موسوعة الشفاء للإعجاز العلمي فى القران والسنه .. بالإضافه الى اخر المقالات المنشوره - الصفحة 75 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         أسئلة بيانية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 24 - عددالزوار : 533 )           »          الاكتفاء بسماع أذكار الصباح والمساء عند قولها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          الفرق بين صلاة التراويح وصلاة القيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          قراءة القرآن بصوت مرتفع في المسجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          الفرصة الأخيرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          ترزقوا وتنصروا وتجبروا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          لا سمَرَ إلَّا لِمُصَلٍّ ، أوْ مُسافِرٍ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          على أبواب العشر الأواخر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          رمضان شهر الإقبال على مجالس العلم والعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          التغيير الشامل في رمضان .. هل هو ممكن؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > الملتقى العلمي والثقافي

الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #741  
قديم 07-07-2008, 05:38 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبــع موضوع ..... حتى إذا بلغ مغربَ الشمس وجدها تغرب في عينٍ حَمِئَةٍ

وعلى هذا النحو يمكننا أن نقرأ الشواهد الشعرية التالية: قال الأسعر الجعفى:
إِنّي وَجَدتُ الخَيلَ عِزّاً ظاهِراً ** تَنجي مِنَ الغُمّى وَيَكشِفنَ الدُجى
وقال الحارث بن عباد:
وَاِمتَرَتهُ الجَنوبُ حَتّى إِذا ما ** وَجَدَت فَودَهُ عَلَيها ثَقيلا
وقال امرؤ القيس:
أَلَم تَرَياني كُلَّما جِئتُ طارِقاً ** وَجَدتُ بِها طيباً وَإِن لَم تطَيَّب؟ِ
وقال الدحداحة الفقيمية:
* مِنْ معشرٍ وجدتهم لئاما *
وقال حاتم الطائى:
إِذا أَوطَنَ القَومُ البُيوتَ وَجَدتَهُم ** عُماةً عَنِ الأَخبارِ خُرقَ المَكاسِبِ
وقال سلامة بن جندل:
فَإِن يَكُ مَحمودٌ أَباكَ فَإِنَّنا ** وَجَدناكَ مَنسوباً إِلى الخَيرِ أَروَعا
وقال النابغة الذبيانى:
مَتى تَأتِهِ تَعشو إِلى ضَوءِ نارِهِ ** تَجِد خَيرَ نارٍ عِندَها خَيرُ مَوقِدِ
وقال مالك بن عمرو:
متى تفخَرْ بزَرْعَةَ أو بحِجْرٍ ** تجدْ فخرا يطيرُ به السناءُ
وقال الحصين بن الحمام الفزارى:
تَأَخَّرتُ أَستَبقي الحَياةَ فَلَم أَجِد ** لِنَفسي حَياةً مِثلَ أَن أَتَقَدَّما
ذلك أن وِجْدانك الشىء على وضع من الأوضاع إنما يعنى إدراكك له على هذا الوضع رؤيةً أو سماعًا أو شمًّا أو لمسًا أو شعورًا باطنيًّا أو استدلالا عقليًّا كما في العبارات التالية: "نظرتُ فوجدتُه قائما"، أو "حينما اقتربتُ من الحجرة وجدتُه يغنى"، أو "قرّبت الزهرة من أنفى فوجدتها مسكيّة العبير"، أو "احتكت يدي بالحائط فوجدته خشن الملمس"، أو "وجدتُ وقع إهانته لي عنيفا"، أو "أعاد العلماء النظر في هيئة الأرض فوجدوها أقرب إلى شكل الكرة"، ثم سواء عليك بعد هذا أكان هو فعلا في الواقع والحقيقة كذلك أم لا. وفى ضوء ما قلناه نقرأ قول الزبيدى صاحب "تاج العروس": "وقال المُصَنّف في البصائرِ نقلاً عن أَبي القاسم الأَصبهانيّ: الوُجُودُ أَضْرُبٌ، وُجُودٌ بِإِحْدى الحَوَاسِّ الخَمْسِ، نحو: وَجَدْتُ زَيْداً وَوَجَدْتُ طَعْمَه ورائحتَه وصَوتَه وخُشُونَتَه، ووجُودٌ بِقُوَّةِ الشَّهْوَةِ نحو: وَجَدْتُ الشبع ووجوده أيده الغضب كوجود الحَرْبِ والسَّخَطِ، ووُجُودٌ بالعَقْل أَو بِوسَاطَة العَقْلِ، كمَعْرِفَة الله تعالى، ومَعْرِفَة النُّبُوَّةِ. وما نُسِب إِلى الله تعالى مِن الوُجُود فبمَعْنَى العِلْمِ المُجَرَّدِ، إِذ كان اللهُ تعالَى مُنَزَّهاً عن الوَصْفِ بالجَوَارِحِ، والآلاتِ، نحو قولِه تَعالى: "وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ"، وكذا المعدوم يقال على ضِدّ هذه الأَوْجُهِ. ويُعَبَّر عن التَمَكُّنِ من الشيءِ بالوُجُودِ نحو: "فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ" أَي حَيْثُ رَأَيْتُمُوهُم، وقوله تعالى: "إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ"، وقوله: "وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ للشَّمْسِ" وقوله: "وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ"، ووجود بالبصيرة، وكذا قوله: "وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا" وقوله: "فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا"، أَي إِن لم تَقْدِروا على الماءِ".
ولقد كفانا مؤنة المضىّ أبعد من ذلك (على كفايته في حد ذاته) كاتبان ألّفا بحثا عثرت عليه في المشباك بعنوان: "Islam and the Setting of the Sun: Examining the traditional Muslim View of the Sun’s Orbit" يهاجمان فيه القرآن ويزعمان أن الرسول حين قال ما قال في الآية التي نحن بإزائها هنا إنما كان يقصد فعلا أن الشمس تغرب في عينٍ حمئةٍ على حرفية معناها، ومع هذا فقد بدءا كلامهما بالقول بما معناه أن تعبيرا مثل التعبير الذي في الآية الكريمة لا يدل بالضرورة على أن صاحبه قد اجترح خطأ علميا أو أنه يعتقد أن الشمس تغرب فعلا في العين. ثم أضافا أننا، حتى في عصرنا هذا حيث يعرف الجميع تمامًا أن الشمس في الواقع لا تشرق ولا تغرب، ما زلنا نقول إنها تشرق وتغرب. والكاتبان هما: Sam Shamounnو Jochen Katz، وهذا نَصّ ما قالاه:
we do need to make it clear that statements about the sun rising or setting do not, in and of themselves, prove that a person or author held to erroneous scientific views, or made a scientific error. One can legitimately argue that the person or author in question is using everyday speech, ordinary ********, or what is called phenomenological ********. From the vantage point of the person who is viewing the sun from the earth, the sun does indeed appear to be rising and setting. In fact, even today with all our advanced scientific knowledge we still refer to sunrise and sunset .Hence, an ancient book or writer may have not intended to convey actual scientific phenomena when describing the sun as rising or setting any more than today’s meteorologists, or newscasters, are speaking scientifically when referring to the rising and setting of the sun.
وقد أخذتُ أنقّر في النصوص الإنجليزية والفرنسية الموجودة في المشباك حتى عثرتُ على طائفة من الشواهد النثرية والشعرية يتحدث فيها أصحابها لا على أن الشمس تشرق وتغرب فحسب، بل عن سقوطها أو غوصها أو غروبها في البحر أو في السهل أو ما إلى هذا. وإلى القارئ عينةً مما وجدته من تلك النصوص: "Alone stood I atop a little hill, And beheld the light-blue sea lying still, And saw the sun go down into the sea" (من قصيدة بعنوان: "AN EPISTLE" لـ Numaldasan)، "The sun sinks down into the sea" (من رواية "The Water-Babies" لــCharles Kingsley)، " The Sun came up upon the left, out of the sea came he! And he shone bright, and on the right Went down into the sea" (من قصيدة "The Rime of the Ancient Mariner" لكوليردج)، "The red sun going down into the sea at Scheveningen" (من "Letter from Theo van Gogh to Vincent Gogh van Auvers-sur-Oise, 30 June 1890")، "The sun sank slowly into the sea" (من مقال "The Light Of The Setting Sun" لـRocky)، " Just then the sun plunged into the sea it popped out from behind the gray cloud screen that had obscured the fiery disk" (من مقال بعنوان "Taps for three war buddies" في موقع "sun-herald.com")، "le soleil descendre dans l'ocean…" (من " L'ILE DES PINGOUINS" لأناتول فرانس)، " Le soleil, disparu dans la mer, avait laissé le ciel tout rouge, et cette lueur saignait aussi sur les grandes pierres, nos voisines" (من " En Bretagne" لجى دى موباسان)، "Spectacle saisissant, que le soleil couchant dans ces dunes impressionnantes" (من مقال "RAID EN LIBYE" لـRoger Vacheresse)، "On comprend aussi que la blessure de Réginald a quelque chose du Soleil plongeant dans la mer" (من "LES CHANTS DE MALDOROR" لــle comte de Lautréamont).
هذا، ومن معانى "العين" في العربية (فيما يهمنا هنا) حسبما جاء في "لسان العرب": "عين الماء. والعين: التي يخرج منه الماء. والعين: ينبوع الماء الذي ينبع من الأرض ويجري... ويقال: غارت عين الماء. وعين الركية: مَفْجَر مائها ومنبعها. وفي الحديث: "خير المال عينٌ ساهرةٌ لعينٍ نائمة"، أراد عين الماء التي تجري ولا تنقطع ليلا ونهارا، وعين صاحبها نائمة، فجعل السهر مثلا لجريها... وعين القناة: مصب مائها... والعين من السحاب: ما أقبل من ناحية القبلة وعن يمينها، يعني قبلة العراق... وفي الحديث: إذا نشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك عينٌ غديقة... والعين: مطر أيام لا يُقْلِع، وقيل: هو المطر يدوم خمسة أيام أو ستة أو أكثر لا يُقْلِع، قال الراعي:
وأنآء حيٍّ تحت عينٍ مطيرةٍ ** عظام البيوت ينزلون الروابيا
... والعين: الناحية". وعلى هذا فعندما يقول عبد الفادى (اقرأ: "عبد الفاضى") مؤلف كتاب "هل القرآن معصوم؟" (وهو جاهل كذاب من أولئك الجهلاء الكَذَبة الذين يَشْغَبون على كتاب الله المجيد) إن القرآن، بناء على ما جاء في تفسير البيضاوي، يذكر أن الشمس تغرب في بئرٍ، فإننا نعرف في الحال أنه يتكلم بلسان الكذب والجهل: فأما الجهل فلأن المسألة، حسبما رأينا في "لسان العرب"، أوسع من ذلك كثيرا بحيث تَصْدُق كلمة "العين" على البحر والسحاب والمطر أيضا. ولذلك وجدنا من المترجمين من يترجمها بمعنى "بحر" أو "بحيرة"، فضلا عن أنه من غير المستبعد أن يكون المعنى في الآية هو ذلك النوع المذكور من السحاب أو المطر. وأما الكذب فلأن البيضاوي لم يقل هذا، بل قال: "حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عينٍ حمئةٍ: "ذات حمأ"، من "حَمِئَتِ البئر" إذا صارت ذات حمأة. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر: "حامية"، أي حارة، ولا تنافي بينهما لجواز أن تكون العين جامعة للوصفين، أو "حَمِيَة" على أن ياءها مقلوبة عن الهمزة لكسر ما قبلها. ولعله بلغ ساحل المحيط فرآها كذلك إذ لم يكن في مطمح بصره غير الماء. ولذلك قال: "وجدها تغرب"، ولم يقل: "كانت تغرب"...". فكما ترى ليس في البيضاوي أنها غربت في بئر، بل كل ما فعله المفسر الكبير أنه اتخذ من "البئر" مثالا لشرح كلمة "حمئة"، لكنه لم يقل قط إن معنى "العين" هو "البئر"، بل قال ما نصه: لعل ذا القرنين قد بلغ ساحل المحيط فرآها كذلك. وحتى لو قال ذلك فإن كلامه يبقى مجرد اجتهاد منه قد يصح أو لا يصح، ولا يجوز حمله على القرآن أبدا، وبخاصة أن كثيرا من المفسرين كذلك لم يفسروا العين بهذا المعنى. بيد أننا هنا بصدد جماعة من الطَّغَام البُلَداء الرُّقَعاء الذين كل همهم هو الشَّغْب بجهل ورعونة، إذ هم في واقع الأمر وحقيقته لا يعرفون في الموضوع الذي يتناولونه شيئا ذا بال، ومع هذا نراهم يتطاولون على القرآن الكريم! فيا للعجب! إن الواحد من هؤلاء الطَّغَام يتصور، وهو يتناول الكلام في كتاب الله، أنه بصدد كراسة تعبير لطفل في المرحلة الابتدائية، بل إن معلوماته هو نفسه لا تزيد بحال عن معلومات طفل في تلك المرحلة كما تبين لي وبينته للقراء الكرام في كتابي: "عصمة القرآن الكريم وجهالات المبشرين"، الذي فَنَّدْتُ فيه كلام هذا الرقيع، ومسحت به وبكرامته وكرامة من يقفون وراءه الأرض!
وهأنذا أسوق أمام القارئ الكريم بعض ما جاء في كتب التفسير القديمة: ففي القرطبى مثلا: "وَقَالَ الْقَفَّال: قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء: لَيْسَ الْمُرَاد أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى الشَّمْس مَغْرِبًا وَمَشْرِقًا ووَصَلَ إِلَى جُرْمهَا وَمَسّهَا، لأَنَّهَا تَدُور مَعَ السَّمَاء حَوْل الأَرْض مِنْ غَيْر أَنْ تَلْتَصِق بِالأَرْضِ، وَهِيَ أَعْظَم مِنْ أَنْ تَدْخُل فِي عَيْن مِنْ عُيُون الأَرْض، بَلْ هِيَ أَكْبَر مِنْ الأَرْض أَضْعَافًا مُضَاعَفَة، بَلْ الْمُرَاد أَنَّهُ اِنْتَهَى إِلَى آخِر الْعِمَارَة مِنْ جِهَة الْمَغْرِب وَمِنْ جِهَة الْمَشْرِق، فَوَجَدَهَا فِي رَأْي الْعَيْن تَغْرُب فِي عَيْن حَمِئَة، كَمَا أَنَّا نُشَاهِدهَا فِي الأَرْض الْمَلْسَاء كَأَنَّهَا تَدْخُل فِي الأَرْض. وَلِهَذَا قَالَ: "وَجَدَهَا تَطْلُع عَلَى قَوْم لَمْ نَجْعَل لَهُمْ مِنْ دُونهَا سِتْرًا"، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهَا تَطْلُع عَلَيْهِمْ بِأَنْ تُمَاسّهُمْ وَتُلاصِقهُمْ، بَلْ أَرَادَ أَنَّهُمْ أَوَّل مَنْ تَطْلُع عَلَيْهِمْ. وَقَالَ الْقُتَبِيّ: وَيَجُوز أَنْ تَكُون هَذِهِ الْعَيْن مِنْ الْبَحْر، وَيَجُوز أَنْ تَكُون الشَّمْس تَغِيب وَرَاءَهَا أَوْ مَعَهَا أَوْ عِنْدهَا، فَيُقَام حَرْف الصِّفَة مَقَام صَاحِبه. وَاَللَّه أَعْلَم". وفى ابن كثير: "وَقَوْله: "حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِب الشَّمْس"، أَيْ فَسَلَكَ طَرِيقًا حَتَّى وَصَلَ إِلَى أَقْصَى مَا يُسْلَك فِيهِ مِنْ الأَرْض مِنْ نَاحِيَة الْمَغْرِب، وَهُوَ مَغْرِب الأَرْض. وَأَمَّا الْوُصُول إِلَى مَغْرِب الشَّمْس مِنْ السَّمَاء فَمُتَعَذِّر، وَمَا يَذْكُرهُ أَصْحَاب الْقَصَص وَالأَخْبَار مِنْ أَنَّهُ سَارَ فِي الأَرْض مُدَّة، وَالشَّمْس تَغْرُب مِنْ وَرَائِه،ِ فَشَيء لا حَقِيقَة لَهُ. وَأَكْثَر ذَلِكَ مِنْ خُرَافَات أَهْل الْكِتَاب وَاخْتِلاق زَنَادِقَتهمْ وَكَذِبهمْ. وَقَوْله: "وَجَدَهَا تَغْرُب فِي عَيْن حَمِئَة"، أَيْ رَأَى الشَّمْس فِي مَنْظَره تَغْرُب فِي الْبَحْر الْمُحِيط. وَهَذَا شَأْن كُلّ مَنْ اِنْتَهَى إِلَى سَاحِله يَرَاهَا كَأَنَّهَا تَغْرُب فِيه،ِ وَهِيَ لا تُفَارِق الْفَلَك الرَّابِع الَّذِي هِيَ مُثْبَتَة فِيهِ لا تُفَارِقهُ". وفى الجلالين: "..."حَتَّى إذَا بَلَغَ مَغْرِب الشَّمْس": مَوْضِع غُرُوبهَا "وَجَدَهَا تَغْرُب فِي عَيْن حَمِئَة": ذَات حَمْأَة، وَهِيَ الطِّين الأَسْوَد. وَغُرُوبهَا فِي الْعَيْن: فِي رَأْي الْعَيْن، وَإِلاّ فَهِيَ أَعْظَم مِنْ الدُّنْيَا". وأرجو ألا يغيب عن ناظر القارئ الحصيف كيف أن ابن كثير يلقى باللوم في أمر التفسيرات الخرافية في الآية على زنادقة أهل الكتاب وكذابيهم، مما يدل على أن القوم هم هكذا من قديم لم تتغير شِنْشِنَتهم، وأن فريقا من علمائنا كانوا واعين بالدور الشرير الذي كانوا يضطلعون به لتضليل المسلمين بإسرائيلياتهم، وكانوا يعملون على فضح سخفهم ومؤامراتهم.
أما الرازي فإني أود أن نقف معه قليلا لنرى كم يبلغ جهل عبد الفاضى وبلادته وتدليسه هو وأشباهه، إذ إن مفسرنا العظيم قد أشبع القول في هذا الموضوع بما يكفى لقطع لسان كل زنديق كذاب. قال العلامة المسلم عليه رضوان الله: "{حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا: يا ذا القرنين، إما أن تعذِّب وإما أن تتخذ فيهم حُسْنا* قال: أما من ظَلَم فسوف نعذبه ثم يُرَدّ إلى ربه فيعذبه عذابا نُكْرا* وأما من آمن وعمل صـالحا فله جزاءً الحسنى وسنقول له من أمرنا يُسْرا* ثم أَتْبَعَ سببا}: اعلم أن المعنى أنه أراد بلوغ المغرب فأتبع سببا يوصله إليه حتى بلغه، أما قوله: {وجدها تغرب في عينٍ حَمِئَة} ففيه مباحث: الأول: قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم "في عين حامية" بالألف من غير همزة، أي حارة... وهي قراءة ابن مسعود وطلحة وابن عامر، والباقون: "حمئة"، وهي قراءة ابن عباس... واعلم أنه لا تنافي بين "الحمئة" و"الحامية"، فجائز أن تكون العين جامعة للوصفين جميعا. البحث الثاني: أنه ثبت بالدليل أن الأرض كرة وأن السماء محيطة بها، ولا شك أن الشمس في الفلك، وأيضا قال: {ووجد عندها قوما}، ومعلوم أن جلوس قوم في قرب الشمس غير موجود، وأيضا الشمس أكبر من الأرض بمرات كثيرة، فكيف يعقل دخولها في عين من عيون الأرض؟ إذا ثبت هذا فنقول: تأويل قوله: {تغرب في عين حمئة} من وجوه. الأول: أن ذا القرنين لما بلغ موضعها في المغرب ولم يبق بعده شيء من العمارات وجد الشمس كأنها تغرب في عينِ وهدةٍ مظلمةٍ، وإن لم تكن كذلك في الحقيقة، كما أن راكب البحر يرى الشمس كأنها تغيب في البحر إذا لم ير الشط، وهي في الحقيقة تغيب وراء البحر. هذا هو التأويل الذي ذكره أبو علي الجبائي في تفسيره. الثاني: أن للجانب الغربي من الأرض مساكن يحيط البحر بها، فالناظر إلى الشمس يتخيل كأنها تغيب في تلك البحار، ولا شك أن البحار الغربية قوية السخونة فهي حامية، وهي أيضا حمئة لكثرة ما فيها من الحمأة السوداء والماء، فقوله: {تغرب في عين حمئة} إشارة إلى أن الجانب الغربي من الأرض قد أحاط به البحر، وهو موضع شديد السخونة. الثالث: قال أهل الأخبار: إن الشمس تغيب في عين كثيرة الماء والحمأة، وهذا في غاية البعد، وذلك لأنا إذا رصدنا كسوفا قمريا فإذا اعتبرناه ورأينا أن المغربيين قالوا: "حصل هذا الكسوف في أول الليل"، ورأينا المشرقيين قالوا: "حصل في أول النهار"، فعلمنا أن أول الليل عند أهل المغرب هو أول النهار الثاني عند أهل المشرق، بل ذلك الوقت الذي هو أول الليل عندنا فهو وقت العصر في بلد، ووقت الظهر في بلد آخر، ووقت الضحوة في بلد ثالث، ووقت طلوع الشمس في بلد رابع، ونصف الليل في بلد خامس. وإذا كانت هذه الأحوال معلومة بعد الاستقراء والاعتبار، وعلمنا أن الشمس طالعة ظاهرة في كل هذه الأوقات كان الذي يقال: إنها تغيب في الطين والحمأة كلاما على خلاف اليقين. وكلام الله تعالى مبرَّأ عن هذه التهمة، فلم يبق إلا أن يُصَار إلى التأويل الذي ذكرناه. ثم قال تعالى: {ووجد عندها قوما}. الضمير في قوله: "عندها" إلى ماذا يعود؟ فيه قولان: الأول: أنه عائد إلى الشمس، ويكون التأنيث للشمس لأن الإنسان لما تخيل أن الشمس تغرب هناك كان سكان هذا الموضع كأنهم سكنوا بالقرب من الشمس. والقول الثاني: أن يكون الضمير عائدا إلى العين الحامية، وعلى هذا القول فالتأويل ما ذكرناه ".

يتبــــــــع
  #742  
قديم 07-07-2008, 05:40 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبــع موضوع ..... حتى إذا بلغ مغربَ الشمس وجدها تغرب في عينٍ حَمِئَةٍ

ومع هذا كله يريد الكاتبان المذكوران آنفا ( Sam Shamounو Jochen Katz) أن يعيدانا مرة أخرى إلى المربع رقم واحد، إذ يقولان إن مؤلف القرآن (يقصدان بالطبع الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام. نعم عليه الصلاة والسلام رغم أنفهما وأنف رشاد خليفة وتابِعه قُفّة) قد ذكر أن ذا القرنين وجد الشمس تغرب في عين حمئة، ولم يقل إنها كانت تبدو له كذلك. وهذا رغم قولهما إننا لا نزال حتى الآن، ورغم كل التقدم العلمى والفلكى والجغرافي، نقول إن الشمس تشرق وتغرب، ولم يقولا إن على الواحد منا أن يوضح أن الأمر إنما يبدو فقط كذلك. فلماذا الكيل بمكيالين هنا؟ ترى أي خبث هذا الذي أتياه حين أرادا في البداية أن يتظاهرا بالموضوعية والحياد والبراءة كي يخدّرا القارئ ويوهماه أنهما لا يريدان بالقرآن شرا ولا تدليسا، ثم سرعان ما يستديران بعد ذلك ويلحسان ما قالاه؟
ثم يمضى العالمان النحريران فيقولان إن القرآن يؤكد أن ذا القرنين قد بلغ فعلا المكان الذي تغرب فيه الشمس، وهو ما لا وجود له على الأرض، مما لا معنى له البتة إلا أن مؤلف القرآن قد ارتكب خطأ علميا فاحشا بظنِّه أن القصة الخرافية التي وصلت إلى سمعه هي حقيقة تاريخية: "However, the Quran goes beyond what is possible in phenomenological ******** when it states that Zul-Qarnain reached the place where the sun sets, i.e. the Quran is speaking of a human being who traveled to the place of the setting of the sun. Such a statement is wrong in any kind of ********, since such a place does not exist on this earth. This is a serious error that was introduced into the Quran because the author mistook a legend to be literal and historical truth". أي أن سيادتهما يريان أن كلمة "مغرب الشمس" لا تعنى إلا مكان غروب الشمس، وأن معنى الكلام لا يمكن أن يكون إلا ما رأياه بسلامتهما. فلننظر إذن في هذا الكلام لنرى نحن أيضا مبلغه من العلم أو الجهل: فأما أن "غروب الشمس" لا تعنى هنا إلا المكان الذي تغرب فيه الشمس فهو كلامٌ غبىٌّ كصاحبيه، إذ إن صيغة "مَفْعل" (التي جاءت عليها كلمة "مغرب") قد تعنى المكان، أو قد تعنى الزمان، بل قد تعنى المصدرية فقط، وهو ما يجده القارئ في كتب الصرف والنحو في بابَىِ "اسم الزمان والمكان" و"المصدر الميمى". أي أن الآية قد يكون معناها أن ذا القرنين قد بلغ مكان غروب الشمس أو أن يكون قد بلغ زمان غروبها، إذ البلوغ كما يقع على المكان فإنه يقع على الزمان أيضا (فضلاً عن الأشياء والأشخاص). جاء في مادة "بلغ" من "تاج العروس": "بَلَغَ المَكَانَ، بُلُوغاً، بالضَّمِّ: وَصَلَ إليْهِ وانْتَهَى، ومنْهُ قوْلُه تعالى: لَمْ تَكُونُوا بالغِيهِ إلا بشِقِّ الأنْفُسِ. أو بَلَغَه: شارَفَ عليْهِ، ومنه قولُه تعالى: فإذا بَلَغْنَ أجَلَهُنَّ. أي قارَبْنَهُ. وقالَ أبو القاسِمِ في "المُفْرَداتِ": البُلُوغُ والإبْلاغُ: الانْتِهَاءُ إلى أقْصَى المَقْصِدِ والمُنْتَهَى، مَكَاناً كان، أو زَماناً، أو أمْرَاً منَ الأمُورِ المُقَدَّرَةِ. ورُبَّمَا يُعَبَّرُ بهِ عن المُشارَفَةِ عليهِ، وإن لم يُنْتَهَ إليْهِ، فمنَ الانْتِهَاءِ: "حتى إذا بَلَغَ أشُدَّهُ وبَلَغ أرْبَعِينَ سنَةً"، و"ما هُمْ ببالغِيه"ِ، "فلما بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ"، و"لَعلِّي أبْلُغُ الأسْبَاب"َ، و"أيْمانٌ عَلَيْنَا بالِغَةٌ"، أي مُنْتَهِيَةٌ في التَّوْكيدِ، وأمّا قَوْلُه: "فإذا بَلَغْنَ أجَلَهُنَّ فأمْسِكُوهُنَّ بمَعْرُوفٍ"، فللمُشارَفَةِ، فإنّهَا إذا انْتَهَتْ إلى أقْصَى الأجَلِ لا يَصِحُّ للزَّوْجِ مُرَاجَعَتُهَا وإمْسَاكُها. وبَلَغَ الغُلامُ: أدْرَكَ، وبَلَغَ في الجَوْدَةِ مَبْلَغَاً، كما في "العُبَاب"ِ، وفي "المُحْكَمِ": أي احْتَلَمَ، كأنَّهُ بَلَغَ وَقْتَ الكِتابِ عليْهِ والتَّكْليفِ، وكذلكَ: بَلَغَتِ الجارِيَةُ...".
فإذا كان بلوغ الزمان (أو حتى بلوغ الحدث، أي المصدر) هو المقصود في الآية الكريمة فلا مشكلة، إذ سيقال حينئذ إن ذا القرنين حين أتى عليه وقت المغرب قد وجد كذا وكذا. لكن ماذا لو كان مكان غروب الشمس هو المراد؟ والجواب هو أن الكاتبين الألمعيين أنفسهما قد ذكرا ما معناه أنه لا غضاضة في أن يقول المتكلم حتى في عصرنا هذا إن الشمس قد غربت في البحر أو في السهل أو فيما وراء الجبل...إلخ. أليس كذلك؟ فهذا إذن هو مغرب الشمس طبقا لما تجيزه اللغة الظاهراتية (phenomenological ********) حسب تعبيرهما، وعليه فإنه يجوز أيضا أن يقال إن فلانا أو علانا أو ترتانا قد بلغ مغرب الشمس، أي وصل إلى البحر أو الجبل أو السهل الذى رآها تغرب عنده. وعلى هذا أيضا فلا مشكلة! وأنا أحيلهما إلى ما سقتُه في هذا المقال من تعبيرات مشابهة في الكتاب المقدس، ومنها ما هو أبعد من الآية القرآنية في انتجاع هذه الاستعمالات المجازية! فما قول سيادتهما إذن؟ ألا يرى القارئ معى أن الأسداد قد ضُرِبت عليهما تماما فلا يستطيعان أن يتقدما خطوة ولا أن يتأخرا؟ وبالمناسبة فقد تكرر الفعل "بلغ" في صيغتي الماضي والمضارع هنا سبع مرات، وهو ما لم يتحقق لأية سورة أخرى غيرها. كما تعددت صيغة "مفعل" فيها: "مسجد، موعد (مرتين)، موبق، مصرف، موئل".
والعجيب أنهما يُورِدان بعد ذلك عددا من النصوص القرآنية المجيدة التي تتحدث عن لزوم الشمس والقمر مسارا سماويا دائما لا يخرجان عنه، وهو ما يعضد ما قلناه من أن الأمر في قصة ذي القرنين إنما هو استعمالٌ مجازىٌّ أو وَصْفٌ لما كان يظنه ذلك الرجل في نفسه بخصوص غروب الشمس لا لما وقع فعلا خارج ذاته لأن القرآن يؤكد وجود مسارات سماوية دائمة لهذين الجِرْمَيْن، بَيْدَ أنهما كعادتهما يحاولان عبثا لي الآيات الكريمة عن معناها كي تدل على ما يريدان هما على سبيل القسر والتعنت! وعلى هذا فقول المؤلفين إنه إذا كان المفسرون المسلمون يشرحون الآية القرآنية بما يصرفها عن معناها الحرفي فذلك لأنهم يعرفون أن الشمس أكبر من الأرض، ومن ثم يستحيل أن تسعها أي عين فيها، ولأنهم أيضا يؤمنون بعصمة القرآن مما يدفعهم من البداية إلى تأويل الآية بحيث لا تدل على أن ثمة خطأ علميا قد ارتُكِب هنا، أكرر أن قول المؤلفين هذا هو قول متهافت بناء على ما أورداه هما أنفسهما من آيات قرآنية تنص على أن لكل من الشمس والقمر مسارا فلكيا دائما لا يفارقه، ومن ثم فمن المضحك أن نتمسك بحرفية المعنى في الآية المذكورة بعد كل الذي قلناه وقالاه هما أيضا. والعجيب أيضا أن المؤلفين يَعْمَيَان، أو بالحرى: يتعاميان عن أنه كان أولى بهما، بدلا من تضييع وقتهما في محاولتهما الفاشلة لتخطئة القرآن الكريم، أن يحاولا إنقاذ الإنجيل مما أوقعه فيه النص التالي مثلا من ورطة مخزية ليس لها من مخرج. قال متى: "ولما وُلِد يسوع في بيت لحم في أيام هيردوس الملك إذا مجوس من المشرق قد جاءوا إلى أورشليم قائلين. أين هو المولود ملك اليهود؟ فإننا رأينا نجمة في المشرق وأتينا لنسجد له… وإذا النجم الذي رأوه في المشرق يتقدمهم حتى جاء ووقف فوق حيث كان الصبي، فلما رأوا النجم فرحوا فرحاً عظيماً جدا" (متى/ 2/ 1- 10)، فها نحن أولاء إزاء نجمٍ حجْمه ضِعْف حجم الأرض مراتٍ ومراتٍ ومراتٍ...يتحرك من مكانه في الفضاء ويهبط مقتربا منها إلى حيث البيت الذي كان فيه الطفل الرضيع مع أمه وخطيبها السابق يوسف النجار، وهذا هو المستحيل بعينه، ولا يمكن توجيهه على أي نحوٍ يخرج كاتبه من الورطة الغبية التي أوقعه سوء حظه العاثر فيها. إن النص لا يقول بأي حال إن النجم قد صدر منه مثلا شعاع اتجه إلى المكان المذكور، بل قال إن النجم نفسه هو الذي اقترب من البيت، كما أنه لم يقل إن جماعة المجوس وجدوا النجم يقترب أو بدا لهم أنه يقترب، بما قد يمكن أن نقول معه إنهم كانوا يُهَلْوِسُون، ومن ثم ننقذ كاتب الإنجيل من ورطته ولو على حساب جماعة المجوس المساكين، وأمْرنا إلى الله، بل كان الكلام واضحا قاطعا في أن النجم هو الذي تحرك هابطًا حتى بات فوق المكان تماما!
وإلى القارئ شيئا من النصوص القرآنية التي تبين أن هناك مسارا سماويا دائما للشمس والقمر: "فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا" (أي بنظام وحساب دقيق: الأنعام/ 96)، "هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ (يونس/ 5)، "وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَار" (إبراهيم/ 33)، "وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى" (لقمان/ 29)، "لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَار" (يس/ 40)، "وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا" (أي في السماوات السبع)، "إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ" (أي خُلِعَتْ من مسارها يوم القيامة، بما يعنى أنها لا تفارق هذا المسار قبل ذلك الحين: التكوير/1). وقد صادفتُ بحثا في المشباك بعنوان " Orbits of Earth, Moon, & Sun: 18 RELEVANT VERSES REGARDING THE SUN’S & MOON’S: ORBIT, ROTATION AND LIFE" لكاتب وقَّع باسم "Frank" يستشهد بهذه الآيات وأمثالها على ما قلناه هنا، ويردّ من خلالها على من يتهمون القرآن بأن ثمة أخطاء علمية في حديثه عن الشمس والقمر والأجرام السماوية. ثم إنه يؤكد أيضا أننا ما زلنا نقول حتى الآن إن "الشمس غربت في البحر" كما جاء في الآية التي يدور حولها هذا المقال: "we still use expressions such as the sun set into the sea, as is used in verse 18:86". وفى النهاية أحب أن أقول للقارئ إن هناك وجها آخر في تفسير الآية الكريمة يجنِّبها كل هذا اللغط رأيت ابن حزم في كتابه العبقرى العظيم: "الفِصَل في الملل والنِّحَل" يقول به ويرفض كل ما سواه، وهو أن الذى كان في "عينٍ حمئةٍ" ليس هو الشمس، بل ذو القرنين نفسه. والمعنى حينئذ هو أن الرجل قد أدركه المغرب (أو أدرك هو المغرب) وهو في العين الحمئة. وتركيب الجملة يسمح بهذا بشيء غير قليل من الوجاهة، وإن لم يكن هو المعنى الذي يتبادر للذهن للوهلة الأولى. وشِبْه جملة "في عين حمئة" في هذه الحالة سيكون ظرفًا متعلقًا بفاعل "وجدها" وليس بالمفعول، أي أنه يصور حال ذى القرنين لا الشمس، وإن كان من المفسرين من يرفض هذا التوجيه كأبي حيان في "البحر المحيط"، إذ يرى فيه لونا من التعسف. وسأضرب لهذا التركيب مثلا أَبْسَط يوضح ما أقول، فمثلا لو قلنا: "ضرب سعيدٌ رشادًا واقفا" لجاز أن يكون المعنى هو أن سعيدا ضرب رشادا، وسعيد واقف، أو أن يكون المعنى هو أن سعيدا ضرب رشادا، ورشاد واقف. والسياق هو الذي يوضح ما يراد.
وأخيرًا أختم المقال بإيراد نص الرسالة التي بعث بها الأخ النصراني المهجري إلى العبد لله، والتي يصلنا منها الكثير منه ومن أمثاله لكننا نُغْضِى عنها عادة ولا نحب أن نشير إليها حتى لا يتحول الأمر إلى مسألة شخصية. وهذا هو النص المذكور:
Mr. Ibrahim Awad
Articles Writer
Online El Shaab Newspaper August 24,2005
Cairo, Egypt.
In your article titled, 'Sayed Qumni retires', in the 8/20/05 issue of the Online El Shaab Newspaper. Even though the article subject was a critical review of Mr. Qumni's response to a threat on his life, you could not help but inject your venomous hate to Christianity, Christians and the West at large. What concerns me here is that you made two, equally absurd, Claims.
First claim : Christianity needs Islam ,because it is the only religion that witness to the legitimacy of the lord Jesus Christ.
Second claim : Denying miracle occurrence, matters not to Islam, Muhammad or the Quran because of its absence in their make up. Unlike Christianity with it's theology that relies heavily on belief in miracles.
To address the first claim: Make no mistake, Christianity never admitted that Islam is a God inspired religion, nor Christians ever appealed to
Muslim's god 'Allah', his prophet Muhammad or the Quran to vouch for it's legitimacy.. It would be absolutely inappropriate for God, Jesus Christ, to ask a human to testify for Him. In the Gospel of John chapter 5, the lord Jesus Christ explained what would be acceptable as witness for Him. I chose 3 verses to quote. John 5:31 "If I bear witness to myself, my witness is not true." He goes on to say in 5:34 "But I receive not testimony from man, but these things I say that you may be saved." then He drives in the point in 5:36 " But I have greater witness than that of John (the Baptist). For the works which the Father has given me to finish. The same works that I do bears witness of Me that the Father has sent me."
You Are a writer and your works are articles and books. we know you as good or bad writer through your works, likewise a taxi driver, his works is to drive safely his customers, a teacher's work is to teach and so on..., God's work is to create. and all his works to us humans are supernatural.
No one else but Him can do it, we call it miracles.
The works that Jesus Christ did, Mr. Awad, bears witness to Him, and all His works can only be explained as the works of God. No sane person can deny that God's work s are miracles.
Responding to your second claim : By contrast you claim that denying miracles, matters not to Islam.
A close examination of this statement reveals fast that it is unfounded. on account that Hadith and Sunnah recite that Muhammad experienced a miracle at the start of his mission. Whereupon, while in a cave in the mountain an angel Gabriel appeared to him Then holding Muhammad three times and ordering him to read in the name of Allah, Sura 96:1-5. He Muhammad-an illiterate man-learned to read. Would not you say that was a miracle of substantial importance to the advent of Islam.
However the internal evidence within the Quran reveals that it was a lie....!, Because if Allah the creator had performed the miracle of causing Muhammad learned to read. It would have stayed with him for the rest of his life....! Alas a short while later when Muhammad had doubts about what Allah says to him. Allah in Sura Yunis 10:94 says If you Muhammad had doubts about what I said to you then ASk those who read the
Book before thee.. This clearly shows that if Allah had taught him how to read, then He would have told him in this Sura to read what is written in the Book. The truth always has a funny way of being shouted out loud from the roof top of buildings and it prevails.
Without miracles, how else can you explain the events of the Israa and Mi'raj?
No discussion of the Quran miracles is complete without talking about what I call the 'MOTHER' of all miracles. Most miracles we know of are recitation of a single supernatural event that ceased to occur anymore and there are no ways to verify it. Not so,with the Mother of all miracles because it is an event that recurs once daily since the creation of earth and will keep going on strong until the hereafter. It is out there for every one to see and verify, should He/she will. If you are now anxious enough to know about it, read Sura El-Kahf 18:83-85. In response To the people curiosity about where does the sun go at night...? The all knowing Allah creator of the Earth and heavens provided the answer in the above said sura (18)
in which Allah instructed his macho man "'Zul Qurnain" to follow the sun, so he followed it until he saw it submerse in a hot murky spring.
The American philosopher Mark Twain said:" It is better to keep your mouth shut and appear stupid, than to open it and remove all doubts."
Little did Allah and his prophet Muhammad know neither about mark Twain, nor that the sun that appears to the human as big as a Basketball or a big round water melon, if you will, in the sky is actually the largest body in the solar system.
Consider these scientific facts before you embark on doing unwise thing.:
The sun's diameter is : 1,390,000 kilometers
The Earth's diameter is : 12,106 kilometers
That means that the sun is 115 times bigger than the earth.
downscale it to visualize it. The sun would be the size of a Basketball or a large round water melon, then the earth would be the size of one grapes and the hot murky spring, may be a dot, if can see it all, on the outer skin of this one grapes.
need I say anything more to show how hopelessly impossible the situation is and how pathetically ignorant Allah and Muhammad turned to be.
Tank you Mr. Awad, for giving me the challenge to respond to your unfounded allegations about Christianity and I pray that Lord Jesus Christ would break the shackles and locks that holds a steal veil of darkness upon Muslim people mind, so they would come out from 1400 years of ignorance to the light of knowing the one and only true God; the Father; His Word (Jesus Christ);and the Holy Ghost.
  #743  
قديم 07-07-2008, 05:42 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

الإيجاز البلاغي في قصة النبي يوسف

يشكل الإيجاز، بوصفه صورة من صور البلاغة القرآنية، سمة من سمات كتاب الله (عز وجل) إذ يتميز النص القرآني عموماً بالتركيز والتكثيف، والوصول إلى جوهر المعنى عبر القول الموجز والإشارة الدالة.
تُستثنى من ذلك بعض الآيات التي اقتضى البيان الإلهي أن تأتي بشكل مفصّل، لكنه تفصيل لا ِيُحَمِّلَ التركيبَ فوق ما يحتمل المعنى أو يقتضيه. وفي ذلك كله بلاغة استدعت الإطناب والتفصيل في موضع، والإيجاز والتكثيف في موضع آخر.
تتجلى ظاهرة الإيجاز في قصة سيدنا يوسف (عليه السلام) في عنصرين أساسيين هما:
1 - الإيجاز في اللفظ
2 - الإيجاز بالحذف
وهذان العنصران متداخلان، متشابكان، لا ينفصل أحدهما عن الآخر، ولذا فإن الحديث عن الإيجاز في القصة يقتضي بالضرورة دراسة هذين العنصرين في سياق واحد.
لكن الوقوف على مواطن الإيجاز جميعها في قصة يوسف (عليه السلام ) والإشارة إلى ما تحمله من دلالات بلاغية أمر متعذر، فكل جملة ( لا في القصة وحدها بل في القرآن الكريم كله) تحتاج إلى وقفة مطولة، دراسة وتحليلاً، فهماً وتدبراً ، إذا ما أردنا دراسة جانب من جوانب تركيبها البلاغي.
ولذلك نرى أن نقف على بعض مواطن الإيجاز في القصة، علنا نجد فيه مثالاً لما يذخر به النص القرآني من الإيجاز البلاغي الذي يمثل جانباً من جوانب إعجاز القرآن الكريم، مما لا يكون لبشر قط مهما أوتي من فصاحة القول وبلاغة المعنى .
ولابد أن نشير أولاً إلى أن قصة يوسف (عليه السلام) جاءت في السورة عبر مجموعة من المشاهد، التي ترتبط فيما بينها ترابطاً عضوياً، فالانتقال من موقف إلى آخر في القصة يتم – غالباً – دون رابط سردي، غير أن الارتباط برابط السببية بين المشاهد، يغني عن السرد المحذوف، ويقوم بدوره، ويخلق في الوقت ذاته حالة من الحركية التعبيرية.
من هنا كان تناولنا قضية الإيجاز في القصة يقوم على التقاط بعض المشاهد منها، ومن ثم دراستها دراسة تحليلية تبين دور الإيجاز في صياغة القصة صياغة فنية رفيعة.
قضية الرؤيا:
( إذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ )
بذكر قضية الرؤيا تبدأ قصة يوسف ( عليه السلام )، هكذا دون تمهيد أو مقدمات غالباً ما تحفل بمثلهما القصص الأدبية، وفي حذفهما هنا ، والبدء بذكر قضية الرؤيا إشارة بليغة إلى أنها قضية جوهرية ومحور رئيس في البناء القصصي، وبذلك يكون البدء بذكرها أدعى إلى لفت النظر إليها، والتركيز عليها، وهذا ما لا يكون لو أنّ ذكرها سبق بتمهيد أو مقدمات!!!
وقول سيدنا يوسف " إني رأيت " ثم توكيده بـ " رأيتهم" ليس فيه ما يشير إلى أن ما رآه كان على وجه الحقيقة /من الرؤية/ وذلك من قبيل المعجزة التي لن تكون غريبة على بيت النبوة، أو أنه في المنام /من الرؤيا/ ذلك أن الفعل ( رأيت) يصلح في حالتي ( الرؤية ) و( الرؤيا).
ولكن يأتي قول سيدنا يعقوب ( يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ ) إذ لم يقل (رؤيتك) ليدلّنا على أن الرؤيا كانت في المنام، ولو ذكر سيدنا يوسف ذلك لكان في قول أبيه تكرار لما سبق ذكره، فكان حذف السابق لدلالة ما سيأتي عليه، وهذه سمة من سمات الأسلوب القصصي في سورة يوسف ( عليه السلام) كما سيتضح لاحقاً.
ولربما قيل: لماذا لا يذكر الأمر أولاً ثم يحذف تالياً فينتفي بذلك التكرار؟
نقول : إن ذلك سيفقد القصة عنصر التشويق، ويلغي إثارة التساؤل، وتحفيز الفكر، وتحريض المخيلة، وتلك عناصر مهمة ومؤثرة في البناء الفني للقصة، وكلما كان البناء الفني جيداً كان أقدر على إيصال الفكرة، وتحصيل الفائدة، وإدامة الأثر.
بين يوسف وإخوته:
( قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ )
بهذا عقّب سيدنا يعقوب على ذِكْرٍ ابنه رؤياه، وفي قوله هذا ما قد يثير في نفس يوسف (عليه السلام) حقداً على إخوته وكراهية لهم، فأراد أبوه أن ينسب أسباب الكيد إلى عداوة الشيطان للإنسان، ليؤكد ليوسف أن كيد إخوته له _ فيما لو حدث _ ليس صادراً عن طبع فيهم وسجية، بل إنه من وساوس الشيطان، فيدفع بذلك ما قد يثار في نفس يوسف على إخوته، وجاء ذلك في قوله: ( إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ) فجاء في تلازم التحذير من إخوته وذكر عداوة الشيطان للإنسان في سياق واحد ما يغني عن طول الشرح وكثرة التفصيل.
ولعلنا نلاحظ أن تحذير سيدنا يعقوب ابنه يوسف من إخوته إنما جاء مقتضباً موجزاً ، إذ لم يأتِ على ذكر الأسباب التي ستدفعهم - وهم إخوته - إلى الكيد له وإظهار العداوة، ليأتي ذكر ذلك كله فيما بعد على لسان إخوة يوسف: ( إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ) .
ويجتمع إخوة يوسف للتشاور في أمره، وإيجاد طريقة للتخلص منه، وتطرح الآراء:
( اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ *قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ )
هنالك ثلاثة آراء إذاً (اقتلوا يوسف _ اطرحوه أرضاً _ ألقوه في غيابة الجب) ولا تشير الآية الكريمة، إلى الطريقة التي أجمعوا عليها ، والقرار الذي توصلوا إليه، بل انتهى الأمر بهم في هذا المجلس حسب ما جاء في الآية عند حدود طرح الآراء والتشاور الذي لم يأتِ من بعده اتفاق نهائي أو إجماع مطلق، حسب نص الآية .... وهذا حذف يثير التساؤل حول ما ينوون فعله، وقد تضاربت آراءهم واختلفت، لنكتشف، فيما بعد، القرار الذي اتخذوه أثناء مشاوراتهم وأكدوه قبيل تنفيذه وذلك في قوله تعالى: (فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ) فكلمة (أجمعوا) في هذا الموضع تدل على أن الأمر لم يكن مجمعاً عليه تماماً حتى ذلك الوقت، وربما وجد بينهم من لم يكن راضياً عن هذا القرار، لكنه انصاع لرأي الأكثرية فصار الأمر إجماعاً.
ومن مواطن الحذف ما يتجلى في عدم ذكر العذر الذي سيعود به إخوة يوسف إلى أبيهم بعد التخلص من أخيهم، إذ لا يعقل أن الأمر لم يكن موضع اهتمام ومدار نقاش خلال مشاوراتهم، لكن الحذف جاء لإثارة الفكر، والمحافظة على عنصر التشويق من جهة، ومنعاً للتكرار من جهة أخرى، ذلك أن ادعاءهم بأن الذئب أكل أخاهم سيأتي في موقف آخر (عند لقائهم أباهم) وقد عادوا دون أخيهم، ولا شك أن تأجيل ذكر ما اتفقوا عليه إلى هذا الموقف أكثر أهمية من ذكره في موضع سابق.
اتفق إخوة يوسف على التخلص منه، وبيّتوا عذراً يحملونه إلى أبيهم بعد أن يتم لهم ما خططوا له، ولم يعد أمامهم إلا إقناع أبيهم بأخذ يوسف معهم:
( َقالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ )
انظر إلى البيان الإلهي، وتأمل البلاغة القرآنية فيما ينطوي عليه قولهم هذا من معانٍ متعددة تشير في مجملها إلى طبيعة العلاقة بين الأب وأبنائه فيما يتعلق بشأن أخيهم يوسف، وأنها علاقة مبنية على فقد الثقة وعدم الاطمئنان.
ففي قولهم: مالك لا تأمنّا - على قلة ألفاظه - ما يدل على أن إخوة يوسف قد حاولوا أكثر من مرة الانفراد بأخيهم وكان أبوهم يقف حائلاً بينهم وبين ذلك، لشعوره أن ابنه (يوسف ) لن يكون في مأمن ما داموا منفردين به، وقولهم (مالك لا تأمنا)، تدل على حال دائمة، قائمة، مألوفة، وتدل أيضاً _ وقد جاءت على ألسنة إخوة يوسف_ أنهم يدركون بأنهم ليسوا موضع ثقة أبيهم (في شأن يوسف على الأقل) لذلك تجدهم حين عودتهم دون أخيهم يقولون: (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) مؤكدين إدراكهم غياب الثقة عن نفس أبيهم تجاههم.
وما كان ردّ سيدنا يعقوب أمام ادّعاء أبنائه إلا أن:
( قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ )
انظر في قوله تعالى، حكاية عن سيدنا يعقوب: (سوّلت لكم أنفسكم) أي زيّنت لكم، فإنكم إنما مكرتم به ابتغاء منفعة تظنون، واهمين، أنكم ستحققونها بفعلكم. لكنّ أنفسكم خدعتكم وغرّتكم وصورت لكم الأمور على غير ما ستنتهي إليه.
وهذا ما كان حقيقة، فما فعلوه كان بقصد تغييب يوسف ليخلو لهم وجه أبيهم، ولينفردوا بمحبته إياهم، لكن الأمر سار على غير ما أرادوا، إذ ظلّ أمر يوسف يشغل بال أبيه مدة غيابه عنه حتى ضجر منه مَن حوله و: (قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ). فانظر في قوله: سولت لكم أنفسكم ، كم استطاعت أن تعبر عن المعنى المراد بإيجاز شديد.

إخراج يوسف من البئر:
( وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَـذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ )
بهذه الآية الكريمة يصف الله تعالى إخراج يوسف من البئر، بواسطة بعض المسافرين من التجار، وقد جاء ذكر إخراج يوسف من البئر موجزاً، مختصراً، لكنه إيجاز مذهل يغني عن السرد الطويل والشرح المفصّل.
فقد تتالت الأفعال في الآية الكريمة تتالياً سريعاً، رشيقاً، بالفاء العاطفة التي تفيد ترتيب حدوث الأفعال وتعاقبها دون فارق زمني يذكر، وهذا معناه أن المسافرين لما صاروا على مقربة من البئر أسرعوا في إرسال من يجلب لهم الماء ( فأرسلوا واردهم )، فأسرع هذا بدوره ملبياً حاجتهم إلى إحضار الماء بسرعة (فأدلى دلوه) وهنا تختفي (الفاء) (قال يا بشرى) ولم يقل الله سبحانه وتعالى (فقال يا بشرى ) ذلك أن البشرى تقتضي المفاجأة، وهذا ما يتحقق بحذف الفاء لتأتي العبارة مفاجئة، للدلالة على البشارة.... وتأمل - ضمن السياق - قول الوارد مستبشراً: (فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَـذَا غُلاَمٌ) .
وقوله تعالى عن المسافرين الذين وجدوا يوسف (عليه السلام) : (سيّارة) وهي صيغة مبالغة من اسم الفاعل،إنما تدل على أن شأنهم كثرة السير، فهم تجار تعودوا السير في هذا الطريق، وهم بحكم كثرة سيرهم على هذا الطريق يعرفون البئر، يدل على ذلك سرعة إرسالهم الوارد حال اقترابهم من البئر( دلت على ذلك الفاء العاطفة) دون وجود ما يشير إلى أنهم وجدوا مشقة في اكتشاف هذا البئر، و ربما يوحي هذا بغير ما ذهب إليه بعض مفسّري الآية من أن إخوة يوسف ألقوه في بئر بعيدة عن طريق المارة، وأن هؤلاء السيارة قد ضلوا طريق سفرهم، فوجدوا البئر مصادفة.
فتعودهم السير في هذا الطريق(إذ هم سيّارة) يبعد من الذهن إمكانية أن يضلوا طريقهم. وإسراعهم بإرسال الوارد لا يوحي بإيجادهم البئر مصادفة، بل ربما دلّ على معرفتهم بوجود بئر في المكان الذي وصلوا إليه.
ولنعد إلى قول إخوة يوسف عند تشاورهم في أمر يوسف: ( وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ )، والفعل (يلتقطه) جواب الطلب (ألقوه)، وجواب الطلب نتيجة له، ولو أنهم ألقوه في بئر بعيدة لكان التقاط بعض السيارة إياه أمر غير وارد، بل ربما هلك قبل أن يهتدي إلى مكان وجوده أحد !!
ويأتي الإيجاز في صورة من أجمل صوره، وأكثرها إيحاء،في قوله تعالى (وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً) فأما قوله تعالى:" أسرّوه " أي تعاملوا مع الأمر بسرية، فيعني أنهم خافوا أمراً ما( ربما خافوا أن يدّعي ملكيته أحد أو غير ذلك مما لا فائدة من تحديده ).
وأما قوله تعالى: " بضاعة " فيدلّ على أنهم تجّار، وربما كانوا تجار رقيق، أو أن هذا النوع من التجارة كان رائجاً منتشراً في ذلك الوقت، فاستبشروا بعثورهم على الغلام كونه بضاعة لها قيمتها وأهميتها... فتأمل كم اختزلت عبارة ( وأسروه بضاعة ) من المعاني والدلالات.
ويأتي قوله تعالى: ( وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ )
ليثير في النفس تساؤلاً مهماً إذ كيف كان إيجاد الغلام والتعامل معه بوصفه بضاعة رابحة أمراً يبعث البشرى في نفس الوارد ورفاقه، ثم باعوه بثمن بخس وكانوا فيه من الزاهدين!؟
إن هذا الأمر الذي يثير التساؤل إنما يعلله ما جاء في الآية السابقة، في قوله تعالى: " وأسرّوه بضاعة " والسّرّية كما قلنا تعني الخوف، فالخوف إذاً هو الذي دفعهم إلى بيعه بأي ثمن، فذلك خير من أن يفقدوه دون مقابل، أو يظلّ عبئاً عليهم لأن ملكيتهم له لم تكن مشروعة، لذا استعجلوا الخلاص منه، ومن يستعجل الخلاص من بضاعة يبيعها بثمن بخس، ويكون زاهداً فيها، أما رأيت إلى السارق كيف يبيع ما يسرقه بأرخص الأثمان مهما ارتفعت قيمته وغلا ثمنه ...!!
يوسف وامرأة العزيز:
ويشتريه رجل من مصر (العزيز) ويوصي زوجته بأن تكرم مثواه، غير أن امرأة العزيز تجاوزت ذلك – لما بلغ أشده - إلى حدّ العشق والتعلق، فرغبت به وراودته عن نفسه، وغلقت الأبواب، فأبى وأصرت:
( وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )
(واستبقا الباب) أي استبقا إلى الباب ( الباب اسم منصوب بنزع الخافض ) أي أراد كل منهما أن يسبق الآخر إلى الباب هو ليفتحه وهي لتمنعه، ورأى بعض المفسرين أن في قوله تعالى: ( واستبقا الباب ) بالمعنى الذي قلناه إيجاز قرآني بلاغي.
ولنا أن نضيف إلى ذلك أن الصيغة التي جاءت عليها الكلمة ( استبقا ) وهي تدل على تكلّف الفعل وبذل المشقة في سبيله، إنما تحمل دلالة بيانية أعمق، ففيها أن امرأة العزيز أسرعت إلى الباب باذلة في ذلك جهداً مقترناً بعزيمة وإصرار على ارتكاب الفاحشة دون أن يثنيها عن ذلك ولو خاطر عابر بالتراجع عما أقدمت على فعله.
وبالمقابل فإن يوسف (عليه السلام) بذل كل مشقة في سبيل الوصول إلى الباب وفي ذلك دلالة قاطعة على أن ثمة عزماً شديداً منه على تجنب ارتكاب الفاحشة دون تراخٍ أو تهاون أو مرور خاطر بالنزول عند رغبتها.
( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ )
لنقف عند شهادة الشاهد، والشاهد أتت من المشاهدة، وامرأة العزيز ويوسف لم يكن معهما أحد ليكون شاهداً على ما حدث، ولعل الشاهد قد شهد موقف امرأة العزيز ويوسف ( عليه السلام ) وقد ألفيا سيدها لدى الباب، وذِكرُ الشاهد قضيةَ قدِّ القميص تعني بالضرورة عدم رؤيته قميص يوسف وقد قُدَّ من دبر، وإلا فلا معنى لشهادته.
كيف خطرت له مسألة القميص إذاً ؟
أَوَلم يكن ممكناً ألا يكون يوسف ( عليه السلام ) مرتدياً قميصاً في ذلك الموقف ؟
الراجح - والله أعلم - أن امرأة العزيز ذكرت قميص يوسف لتجعله دليلاً على مقاومتها إياه ومنعه من فعل الفاحشة، ولم تُشر إلى الجهة التي قُدَّ منها، وكأن الشاهد – وهو خارج الباب برفقة العزيز – قد سمع ذلك دون أن يرى يوسف ، فرأى أن يجعل القميص دليل إدانة أو براءة، وهنا تنبّه العزيز إلى هذه المسألة فعرف بها كيد زوجته، وتأكد من براءة يوسف مما اتهمته به زوجته.
وهذا من وجوه الحذف البلاغي في القصة، إذ لم تشر الآية إلى أن امرأة العزيز ذكرت قدّ القميص كدلالة على براءتها، والآية لم تذكر أيضاً مكان وجود الشاهد في هذا الموقف، وأنه كان يسمع ما يحدث وهو خارج الباب دون أن يرى... فهذا كله مما توحي به الآية الكريمة بإيجاز موحٍ يحتاج إلى شيء من التأمل والتدبر.
ومما جاء في هذا الموقف مفصلاً قول الشاهد:
إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ
إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ
وكان ممكناً حسب البلاغة القرآنية اختزال هذا القول بالاكتفاء بالجزء الأول منه، إذ يتضمن في ظل وجود الشرط معنى جزئه الثاني.
لكن ذكر جانب دون الآخر، أو التفصيل في جانب والإيجاز في جانب الآخر– فيما لو جاء على هذا النحو – ربما يحمل دلالة على ميل الشاهد إلى الاحتمال الذي فصّل فيه، لذا جاء قوله في الاحتمالين متساوياً من حيث عدد الكلمات، حرصاً منه على أن يكون دقيقاً في قوله، منطقياً في رأيه، حيادياً، عادلاً، في سبيل الوصول إلى الحقيقة.


يتبـــــــــــــــــع
  #744  
قديم 07-07-2008, 05:44 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

