التحذير من خطر المخدرات - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الدور الحضاري للوقف الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          آفاق التنمية والتطوير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 3883 )           »          تحت العشرين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 61 - عددالزوار : 6958 )           »          المرأة والأسرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 61 - عددالزوار : 6426 )           »          الأخ الكبير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          فوائد متنوعة منتقاة من بعض الكتب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 197 )           »          الحفاظ على النفس والصحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          شرح النووي لحديث: أنت مني بمنزلة هارون من موسى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          نظرية التأخر الحضاري في البلاد المسلمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          الاستعلائية في الشخصية اليهودية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18-10-2019, 02:44 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,915
الدولة : Egypt
افتراضي التحذير من خطر المخدرات

التحذير من خطر المخدرات




الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر






الخطبة الأول

أمَّا بعدُ:
فيا أيها الناس، اتقوا الله وخُذوا حِذركم، وتفكَّروا في زمانكم وما حولكم؛ فإنكم في زمان قلَّ فيه الهدى، وغلَب على أهله اتِّباع الهوى، وتكالَبت فيه الأعداء، فعَظُمت الفتن، وكَثُرت الشرور، وتنوَّعت المكايد، وغُزِي أهل الإسلام من كل صوبٍ، وقُوتِلوا بكل سلاحٍ، ومن يعتصم بالله، فقد هُدِي إلى صراط مستقيم، ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [آل عمران: 120].

عباد الله:
من كبير الفتن، وواسعِ أبواب الشر، وأفتَكِ أسلحة الدمار الشامل التي وُجِّهت إلى المجتمعات الإسلامية وغيرها في هذا العصر - غزوُ المجتمعات بسلاح المُسكرات والمخدرات، ذلكم الغزو الكبير، والكيد الخطير، والسلاح المشؤوم، الذي لا سابقةَ له، ولا وقاية منه، إلا بصدق اللَّجَأ إلى الله؛ لطلب العافية والاستعانة به على المواجهة، ثم الأخذ بأسباب السلامة، والنأي عن مواطن الفتنة، وقُرناء السوء، ومَن لا تُعرَف حاله، أو يُشَك في توجُّهه وقصده، وهذا في الفتن عامة، وفتنة المخدرات خاصة، فقد طفَح الكيل، وبلَغ السيل الزُّبى، وإن السعيد لَمَن جُنِّب الفتن، ووُعِظ بغيره، ولَمَن ابتُلي فصبَر، وإن الشقي مَن وُعِظ بنفسه، وقاد نفسه اختيارًا إلى حتْفها ورمْسه، في أسوأ حال، وإلى أشقى مآلٍ.

أيها الناس:
إن المسكرات وأنواع المخدرات، آفةٌ فظيعة، وجريمة شنيعة، تقود إلى جرائمَ كبيرة، وآثامٍ خطيرة، فهي آلة إفساد، ومُورثة فساد، فما حلَّت في مجتمع وانتشرت فيه، إلا رمَت أهله - المصابين بها - بسعار من مُحرَّم الشهوات، وأغرَقتهم في حمْأة من نَتْن اللذات، والتي سرعان ما تَضْمَحل لتَعقبها الأوبئة المُهلكة السارية، والأمراض المُعدية، والمصائب الدينية والبشرية والمالية التي لا حصر لها، ناهيكم عن خلْق بيئة تَصنع الإجرام، وتتفنَّن في ارتكاب الآثام، والاعتداء والإفساد لكل محترم من خاص وعام.

ألا فاتَّقوا الله ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الأنفال: 25].

أيها المسلمون:
إن المسكرات والمخدرات آفةُ العصر، ومُشكلة الدهر، لقد عصَفت رياحها المشؤومة بالدين والنفوس، والعقولِ والأموال؛ فإنها قد أمْعَنت في بَذْر الخراب، وصناعة الفساد، وحصْد الأرواح، وهَدْر الأموال، والقضاء على القِيَم، وإيجاد أوكار الإجرام.

معشر المسلمين،:
حروف خدَر في اللغة، تدلُّ على سُترة وظُلمة، وفتور واسترخاءٍ، فالمخدر في اللغة: ما يترتب على تناوله كسَلٌ وفُتور، وضَعْف واسترخاء، وفيه معنى الستر والتغطية.

والمخدرات في الاصطلاح اللغوي: مواد نباتية أو كيماوية، لها تأثيرها السلبي - العقلي والبدني - على مَن يتعاطها، فتُصيب جسمَه بالفتور والخمول، وتشلُّ نشاطه الذهني والعصبي، وتغطي عقله، كما يُغطيه المُسكر، وإن كانت قد لا تحدث الشدة المُطربة، التي هي من خصائص المسكر المائع، فاسْمُها دالٌّ على معناها، ونَعتها نذيرُ خطرٍ بمخباها، وحال أهلها عِظة لمن عُوفِي منها.

أمة الإسلام، أما المخدرات في الاصطلاح الطبي والقانوني، فهي مواد كيميائية، خام أو مستحضرة، تحتوي على عناصر مُسكنة أو مُنبِّهة مُنشطة، من شأنها إذا استُخدِمت في غير الأغراض الطبية المُخصَّصة لها، وبقَدر الحاجة إليها، ودون استشارة طبية - أن تُسبِّب الإدمان، وتُسمِّم الجهاز العصبي، وتؤدي إلى غياب الوعي، أو النشاط غير المنضبط، فهي تتَّصف - بجميع أنواعها - بالسيطرة على متعاطيها سيطرةً تؤدي إلى الانهيار النفسي والبدني والعقلي المؤكَّد.

أيها المؤمنون، أما المخدرات من حيث أصل مادتها، فهي ثلاثة أنواع:
الأول: مواد مخدرة طبيعية، وهي من أصل نباتي؛ مثل: الحشيش والأفيون، والكوكا والقات.

الثاني: مواد مخدرة تصنيعية، وهي التي تُستخلَص من المواد الطبيعية، وتُجرى عليها عمليات كيميائية؛ لتصبح أشدَّ تركيزًا، وأبلغ أثرًا؛ مثل: المورفين والهيروين والكوكايين، ونحوها.

الثالث: مواد مخدرة تخليقيَّة، وهي عقاقير من مواد كيمائية، لها نفس تأثير المواد المخدرة الطبيعية والتصنيعية، وتَخرج على شكل كبسولات أو حبوب، أو أقراص أو حقن، أو شراب أو مساحيق، منها ما هو منوِّم أو مُهدِّئ، أو مُهَلْوِس أو مُنَشِّط.

معشر المؤمنين:
ولقد تفنَّن ذَوُو الإجرام بالمخدرات تصنيعًا وترويجًا، وإغراءً بها، وصيدًا للأبرياء والبُسطاء، فقد أجرموا في صناعتها؛ ليصيدوا بها فجأة، ويُسرعوا في الكرَّة، ويعودوا مرة بعد مرة؛ إمعانًا في المكايد الشيطانية، وتمرُّدًا على الجهات الرقابية، فصنعوا منها غازات طيَّارة توجَّه للأفواه والأنوف والأعيُن، وأخرى مواد لاصقة توضَع في أي مكان من الجسم، ومنها ثالثة حُقنًا تُغرَز بسرعة وسهولة في أي عضو، وأقلها شأنًا - وهي خطيرة خطر سابقاتها - الأقراص المُنشطة والمُهدئة، التي تُفسد، المزاج وتُسبب الإدمان، وتُعلِّق الصيد بالصائد؛ حتى يَبذُل دينه وعِرضه وحياته، فضلاً عن ماله وجَلْب غيره إليه مقابل جُرعة مُخدرة، وصفقة خاسرة في الدنيا والآخرة.

أُمة الإيمان، حقًّا إن المسكرات والمخدرات لَغم يهدِّد الحضارة بالاضمحلال، والقيمَ بالزوال، والأخلاقَ بالفساد، والثرواتِ بالتلف، إنها الموت والفناء معبَّأ في أقراص وحقن وما يُشَمُّ ويُستعطى، وإنها والله السمُّ متنكِّرًا في ألوان وأشكال يروَّج لها، ويُغرى بها، بأسماء جذَّابة، وألوان مُغرية، ونتائجَ مكذوبةٍ مُزخرفة، أما الضحايا المستهدفة، فهم أجناس البشر من مختلف الألوان والأعمار، والأديان والأماكن.

