الحديث الثامن والعشرون / ألأربعين النووية - ملتقى الشفاء الإسلامي
 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215445 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          زوجي مصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 182 - عددالزوار : 61211 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 123 - عددالزوار : 29185 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15-03-2013, 10:16 PM
الصورة الرمزية ام ايمن
ام ايمن ام ايمن غير متصل
مشرفة ملتقى السيرة وعلوم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Apr 2006
مكان الإقامة: العراق / الموصل
الجنس :
المشاركات: 2,056
افتراضي الحديث الثامن والعشرون / ألأربعين النووية



ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادي له، واشهد ان لااله الا اللهوان محمدا عبده ورسوله بلغ الامانة وادى الرسالة ونصح الامة وجاهد في الله حق جهاده، اللهم صلى وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدىبهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أما بعد : فإن أحسن الحديث كتاب اللهوخير الهدي هدي محمد e وإن شر ألامور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكلبدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

الحديث الثامن والعشرون


أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة

عن أبي نجيح العرباض بن سارية t قال: وعظنا رسول الله r موعظة، وجلت منها القلوب، وزرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع، فأوصنا. قال: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة . رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وفي رواية أحمد وأبي داود والترمذي "بليغة " ، وفي روايتهم أن ذلك بعد صلاة الصبح.
هذا الحديث أصل في في بيان الاستمساك بتقوى الله -جل وعلا- والوصية بذلك، والاستمساك بالسمع والطاعة، وبالسنة وبطريقة الخلفاء الراشدين المهديين من بعد النبي عليه الصلاة والسلام .
وَعَظَنا" الوعظ:التذكير بما يلين القلب ، التذكير بحقوق الله -جل وعلا- في الأمر والنهي -يعني: فيما أمر به ونهى عنه. الموعظة قد تكون بترغيب، وقد تكون بترهيب، والغالب عليها أن يكون معها التخويف من عدم امتثال الأمر أو بإرتكاب النهي، قد جاء ذكر الموعظة في القرآن في عدد من المواضع، والمفسرون فسروها بالتذكير بإتباع الأمر، والتذكير بإجتناب النهي، قالوا: إن لفظ "وعظ" بمعنى: جعل غيره في عظة.
والعظة: نوع مما يحصل به الاعتبار، وذلك من آثار الاستجابة للتخويف أو التهديد أو الإنذار أو الإعلام وما شابه ذلك.
وكان النبي r يتخول أصحابه بالموعظة أحياناً. وكان كثيرا ما يعظ أصحابه في غير الخطب الراتبة ، كخطب الجمع والأعياد وقد أمره الله تعالى بذلك ، فقال : وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا النساء : 63 ، وقال:ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة النحل : 125 ، ولكنه كان لا يديم وعظهم ، بل يتخولهم به أحيانا.
عن ابن مسعود قال ( كان النبي e يتخولنا بالموعظــة في الأيام مخافة السآمة علينا ) رواه البخاري .
يتخولنا : يتعاهدنا . والمعنى : كان يراعي الأوقات في تذكيرنا ، ولا يفعل ذلك كل يوم لئلا نمل .
و في " الصحيحين " عن أبي وائل ، قال:كان عبد الله بن مسعود يذكرنا كل يوم خميس ، فقال له رجل : يا أبا عبد الرحمن إنا نحب حديثك ونشتهيه ، ولوددنا أنك حدثتنا كل يوم ، فقال : ما يمنعني أن أحدثكم إلا كراهة أن أملكم ، إن رسول الله r كان يتخولنا بالموعظة كراهة السآمة علينا.
وَجلَت مِنهَا القُلُوبُ" أي خافت منها القلوب كما قال الله تعالى: (الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ )(الأنفال: الآية2
وَذَرَفَت مِنهَا العُيون" أي ذرفت الدموع، وهو كناية عن البكاء .
سبب الوجل، وجل القلوب، وسبب أن العيون زرفت أنها اشتملت على أشياء منها: التخويف والوعيد، ومنها أنه نبههم أنه سيفارقهم. فجمع -عليه الصلاة والسلام- لهم ما بين الإشعار بمفارقته لهم-عليه الصلاة والسلام- وما بين تذكيرهم بأمر الله -جل وعلا-، وبحدوده وأوامره، والتخويف من مخالفة ذلك، فقال tوجلت منها القلوب، وزرفت منها العيون .
والوجل -وجل القلوب- أعظم من خوفها، لأن الوجل خوف وزيادة ، وهو الخوف الذي معه اغترار وتردد في هذا الأمر-يعني: أنه خاف منه مع كون القلب راغبا راهبا في هذا الأمر- فهناك درجات فيه: الرهبة، والخوف، والوجل، فكلها داخلة في معنى الخوف، لكن كل واحدة لها مرتبتها.
فَقُلنَا يَا رَسُول الله:كَأنَّها" أي هذه الموعظة "مَوعِظَةَ مُوَدِِّعٍ" يعني لما اشتملت عليه من الإشارات، ولما كانت عليه من أنها جامعة ، فكأنه -عليه الصلاة والسلام- جمع لهم ما يحتاجون، وأرشدهم بذلك بأنه ربما فارقهم لأنه جمع أشياء كثيرة في مكان واحد. وكذلك لتأثيرها في إلقائها،وفي موضوعها،وفي هيئة الواعظ فتأثير المواعظ له أسباب منها: الموضوع ،وحال الواعظ،وانفعاله.وهذا مثل ما وعظ r أصحابه فقال: (إن عبداً خيره الله بين ما عنده وبين الحياة الدنيا والبقاء فيها فاختار ما عند الله) فكثير من الصحابة لم يتنبهوا للمقصود من ذلك، و أبو بكر رضي الله عنه فهم ذلك وجعل يبكي، وفهم من ذلك أنه قرب أجله r وأنه هو العبد المخير، وأنه قد اختار لقاء الله عز وجل .
"فأوصنا" فكأنهم فهموا أن أجله قريب r، فطلبوا منه الوصية الجامعة المفيدة التي يعتمدون عليها ويعولون عليها، ومن المعلوم أن الوصية التي يكون معها ذكر التوديع أو فيها ما يشير إلى التوديع لا شك أنه يُهتم بها ويُحرص عليها ويُحرص على استيعابها وعلى تعقلها وفهمها.
وكونهم يطلبون الوصية يدل على كمال فضلهم وعلى كمال نبلهم وحرصهم على معرفة الحق والهدى، وحرصهم على تحصيل الوصايا العظيمة الجامعة من الرسول r.
قَالَ أوصيكُم بِتَقوَى الله عزّ وجل" هذه الوصية مأخوذة من قول الله تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)(النساء: الآية131) فتقوى الله رأس كل شيء. والتقوى : هي وصية الله للأولين والآخرين.
ومعنى التقوى أن تجعل بينك وبين عذاب الله وسخطه وعقابه في الدنيا الآخرة وقاية، وهذه الوقاية بامتثال أوامره واجتناب مناهيه على علم وبصيرة. والعمل بسنة المصطفى r والتقوى في كل مقام بحسبه.
وقد فسرت التقوى بعدة تفسيرات ومن أحسنها قول طلق بن حبيب -رحمه الله تعالى- أن التقوى: هي أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله. فجمع في هذا التعريف بين الترك والعلم والنية، وهذا هو حقيقة التقوى في الأوامر والنواهي.

وقال بعضهم : خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى واعمل كماش فوق أ ر ض الشوك يحذر ما يرى


لاتحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى

وتقوى الله عز وجل هي سبب كل خير وفلاح وسعادة في الدنيا والآخرة قال تعالى وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ[الطلاق:2-3]، وقال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا[الطلاق:4]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا [الطلاق:5] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًاِ[الأنفال:29] وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ[البقرة:282]، فتقوى الله عز وجل هي سبب كل خير وصلاح وفلاح في الدنيا والآخرة.
وَالسَّمعُ والطَّاعَة" أي لولاة الأمر بدليل قوله وَإِن تَأمَّر عَليكُم والسمع والطاعة بأن تسمع إذا تكلم، وأن تطيع إذا أمر.
والسمع والطاعة حقان للإمام أو للأمير، وهما من ثمرات البيعة، لأن البيعة عقد وعهد على السمع والطاعة، فتحصل بالمباشرة وتحصل بالإنابة. فالإمام المسلم إذا بايعه طائفة من أهل العلم، ومن يُشار إليهم في الحل والعقد - فإن في بيعتهم له على السمع والطاعة، وعهدهم له أن يسمعوا ويطيعوا -في ذلك مبايعة بقية المسلمين، وعلى هذا جرت سنة المصطفى r وسنة الخلفاء الراشدين .
فالسمع والطاعة لا فرق بينه وبين البيعة، ومن فرق بين البيعة وبين السمع والطاعة في الحقوق التي للإمام المسلم أو للأمير المسلم، فلا دليل له من سنة المصطفى r ولا من عمل الصحابة والتابعين، ولا من قول أهل السنة والجماعة، وأتباع السلف الصالح من عقائدهم. لكن السمع والطاعة له لا تجب له حقا له استقلالا، وإنما هي على وجه التبع -يعني أنها تبع لطاعة الله وطاعة رسوله ، الطاعة إنما هي في المعروف . والمعروف هو ما ليس بمعصية لقوله r: (إنما الطاعة في المعروف) وقوله r (لا طاعة لمخلوق في معصية الله) فهذه الوصية بالسمع والطاعة مقيدة بأنها في غير معصية.
وفصل أهل العلم هذه الطاعة بثلاث مسائل :
الحالة الأولى: ما وجب بأصل الشرع فإنه يطاع فيه الأمير لأمر الله -جل وعلا- لذلك، وليست الطاعة هنا في الواجب من حقوقه، بل هو يطاع لحق الله -جل وعلا- في طاعته فيما أوجب جل وعلا.
والحالة الثانية: أن يأمر أو ينهى عن مباح، أو فيما فيه اجتهاد، أو عن مكروه أو ما أشبه ذلك، فإنه يطاع هنا لحقه هو لأن الله -جل وعلا- جعل له السمع والطاعة.
الحالة الثالثة: أن يكون أمره بمعصية أو نهيه عن واجب، فهنا لا طاعة له لأن طاعة الله -جل وعلا- حق مقدم على طاعة غيره ممن جعل الله -جل وعلا- له الحق، فمثلا : الوالدان، والمرأة لزوجها، والإمام، وأشباه ذلك ممن جعل الله -جل وعلا- لهم حقا في السمع والطاعة، فإنهم يطاعون في غير المعصية، يعني: فيما جاء في الشريعة أنه غير محرم.
وَإن تَأمَّر عَلَيكُم" أي صار أميراً . "عبد" أي مملوكاً.
أجمع العلماء على أن العبد لا تصح ولايته ولا تثبت له، وليس هو من أهل الولاية , وأجمعوا على أن الخلافة لا تنعقد للعبد، وأن من شرط الخليفة أن يكون حراًَ لا أن يكون عبداً لأن العبد منافعه مملوكة لسيده , فلا يصلح للولاية والخلافة، وجاء في الحديث هنا: (وإن تأمر عليكم عبد) فكيف نوفق بين الحديث وإجماع العلماء؟
أجاب العلماء عن هذا الحديث وما في معناه بأجوبة منها:
أن هذا مما يؤتى به على سبيل الفرض والتقدير، وإن كان لا يقع ولا يحصل، وإنما هو للمبالغة في السمع والطاعة، يعني حتى ولو تأمر عليكم عبد فعليكم بالسمع والطاعة، فيكون المقصود من ذكره هنا المبالغة, وأنه لو حصل فإنه يجب أن يسمع له ويطاع , وإن كان ذلك لا يحصل ولا يقع من ناحية الاختيار، وأنه لا يُختار الخليفة من العبيد، وإنما يكون من الأحرار. الجواب الثاني: أنه يكون مؤمراً من الخليفة على قرية أو على جماعة، فالخليفة إذا عين عبداً ليكون أميراً على قرية أو أميراً على جماعة مسافرين أو ذهبوا في مهمة في سرية أو في غيرها فعليهم أن يسمعوا له ويطيعوا، وعلى هذا فيكون المراد ليس في الولاية العامة، وإنما هو في ولاية خاصة من قبل الأمير أو الخليفة.
الجواب الثالث: أنه عندما صار خليفة كان حراً، ولكن سبق له رق, ولكنه عتق فصارت منافعه ملكاً له، فهو عند توليته حر ولكنه كان عبداً فيما مضى، فيكون قوله: (وإن تأمر عليكم عبد) باعتبار ما مضى لا باعتبار الحال, ويكون هذا نظير قوله تعالى: وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ[النساء:2] فإن إعطاءهم الأموال يكون بعد البلوغ ، ولكنهم قيل لهم: يتامى باعتبار ما كان لا باعتبار الحال لأنه في حال يتمهم وقبل بلوغهم لا يدفع لهم المال, ولكنه يدفع لهم بعد البلوغ والرشد، ولهذا قال عز وجل: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ[النساء:6] يعني: ذهب الصغر وحصل البلوغ وجاء التكليف فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ[النساء:6] فدل على أن أموالهم لا تعطى إليهم في حال يتمهم، وإنما تعطى لهم بعد البلوغ.
الجواب الرابع: أنه إذا صار له شوكة وقوة وتغلب على الناس وقهر الناس بقوته وشوكته حتى استقرت له الأمور واستتب له الأمن فعند ذلك يسمع له ويطاع ولو كان عبداً، فلم يحصل اختياره، ولكنه بالتغلب والقهر والغلبة استقرت له الأمور، فإنه حينئذٍ يسمع له ويطاع.
فيكون ما جاء في هذا الحديث وما في معناه من السمع والطاعة للأمير ولو كان عبداًَ محمولاً على هذه الأمور التي ذكرها العلماء، فيسمع له ويطاع وإن كان عبداً بهذه الاعتبارات التي ذكرها العلماء، وإلا فإنه ليس أهلاً للخلافة وليس أهلاًَ للولاية ، لأن من شرط الخليفة أن تكون منافعه بيده وليست بيد غيره وليست ملكاً لغيره. وظاهر الحديث وجوب السمع والطاعة لولي الأمر وإن كان يعصي الله عزّ وجل إذا لم يأمرك بمعصية الله عزّ وجل، لأن النبي r قال:"اسمَع وَأَطِع وَإِن ضَرَبَ ظَهرَكَ وَأَخَذَ مَالَكَ"(1) وضرب الظهر وأخذ المال بلا سبب شرعي معصية لا شك، فلا يقول الإنسان لولي الأمر: أنا لا أطيعك حتى تطيع ربك، بل يجب أن يطيعه وإن لم يطع ربه.أما لو أمر بالمعصية فلا سمع ولا طاعة، لأن رب ولي الأمر ورب الرعية واحد عزّ وجل، فكلهم يجب أن يخضعوا له عزّ وجل، فإذا أمرنا بمعصية الله قلنا: لا سمع ولا طاعة.
(فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاًَ كثيراً) هذا من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام، فإنه أخبر عن أمر مستقبل لم يقع، وكل أمر أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام من الأمور المستقبلة لابد أن يقع لأنه لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى[النجم:4], فأخباره صادقة، سواء كانت ماضية أم مستقبلة أم موجودة غير مشاهدة ولا معاينة.
فَإِنَّهُ مَن يَعِش مِنكُم" أي تطول به الحياة "فَسَيَرى" والسين هنا للتحقيق اختِلاَفاً كَثيراً في العقيدة، وفي العمل ، وفي المنهج، وهذا الذي حصل، فالصحابة رضي الله عنهم الذين عاشوا طويلاً وجدوا من الاختلاف والفتن والشرور ما لم يكن لهم في الحسبان.
الاختلاف والمخالفة شيئان متغايران.أما المخالفة فهي عن قصد وعمد، وأما الاختلاف فهو عن وجهة نظر بين اثنين فأكثر، واختلاف وجهات النظر لم تخل منها الأمة، بل ولا الأمم السابقة، وقد أورد علينا القرآن الكريم ما وقع من اختلاف في قضية واحدة، القضية المشهورة بين نبي الله داود وابنه سليمان عليهما السلام في قضية الغنم التي نفشت في الحرث، وجاءوا إلى نبي الله داود فحكم بأن يعطى أصحاب الحرث من الغنم ما يعادل تلف حرثهم، وهذا إذا جئنا إلى قانون القضاء وجدناه حكماً عادلاً لأن من أتلف شيئاً عليه تعويضه، وهؤلاء غنمهم أتلفت حرث القوم، فقال داود عليه السلام: يؤخذ من أغنامهم بقدر ما أتلفوا، ولما مروا على سليمان عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، سأل: ماذا قضي لكم؟ قالوا: قضي بكذا. قال: لو كنت أنا الذي أقضي ما قضيت بذلك، وأقضي بأن تسلم الغنم بكاملها إلى أصحاب الحرث، لينتفعوا بألبانها وأصوافها، ويسلم الحرث لأصحاب الغنم ليصلحوه حتى يعود كما كان، فتعود الغنم إلى أصحابها، ويتسلم أهل الحرث حرثهم، فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا[الأنبياء:79]، يعني: أقر داود أنه قضى بحكم وعلم، وليس عن جهل، وكذلك سليمان شرك داود في الحكم والعلم، ولكن فهمناها سليمان، والقضاء يحتاج إلى الفهم أكثر منه إلى الحفظ؛ لأن فهم ظروف القضية هو صلب القضاء، وكما قالوا: معرفة المدعي من المدعى عليه صلب القضاء.
وعلي رضي الله تعالى عنه لما ولاه رسول الله قضاء اليمن، قال: أتبعثني قاضياً وأنا لا أعرف القضاء؟ فقال: (إذا أتاك الخصم فلا تقضي له حتى تسمع من خصمه) إلى آخره.
وعمر رضي الله تعالى عنه لما كتب إلى أبي موسى الأشعري كتابه في القضاء الذي يعتبر إلى الآن منهج القضاء في العالم كله، حتى إن أوروبا تأخذ بمنهج عمر في هذا القضاء، ويهمنا أنه كتب إليه: (إذا أدلي إليك فالفهم الفهم) أي: إن فهم القضية قبل كل شيء، وهكذا ما عاب الله على داود، أعطى كلاً حقه، ولم يعتب ولم يؤاخذ أحد الطرفين ولكن أثنى عليهما معاً، ورجح جانب سليمان، وهو حكم في قضية واحدة.
ثم أرشدهم r إلى ما يلزمونه عند هذا الاختلاف،أمرr بشيئين، فحث وحذر, ورغب ورهب: حث على اتباع السنن وحذر من البدع, حث على السنن بقوله: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين) وحذر من البدع بقوله: (وإياكم ومحدثات الأمور), ففي ذلك ترغيب وترهيب, وفيه حث وتحذير, حث على اتباع السنن في قوله: (فعليكم) و (عليكم) اسم فعل أمر و (إياكم) بمعنى: احذروا .
