كيف نستقبل رمضان؟ - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4408 - عددالزوار : 847593 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3938 - عددالزوار : 384622 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 163 - عددالزوار : 59468 )           »          المستشرقون.. طلائع وعيون للنهب الاستعماري الحلقة الثالثة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 587 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          أبواب الجنة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          المتسولون (صناعة النصب والاحتيال) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          إلى كل فتاة.. رمضان بوابة للمبادرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          أســـرار الصـــوم ودرجات الصائمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 14-01-2020, 04:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,300
الدولة : Egypt
افتراضي كيف نستقبل رمضان؟

كيف نستقبل رمضان؟











الشيخ طه محمد الساكت







أيها السادة:


السلام عليكم ورحمة الله، أُحيِّيكم بهذه التحية الإسلامية، وأشكر لكم تَفضُّلكم بالحضور والاستماع إلى هذه المحاضرة المتواضِعة في هذا الشهر الكريم الذي نَستقبِله إن شاء الله فَرِحين مستبشرين، فأهنئكم بقدوم هذا الشهر المبارك، وأسأل الله سبحانه أن يكتبنا فيه جميعًا من الموفَّقين.





وقد قسَّمتُ محاضرتي هذه إلى أربعة أقسام:


القِسم الأول: في حكمة الصوم، والثاني: في نُبْذة عن أحكامه، والثالث: في آداب الصائم، والرابع: في كيفية استقبال هذا الشهر الكريم.





حكمة الصوم:


إن الله - تعالت حكمته، وجلَّت أسماؤه - قد فرض علينا الصومَ، كما فرضه على الأمم السابقة قبلنا، يُحاسِبنا عليه كما يُحاسِبهم، ويجزينا عليه كما يجزيهم؛ كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، لم يكتبه سبحانه عبثًا ولا لَغوًا ولا احتياجًا إليه في شيء إذ هو الغني الحميد؛ وإنما كتبه على عباده وكلَّفهم إياه - بل جعله ركنًا من أركان دينه الحنيف - تطهيرًا لهم من أمراضهم، وتصفية لهم من أكدار نفوسهم، وتَذكرةً لعظيم نِعَمه عليهم وواسع برِّه بهم.





وإن المتأمِّل في أسرار الصيام وحكمة مشروعيته لَيُدرِكُ من فوائده الصحية، وثمراته الخُلُقية والاجتماعية، ما لا يقف عند حدٍّ، غير أننا نشير إلى بعضها على سبيل الإيجاز والاختصار:


أولاً: تعلمون حضراتكم أن معظم أسباب الأمراض إنما هو الأكل والشرب، والاسترسال في الملذَّات البهيمية، والشهوات النفسية؛ ومن أجل هذا قالت الحكماء: "البِطْنة أصل الداء، والحِمية رأس الدواء"، البِطْنة كثرة الأكل والشرب، والحِمية الامتناع عنهما، ويَندُر أن تسمعوا أن أحدًا قد مَرِض لجوعه، وربما لم تسمعوا هذا أبدًا، لكن كم من أناس كانوا صَرْعى بطونهم، وضحايا شهواتهم، فرحمةً بنا أن فرض علينا صيام هذا الشهر؛ لنريح المعدة ونُطهِّرها مما تَخلَّف فيها من الفضلات طول العام، وإذا كانت الآلات الحديدية في حاجة إلى راحة وتطهير، فما بالكم بالمعدة وهي مِن لحْم ودم؟ ومن هنا تعلمون أن السبب في تحديد الصيام بالشهر؛ لأنه لو كان أقل لما كفى في عملية التنظيف والتطهير، ولو كان أكثر لأتعب الصائمَ وأَنْهك قواه، ومن حكمة الله أن جعل عبادتنا تابِعةً للشهور العربية؛ كما قال تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ﴾ [البقرة: 189]، وكما قال تعالى: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185]؛ وذلك لتكون العبادة دائرة في فصول السَّنة كلها لنتحمَّل صيفها وشتاءها، وليتوافر العدل بين الطبائع المختلفة والأمزجة المتباينة، فمِن الناس مَن يَسهُل عليه الصوم في الشتاء، ويَشُقُّ عليه نوعًا ما في الصيف، ومنهم من يكون على عكس هذا، وهكذا، وإن كانت التكاليف كلها في حدود الطاقة والمقدِرة؛ لطفًا من الله ورحمة، وقد أثبت الطب الحديث أن كثيرًا من جراثيم الأمراض لا يقتلها سوى الصوم؛ ولذلك يشير الأطباء في كثير من الأحيان على المرضى بالصوم، وكم من مريض أصحَّه الجوع، وصحيحٍ قتَله الشِّبَع!





