|
|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
تأصيل المقاصد
تأصيل المقاصد الشيخ عبدالعزيز رجب سنتناول في هذا البحث تأصيل المقاصد الشرعية، والأدلة على أن للشريعة الإسلامية مقاصد وغايات، وإن كان المبحث السابق - وهو تاريخ المقاصد - قد جاوب على جزء من هذا الموضوع، لكن من أجل أن تتضح الحجة، نورد الأدلة على أن للشريعة مقاصد. أولًا: استقراء موارد الأحكام في الكتاب والسنة: فإذا استقرأنا موارد الأحكام في القرآن الكريم والسنة النبوية، وجدنا أنهما مملوءان بتعليل الأحكام، كما يقول ابن القيم: "القرآن وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مملوءان من تعليل الأحكام بالحكم والمصالح...ولو كان هذا في القرآن والسنة نحو مائة موضع أو مائتين لسقناها، ولكنه يزيد على ألف موضع بطرق متنوعة" [1]. بل كل الأحكام معللة، سواء ظهر ذلك التعليل وبان أم لا، كما يقول بذلك طه العلواني: "كل حكم ورد في كتاب الله وبينته سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهو مشتمل على حكمة معقولة المعنى، ظاهرة أو كامنة، تظهر بمزيد تدبر للنص، أو سير في الأرض، أو نظر في الوقائع"[2]. أ) من القرآن الكريم: العدل بين الناس؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]، والتيسير ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، وغيرها من الآيات كثير. ب) من السنة النبوية: مثل: رفع الضرر: قال صلى الله عليه وسلم: ((لا ضررَ ولا ضرار))[3]، ومصالح العباد: قال صلى الله عليه وسلم: ((الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى من الطريق، والحياء شعبةٌ من شعب الإيمان))[4]. ثانيًا: بعثة الرسل: الغرض من بعثة الرسل هو الرحمة بالعباد، وإرشادهم إلى الحق والخير، وهذه هي مقاصد الشريعة وغايتها؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، واتباع الرسل فيه سعادة الدارين الدنيا والآخرة، والعكس صحيح؛ كما قال تعالى: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 123، 124]. ثالثًا: القواعد الكلية المجمع عليها: كذلك من الأدلة التي تثبت أن للشريعة مقاصد القواعد الكلية المتفق عليها، مثل: انقسام المعاصي إلى صغائر وكبائر، وثبوت خطاب الوضع في الأحكام المتضمنة لما يسمى بالجوابر، واختلاف شروط المعاملات، ومراعاة الشريعة لأعراف الناس الصالحة، وبطلان العمل المناقض لقصد الشارع. رابعًا: ذكر التعليل للأحكام: فكل حكم ورد في كتاب الله وبينته سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهو مشتمل على كلمة معقولة المعنى ظاهرة أو كامنة، تظهر بمزيد تدبر للنص، أو سير في الأرض، أو نظر في الوقائع[5]. أمثلة على ذلك: قال تعالى: ﴿ وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [النحل: 15]. وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((إنما جُعل الاستئذان من أجل البصر))[6]. خامسًا: دور العقل والفطرة، ونقصد به دور العقل والفطرة في معرفة المصالح والمفاسد، في حالة غياب النص، فإعمال العقل وفسح المجال له ليس فحسب مساعدًا على تقدير المصالح أو حفظها، بل هو نفسه مصلحة من المصالح الضرورية؛ لأن في إعماله حفظًا له، وحفظه هو إحدى الضروريات المتفق عليها[7]. وخلاصة ذلك: أن المقاصد هي روح الشريعة، وحكمها وغاياتها، ومراميها ومغازيها[8]، ومقاصد الشريعة ومعرفتها ومراعاتها ليس شيئًا اكتشفه اللاحقون، أو ابتكره المتأخرون، بل هو صميم الدين، بل هو صحيحه، من أول يوم، ومن أول فهم، والقرآن الكريم والسنة النبوية هما أول مصرح بمقاصد الشريعة، وأول منبِّه على أمثلتها ونماذجها الإجمالية والتفصيلية[9]. [1] إعلام الموقعين: (1/ 169). [2] مقاصد الشريعة - العلواني: طه جابر العلواني - دار الهادي - بيروت - لبنان - الطبعة الأولى (1421 ه = 2001 م) (125). [3] رواه أحمد (1/ 313، ابن ماجه 2/ 784) عن ابن عباس رضي الله عنهما. [4] رواه مسلم (1/ 63)، أحمد (2/ 214)، والطبراني: (11/ 302) عن أبي هريرة رضي الله عنه. [5] مقاصد الشريعة العلواني: 125. [6] البخاري: (5/ 2304)، مسلم: (3/ 1698). [7] نحو تفعيل مقاصد الشريعة: جمال الدين عطية - دار الفكر - المطبعة العلمية - دمشق (1424 هـ = 2003 م) (26). [8] علاقة مقاصد الشريعة بأصول الفقه: 133. [9] مقاصد الشريعة الإسلامية - دراسات في قضايا المنهج - ومجالات التطبيق: 185.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |