لتخوض البحار وتصارع الأمواج، لا لتستكين في المرافئ الوادعة، فقم وانطلق إلى حيث تستحق، وإذا كانت الروح هي التي تعمل، فإن الجسد لا يتعب، ولكل جهد منظمٍ مردودٌ مضاعف، وشغل مجهد خير من فراغ مفسد، وقيمة كل امرئ ما يحسنه، والحياة مثل المرآة؛ عطاؤها انعكاس لما تبذله، ومن كان يومه مثل أمسه، فهو في نقصان، ومن جار على شبابه، جارت عليه شيخوخته، ومن شغل نفسه بغير المهم، ضيع المهم وفوَّت الأهم، ومن لم يزدْ شيئًا على الدنيا بعطائه، كان هو الزائد عليها بعطالته، ولا قياس للإنسان أفضل من إنجازاته؛ ﴿ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ﴾ [الشعراء: 205 - 207].


لصُّ الحرص لا يمشي إلا في ظلام الهوى، ورجل بلا أخلاق وحشٌ بلا وَثاق، والسخرية بضاعة رخيصة، لا يقتنيها إلا فقراء الأخلاق، ومن يفتش عن الأخطاء، فلن يرى سواها، والإنسان غالبًا ما يرى الخطأ كبيرًا عندما يرتكبه غيره، وصغيرًا عندما يرتكبه بنفسه، يا صاحب المعروف، أحي معروفك بإماتته، ويا كثير الجدل، اكسب الجدال بأن تتجنبه، وإذا تم العقل، نقص الكلام، وإذا شاورت العاقل، فكأنما تفكر بعقلين، والعقلاء يعلمون أن كسب القلوب مقدم على كسب المواقف، وأن الجواب الرقيق يطفئ الغضب، وأن الصوت الهادئ أقوى من الصراخ، وإن الذوق يهزم الوقاحة، وتذكر أن تحملك لثانية إضافية يجعلك أكثر إيجابية، وأقرب للظفر بما تريد، وإن كنت لا تستطيع إغلاق أفواه الناس عن قول الكلام المؤذي، فبإمكانك أن تغلق أذنيك عن سماعه، واعلم أن أناقة لسانك من ارتقاء فكرك، فارتقِ بكلماتك دون أن ترفع صوتك، فالأمطار هي التي تنبت الزهور، وليست الرعود ولا البروق، ومن أراد أن يكون ذا ذوق مرتفع، فليتذوق كلامه قبل أن يخرجه من فمه، ومتى ما وجد كلمةً مرةً، فليبدلها بأخرى حلوة، فإنما هي كلمة مكان كلمة؛ ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت: 34]، واعلم أنك لا تزال ناقصًا ما لم تبذل كل ما في وسعك؛ لتكون أفضل ما يمكنك أن تكون، وأن مساعدة الآخرين على النجاح نجاحٌ مزدوج، واعلم أن من أجمل مكافآت من يساعد غيره بإخلاص أن يكون هو المستفيد الأكبر من تلك المساعدات، وأن من يساعد الآخرين على الارتقاء، فسيرتقي أكثر منهم، وأن من يزرع المعروف، فلا أقل من أن يحصد الشكر، ومن يفعل الخير لا يعدم جوازيه، لا يذهب العرف بين الله والناس، واعلم أن كل إنسان تقابله هو أفضل منك بطريقة ما، فلا تستنكف أن تتعلم منه، وبقدر ما تحيد عن هدفك وتنحرف، بقدر ما تظهر العقبات وتكبر، ومن عرف قدره، استبان أمره، ومن طلب صديقًا بلا عيب، بقي بلا صديق، وفي طول اللسان هلاكُ الإنسان، وكفى بالمرء عيبًا أن يمقت الناس على ما يأتي مثله، ومن عاب أخاه بذنب، لم يمت حتى يفعله، وإذا أردت أن تعرف ما هو الأجمل من صنع الجميل، فهو أن تقدمه بطريقة جميلة؛ ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾ [الإسراء: 53].

استثمر كل لحظة من لحظات حياتك؛ فالوقت لا يتوالد، ولا يتمدد، ولا يتوقف، ولا يتراجع، والوقت أنْفَسُ ما عنيت بحفظه، وأراه أسهل ما عليك يضيع، وما لم تكن قد وهبت نفسك لغاية عظيمة، فحياتك لم تبدأ بعدُ، وكل من لا يتقدم يتقادم، ومن يجرؤ على إضاعة ساعة من وقته، فما اكتشف بعدُ قيمة الحياة؛ يقول الإمام ابن القيم: "إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها"، ومن عرف حسن تدبير الله لعبده، هانت عليه المصائب، والعقول كالأجسام؛ تزداد ترهلًا كلما خلدت للراحة، والنصيحة كالدواء؛ كلما ازدادت مرارتها كانت أفضل، والأخ مرآة أخيه، وصديقك من صَدَقك النصيحةَ لا من صدَّقك، والكلمة الطيبة صدقة، وسقوط الجواهر على الأرض لا يفقدها قيمتها، ولولا ما حول القمر من ظلام، لِما ظهرت روعته، والجزع من المصيبة أكبر من المصيبة نفسها، وعندما ترد على الإساءة بمثلها، فلن تنتهيَ الإساءة:
ازرع جميلًا ولو في غير موضعه
فلن يضيع جميل أينما وضعا

