التحليل اللغوي في سورة الفاتحة - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         فتاوى رمضانية ***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 564 - عددالزوار : 92681 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11935 - عددالزوار : 190855 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 114 - عددالزوار : 56888 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 78 - عددالزوار : 26179 )           »          شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 33 - عددالزوار : 726 )           »          الدين والحياة الدكتور أحمد النقيب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 59 )           »          فبهداهم اقتده الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 57 )           »          يسن لمن شتم قوله: إني صائم وتأخير سحور وتعجيل فطر على رطب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 27 )           »          رمضان مدرسة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          أمور قد تخفى على بعض الناس في الصيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى الإنشاء

ملتقى الإنشاء ملتقى يختص بتلخيص الكتب الاسلامية للحث على القراءة بصورة محببة سهلة ومختصرة بالإضافة الى عرض سير واحداث تاريخية عربية وعالمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-01-2020, 02:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,601
الدولة : Egypt
افتراضي التحليل اللغوي في سورة الفاتحة

التحليل اللغوي في سورة الفاتحة

د. أيوب جرجيس العطية


سورة الفاتحة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)
مقدمة ومدخل إلى فهم السورة :
سورة الفاتحة سورة مكية ، تتألف من سبع آيات ، نزلت بعد سورة المدثر، ومن المعلوم أنَّ السور المكية موضوعاتها في العقيدة والإيمان والجنة والنار، لذا فسورة الفاتحة موضوعها الرئيسي هو ( التوحيد ) . فالبسملة باسمه لا باسم غيره ، والثناء عليه ، والاعتراف بأنه ربّ العالمين ، هو توحيد خالص . ويستلزم التوحيد إفراده بالعبادة فيطلب منه العبد منه الاستعانة على ذلك بقوله : ( إياك نعبدُ وإياكَ نستعينُ ) .
فالقرآن كأنه قطعة واحدة ، أو نص واحد ، (( وقد كان حمزة بن حبيب الزيات أحد القراء السبعة المشهورين لا يبسمل بين سور القرآن إلا في أول الفاتحة ، لأنه يعد القرآن قطعةً واحدةً ونصاً واحداً ، فانظر إلى هذا المعنى الذي ذكره هذا الإمام الجليل قبل أكثر من 1200 سنة ) .
فسورة الفاتحة تبدأ بالتوحيد ، و ينتهي بسورة ( الناس ) و موضوعها التوحيد غير أن سورة الفاتحة لا تنغلق بموضوعها أو حديثها ، إنما تنفتح على السورة التي بعدها ( سورة البقرة ) .
التحليل :
أولاً / الفكرة أو الموضوع الذي يدور عليه نص السورة :
إن موضوع سورة الفاتحة ومحورها الرئيس هو التوحيد ، ثم اعتراف العبد بأنه لا يعبد إلا إياه و طلب الاستعانة منه على ذلك .
ثانياً : مستويات اللغة :
بمعنى أن التحليل سيظهر مكونات النص اللغوية ، ثم هل جاءت هذه المستويات في خدمة الموضوع أو الفكرة،وهل هي مترابطة أم لا ؟ وما آليات ذلك الرابط ؟
الآية الأولى : ( بسم الله الرحمن الرحيم )
المستوى اللغوي والصوتي :
1ـ بسم : الاسم هو العلامة ، وهو السمة . وفيه عدة لغات هي : سِم ، سَم ، سُم ، وغيرها .
2ـ الله : اسم علم لا يطلق إلاّ على المعبود أو الذات الإلهية لا يشاركه أحد ، وقيل : اسم جامد ، وقيل : اسم مشتق . [ ينظر كتب التفسير ومعاني القرآن وإعرابه ] .
3ـ الرحمن : الذي امتلأ رحمةً .
4ـ الرحيم : الذي يرحم غيره .
5ـ كلمات البسملة منسجمة صوتياً ، وتسير على نغمة صوتية متموجة من حيث الأداء والإيقاع ويزيدها جمالاً الفاصلة القرآنية ( رأس الآية ) التي انتهت بها البسملة ، بحرف شفوي هو الميم .
المستوى الصرفي :
1ـ الرحمن : صفة مشبّهة ، مثل ظمآن ، وغضبان تدل على وصف فعليّ ، فيها معنى المبالغة للصفات الطارئة أي ليست دائمة لصاحبها إنّما تزول بعد فترة . لأنَّ صيغة ( فعلان ) تدل على الامتلاء .
2ـ الرحيم : صفة مشبهة ، مثل عظيم ، وكحيل ، على وزن ( فَعيل ) ، ويمكن أن تكون صيغة مبالغة أي كثير الرحمة ، وفيها معنى المبالغة للصفات الثابتة ، وجيء بها للتوكيد فالأولى صفة متغيرة ، والأخرى صفة ثابتة ، فلا يستغنى بأحد الوصفين عن الآخر.
3ـ والبسملة : كلمة منحوتة من جملة : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) . والنحت باب واسع في اللغة العربية .
فوائد علمية يحتاجها الطالب :
1ـ تكتب ( بسم الله ) بغير ألف في البسملة خاصّة بخلاف قوله تعالى ( إقرأ باسم ربّك الذي خلق ) فإنها لم تحذف . وقال العلماء : إن سبب الحذف هنا كثيرة الاستعمال .
2ـ تحذف الألف من الرحمن لدخول الألف و اللام عليها تخفيفاً . وهذه من خصائص الخط العربي .
3ـ يقال لمن قال (بسم الله) مُبسمل وهو ضرب من النحت اللغوي . قال الشاعر عمر بن أبي ربيعة :
لقد بسملتْ ليلى غداةَ لَقِيتُها فيا حَبذا ذاكَ الحبيبُ المُبسمِلُ
ومثله : حوقل إذا قال : لاحول ولا قوة الا بالله ، و سبحل اذا قال : سبحان الله ، و حمدك اذا قال : الحمد الله ، ودمعز إذا قال : أدام الله عزك .
المستوى النحوي : ( التركيبي )
ـ بسم : الباء حرف يفيد الاستعانة ، ( اسم ) مجرور و علامة جره الكسرة . و الجار و المجرور متعلقان بخبر محذوف وجوبا تقديره : (بسم الله أبدأ ) أو ( بسم الله ابتدئ ) و الجار و المجرور في محل نصب مفعول به مقدّم . وإذا قدرنا : بسم الله ابتدائي فالجار و المجرور خبر مقدّم ، و المحذوف مبتدأ مؤخر.
ـ الله :لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور.
ـ الرحمن : صفة أو نعت مجرور.
ـ الرحيم :صفة ثانية أو نعت مجرور .
ـ تقديم ( بسم الله ) على المتعلق المحذوف لإفادة الاختصاص و للتبرك و التعظيم .
والأولى في المتعلق المحذوف أن يكون فعلاً مضارعاً ، لأنه يفيد التجدد والاستمرار وحذف كثرة دوران المتعلق به على الألسنة .
المستوى الدلالي :
عرفت الدلالة المعجمية لكلمات البسملة في ما تقدم .
أما الدلالة السياقية للبسملة فهي : نبدأ ببسم الله الذي هو رحمن رحيم ، فقدم رحمته للمؤمنين ولغيرهم على رحمته للمؤمنين خاصة . وفي هذا دلالة عظيمة للبشرى التي يبشر الله تعالى بها عباده من أن رحمته سبقت عذابه ، ومغفرته سبقت عقابه ، ثم إنَّ الناس من شرقيين وغربيين يبدأون بأسماء عظمائهم وزعمائهم وأعمالهم ، فيقولون : باسم فلان ، وباسم الشعب ، وباسم الثورة ، وهكذا ... أما المسلم فهويته معروفة ، وهي أعظم من كل هوية ، إنه يبدأ أعماله وأقواله بسم الله ، وهو رب الجميع ، والقادر على كل شيء ، ومن أعظم من الله ؟ بل إن من شرف العبد أن يكون عبداً لله ، ويبدأ بسم الله ، كما قال الشاعر :
ومما زادني شرفاً وتِيهاً وكدتُ بأخمصي أطأُ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيَّرتَ أحمدَ لي نبيا
فالحمد لله على نعمة الإسلام ، والحمد لله على نعمة الإيمان .


