|
|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم
إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم خميس النقيب تلاوةٌ رائعة في صلاة الفجر، حيث الجوُّ صافٍ، والهدوءُ كافٍ، والخشوعُ شافٍ، الملائكة مع المصلين شهودٌ، والأرواح تَسرحُ في ظلِّ المعبود، والخشوع في القلوب يسودُ. بدأ الإمام بسورة السجدة في الركعة الأولى، وما فيها من انتقام الجبَّار من المجرمين الذين ينكسون رؤوسهم أمام ربِّهم، ويَودُّون لو عادوا إلى الدنيا من جديد ليُصلحوا أعمالهم، لكن هَيْهاتَ هَيْهاتَ! ثم صفات المؤمنين تتجافى جنوبُهم عن المضاجع، وجزاء ذلك، ثم انتقل إلى سورة الإنسان في الثانية، وما فيها من نعيم الجنات، وثَمَن القُرُبات، والأنَّات! المجرمُ أجرم؛ لأنه غفل عن الدين، ظنَّ الدِّينَ خرافاتٍ، غيبيَّاتٍ، تناقضاتٍ، ظنَّ الدِّين أداةَ تفريق، قال: الدينُ ليس لهذا العصر؛ إنه رجعية! فراح واستباح وظلَم باسم الدينِ، وقتلَ باسم الدين، ونهَب باسم الدين، لم يتعلَّمِ العلمَ الصحيح، له فطرة سليمة، لكن غفل عن الحقيقة؛ فشَقِي بها! ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 12]، وفي موضع آخر: ﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [الملك: 10]، إذًا الأزمةُ أزمةُ عِلمٍ، ليست أزمةَ سكنٍ، أو أخلاقٍ، أو مالٍ، أو غير ذلك؛ إنما هي أزمة عِلم، وعِلمٌ فقط! لذلك؛ لا بد من العقاب؛ ﴿ فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 14]. المُتفلِّتُ الذي يفعل ما يشاء، يأكل ما يشاءُ، يلتقي مع مَن يشاء، يقبضُ أيَّ مبلغ يشاء، لا يوجد رقابة ولا قانون ولا قيمة تحجزه... - هذا ينتهي إلى جهنَّمَ! لقد استأصل اللهُ تعالى من المشركين أشدَّهم ضَراوةً وشراسة في حرب الإسلام والمسلمين، فقتل فيها أربابَ الكفر والكافرين، أمثال: أبي جهل، وعُتْبةَ بنِ ربيعةَ، وأُميَّة بنِ خلف... وغيرهم؛ فعن عائشة أنها قالت: لما أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم يومَ بدر بأولئك الرَّهْط فأُلقُوا في الطَّوِيِّ؛ عُتْبة، وأبو جهل وأصحابُه، وقف عليهم، فقال: ((جزاكم اللهُ شرًّا من قومِ نبيٍّ ما كان أسوأ الطَّرْد، وأشدَّ التكذيب!)) قالوا: يا رسولَ الله، كيف تُكلِّم قومًا جيَّفُوا، فقال: ((ما أنتم بأفْهَمَ لقولي منهم)) إذا كانوا يُنكِّلون ويبطشون بالمستضعفين، فإن هناك قويًّا قادرًا قاهرًا يُنكِّل بهم، ويَبطِشُ بهم، وينتقم منهم، كيف؟ ﴿ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ ﴾ [الدخان: 16]. في المقابلِ تنتقلُ الآيات إلى الذي فيه خوفٌ، وفيه قلقٌ، وفيه ضبط للشهوات، وضبط للأعضاء وللجوارح... نهايتُه جنةٌ إلى أبد الآبدين. ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ ﴾ [السجدة: 17]، لا يمكن أن يعلموا ما أخفي لهم من قرَّة أعين؛ جزاءً بما كانوا يعملون. ثم الموازنة بين الفريقين؛ ﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ ﴾ [السجدة: 18]، ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [الرحمن: 60] ماذا قدَّموا؟ ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ﴾ [السجدة: 16] ماذا قدموا؟ ﴿ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا ﴾ [السجدة: 16]، ماذا قدموا؟ ﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [السجدة: 16]، ماذا حصدوا؟ ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 17]. وَرَد: ألا يا رُبَّ نفسٍ جائعةٍ عاريةٍ في الدنيا طاعمةٌ ناعمةٌ يومَ القيامة، ألا يا رُبَّ نفسٍ طاعمةٍ ناعمة في الدنيا جائعةٌ عارية يوم القيامة، ألا يا رُبَّ مُكرِمٍ نفسَه وهو لها مُهين، ألا يا رُبَّ مُهينٍ نفسَه وهو لها مكرِم... العبرةُ في النهايات، العبرة مَن يضحك أخيرًا؛ ﴿ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ﴾ [المطففين: 34]. دائمًا أبحثُ عن المرجع، أبحثُ عن المصير، أبحثُ عن العاقبة ﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [القصص: 83]. الأيامُ تدورُ، والحياة تسيرُ، يصعدُ أناس، يَهبِطُ أناس، يغتني أناسٌ، يَفتقِرُ أناس، يقوى إنسانٌ، يضعف إنسان، العبرة بالنهاية، والعاقبة للمتقين؛ ﴿ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ﴾ [المطففين: 34]. المؤمنُ ينقلِبُ إلى أهلِه مسرورًا يوم القيامة، والكافر ﴿ إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا ﴾ [الانشقاق: 13]، الفرق: واحد يَنقلِبُ إلى أهله مسرورًا، والكافر أنه كان في أهله مسرورًا، ﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ ﴾ [السجدة: 18]. إلى كل أرملة قُتِل زوجها ظلمًا، إلى كل ثَكْلى فَقْدت أولادها غدرًا، إلى كل يتيم قُتِل أبوه بغيًا، إلى كل فقير هُدِّمت داره غصبًا؛ عن معاذ بن جبل قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ثلاثٌ مَن فَعَلهنَّ فقد أجرم: مَن عقَد لواءً في غير حق، أو عَقَّ والدَيه، أو مشى مع ظالم يَنصُره، فقد أجرم؛ يقول الله: ﴿ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ﴾ [السجدة: 22])). لذلك؛ يَودُّ المجرمُ يومَ القيامة لو يُقدِّم أهلَه وذريَّته وأقاربه في النار؛ لينجوَ هو من عذاب الله، كيف؟ ﴿ يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ * كَلَّا إِنَّهَا لَظَى ﴾ [المعارج: 11 - 15]، الذين ينتهجون العَمالةَ مع أعداء الأمة، فيَعبَثُ اليهودُ في المقدَّسات، ويقتلون المؤمنين والمؤمنات، ويُخرِّب الغربُ العلمانيُّ في أوطان الشرق الإسلامي؛ فيُعرْبِدون ويُفسدون، يَنْهَبون الثَّرَوات، ويقتلون المُقدَّرات، ويَجلبون الحسرات، ويخطفون المواهبَ، ويدمِّرون القدرات! نعم، فما أكثرَ اللياليَ التي يختبئ في ظلامها المظلومون! وما أصعبَ اللحظاتِ التي تَمُرُّ عليهم فيبكون، رافعين شكواهم للذي إذا أراد شيئًا أن يقول له: كن، فيكون؛ ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ﴾ [السجدة: 22]! لذلك؛ الانتقام سيكون مؤلمًا، سيَنالُ مِن كلِّ مجرمٍ، ماذا سيردُّ المجرم عند السؤال؟ ماذا سيجيبُ ربَّه عن القتل والفَتْك، والنَّهْب، والتعذيب؟ ستراهم ناكسي رؤوسهم ذليلةً أنفسهم، وجوهُهم عليها غَبَرة، ترهقها قترة؛ أولئك هم الكفرةُ الفَجَرة! إن أعتى مجرمي الأرض أخذهم الله بجُرْمهم، وهو تعالى قادر أن يأخذ مَن على شاكلتهم وهو العليم الخبير، الغالبُ القاهر سبحانه؛ ﴿ وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ * فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 39، 40]، فهل يَنتبِهُ الغافل؟ وهل يعود المُغفَّل؟ هل يُقلِعُ المجرم ويرجع الظالم؟ هل يتوبُ العاصي ويَثوب المذنب؟ اللهم ردَّنا إليك ردًّا جميلًا. اللهم خُذْ بنواصينا إليك أخذَ الكرامِ عليك، اللهم لا تجعلنا ممن يَنْكُسون رؤوسَهم يومَ لقاك، بل اجعلنا ممن أعدَدْتَ لهم ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر. اللهم انصر المستضعفين، واحفظ المؤمنين، وعليك بالمجرمين في كلِّ مكانٍ يا رب العالمين...
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |