دراسة وصفية لكتاب أضواء على تاريخ الحركة العلمية والمعاهد الإسلامية والعربية في غجرات - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12547 - عددالزوار : 216031 )           »          معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7826 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 52 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859531 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393898 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 83 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > الملتقى العلمي والثقافي
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21-03-2024, 02:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي دراسة وصفية لكتاب أضواء على تاريخ الحركة العلمية والمعاهد الإسلامية والعربية في غجرات

دراسة وصفية لكتاب أضواء على تاريخ الحركة العلمية والمعاهد الإسلامية والعربية في غجرات-الهند
محمد نوشاد النوري القاسمي



دراسة وصفية لكتاب
أضواء على تاريخ الحركة العلمية والمعاهد الإسلامية والعربية في غجرات-الهند لرئيس العلماء العلامة عبد الله الكافودروي رحمه الله*([1])
بقلم: محمد نوشاد النوري القاسمي

قمت بدراسة هذا الكتاب في حياة العلامة الفقيد عبد الله الكافودروي رحمه الله، وبإيعاز منه، ولما بعثتها إليه سُرَّ بها كثيرا، واستجازني في إلحاقها بالكتاب في الطبعات القادمة، على الرغم من مآخذي على الكتاب، حقًا لقد كان رجلًا عظيمًا، يشيد بجهود الصغار ويُفْسِح لهم المجال، حتى يقبل النقد البنَّاء، ولا يود كلمات الإطراء والتنميق.
رحمه الله من عالم متواضع، وداعية حكيم، وإداري خبير، وتقبله في الصالحين، وجعل مؤلفاته وتلاميذه مدادًا من الأجر لا ينفد، ومعينًا من الصدقة لا ينضب. آمين يا رب العالمين.

منذ أيام وقع إلينا كتاب علمي وثائقي ماتع، يعطي شعاعًا من النور الساطع على ما شهدته –ولاتزال تشهد- أرض ولاية غجرات من حركات علمية ودينية وإصلاحية، ومراكز تعليمية وتربوية، ورجال نوابغ وشخصيات عباقرة، ازدانت بها تيجان التاريخ الإسلامي في الهند.
ألا وهو كتاب "أضواء على تاريخ الحركة العلمية والمعاهد الإسلامية والعربية في غجرات-الهند" لصاحبه العالم الجليل، الداعية الكبير، فضيلة الشيخ عبد الله بن إسماعيل الكافودروي، وهو من أشهر علماء ولاية غجرات وأبرز كاتبيها.
جاء الكتاب يحمل في طيه معالمَ جمالِ المظهرِ والمخبرِ، وروعةَ الشكلِ والمضمونِ، وجذابيةَ المبنى والمعنى، فهو مشتملٌ على 338صفحةً بالقطع المتوسط، متحليًا بأوراقٍ ناعمة بيضاء، غاليةِ الثمن، عاليةِ الجودة، وغلافٍ جميلٍ، تتوسطه خريطةُ العالم، والتي تبدو فيها ولاية غجرات مطلةً على بحر العرب، كأنها مصيف الهند أو كسانيةٍ دائرةٍ، تأخذ من عمق البحر، وتسقي بطن البر، فيما حمل الجانبُ الثاني للغلاف خريطةً أخرى لولاية غجرات، تظهر فيها مديرياتُ الولاية بشكلٍ واضحٍ، وهذه روعة الظاهر.
أما جمالُ الباطن فالكتابُ لم يترك جانبًا ذا صلة بالموضوع إلا وحاول إحصاءَه بشكلٍ دقيقٍ، الكتابُ يحتوي على تقديمٍ من قبل الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي حفظه الله([2])، وكلمةِ المؤلف وتعريفٍ موجزٍ للمؤلف وعدةِ فصول.
أما تقديمُ الكتاب فهو مع وجازته الشديدة أشار إلى أهمية ولاية غجرات وخدماتها الجسام في تطوير العلوم والفنون، وخَلَصَ إلى ضرورة وضع كتاب، يسجل هذه الخدمات، ويجعلها نبراسًا للخلف، يقتدي به السائرون عبر الزمن.