أُمة القرآن، وإذا كان الله - جل وعلا - قد أمَر باجتناب الخمر، مُبيِّنًا جملةً من أضرارها وأخطارها، ومُنَبِّهًا إلى أن تزيين شُربها والإغراء بها من عمل الشيطان؛ ليُوقع به العدوان والبغضاء بين المسلمين، ويصدَّهم عن ذكر الله، وعن الصلاة، ونحو ذلك مما ينقص الإسلامَ أو ينقضُه، فقال - سبحانه -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 90 - 91].

وللتأكيد على خبث الخمر وشرِّه، وشُؤمه وسوء عواقبه دنيا وآخرة - قرَنه الله - عز وجل - بالأوثان والمَيسر والأزلام ونحوها، من كبائر وعظائم أهل الجاهلية التي أشْقَتهم في دنياهم، وجعَلتهم من الأخسرين أعمالاً في أُخراهم، المستوجبين لغضب الله ولَعْنته، والخلود في شديد عذابه وأليم عقابه.

عباد الله، وإذا كان هذا شُؤم المسكرات والمخدرات، فإن من مهام نبيِّكم - صلى الله عليه وسلم - التي بُعِث بها ووُصِف بها في الكتب السابقة - ما ذكره الله تعالى، يقول: ﴿ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾ [الأعراف: 157].

ومعلوم أن المخدرات أخبثُ الخبائث، وقد حرَّمها النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((كل مُسكر خمرٌ، وكل مُسكر حرام، ومَن مات وهو يشرب الخمر يُدْمِنها، لم يَشربها في الآخرة)).

وقال - عليه الصلاة والسلام -: ((ما أسْكَر كثيره، فقليله حرامٌ))، ونهى - صلى الله عليه وسلم - عن كل مُسكر ومُفَتِّر، والأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مُستفيضة، والتي جمَع فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - بما أُوتِي من جوامع الكلم - بين كلِّ ما غطَّى العقل، وما أسكَر، وما فتَّر، بتسميته خمرًا، وتعميمه في حُكم التحريم طُرًّا،ولم يُفرِّق بين نوع وآخر، كما دلَّت النصوص بهذا الخصوص على أنه لا تأثير في كونه مأكولاً أو مشروبًا، أو غير ذلك من فنون التعاطي والاستعمال في الحُكم وعِظَم الجناية به وبسببه، فالكل خمرٌ، والكل حرام؛ لخبثه وشِدة ضرره، وكِبَر إثمه وخطره.

أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - إن في المخدرات بجميع أنواعها وأشكالها من المفاسد والأضرار، وكذا الأخطار - أضعافَ أضعاف ما في الخمر؛ من حيث إفساد الأديان، وإهلاك الأبدان، وتدمير العقول، وهدْم الأخلاق والقِيم، وإضاعة المال، وإثارة العداوة والبغضاء بين الناس، والصد عن ذِكر الله وعن الصلاة، فالخمر جِماع الخبائث، وبوَّابة الشر، والمخدرات أكبر منها وأضرُّ وأخطر، فمتعاطي الخمر أو المخدرات، كلاهما يَفقد عقله، ويتصرَّف تصرُّفات طائشة، تُثير الفتنة والخلاف والشِّقاق، وتُسبِّب العداوة والبغضاء، وكلاهما مما تَنتج عنه الغفلة عن ذِكر الله وعن الصلاة، وسائر المأمورات حال فِقدان العقل، فإذا كانت عِلة الحكم في تحريم الخمر والعقوبة عليه، هي تغطيةَ العقل وما تُحدثه من ضررٍ في البدن والمال، وما تُسبِّبه من تعطيل المأمورات، وارتكاب المنهيَّات، وانتهاك الحُرمات، فإنها في المخدرات أظهر وأكبر، بل إن المخدرات بجميع أنواعها أعظم خطرًا، وأشد ضررًا، وأقوى فتْكًا في متعاطيها، وحِرمانه وحرمان غيره، وحجم جنايته على نفسه وغيره.