الإيجاز البلاغي في قصة النبي يوسف



( وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ )
إن قوله تعالى: ( قال نسوة في المدينة ) يدل على تسرّب الخبر من القصر وانتشاره على نطاق ضيّق، لم يصل حدّ الشيوع والعموم، فـ( نسوةٌ ) اسم جمع قلّة، وهذا ما مكن امرأة العزيز من دعوة هؤلاء النسوة إلى قصرها.
(ونسوة في المدينة) تقليل لشأن هؤلاء النسوة إذ جاء ذكرهن منكراً، على عكس ما جاء في الآية نفسها بقولهم(امرأة العزيز) وهذا يدل على أنهن دونها شأناً ومكانةً.
وقد فصّل المفسرون القول في هذه الآية، فرأوا أن نسبتها إلى زوجها العزيز أدعى إلى استعظام الأمر، فهي متزوجة (هذا من جهة) وهي من (ذوات النفوذ والسلطان) فأمرها أعظم سوءاً من سواها .
(تراود): مضارع يدل على التجدد والاستمرارية، أي كان هذا ، وما يزال، دأبها وديدنها حتى لحظة قولهن، فهي تفعل ذلك بإصرار واستمرار.
( فتاها ):عبدها أو مملوكها، وهذا أكثر تشنيعاً وتشهيراً فسميت بـ (امرأة العزيز) أي ذات النفوذ والسلطان، وسمي من تراوده عن نفسه بـ( فتاها)، تذكيراً بتبعيته لها ومملوكيتها له.
( قد شغفها حباً ): أي وصل حبه سويداء قلبها وتمكّن منه.
( إنّا لنراها في ضلال مبين ) وجاء قولهن هذا مؤكداً بمؤكدين زيادة في استنكارهن فعلها، وأنه بعيد كل البعد عن الصواب والرأي السديد... فتأمل كم حملت هذه الكلمات القليلة الموجزة من معان ودلالات !!
( فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا )
قوله تعالى: آتت كل واحدة منهن سكيناً، إشارة إلى أنها وضعت لهن أصناف الفواكه وسواه، مما يحتاج أكله إلى استخدام السكين.
وقوله تعالى(سمعت بمكرهن) يدل على أن ما قالته النسوة قد تناقلته الألسن(كثرت أم قلّت) حتى تناهى الخبر إلى سمعها. فسماع الأمر غير السماع به، فالسماع بالأمر يعني أن ثمة واسطة أو ناقلاً بين القائل والسامع، بين المرسل والمتلقي، وهذا يؤكد تناقل الخبر، ولو على نطاق محدود، ويفسّر في الوقت ذاته علّة سجن يوسف رغم رؤية الدلائل على براءته، إذ أخذ الخبر ينتشر بين الناس، حتى غدا سجنه أدعى إلى إلصاق التهمة به وتجريمه، وبذلك يبدو الأمر محاولة اعتداء عبد على سيدته، نال جزاءه سجناً.
خروج يوسف من السجن:
يخرج يوسف ( عليه السلام ) من السجن بعد تأويل رؤيا رآها الملك وقد جهل تأويلها أصحاب هذا العلم ممن يحيطون به، ولما أن علم الملك بقصة يوسف مع النسوة، وعلم ببراءته مما اتهم به ...
(قَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ) انظر في قوله تعالى حكاية عن الملك (أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي) فقد اشتملت كلمة (أستخلصه) على جملة من المعاني (كما وردت في معاجم اللغة ):
أستخلصه: أي أنجيه من كربته أو مصيبته، وأختاره، وأصطفيه، وأختصه: أجعله خالصاً لي.
وأستخلصه: مبالغة من ( أخلصه ) تدل على شدة حرص الملك على اصطفائه يوسف، واختياره إياه، ليكون من خاصته.
(فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ * قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ )
وفي الكلام محذوف .... أي لما كلمه الملك أعجب بحسن منطقه، ورجاحة عقله، واتزانه، مما زاده إعجاباً به، فارتقى بعلاقته بيوسف ( عليه السلام ) من العلاقة الخاصة، بجعله مقرباً إليه، إلى أن يجعل له مكانة مرموقة ورتبة عالية في دولته.
ولما أن علم يوسف علوّ منزلته عند الملك، وتيقن من ثقته به، ومحبته إياه (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ).
وقوله: إني حفيظ، جاءت رداً على قول الملك (مكين أمين) أي إنني أهل للثقة، حافظ للأمانة.
ثم أضاف إلى ذلك قوله ( عليم ) أي عالم بإدارة الأمور المالية في الدولة، بما يضمن تحقيق العدل والمساواة بين الرعية.
و يبدو أن وزارة المالية لم تكن قادرة - إذ ذاك - على إدارة شؤون الدولة الاقتصادية، فأراد يوسف ( عليه السلام ) أن يشغل هذا المنصب لدرايته بذلك، وعلمه به.
وليس أدل على ذلك من قول يوسف عند تأويل رؤيا الملك :
( قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ* ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ* ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ )
نلاحظ أنّ يوسف ( عليه السلام ) لم يكتفِ بتأويل الرؤيا بل ضمّن ذلك إيجاد الحلول، ولو كان من يدير الشؤون الاقتصادية قادراً على إيجاد الحلول، لوقف سيدنا يوسف عند حدّ تأويل الرؤيا وترك أمر الحل إلى أصحاب الشأن.
ولعل ما طرحه يوسف ( عليه السلام ) حلاً للمشكلة قبل وقوعها كان سبباً في جعل الملك أكثر إيماناً بأهليّة يوسف لهذا المنصب...
وإذا صحّ ما ذهب إليه بعض المفسرين من أن الرجل الذي اشترى سيدنا يوسف ( أي العزيز ) هو من كان يشغل منصب وزير المالية في ذلك الوقت، فإن في ظلمه يوسف ( عليه السلام ) وسجنه إياه، رغم تأكده من براءته، دليل كاف على أنه ليس أهلاً لذلك المنصب، إذ لن يكون وهو على هذه الحال عادلاً بين الرعية ...
يوسف وإخوته في مصر:
وجاء إخوة يوسف ليكتالوا في سنوات الجدب، غير أن يوسف أبى إلا أن يعودوا ليحضروا أخاهم بنيامين حتى ينال حصته ، فعاد إخوته وراودوا عنه أباه حتى جاؤوا به بعد أن أعطوا أباهم ميثاقاً بأن يحفظوا أخاهم بنيامين من كل سوء ما لم يغلبوا على أمرهم:
( وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ )
انظر في قوله تعالى (آوى إليه أخاه) كم فيه من إيجاز في الألفاظ ، وغنىً بالمعاني والدلالات.
فمن ينظر في كلمة (آوى) في معاجم اللغة سيجد أنها تأتي بمعنى: أعاد، وضمّ، وأحاط، وأنزل عنده، وأشفق، ورحم، ورقّ. وتآوت الطير: تجمعت بعضها إلى بعض. وتآوى الجرح : أي تقارب للبرء.
فانظر بلاغة القرآن العظيم وكم لهذه الكلمة من المعاني التي تصوّر حال يوسف (عليه السلام) عند لقائه أخاه بعد فراق طويل !!
ثم يأتي قوله تعالى:
( فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ )
إن الآية الكريمة تشير إلى أمر يثير الاستغراب، إذ لا يعلم المتلقي أية حاجة تلك دفعت يوسف ( عليه السلام ) إلى إلصاق تهمة السرقة بأخيه!!
إذاً ثمة أمر كان قد أضمره يوسف (عليه السلام) بوضع الصواع في رحل أخيه ( فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاء أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاء أَخِيهِ ) ، وليس في نص الآية الكريمة ما يشير إلى أن يوسف (عليه السلام) كان قد اخبر أخاه بما ينوي فعله، حتى لا يفاجأ أو يفزع من وجود الصواع في رحله أمام مرأى من إخوته، وبعض خاصة يوسف (عليه السلام).
لقد أراد يوسف (عليه السلام) بفعله هذا أن يستبقي أخاه بنيامين فاحتال لذلك ودبّر، لكن ما فعله يوسف (عليه السلام ) لم يكن في حقيقته إلا وحياً من الله سبحانه وتعالى: ( كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ ).
وحاول إخوة يوسف ( عليه السلام ) العودة بأخيهم بنيامين إلى أبيهم، وذهبوا في إقناع يوسف كل مذهب ... لكنهم يفلحوا:
( فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيًّا )
واستيئسوا : صيغة مبالغة من يئسوا، ومعنى ذلك أنهم بذلوا في سبيل إقناعه كل جهد ولم يفلحوا، فلما بلغوا غاية اليأس اعتزلوا الناس ومضوا، منفردين في جانب بعيد عنهم، ليقلّبوا وجوه الأمر فيما بينهم.
واستخدام صيغة مبالغة من يئسوا ( استيئسوا ) فيه التزام بما عاهدوا أباهم عليه حين أعطوه موثقاً من الله أن يحفظوا أخاهم ما لم يغلبوا على أمرهم، ولذا بذلوا في سبيل ذلك كل جهد، واتبعوا كل وسيلة.
وأما التناجي فيما بينهم ففيه ما يدل على طرح أمر لا يريدون من غيرهم أن يطّلع عليه ... لذا كانت نجواهم فيما بينهم تتعلق بهذين الأمرين:
قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ.
وتمضي الأحداث ليكتشف إخوة يوسف أن العزيز ما هو إلا ذلك الغلام الصغير الذي ألقوه في غيابة الجب منذ سنوات بعيدة، فاعتذروا إليه، وحملوا قميصه، وعادوا به ليلقوه على وجه أبيهم، فيرتد إليه بصره بعد أن فقده حزناً على فراق ولديه.
وينتقل الجميع إلى مصر ليجمع الله تعالى سيدنا يعقوب بابنه يوسف ( عليهما السلام ) بعد غياب طويل، (فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ) ها هي كلمة ( آوى ) ترد من جديد، تتضمن معاني التآلف ، والتئام الجرح، وتحمل في طياتها معاني الرحمة بأبويه، والعطف عليهما، وقد أصبحا طاعنين في السن.
دعاء يوسف (عليه السلام):
وتنتهي قصة يوسف بدعائه عليه السلام:
( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ).
فانظر المعاني العظيمة التي اشتمل عليها الدعاء بإيجاز شديد كما ورد ت في الآية الكريمة ؟
في دعاء يوسف ( عليه السلام ):
- أمران نالهما يوسف من ربه في الدنيا: آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ
- أمران طلبهما يوسف من ربه لآخرته: تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ
- أمران يتعلقان بصفات الله تعالى :
القدرة والخلق .. فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
الإلوهية والوحدانية .. أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا (بما وهبتني) وَالآخِرَةِ (بما أرجوه منك)
فانظر آداب الدعاء في قول سيدنا يوسف:
بدأ يوسف ( عليه السلام ) دعاءه بالاعتراف بفضل الله تعالى عليه في الدنيا، بما وهبه من العلم والملك. ثم أثنى عليه بما هو أهله، واختار من صفات الله تعالى القدرة، والخلق (فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)، فخالق السموات والأرض هو القادر وحده على إجابة الدعاء.
ثم أقر سيدنا يوسف بعبوديته لله تعالى، وتوحيده إياه، والافتقار إليه، باستعطاف، واسترحام، وتذلل: ( أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ ).
ثم طلب بعد ذلك من الله تعالى أن يتوفاه على الإسلام ويلحقه بالصالحين.
فكان أن جمع سيدنا يوسف في دعائه بين خيري الدنيا ( العلم والملك ) والآخرة ( الوفاة على الإسلام، والحشر مع الصالحين في الجنة ) طالباً ذلك كله من خالق السموات والأرض ومن فيهما، ووارثهما ومن فيهما.
ياسر محمود الأقرع
لمراسلة المؤلف:
[email protected]
  #745  
قديم 07-07-2008, 05:48 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

لمسات في وصية لقمان

بقلم الدكتور فاضل السامرائي
تبدأ الوصية من قوله تعالى: "وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ(16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ( 19))
تلك هي الوصية وقد بدأت بذكر إتيان لقمان الحكمة
"وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ" 12
الحكمة
والحكمة هي وضع الشيء في محله قولا وعملا، أو هي توفيق العلم بالعمل، فلا بد من الأمرين معا: القول والعمل، فمن أحسن القول ولم يحسن العمل فليس بحكيم، ومن أحسن العمل ولم يحسن القول فليس بحكيم.فالحكمة لها جانبان: جانب يتعلق بالقول، وجانب يتعلق بالعمل. والحكمة خير كثير كما قال الله تعالى:"ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا" البقرة 269
الله تعالى مؤتي الحكمة ولذلك نلاحظ أنه تعالى قال: " وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ"
قال (آتينا) بإسناد الفعل إلى نفسه، ولم يقل: لقد أوتي لقمان الحكمة، بل نسب الإتيان لنفسه. والله تعالى في القرآن الكريم يسند الأمور إلى ذاته العلية في الأمور المهمة وأمور الخير، ولا ينسب الشر والسوء إلى نفسه ألبتة. قال تعالى: "وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً10" الجـن
فعندما ذكر الشر بناه للمجهول، وعندما ذكر الخير ذكر الله تعالى نفسه.وهذا مطرد في القرآن الكريم، ونجده في نحو: "آتيناهم الكتاب" و "أوتوا الكتاب" فيقول الأولى في مقام الخير، وإن قال الثانية فهو في مقام السوء والذم. وقال تعالى: " وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوساً 83" الإسراء فعندما ذكر النعمة قال: (أنعمنا) بإسناد النعمة إلى نفسه تعالى. وعندما ذكر الشر قال: "وإذا مسه الشر" ولم يقل: إذا مسسناه بالشر.ولم ترد في القرآن مطلقا: زينا لهم سوء أعمالهم، وقد نجد: زينا لهم أعمالهم، بدون السوء، لأن الله تعالى لا ينسب السوء إلى نفسه، ولما كانت الحكمة خيرا محضا نسبها إلى نفسه
ـ إن قيل: فقد قال في موضع: "ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا" البقرة 269
فالرد أنه عز وجل قد قال قبلها: "يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ" فنسب إتيان الحكمة إلى نفسه، ثم أعادها عامة بالفعل المبني للمجهول.
مقام الشكر
- ( أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ)لها دلالتان:
الأولى: أن الحكمة لما كانت تفضلا ونعمة فعليه أن يشكر النعم، كما تقول: لقد آتاك الله نعمة فاشكره عليها. والله آتاه الحكمة فعليه أن يشكره لأن النعم ينبغي أن تقابل بالشكر لموليها. (آتاك نعمة الحكمة فاشكره عليها)
الثانية:أن من الحكمة أن تشكر ربك، فإذا شكرت ربك زادك من نعمه "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ 7)" إبراهيم ولو قال غير هذا ، مثلا (فاشكر لله) لكان فيه ضعف، ولم يؤد هذين المعنيين. وضعف المعنى يكون لأن الله تعالى آتاه النعمة "وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ" فإن قال بعدها: (فاشكر لله ) فهذا أمر موجه لشخص آخر وهو الرسول، فيصير المعنى : آتى الله لقمان الحكمة فاشكر أنت!! كيف يكون؟ المفروض أن من أوتي الحكمة يشكر ولذلك قال: "أن اشكر لله" فجاء بأن التفسيرية ولو قال أي تعبير آخر لم يؤد هذا المعنى.
الشكر والكفر
( وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ 12)
"يشكر" قال الشكر بلفظ المضارع ، والكفران قاله بالفعل الماضي "ومن كفر" من الناحية النحوية الشرط يجعل الماضي استقبالا ، مثال (إذا جاء نصر الله)، فكلاهما استقبال. ويبقى السؤال : لماذا اختلف زمن الفعلين فكان الشكر بالمضارع والكفر بالمشي على أن الدلالة هي للاستقبال؟
من تتبعنا للتعبير القرآني وجدنا أنه إذا جاء بعد أداة الشرط بالفعل الماضي فذلك الفعل يُفعل مرة واحدة أو قليلا، وما جاء بالفعل المضارع يتكرر فعله
مثال: " وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا92" النساء وبعدها قال:"وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا 93" النساء فعندما ذكر القتل الخطأ جاء بالفعل الماضي لأن هذا خطأ غير متعمد، إذن هو لا يتكرر وعندما جاء بالقتل العمد جاء بالفعل المضارع (ومن يقتل) لأنه ما دام يتعمد قتل المؤمن فكلما سنحت له الفرصة فعل. فجاء بالفعل المضارع الذي يدل على التكرار.
مثال آخر: "وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً 19" الإسراء ، فذكر الآخرة وجاء بالفعل الماضي لأن الآخرة واحدة وهي تراد. لكن عندما تحدث عن الدنيا قال: "وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ 145" آل عمران، لأن إرادة الثواب تتكرر دائما.
كل عمل تفعله تريد الثواب، فهو إذن يتكرر والشيء المتكرر جاء به بالمضارع يشكر، فالشكر يتكرر لأن النعم لا تنتهي " وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ 34" إبراهيم.
فالشكر يتكرر، كلما أحدث لك نعمة وجب عليك أن تحدث له شكرا أما الكفر فهو أمر واحد حتى إن لم يتكرر، فإن كفر الإنسان بأمر ما فقد كفر، إن كفر بما يعتقد من الدين بالضرورة فقد كفر، لا ينبغي أن يكرر هذا الأمر لأنه إن أنكر شيئا من الدين بالضرورة واعتقد ذلك فقد كفر وانتهى ولا يحتاج إلى تكرار، أما الشكر فيحتاج إلى تكرار لأن النعم لا تنتهي. وفيه إشارة إلى أن الشكر ينبغي أن يتكرر وأن الكفر ينبغي أن يقطع، فخالف بينهما في التعبير فجاء بأحدهما في الزمن الحاضر الدال على التجدد والاستمرار وجاء بالآخر في الزمن الماضي الذي ينبغي أن ينتهي.
الله غني حميد
( فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ 12 )
جاء بإنما التي تفيد الحصر، أي الشكر لا يفيد إلا صاحبه ولا ينفع الله ولا يفيد إلا صاحبه حصرا أما الله فلا ينفعه شكر ولا تضره معصية
( يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أُدخل البحر )
لذلك قال فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ
جمع بين هاتين الصفتين الجليلتين الحميد أي المحمود على وجه الدوام والثبوت وهو تعالى غني محمود في غناه
- قد يكون الشخص غنيا غير محمود.
- أو محمودا غير غني.
- أو محمودا وهو ليس غنيا بعد، فإن اغتنى انقلب لأن المال قد يغير الأشخاص وقد يغير النفوس كما أن الفقر قد يغير النفوس.
- وقد يكون الشخص غنيا وغير محمود لأنه لا ينفع في غناه، ولا يؤدي حق الله عليه ولا يفيد الآخرين، بل قد يجر المصالح لنفسه على غناه.
- وقد يكون محمودا غير غني، ولو كان غنيا لما كان محمودا، فإن اجتمع الأمران فكان غنيا محمودا فذلك منتهى الكمال.
وفي آية أخرى في السورة نفسها قال: " لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26)
نقول: فلان غني أي هو من جملة الأغنياء، وقد يكون ملكا معه أغنياء فإذا قلت هو الغني فكأن الآخرين ليسوا شيئا بالنسبة إلى غناه وهو صاحب الغنى وحده.
فلماذا قال ها هنا فإن الله غني حميد وهناك في السورة نفسها هو الغني الحميد؟
نلاحظ أن في هذه الآية لم يذكر له ملكا ولا شيئا وهذا حتى في حياتنا اليومية نستعمله نقول أنا غني عنك كما قال الخليل:
أبلغ سليمان أني عنه في جو وفي غنى غير أني لست ذا مال
فقد تقول: أنا غني عنك، ولكن ليس بالضرورة أن تكون ذا ثروة ومال فهنا لم يذكر الله سبحانه لنفسه ملكا المعنى أن الله غني عن الشكر وعن الكفر لا ينفعه شكر ولا يضره كفر.
أما في الآية الأخرى فقد ذكر له ملكا " لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26)
فعندما ذكر له ملك السموات والأرض المتسع ، فمن أغنى منه؟ فقال ( هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ).
أهمية الحكمة في الوعظ
( وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ 13 )
من هنا بدأت الوصية، فلماذا صدر بقوله: "ولقد آتينا.." وكان يمكن مثلا أن يحذفها؟
الحكمة لها جانبان : جانب قولي وجانب عملي، وحكمة لقمان ليست فيما ذكره من أحاديث وأقوال وما قاله لابنه من الوصية، وإنما أيضا في العمل الذي فعله وهو تعهده لابنه وعدم تركه بلا وعظ أو إرشاد، وفي هذا توجيه للآباء أن يتعهدوا أبناءهم ولا يتركوهم لمعلمي سوء ولا للطرقات.
وصدّر بالحكمة وهي ذات جانبين قولي وعملي لأمر آخر مهم، فعندما وصى ابنه فهل من الحكمة أن يوصي ابنه بشيء ويخالفه؟ هذا ليس من الحكمة ولو فعله فلن تنفع وصيته، لو خالف الوعظ عمل الواعظ والموجه لم تنفع الوصية بل لا بد أن يطبق ذلك على نفسه، فعندما قال آتينا لقمان الحكمة علمنا من هذا أن كل ما قاله لقمان لابنه فقد طبقه على نفسه أولا حتى يكون كلامه مؤثرا لذلك كان لهذا التصدير دور مهم في التربية والتوجيه.
ففي هذا القول ولقد آتينا لقمان الحكمة عدة دروس مهمة:
الأولفيما قاله من الحكمة،
الثانيفي تعهده لابنه وتربيته وتعليمه وعدم تركه لأهل السوء والجهالة يفعلون في نفسه وعقله ما يشاء،
الثالثقبل أن يعظ ابنه طبق ذلك على نفسه فرأى الابن في أبيه كل ما يقوله وينصحه به من خير ، لذلك كان لهذا التصدير ملمح تربوي مهم وهو توجيه الوعاظ والمرشدين والناصحين والآباء أن يبدؤوا بأنفسهم فإن ذلك من الحكمة وإلا سقطت جميع أقوالهم
التعهد بالنصح مع حسن اختيار الوقت
( وَهُوَ يَعِظُهُ)
نحن نعرف أنه يعظه ويتضح أنه وعظ من خلال الآيات والأوامر وسياق الكلام، فلماذا قال وَهُوَ يَعِظُهُ
فيها دلالتان
1. من حيث اللغة:الحال والاستئناس للدلالة على الاستمرار. وهو يعظه اختار الوقت المناسب للوعظ ، ليس كلاما طارئا يفعله هكذا، أو في وقت لا يكون الابن فيه مهيأ للتلقي، ولا يلقيه بغير اهتمام فلا تبلغ الوصية عند ذلك مبلغا لكنه جاء به في وقت مناسب للوعظ فيلقي ونفسه مهيأة لقبول الكلام فهو إذن اختار الوقت المناسب للوعظ والتوجيه
2. والأمر الثاني (وَهُوَ يَعِظُهُ) . فهذا من شأن لقمان أن يعظ ابنه، هو لا يتركه، وليست هذه هي المرة الأولى، هو من شأنه ألا يترك ابنه بل يتعاهده دائما، وهكذا ينبغي أن يكون المربي.
فكل كلمة فيها توجيه تربوي للمربين والواعظين والناصحين والآباء.
الرفق في الموعظة
(يا بني)
كلمة تصغير للتحبيب، أي ابدأ بالكلام اللين اللطيف الهين للابن وليس بالتعنيف والزجر. بل بحنان ورِقّة لأن الكلمة الطيبة الهينة اللينة تفتح القلوب المقفلة وتلين النفوس العصية، عكس الكلمة الشديدة المنفرة التي تقفل النفوس . لذلك قال ربنا لموسى عن فرعون: "فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى 44" طـه .
وأنت أيها الأب إن أجلست ولدك إلى جانبك ووضعت يدك على رأسه وكتفه، وقلت له يا بني ، فتأكد أن هذه الكلمة بل هذه الحركة من المسح تؤثر أضعاف الكلام الذي تقوله ، وتؤثر في نفسه أكثر بكثير من كل كلام تقوله وتزيل أي شيء بينك وبينه من حجاب وتفتح قلبه للقبول. وعندها فهو إن أراد أن يخالفك فهو يخجل أن يخالفك، بهذه الكلمة اللطيفة الشفيقة تزيل ما بينك وبينه من حجاب، ويكون لك كتابا مفتوحا أمامك، وعندها سيقبل كلامك والكلمة الطيبة صدقة
لذلك بدأ بهذه الكلمة مع أنه من الممكن أن يبدأ الأب بالأمر مباشرة ولكن لها أثُرها الذي لا ينكر ولا يترك، فأراد ربنا أن يوجهنا إلى الطريقة اللطيفة الصحيحة المنتجة في تربية الأبناء وتوجيههم وإزالة الحجاب بيننا بينهم من دون تعنيف أو قسوة أو شدة، وبذلك تريح نفسه وتزيل كل حجاب بينك وبينه ونحن في حياتنا اليومية نعلم أن كلمة واحدة قد تؤدي إلى أضعاف ما فيها من السوء، وكلمة أخرى تهون الأمور العظيمة وتجعلها يسيرة
ولقد تعلمت درسا في هذه الحياة قلته لابني مرة وقد اشتد في أمر من الأمور في موقف ما، وأنا أتجاوز الستين بكثير، وكان الموقف شديدا جدا، وقد فعل فعلته في جهة ما وخُبّرت بذلك فجئت به ووضعته إلى جنبي وقلت له: يا فلان تعلمت من الحياة درسا أحب أن تتعلمه وهو أنه بالكلمة الشديدة الناهرة ربما لا أستطيع أن أحصل على حقي ولكن تعلمت أنه بالكلمة الهينة اللينة آخذ أكثر من حقي.
أس الوصية
( يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ 13 )
لم يبدأ بالعبادة ولم يقل له اعبد الله وإنما بدأ بالنهي عن الشرك، وذلك لما يلي:
أولا :التوحيد أس الأمور، ولا تقبل عبادة مع الشرك، فالتوحيد أهم شيء.
ثانيا:العبادة تلي التوحيد وعدم الشرك فهي أخص منه. التوحيد تعلمه الصغير والكبير، فالمعتقدات تُتعلم في الصغر وما تعلم في الصغر فمن الصعب فيما بعد أن تجتثه من نفسه ، ولن يترك ما تعلمه حتى لو كان أستاذا جامعيا في أرقى الجامعات، هذا ما شهدناه وعايناه بأنفسنا فهذا الأمر يكون للصغير والكبير ، تعلمه لابنك وهو صغير، ويحتاجه وهو كبير، أما العبادة فتكون بعد التكليف.
ثالثا:أمر آخر أنه أيسر، فالأمر بعدم الشرك (أي بالتوحيد) هو أيسر من التكليف بالعبادة، العبادة ثقيلة ولذلك نرى كثيرا من الناس موحدين ولكنهم يقصرون بالعبادة، فبدأ بما هو أعم وأيسر؛ أعم لأنه يشمل الصغير والكبير، وأيسر في الأداء والتكليف.