الآية الثانية : ( الحمدُ للهِ رَبّ العالمين )

المستوى اللغوي :
1ـ الحمد : الثناء على الله بوصف الجميل في كل حال ، أما الشكر فهو الثناء على المنعم لأمر خاص كإسداء النعمة أو المعروف فالحمد عام و الشكر خاص ، و الحمد لا يليق الا بالله أما الشكر فيكون لله و لغيره , ومنه قوله تعالى : ( أن اشكر لي و لوالديك...... ).
2ـ ربّ:هو السيد و المالك و المعبود ، و الصاحب و المربي هو الذي يسوس الذي يربيه و يدبر أمره .
3ـ العالمين : جمع عالم و يراد به الكائنات وهو ملحق بجمع المذكر السالم لا فرد له فيقال : عالم الإنسان ، عالم الحيوان . فكل شيء غير الله عز وجل عالم .
المستوى الصرفي :
1ـ الحمد : مصدر من حمد حمداً .
2ـ ربّ :كذلك من رَبّ يَرُبُّ .
المستوى النحوي :
الحمدُ :مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة . و ( أل ) هنا جاءت لمعاني منها : استغراق الجنس ، أي كل أصناف الحمد يقدمها العبدُ لله ، ومنها : الاختصاص ، أي اختصاص الله تعالى وحده بالحمد كله ، ومنها : الاستحقاق : أي الله تعالى يستحق جميع أنواع الحمد .
وهناك قراءات قرآنية شاذة غير متواترة لهذه المفردة هي : ( الحمدِ للهِ ) و ( الحمدُ لُلهِ ) وهذا على الإتباع . ذكرها الفراء في كتابه معاني القرآن .
لله :الجار و المجرور بخبر محذوف وجوبا تقديره : موجود أو كائن وبتقدير : الحمد موجود لله . ويجوز أن نقول : الجار و المجرور في محل رفع خبر على مذهب بعض النحويين تخفيفاً وتيسيراً على الطلاب والمتعلمين .
ربّ : صفة أو بدل من لفظ الجلالة وهو مضاف .
العالمين : مضاف إليه مجرور و علامة جره الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم .
1ـ ( الحمد لله ....) جملة اسمية وهي تفيد الدوام و الثبوت بخلاف دلالة جملة الفعلية .
2ـ ( لله ) تفيد الاستحقاق و الاختصاص لأن جميع المحامد مختصة به .
3ـ إضافة ( ربّ ) الى العالمين تعظيم لله على أنه هو الذي خلق العالمين و ربّي و المالك أيضاً. واذا كان كذالك فهو الذي يستحق العبادة و لهذا يستحق الحمد وحده .
المستوى الدلالي :
تدل هذه الآية على أن الله تعالى وحده يستحق الثناء وجميع أنواع الحمد من الخلق ، لأنه خالقهم ومربيهم ورازقهم وحافظهم وسيدهم . انظر إلى الترابط الدلالي بين النتيجة والسبب :
النتيجة : الحمدُ لله . السبب : رَبِّ العالمين .
وكأنَّ قوله تعالى : ( رب العالمين ) جاء جواباً لمن سأل : لماذا : الحمدُ لله ؟ أي لماذا جعلتم كل أنواع الحمد لله ؟ فأجابه تعالى : رب العالمين . ومن غيره تعالى يستحق الحمد .
الآية الثالثة : ( الرحمن الرحيم )
المستوى اللغوي : مر سابقا .
المستوى الصرفي : مر سابقاً كذلك .
المستوى النحوي : مر سابقاً كذلك .
المستوى الدلالي :
ثم كرر صفتين ( الرحمن الرحيم ) توكيداً و تذكيراً بنعم الله على العباد و المخلوقات ، والله خلق الخلق و هداهم رحمة بهم و أنعم عليهم رحمة ، وحفظهم رحمة ، ورزقهم رحمة ، وأحياهم و أماتهم ثم يحييهم رحمة بهم ، فكل أفعال الله هي رحمة بالعباد و المخلوقات عامة و لهذا تكررت الصفتين مرتين في هذه السورة لتذكير العباد برحمته وهذا تلطف و تحبب أيضاً من ربّ الأرباب لعباده . وليكونوا رُحماء بينهم ، ورحماء بغيرهم من الإنسان و الحيوان .
الآية الرابعة مالك يوم الدين )
المستوى اللغوي :
1ـ المالك : كل من يملك ومالك هنا : أي يملك إقامة يوم الدين ( القيامة والجزاء ) .
2ـ الدّين : الجزاء ، ويوم الدين : يوم الجزاء ، ومنه قول العرب : ( كما تَدين تُدان ) والدين: الطاعة والدين : العادة و العرف .
المستوى الصرفي :
المالك : اسم فاعل يدل على الدوام و الثبوت .
المستوى النحوي :
المالك : صفة رابعة لله تعالى .
يوم :مضاف اليه وهو مضاف .
الدين : مضاف اليه .
- إضافة ( مالك ) الى ( يوم الدين ) تفيد الاختصاص لزوال المالكين و الأملاك عن سواه في ذلك اليوم .
المستوى الدلالي :
الدلالة المعجمية لمفردات الآية الكريمة تقدم ذكرها ، لذا سأذكر فقط الدلالة السياقية :
مالك يوم الدين : الذي يملك مقاليد الأمور والتصرف في شؤون العباد يوم القيامة ، يؤيده قوله تعالى : ( لمن الملك اليوم ؟ لله الواحد القهار ) . وليس معنى ذلك أن الله لم يكن مالكاً فصار بعد ذلك مالكاً . لا ، فهذا القول كفر ولا يجوز في العقيدة ، بل الله تعالى كان مالكاً وسيكون مالكاً .
وهناك قراءة قرآنية أخرى متواترة هي ( ملكِ ) بلا ألف ، وهي قراءة نافع المدني ومن وافقه من القراء ، فعلى هذه القراءة يكون المعنى : ملكِ يوم الدين بلا منازع .

الآية الخامسة إياك نعبد و إياك نستعين )
المستوى الصرفي :
ـ نستعين:أصلها نستعون بكسر الواو وسكون العين فاستثقلت الكسرة على الواو فأعلت إلى العين فأصبحت نستعين، لأن أصل العين واو فمصدره (العون).
المستوى النحوي :
1ـ إياك :ضمير نصب منفصل في محلّ نصب مفعول به مقدم.
2- نعبدك: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفع الضمة الظاهرة على آخره.
والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن، والكاف ضمير مبني على الفتح في محل نصب مفعول.
ـ تقديم المفعول به لإفادة الاختصاص. ، وقدم الإقرار باستحقاق العبودية لله وحده على الدعاء بالعون، لأنه:
أ-من باب تقديم الوسيلة على الحاجة، فقدم العبادة على الاستعانة وهو من باب تقديم الوسائل بين يدي المطالب.
ب- تقديم حق المعبود على حظ العبد.
ج- ولأن إياك نعبد متعلق بألوهيته واسمه الله وإياك نستعين متعلق بربوبيته واسمه الرب فقدم إياك نعبد على إياك نستعين كما قدم اسم الله على الرب في أول السورة.
د-ولأن العبادة المطلقة تتضمن الاستعانة من غير عكس فكل عابد لله عبودية تامة مستعين به ولا ينعكس لأن صاحب الأغراض والشهوات قد يستعين به على شهواته فكانت العبادة أكمل وأتم ولهذا كانت قسم الرب ولأن الاستعانة جزء من العبادة من غير عكس ولأن الاستعانة طلب منه والعبادة طلب له ولأن العبادة لا تكون إلا من مخلص والاستعانة تكون من مخلص ومن غير مخلص.
ه- ولأن العبادة حقه الذي أوجبه عليك والاستعانة طلب العون على العبادة وهو بيان صدقته التي تصدق بها عليك وأداء حقه أهم من التعرض لصدقته، ولأن العبادة شكر نعمته عليك والله يحب أن يشكر والإعانة فعله بك وتوفيقه لك فإذا التزمت عبوديته ودخلت تحت رقها أعانك عليها فكان التزامها والدخول تحت رقها سببا لنيل الإعانة وكلما كان العبد أتم عبودية كانت الإعانة من الله له أعظم.
2-التعبير جاء بالجملة الفعلية لإفادة التجدد والحدوث، لأن أصلها نعبدك، ثم تقدم المفعول به،لإفادة الاختصاص.
3- عدل عن ضمير الغائب إلى الخطاب فقال: ( إياك...) بعد( الحمد لله..)،ولم يقل الحمد لك،لأن الحمد دون العبادة في المرتبة ألا ترى تحمد الآخربن ولا تعبدهم، فلما كانت الحال بهذه المنزلة عدل عن الغيبة إلى الخطاب .
المستوى الدلالي :
من استعان بغير الله ذل ، فلا عبادة إلا لله ، ولا عون إلا من الله ، ولا نصر إلا من الله ، هذا باختصار المعنى الذي تدل عليه هذه الآية . وهو حقيقة التوحيد وجوهره .

الآية السادسة و السابعة :
( اهدنا الصراط المستقيم . صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم )
المستوى اللغوي :
1ـ الصراط : الطريق الواضح ، وفيه لغات : السراط بالسين في سرط الشيء اذا بلعه و سمّيَ الطريق سراطاً لجريان الناس فيه كما يجري شيء المبتلع ، و الصراط بالزاي ، و الإشمام .
2ـ غير المغضوب عليهم : اليهود لأنهم علموا ولم يعملوا به .
3ـ الضالين : النصارى لأنهم عبدوا الله على جهل أو على ما يريدون ، و تشمل كل من كان على شاكلة هاتين طائفتين .
المستوى الصرفي :
1ـ اهد : فعل أمر على وزن ( أفع ) و حذف لامه .
2ـ الصراط : اسم جامد ( مصدر ) على وزن ( فعال ) . وهو مشتق من قولهم : صرط الطريق المارة أي ابتلعهم ، وقرأ ابن كثير المكي ( سراط ) ، وهو من قولهم : سرط الطريق المارة . وقرأ خلاد عن حمزة ( زراط ) باشمام الصاد زاياً .
3ـ المستقيم : في الأصل اسم فاعل من ( استقام ) ثم أصبح وصفاً ( نعتاً ) .
4ـ المغضوب : اسم مفعول على وزن ( مفعول ) .
5ـ الضالين : جمع مذكر سالم لاسم الفاعل ( الضّال ) .
6ـ أنعمت : فعل ماضٍ على وزن ( أفعلت ) .
المستوى النحوي :
1ـ اهد : فعل أمر مبني على حذف حرف العلة،والفاعل ضمير مسستر تقديره أنت
و(نا) ضمير مبني على السكون في محل نصب مفعول به
الصراط: مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
المسقيم: صفة منصوبة
صراط: بدل منصوب وهو مضاف
الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه.
أنعمت:فعل ماض مبني على السكون، والتاء ضمير في محل رفع فاعل.
عليهم : على حرف جرّ،والهاء ضمير في محل جر اسم مجرور، والميم للجماعة.
غير: نعت لـ( الذين) ، أو بدل من الضمير في (عليهم).وهو مضاف.
المغضوب :مضاف إليه مجرور.
ولا: الواو حرف عطف ، و(لا) زائدة لتأكيد النفي.
الضالين:معطوف على ( المغضوب) مجروروعلامة جره الياء لأنه جمع مذكرسالم.
المستوى البلاغي والدلالي :
1-الاستعارة التصريحية في قوله: (اهدنا الصراط) فقد شبه الدين بالسراط المستقيم الذي ليس فيه انحراف.
2- جاء التعبير على الأصل( اهدنا ) ولم يقل: إيانا اهدِ،ولو قال لأصبح طلب الهداية خاص به أي لا تهدي غيرنا،لأن التقديم يفيد الاختصاص.
فائدة : لفظة ( آمين ) ليست من القرآن ، بل هي دعاء بمعنى : اللهم استجب ، وفي ( آمين ) لغتان : هما المد والقصر .


التحليل النصيّ لسورة الفاتحة:
بُنى النصّ الكُبرى[18] :
تبين مما سبق أنّ سورة الفاتحة تتحدث عن(معرفة الله وتوحيده)، لذا هي تتكون من بُنَى ثلاث هي:
البنية الأولى: البسملة، وهي مقدمة وتهيئة للبنية التي بعدها . ولأن المقصود من إرسال الرسل وإنزال الكتب تعريفهم ربّ الأرباب وبما يرضيه ، وهو مقصود القرآن الذي انتظمته الفاتحة بالقصد الأول ، ولن يكون ذلك إلا بما ذكر علما وعملا ، ولما كان المقصود من جمعهم على الله تعالى معرفته لأجل عباداته وكان التزام اسمه تعالى في كل حركة وسكون قائدا إلى مراقبته وداعيا إلى مخافته واعتقاد أن مصادر الأمور ومواردها منه وإليه شرعت التسمية أول كل شيء فصدرت بها الفاتحة.
البنية الثانية: توحيد الربوبية:وتتمثل في قوله تعالى: (الحمد ... يوم الدين) .
وكلُّ جملة في هذه البنية تستلزم جملة أخرى، وعليه فلما كانت مرتبة الربوبية لا تستجمع الصلاح إلا بالرحمة اتبع ذلك بصفتي (الرحمن الرحيم ) ترغيباً في لزوم حمده ، وهي تتضمن تثنية تفصيل ما شمله الحمد أصلاً .
ولما كان الرب المنعوت بالرحمة قد لا يكون مالكاً ، وكانت الربوبية لا تتم إلا بالمِلك المفيد للعزة المقرون بالهيبة اتبع ذلك بقوله : ( مالك يوم الدين).
والرابط بين هذه البنية والبنية الأخرى قوله تعالى إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) لأنَّ (إياك نعبد) قسم الربّ، فعادت إلى البنية الثانية التي هي ثناء على الله تعالى لكونها أولى بها؛ و(إياك نستعين) قسم العبد ، فكانت من البنية الثالثة لها ، وهو( اهدنا الصراط المستقيم........ ).
البنية الثالثة: توحيد الإلوهية:وتتمثل في قوله تعالى: ( إياك نعبد... ولا الضالين).
فلما استجمع الأمر استحقاقاً وتحبيباً وترغيباً وترهيباً(في البنية التي قبلها) كان من شأن كل ذي لب الإقبال إليه تعالى، وقصر الهمم عليه ،فقال إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) مقدماً للوسيلة على طلب الحاجة لأنه أجدُّ بالإجابة ( إياك ) أي يا من هذه الصفات صفاته( نعبد )، وأعقبه بقوله مكرراً للضمير حثاً على المبالغة في طلب العون ( وإياك نستعين ) إشارة إلى أن عبادته لا تتهيأ إلا بمعونته .
- والبنية الصُّغرى في داخل هذه البنية الكُبرى هي (اهدنا الصراط المستقيم.... ) .
فإفراده بالعبادة والاستعانة والدعاء استلزم التوجه اليه جلّ وعلا بطلب الهداية(اهدنا) الى الدين الحق والصراط المستقيم ، والتضرع اليه بالتثبيت على الايمان ونهج سبيل الصالحين ،وتجنب طريق المغضوب عليهم والضآلين.
ولما طلب أشرف طريق سأل أحسن رفيق فقال ( صراط الذين أنعمت عليهم ) ولما كانت النعمة قد تخص الدنيوية عينها واستعاذ من أولئك الذين شاهدهم في التيه سائرين وعن قصده حائرين فقال : ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين) وإلى أن ملاك الهداية بيده: فانظر كيف ابتدأسبحانه بالذات ، ثم دل عليه بالأفعال ، ثم رقي إلى الصفات ، ثم رجع إلى الذات إيماء إلى أنه أول وآخر المحيط ، فلما حصل الوصول إلى شعبة من علم الفعال والصفات علم الاستحقاق للأفراد بالعبادة فعلم العجز عن الوفاء بالحق فطلب الإعانة .