فقال الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي: "وأدَّت هذه المدارس دورَها، ولاتزال تؤدي بقدر إمكانياتها، ولم يكن هناك تسجيلٌ ضابطٌ لهذه المدارس، ولم يكن بيد الدارسين لهذا الموضوع مرجعٌ، أعده رجلٌ من أبنائها، فيكون أكثر نفعا؛ لأن صاحب البيت أدرى بمافيه، ولما عَقدَتْ ندوةُ العلماء مؤتمرًا للأدب الإسلامي، ووجهت الدعوةَ إلى كثيرٍ من أهل الأدب والعلم إلى إعداد بحوث في موضوعات لها صلة بالأدب الإسلامي، اختار الشيخ عبدُ الله إسماعيل السورتي موضوعَ "المدارس الإسلامية في ولاية غجرات"، وقدم موجزًا من بحثه في إحدى جلسات المؤتمر، ثم عكف على بحثه هذا ليزيد فيه وينقحه؛ حتى جعله مادة كتاب بعينه، وأصبح من اللائق به أن يُّطبع ويُنشر بصورة منفردة"([3]).
وتلته كلمة المؤلف في الطبعة الثانية، يذكر فيها بأريحية مالقيه الكتاب من قبول وانتشار في الأوساط العلمية، مشيدًا بمن مد إليه يد المساعدة في إعداد الكتاب من أساتذة جامعة بدر العلوم فلاح الدارين، تركيسر، غجرات.
وفي كلمة المؤلف لدى الطبعة الأولى أشار المؤلف إلى أهم العوامل والأسباب التي دعته إلى وضع كتاب كهذا، وكيف وقعت خدماتُ ولاية غجرات زعيمةُ العلم والأدب في الهند فريسةَ النسيان والإهمال، ومَن هُم المسؤولون عن هذه الجريمة النكراء، ثم أفاد أن هذا الكتاب يمثل مشعلَ الطريق، يضيئ الدرب للسائرين، أو منارةً في عُرْضِ البحر، تهدي إلى الغاية، وتنجي من الغرق والضلال.
ومما سرَّني جدا تَفَضُّلُ الأستاذِ محمد إقبال الفلاحي المدني بكتابة تعريف موجز لفضيلة المؤلف؛ وهو أمر مهم، فإن من عادة القراء أنهم إذا اطلعوا على مؤلف الكتاب ومكانته العلمية وضُلوعِه في العلم والأدب والبيان ازدادوا شوقًا إلى تلقي الكتاب واحتوائه جيدا بالدراسة والمطالعة، وسآخذ من ثماره اليانعة في السطور القادمة، إن شاء الله.
الفصل الأول: المسرد التاريخي الأصيل لولاية غجرات:
بُدئ الكتاب بالمسرد التاريخي لولاية غجرات، فيأتي أولا بالتعريف العام بالولاية، ثم تتلوه علاقة غجرات بالبلدان العربية، ثم يذكر كونها مُنطلَقَ الدعوة الإسلامية في الهند في القرن الأول، ومن هنا يستطرد إلى ذكر الصحابة –رضي الله عنهم- وتلامذتهم التابعين الواردين في ولاية غجرات.
قال المؤلف الفاضل تعريفًا بالولاية: "غجرات مقاطعة شهيرة من بين مقاطعات الجمهورية الهندية، مساحتها 196024كم. تقع على الجانب الغربي الجنوبي من الهند على ساحل بحر العرب، وأشهر مدنها أحمد أباد وبروده وبروص، وجام نغر، وجونا كره، وسورت، وغير ذلك من المدن، وعاصمتها الجديدة غاندهي نغر، وعاصمتها القديمة أحمد آباد، وهي مدينة شهيرة في صناعة النسيج ومعروفة بآثارها الإسلامية، ويبلغ عدد سكان غجرات أكثر من اثنين وستين مليون نسمة، ونسبة المسلمين فيها 11في المائة.
قال غوستاف لوبان: "وغجرات من أمدن بلاد الهند، ومدينة أحمد آباد التي هي قاعدتها زاهرة ذات جد وعمل وتجارة رابحة، وليست مرافئ "كاتهياوار" بمجهولة لدى سفن العالم"([4]).
وبحكم أن هذه المنطقة واقعة على شاطئ بحر العرب ظلت وثيقةَ الصلة بالعالم العربي، كان التجار العرب يردون الهند عن طريق هذه البلاد، ويشترون هنا ما كانوا في حاجة إليه من البضائع والأسلحة والعقاقير والعطور؛ حيث اشتهرت الهند منذ القديم بجودة أسلحتها وتنوع عقاقيرها وصنوف البضائع والأمتعة وأنواع الطيب والعطور، وحلىَّ المؤلف الفاضل هنا كتابه بالأبيات العربية الرائعة التي تُقِرُّ للهند الفضلَ والسبقَ في هذا المجال.