" فعليكم بسنتي " أي الزموا سنتي، والمراد بالسنة هنا: الهدي والطريقة التي كان عليها -عليه الصلاة والسلام-، والسنة بيان للقرآن، فما كان من كلامه -عليه الصلاة والسلام-، وما كان من أفعاله -فإن في ذلك السنة، -فلا تبتدعوا في دين الله عزّ وجل ما ليس منه ،ولا تخرجوا عن شريعته.
وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَاشِدين" الخلفاء هم الذين خلفوا المصطفى rفي أمته في ولاية الأمر على طريقته عليه الصلاة والسلام وعلى رأسهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
والخلفاء الراشدون من بعده -عليه الصلاة والسلام- أربعة: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي -رضي الله عنهم أجمعين-، ووصفوا بأنهم راشدون لأنهم قاموا بالرشد، والرشد: هو العلم بالحق والعمل به. فسموا راشدين لأنهم كانوا علماء في الحق عملوا به، وليست هذه الصفة إلا لهؤلاء الأربعة.
"المهديين" يعني: الذين من الله عليهم فهداهم للحق فعملوا به، صفة مؤكدة لما سبق، لأنه يلزم من كونهم راشدين أن يكونوا مهديين، إذ لا يمكن رشد إلا بهداية،وعليه فالصفة هنا ليست صفة احتراز ولكنها صفة توكيد وبيان علة،يعني أنهم رشدوا لأنهم مهديون .
أبو بكر الصديق رضي الله عنه هو الخليفة الأول لهذه الأمة، نص النبي rعلى خلافته نصاً يقرب من اليقين، وعامله بأمور تشير إلى أنه الخليفة بعده. مثال ذلك: أتته امرأة في حاجة لها فوعدها وعداً، فقالت: يا رسول الله إن لم أجدك؟ قال: "ائتِي أَبَا بَكر"(2). وقال : "يَأَبَى اللهُ وَرَسُولُهُ وَالمُؤمِنونَ إِلا أَبَا بَكرٍ"(3) . وأمر أن تسد جميع الأبواب المشرفة على المسجد إلا باب أبي بكر(4) وجعله خليفته في الصلاة بالمسلمين حين مرض(5) ،وهذه إمامة صغرى،يشير بذلك إلى أنه يتولى الإمامة الكبرى،وجعله أميراً على الحجيج في السنة التاسعة خلفاً عنه. فهو الخليفة بالنص الذي يقرب من اليقين. وخلافة عمر رضي الله عنه ثابتة شرعاً لأنها وقعت من خليفة،ثم صارت الخلافة لعثمان رضي الله عنه بمشورة معروفة رتبها عمر رضي الله عنه، ثم صارت بعد ذلك لعلي رضي الله عنه هؤلاء هم الخلفاء الراشدون لا إشكال فيهم.
"عَضُّوا عَلَيهَا" أي على سنتي وسنة الخلفاء "بالنَّوَاجِذِ" وهي أقصى الأضراس ومن المعلوم أن السنة ليست جسماً يؤكل،لكن هذا كناية عن شدة التمسك بها،أي أن الإنسان يتمسك بهذه السنة حتى يعض عليها بأقصى أضراسه. وأشد ما يكون الاستمساك إذا أراد المرء أن يستمسك بشيء بأسنانه أن يعض عليه بأضراسه لأنها أشد الأسنان. عضوا عليها بالنواجذ يعني: كونوا مستمسكين بها على أشد ما يكون الاستمساك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين عند الاختلاف، والتقوى والسمع والطاعة، فإن في هذا النجاة.
__________________
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 15-03-2013, 10:18 PM
الصورة الرمزية ام ايمن
ام ايمن ام ايمن غير متصل
مشرفة ملتقى السيرة وعلوم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Apr 2006
مكان الإقامة: العراق / الموصل
الجنس :
المشاركات: 2,056
افتراضي رد: الحديث الثامن والعشرون / ألأربعين النووية

"وَإيَّاكُم وَمُحدَثَاتِ الأُمور" لما حث على التمسك بالسنة حذر من البدعة. "إياكم" تحذير ونهي، ومن الصيغ التي يفهم منها النهي أو يعبر بها عن النهي صيغة إياك، وكذا كما قرره علماء الأصول، فقوله: وإياكم ومحدثات الأمور هذا في معنى قوله: لا تقربوا أو لا تأتوا محدثات الأمور، فهو نهي عن محدثات الأمور. أي اجتنبوها،والمراد بالأمور هنا الشؤون، والمراد بالشؤون شؤون الدين،لا المحدثات في أمور الدنيا،لأن المحدثات في أمور الدنيا منها ما هو نافع فهو خير،ومنها ما هو ضار فهو شر،لكن المحدثات في أمور الدين كلها شر، ولهذا قال: "فَإِنَّ كُلَّ مُحدَثَةٍ بِدعَة" لأنها ابتدعت وأنشئت من جديد.
