09-01-2021, 04:50 AM
|
|
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,839
الدولة :
|
|
شكراً يا جدي
شكراً يا جدي
هناء الحمراني
عبّرت لين بورد في قصتها الموجهة إلى الأطفال "شكراً يا جدي" عن مشاعرها التي كانت تكنها لجدها والدروس الرائعة التي استفادتها منه، ووصفت حزنها العميق برحيله الذي ترك أثراً بالغاً في حياتها.
إن "الألم للرحيل" والموت كان حاضراً في القصة، لكن أين هو في حياتنا الواقعية؟
نحن نؤمن بأن الموت أمر لا بد منه، فكل نفس ستذوقه، لكننا لا نجرؤ على أن نتمناه لأحبتنا الذين نخاف عليهم ونرجو لهم حياة سعيدة ومديدة وملأى بالبركة والطاعة.
ومع ذلك فإننا في أحاديثنا اليومية نتكلم بطريقة تختلف تماماً عن تلك (الأمنيات الجميلة) التي نرددها، ونصنع بها صورة يتصورها الأبناء في علاقتهم مع أجدادهم وكبار السن عموماً؛ فحين يُسأل أحد الآباء عن كبار السن في عائلته - مهما كانت صلة القربى- يقول: "الحمد لله.. نسأل الله لنا وله حسن الخاتمة!"
ولئن كان سؤال حسن الخاتمة أمراً محموداً ومطلوباًً.. فإننا لا نورده في إجاباتنا تلك بمعناه المعروف.. بل إننا نستخدمه كغطاء يزين مرارة الأمنيات التي أصبحت أشبه برغبات مكبوتة.. وكأننا نقول: "لقد أخذ من الدنيا كفايته.. وآن له أن يرحل".
أليست تلك هي الحقيقة التي نخفيها؟
ويمكننا أن نتأكد من صدق ذلك عندما يمرض أحد أبنائنا فنُسأل عن حاله.. لتغرورق أعيننا بالدموع وتتمزق أفئدتنا من الألم ونحن نقول:
"بخير.. بخير.. الحمد لله على كل حال.. أسأل الله أن يشفيه ويعافيه".
هل يمكننا أن نقول نفس العبارة: "نسأل الله لنا وله حسن الخاتمة"؟
***
إخوتي القراء.. لعلي هنا ضممت نفسي إلى أولئك الذين يستخدمون هذا الأسلوب في حديثهم عن كبار السن.. رغبة مني في ألا أتحدث من برج عاجي أرى فيه الأمور بمنظار خاص لا يمت إلى الواقع بصلة.. لكن الحقيقة هي أنني أتألم لما أسمعه في المستشفيات.. وفي الجلسات العائلية عندما يتحدث الشباب عن كبار السن بهذه الطريقة.
إلى أي حد نشعرهم بأنهم أصبحوا عبئاً علينا بهذا الكلام؟ وما مدى تأثير ذلك على صحتهم وقواهم.
إن الإنسان الذي يملك عزيمة وقوة لمواجهة الحياة قد يتقهقر وينزوي ويفضل الصمت إذا ما شعر بأن الناس من حوله لم يعودوا يرغبون في بقائه.. فكيف بمن لم يعد يملك من تلك القوة شيئاً؟ وكل ما يجري في جسده من انهيار ينذره بالرحيل.
وما هو المقعد الذي نهيئه لأنفسنا إذا كبرنا وصرنا مثلهم؟ ونحن نكرر على مسامع أبنائنا في كل يوم تلك الدعوة التي أصبحت "ورداً يومياً" لا ننفك عن تكراره وتخصيصه لكبير السن فقط.. أما هو.. ذلك الطفل الغض.. فليس له إلا الدعاء "بطول العمر" و"السعادة" وأن "يحميه الله من كل مكروه".
لنتوقف قليلاً.. ولنبدأ بترتيب أبجدياتنا لتتوافق مع إحساسنا ببعضنا كبشر.. وليس كآلات نفعية متى ما توقفت عن العطاء توقفنا عن تزويدها بما تحتاج إليه من وقود وصيانة.
***
مقعدة على كرسي متحرك تئن وتتأوه متذمرة كطفل لأن دورها عند الطبيب لم يحن بعد.
إذا طال بنا العمر.. فهل سيكون مصيرنا مثلها.. وأي حب ذلك الذي سيغمرنا به أبناؤنا.. أن بقي لنا في ذلك العمر أبناء.
إن الأعمار بيد الله.. لكن مثل هذا التأمل جدير بأن يرد على أذهاننا.. لعلنا ندرك بأنهم ما يزالون بشراً ولديهم مثلنا رغبة في الحب والبقاء.
اللهم إنا نسألك حسن الخاتمة.. ونعوذ بك أن نرد إلى أرذل العمر.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|