يتبـــــــــــــــع
  #746  
قديم 07-07-2008, 05:50 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبــع موضوع ..... لمسات في وصية لقمان

ثم قال ( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ13 )
لماذا اختار الظلم؟ لماذا لم يختر : إثم عظيم، ولماذا لم يقل كبير؟
لو تقدم شخصان إلى وظيفة أحدهما يعلم أمر الوظيفة ودقائقها وأمورها وحدودها، ويعبر عن ذلك بأسلوب واضح سهل بين، والثاني تقدم معه ولكنه لا يعلم شيئا ولا يحسنها وهو فيه عبء، وعنده قصور فهم وإدراك، فإن سوينا بينهما أفليس ذلك ظلما؟
ولو تقدم اثنان للدراسات العليا وأحدهما يعرف الأمور بدقة ويجيب على كل شيء، وله أسلوب فصيح بليغ لطيف، وآخر لا يعلم شيئا ولا يفقه شيئا ولم يجب عن سؤال ولا يحسن أن يبين عن نفسه، فإن سويت بينهما أفليس ذلك ظلما؟
والفرق بين الله وبين المعبود الآخر أكبر بكثير، ليست هناك نسبة بين الخالق والمخلوق، بين مولي النعمة ومن ليس له نعمة، فإن كان ذاك الظلم لا نرضى به في حياتنا اليومية فكيف نرضى فيما هو أعظم منه فهذا إذن ظلم، وهو ظلم عظيم
والإنسان المشرك يحط من قدر نفسه لأن الآلهة التي يعبدها تكون أحط منه، وقصارى الأمر أن تكون مثله، فهو يعبد من هو أدنى منه، أو بمنزلته، فهذا حط وظلم للنفس بالحط من قدرها، إنه ظلم لأنه يورد نفسه موارد التهلكة ويخلدها في النار وهذا ظلم عظيم.
وأمر آخر أن الإنسان بطبيعته يكره الظلم، قد يرتضيه لنفسه لكن لا يرضى أن يقع عليه ظلم ، فاختار الأمر الذي تكرهه نفوس البشر (الظلم) وإن كان المرء بنفسه ظالما.
وفي هذا القول تعليل، فهو لم يقل له: لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ وسكت، وإنما علل له، وهذا توجيه للآباء أن يعللوا لا أن يقتصروا على الأوامر والنواهي بلا تعليل، لا بد من ذكر السبب حتى يفهم لماذا، لا بد أن يعرف حتى يقتنع فهو بهذه النهاية ( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ13) أفادنا أمورا كثيرة في التوجيه والنصح والتعليم والتربية.
عظم حق الوالدين
( وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ14)
(ووصينا) من قائلها؟ هذه ليست وصية لقمان، هذا كلام الله ، لقمان لم ينه وصيته، هذه مداخلة، وستتواصل الوصية فيما بعد .قبل أن يتم الوصية قال الله ( وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ ) ، ولم يدع لقمان يتم الوصية، بل تدخل سبحانه بهذا الكلام ، وذلك لأسباب:
أولا: أمر الوالدين أمر عظيم، والوصية بهما كذلك، فالله تعالى هو الذي تولى هذا الأمر، ولم يترك لقمان يوصي ابنه به، فلما كان شأن الوالدين عظيما تولى ربنا تعالى أمرهما، لعظم منزلتهما عند الله تعالى.
ثانيا:لو ترك لقمان يوصي ابنه يا بني أطع والديك لكان الأمر مختلفا. لأننا عادة في النصح والتوجيه ننظر للشخص الناصح هل له في هذا النصح نفع؟ فإن نصحك شخص ما فأنت تنظر هل في هذا النصح نفع يعود على الناصح؟ فإن كان فيه نفع يعود على الناصح فأنت تتريث وتفكر وتقول: قد يكون نصحني لأمر في نفسه، قد ينفعه، لو لم ينفعه لم ينصحني هذه النصيحة. لو ترك الله تعالى لقمان يوصي ابنه لكان ممكنا أن يظن الولد أن الوالد ينصحه بهذا لينتفع به، ولكن انتفت المنفعة هنا فالموصي هو الله وليست له فيه مصلحة.
وقال: ( ووصينا)، ولم يقل: وأوصينا
والله تعالى يقول (وصّى) بالتشديد إذا كان أمر الوصية شديداً ومهماً، لذلك يستعمل وصى في أمور الدين، وفي الأمور المعنوية: ("وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ 132" البقرة ) ("وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ 131" النساء)
أما (أوصى) فيستعملها الله تعالى في الأمور المادية : "يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ" النساء
لم ترد في القرآن أوصى في أمور الدين إلا في مكان واحد اقترنت بالأمور المادية وهو قول السيد المسيح: "وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً 31" مريم
في غير هذه الآية لم ترد أوصى في أمور الدين، أما في هذا الموضع الوحيد فقد اقترنت الصلاة بالأمور المادية وقد قالها السيد المسيح في المهد وهو غير مكلف أصلا.
قال وصّى وأسند الوصية إلى ضمير التعظيم (ووصينا) والله تعالى ينسب الأمور إلى نفسه في الأمور المهمة وأمور الخير
ولم يقل بأبويه بل اختار بوالديه
الوالدان مثنى الوالد والوالدة، وهو تغليب للمذكر كعادة العرب في التغليب إذ يغلبون المذكر كالشمس والقمر يقولون عنهما (القمران).
والأبوان هما الأب والأم ولكنه أيضا بتغليب المذكر ولو غلب الوالدة لقال الوالدتين، فسواء قال بأبويه أو بوالديه فهو تغليب للمذكر، ولكن لماذا اختار الوالدين ولم يقل الأبوين؟
لو نظرنا إلى الآية لوجدناه يذكر الأم لا الأب: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ )
فذكر أولا الحمل والفطام من الرضاع (وفصاله) ولم يذكر الأب أصلا ذكر ما يتعلق بالأم (الحمل والفصال) وبينهما الولادة والوالدان من الولادة، والولادة تقوم بها الأم.إذن:
أولا(المناسبة) فعندما ذكر الحمل والفصال ناسب ذكر الولادة.
ثانيا:ذكره بالولادة وهو عاجز ضعيف، ولولا والداه لهلك فذكره به.
ثالثاإشارة إلى انه ينبغي الإحسان إلى الأم أكثر من الأب، ومصاحبة الأم أكثر من الأب، لأن الولادة من شأن الأم وليست من شأن الأب.
لذلك فعندما قال (بوالديه) ذكر ما يتعلق في الأصل بالأم، ولذلك فهذه الناحية تقول : ينبغي الإحسان إلى الوالدة قبل الأب وأكثر من الأب. ولذلك لا تجد في القرآن الكريم البر أو الدعاء أو التوصية إلا بذكر الوالدين لا الأبوين
أمثلة :
"وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً 23" الإسراء
" وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً 36" النساء
" قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً 151"الأنعام وكذلك البر والدعاء والإحسان.
"رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ 41" إبراهيم
" رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً 28" نوح
"وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً 8" العنكبوت.
" وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً 15" الأحقاف.
لم يرد استعمال (الأبوين) إلا مرة في المواريث، حيث نصيب الأب أكثر من نصيب الأم، أو التساوي في الأنصبة. لكن في البر والتوصية والدعاء لم يأت إلا بلفظ الوالدين إلماحا إلى أن نصيب الأم ينبغي أن يكون أكثر من نصيب الأب.
كما ان لفظ (الأبوان) قد يأتي للجدين : "وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ 6" يوسف
ويأتي لآدم وحواء: "يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ 27" الأعراف
فاختيار الوالدين له دلالات مهمة.
ثم هو هنا لم يأت بالأب أصلا بل قال ( حملته أمه وهنا ..) ولم يرد ذكر للأب أبدا، لذلك كان اختيار الوالدين انسب من كل ناحية.
قد تقول إن هذا الأمر تخلف في قصة سيدنا يوسف عندما قال: "وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً100" يوسف فاختار الأبوين. الجواب: لم يتخلف هذا الأمر، فعندما قال رفع أبويه لم يتخلف وإنما هو على الخط نفسه، وذلك لما يلي:
أولا : في قصة يوسف لم يرد ذكر لأم مطلقا ورد ذكر الأب فهو الحزين وهو الذي ذهب بصره .. الخ ولم يرد ذكر للام أصلا في قصة يوسف.
ثانيا :في هذا الاختيار أيضا تكريم للأم لأنه قال: "وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً100" فالعادة أن يكرم الابن أبويه ، ليس أن يكرم الأبوان الابن ولكن هنا هم خروا له سجدا فالتكريم هنا حصل بالعكس من الأبوين للابن ولذلك جاء بلفظ الأبوين لا الوالدين إكراما للام فلم يقل: ورفع والديه
o وفيها إلماح آخر أن العرش ينبغي أن يكون للرجال.
فلما قال أبويه هنا ففيه تكريم للأم، ويلمح أن لعرش ينبغي أن يكون للرجال ، ويناسب ما ذكر عن الأب إذ القصة كلها مع الأب، فهو الأنسب من كل ناحية
وهنا قد يرد سؤال: إن الأم هي التي تتأثر وتتألم أكثر وتحزن فلماذا لم يرد ذكرها هنا؟ ألم تكن بمنزلة أبيه في اللوعة والحسرة؟
لا .. المسألة أمر آخر ، أم يوسف ليست أم بقية الإخوة ، هي أم يوسف وأخيه فقط ، ولذلك فيكون كلامها حساسا مع إخوته ، أما يعقوب عليه السلام فهو أبوهم جميعا ، فإذا عاتبهم أو كلمهم فهو أبوهم ، أما الأم فليست أمهم ، فإذا تكلمت ففي الأمر حساسية ، وهذا من حسن تقديرها للأمور فكتمت ما في نفسها وأخفت لوعتها حتى لا تثير هذه الحساسية في نفوسهم وهذا من حسن التقدير والأدب، فلننظر كيف يختار القرآن التعبيرات في مكانها ويعلمنا كيف نربي ونتكلم مع أبنائنا.
المصدر : موقع إسلامياتhttp://www.islamiyyat.com/
  #747  
قديم 07-07-2008, 05:52 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

لمسات بيانية في سورة الفاتحة

الدكتور فاضل السامرائي
الحمد لله:
معنى الحمد:الثناء على الجميل من النعمة أو غيرها مع المحبة والإجلال، فالحمد أن تذكر محاسن الغير سواء كان ذلك الثناء على صفة من صفاته الذاتية كالعلم والصبر والرحمة أم على عطائه وتفضله على الآخرين. ولا يكون الحمد إلا للحي العاقل.
وهذا أشهر ما فرق بينه وبين المدح فقد تمدح جمادا ولكن لا تحمده؛ وقد ثبت أن المدح أعم من الحمد. فالمدح قد يكون قبل الإحسان وبعده؛ أما الحمد فلا يكون إلا بعد الإحسان، فالحمد يكون لما هو حاصل من المحاسن في الصفات أو الفعل فلا يحمد من ليس في صفاته ما يستحق الحمد؛ أما المدح فقد يكون قبل ذلك فقد تمدح إنساناً ولم يفعل شيئا من المحاسن والجميل ولذا كان المدح منهياً عنه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"احثوا التراب في وجه المداحين" بخلاف الحمد فإنه مأمور به فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من لم يحمد الناس لم يحمد الله".
وبذا علمنا من قوله: الحمد لله" أن الله حي له الصفات الحسنى والفعل الجميل فحمدناه على صفاته وعلى فعله وإنعامه ولو قال المدح لله لم يفد شيئا من ذلك، فكان اختيار الحمد أولى من اختيار المدح.
ولم يقل سبحانه الشكر لله لأن الشكر لا يكون إلا على النعمة ولا يكون على صفاته الذاتية فانك لا تشكر الشخص على علمه أو قدرته وقد تحمده على ذلك وقد جاء في لسان العرب "والحمد والشكر متقاربان والحمد أعمهما لأنك تحمد الإنسان على صفاته الذاتية وعلى عطائه ولا تشكره على صفاته.فكان اختيار الحمد أولى أيضاً من الشكر لأنه أعم فانك تثني عليه بنعمه الواصلة إليك والى الخلق جميعا وتثني عليه بصفاته الحسنى الذاتية وان لم يتعلق شيء منها بك. فكان اختيار الحمد أولى من المدح والشكر.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أنه قال: الحمد لله ولم يقل أحمد الله أو نحمد الله وما قاله أولى من وجوه عدة:
إن القول " أحمد الله " أو " نحمد الله " مختص بفاعل معين ففاعل أحمد هو المتكلم وفاعل نحمد هم المتكلمون في حين أن عبارة "الحمد لله" مطلقة لا تختص بفاعل معين وهذا أولى فإنك إذا قلت " أحمد الله " أخبرت عن حمدك أنت وحدك ولم تفد أن غيرك حمده وإذا قلت " نحمد الله " أخبرت عن المتكلمين ولم تفد أن غيركم حمده في حين أن عبارة "الحمد لله" لا تختص بفاعل معين فهو المحمود على وجه الإطلاق منك ومن غيرك.
وقول " أحمد الله " تخبر عن فعلك أنت ولا يعني ذلك أن من تحمده يستحق الحمد؛ في حين إذا قلت " الحمد لله" أفاد ذلك استحقاق الحمد لله وليس مرتبط بفاعل معين.
وقول " أحمد الله " أو " نحمد الله " مرتبط بزمن معين لأن الفعل له دلالة زمنية معينة، فالفعل المضارع يدل على الحال أو الاستقبال ومعنى ذلك أن الحمد لا يحدث في غير الزمان الذي تحمده فيه، ولا شك أن الزمن الذي يستطيع الشخص أو الأشخاص الحمد فيه محدود وهكذا كل فعل يقوم به الشخص محدود الزمن فإن أقصى ما يستطيع أن يفعله أن يكون مرتبطا بعمره ولا يكون قبل ذلك وبعده فعل فيكون الحمد أقل مما ينبغي فإن حمد الله لا ينبغي أن ينقطع ولا يحد بفاعل أو بزمان في حين أن عبارة "الحمد لله" مطلقة غير مقيدة بزمن معين ولا بفاعل معين فالحمد فيها مستمر غير منقطع.
جاء في تفسير الرازي أنه لو قال " احمد الله " أفاد ذلك كون القائل قادرا على حمده، أما لما قال "الحمد لله" فقد أفاد ذلك، أنه كان محمودا قبل حمد الحامدين وقبل شكر الشاكرين فهؤلاء سواء حمدوا أم لم يحمدوا فهو تعالى محمود من الأزل إلى الأبد بحمده القديم وكلامه القديم.
وقول "أحمد الله" جملة فعلية و"الحمد لله" جملة اسمية والجملة الفعلية تدل على الحدوث والتجدد في حين أن الجملة الاسمية دالة على الثبوت وهي أقوى وأدوم من الجملة الفعلية. فاختيار الجملة الاسمية أولى من اختيار الجملة الفعلية ههنا إذ هو أدل على ثبات الحمد واستمراره.
وقول "الحمد لله" معناه أن الحمد والثناء حق لله وملكه فانه تعالى هو المستحق للحمد بسبب كثرة أياديه وأنواع آلائه على العباد. فقولنا "الحمد لله" معناه أن الحمد لله حق يستحقه لذاته ولو قال "احمد الله" لم يدل ذلك على كونه مستحقا للحمد بذاته ومعلوم أن اللفظ الدال على كونه مستحقاً للحمد أولى من اللفظ الدال على أن شخصاً واحداً حمده.
والحمد: عبارة عن صفة القلب وهي اعتقاد كون ذلك المحمود متفضلا منعما مستحقا للتعظيم والإجلال. فإذا تلفظ الإنسان بقوله: "أحمد الله" مع أنه كان قلبه غافلا عن معنى التعظيم اللائق بجلال الله كان كاذبا لأنه أخبر عن نفسه بكونه حامدا مع انه ليس كذلك. أما إذا قال "الحمد لله" سواء كان غافلاً أو مستحضراً لمعنى التعظيم فإنه يكون صادقاً لأن معناه: أن الحمد حق لله وملكه وهذا المعنى حاصل سواء كان العبد مشتغلاً بمعنى التعظيم والإجلال أو لم يكن. فثبت أن قوله "الحمد لله" أولى من قوله أحمد الله أو من نحمد الله. ونظيره قولنا "لا اله إلا الله" فانه لا يدخل في التكذيب بخلاف قولنا "اشهد أن لا اله إلا الله" لأنه قد يكون كاذبا في قوله "أشهد" ولهذا قال تعالى في تكذيب المنافقين: "والله يشهد إن المنافقين لكاذبون" (المنافقون، آية 1)
فلماذا لم يقل " الحمدَ لله " بالنصب؟
الجواب أن قراءة الرفع أولى من قراءة النصب ذلك أن قراءة الرفع تدل على أن الجملة اسمية في حين أن قراءة النصب تدل على أن الجملة فعلية بتقدير نحمد أو احمد أو احمدوا بالأمر. والجملة الاسمية أقوى وأثبت من الجملة الفعلية لأنها دالة على الثبوت.
وقد يقال أليس تقدير فعل الأمر في قراءة النصب أقوى من الرفع بمعنى "احمدوا الحمد لله" كما تقول "الإسراع في الأمر" بمعنى أسرعوا؟ والجواب لا فإن قراءة الرفع أولى أيضاً ذلك لان الأمر بالشيء لا يعني أن المأمور به مستحق للفعل. وقد يكون المأمور غير مقتنع بما أمر به فكان الحمد لله أولى من الحمد لله بالنصب في الأخبار والأمر.
ولماذا لم يقل " حمداً لله " ؟ الحمد لله معرفة بأل و" حمداً " نكرة؛ والتعريف هنا يفيد ما لا يفيده التنكير ذلك أن "أل" قد تكون لتعريف العهد فيكون المعنى: أن الحمد المعروف بينكم هو لله، وقد يكون لتعريف الجنس على سبيل الاستغراق فيدل على استغراق الأحمدة كلها. ورجح بعضهم المعنى الأول ورجح بعضهم المعنى الثاني بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم لك الحمد كله" فدل على استغراق الحمد كله فعلى هذا يكون المعنى: أن الحمد المعروف بينكم هو لله على سبيل الاستغراق والإحاطة فلا يخرج عنه شيء من أفراد الحمد ولا أجناسه.
"الحمد لله" أهي خبر أم إنشاء؟ الخبر هو ما يحتمل الصدق أو الكذب والإنشاء هو ما لا يحتمل الصدق أو الكذب.
قال أكثر النحاة والمفسرين: أن الحمد لله إخبار كأنه يخبر أن الحمد لله سبحانه وتعالى، وقسم قال: أنها إنشاء لأن فيها استشعار المحبة وقسم قال: أنها خبر يتضمن إنشاء.
أحيانا يحتمل أن تكون التعبيرات خبرا أو إنشاء بحسب ما يقتضيه المقام الذي يقال فيه.فعلى سبيل المثال قد نقول (رزقك الله) ونقصد بها الدعاء وهذا إنشاء وقد نقول (رزقك الله وعافاك) والقصد منها أفلا تشكره على ذلك؟ وهذا خبر.
والحمد لله هي من العبارات التي يمكن أن تستعمل خبرا وإنشاء بمعنى الحمد لله خبر ونستشعر نعمة الله علينا ونستشعر التقدير كان نقولها عندما نستشعر عظمة الله سبحانه في أمر ما فنقول الحمد لله.
فلماذا لم يقل سبحانه " إن الحمد لله " ؟ لا شك أن الحمد لله لكن هناك فرق بين التعبيرين أن نجعل الجملة خبراً محضا في قول الحمد لله (ستعمل للخبر أو الإنشاء) ولكن عندما تدخل عليه " إن " لا يمكن إلا أن يكون إنشاء، لذا فقول " الحمد لله " أولى لما فيه من الإجلال والتعظيم والشعور بذلك. لذا جمعت الحمد لله بين الخبر والإنشاء ومعناهما، مثلا نقول رحمة الله عليك (هذا دعاء) وعندما نقول إن رحمة الله عليك فهذا خبر وليس دعاء
من المعلوم انه في اللغة قد تدخل بعض الأدوات على عبارات فتغير معناها مثال: رحمه الله (دعاء)، قد رحمه الله (إخبار)، رزقك الله (دعاء)، قد رزقك الله (إخبار).
لماذا لم يقل سبحانه " لله الحمد " ؟
الحمد الله تقال إذا كان هناك كلام يراد تخصيصه (مثال: لفلان الكتاب) تقال للتخصيص والحصر فإذا قدم الجار والمجرور على اسم العلم يكون بقصد الاختصاص والحصر (لإزالة الشك أن الحمد سيكون لغير الله)
الحمد لله في الدنيا ليست مختصة لله سبحانه وتعالى، الحمد في الدنيا قد تقال لأستاذ أو سلطان عادل، أما العبادة فهي قاصرة على الله سبحانه وتعالى، المقام في الفاتحة ليس مقام اختصاص أصلاً وليست مثل ( إياك نعبد ) أو( إياك نستعين ). فقد وردت في القران الكريم (فلله الحمد رب السموات ورب الأرض رب العالمين) الجاثية (لآية 36)
لا أحد يمنع التقديم لكن التقديم والتأخير في القرآن الكريم يكون حسب ما يقتضيه السياق، المقام في سورة الفاتحة هو مقام مؤمنين يقرون بالعبادة ويطلبون الاستعانة والهداية؛ أما في سورة الجاثية فالمقام في الكافرين وعقائدهم وقد نسبوا الحياة والموت لغير الله سبحانه لذا اقتضى ذكر تفضله سبحانه بأنه خلق السموات والأرض وأثبت لهم أن الحمد الأول لله سبحانه على كل ما خلق لنا فهو المحمود الأول لذا جاءت فلله الحمد مقدمة حسب ما اقتضاه السياق العام للآيات في السورة.
فلماذا التفصيل في الجاثية (رب السموات والأرض) ولم ترد في الفاتحة؟ في الجاثية تردد ذكر السموات والأرض وما فيهن وذكر ربوبية الله تعالى لهما فقد جاء في أول السورة ( إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين ) فلو نظرنا في جو سورة الجاثية نلاحظ ربوبية الله تعالى للسموات والأرض والخلق والعالمين مستمرة في السورة كلها. (ولله ملك السموات والأرض) يعني هو ربهما ( ويوم تقوم الساعة يخسر المبطلون) إذن هو رب العالمين ( وخلق الله السموات والأرض بالحق) فهو ربهما ( لتجزى كل نفس..) فهو رب العالمين. (فلله الحمد رب السموات ورب الأرض رب العالمين) جمع الربوبية في السموات والأرض والعالمين في آية واحدة، أما في الكلام في الفاتحة فهو عن العالمين فقط وذكر أصناف الخلق من العالمين (المؤمنين، الضالين..) لذا ناسب التخصيص في الجاثية وليس في الفاتحة.
(وله الكبرياء في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم) (الجاثية الآية 37) ولم يذكرالكبرياء في الفاتحة لأنه جاء في الجاثية ذكر المستكبرين بغير حق ( ويل لكل أفاك أثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم. وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين) (الجاثية الآيات 7-9) دل على مظهر من مظاهر الاستكبار لذا ناسب أن يرد ذكر الكبرياء في السموات والأرض. فسبحانه وتعالى يضع الكلام بميزان دقيق بما يتناسب مع السياق العام للآيات.
الحمد لله: جاء سبحانه وتعالى باسمه العلم (الله) ،لم يقل الحمد للخالق أو القدير أو أي اسم آخر من أسمائه الحسنى فلماذا جاء باسمه العلم؟ لأنه إذا جاء بأي اسم آخر غير العلم لدل على انه تعالى استحق الحمد فقط بالنسبة لهذا الاسم خاصة فلو قال الحمد للقادر لفهمت على انه يستحق الحمد للقدرة فقط لكن عند ذكر الذات (الله) فإنها تعني انه سبحانه يستحق الحمد لذاته لا لوصفه.
من ناحية أخرى " الحمد لله " مناسبة لما جاء بعدها (إياك نعبد) لأن العبادة كثيرا ما تختلط بلفظ الله. فلفظ الجلالة (الله) يعنى الإله المعبود مأخوذة من أله (بكسر اللام) ومعناها عبد ولفظ الله مناسب للعبادة وأكثر اسم اقترن بالعبادة هو لفظ الله تعالى (أكثر من 50 مرة اقترن لفظ الله بالعبادة في القرآن) لذا فالحمد لله مناسب لأكثر من جهة.
" الحمدُ لله "أولى من قول الحمد للسميع أو العليم أو غيرها من أسماء الله الحسنى. وقول الحمد لله أولى من قول أحمد الله أو الحمدَ لله أو حمداً لله أو إن الحمد لله أو الحمد للحي أو القادر أو السميع أو البصير. جلت حكمة الله سبحانه وتعالى وجل قوله العزيز.
رب العالمين:
الرب هو المالك والسيد والمربي والمنعم والقيِّم، فإذن رب العالمين هو ربهم ومالكهم وسيدهم ومربيهم والمنعم عليهم وقيُمهم لذا فهو أولى بالحمد من غيره وذكر (رب العالمين) هي أنسب ما يمكن وضعه بعد (الحمد لله)
رب العالمين يقتضي كل صفات الله تعالى ويشمل كل أسماء الله الحسنى، العالمين: جمع عالم والعالم هو كل موجود سوى الله تعالى؛ والعالم يجمع على العوالم وعلى العالمين لكن اختيار العالمين على العوالم أمر بلاغي يعني ذلك أن العالمين خاص للمكلفين وأولي العقل (لا تشمل غير العقلاء) بدليل قوله تعالى (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) (الفرقان آية 1) ومن المؤكد انه ليس نذيرا للبهائم والجماد. وبهذا استدلوا على أن المقصود بالعالمين أولي العقل وأولي العلم أو المكلفون.
والعالمين جمع العالم بكل أصنافه لكن يغلُب العقلاء على غيرهم فيقال لهم العالمين لا يقال لعالم الحشرات أو الجماد أو البهائم العالمين وعليه فلا تستعمل كلمة العالمين إلا إذا اجتمع العقلاء مع غيرهم وغلبوا عليهم.
أما العوالم قد يطلق على أصناف من الموجودات ليس منهم البشر أو العقلاء أو المكلفون (تقال للحيوانات والحشرات والجمادات)
اختيار كلمة العالمين له سببه في سورة الفاتحة فالعالمين تشمل جيلا واحدا وقد تشمل كل المكلفين أو قسما من جيل (قالوا أولم ننهك عن العالمين) (الحجر آية 70) في قصة سيدنا لوط جاءت هنا بمعنى قسم من الرجال.
واختيار " العالمين " أيضاً لأن السورة كلها في المكلفين وفيها طلب الهداية وإظهار العبودية لله وتقسيم الخلق كله خاص بأولي العقل والعلم لذا كان من المناسب اختيار " العالمين " على غيرها من المفردات أو الكلمات. وقد ورد في آخر الفاتحة ذكر المغضوب عليهم وهم اليهود، والعالمين رد على اليهود الذين ادعوا أن الله تعالى هو رب اليهود فقط فجاءت رب العالمين لتشمل كل العالمين لا بعضهم.
أما اختيار كلمة رب فلأنها تناسب ما بعدها (اهدنا الصراط المستقيم) لأن من معاني الرب المربي وهي أشهر معانيه وأولى مهام الرب الهداية لذا اقترنت الهداية كثيراً بلفظ الرب كما اقترنت العبادة بلفظ الله تعالى (قال فمن ربكما يا موسى قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) (طه آية 49-50) (فاجتباه ربه فتاب عليه وهدى) (طه آية 122) (سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى) (الأعلى آية 1-3) (قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم) (الأنعام آية 161) (وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا) (الكهف آية 24) (قال كلا إن معي ربي سيهدين) (الشعراء آية 62) (وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين) (الصافات آية 99) (ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل) (القصص آية 22) لذا ناسب لفظ " رب " مع " اهدنا الصراط المستقيم " وفيها طلب الهداية.
الرحمن الرحيم:
الرحمن على وزن فعلان والرحيم على وزن فعيل ومن المقرر في علم التصريف في اللغة العربية أن الصفة فعلان تمثل الحدوث والتجدد والامتلاء والاتصاف بالوصف إلى حده الأقصى فيقال غضبان بمعنى امتلأ غضبا (فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا) لكن الغضب زال (فلما سكت عن موسى الغضب) ومثل ذلك عطشان، ريان ، جوعان ، يكون عطشان فيشرب فيذهب العطش
أما صيغة فعيل فهي تدل على الثبوت سواء كان خلقة ويسمى تحول في الصفات مثل طويل، جميل، قبيح فلا يقال خطيب لمن ألقى خطبة واحدة وإنما تقال لمن يمارس الخطابة وكذلك الفقيه.
هذا الإحساس اللغوي بصفات فعلان وفعيل لا يزال في لغتنا الدارجة إلى الآن فنقول بدا عليه الطول (طولان) فيرد هو طويل (صفة ثابتة) فلان ضعفان(حدث فيه شيء جديد لم يكن) فيرد هو ضعيف (هذه صفته الثابتة فهو أصلاً ضعيف).
ولذا جاء سبحانه وتعالى بصفتين تدلان على التجدد والثبوت معا فلو قال الرحمن فقط لتوهم السامع أن هذه الصفة طارئة قد تزول كما يزول الجوع من الجوعان والغضب من الغضبان وغيره. ولو قال رحيم وحدها لفهم منها أن صفة رحيم مع أنها ثابتة لكنها ليست بالضرورة على الدوام ظاهرة إنما قد تنفك مثلا عندما يقال فلان كريم فهذا لا يعني انه لا ينفك عن الكرم لحظة واحدة إنما الصفة الغالبة عليه هي الكرم.
وجاء سبحانه بالصفتين مجتمعتين ليدل على أن صفاته الثابتة والمتجددة هي الرحمة ويدل على أن رحمته لا تنقطع وهذا يأتي من باب الاحتياط للمعنى وجاء بالصفتين الثابتة والمتجددة لا ينفك عن إحداهما، إنما هذه الصفات مستمرة ثابتة لا تنفك البتة غير منقطعة.
فلماذا إذاً قدم سبحانه الرحمن على الرحيم ؟
قدم صيغة الرحمن والتي هي الصفة المتجددة وفيها الامتلاء بالرحمة لأبعد حدودها لأن الإنسان في طبيعته عجول وكثيراً ما يؤثر الإنسان الشيء الآتي السريع وان قل على الشيء الذي سيأتي لاحقاً وإن كثر (بل تحبون العاجلة) لذا جاء سبحانه بالصفة المتجددة ورحمته قريبة ومتجددة وحادثة إليه ولا تنفك لأن رحمته ثابتة. ووقوع كلمة " الرحيم " بعد كلمة الرب يدلنا على أن الرحمة هي من صفات الله تعالى العليا وفيها إشارة إلى أن المربي يجب أن يتحلى بالرحمة وتكون من أبرز صفاته وليست القسوة والرب بكل معانيه ينبغي أن يتصف بالرحمة سواء كان مربياً أو سيداً أو قيما وقد وصف الله تعالى رسوله بالرحمة.
مالك يوم الدين:
هناك قراءة متواترة(ملك يوم الدين) بعض المفسرين يحاولون تحديد أي القراءتين أولى وتحديد صفة كل منهما لكن في الحقيقة ليس هناك قراءة أولى من قراءة فكلتا القراءتين متواترة نزل بهما الروح الأمين ليجمع بين معنى المالك والملك.


يتبــــــــــــــــــــــــــــع
  #748  
قديم 07-07-2008, 05:56 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبـــع موضوع .....لمسات بيانية في سورة الفاتحة