والمحدثات جمع محدثة، وهي: كل ما أحدث بعده -عليه الصلاة والسلام- وهذه المحدثات التي أحدثت على قسمين: منها محدثات من قبيل المصالح المرسلة فهذه لا تدخل في المحدثات المذمومة لأنها محدثة لغة، ولكنها ليست بمحدثة شرعا لأن لها الدليل في الشرع الذي دل على اعتبارها، وهو كونها من المصالح المرسلة.
والقسم الثاني: المحدثات التي هي في الدين هي البدع. "كُل بِدعَةٍ ضَلالَة" أي كل بدعة في دين الله عزّ وجل فهي ضلالة.وهذا لفظ عام يشمل البدع كلها التي أحدثت في الدين لأنها مخالفة لما كان عليه رسول الله r وأصحابه, ولا يستثنى من ذلك شيء، ولا يقال: إن في الإسلام بدعة حسنة، فالرسول r يقول: (كل بدعة ضلالة) وقد ثبت أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة. وجاء عن الإمام مالك رحمه الله أنه قال: من زعم أن في الإسلام بدعة حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة؛ لأن الله تعالى يقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا[المائدة:3]، ثم قال: ما لم يكن يومئذ ديناً لا يكون اليوم ديناً.
جاء عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه جاء إلى أناس متحلقين في المسجد وفي أيديهم حصى وفيهم شخص يقول: هللوا مائة، كبروا مائة، سبحوا مائة، احمدوا مائة.فيعدون بالحصى, فوقف على رءوسهم أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود فقال: إما أن تكونوا على طريقة أهدى مما كان عليه أصحاب رسول الله r أو أنكم مستفتحو باب ضلالة.أي: هذا ما كان الصحابة يعرفونه, وما كان هذا من هدي الصحابة، وما كان من عمل الصحابة، فأنتم بين واحدة من اثنتين: إما أنكم أحسن من الصحابة، أو أنكم مفتتحو باب ضلالة.فهموا أن الأولى منتفية، ولا يمكن أن يكونوا أحسن من الصحابة، ولا يمكن أن يكونوا على طريقة أهدى مما كان عليه أصحاب الرسول r وإنما بقيت الثانية، وهي أنهم مفتتحو باب ضلالة, فقالوا: سبحان الله يا أبا عبد الرحمن ! ما أردنا إلا الخير.قال: وكم من مريد للخير لم يصبه. فليست القضية في كون الإنسان يقول: أنا قصدي طيب وأنا قصدي حسن، وما دام قصدي طيباً حسناً فليس هناك بأس ولو كان الذي أعمله ما جاء عن الرسول r.فلابد أن يعبد الله وفقاً لما جاء عن رسول الله r وهذا هو معنى شهادة أن محمداً رسول الله لأن شهادة أن محمداً رسول الله معناها طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع, ولا يعبد بالبدع والمحدثات والمنكرات التي ما أنزل الله بها من سلطان, وإنما يعبد بالسنن وبما جاء في الكتاب والسنة، فشريعة الله عز وجل كاملة لا نقص فيها, ولا تحتاج إلى إضافات، ولا تحتاج إلى بدع محدثة.
من فوائد هذا الحديث : 1- مشروعيـــة الموعظـــة . والموعظة فيها مباحث :
أولاً : مشروعيتها :لقوله تعالى } وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً { .وقوله تعالى } ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظــة الحسنــة { .
وعن جابر قال ( شهدت مع رسول الله e العيد ، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة ، ثم قام متوكئاً على بلال ، فأمر بتقوى الله ، وأمر بطاعته ، ووعظ الناس وذكرهــم ) متفق عليه .
ثانياً : أن لا يديم الموعظة بل يتخولهم .
ثالثاً : أن لا يطيل في الموعظة .قال e ( إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه ) رواه مسلم .
وعند أبي داود ( كان رسول الله e لا يطيل الموعظــة يوم الجمعة ، إنما هي كلمات يسيرات ) .مئنة : دليل وعلامة .
رابعاً : أن تكون بليغــة .لقوله في الحديث ( وعظنا موعظة بليغــة .. ) .
قال ابن رجب : والبلاغة هي التوصل إلى إفهام المعاني المقصودة ، واتصالها إلى قلوب السامعين بأحسن صورة من الألفاظ الدالة عليها وأفصحها وأحلاها للأسماع وأوقعها في القلوب .
2- أنه ينبغي للواعظ أن تكون موعظته مؤثرة باختيار الألفاظ الجزلة المثيرة،وهذا على حسب الموضوع،فإن كان يريد أن يعظ الناس لمشاركة في جهاد أو نحوه فالموعظة تكون حماسية،وإن كان لعمل الآخرة فإن الموعظة تكون مرققة للقلوب.
3- أن من صفات المؤمنين عند سماع المواعظ ، البكاء والخوف والدليل تأثر الصحابة بالموعظة وشدة خوفهم من الله.