وفي هذا الفصل سرد الأستاذ المؤلف الدورَ التاريخي الذي قامت به أرض غجرات في نشر الدعوة الإسلامية، حاكيًا ما سجَّله يراعُ المؤرخ الشهير القاضي أطهر المباركفوري رحمه الله في هذا الصدد؛ حيث يقول: "كانت الهند في نوم الجهل وعبودية الأصنام ورقة الملوك في ليلةٍ مظلمةٍ عمياءَ عشواءَ، إذ طلع عليها الصبحُ المنيرُ، وتسلَّلتْ خيوطُ الفجر من قمة حراء، وسرعان ما رأينا أن أشْرقَتْ أرضُ الهند بنور ربها، ووصل إليها المسلمون بالإسلام، وأول ما نسمع اسم الهند في المكاتبات الرسمية في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في سنة 14هـ، حين افتتح المسلمون الأبلةَ معسكرَ الفرس، قال ابن سعد: كان عتبة بن غزوان قد حضر مع سعد ابن أبي وقاص، حين هزم الأعاجم، فكتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن ابي وقاص أن يضرب قيروانه بالكوفة، وأن يبعث عتبة بن غزوان إلى أرض الهند، فإن له من الإسلام مكانًا شهد بدرًا، وقد رجوت جزاءه عن المسلمين، والبصرة يسمى يومئذ أرضُ الهند، فينزلها ويتخذ بها للمسلمين قيروانا، فغزا عتبة حتى أتى الأبلة، وفتحها عنوةً، وكتب إلى عمر يعلمه بذلك وغيره: أن الأبلة فرضة البحرين وعمان والهند والصين، وفي سنة خمس عشرة صرف عمر رضي الله عنه عثمان بن أبي العاص الثقفي عن الطائف وولاه البحرين وعمان، فغزا هو وأخواه الحكم والمغيرة ثلاث غزوات في بلاد الهند: تانه وبروص والديبل"([5]).
وفي هذا الباب ذكر الأستاذ الفاضل أسماء التابعين الواردين غجرات مع الغزاة الأوائل الفاتحين وتراجمهم الموجزة، وهم سبعة رجال: 1-عباد بن زياد بن أبي سفيان، 2-يزيد بن مفرغ الحميري، 3-هذيل بن سليمان الأزدي، 4- عمرو بن مسلم الباهلي 5- جنيد بن عبد الرحمان المري 6-هشام بن عمرو التغلبي 7- أبوبكر بن ربيع بن صبيح السعدي-رحمهم الله.
الفصل الثاني: نبذة عن سير بعض السلاطين الصالحين والعلماء الأفاضل والمحدثين العظام في غجرات:
إن الرجال البارزين والشخصيات الإبداعيين هم الذين يعيرون الأماكن والمواطن مزايَا فريدةً ومكانة شريفة، فكم من أمكنة في الدنيا تشرفت بشرفِ أصحابها المواطنين، وعِزِّ أهلها السعداء، وظلت ولايةُ غجرات سعيدةً غاية السعادة من هذه الناحية؛ حيث جعلها الله سبحانه في كل عصر موئلَ العلماء النابهين وملاذَ الفقهاء والمحدثين، ومرتعَ الملوك الصالحين، فمِن أفق ولاية غجرات أَشْرَقتْ شمسُ العلوم الإسلامية في الهند، ثم عمت وانتشرت في البلاد كلها، وهنا أُلِّفَت المؤلَّفاتُ القيِّماتُ اللاتي يشكلن مراجعَ هامَّة ومصادرَ أساسيَّة لعدد من العلوم، وفي ربوعها وُلِد نوابغ وعباقرةٌ، كانوا في الفضل شموسًا ساطعة، وفي العلم نجومًا لامعة، ممن لم يُر لهم كفؤ ومثيل في عصورهم.