وسائل الترابط الدلالي:
أولا:ترتيب الخطاب في الفاتحة:
معاني الفاتحة متناسبة ومتقابلة وبعضها مبتنٍ على بعض ومتعلق به أوثق وأشد أنواع التعلق؛ فكل معنى في الفاتحة مرتبط بما بعده وما قبله ودالّ عليه، أو مستدلّ عليه به؛ وفيما يلي بيان أمثلة من ذلك .
1- ابتدأت السورة بعد البسملة ب (الحمد )لأنه في الحقيقة أنسب ما يبتدأ به؛ فليس في الكلام كلام أصدق ولا أعظم ولا أهم ولا أشمل ولا أنسب في مثل هذا المقام وهو افتتاح كتاب الله، بل كل كلام ذي بال، من الحمد لله؛ ولذلك أدلة كثيرة؛ منها أن الحمد إذا انفرد عن بقية الأذكار شمل كل معانيها؛ فمثلاً إذا اجتمع التسبيح والتحميد والتوحيد والتكبير فثم تدرج؛ فالتسبيح تنزيه عن النقص وكل ما لا يليق بالله تبارك وتعالى؛ والتحميد إثبات لصفات الكمال المطلق؛ والتوحيد فيه توكيد لتنزيهه عن النقص وإثبات لتفرده بصفات الكمال المطلق بحيث يستحق أن يعبد وحده، بل كل ما سواه يجب أن يخضع له ويعبده لأنه ناقص عن منزلته محتاج إلى تدبيره ومعونته بل هو الذي أوجده؛ والتكبير إقرار من العبد بأنه مهما عظم الله وكبره وأثنى عليه فالله أكبر من ذلك؛ فلا يعلم عظمة الله على الحقيقة إلا هو تبارك وتعالى؛ وهذا كما كان النبي يقول في سجوده: لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.
فإن قيل: السورة لم تفتتح بالتكبير وقد ذكرت أنه أعلى رتبة؟ قلت: العلو المذكور مقيد بالاجتماع مع الأذكار الأخرى كما تقدم؛ وأما عند الانفراد فالتحميد هو الأكمل الأشمل لأن الحمد هو إثبات صفات الكمال المطلق ومنها الوحدانية في الربوبية والألوهية والأسماء والصفات؛ ومن الكمال المطلق انتفاء النقص وهو معنى التسبيح؛ ومن مقتضى إثبات الكمال المطلق ثبوت صفات عظمة وكمال أكبر مما تدركه عقول البشر، وهو معنى التكبير.
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 01-01-2020, 02:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,601
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التحليل اللغوي في سورة الفاتحة

التحليل اللغوي في سورة الفاتحة

د. أيوب جرجيس العطية

2-قوله تعالى (رب العالمين) فلما ذكر قبله مقتضاه وهو التفرد بالحمد المطلق؛ وذكر بعده ما ينبني عليه وهو ما يبين مصير العالمين؛ وأن ما هو واقع منهم من خير وظلم لا بد من المجازاة عليه، لأنه ليس من المعقول أن يخلقهم سدى ربهم الذي له الحمد أي المتصف بصفات الكمال، فإن الكمال ينفي ذلك، وينفي وقوع ما نشاهده من تظالم بين المخلوقات من غير أن يكون قصاص في يوم من الأيام؛ هذا فضلاً عن الظلم الأكبر الذي هو كلمة (رب العالمين) تربي في النفوس المهابة؛ و (الرحمن الرحيم) تربي في النفوس (الأمل) فينبسط أمل العفو في العبد إن زل؛ وكل من العبارتين تقوي عند المرء شدة الحاجة إلى سؤاله لأنه على كل شيء قدير وبيده كل شيء وهو رحيم؛ وكلاهما أيضاً تؤدي إلى الخوف كما تؤدي إلى الرجاء؛ فيخاف أن يهلكه ويخاف أن لا يرحمه؛ وإن كان الرب بمعنى المصلح كان الوصف بالرحمة مشعراً بعلة الإصلاح.الشرك وعدم إفراد رب العالمين بالعبودية والطاعة.
وفي ذكر الربوبية ما يثير خوف العبد وفي ذكر الرحمة ما يثير رجاءه؛ وكلاهما أي الربوبية والرحمة يؤدي إلى الحب؛ فهو محبوب لكماله وأنه رب العالمين، ومحبوب لرحمته فالقلوب مجبولة على حب من أحسن إليها.
3-قوله تعالى (الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين)، هذه الآيات الثلاث تتضمن الإيمان بالله وباليوم الآخر؛ وهما المعنيان اللذان يكثر اقترانهما في القرآن الكريم وأحاديث النبي .
و (الحمد لله) تعني أن الله تعالى محمود في ذاته؛ و (رب العالمين) عقب (الحمد لله) تعني أن الله تعالى محمود في ربوبيته أي في أفعاله وصفاته المتعلقة بأفعاله؛ و(الرحمن الرحيم) بعد ذلك تعني أنه تعالى محمود في صفاته، وفي أفعاله الدالة على رحمته؛ أي هو محمود في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته.
(الرحمن الرحيم ) ترغيب جاء متوسطاً بين ترهيبين، وهو كونه رب العالمين وكونه مالك يوم الدين فنواصيهم في قبضته ومصيرهم إليه.
في قوله مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) دلالة على إثبات المعاد والحشر والحساب ، ولما اتصف تعالى بالرحمة ، انبسط العبد وغلب عليه الرجاء ، فنبه بصفة الملك أو المالك ليكون من عمله على وجل ، وأن لعمله يوما تظهر له فيه ثمرته من خير وشر.
ففي ذكر هذه الأسماء بعد الحمد وإيقاع الحمد على مضمونها ومقتضاها ما يدل على أنه محمود في إلهيته محمود في ربوبيته محمود في رحمانيته محمود في ملكه وأنه إله محمود ورب محمود ورحمان محمود وملك محمود فله بذلك جميع أقسام الكمال: كمال من هذا الاسم بمفرده وكمال من الآخر بمفرده وكمال من اقتران أحدهما بالآخر.
مثال ذلك قوله تعالى (والله غني حميد) (والله عليم حكيم) (والله قدير والله غفور رحيم)؛ فالغنى صفة كمال والحمد صفة كمال واقتران غناه بحمده كمال أيضاً.
4- (إياك نعبد ) مبنى على الإلوهية وإياك نستعين على الربوبية وطلب الهداية إلى الصراط المستقيم بصفة الرحمة. وفي قوله تعالى (مالك يوم الدين) بعد ذكر كونه رباً للعالمين بيان لكونه تعالى ليس رباً للعالمين في الدنيا فقط بل هو ربهم في الدنيا والآخرة. فالعلاقة الرابطة بينهما علاقة عموم وخصوص.
وجمع تعالى بين العبادة والاستعانة فإن العبادة لا تحصل إلا بالعون؛ وقدم الإقرار باستحقاق العبودية لله وحده على الدعاء بالعون، لأنه من باب تقديم الوسائل على المسائل؛ والترتيب القرآني جاء في غاية الفصاحة لأنه تعالى وصف نفسه بصفة الربوبية وصفة الرحمة ، ثم ذكر شيئين ، أحدهما ملكه يوم الجزاء ، والثاني العبادة. فناسب الربوبية للملك ، والرحمة العبادة. فكان الأول للأول ، والثاني للثاني.
5- ذكر الهداية والنعمة ثم قابلها بالغضب والضلال؛ والهداية هنا هدايتان:
احداهما:ضد فساد القصد، وهو الموجب للغضب؛ وهي هداية التوفيق والإلهام.
والأخرى: ضد فساد العلم، وهو الموجب للضلال؛ وهي هداية البيان والعلم.
6- قدم ذكر الاستعاذة من الغضب على الاستعاذة من الضلال، وهو أنسب لأمور منها هذه الأمور التالية:
أ-أن الغضب مؤداه الانتقام وهو يقابل الانعام؛ فناسب أن يذكر عقبه.
ب-أن العقوبة على الغضب أكثر.
ج-أن أسباب الغضب، أي المعاصي الواقعة بسبب فساد القصد والإرادة، أكثر وقوعاً في الناس.
د-أن المغضوب عليهم وهم اليهود متقدمون بالزمان، على الضالين عليهم وهم النصارى، فقدم ذكر هؤلاء على هؤلاء.
هـ-أنهم كانوا هم الذين يلون النبي من أهل الكتابين فإنهم كانوا جيرانه في المدينة والنصارى كانت ديارهم نائية عنه ولهذا تجد خطاب اليهود والكلام معهم في القرآن الكريم أكثر من خطاب النصارى كما في سورة البقرة والمائدة وآل عمران وغيرها من السور.
ز-أن اليهود أغلظ كفرا من النصارى ولهذا كان الغضب أخص بهم واللعنة والعقوبة فإن كفرهم عن عناد وبغي كما تقدم فالتحذير من سبيلهم والبعد منها أحق وأهم بالتقديم وليس عقوبة من جهل كعقوبة من علم.
7-في قوله تعالى (إياك نعبد....) إلى آخر السورة: أربع مسائل بنيت على أربع؛ فـ(إياك نعبد) على ذكر الله؛ و(إياك نستعين) على ذكر الربوبية؛ و(اهدنا) على ذكر الرحمة و(صراط الذين أنعمت عليهم) على ذكر يوم الدين.