ثانيًا: إن منْع النَّفْس من شهواتها أكبر وسيلة لأن تتخلَّق بالصبر والثبات والعزيمة القويَّة، والشَّجاعة الأدبية، وغير ذلك من الأخلاق الفاضلة التي تُصيِّر المرء رجلاً كاملاً، وإنسانًا فاضلاً، لا يخضع لهواه، ولا يَذِلُّ إلا لخالقه ومولاه، ومتى نضجت أخلاقُ المرء، وكملت رجولته سَعِد في دنياه وأخراه، وحيَّ حياة طيبة، فالصوم أكبر مُهذِّب للنَّفس، ومقوِّم للأخلاق، وموصِّل للخير والسعادة.





ثالثًا: إن الصوم يَغرِس في الصائم الشفقةَ والعطفَ والتعاون؛ لأن الصائم يُقاسي من حرارة الجوع، وشدة الظمأ ما يَدفعه إلى مواساة المحتاجين وإغاثة الملهوفين، والعطف على الفقراء والمساكين، ويُروى أنه قيل ليوسف الصديق عليه السلام: لِمَ تَجوع وأنت على خزائن الأرض؟ فقال: "أخاف أن أشبع فأنسى الجائع".





هذا فضلاً عن أن الصيام أكبر مُعين للصائمين على الحياء، ذلك الخُلُق العظيم، الذي يَحول بين صاحبه وبين الدناءة والمعاصي؛ فإنه مَن يَصوم لله سبحانه ولا رقيب عليه ولا حسيب إلا مولاه القادر القاهر - أمين على هذه العبادة الخفيَّة، مُخلِص لخالقه في السرِّ والعلانية، وكم للحياء من أثر جليل، وعاقبة حميدة، وحسْبُكم قول النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يَرويه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((الإيمان بِضْع وسبعون شُعْبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان))، فجعل الحياء شعبة من الإيمان، وخصَّه بالذِّكر؛ لأنه مجمع كل خير، وأساس كل فضيلة.





مِن هذا تعلمون أنه ليس قصْد الشارع الحكيم بالصوم مجرَّد الإمساك عن الأكل والشرب، وعن سائر المفطِّرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس؛ وإنما المقصود هو كَفُّ النفس عن استِرسالها في ميولها، وسيرها في طريق هواها، ومُجاهدتها بسلاح الصبر والتَّقوى، واستِشعارها خَشية الله وعظمته، وجلاله وهيبته، واستخدام جوارح العبد فيما يُرضي مولاه، حتى يجد في نفسه حلاوةَ الطاعة، ومرارة المعصية، ولعلَّ هذا يُوضِّح لكم معنى قوله تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]؛ أي: تجعلون من الصيام وقاية تَحول بينكم وبين المُنكَرات والرذائل، ولعلكم فَهِمتُم كذلك معنى قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((إنما الصوم جُنَّة، فإذا كان أحدكم صائمًا، فلا يَرفُث ولا يجهَل، وإن امرؤ قاتَله أو شاتَمه، فليَقُل: إني صائم إني صائم))؛ أي: إن الصوم حصن حصين، ودرع متين، وحجاب للصائم من عدوَّيْه: النَّفْس الأمارة، والشيطان الرجيم، ولا تقوى رغبات هذين العدوَّين المهلِكَين إلا بالأكل والشرب واتباع شهوات البطن والفرْج، وقد جاء في الحديث الصحيح: ((إن الشيطان يَجري من ابن آدم مجرى الدم))، وفي بعض الآثار: ((فضيِّقوا مجاريه بالجوع)).