وقد أحسن الأستاذ المؤلف عندما أعد الملفَّ المتكاملَ لشخصيات ولاية غجرات، الذي يمثِّل مرآةً صافيةً، تتجلَّى فيها وجوهُ الغابرين كأنهم صورٌ حيةٌ تتحرك، وهم أصناف كالتالي:
1-الملوك الصالحون:
وقد بدأ الشيخ ملف الشخصيات بالملوك الصالحين، فذكر منهم أربعة:
1- السلطان أحمد شاه الغجراتي
2- السلطان الشهيد محمود بن عبد اللطيف بن المظفر بن محمود الغجراتي
3- السلطان محمود بن محمد الغجراتي
4- السلطان مظفر الحليم الغجراتي
وأشار بوجازة شديدة إلى ما كانوا يتمتعون به من حميد الأخلاق ونبيل الصفات، مع جهودهم الكريمة في استتباب الأمن والاستقرار، وإقامة العدل والإنصاف، وإراحة الشعب والجمهور، وتطوير العلوم والفنون، وإكرام العلم والعلماء، وقد حبَّر المؤلف الفاضل بيانَه بكتابات المؤرخين والرحَّالين عن هؤلاء الملوك وعصورهم الزاهية.
2-العلماء الشهيرون النازحون إلى غجرات:
ثم جاء ذكر العلماء الذين وردوا إلى غجرات، فسكنوها، ونشروا العلم والثقافة فيها، وذلك لأن ولاية غجرات ظلت في كل عصر عاصمة العلم والأدب، ومركز الثقافة والفنون، فكانت غجرات مطلبَ العلماء ومنهلَ الطلبة، يتوافدون إليها من كل فج عميق.
يقول الشيخ العلامة عبد الحي الحسني رحمه الله: "وأما بلاد غجرات فعن البحر حدث ولاحرج، فإنها كانت مِهادًا للعلماء من سالف الزمان، وفد إليها أهل العلم من شيراز، ومن أرض اليمن نحو البدر الدماميني، والخطيب الكاذرني والعماد الطارمي، فدرسوا بها وتخرج عليهم جماعة من الفضلاء، وانتشر العلم في كل ناحية من نواحي غجرات، وأرض الدكن وأرض مالوه"([6]).
فذكر الشيخ المؤلف 77 شخصية مبرزة من العلماء المبدعين، والمؤلفين البارعين، والمصلحين العظام والدعاة المخلصين، جاء ذكرهم بأسلوبٍ رشيقٍ، يتسم بالاعتدال والصدق والأمانة ومراعاة اختلاف المراتب وبيان خدماتهم الجسام بإيجاز واختصار.
ولاتخفى على أهل الخبرة والدراية صعوبةُ هذه العملية؛ فإن الكتابة عن الرجال ووضعهم في القسطاس المستقيم، والتقييمَ الدقيقَ لمكانتهم وخدماتهم أمر عسير جدا، لايدركه إلا الكتاب الأفذاذ القلائل الذين يصدرون في كتاباتهم عن خلوص نية وصلاح طوية، ولاتحركهم الأطماع المادية والمآرب الدنيوية، وأرجو أن صاحبنا الشيخ المؤلف من أولئك السعداء القلائل الموفَّقين، وهذا من فضل الله.
3- شيوع علم الحديث في غجرات والمحدثون فيها:
وكخطوة ثالثة تقدم الشيخ المؤلف ليذكر المحدثين في غجرات، ودورهم الرائد في نشر علم الحديث في الديار الهندية، وأفاد المؤلف عن حجة وبرهان أن ولاية غجرات هي أول ولاية هندية، تعطرت أجواؤها بشذى أحاديث الرسول المصطفى المعصوم – صلى الله عليه وسلم، وذلك أن غجرات سعدت أول ما سعدت بالزحف الإسلامي الأول نحو الهند، نزل بها الغزاة الفاتحون وسكنها الصفوة المختارة من الصحابة والتابعين والعلماء الأجلة، وما كان الغزاة في ذلك الوقت إلا رجال، هم رهبان بالليل وفرسان بالنهار، كانوا بحيث يجري العلم من بين جوانحهم، وتلمع آثار السجود والضراعة إلى الله في جباههم، وحب الجهاد في سبيل الله تخفق به قلوبهم، فكان منهم محدثون كأمثال المحدث الجليل أبي بكر الربيع بن صبيح (المتوفى عام160هـ) وغيره، ثم نزح الكثير من المحدثين إلى غجرات وتوطنوا بها لما شاهدوا من ملوكها من خلق جميل وتشجيع للعلم وأهله، ثم تشكَّل الذوق العام لتلقي أحاديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فخرج بعض أبنائها إلى مراكز الحديث في الدنيا، وانقطعوا إلى دراستها؛ حتى بلغوا درجة الأستاذية في الفن، كأمثال علامة الدنيا الشيخ مجد الدين محمد بن طاهر الفتني صاحب مجمع بحار الأنوار، والشيخ المحدث عبد الله المتقي السندي، والشيخ المحدث جمال الدين محمد بن عمر بن مبارك بن عبد الله بن علي الحميري الحضري الشافعي وغيرهم، وبفضل هؤلاء المحدثين شاع علم الحديث ورفرفت رأيته في غجرات.