معشر الأكارم، ولقد اتَّفق علماء المِلة الإسلامية على حُرمة تناول القدر المؤثِّر على العقل من المواد والعقاقير المخدرة تحريمًا قطعيًّا، فيَحرُم تعاطيها بأي وجهٍ من وجوه الاستعمال؛ أكلاً أو شربًا، أو شمًّا أو سعوطًا، أو تدخينًا أو حقنًا في الأوردة، أو غير ذلك، وصرَّحوا بكونه كبيرة من كبائر الذنوب المُوبقة، المُوجبة للعقوبة في الدنيا والآخرة؛ قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله - في حُكم تناول الحشيش: "هذه الحشيشة الصُّلبة حرامٌ؛ سواء أسْكَرت أو لم تُسكر، والمسكر منها حرام باتِّفاق المسلمين، ومن استحلَّ ذلك وزعم أنه حلال، فإنه يُستتاب، فإن تاب، وإلاَّ قُتِل مُرتدًّا، لا يُصلى عليه ولا يُدفن في مقابر المسلمين".

وقال الصنعاني - رحمه الله -: "إنه يَحرم ما أسكَر من أي شيءٍ، وإن لم يكن مشروبًا"، والفقهاء متَّفقون على عدم التفريق في الحكم بين المواد السائلة والمواد الجامدة.

فدلَّ الكتاب والسُّنة وإجماع الأمة على أن المخدرات بجميع أنواعها وكافة أشكالها - محرَّمة شرعًا تحريمًا قطعيًّا؛ إما لدخولها في عموم المسكرات، أو لقياسها على الخمر قياس علة؛ لمشاركتها له في الإسكار وتغطية العقل، وهي علة الحكم بالتحريم أو قياس أَوْلَى؛ لأنها أخطر من الخمر وأضرُّ، وأقبح وأشر، فلا يرتاب في تحريمها عاقلٌ، ولا يَستحلها إلا مكابرٌ أو مُلحد فاجر، قد فُتِن بها وعَمِي عقله وبصره عن ضررها وشُؤمها حالاً ومآلاً، ومثل هذا لا يزيده الجدالُ والتذكير إلا خَبالاً.

أمة الإسلام، إذا تقرَّرت حُرمة المخدرات شرعًا، وأنها من الموبقات، فإن الإعانة على تناوُل المخدرات كبيرةٌ موبقة، ولَعْنة الله عليه متحقِّقة، فإنها إعانة على الظلم والإثم؛ قال تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2]، وفي صحيح مسلم - رحمه الله - عن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله ورسوله حرَّم بيع الخمر والميتة، والخنزير والأصنام))، وعن أنس - رضي الله عنه - قال: لعَن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخمر عشرة: عاصرها ومُعتصرها وشاربها، وحاملها والمحمولة إليه، وساقيها وبائعها، وآكِل ثمنها، والمشتري والمشتراة له".

فيَحرُم تعاطيها بأي وجْهٍ من وجوه التعاطي، كما تَحرُم زراعتها وصناعتها والاتِّجار بها، وبيعها وإهداؤها، وتهريبها وترويجها، والتعامل بها بأي وجهٍ كان، وعلى أي صفة، والإعانة عليها والمشاركة فيها محرَّمة، فلا شُبهة في تحريمها ومعصية المُعين عليها، واستحقاقِه للعقوبة في الدنيا والآخرة.


إخوتي في الله، إن متعاطِي المخدرات - تجارة وترويجًا واستعمالاً - أصحابُ كبائرَ مُوبِقة، وجرائمَ مُتعديةٍ، يستحقون عليها أبلغ العقوبة في الدنيا، وما عند الله لهم من العقوبة والنَّكال في الأخرى - إن لم يتوبوا - أشدُّ وأبقى، إن لم يتوبوا إلى ربِّهم، ويَعودوا إلى رشدهم، ويُصلحوا ما أفسَدوا، فالمُتَّجِر بالمخدرات يتَّجر بالحرام، ويروِّج الإجرام، وإن الله تعالى إذا حرَّم شيئًا، حرَّم ثمنه، فهو أَكَّال للسُّحت، وساعٍ في الإضرار بالمسلمين، ومَن ضارَّ، ضار الله به، ومثله المروِّج للمخدرات، فكلاهما أَكَّال للسُّحت، ساعٍ في الفساد، مُتسبِّب في الإفساد، فجزاؤهم جزاءُ المحاربين المفسدين في الأرض؛ ﴿ أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [المائدة: 33].