ثانيا:الزمن: يلعب الزمن دورا مهما فيربط البنية الأولى بالثانية ففي( بسم الله..) زمنها مضارع(حاضر)، لأن التقدير: بسم الله أبدأ(أو أقرأ) وهو يربطها بالثانية،فكأنّ العبد يقول: بسم الله أبدأ الحمد لله... ثمَّ يقول العبد: (إياك نعبد) وهذه زمنها كذلك مضارع(حاضر) وإن كان (اهد) زمنها ينطلق من الحاضر للمستقبل. فزمن الحاضر سلك يربط هذه البُنى.ولأن العبد يقول ويتلو النصَّ في لحظة واحدة.
ثالثا:الخصوص والعموم:
قوله تعالى (إياك نعبد وإياك نستعين) جمع الله تعالى بين العبادة والاستعانة ؛ والعبادة عموم ، والاستعانة خصوص من عام، لإن العبادة لا تحصل إلا بالعون .
وسائل الترابط التركيبيّ:
أولا:التبعيّة:
وتتمثل في البنية الثانية أكثر،فكانت(الحمد لله..) البنية الكبرى، وما بعدها (الرحمن....) مرتبطة بها بالتبعية،لأنّها كلها توابع لها. وجاء حرف العطف رابطا بين( إِيَّاكَ نَعْبُدُ) وَ(إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ).
و يظهر رابط التبعية في البنية الثالثة في(الصراط المستقيم...طراط الذين..) فقد ارتبطت( الصراط )الثانية بما قبلها أنها وقعت بدلامن الأولى. وارتبطت (غَيْرِ المغضوب ) بما قبلها لأنها بدل من الضّمير في عليهم أو من الذين أو نعت للذين.
ثانيا: الإحالة:
لإحالة الضمائر في النصّ دور في ربط البنى بعضها ببعض،فكان الضمير(الكاف)رابطا بين البنية الثالثة( إياك نعبد....) بما قبلها،ثمّ الضمير المستتر(أنت) في البنية (اهدنا). و يلحظ أن الضمائر تحولت من جهة إلى أخرى فكان ( الالتفات ) وهو التحول أو الانتقال من صيغة الغيبة إلى صيغة الخطاب وذلك عند قوله تعالى (إياك نعبد)؛ فقوله تعالى: (الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين) أسلوبها الغَيبة، و (إياك نعبد) إلى آخر السورة أسلوبها الخطاب؛ فالغيبة للتعظيم والذل والجهل؛ والخطاب للخوف واللجأ والحب.
و( الالتفات ) ضرب من ضروب البلاغة ، ولو جرى الكلام على الأصل لقال ( إيّاه نعبد ) فعدل عن ضمير الغائب إلى المخاطب لنكتة ( الالتفات ) ومثله قوله تعالى : { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً }[19] ثم قال : { إِنَّ هذا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً }[20] وقد يكون الإلتفات من ( الخطاب ) إلى ( الغيبة ) كما في قوله تعالى : { هُوَ الذي يُسَيِّرُكُمْ فِي البر والبحر حتى إِذَا كُنتُمْ فِي الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ }[21] فقد كان الكلام مع المخاطبين ، ثم جاء بضمير الغيبة على طريق الإلتفات .
ونظير هذا أن تذكر شخصاً متصفاً بأوصاف جليلة ، مخبراً عنه إخبار الغائب ، ويك ونذلك الشخص حاضراً معك ، فتقول له : إيّاك أقصد ، فيكون في هذا الخطاب من التلطف على بلوغ المقصود ، ما لا يكون في لفظ ( إيّاه ) .
ثالثا: الحذف:
- وهو ما يتعلق به الباء في (بسم الله) ، والتقدير: بسم الله أبدأ (أو أقرأ) فالجار والمجرور متعلق بفعل محذوف جوازا، وقد تقدّم عليه، وذلك أنه موطن ينبغي أن لا يقدم فيه سوى ذكر اللّه تعالى ، فلو ذكر الفعل ، وهو لا يستغني عن فاعله ، لم يكن ذكر اللّه مقدما ، وكان في حذفه مشاكلة اللفظ للمعنى ، كما تقول في الصلاة اللّه أكبر ، ومعناه من كل شيء ، ولكن يحذف ليكون اللفظ في اللسان مطابقا لمقصود القلب ، وهو أن لا يكون في القلب ذكر إلا اللّه عز وجل.
-في قوله أنعمت عليهم..) بدلا من (أنعمت عليهم بكذ وكذا...)
فلم يقيد الإنعام ليعم جميع المنعم به على سبيل البدل؛ وليكون التوسل بنعم عظيمة مستمرة. وكذلك لأن النعم لا تحصى (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الانسان لظلوم كفار)..
رابعا: الاستبدال: عملية تتم في داخل النصّ، إنه تعويض عنصر في النصّ بعنصر آخر،ويعدُّ الاستبدال صورة من صور التماسك التي تتم في المستوى النحوي - المعجمي بين كلمات أو عبارات على أن معظم حالات الاستبدال النصّي "قبلية" أي علاقة بين عنصر متأخر وعنصر متقدم، ولهذا يُعد الاستبدال مصدراً من مصادر تماسك النص.