والمؤلف موفَّق كل التوفيق في سرد هؤلاء المحدثين وبيان ما لهم من إسهامٍ فعَّال متميز في تطوير هذا العلم في هذه البلاد النائية عن مهبط الوحي ودول الإسلام، واحتوى ذكر المحدثين على 51 شخصية ذات مكانة عالية وخدمات بارزة، محالًا على المصادر الموثوق بها، فأصبح البيان بيانَ علم وبرهان، دون مجازفة وأوهام.
الفصل الثالث: المعاهد الإسلامية العربية القديمة والجديدة في غجرات:
لن يتم وصف منطقة من المناطق أو التعريف بها بدون التعريج على ما تحويه من مراكز تعليمية ومعاهد تربوية ودعوية، وحركات سياسية وإصلاحية ونوادي أدبية ومجامع بحثية؛ فالمدارس والمعاهد من شأنها أن تكوِّن المناخَ التعليمي والثقافي، وتُرَبِّي العقل، وتغذِّي النفس، وتنشر العلم، وتقضي على الأمية، كما أن المعاهد والمراكز تعطر الأجواء بعبير العلم ومسك الخلق الحسن والعمل الصالح، وتعيرها أهمية قصوى بين الديار والبلاد، وإذا ثبتت ريادة ولاية غجرات للعلم والفن باتت من الضروري الإشارةُ إلى تلك المعاهد والمراكز والحركات التي لعبتْ دورًا تاريخيا كبيرا في تطوير العلوم ودفع عجلتها إلى الأمام، وقد تنبه لهذا الشيخُ المؤلف، فجاء بسردٍ تفصيليٍ للمعاهد العربية والمدارس الإسلامية في غجرات قديمًا وحديثًا، والنظرة العابرة إلى فهرس المعاهد المذكورة في الكتاب تؤكد على أن ولاية غجرات عريقةٌ في العلم والأدب، ولها صلة ممتدة الجذور بالعلم والثقافة.
والكتاب اشتمل على ذكر 32 مدرسة قديمة، و63 مدرسة حديثة، وهي معلومات فريدة جدا؛ فهي تذكر –وبكل رشاقة وإتقان- المؤسسين للمدارس وحرصهم على نشر العلم وما بذلوه من جهود في هذا السبيل، وما لَقُوْه من مشاكل، مشيرًا إلى ما مرت به المدارس من مراحل الصعود والهبوط، وما جرى فيها من مناهج، وما حققه من نجاح، وما آلت إليه من مصير.
وأعجبتني في هذا الفصل الحيدة العلمية التي تبناها الشيخ في بيان المنهج الدراسي المتبَع في شبه القارة الهندية؛ فإن المألوف أن كل عالم يتعصب لما ينتمي إليه من مدرسة وفكر، فيَحُطُّ من شأن المناهج الأخرى، ويرفع المنهجَ الشائعَ عنده فوق منزلته؛ ولكن المؤلف الفاضل وقف هنا موقفا وسطا بين الإفراط والتفريط، فهو يقيم الميزان، فلايطغى فيه، ولايُخْسِرُه، يذكر قيمة كل المناهج وأهميتها في هذا العصر، وهذا أمر جدير بالإشادة.
الفصل الرابع: مؤلفات علماء غجرات:
أخذت مؤلفاتُ علماء غجرات قسطًا كبيرا من الكتاب، وكان من حق هذه المؤلفات القيمة أن يُفرد لها فصل، فإن علماء غجرات قديما وحديثا تميزوا بإبداعهم العلمي وإثرائهم المعرفي، فأثرَوا المكتبات الإسلامية بمؤلفات كثيرة، تشكل المصادرَ الهامةَ في أبوابها، وإن من بين هذه المؤلفات ما ظلَّ له لواءٌ معقودٌ و ظِلٌّ ممدودٌ في ساحة العلوم والفنون، كأمثال "مجمع بحار الأنوار" و"تذكرة الموضوعات" ومؤلفات الشيخ وجيه الدين العلوي الغجراتي، و"المقامات الهندية" للشيخ أبي بكر السورتي، وغيرها من الكتب الكثيرة النادرة.