المالك من التملك والملك بكسر الميم (بمعنى الذي يملك الملك)
وملك بكسر اللام من الملك بضم الميم والحكم (أليس لي ملك مصر) الملك هنا بمعنى الحكم والحاكم الأعلى هو الله تعالى.
المالك قد يكون ملكا وقد لا يكون والملك قد يكون مالكا وقد لا يكون. المالك يتصرف في ملكه كما لا يتصرف الملك (بكسر اللام) والمالك عليه أن يتولى أمر مملوكه من الكسوة والطعام والملك ينظر للحكم والعدل والإنصاف. المالك أوسع لشموله العقلاء وغيرهم والملك هو المتصرف الأكبر وله الأمر والإدارة العامة في المصلحة العامة فنزلت القراءتين لتجمع بين معنى المالك والملك وتدل على انه سبحانه هو المالك وهو الملك (قل اللهم مالك الملك) الملك ملكه سبحانه وتعالى فجمع بين معنى الملكية والملك
مالك يوم الدين، لِمَ لمْ يذكر الدنيا ؟ سواء كان مالكا أو ملكا فلماذا لم يقل مالك يوم الدين والدنيا؟
أولا قال " الحمد لله رب العالمين " فهو مالكهم وملكهم في الدنيا وهذا شمل الدنيا. مالك يوم الدين هو مالك يوم الجزاء يعني ملك ما قبله من أيام العمل والعمل يكون في الدنيا فقد جمع في التعبير يوم الدين والدنيا وبقوله " يوم الدين " شمل فيه الدنيا أيضاً.
لم قال يوم الدين ولم يقل يوم القيامة؟
الدين بمعنى الجزاء وهو يشمل جميع أنواع القيامة من أولها إلى آخرها ويشمل الجزاء والحساب والطاعة والقهر وكلها من معاني الدين وكلمة الدين انسب للفظ رب العالمين وانسب للمكلفين (الدين يكون لهؤلاء المكلفين) فهو أنسب من يوم القيامة لأن القيامة فيها أشياء لا تتعلق بالجزاء أما الدين فمعناه الجزاء وكل معانيه تتعلق بالمكلفين لان الكلام من أوله لآخره عن المكلفين لذا ناسب اختيار كلمة الدين عن القيامة.
لماذا قال مالك يوم واليوم لا يملك إنما ما فيه يملك ؟ والسبب لقصد العموم ومالك اليوم هو ملك لكل ما فيه وكل من فيه فهو أوسع وهو ملكية كل ما يجري وما يحدث في اليوم وكل ما فيه ومن فيه فهي إضافة عامة شاملة جمع فيها ما في ذلك اليوم ومن فيه وإحداثه وكل ما فيه من باب الملكية (بكسر الميم) والملكية (بضم الميم)
اقتران الحمد بهذه الصفات أحسن وأجمل اقتران. الحمد لله فالله محمود بذاته وصفاته على العموم والله هو الاسم العلم) ثم محمود بكل معاني الربوبية (رب العالمين) لان من الأرباب من لا تحمد عبوديته وهو محمود في كونه رحمن رحيم، محمود في رحمته لان الرحمة لو وضعت في غير موضعها تكون غير محمودة فالرحمة إذا لم توضع في موضعها لم تكن مدحا لصاحبها، محمود في رحمته يضعها حيث يجب أن توضع وهو محمود يوم الدين محمود في تملكه وفي مالكيته (مالك يوم الدين) محمود في ملكه ذلك اليوم (في قراءة ملك يوم الدين)
استغرق الحمد كل الأزمنة، لم يترك سبحانه زمناً لم يدخل فيه الحمد أبداً من الأزل إلى الأبد فهو حمده قبل الخلق (الحمد لله) حين كان تعالى ولم يكن معه شيء قبل حمد الحامدين وقبل وجود الخلق والكائنات استغرق الحمد هنا الزمن الأول وعند خلق العالم (رب العالمين) واستغرق الحمد وقت كانت الرحمة تنزل ولا تنقطع (الرحمن الرحيم) واستغرق الحمد يوم الجزاء كله ويوم الجزاء لا ينتهي لأن الجزاء لا ينتهي فأهل النار خالدين فيها وأهل الجنة خالدين فيها لا ينقضي جزاؤهم فاستغرق الحمد كل الأزمنة من الأزل إلى الأبد كقوله تعالى له الحمد في الأولى والآخرة هذه الآيات جمعت أعجب الوصف.
- قوله ( إياك نعبد وإياك نستعين ):
قدم المفعولين لنعبد ونستعين وهذا التقديم للاختصاص لأنه سبحانه وتعالى وحده له العبادة لذا لم يقل نعبدك ونستعينك لأنها لا تدل على التخصيص بالعبادة لله تعالى، أما قول ( إياك نعبد ) فتعني تخصيص العبادة لله تعالى وحده وكذلك في الاستعانة (إياك نستعين) تكون بالله حصرا (ربنا عليك توكلنا واليك أنبنا واليك المصير) (الممتحنة آية 4) كلها مخصوصة لله وحده حصرا فالتوكل والإنابة والمرجع كله إليه سبحانه (وعلى الله فليتوكل المتوكلون)(إبراهيم 12)
(قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا) (الملك آية 29) تقديم الإيمان على الجار والمجرور هنا لأن الإيمان ليس محصورا بالله وحده فقط بل علينا الإيمان بالله ورسله وكتبه وملائكته واليوم الآخر والقضاء والقدر لذا لم تأت به آمنا. أما في التوكل فجاءت وعليه توكلنا لا توكلنا عليه لان التوكل محصور بالله تعالى.
الآن لماذا كررت إياك مع فعل الاستعانة ولم يقل إياك نعبد ونستعين ؟
التكرار يفيد التنصيص على حصر المستعان به؛ لو اقتصرنا على ضمير واحد (إياك نعبد ونستعين) لم يعني المستعان إنما عني المعبود فقط ولو اقتصرنا على ضمير واحد لفهم من ذلك انه لا يتقرب إليه إلا بالجمع بين العبادة والاستعانة بمعنى انه لا يُعبد بدون استعانة ولا يُستعان به بدون عبادة. يفهم من الاستعانة مع العبادة مجموعة تربط الاستعانة بالعبادة وهذا غير وارد وإنما هو سبحانه نعبده على وجه الاستقلال ونستعين به على وجه الاستقلال وقد يجتمعان لذا وجب التكرار في الضمير إياك نعبد وإياك نستعين. التكرار توكيد في اللغة ، في التكرار من القوة والتوكيد للاستعانة فيما ليس في الحذف.
إياك نعبد وإياك نستعين: أطلق سبحانه فعل الاستعانة ولم يحدد نستعين على شيء أو نستعين على طاعة أو غيره، إنما أطلقها لتشمل كل شيء وليست محددة بأمر واحد من أمور الدنيا. وتشمل كل شيء يريد الإنسان أن يستعين بربه لان الاستعانة غير مقيدة بأمر محدد. وقد عبر سبحانه عن الاستعانة والعبادة بلفظ ضمير الجمع (نعبد ونستعين) وليس بالتعبير المفرد أعبد وأستعين وفي هذا إشارة إلى أهمية الجماعة في الإسلام لذا تلزم قراءة هذه السورة في الصلاة وتلزم أن صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين مرة، وفيها دليل على أهمية الجماعة عامة في الإسلام مثل الحج وصلاة الجماعة، الزكاة، الجهاد، الأعياد والصيام. إضافة إلى أن المؤمنين إخوة فلو قال إياك اعبد لأغفل عبادة إخوته المؤمنين وإنما عندما نقول ( إياك نعبد ) نذكر كل المؤمنين ويدخل القائل في زمرة المؤمنين أيضاً.
لماذا قرن العبادة بالاستعانة؟
أولاً ليدل على أن الإنسان لا يستطيع أن يقوم بعبادة الله إلا بإعانة الله له وتوفيقه فهو إذن شعار وإعلان أن الإنسان لا يستطيع أن يعمل شيئاً إلا بعون الله وهو إقرار بعجز الإنسان عن القيام بالعبادات وعن حمل الأمانة الثقيلة إذا لم يعنه الله تعالى على ذلك، الاستعانة بالله علاج لغرور الإنسان وكبريائه عن الاستعانة بالله واعتراف الإنسان بضعفه.
لماذا قدم العبادة على الاستعانة؟
العبادة هي علة خلق الإنس والجن (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)(الذاريات 56) والاستعانة إنما هي وسيلة للعبادة فالعبادة أولى بالتقديم.
العبادة هي حق الله والاستعانة هي مطلب من مطالبه وحق الله أولى من مطالبه.
تبدأ السورة بالحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين وهذه كلها من أسلوب الغيبة أي كلها للغائب ثم انتقل إلى الخطاب المباشر بقوله ( إياك نعبد وإياك نستعين ). فلو قسنا على سياق الآيات الأولى لكان أولى القول إياه نعبد وإياه نستعين. فلماذا لم يقل سبحانه هذا؟
في البلاغة يسمى هذا الانتقال من الغائب للمخاطب أو المتكلم أو العكس " الإلتفات ". للإلتفات فائدة عامة وفائدة في المقام ، أما الفائدة العامة فهي تطرية لنشاط السامع وتحريك الذهن للإصغاء والانتباه. أما الفائدة التي يقتضيها المقام فهي إذا التفت المتكلم البليغ يكون لهذه الالتفاتة فائدة غير العامة مثال: (هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم) (يونس آية 22) لم يقل وجرين بكم فيها التفات لأنهم عندما ركبوا في البحر وجرت بهم الفلك أصبحوا غائبين وليسوا مخاطبين.
وعندما قال سبحانه الحمد لله رب العالمين فهو حاضر دائما فنودي بنداء الحاضر المخاطب. الكلام من أول الفاتحة إلى مالك يوم الدين كله ثناء على الله تعالى والثناء يكون في الحضور والغيبة والثناء في الغيبة أصدق وأولى أما ( إياك نعبد وإياك نستعين )فهو دعاء والدعاء في الحضور أولى وأجدى؛ إذن الثناء في الغيبة أولى والدعاء في الحضور أولى والعبادة تؤدى في الحاضر وهي أولى.
- قوله ( اهدنا الصراط المستقيم )
هذا دعاء ولا دعاء مفروض على المسلم قوله غير هذا الدعاء فيتوجب على المسلم قوله عدة مرات في اليوم وهذا بدوره يدل على أهمية الطلب وهذا الدعاء لان له أثره في الدنيا والآخرة ويدل على أن الإنسان لا يمكن أن يهتدي للصراط المستقيم بنفسه إلا إذا هداه الله تعالى لذلك. إذا ترك الناس لأنفسهم لذهب كل إلى مذهبه ولم يهتدوا إلى الصراط المستقيم وبما أن هذا الدعاء في الفاتحة ولا صلاة بدون فاتحة فلذا يجب الدعاء به في الصلاة الفريضة وهذا غير دعاء السنة في (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة) (البقرة آية 201)
والهداية: هي الإلهام والدلالة. وفعل الهداية هدى يهدي في العربية قد يتعدى بنفسه دون حرف جر مثل " اهدنا الصراط المستقيم " (تعدى الفعل بنفسه) وقد يتعدى بإلى (وانك لتهدي إلى صراط مستقيم) (الشورى آية 52) (وأهديك إلى ربك فتخشى) (النازعات آية 19) وقد يتعدى باللام (الحمد لله الذي هدانا لهذا ) (الأعراف 43) (بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان) (الحجرات آية 17)
ذكر أهل اللغة أن الفرق بين التعدية بالحرف والتعدية بالفعل نفسه أن التعدية بالحرف تستعمل عندما لا تكون الهداية فيه بمعنى أن المهدي كان خارج الصراط فهداه الله له فيصل بالهداية إليه. والتعدية بدون حرف تقال لمن يكون فيه ولمن لا يكون فيه كقولنا " هديته الطريق " قد يكون هو في الطريق فنعرفه به وقد لا يكون في الطريق فنوصله إليه. (فاتبعني أهدك صراطا سويا) (مريم آية 43) أبو سيدنا إبراهيم لم يكن في الطريق، (ولهديناهم صراطا مستقيما) (النساء آية 68) والمنافقون ليسوا في الطريق. واستعملت لمن هم في الصراط (وقد هدانا سبلنا) (إبراهيم آية 12) قيلت في رسل الله تعالى وقال تعالى مخاطبا رسوله (ويهديك صراطا مستقيما) (الفتح آية 2) والرسول مالك للصراط. استعمل الفعل المعدى بنفسه في الحالتين.
التعدية باللام وإلى لمن لم يكن في الصراط (فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط) (ص آية 22) (هل من شركائكم من يهدي إلى الحق) (يونس آية 35)
وتستعمل هداه له بمعنى بينه له والهداية على مراحل وليست هداية واحدة فالبعيد عن الطريق، الضال، يحتاج من يوصله إليه ويدله عليه (نستعمل هداه إليه) والذي يصل إلى الطريق يحتاج إلى هاد يعرفه بأحوال الطريق وأماكن الأمن والنجاة والهلاك للثقة بالنفس ثم إذا سلك الطريق في الأخير يحتاج إلى من يريه غايته واستعمل سبحانه اللام (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) (الأعراف آية 43) وهذه خاتمة الهدايات.
ونلخص ما سبق على النحو التالي:
-إنسان بعيد يحتاج من يوصله إلى الطريق نستعمل الفعل المتعدي بإلى .
-إذا وصل ويحتاج من يعرفه بالطريق وأحواله نستعمل الفعل المتعدي بنفسه .
-إذا سلك الطريق ويحتاج إلى من يبلغه مراده نستعمل الفعل المتعدي باللام.
الهداية مع اللام لم تستعمل مع السبيل أو الصراط أبدا في القرآن لان الصراط ليست غاية إنما وسيلة توصل للغاية واللام إنما تستعمل عند الغاية. وقد اختص سبحانه الهداية باللام له وحده أو للقرآن لأنها خاتمة الهدايات كقوله (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) (الإسراء آية 9) وقوله (يهدي الله لنوره من يشاء) (النور آية 35).
قد نقول جاءت الهدايات كلها بمعنى واحد مع اختلاف الحروف.
- (قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع امن لا يهدي إلا أن يهدى) (يونس آية 35).
جاءت يهدي للحق المقترنة بالله تعالى لان معنى الآيات تفيد هل من شركائكم من يوصل إلى الحق قل الله يهدي للحق الله وحده يرشدك ويوصلك إلى خاتمة الهدايات، يعني أن الشركاء لا يعرفون أين الحق ولا كيف يرشدون إليه ويدلون عليه.
- (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم) (المائدة آية 16)
استعمل الهداية معداة بنفسها بدون حرف واستعملها في سياق واحد مع الفعل المعدى بإلى ومعنى الآيات انه من اتبع رضوان الله وليس بعيدا ولا ضالا استعمل له الفعل المعدى بنفسه والذي في الظلمات هو بعيد عن الصراط ويحتاج إلى من يوصله إلى الصراط لذا قال يهديهم إلى صراط مستقيم (استعمل الفعل المعدى بإلى).
نعود إلى الآية " اهدنا الصراط المستقيم " (الفعل معدى بنفسه) وهنا استعمل هذا الفعل المعدى بنفسه لجمع عدة معاني فالذي انحرف عن الطريق نطلب من الله تعالى أن يوصله إليه والذي في الطريق نطلب من الله تعالى أن يبصره بأحوال الطريق والثبات والتثبيت على الطريق.
وهنا يبرز تساؤل آخر ونقول كما سبق وقدم سبحانه مفعولي العبادة والاستعانة في (إياك نعبد وإياك نستعين) فلماذا لم يقل سبحانه إيانا اهدي؟ هذا المعنى لا يصح فالتقديم بـ ( إياك نعبد وإياك نستعين ) تقيد الاختصاص ولا يجوز أن نقول إيانا اهدي بمعنى خصنا بالهداية ولا تهدي أحداً غيرنا فهذا لا يجوز لذلك لا يصح التقديم هنا. المعنى تطلب التقديم في المعونة والاستعانة ولم يتطلبه في الهداية لذا قال ( اهدنا الصراط المستقيم ).
فلم قال ( اهدنا ) ولم يقل اهدني؟
لأنه مناسب لسياق الآيات السابقة وكما في آيات الاستعانة والعبادة اقتضى الجمع في الهداية أيضاً.
فيه إشاعة لروح الجماعة وقتل لروح الأثرة والأنانية وفيه نزع الأثرة والاستئثار من النفس بان ندعو للآخرين بما ندعو به لأنفسنا.
الاجتماع على الهدى وسير المجموعة على الصراط دليل قوة فإذا كثر السالكون يزيد الأنس ويقوى الثبات فالسالك وحده قد يضعف وقد يمل أو يسقط أو تأكله الذئاب، فكلما كثر السالكون كان ادعى للاطمئنان والاستئناس.
والاجتماع رحمة والفرقة عذاب يشير لله تعالى إلى أمر الاجتماع والأنس بالاجتماع وطبيعة حب النفس للاجتماع كما ورد في قوله الكريم (ومن يطع الله ورسوله ندخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها) (النساء آية 13) خالدين جاءت بصيغة الجمع لان المؤمنين في الجنة يستمتعون بالأنس ببعضهم وقوله (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين) (النساء آية 14) في العذاب فيزيد على عذاب الكافر عذاب الوحدة فكأنما عذبه الله تعالى بشيئين النار والوحدة.
لذا فعندما قال سبحانه وتعالى (اهدنا الصراط المستقيم ) فيه شيء من التثبيت والاستئناس، هذا الدعاء ارتبط بأول السورة وبوسطها وآخرها. الحمد لله رب العالمين مهمة الرب هي الهداية وكثيرا ما اقترنت الهداية باسم الرب فهو مرتبط برب العالمين وارتبط بقوله الرحمن الرحيم لان من هداه الله فقد رحمه وأنت الآن تطلب من الرحمن الرحيم الهداية أي تطلب من الرحمن الرحيم أن لا يتركك ضالا غير مهتد ثم قال ( إياك نعبد وإياك نستعين )فلا تتحقق العبادة إلا بسلوك الطريق المستقيم وكذلك الاستعانة ومن الاستعانة طلب الهداية للصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم أي صراط الذين سلكوا الصراط المستقيم، ولا الضالين، والضالون هم الذين سلكوا غير الصراط المستقيم فالهداية والضلال نقيضان والضالين نقيض الذين سلكوا الصراط المستقيم.
لماذا اختار كلمة الصراط بدلا من الطريق أو السبيل؟ لو لاحظنا البناء اللغوي للصراط هو على وزن (فعال بكسر الفاء) وهو من الأوزان الدالة على الاشتمال كالحزام والشداد والسداد والخمار والغطاء والفراش، هذه الصيغة تدل على الاشتمال بخلاف كلمة الطريق التي لا تدل على نفس المعنى. الصراط يدل على انه واسع رحب يتسع لكل السالكين ، أما كلمة طريق فهي على وزن فعيل بمعنى مطروق أي مسلوك والسبيل على وزن فعيل ونقول أسبلت الطريق إذا كثر السالكين فيها لكن ليس في صيغتها ما يدل على الاشتمال. فكلمة " الصراط " تدل على الاشتمال والوسع هذا في أصل البناء اللغوي (قال الزمخشري في كتابه الكشاف: الصراط من صرط كأنه يبتلع السبل كلما سلك فيه السالكون وكأنه يبتلعهم من سعته).
- قوله ( صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين )
لماذا جاءت كلمة الصراط معرفة بأل مرة ومضافة مرة أخرى (صراط الذين أنعمت عليهم)؟ جاءت كلمة الصراط مفردة ومعرفة بتعريفين: بالألف واللام والإضافة وموصوفا بالاستقامة مما يدل على انه صراط واحد (موصوف بالاستقامة لأنه ليس بين نقطتين إلا طريق مستقيم واحد والمستقيم هو أقصر الطرق وأقربها وصولا إلى الله) وأي طريق آخر غير هذا الصراط المستقيم لا يوصل إلى المطلوب ولا يوصل إلى الله تعالى. والمقصود بالوصول إلى الله تعالى هو الوصول إلى مرضاته فكلنا واصل إلى الله وليس هناك من طريق غير الصراط المستقيم. (إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا) (المزمل آية 19) (الإنسان آية 29) (إن ربي على صراط مستقيم) (هود آية 56) (قال هذا صراط علي مستقيم) (الحجر آية 41)
وردت كلمة الصراط في القرآن مفردة ولم ترد مجتمعة أبداً بخلاف السبيل فقد وردت مفردة ووردت جمعا (سبل) لان الصراط هو الأوسع وهو الذي تفضي إليه كل السبل (فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) (الأنعام 153) (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام) (المائدة 16) (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) (العنكبوت 69) (هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة ) (يوسف آية 108) الصراط هو صراط واحد مفرد لأنه هو طريق الإسلام الرحب الواسع الذي تفضي إليه كل السبل وأتباع غير هذا الصراط ينأى بنا عن المقصود [1].
ثم زاد هذا الصراط توضيحا وبيانا بعد وصفه بالاستقامة وتعريفه بأل بقول (صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) جمعت هذه الآية كل أصناف الخلق المكلفين ولم تستثني منهم أحداً فذكر:
الذين انعم الله عليهم هم الذين سلكوا الصراط المستقيم وعرفوا الحق وعملوا بمقتضاه.

يتبـــــــــع
  #749  
قديم 07-07-2008, 06:00 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبـــع موضوع .....لمسات بيانية في سورة الفاتحة


الذين عرفوا الحق وخالفوه (المغضوب عليهم) ويقول قسم من المفسرين أنهم العصاة.
الذين لم يعرفوا الحق وهم الضالين (قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) (الكهف آية 103-104) هذا الحسبان لا ينفعهم إنما هم من الأخسرين.
ولا يخرج المكلفون عن هذه الأصناف الثلاثة فكل الخلق ينتمي لواحد من هذه الأصناف.
وقال تعالى (صراط الذين أنعمت عليهم) ولم يقل تنعم عليهم فلماذا ذكر الفعل الماضي؟
اختار الفعل الماضي على المضارع أولاً: ليتعين زمانه ليبين صراط الذين تحققت عليهم النعمة (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) (النساء آية 69) صراط الذين أنعمت عليهم يدخل في هؤلاء. وإذا قال تنعم عليهم لأغفل كل من انعم عليهم سابقا من رسل الله والصالحين ولو قال تنعم عليهم لم يدل في النص على انه سبحانه انعم على احد ولأحتمل أن يكون صراط الأولين غير الآخرين ولا يفيد التواصل بين زمر المؤمنين من آدم عليه السلام إلى أن تقوم الساعة. مثال: اذا قلنا أعطني ما أعطيت أمثالي فمعناه أعطني مثل ما أعطيت سابقا، ولو قلنا أعطني ما تعطي أمثالي فهي لا تدل على أنه أعطى أحداً قبلي.
ولو قال " تنعم عليهم " لكان صراط هؤلاء اقل شأنا من صراط الذين أنعم عليهم فصراط الذين انعم عليهم من أولي العزم من الرسل والأنبياء والصديقين أما الذين تنعم عليهم لا تشمل هؤلاء. فالإتيان بالفعل الماضي يدل على انه بمرور الزمن يكثر عدد الذين انعم الله عليهم فمن ينعم عليهم الآن يلتحق بالسابقين من الذين انعم الله عليهم فيشمل كل من سبق وانعم الله عليهم فهم زمرة كبيرة من أولي العزم والرسل وأتباعهم والصديقين وغيرهم وهكذا تتسع دائرة المنعم عليهم، أما الذين تنعم عليهم تختص بوقت دون وقت ويكون عدد المنعم عليهم قليل لذا كان قوله سبحانه أنعمت عليهم أوسع وأشمل واعم من الذين تنعم عليهم.
لماذا قال صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين؟
أي لماذا عبر عن الذين أنعم عليهم باستخدام الفعل (أنعمت) والمغضوب عليهم والضالين بالاسم؟
الاسم يدل على الشمول ويشمل سائر الأزمنة من المغضوب عليهم والدلالة على الثبوت. أما الفعل فيدل على التجدد والحدوث فوصفه أنهم مغضوب عليهم وضالون دليل على الثبوت والدوام.
إذن فلماذا لم يقل المنعم عليهم للدلالة على الثبوت؟
لو قال صراط المنعم عليهم بالاسم لم يتبين المعنى أي من الذي أنعم إنما بين المنعِم (بكسر العين) في قوله ( أنعمت عليهم ) لأن معرفة المنعِم مهمة فالنعم تقدر بمقدار المنعِم (بكسر العين) لذا أراد سبحانه وتعالى أن يبين المنعم ليبين قدرة النعمة وعظيمها ومن عادة القرآن أن ينسب الخير إلى الله تعالى وكذلك النعم والتفضل وينزه نسبة السوء إليه سبحانه (وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا) (الجن آية 10) والله سبحانه لا ينسب السوء لنفسه فقد يقول (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون) (النمل آية 4) لكن لا يقول زينا لهم سوء أعمالهم (زين لهم سوء أعمالهم) (التوبة آية 37) (زين للناس حب الشهوات ) (آل عمران آية 14) (وزين لفرعون سوء عمله). (غافر آية 37) (أفمن زين له سوء عمله) (فاطر آية 8) (وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم) (الأنفال آية 48) أما النعمة فينسبها الله تعالى إلى نفسه لأن النعمة كلها خير (ربي بما أنعمت علي) (القصص آية 17) (إن هو إلا عبد أنعمنا عليه) (الزخرف آية 59) (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونئا بجانبه وإذا مسه الشر كان يؤوسا) (الإسراء آية 83) ولم ينسب سبحانه النعمة لغيره إلا في آية واحدة (وإذ تقول للذي انعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك) (الأحزاب آية 37) فهي نعمة خاصة بعد نعمة الله تعالى عليه.
لماذا قال " المغضوب عليهم " ولم يقل أغضبت عليهم؟ جاء باسم المفعول وأسنده للمجهول ولذا ليعم الغضب عليهم من الله والملائكة وكل الناس حتى أصدقاؤهم يتبرأ بعضهم من بعض حتى جلودهم تتبرأ منهم ولذا جاءت المغضوب عليهم لتشمل غضب الله وغضب الغاضبين.
غير المغضوب عليهم ولا الضالين: لم كرر لا؟ وقال غير المغضوب عليهم والضالين؟ إذا حذفت (لا) يمكن أن يُفهم أن المباينة والابتعاد هو فقط للذين جمعوا الغضب والضلالة فقط ، أما من لم يجمعها (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فلا يدخل في الاستثناء ، فإذا قلنا مثلا : لا تشرب الحليب واللبن الرائب (أي لا تجمعهما) أما إذا قلنا : لا تشرب الحليب ولا تشرب اللبن الرائب كان النهي عن كليهما إن اجتمعا أو انفردا.
فلماذا قدم إذن المغضوب عليهم على الضالين؟ المغضوب عليهم : الذين عرفوا ربهم ثم انحرفوا عن الحق وهم اشد بعدا لان ليس من علم كمن جهل لذا بدأ بالمغضوب عليهم وفي الحديث الصحيح أن المغضوب عليهم هم اليهود وأما النصارى فهم الضالون. واليهود أسبق من النصارى ولذا بدأ بهم واقتضى التقديم.
وصفة المغضوب عليهم هي أول معصية ظهرت في الوجود وهي صفة إبليس عندما أُمر بالسجود لآدم عليه السلام وهو يعرف الحق ومع ذلك عصى الله تعالى وهي أول معصية ظهرت على الأرض أيضاً عندما قتل ابن آدم أخاه فهي إذن أول معصية في الملأ الأعلى وعلى الأرض (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه) (النساء آية 93) ولذا بدأ بها.
أما جعل المغضوب عليهم بجانب المنعم عليهم فلأن المغضوب عليهم مناقض للمنعم عليهم والغضب مناقض للنعم.
خاتمة سورة الفاتحة هي مناسبة لكل ما ورد في السورة من أولها إلى آخرها فمن لم يحمد الله تعالى فهو مغضوب عليه وضال ومن لم يؤمن بيوم الدين وأن الله سبحانه وتعالى مالك يوم الدين وملكه ومن لم يخص الله تعالى بالعبادة والاستعانة ومن لم يهتد إلى الصراط المستقيم فهم جميعاً مغضوب عليهم وضالون.
ولقد تضمنت السورة الإيمان والعمل الصالح، الإيمان بالله (الحمد لله رب العالمين) واليوم الآخر (مالك يوم الدين) والملائكة والرسل والكتب (اهدنا الصراط المستقيم) لما تقتضيه من إرسال الرسل والكتب. وقد جمعت هذه السورة توحيد الربوبية (رب العالمين) وتوحيد الألوهية (إياك نعبد وإياك نستعين) ولذا فهي حقاً أم الكتاب.
3) يقول الدكتور أحمد الكبيسي في كلمة الصراط وأخواتها في القرآن الكريم في برنامجه الكلمة وأخواتها في القرآن الكريم على قناة دبي الفضائية في شرح كلمة الصراط وأخواتها في القرآن الكريم وكيف أن كل كلمة منها وردت في القرآن في مكانها المناسب والمعنى الذي تأتي به كل كلمة لا يمكن أن يكون إلا من عند العلي العظيم الذي وضع كل كلمة بميزانها وبمكانها الذي لا يمكن لكلمة أخرى أن تأتي بنفس معناها:
مرادفات كلمة الطريق تأتي على النحو التالي: إمام – صراط – طريق - سبيل – نهج – فج - جدد (جمع جادة) – نفق
وجاء معنى كل منها العام على النحو التالي:
إمام: وهو الطريق العام الرئيسي الدولي الذي يربط بين الدول وليس له مثيل وتتميز أحكامه في الإسلام بتميز تخومه. وقدسية علامات المرور فيه هي من أهم صفاته وهو بتعبيرنا الحاضر الطريق السريع بين المدن (Highway). وقد استعير هذا اللفظ في القرآن الكريم ليدل على الشرائع (يوم ندعو كل أناس بإمامهم) (الإسراء آية 71 ) أي كل ما عندهم من شرائع وجاء أيضا بمعنى كتاب الله (وكل شئ أحصيناه في إمام مبين) (يس آية 12)
صراط: هو كل ممر بين نقطتين متناقضتين كضفتي نهر أو قمتي جبلين أو الحق والباطل والضلالة والهداية في الإسلام أو الكفر والإيمان. والصراط واحد لا يتكرر في مكان واحد ولا يثنى ولا يجمع. وقد استعير في القرآن الكريم للتوحيد فلا إله إلا الله تنقل من الكفر إلى الإيمان (قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم) ( الأنعام آية 161) (من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم) ( الأنعام آية 39) (اهدنا الصراط المستقيم) (الفاتحة آية 7) (فاتبعني أهدك صراطا سويا) (مريم آية 43 ) (وان الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون) (المؤمنون آية 74 )
والصراط عموما هو العدل المطلق لله تعالى وما عداه فهو نسبي. (إن ربي على صراط مستقيم) ( هود آية 56 ) والتوحيد هو العدل المطلق وما عداه فهو نسبي.
سبيل: الطريق الذي يأتي بعد الصراط وهو ممتد طويل آمن سهل لكنه متعدد (سبل جمع سبيل) (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) ( العنكبوت آية 69 )السبل متعددة ولكن شرطها أن تبدأ من نقطة واحدة وتصب في نقطة واحدة عند الهدف. وفيه عناصر ثلاث: ممتد، متحرك ويأخذ إلى غاية.
و المذاهب في الإسلام من السبل كلها تنطلق من نقطة واحدة وتصل إلى غاية واحدة. وسبل السلام تأتي بعد الإيمان والتوحيد بعد عبور الصراط المستقيم. ولتقريب الصورة إلى الأذهان فيمكن اعتبار السبل في عصرنا الحاضر وسائل النقل المتعددة فقد ينطلق الكثيرون من نقطة واحدة قاصدين غاية واحدة لكن منهم من يستقل الطائرة ومنهم السيارة ومنهم الدراجة ومنهم الدواب وغيرها.
واستخدمت كلمة السبيل في القرآن بمعنى حقوق في قوله (ليس علينا في الأميين سبيل) (آل عمران آية 75 ) وابن السبيل في القرآن هو من انقطع عن أهله انقطاعا بعيدا وهدفه واضح ومشروع كالمسافر في تجارة أو للدعوة فلا تعطى الزكاة لمن انقطع عن أهله بسبب غير مشروع كالخارج في معصية أو ما شابه.
طريق:الطريق يكون داخل المدينة وللطرق حقوق خاصة بها وقد سميت طرقا لأنها تطرق كثيرا بالذهاب والإياب المتكرر من البيت إلى العمل والعكس. والطريق هي العبادات التي نفعلها بشكل دائم كالصلاة والزكاة والصوم والحج والذكر. (يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم) (الأحقاف آية 30)
نهج: وهو عبارة عن ممرات خاصة لا يمر بها إلا مجموعة خاصة من الناس وهي كالعبادات التي يختص بها قوم دون قوم مثل نهج القائمين بالليل ونهج المجاهدين في سبيل الله ونهج المحسنين وأولي الألباب وعباد الرحمن فكل منهم يعبد الله تعالى بمنهج معين وعلى كل مسلم أن يتخذ لنفسه نهجا معينا خاصا به يعرف به عند الله تعالى كبر الوالدين والذكر والجهاد والدعاء والقرآن والإحسان وغيرها (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) ( المائدة آية 48 ) وإذا لاحظنا وصفها في القرآن وجدنا لها ثلاثة صفات والإنفاق فيها صفة مشتركة.
1- نهج المستغفرين بالأسحار: (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) ( الذاريات آية 17 - 19 )
2- ونهج أهل التهجد: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون) (السجدة آية 16)
3- ونهج المحسنين: (الذين ينفقون بالسراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس) (آل عمران آية 134 ).
فج: وهو الطريق بين جبلين (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) (الحج آية 27)
جادة: وتجمع على جدد كما وردت في القرآن الكريم (ومن الجبال جدد بيض وحمر) (فاطر آية 27 ) والجادة هي الطريق الذي يرسم في الصحراء أو الجبال من شدة الأثر ومن كثرة سلوكه.
نفق: وهو الطريق تحت الأرض (فان استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض) (الأنعام آية 35 )
المصدر:موقع إسلامياتhttp://www.islamiyyat.com
  #750  
قديم 08-07-2008, 10:39 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