والاستبدال شأنه شأن الإحالة - في كونه- علاقة اتساق، إلا أنه يختلف عنها في كونه يتم في المستوى المعجمي بين كلمات أو عبارات، بينما الإحالة علاقة معنوية تقع في المستوى الدلالي ، ويستحيل فهم ما تعنيه عناصر مستبدلة- إلا بالعودة إلى ما هي متعلقة به قبلياً - وهذا معنى الاستبدال- البحث عن الاسم، أو الفعل، أو القول الذي يسد هذه الثغرة، وهذه الحقيقة تؤكد مساهمة الاستبدال في تماسك النصّ .
وشرط الاستبدال في النصّ أنْ يتم استبدال وحدة لغوية بشكل آخر يشترك معها في الدلالة، حيث ينبغي أن يدل كلا الشكلين اللغويين على الشيء غير اللغوي نفسه.
"فالمعلومات التي تمكّن القارئ من تأويل العنصر الاستبدالي توجد في مكان آخر في النصّ
فعلاقة الاستبدال التي تختلف عن الحذف تترك أثراً، أثرها هو وجود أحد عناصرالاستبدال....فالمستبدل يبقى مؤشراً يستر شد به القارئ للبحث عن العنصر المفترض، مما يمكّنه من ملء الفراغ الذي يخلفه الاستبدال ومن أمثلته:
قوله تعالى : و قوله تعالى أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ.. )[22] ، و(قالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَاْرْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصاً).
فكلمة (ذلك) جاءت بدلاً من الآية السابقة عليها مباشرةً فكان هذا الاستبدال عاملاً على التماسك النصّي بين الآيات الكريمة. و مثله العدول من صيغة غلى اخرى أو من حرف إلى آخر.
وأشير في النهاية إلى حقيقة مساهمة الاستبدال بشكلٍ أساسي في تحقيق الترابط الدلالي، فهو يتطلَّب وجود علاقة معنوية بين عنصرين إحداهما متقدم والآخر متأخر، كما أشير إلى أن الاستبدال لا يعني البدل في النحو العربي فهو شيء مختلف.
ومنه في سورة الفاتحة:
1- قوله تعالى: (الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب..) أضاف النعمة إليه ( أنعمت عليهم)وحذف فاعل الغضب(غير المغضوب) ولم يقل:غير الذين غضبت عليهم، لوجوه :
أ-منها أن النعمة هي الخير والفضل والغضب من باب الانتقام والعدل، والرحمة تغلب الغضب فأضاف إلى نفسه أكمل الأمرين وأسبقهما وأقواهما وهذه طريقة القرآن في إسناد الخيرات والنعم إليه وحذف الفاعل في مقابلتهما كقول مؤمني الجن وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا )ومنه قول الخضر في شأن الجدار واليتيمين ( فأراد ربك أن يبلغا أشدهم ويستخرجا كنزهما )وقال في خرق السفينة فأردت أن أعيبها ثم قال بعد ذلك وما فعلته عن أمري) وتأمل قوله تعالى أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم )وقولهحرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير) .
بوفي تخصيصه لأهل الصراط المستقيم بالنعمة ما دل على أن النعمة المطلقة هي الموجبة للفلاح الدائم وأما مطلق النعمة فعلى المؤمن والكافر فكل الخلق في نعمه وهذا فصل النزاع في مسألة هل لله على الكافر من نعمة أم لا ؟
فالنعمة المطلقة لأهل الإيمان ومطلق النعمة تكون للمؤمن والكافر كما قال تعالى وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار) والنعمة من جنس الإحسان بل هي الإحسان والرب تعالى إحسانه على البر والفاجر والمؤمن والكافر.
وأما الإحسان المطلق فللذين اتقوا والذين هم محسنون) .
ب- أن الله سبحانه هو المنفرد بالنعم ( وما بكم من نعمة فمن الله) فأضيف إليه ما هو منفرد به وإن أضيف إلى غيره فلكونه طريقا ومجرى للنعمة وأما الغضب على أعدائه فلا يختص به تعالى بل ملائكته وأنبياؤه ورسله وأولياؤه يغضبون لغضبه فكان في لفظة المغضوب عليهم بموافقة أوليائه له من الدلالة على تفرده بالإنعام ، وأن النعمة المطلقة منه وحده هوالمنفرد بها ما ليس في لفظة المنعم عليهم.
ج- أن في حذف فاعل الغضب من الإشعار بإهانة المغضوب عليه وتحقيره وتصغير شأنه ما ليس في ذكر فاعل النعمة من إكرام المنعم عليه والإشادة بذكره ورفع قدره ما ليس في حذفه فإذا رأيت من قد أكرمه ملك وشرفه ورفع قدره فقلت هذا الذي أكرمه السلطان وخلع عليه وأعطاه ما تمناه كان أبلغ في الثناء والتعظيم من قولك: هذا الذي أكرم وخلع عليه وشرف وأعطى(بالبناء للمجهول).
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 01-01-2020, 02:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,601
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التحليل اللغوي في سورة الفاتحة