الخطبة الثانية
عباد الله، لا يَرتاب عاقل أن المخدرات - بجميع أنواعها وأشكالها - أشدُّ ضررًا وأكبر خطرًا من الخمر، وأن إدمانها يُذهب العقلَ بالكليَّة، ويَفتك بالبدن بكافة أجهزته، فيُفسدها ويُعطلها، ويُصيب مستعملها بالتبلُّد وعدم الغَيْرة، ويجعل طبيعته تَميل تارة إلى الجبن والذِّلة والخنوع، وأخرى إلى العدوان والإجرام، فهي حرب على الضرورات الخمس، التي هي: الدين، والنفس، والعقل، والعِرض، والمال، والتي أجمَعت جميع الشرائع السماوية على حفظها، واتَّفقت الأنظمة المرعية على صيانة حقوقها، ووضْع الأنظمة الهادفة إلى منْع الاعتداء عليها، وتغليظ العقوبة على الجناية عليها.

أيها المسلمون:
ولقد نالت هذه الظاهرةُ الخطرة، والنازلةُ المشؤومة - اهتمامَ العالم بأسْره، بكافة دُوَله ومؤسساته، ونُظمه وهيئاته، وشغَلت مقاومتها والقضاء عليها أذهانَ المصلحين والغيورين في العالم؛ لدَرء شرِّها، ودفْع خطرها، ووقاية المجتمع الإنساني منها، فعُقِدت لهذه الظاهرة والنازلة مؤتمرات، وتشكَّلت لها هيئات، وأُنشِئت من أجْلها مؤسسات، وعُقِد بشأنها اتِّفاقيات، واتُّخِذت قرارات؛ كل ذلك مما يؤكد عزْم عقلاء البشرية وقادتها على مقاومة المسكرات والمخدرات، ودفْع أخطارها وشُؤمها عن المجتمعات.

ذلكم أيها المؤمنون؛ لأن مقاومة هذه الظاهرة - التي عمَّ شؤمها الأديان والأبدان والعقول، والأعراض والأموال، والصحة والأمن - مسؤوليةٌ تضامُنية، لا تَقتصر على فرد دون فردٍ، ولا تعني دولة دون أخرى، ولا مؤسسة دون نظيرتها، بل لا بد من تكامُل كل الجهود، وحشْد سائر الإمكانات، والانطلاق من كافة المواقع بحسب القدرات؛ لمحاصرة تلك الظاهرة في كل صُقْعٍ، ووَأْدها في كل موقع، وعزْل المصابين بها عن كل مجتمع؛ حتى يُشْفَوا منها، أو يَهْلكوا بها، ولا تَسري آفتها وعَدْواها منهم إلى من سواهم.

وإن السعيد مَن وُعِظ بغيره، وإن الشقي مَن وُعِظ بنفسه، وسعى في رَمْسه.

معشر المؤمنين، ولقد وفَّق الله - تبارك وتعالى - وُلاة أمرنا - زاد الله في هداهم، وسدَّد في دروب الخير خُطاهم - في اتِّخاذ الإجراءات المناسبة لمحاربة هذه الظاهرة المشؤومة، فاستصدروا الفتاوى القاطعة، واتَّخذوا الإجراءات الرادعة، ومن ذلك قتْل المُهربين، وعقوبة وتغريم المُروِّجين والمستعملين، واستصلاح المُغرَّر بهم - بحبْسهم، وعلاجهم، والاجتهاد في هدايتهم - رجاءَ عودتهم إلى المجتمع مُعافين صالحين، فكانت محاربتهم لهذه الظاهرة الخطيرة، شرعية حكيمة حازمة، جازمة رحيمة، فاشكروا لربكم - تبارك وتعالى - توفيقَه، واذكروا لولاة أمركم في علاج تلك الظاهرة حُسن الطريقة، وتعاوَنوا مع الجهات المعنيَّة بهذا الأمر حقيقة، واسألوا ربَّكم - جل وعلا - العِصمة من شرِّ ما تجري به المقادير وشرِّ كلِّ ذي شرٍّ من الخليقة.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 66.12 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 64.22 كيلو بايت... تم توفير 1.90 كيلو بايت...بمعدل (2.87%)]