الفصل الخامس: المجلات الإسلامية:
وضع الشيخ في آخر الكتاب ملحقًا مفيدًا جدا للمجلات الإسلامية الصادرة عن مختلف المراكز الإسلامية في غجرات، ومعظم المجلات تصدر بلغة غجراتية؛ ولكن لغة بعض المجلات هي الأردية، ومما يدل على سلامة الذوق ورقة الحس لدى المؤلف الفاضل أنه لم يذكر مجلة إلا وكتب عنوانها ووسائل التواصل معها من أرقام الهواتف وبريدها الإلكتروني، مما يتم به التواصل مع أصحاب هذه المجلات، ولايدري قيمتَها إلا الأذكياءُ، فلله دره.
مايؤخذ على الكتاب:
لاينبغي لصغيرٍ مثلي أن يأخذ على العالم الكبير بحجم الشيخ عبد الله الكابودروي حفظه الله؛ ولكن أمانةَ الحرف والكلمة تقتضي مني أن أشير إلى ما لمسته في الكتاب من مثالب طفيفة خلال التصفح الدقيق، ليتم إصلاحها في الطبعات القادمة، ويعم نفع الكتاب بإذن الله سبحانه، وهي كالآتي:
1- يناسبتعديل طفيف في اسم الكتاب، فلو وُضِعَتْ كلمة "الحركات" مكان "الحركة" لكان أنسب، وأوفق للغرض.
2- جاء الكتاب خاليًا من الأبواب والفصول، ومن المناسب أن يُّوَزَّعَ الكتابُ عليها؛ فالعناوين تكون مختلفة المراتب، متفاوتة الدرجات، منها عناوين مركزية، ومنها عناوين فرعية، ومنها عناوين هامشية، ووَضْعُ الكلمات تحت عنوان يناسبها يسهِّل فهمَ المراد، ويفي بالغرض المنشود دونما جهد وعناء، وقد لقيتُ عنتًا كبيرًا في تقسيم المعلومات إلى عناوين رئيسة، ثم كتبت ما صحَّ وترجَّح لديَّ، مما يمكن الاستفادة منه.
3-الكتاب في حاجةٍ إلى شيء من التقويم اللغوي؛ فيبدو في بعض الأماكن ضعف في التأليف وخللٌ في اختيار الكلمات والمفردات، وليست أمثلته كثيرة؛ إلا أنه شيء يحسن تداركه.
الشيخ المؤلف الفاضل في سطور:
هو العالم الجليل، الكاتب البارز فضيلة الشيخ عبد الله إسماعيل الكابودروي، من أشهر علماء غجرات المعاصرين، وأبرز دعاتها إلى الله، وُلد عام 1352هـ الموافق عام 1933م في بيت كريم، فكان أبوه الشيخ إسماعيل الكابودروي كثير الحب للعلماء، وثيق الصلة بهم، مماخلق فيه ذوق الصلاح والتقى، وغرس في جنة قلبه أهمية التعليم والتربية، فوجه ولده العزيز عبد الله إلى أحد كتاتيب القرية، وكانت كثيرة، ثم تجاوز المرحلة الابتدائية إلى المرحلة المتوسطة، فالتحق بالجامعة الإسلامية تعليم الدين دابهيل، بولاية غجرات- الهند، على الأساتذة المعروفين بعمقهم في العلم، وتمسكهم بالسنة، وشفقتهم على الخلق.
وفي عام 1947هـ شد رحلته العلمية إلى الجامعة العريقة في شبه القارة الهندية: الجامعة الإسلامية دار العلوم ديوبند، ودرس نحو سنتين، ثم عاد إلى الجامعة دابهيل لظروف صحية، حتى تخرج فيها، ثم عاد مرة ثانية إلى جامعة ديوبند، وتخرج فيها على مشايخ الدار وعلمائها، وذلك في عام 1959م -1960م.
نشاطاته:
عاش الشيخ حياةً حافلةً بالنشاطات العلمية والدعوية، أخص بالذكر منها:
· التدريس: ظل تدريس العلوم الأدبية والإسلامية شغله الشاغل منذ التخرج، فمارس التدريس في كل من جامعة دابهيل ودار العلوم فلاح الدين تركيسر، وما إليها.