لمسات بيانية في سورة الكوثر

الدكتور فاضل السامرائي
قال الله تعالى:(إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ {1} فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ {2} إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ )
لماذا قال الله تعالى أعطيناك ولم يقل آتيناك؟
سورة الكوثر تأتي بعد سورة الماعون (أرأيت الذي يكذب بالدين..)وهي تقابل هذه السورة من نواحي عديدة:
سورة الماعون
سورة الكوثر
أرأيت الذي يكذب بالدين
فذلك الذي يدع اليتيم
ولا يحض على طعام المسكين
فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون
إنا أعطيناك الكوثر
فصل لربك وانحر
(المقصود بالنحر التصدق)
فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون (سهو عن الصلاة)
فصل لربك وانحر (أمر بالصلاة ودوام عليها)
الذين هم يرآؤون (مرآءاة في الصلاة)
فصل لربك وانحر (إخلاص الصلاة لله)
الذي يكذب بيوم الدين (لا يصدق بالجزاء ويوم الدين)
إنا أعطيناك الكوثر (الكوثر نهر في الجنة وهذا تصديق بيوم الدين والجزاء)

كل الصفات في هذه السورة تدل على الأبتر لأنه انقطع الخير عنه فهو الأبتر حقيقة (يكذب بيوم الدين, لا يدع اليتيم، لا يحض على طعام المسكين، ...)
إن شانئك هو الأبتر (والأبتر هو من انقطع عمله من كل خير)

وسورة الكوثر هي إنجاز لما وعد الله تعالى رسوله في سورة الضحى (ولسوف يعطيك ربك فترضى) في سورة الضحى وعد من الله بالإعطاء وفي سورة الكوثر عطاء وتحقق العطاء. وفي سورة الكوثر قال تعالى (إنا أعطيناك الكوثر) وإنا تفيد التوكيد وفي سورة الضحى (ولسوف يعطيك ربك فترضى) ولسوف تفيد التوكيد أيضاً. وفي سورة الكوثر (فصل لربك وانحر) وفي الضحى (ولسوف يعطيك ربك فترضى) أي فصل لربك الذي وعدك بان يعطيك وأنجز الوعد.
إنا أعطيناك: في بناء الآية لغوياً يوجد تقديم الضمير إنا على الفعل أعطيناك وهو تقديم مؤكد تأكيد بـ (إن) وتقديم أيضاً.
فلماذا قدم الضمير إنا ؟ أهم أغراض التقديم هو الاهتمام والاختصاص.
فعندما نقول أنا فعلت بمعنى فعلته أنا لا غيري (اختصاص)
وأنه خلق الزوجين ...ونوحاً هدينا من قبل.. (تفيد الاهتمام)
ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان...(تفيد الاهتمام ) لم يقصر السماع عليهم وحدهم إنما سمع غيرهم أيضاً.
في الآية إنا أعطيناك الكوثر يوجد الأمران: الاختصاص والاهتمام؛ فالله تعالى أعطى نبيه الكوثر اختصاصاً له وليس لأحد سواه وللاهتمام أيضاً وإذا كان ربه هو الذي أعطاه حصراً فلا يمكن لأي أحد أن ينزع ما أعطاه الله من حيث التأكيد في تركيب الجملة.
إنا: ضمير التعظيم ومؤكد
أعطيناك: لماذا لم يقل آتيناك؟
هناك تقارب صوتي بين آتى وأعطى وتقارب من حيث المعنى أيضاً لكن آتى تستعمل لما هو أوسع من أعطى في اللغة فقد يتقاربان.
آتى تستعمل لأعطى وما لا يصح لأعطى (يؤتي الحكمة من يشاء) (ولقد آتينا موسى تسع آيات) ( وآتيناهم ملكاً عظيماً). آتى تستعمل للرحمة، للحكمة، للأموال (وآتى المال على حبه) وتستعمل للرشد (وآتينا إبراهيم رشده). آتى تستعمل عادة للأمور المعنوية (لقد آتيناك من لدنا ذكرا) وقد تستعمل للأمور المادية أيضاً.
أما أعطى فهي تستعمل في الأمور المادية فقط (وأعطى قليلاً وأكدى) (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى)
إذن آتى تستعمل للأموال وغير الأموال وأكثر استعمالها للأمور الواسعة والعظيمة كالملك والرشد والحكمة.
وأعطى للتخصيص على الأغلب وهناك أمور لا يصح فيها استعمال أعطى أصلا كالحكمة والرشد.
وما دامت كلمة آتى أوسع استعمالا فلماذا إذن لم يستعمل آتى بدل أعطى؟
الإيتاء يشمله النزع بمعنى انه ليس تمليكا إنما العطاء تمليك. والإيتاء ليس بالضرورة تمليكا (تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء) (وآتيناه من الكنوز....ثم خسفنا به وبداره الأرض) إذن الإيتاء يشمله النزع أما العطاء فهو تمليك. في الملك يستعمل الإيتاء لأنه قد ينزعه سبحانه أما العطاء فهو للتمليك وبما انه تمليك للشخص فله حق التصرف فيه وليس له ذلك في الإيتاء. (رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي.... هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب) أي بما انه عطاء من الله تعالى لسيدنا سليمان فله حق التصرف في عطاء الله له.
وقد يكون الإيتاء آية فليس للنبي حق التصرف بها بل عليه تبليغها ورب العالمين ملك رسوله صلى الله عليه وسلم الكوثر وأعطاه إياه تمليكاً له أن يتصرف فيه كيفما شاء.
لماذا قال تعالى الكوثر ولم يقل الكثير؟
الكوثر من صفات المبالغة تفيد (فوعل وفيعل) تدل على المبالغة المفرطة في الخير. وقيل عن الكوثر انه نهر في الجنة وقيل الحوض وقيل رفعة الذكر وغيره وكل ما قيل يشمل الخير الذي أعطاه الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم فهو كوثر ومن الكوثر أي الخير الذي انعم الله تعالى على رسوله به.
والكوثر يدل على الكثرة المفرطة في الشيء والفرق بين الكوثر والكثير ان الكوثر قد تكون صفة وقد تكون ذاتاً أما الكثير فهي صفة فقط. وكون الكوثر صفة يدل على الخير الكثير وليس على الكثرة (الكثير هو الكثرة) ولكن الكوثر تدل على الخير الكثير والكثرة قد تكون في الخير وغيره. فالكوثر هو بالإضافة إلى الكثرة المفرطة فهو في الخير خصوصاً. وقد تكون الكوثر الذات الموصوفة بالخير (يقال أقبل السيد الكوثر أي السيد الكثير الخير و العطاء) ولا يقال اقبل الكثير. النهر عادة هو ذات ولكنه ذات موصوف بكثرة الخير. فالكوثر أولى من الكثير لما فيه من الكثرة المفرطة مع الخير وهناك قراءة للآية (الكيثر) وهي صفة مشابهة مثل الفيصل.
والواو أقوى من الياء فأعطى الله تعالى الوصف الأقوى وهو الكوثر وليس الكثير. وفي هذه الآية حذف للموصوف فلم يقل تعالى ماءً كوثراً ولا مالاً كوثراً وإنما قال الكوثر فقط لإطلاق الخير كله.
وعندما عرف الكوثر بأل التعريف دخل في معناها النهر ولو قال كوثر لما دخل النهر فيه لكن حذف الموصوف أفاد الإطلاق وجمع كل الخير.
وعندما أعطى الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم الخير المطلق والكثير فهو في حاجة للتوكيد والتعظيم ولذلك قال إنا مع ضمير التعظيم لأنه يتناسب مع الخير الكثير والمطلق وناسبه التوكيد أيضاً في إنا.
- قوله ( فصل لربك وانحر )
لماذا لم يقل سبحانه وتعالى فصل لنا أو صل لله ولماذا قال انحر ولم يقل ضحي أو اذبح.
بعد أن بشر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بإعطائه الكوثر جاء السبب بالفاء أي أراد منه أن يشكر النعمة التي أعطاه إياها ، ينبغي تلقي النعم بالشكر ولم يقل له فاشكر لان الشكر قد يكون قليلاً أو كثيراً فلو قال الحمد لله فقط لكان شاكراً لكن هذا الأمر الكبير والعطاء الكبير يستوجب الحمد الكثير ولذا طلب الله تعالى من رسوله صلى الله عليه وسلم شيئين الأول يتعلق بالله تعالى وهو الصلاة والثاني يتعلق بالعباد وهو النحر. والصلاة أعظم ركن من أركان الإسلام وهو أعلى درجات الشكر لله والنحر وفيه إعطاء خلق الله والشفقة بخلق الله. فشكر النعم يكون بأمرين شكر الله والإحسان إلى خلقه من الشكر أيضاً وعندما نحسن إلى خلق الله يكون هذا من شكر نعم الله.
وقدم الله تعالى الصلاة على النحر لأن الصلاة أهم من النحر وهي ركن من أركان الإسلام وأول ما يسأل العبد عنه يوم الحساب والمفروض أن تكون خمس مرات في اليوم والليلة ولهذا فهي أعم من النحر لأن النحر يكون مع التمكن المادي فقط في حين أن الصلاة لا تسقط عن العباد في أي حال من الأحوال من مرض أو فقر أو غيره. وقد وردت الصلاة في القرآن على عدة صور فهي إن كانت من الله تعالى فهي رحمة ، ومن الرسول صلى الله عليه وسلم دعاء ، ومن العباد عبادة وقول وفعل وحركة الصلاة. وكلما ورد ذكر الصلاة والزكاة في القرآن تتقدم الصلاة على الزكاة لأنها أعم وأهم.
فصل لربك: لماذا لم يقل فصل لله أو فصل لنا؟
اللام في (لربك) تفيد الاختصاص والقصد أن الصلاة لا تكون إلا لله وحده وهي مقابلة لما ورد في ذكر المرائين في الصلاة في سورة الماعون (الذين هم عن صلاتهم ساهون، الذين هم يرآؤون ويمنعون الماعون) أما في سورة الكوثر فجاءت فصل لربك أي داوم على الصلاة لربك وليس كالمرائين.
لماذا لم يقل فصل لنا؟ في اللغة تسمى التفات من الغيبة إلى الحضور أو العكس. الصلاة تكون للرب وليس للمعطي فإذا قال فصل لنا لأفاد أن الصلاة تكون للمعطي ولكن الصحيح أن المعطي له الشكر فقط وليس الصلاة حتى لا يتوهم أن الصلاة تكون لأي معطي والصلاة حق لله وحده إنما المعطي له الشكر فقط. وكذلك قال تعالى إنا أعطيناك باستخدام ضمير التعظيم فلو قال فصل لنا لأوهم انه فيه شرك (انه تعالى له شريك والعياذ بالله) أو انه يمكن استخدام ضمير التعظيم للجمع
ملاحظة: في القرآن كله لا يوجد موضع ذكر فيه ضمير التعظيم إلا سبقه أو تبعه إفراد بما يفيد وحدانية الله تعالى (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ...إنا لله وإنا إليه راجعون) (كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله) (ألم نشرح لك صدرك، ووضعنا عنك وزرك....وإلى ربك فارغب) ولم يقل والينا فارغب. وهكذا يتبين انه لم يذكر ضمير التعظيم في القرآن كله إلا سبقه أو تبعه ما يدل على الإفراد تجنباً للشرك.
واختيار كلمة الرب بدل كلمة الله (فصل لربك ولم يقل فصل لله) هذه الآية إنجاز لما وعد الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم في سورة الضحى (ولسوف يعطيك ربك فترضى) ومعناها صل لربك الذي أنجز الوعد الذي وعدك إياه. والعطاء من الرعاية ولم يرد في القرآن كله لفظ العطاء إلا مع لفظ الرب (ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) (ولسوف يعطيك ربك فترضى) (كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محذورا) (جزاء من ربك عطاء حسابا) لم تقترن كلمة العطاء في القرآن كله بغير لفظ الرب، والرب هو المربي والمعطي والقيم.
لماذا قال : ( وانحر ) ولم يقل واذبح؟
النحر في اللغة : يتعلق بنحر الإبل فقط ولا تستعمل مع غير الإبل. يقال ذبح الشاة وقد يستعمل الذبح للجميع وللبقر والطيور والشاة والإبل لكن النحر خاص بالإبل لأنها تنحر من نحرها فأراد الله تعالى أن يتصدق بأعز الأشياء عند العرب فلو قال اذبح لكان جائزاً أن يذبح طيراً أو غير ذلك ومعروف أن الإبل من خيار أموال العرب. وبما أن الله تعالى أعطى رسوله صلى الله عليه وسلم الخير الكثير والكوثر فلا يناسب هذا العطاء الكبير أن يكون الشكر عليه قليلاً لذا اختار الصلاة والنحر وهما أعظم أنواع الشكر.
لماذا لم يقل وتصدق؟
الصدقة تشمل القليل والكثير فلو تصدق احدهم بدرهم أو بطير لكفى المعنى ولكن الله تعالى أراد التصدق بخير الأموال ليتناسب مع العطاء الكثير.
لماذا لم يقل وزكي؟
الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يملك النصاب للزكاة أصلاً فهي غير واردة على الإطلاق ثم إن الزكاة تجب مرة واحدة في العام وبنسبة 2.5 % فقط ولما اختلف عما فرضه الله تعالى على المسلمين جميعاً ولن تكون شكراً خاصاً لله تعالى على عطائه الكثير ألا وهو الكوثر.
لماذا لم يقل وضحى؟
الأضحية هي كل ما تصح به الأضحية الشرعية فلو ضحى بشاة لكفت ، والأضحية لها وقتها وهو أربعة أيام يوم النحر و أيام التشريق فقط والله تعالى لم يرد أن يحصر الشكر له على عطائه الكثير بأيام محددة.
اختلف المفسرون بالصلاة والنحر أهي صلاة العيد أو عامة الصلاة أو خاصة والمعنى في الآية (فصل لربك وانحر) تشمل كل هذه الحالات ففي العيد يكون النحر بعد الصلاة ولكن الكثير من المفسرين قالوا إنها عامة ويدخل فيها صلاة العيد والأضحية.
لماذا لم يقل فصل لربك وانحر لربك؟ أو انحر له؟
- إن المتعلق الأول لربك كأنما يغني عن المتعلق الثاني وهو ما يسمى بظهور المراد أي يفهم من الآية فصل لربك وانحر لربك .
- الصلاة أهم من النحر لأنها لا تسقط بأي حال من الأحوال فجعل المتعلق بما هو أهم والنحر لا يكون إلا مع الاستطاعة .
- الصلاة لا تكون إلا عبادة ولا تكون غير ذلك أما النحر فقد يكون إما للعبادة وقد يكون للأكل فقط وليست بهدف العبادة لذا النحر يختلف عن الصلاة. وإذا كان النحر عبادة فلا يكون إلا لله تعالى وملعون من ذبح لغير الله فلو قال وانحر لربك لألزم أن يكون النحر فقط عبادة ولما جاز لغير العبادة أبداً .
لماذا لم يقل وتقرب؟ القربان من التقرب ولقد ورد القربان مرة واحدة في القرآن الكريم في حادثة ابني آدم عليه السلام.
- قوله ( إن شانئك هو الأبتر ).
نزلت هذه الآية لما مات ابني الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت قريش بتر محمد وإذا مات أبناء الشخص المذكور يقال له أبتر.
ما هو تعريف كلمة الأبتر وما معناها؟
الأبتر في اللغة لها عدة معاني:
1. كل أمر انقطع من الخير أثره فهو أبتر
2. إذا مات أولاد الشخص الذكور أو ليس له أولاد ذكور أصلاً
3. الخاسر يسمى أبتر
من أشهر ما ذكر في أسباب النزول حادثة وفاة ابني الرسول صلى الله عليه وسلم
هو الأبتر" يقال هو الغني لتفيد التخصيص. هو غني : أي هو من جملة الأغنياء.
أراد الله تعالى أن يخصص الشانئ بالأبتر ولم يقل إن شانئك هو أبتر. هو في الآية ضمير منفصل وتعريف الأبتر بأل التعريف حصر البتر بالشانئ تخصيصاً.
شنئان: بغض.
جعل الله تعالى مجرد بغض الرسول صلى الله عليه وسلم هو خسارة وهذه خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
لم يقل عدوك هو الأبتر لأن مجرد الشنئان للرسول صلى الله عليه وسلم هو بغض وخسارة ولو لم يعلن عداوته علناً (فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن).
لماذا قال الأبتر ولم يقل المبتور؟
الأبتر صفة مشبهة على وزن أفعل تفيد الثبوت مثل الأحمر والأعرج والأسمر والأصلع.
المبتور صيغة فعول تدل على الحدوث فترة مثل مهموم ومحزون ومسرور ولا تدل على الثبوت بل تتحول.
فاستخدام الأبتر وجب بكل معاني البتر مع استمرارية هذه الصفة مع انقطاع ذريته حقيقة أو حكماً ويقال إن شانيء الرسول صلى الله عليه وسلم انقطع نسله بتاتاً إما بانقطاع الذرية أصلاً أو بإسلام ذريته من بعده فلا يدعون لأبيهم الكافر أبداً فينقطع أيضاً ذريته وذكره بعد موته، فقد بتر من الذرية وبتر من الخير أيضاً (وورد أن شانيء الرسول صلى الله عليه وسلم هو أبو جهل الذي اسلم أبناؤه كلهم وآمنوا بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم).
لماذا لم يقل وجعلنا شانئك هو الأبتر أو سنجعل شانئك هو الأبتر؟
الخير الكثير هو الذي يعطيه الله تعالى والعطاء يقاس بقدر العطاء وقيمته وبقدر المعطي فإذا كان المعطي عظيما كان العطاء عظيماً. من ناحية المعطي ليس هناك أعظم من الله تعالى والكوثر هو الخير الكثير أما الأبتر فهو ليس جعلاً إنما صفته الأصلية فهناك فرق بين جعل الإنسان بصفة معينة او انه كذلك بصفته الأصلية.
شانئك : من حيث البيان هي أقوى الألفاظ وفي قراءة (شنئك) تفيد أن الأبتر هو الذي بالغ في الشنئ. ارتبط آخر السورة بأولها فالله تعالى أعطى في أولها الكثير من الخير وفي المقابل جاءت كلمة الأبتر وهو الذي خسر كل شيء والذي انقطع أثره من كل خير مقابل الخير الكثير الذي أعطاه الله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم.
الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخسر لا في الدنيا ولا في الآخرة وهو ليس بالأبتر فالرسول صلى الله عليه وسلم يذكر اسمه في كل ثانية وهذا خاص بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلمإنما الشانيء فهو الأبتر في الدنيا والآخرة وهو الخاسر مادياً ومعنوياً.
لما أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالنحر (فصل لربك وانحر) مكنه من مئة من الإبل نحرها بعد نزول الآية شكراً لله تعالى على نعمه الكثيرة.
المصدر:
موقع إسلاميات http://www.islamiyyat.com
موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 7 ( الأعضاء 0 والزوار 7)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 262.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 257.13 كيلو بايت... تم توفير 5.82 كيلو بايت...بمعدل (2.21%)]