إن الجميل وإن طال الزمان به
فليس يحصده إلا الذي زرعا


واعلم أن النجاح لا يشترط أن تكون ذكيًّا أو غنيًّا، ولكنه يشترط أن تكون صابرًا مثابرًا؛ فالإصرار والمثابرة هما الجسر الموصل - بإذن الله - لِما قد يظنه المتشائمون مستحيلًا، وليكن من أعظم أهدافك أن تكون أهدافك عظيمة، وكلما ازداد الهدف وضوحًا ودقة، كلما سهل الوصول إليه، وإذا تأملت من يتسلق الجبل، وجدت تفكيره منصبًّا على بلوغ القمة فقط، فركز تنجز، وإياك والتشتت؛ فإن المنبت لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى، وبقدر الانشغال بالأمور التافهة يكون الانصراف عن الأمور العظيمة، وإنه لَسقوطٌ مدوٍّ أن يسخِّرَ المرء مواهبه العظيمة من أجل اهتمامات تافهة، وإذا قام المرء بكل ما يستطيع أن يقوم به، فحتمًا ستذهله النتائج، وجميع الإنجازات العظيمة كانت في يوم ما أمورًا مستحيلة، فكن رجلًا إن أتَوا بعده، يقولون: مرَّ وهذا الأثر، واعلم أن الفقير ليس هو من يملك القليل، إنما الفقير من لا يملك حلمًا؛ ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 122].

من ترك فضول النظر، وُفِّق للخشوع، ومن ترك فضول الكلام، وفق للحكمة، ومن ترك فضول الأكل، وفق للصحة، المرء بفضيلته لا بفصيلته، وبكماله لا بجماله، وبآدابه لا بثيابه، وإن عجزت عن نصرة المظلوم، فلا تقف مع الظالم، وإن أسكتك الخوف، فلا ينطقك الطمع، وإن فاتك الحق، فلا تتبع الباطل؛ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى؛ أما بعد:
عباد الله، اطلبوا الكرامة في التقوى، والأنس في كتاب الله، والغِنى في القناعة، والنجاة في الصدق، والراحة في ترك الحسد، والسلامة في حفظ اللسان، وثقل الميزان في حسن الخلق، والغنيُّ حقًّا من استغنى بالقناعة، والعزيز صدقًا من اعتزَّ بالطاعة، ومن نظر في عيب نفسه، شُغل عن عيب غيره، ومن استقلَّ زلـلَه، استكثر زلل غيره، ومن تلمح حلاوة الأجر، هانت عليه مرارة الصبر، وإذا كانت الغمسة في الجنة تُنسي كل ما مرَّ قبلها من بؤس وشقاء، حتى يقسم أنه ما مرَّ به بؤس قط، فكيف بالخلود فيها؟ وكيف يكون عاقلًا مَن باع نعيمها الخالد بشهوة ساعة سرعان ما تفنى وتبقى تبعاتها؟ ﴿ يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [غافر: 39، 40].

من أحب صفاء الأحوال، فليجتهد في تصفية الأعمال، ومن أراد السعادة الأبدية، فليلزم عتبة العبودية، ومن أراد الله والدار الآخرة، فليزهد في الدنيا، وليس الزهد ألَّا تملك شيئًا، بل الزهد ألَّا يملكك شيء، ومن وجد الله، فماذا فقد؟ ومن فقد الله، فماذا وجد؟ واعلم أن عظيم الهمة لا يفكر بملء وقته بالحسنات فقط، بل وبألَّا تتوقف حسناته من بعد موته؛ جاء في صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا مات ابن آدم، انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له))؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18].

اجتهدوا في إخلاص العمل لله، فالإخلاص: هو ما لا يعلمه مَلَكٌ فيكتبه، ولا عدو فيفسده، ولا صديق فيمدحه، ثِقْ بالله يا عبدالله، فما منعك إلا ليعطيَك، ولا ابتلاك إلا ليعافيَك، ولا امتحنك إلا ليصطفيَك؛ وجاء في الأثر: ارضَ بما قسم الله، تكن أغنى الناس، واجتنب محارم الله، تكن أورع الناس، وأدِّ ما فرض الله، تكن أعبد الناس.

واعلم أنك لن تنال ما تحب إلا بترك ما تشتهي، ولن تدرك ما تؤمل إلا بالصبر على ما تكره، ولن تنال ما عند الله إلا بطاعته؛ ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96].

ومن كان في نعمة ولم يشكر، خرج منها دون أن يشعر، ومن نقل إليك حديث غيرك، نقل إلى غيرك حديثك، ومن أحب شيئًا أَكَثَرَ من ذكره، وعلى قدر نية العبد وهمته يكون توفيق الله له وإعانته، ومن تكن العلياء همة نفسه، فكل الذي يلقاه فيها محبب، والعاقل لا يرى لنفسه ثمنًا دون الجنة.

اصبر على حلو القضاء ومره
واعلم بأن الله بالغ أمرِهِ

المرء يعرف بالأنام بفعله
وخصائص المرء الكريم كأصلِهِ

لا تستغيب فتستغاب وربما
من قال شيئًا قيل فيه بمثلِهِ

وتجنبِ الفحشاء لا تنطق بها
ما دمت في جد الكلام وهزلِهِ

في الجو مكتوب على صحف الهوا
من يعمل المعروف يُجزَ بمثلِهِ


﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13].

ويا ابن آدم، عِشْ ما شئت، فإنك ميت، وأحبب من شئت، فإنك مفارقه، واعمل ما شئت، فإنك مجزي به، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت.

اللهم صلِّ وسلم على البشير النذير ومن والاه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 65.78 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 63.90 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.86%)]