· إعداد الرجال: قد تخرج عليه عدد لابأس به من العلماء والمصلحين، وصنع الرجال هو مهمة عظيمة موضوعة في أعناق علماء الأمة، لايقدر عليه إلا العلماء الموفقون الجامعون بين حسن الخلق ونبل الكرم ومعرفة النفس وغاية الشفقة والتلطف بالصغار.
· إصلاح المجتمع: لايخفى مدى فساد المجتمع الإسلامي وانحرافه عن الجادة العملية والفكرية الصحيحة؛ فوظف الشيخ مؤهلاته لبناء المجتمع الصالح وتربية أبناء الأمة على الرشد والخير، ولقي في هذه السبيل مشاق كثيرة، بيد أنه تحملها بإخلاص.
· التأليف: يملك الشيخ قلمًا سيالًا، يجري في المجاري العلمية المختلفة دونما وقوف وركود، وقد صدرت بقلمه كتب علمية قيمة، منها:
1. أضواء على تاريخ الحركة العلمية والمعاهد الإسلامية في غجرات، باللغة العربية
2. علامة بدر الدين العيني وجهوده في علم الحديث، باللغة الأردية
3. نداء الخاطر باللغة الأردية
4. ترجمة كتاب آداب المعلم والمتعلم في حلقات تحفيظ القرآن الكريم إلى اللغة العربية
5. نصيحة المسلمين، باللغة الأردية
6. شرح ديوان الشافعي رحمه الله، باللغة الأردية
7. أفكار بريشان (أفكار شاردة) باللغة الأردية
8. علامة يوسف البنوري وخدماته باللغة الأردية
9. علامة قطب الدين النهروالي ثم المكي، باللغة الأردية
هذا، إلى أن الشيخ يشغل مناصب هامة في عدد من المؤسسات الإسلامية الكبيرة في داخل الهند وخارجها، وهو من العلماء الرحالين في هذا العصر، يجول في الدنيا ويعرف ملابسات العصر بدقة.
وفاته:
لقد سقط هذا الصرح العلمي الشامخ ومنارة العلم والهدى والنور في 10/ يوليو/ 2018م عن عمر يناهز 85 عاما، وبسقوطه خفت ذلك الصوت العلمي، الذي كان يشق صدر الكسوف العلمي، وظلمة الجهالة العمياء، وخَبَتْ تلك الجذوة الثقافية، التي كانت تهدي السائرين إلى الحق، وترشد الحيارى المشدوهين، وهوى ذلك البدر المتألق، الذي ظل ساطعا على الأفق الهندي منذ أكثر من نصف قرن، وضاربا بنصيب أوفر في كثير من مجالات العمل الإسلامي.
رحمه الله من عالم صالح، وتقبله في الصالحين وغفر له سيئاته وأسكنه فسيح جناته، آمين .
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد خاتم النبيين وعلى آله وأصحابه الغر الميامين وجميع أتباعه بإحسان إلى يوم الدين.

* * *




[1]* بحث منشور في مجلة وحدة الأمة، السنة:03، العدد:05، يناير2016م، وفي مجلة النصيحة الفصلية، الصادرة عن مجمع الإسلام بهتكل كرناتكا، المجلد الثالث، العدد الثالث والرابع،رجب المرجب- ذو الحجة 1439هـ= مايو- أكتوبر 2018م.
([2]) رئيس هيئة الأحوال الشخصية لعموم الهند، ومدير ندوة العلماء لكناو- الهند.

([3]) الندوى، محمد الرابع، مقدمة كتاب "أضواء على تاريخ الحركة العلمية والمعاهد الإسلامية والعربية في غجرات الهند" (الهند: مجلس المعارف بروص، ط2، 1436هـ- 2015م).
([4]) الكابودروي، عبد الله إسماعيل، أضواء على تاريخ الحركة العلمية والمعاهد الإسلامية والعربية في غجرات- الهند، (الهند: مجلس المعارف بروص، ط2، 1436هـ- 2015م)، ص38.

([5]) المصدرالسابق، ص41.

([6]) الحسني، عبد الحي، الثقافة الإسلامية في الهند، (دمشق: مجمع اللغة العربية، 1403هـ - 1983م)، ص10.








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 67.52 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 65.81 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.54%)]