قال ابن رجب رحمه الله : ” هذان الوصفان بهما مدح الله المؤمنين عند سماع الذكر “ . كما قال تعالى } إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهــم وإذا تليت عليهم آياتــه زادتهم إيماناً { . وقال سبحانه } ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق { .
وقال تعالى } وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرســــــول ترى أعينهــم تفيض من الدمــع مما عرفـــوا من الحق { .
4- فيه بيان لعلاقة القلب مع الجوارح فمتى تأثر القلب وخاف وخشع تأثرت العيون فذرفت وبكت من خشية الله وإذا كان قاسياً، نسأل الله عزّ وجل أن يبعدنا وإياكم من قسوة القلب،لم تدمع العين.. 5- فضل البكاء من خشية الله . وللبكاء من خشية الله فضائل :
أولاً : سبب للنجاة من النار .قال e ( لن يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع ) رواه الترمذي .
وقال e ( عينان لا تمسهما النار : عين بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله ) رواه الترمذي .
ثانياً : البكاء مع الذكر سبب لإظلال الله للعبد .قال e ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : .. ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ) متفق عليه .
ثالثاً : أن البكاء من خشية الله سمة من سمات الصحابة .كما في حديث أنس قال : قال رسول الله e ( لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ، قال : فغطى أصحاب رسول الله e وجوههم ولهم خنين ) متفق عليه .
أمثلة على بكاء الصحابة :
ثبت في ترجمة عمر بن الخطاب أنه كان في وجهه خطان أسودان .
وكان عثمان إذا وقف على قبر يبكي حتى تبتل لحيته من البكاء .
ثبت عن ابن عمر أنه ما قرأ قول الله } ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله { إلا بكى حتى يغلبـــه البكاء 6- فقه الصحابي العرباض بن سارية رضي الله عنه حيث قدم قوله " وجلت منها القلوب " على قوله "ذرفت منها العيون" لأن القلب هو الأصل.
7- البكاء في مجالس الوعظ والذكر إذا غلب على الإنسان لا يكون رياءً، كما بكى الصحابة رضي الله عنهم في حديث الباب.
8- أن وصية المودع غالباً تكون بليغة مؤثرة،لأن المودع لن يبقى عند قومه حتى يكرر عليهم الموعظة فيأتي بموعظة مؤثرة يُذَكر بها بعد ذلك لقولهم: "كَأَنَّهَا مَوعِظَةُ موَدِِّعٍ" .
قال ابن رجب رحمه الله : ” فإن المودِّع يستقصي ما لم يستقص غيره في القول والفعل ، ولذلك أمر النبي e أن يصلي صلاة مودع ، لأنه من استشعر أنه مودِع بصلاته أتقنها على أكمل وجوهها .
9- طلب الإنسان من العالم أن يوصيه،لقولهم رضي الله عنهم "فَأَوصِنَا". 10 فضيلة التقوى حيث كانت أهم وأولى وأول ما يوصى به العبد تقوى الله عزّ وجل لقوله: "أُوصيكُم بِتَقوَى الله". لأنه هي سبب سعادة الدنيا والآخرة . وقال e لمعاذ ( اتق الله حيثما كنت ).
11- وصية النبي r بالسمع والطاعة لولاة الأمور،والسمع والطاعة لهم واجب بالكتاب والسنة،قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ )(النساء: الآية59) فجعل طاعة أولي الأمر في المرتبة الثالثة ولكنه لم يأت بالفعل (أطيعوا ) لأن طاعة ولاة الأمور تابعة لطاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا لو أمر ولاة الأمور بمعصية الله عزّ وجل فلا سمع ولا طاعة.
وقال e ( من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ، ومن عصا أميري فقد عصاني ) رواه البخاري .
وعن أبي ذر قال ( إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبداً حبشياً مجدع الأطراف ) متفق عليه .
وفي الصحيحين قال e ( على المرء المسلم السمع والطاعــة فيما أحب وكره ، إلا أن يؤمر بمعصيــة ، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعــة ) .
وقال e ( من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر ، فإنه من فارق الجماعــة شبراً فمات ، فميتــة جاهليــة ) .
قال شارح الطحاوية : ” أما لزوم طاعتهم وإن جاروا ، فلأنــه يترتب على الخروج عن طاعتهم من المفاســـد أضعاف ما يحصل من جورهــم ، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات ، ومضاعفة الأجور ، فإن الله تعالى ما سلطهــم علينا إلا لفساد أعمالنا ، والجزاء من جنس العمل “ .
وقال ابن رجب : ” وأما الســمع والطاعة لولاة أمور المسلمين ، ففيها سعادة الدنيا ، وبها تنتظــم مصالح العباد في معاشهم ، وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم “
12- ثبوت إمرة العبد،لقوله: "وَإِن تَأَمرَ عَلَيكُم عَبدٌ". 13- ظهور آية من آيات النبي r في قوله: "فَإِنَّهُ مَن يَعِش مِنكُم. حيث وقع ما أخبر به من الاختلاف والفرقــة .وهذا مصداق لقوله e ( ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ) رواه أبو داود .