هذا - أيها السادة - قليل مِن كثير من أسرار هذه الفريضة التي كتبَها الله على عباده في كل عام.





نبذة عن أحكام الصيام:


أحببتُ أن أسوق إليكم طرفًا من أحكام الصيام؛ رغبة في أن تَستقبِلوا هذا الشهر الكريم وأنتم على بصيرة منه، ورحِم الله امرأ تفَقَّه في دينه، وعبَدَ الله على بيِّنة من هدْيه وأحكامه.





وحق عليكم معشر المسلمين أن تتعلَّموا أحكام الصوم، وأن تدرسوها بينكم، وتُعلِّموها أهلكم؛ فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيَّته، قال الله تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴾ [البقرة: 187]، فمتى غربت الشمس، حلَّ للصائم كل ما يشتهي حتى يَطلُع الفجرُ، فإذا دخل الفجر حَرُم عليه أن يقرب مفطِّرًا، فإذا فعل لَزِمه القضاءُ والكفارة، وهي عِتْق رقبة أو صيام شهرين مُتتابعين أو إطعام ستين مسكينًا، ويا ليته بعد هذه الكفارة يساوي الصائمين القانتين، الذين لم يَنتهِكوا حُرْمةَ هذا الشهر العظيم، روى الترمذيُّ وغيرُه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن أفطر يومًا من رمضان من غير رخصة ولا مرض، لم يَقْضِه صوم الدهر كله وإن صامه))، ومَن أفطر ناسيًا فلا إثم عليه، وعليه قضاء ذلك اليوم عند الإمام مالك - رحمه الله - ولا قضاء عليه عند الإمامين الشافعي وأبي حنيفة - رحمهما الله تعالى - لما رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن نسي وهو صائم فأكل أو شرب، فليتمَّ صومَه؛ فإنما أطعمه الله وسقاه)).





ومن شروط صحة الصوم: الخلوُّ من دم الحيض والنفاس، وكثير من الجاهلات يَصُمن مع نزول هذا الدم، ومنهنَّ مَن تفطر قبل المغرب بدقائق، وهذا جهل أوحاه الشيطان إليهنَّ، فحذروا النساء تلك الجهالة، وحتِّموا عليهنَّ الإفطار حتى ينقطِع الدم، وقضاء ما أفطرته من الأيام، ولا يفطر من احتلم، ولا من احتجم، ولا من أصبح بجنابة.





وهذا قليل من كثير من أحكام الصيام، وعليكم أن تستوفوا بقيَّتها من مجالس العلماء وكُتُب الفقه، وقصدُنا بهذه النُّبْذة أن ننبِّهكم على أهمية التفقُّه في الدين، وتفهُّم أحكام الشريعة، وتعليم الأهل والأولاد.





آداب الصيام:


قال الإمام الغزالي - رحمه الله -: اعلم أن الصوم على درجات ثلاث: صوم العامة، وصوم الخاصة، وصوم خاصة الخاصة؛ أما صوم العامة، فهو: الإمساك عن شهوتَي البطن والفرج من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وأما صوم الخاصة، فهو: كَفُّ السمع والبصر واللسان واليد والرِّجل وسائر الجوارح عن المعاصي والآثام، وأما صوم خاصة الخاصة، فهو: كفُّ القلب عن الهِمَم الدنيَّة، والأفكار الدنيوية، وعدم اشتغاله عما سِوى الله تعالى بالكُليَّة، وهذه درجة الأنبياء والصديقين والمقرَّبين، وليس القَصد من هذا هو التواكلَ والكسل، وعدم العناية بالسعي والعمل؛ فإن الدَّين الإسلامي هو دين الجِدِّ والنَّشاط، والسعي والتوكُّل على رب الأرباب؛ وإنما المقصود هو ألا يُعلِّق المرء قلبَه بالدنيا وزخارفها، بل يبتغيها وسيلةً إلى الله والعمل الصالح؛ كما قال تعالى: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 77]، وإذا كانت الدرجة الأخيرة عسيرة على أمثالنا، فلنتكلَّم على الدرجة الثانية وعلى كيفيَّة الوصول إليها:


وبلوغ هذه الدرجة إنما يكون بأمور ستة:


الأول: غَضُّ البصر عن كل ما يُذَمُّ ويُكْره؛ فقد روى الحاكم بإسناد صحيح عن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((النظرة سهم مسموم من سهام إبليس لعنه الله، فمن تركها خوفًا من الله، آتاه الله - عز وجل - إيمانًا يجد حلاوته في قلبه)).





الثاني: حِفْظ اللسان عن الكذب والغِيبة والنميمة والفحش والهذيان والخصومة، وشغلُه بذِكر الله - عز وجل - وبما ينفع المرءَ دينًا ودُنيا.





الثالث: كفُّ السمع عن الإصغاء إلى كل مكروه؛ لأن كلَّ ما حَرُم قوله حَرُم الإصغاء إليه، ولهذا سوَّى الله - عز وجل - بين المستمِع وآكل السحت؛ فقال تعالى: ﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ﴾ [المائدة: 42]، ولا شك أن الساكت عن المعصية راضٍ بها، وأن المستمع شريك القائل.





الرابع: كَفُّ بقية الجوارح عن الآثام من اليد والرِّجل، وعن المكاره، وكف البطن عن الإفطار على الشُّبهات؛ إذ لا معنى للصوم (وهو: الكف عن الحلال) مع الإفطار على الحرام، ومثَل هذا الصائم كمَثَل مَن يبني قصرًا ويهدِم مِصرًا، وقد روى النَّسائي وابنُ ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش))، فقيل: هو الذي يفطر على الحرام، وقيل: هو الذي يُمسِك عن الطعام الحلال، ويفطر على لحوم الناس بالغِيبة، وهو حرام، وقيل: هو الذي لا يحفظ جوارحه عن الآثام.





الخامس: ألا يَستكثِر من الطعام الحلال وقت الإفطار، بحيث يملأ بطنه؛ فما ملأ ابن آدم وعاءً شرًّا من بطنه؛ كما في الحديث الشريف، وكيف يُستفاد من الصوم قهرُ عدوانٍ وكسرُ الشهوة، إذا تَدارَك الصائم عند فطره، ما فاته ضحوةَ نهاره؟ وربما يزيد عليه في ألوان الطعام، حتى جرت العادة بأن تُدَّخر جميع الأطعمة لرمضان، فيؤكل منها فيه ما لا يؤكل في عدة أشهر؟! ولقد فتحْنا على أنفسنا باب طعن من أعداء الإسلام؛ يقولون: إنكم تُعذِّبون أنفسكم بالكف عن الأكل والشرب طول النهار، ثم تُعوِّضون ما فاتكم في الغروب أضعافًا مضاعفة، فما فائدة هذا الصيام؟! والحق أن الصوم لا يؤدي ثمرته، ولا يُحقِّق غايته، إلا بالاعتدال والاتزان، ومخالفة النفس والهوى والشيطان.