التحليل اللغوي في سورة الفاتحة

د. أيوب جرجيس العطية

2- في قوله الصراط المستقيم..) جاء معرفا بـ(أل) بدلا من النكرة، وفي( صراط الذين ....) معرفا بالإضافة ، وذلك يفيد تعينه واختصاصه ، وأنه صراط واحد ، وأما طرق أهل الغضب والضلال فإنه سبحانه يجمعها ويفردها كقوله وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) فوحد لفظ الصراط وسبيله؛ وجمع السبل المخالفة له؛ وقال ابن مسعود: خط لنا رسول الله خطا وقال هذا سبيل الله ثم خط خطوطا عن يمينه وعن يساره وقال: هذه سبل على كل سبيل شيطان يدعو إليه ثم قرأ قوله تعالى (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) وهذا لأن الطريق الموصل إلى الله واحد وهو ما بعث به رسله وأنزل به كتبه لا يصل إليه أحد إلا من هذه الطريق؛ ولو أتى الناس من كل طريق واستفتحوا من كل باب فالطرق عليهم مسدودة والأبواب عليهم مغلقة إلا من هذا الطريق الواحد فإنه متصل بالله موصل إلى الله قال الله تعالى: (هذا صراط علي مستقيم).
3- في قوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم...)
عدى الفعل بنفسه ولم يعده ب(إلى) كما قال تعالى: (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم)، وقال تعالى: (واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم)[23]، ذلك لأن فعل الهداية يتعدى بنفسه تارة وبحرف إلى تارة وباللام تارة والثلاثة في القرآن.
فمن المعدى بنفسه هذه الآية، وقوله (ويهديك صراطاً مستقيماً).
ومن المعدى بـ(إلى) قوله (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم)، وقوله تعالى: (قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم).
ومن المعدى باللام قوله في قول أهل الجنة (الحمد لله الذي هدانا لهذا) [الأعراف 43]؛ وقوله تعالى (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) [الإسراء 9].
والفروق لهذه المواضع تدق جداً عن أفهام العلماء، ولكن نذكر قاعدة تشير إلى الفرق وهي أن الفعل المعدى بالحروف المتعددة لا بد أن لا يكون له مع كل حرف معنى زائد على معنى الحرف الآخر، وهذا بحسب اختلاف معاني الحروف.
فإن ظهر اختلاف الحرفين ظهر الفرق، نحو رغبت عنه ورغبت فيه؛ وعدلت إليه وعدلت عنه؛ وملت إليه و[ملت] عنه؛ وسعيت إليه وسعيت به.
وأن تفاوت معنى الأدوات عسر الفرق، نحو قصدت إليه وقصدت له؛ وهديته إلى كذا وهديته لكذا؛ وظاهرية النحاة يجعلون أحد الحرفين بمعنى الآخر.
فإذا عرفت هذا ففعل الهداية متى عدي بإلى تضمن الإيصال إلى الغاية المطلوبة فأتى بحرف الغاية ومتى عدي باللام تضمن التخصيص بالشيء المطلوب فأتى باللام الدالة على الاختصاص والتعيين؛ فإذا قلت هديته لكذا فهم معنى ذكرته له وجعلته له وهيأته ونحو هذا؛ وإذا تعدى بنفسه تضمن المعنى الجامع لذلك كله وهو التعريـف والبيان والإلهام.
4- في قوله(إياك نعبد..) عدل عن (أعبد) فالفاعل في (نعبد) هو ضمير جماعة المتكلمين والقارئ واحد؛ و ذلك لأمور:
أ-أن المراد: أعبدك أنا ومن يعبدك من أخوتي المؤمنين ممن تقدمت عبادته أو ستأتي؛ ففيه مزيد من التعظيم لله.
ب-في هذا التعبير تواضع من العبد وذل واعتراف بالتقصير؛ فهو يرى أنه ليس أهلاً لعبادة الله ويرى عبادته قاصرة ضعيفة فيتكثر بعبادة إخوته من المؤمنين.
ج- فالصواب أن يقال: هذا مطابق لقوله (إياك نعبد وإياك نستعين)؛ والإتيان بضمير الجمع في الموضعين أحسن وأفخم فإن المقام مقام عبودية وافتقار إلى الرب تعالى وإقرار بالفاقة إلى عبوديته واستعانته وهدايته فأتى به بصيغة ضمير الجمع أي نحن معاشر عبيدك مقرون لك بالعبودية.
وهذا كما يقول العبد للملك المعظم شأنه نحن عبيدك ومماليكك وتحت طاعتك ولا نخالف أمرك فيكون هذا أحسن وأعظم موقعا عند الملك من أن يقول: أنا عبدك ومملوكك ولهذا لو قال: أنا وحدي مملوكك استدعى مقته؛ فإذا قال: أنا وكل من في البلد مماليكك وعبيدك وجند لك كان أعظم وأفخم لأن ذلك يتضمن أن عبيدك كثير جدا وأنا واحد منهم وكلنا مشتركون في عبوديتك والاستعانة بك وطلب الهداية منك فقد تضمن ذلك من الثناء على الرب بسعة مجده وكثرة عبيده وكثرة سائليه الهداية ما لا يتضمنه لفظ الإفراد فتأمله.
وإذا تأملت أدعية القرآن رأيت عامتها على هذا النمط نحو ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ونحو دعاء آخر البقرة وآخر آل عمران وأولها وهو أكثر أدعية القرآن الكريم).
5- في قوله تعالى (صراط الذين أنعمت عليهم) دون (صراط النبيين والصديقين والشهداء والصالحين)
وجه الحكمة في إضافة الصراط الموصول المبهم في قوله تعالى (الذين أنعمت عليهم) ولم يذكرهم بخصوصهم فيقول: صراط النبيين والصديقين؛ فعدل إلى لفظ المبهم دون المفسر لأمور:
أ-إحضار العلم وإشعار الذهن عند سماع هذا فإن استحقاق كونهم من المنعم عليهم هو بهدايتهم إلى هذا الصراط، فبه صاروا من أهل النعمة؛ وهذا كما يعلق الحكم بالصلة دون الاسم الجامد، لما فيه من الإنعام باستحقاق ما علق عليها من الحكم بها، وهذا كقوله تعالى (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم) [البقرة 274]؛ (والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون)؛ (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم) [الأحقاف 13].
وهذا الباب مطرد فالإتيان بالاسم موصولاً [أدل] على هذا المعنى من ذكر الاسم الخاص.
ب-إشارة إلى أن نفي [كذا] التقليد عن القلب واستشعار العلم بأن من هدى إلى هذا الصراط فقد أنعم عليه فالسائل مستشعر سؤاله الهداية وطلب الإنعام من الله عليه؛ والفرق بين هذا الوجه والذي قبله: أن الأول يتضمن الإخبار بأن أهل النعمة هم أهل الهداية إليه؛ والثاني يتضمن الطلب والإرادة وأن تكون منه.
7- وقدم الغضب على الضلال ، وإن كان الغضب من نتيجة الضلال ضل عن الحق فغضب عليه لمجاورة الإنعام ، ومناسبة ذكره قرينة ، لأن الإنعام يقابل بالانتقام ، ولا يقابل الضلال الإنعام فالإنعام إيصال الخير إلى المنعم عليه ، والانتقام إيصال الشر إلى المغضوب عليه ، فبينهما تطابق معنوي ، وفيه أيضا تناسب التسجيع ، لأن قوله ولا الضالين ، تمام السورة ، فناسب أواخر الآي ، ولو تأخر الغضب ، ومتعلقه لما ناسب أواخر الآي.
8- التعريف: جاءت كلمة(الحمد) معرفة بدل النكرة ،لإن الألف واللام في كلمة (الحمد) دالة في قول كثير من العلماء على استغراق الحمد بكل أنواعه وأفراده أي أن الحمد كله لله ، وليس أحد محموداً على الحقيقة إلا الله؛ ومن له الحمد كله فلا بد أن يكون على كل شيء قدير، وأنه خالق كل شيء، وإلا لما استحق الحمد كله، وهذا معنى توحيد الربوبية. ف الكلمة تناسب المقام العام للنص في متماسكة معه دلاليا.