السادس: أن يكون قلبه بعد الإفطار مُعلَّقًا بين الخوف والرجاء؛ لأنه لا يدري أقُبِل صومُه فهو من المقرَّبين، أم رُدَّ عليه فهو من الممقوتين؟! وليكن هذا شأنَه في كل عبادة يفرغ منها؛ رُوي عن الحسن البصري أنه مرَّ بقوم وهم يضحكون، فقال: إن الله - عز وجل - جعل شهر رمضان مضمارًا لخلقه يَستبقون فيه لطاعته، فسبَق قوم ففازوا، وتخلَّف أقوام فخابوا، فالعجب كل العجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه السابقون، وخاب فيه المُبطِلون، أمَا والله لو كشف الغطاء، لاشتغل المُحسن بإحسانه والمسيءُ بإساءته، وعن الأحنف بن قيس أنه قيل له: إنك شيخ كبير، وإن الصيام يُضعِفك، فقال: "إني أعدُّه لسفر طويل، والصبر على طاعة الله سبحانه أهون من الصبر على عذابه".





هذه هي المعاني الباطنة، والآداب المطلوبة، التي لا يُحافِظ عليها إلا الكاملون، ولا يُوفَّق لها إلا العاملون المخلصون.





كيف نستقبِل هذا الشهر الكريم؟


يَجمُل بنا - وقد وقفنا على طرفٍ من حكمة الصوم وأحكامه وآدابه - أن نعرف كيف نَستقبِل هذا الشهرَ المبارك.





رحِم الله سلفنا الصالحين؛ فلقد كانوا يَستشرفون لقدوم رمضان ويشتاقون إليه، ويفرحون بمقدمه فَرَحهم بأعزِّ عزيز، وأحبِّ حبيب، وها هو ذا قد أظلَّنا بخيره وبركته، فما الذي أعددْنا لاستقباله وتحيته؟ لقد كان المسلمون الأولون يعدُّون إدراكَ هذا الشهر الميمون فضلاً من الله ونعمة، وكانوا يرجون أن يُبلِّغهم الله زمنه، بل كانوا يتمنَّون أن تكون السنَة كلها رمضان، وقد أخرج الطبراني وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو ببلوغ رمضان، فكان إذا دخل رجب يقول: ((اللهم بارِك لنا في رجب وشعبان، وبلِّغنا رمضان))، وكان صلوات الله وسلامه عليه يُبشِّر أصحابَه لقدوم رمضان فيقول: ((قد جاءكم شهر رمضان؛ شهر مبارك، كتب الله عليكم صيامه، فيه تُفتَح أبواب الجنان، وتُغلَق فيه أبواب الجحيم، وتُغَلُّ فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، مَن حُرِم خيرها فقد حُرِم))؛ أخرجه أحمد والنَّسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال العلماء: والحديث دليل على تهنئة الناس بعضهم بعضًا بشهر رمضان.





أقبل رمضان موسم الخيرات، ومَغْنم الطاعات، وشهيد لمن أَحسَن في صيامه، وحافَظ على قيامه، فحق علينا أن نَستبشِر بقدومه، ونَفرح به، ونُعِدَّ أنفسنا إعدادًا تامًّا لمقابلته بما ينبغي من ترحيب وتكريم، وعمل صالح وخير عميم، وخيرُ ما نَستقبل به هذا الشهر الكريم هو توبة صادقة نصوح نُطهِّر بها أنفسَنا من المعاصي والذنوب، ونلجأ بها إلى علام الغيوب، ونتخلَّى عن الهمم الدنيَّة، ونتحلَّى بالصفات الفاضلة العَلِيَّة؛ وذلك لا يكون إلا بالنَّدم على ما فات، والاستعداد لما هو آتٍ، وأداء الحقوق إلى أربابها، والعفو عن المسيئين، ومجالسة الأخيار الصالحين، والابتهال إلى الله السميع القريب أن يَحفظَنا من النفاق والشقاق، وسوء الأخلاق، وأن يغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا يجعل في قلوبنا غلاًّ للذين آمنوا، وأن يتولانا جميعًا بما يتولَّى به عباده الصالحين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 89.31 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 87.38 كيلو بايت... تم توفير 1.93 كيلو بايت...بمعدل (2.16%)]