وسائل الترابط المعجميّ:
أولا: التكرار ودوره في التماسك النصّي:
هو شكل من أشكال التَّماسك المعجمي، وهو من الظواهر التي تتسم بها اللغات عامة واللغة العربية خاصة، " التي نجدها في الألفاظ والتراكيب والمعاني لتحقيق البلاغة في التعبير ولتأكيد الكلام والجمال في الأداء اللغوي".
ويُعرِّفه الرضي: بأنَّه "ضم الشيء إلى مثله في اللفظ مع كونه إياه في المعنى، للتأكيد والتقرير والغالب فيما يفيد التأكيد أنَّ يذكر بلفظين فصاعد" وهو في التعريفات الحديثة "إعادة عنصر معجمي أو ورود مرادف له أو شبه مرادف أو عنصر مطلق أو اسم عام"
وهذا التكرار في ظاهر النص يصنع ترابطاً بين أجزاء النص بشكل واضح فهو يُعَدُّ من ضروب الإحالة إلى سابق كما اتضح من خلال تعريف "الإحالة التكرارية" بمعني أنَّ الثاني منهما يحيل إلى الأول، ومن ثم يحدث السبك بينهما، وبالتالي بين الجملة أو الفقرة الوارد فيها الطرف الأول من طرفي التكرار، والجملة أو الفقرة الوارد فيها الطرف الثاني من طرفي التكرار"
أ‌- لفظ الجلالة(الله) جاء مرتين،في (البسملة)،وفي(الحمد لله ربّ...) فذكرت الأولى استعانة وتبركا،وذكرت الثانية لبيان استحقاق الربّ للحمد ، فارتبطت البنية الثانية بالأولى.
ب‌- وفي تكرار (الرحمن الرحيم ) في البنية الأولى والثانية تنبيه على عظم قدر هاتين الصفتين وتأكيد أمرهم ، والتكرار في الوصف ، ويكون إما لتعظيم الموصوف ، أو للتأكيد ، ليتقرر في النفس.
فمبالغة فعلان مثل غضبان وسكران من حيث الامتلاء والغلبة ، ومبالغة فعيل من حيث التكرار والوقوع بمحال الرحمة ، ولذلك لا يتعدى فعلان ، ويتعدى فعيل. تقول زيد رحيم المساكين كما تعدى فاعلا ، قالوا زيد حفيظ علمك وعلم غيرك ، حكاه ابن سيده عن العرب. وقال مجاهد : رحمن الدنيا ورحيم الآخرة. ،وقال أبو علي الفارسي : الرحمن اسم عام في جميع أنواع الرحمة ، يختص به اللّه ، والرحيم إنما هو في جهة المؤمنين ، كما قال تعالى وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً)[24]. ووصف اللّه تعالى بالرحمة مجاز عن إنعامه على عباده ، ألا ترى أن الملك إذا عطف على رعيته ورق لهم ، أصابهم إحسانه فتكون الرحمة إذ ذاك صفة فعل؟
في ذكر هاتين الصفتين ثناء على الله تعالى وقد تقدم قول النبي (فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي؛ وإذا قال: الرحمن الرحيم قال الله تعالى: أثنى علي عبدي) والثناء معناه تكرير الحمد وهنا وقع ثناء مع شيء من تفصيل.
وفي ذكر هذين الاسمين ذكر لحظ العبيد من الملك المعبود وهو الرحمة العظيمة .
ج- قال تعالى (إياك نعبد وإياك نستعين) ولم تكن الآية (إياك نعبد ونستعين) وهذه أخصر ولذلك معنى عظيم فإن في إعادة إياك مرة أخرى دلالة على تعلق هذه الأمور بكل واحد من الفعلين ففي إعادة الضمير من قوة الإقتضاء لذلك ما ليس في حذفه فإذا قلت لملك مثلاً: إياك أحب وإياك أخاف كان فيه من اختصاص الحب والخوف بذاته والإهتمام بذكره ما ليس في قولك إياك أحب وأخاف.
د- وفي ذكر الصراط قال(الصراط المستقيم، صراط الذين...)
جرى ذكر الصراط المسؤول مرتين بخلاف غيره؛ والبدل على الصحيح على نية تكرار العامل؛ فكأنهم كرروا طلب الهداية مرتين. فائدته التوكيد لما فيه من التثنية والتكرير ، والإشعار بأنّ الطريق المستقيم بيانه وتفسيره تفسير صراط المسلمين ليكون ذلك شهادة لصراط المسلمين بالاستقامة على أبلغ وجه وآكده ، كما تقول : هل أدلك على أكرم الناس وأفضلهم؟ فلان فيكون ذلك أبلغ في وصفه بالكرم والفضل من قولك : هل أدلك على فلان الأكرم الأفضل ، لأنك ثنيت ذكره مجملا أوّلا ، ومفصلا ثانيا ، وأوقعت فلانا تفسيراً وإيضاحا للأكرم الأفضل فجعلته علما في الكرم والفضل ، فكأنك قلت : من أراد رجلا جامعا للخصلتين فعليه بفلان ، فهو المشخص المعين لاجتماعهما فيه غير مدافع ولا منازع .
ثانيا: التقابل:
وتأمل المقابلة بين الهداية والنعمة ، والغضب والضلال؛ فذكر المغضوب عليهم والضالين في مقابلة المهتدين المنعم عليهم؛ وهذا كثير في القرآن: يقرن بين الضلال والشقاء وبين الهدى والفلاح.
فالثاني كقوله تعالى (أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون) وقوله تعالى (أولئك لهم الأمن وهم مهتدون).
والأول كقوله تعالى (إن المجرمين في ضلال وسعر) [54/47] وقوله تعالى (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم) [2/7].
وانقسام خلقه إلى : منعم عليهم ومغضوب عليهم وضالين ؛ فإن هذا الانقسام ضروري بحسب انقسامهم في معرفة الحق والعمل به إلى عالم به عامل بموجبه ، وهم أهل النعمة ، وعالم به معاند له ، وهم أهل الغضب ، وجاهل به وهم الضالون .









[1] - علم اللغة النصي بين النظرية والتطبيق، صبحي إبراهيم الفقي، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، ط 1 ، 2000 م القاهرة، ص36.
[2] - علم لغة النص سعيد بحيري، مؤسسة المختار، 2003،القاهرةص119 .
[3] - بلاغة الخطا ب وعلم النصّ د.صلاح فضل ،عالم المعرفة، 1992 م، الكويت ص253
[4] - ينظر الأسلوب دراسة لغوية إحصائية: د. سعد مصلوح ، ، عالم الكتب ، القاهرة ، ط3 ، 1992 ، 29 . ، في النص الأدبي دراسة أسلوبية إحصائية ،- د. سعد مصلوح، عين للدراسات والبحوث ، القاهرة ، 1993 ، 28 .
[5] - الاتجاه الوظيفي ودوره في تحليل اللغة ، د . يحيى أحمد ، عالم الفكر، الكويت،مج 20 ،ع 3 ، ديسمبر1989 ،
[6] - لسات العرب لابن منظور، دار صادر، بيروت ، مادة(نصص).
[7] - أدب الكاتب لابن قتيبة ،المكتبة العصرية، 2004م، بيروت ص54 .
[8] - بلاغة الخطاب، ص230.
[9] - لسانيات النص لمحمد خطابي،1991 ، المركز الثقافي، بيرون، ص13 .
[10] - علم لغة النص، بحيري ، ص29
[11] - النصّ والسياق فان دايك، ترجمة عبد القادر قنيني،دار أفريقياالشرق، بيروت 2000م، ص17
[12] - روبرت بوجراند، النص والخطاب والإجراءترجمة تمام حسان،عالم الكتب ،1998م، القاهرة ص64.
[13] - علم النص ،فان يدك، ص14 .
[14] - مبادئ في اللسانيات، خولة طالب الإبراهيمي، دار القصبة للنشر، الجزائر، 2000، ص167.
[15] - علم اللغة النصي ص77
[16] - الكتاب لسيبويه (أبي بشر عمرو بن عثمان)، تحقيق عبد السلام هارون، ط3، 1983م، عالم الكتب، بيروت. 1/25س
[17] - دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني , تحقيق د . فايز الداية وأخيه ط 1 , 1983 , دار قتيبة.
[18] - إنّ (الأبنية الكبرى): هي الوحدات البنيوية الشاملة للنصّ، و(الأبنية الصغرى) هي أبنية المتتاليات والأجزاء. ولكل من البنيتين دلالته. وتحديد البنية الكبرى للنصّ يختلف من ناقد إلى آخر، باختلاف منهجه النقدي وثقافته، فكل يختار من النصّ العناصر التي يراها مهمة. وعلى الرغم من هذه الاختلافات فإن هناك شبه توافق في الوصف الإجمالي للنصوص. وجمعها على (بُنى )أصح .
[19] - [ الإنسان : 21 ]
[20] - [ الإنسان : 22 ]
[21] - [ يونس : 22 ]
[22] - الكهف 63.
[23] -[الأنعام 87]
[24] - الأحزاب 43


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 103.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 100.58 كيلو بايت... تم توفير 2.81 كيلو بايت...بمعدل (2.71%)]