14-وجوب التمسك بسنة النبي r عند الاختلاف، لقوله: "فَعَلَيكُم بِسنَّتي" والتمسك بها واجب في كل حال لكن يتأكد عند وجود الاختلاف.وعدم الإنتماء الى الأحزاب الظاهرة.
15- أن للخلفاء الراشدين سنة متبعــة .لقوله ( وسنة الخلفاء الراشدين ) .ولقوله e أيضاً ( اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر ) رواه الترمذي . وعلى هذا فما سنه الخلفاء الراشدون أُعتبر سنة للرسول r بإقراره إياهم، ووجه كونه أقره أنه أوصى باتباع سنة الخلفاء الراشدين.
والخلفاء الراشدون الذين أمرنا بالاقتداء بهم هم : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي .
16- ذكر في الحديث علاجاً للفتن والافتراق والاختلاف بين المسلمين، ويتلخص العلاج في أمور:-
الأولى: تقوى الله "أوصيكم بتقوى الله"
الثانية: السمع والطاعة " والسمع والطاعة"
الثالثة: التمسك بالسنة " فعليكم بسنتي".
الرابع: هجر البدع " وإياكم ومحدثات الأمور".


قال ابن رجب رحمه الله : ” هذا من جوامع الكلم ، لا يخرج عنه شيء ، وهو أصل عظيم من أصول الدين ، وهو شبيه بقوله e ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) ، فكل من أحدث شيئاً ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه فهو ضلالة والدين برىء منه ، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات ، أو الأعمال ، أو الأقوال الظاهرة والباطنة “ .
17- التحذير من البدع، أي من محدثات الأمور، لأن (إيَّا) في قوله "وَإيَّاكم" معناها التحذير من محدثات الأمور في الدين لأن جميع البدع ضلالة ليس فيها هدى، بل هي شر محض لا تجوز حتى وإن استحسنها من ابتدعها فإنها ليست حسنى،بل ولا حسنة لقول النبي r "كُلَّ بِدعَةٍ ضَلالَة" ولم يستثنِ النبي r شيئاً . أماالمحدثات في أمور الدنيا إما مطلوب وإما مذموم حسب ما يؤدي إليه من النتائج. فمثلاً: أساليب الحرب وأساليب الاتصالات،وأساليب المواصلات كلها محدثة، لم يوجد لها نوع فيما سبق، ولكن منها صالح ومنها فاسد حسب ما تؤدي إليه، فالمُحَذَّر منه المحدث في الدين عقيدة،أو قولاً،أو عملاً،فكل محدثة في الدين صغرت أو كبرت فإنها بدعة، هكذا قال النبي r فإن قال قائل: كيف نجمع بين هذه الكلية العامة الواضحة البينة: "كُلَّ مُحدَثَةٍ بدعَةٌ" وبين قوله r"مَن سَنَّ في الإسلامِ سُنَةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجرُها وَأَجرُ مَن عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوم القِيامَةِ" فالجواب من وجهين:
الوجه الأول:أن معنى قوله r "مَن سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حَسَنَةً" أي من ابتدأ العمل بالسنة، ويدل لهذا أن النبي r ذكره بعد أن حث على الصدقة للقوم الذين وفدوا إلى المدينة ورغب فيها، فجاء الصحابة كلٌّ بما تيسر له، وجاء رجل من الأنصار بصرة قد أثقلت يده فوضعها في حجر النبي r فقال: "مَن سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حَسَنَةَ فَلَهُ أَجرَها وَأَجرُ مَن عَمِلَ بِهَا إِلَى يَومِ القِيامَةِ" أي ابتدأ العمل سنة ثابتة، وليس أنه يأتي هو بسنة جديدة، بل يبتدئ العمل لأنه إذا ابتدأ العمل سن الطريق للناس وتأسوا به وأخذوا بما فعل. إذاً يُحمَل قوله: "مَن سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حَسَنَةَ" على الوسائل إلى أمور ثابتة شرعاً، ووجه هذا أننا نعلم أن كلام النبي r لا يتناقض، ونعلم أنه لو فُتِحَ الباب لكل شخص أو لكل طائفة أن تبتدع في الدين ما ليس منه لتمزقت الأمة وتفرقت،وقد قال الله عزّ وجل: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (الأنعام:159)
الوجه الثاني:أن يقال: "مَن سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حَسَنَةً" أي سن الوصول إلى شيء مشروع من قبل كجمع الصحابة المصاحف على مصحف واحد، فهذا سنة حسنة لاشك، لأن المقصود من ذلك منع التفرق بين المسلمين وتضليل بعضهم بعضاً. كذلك أيضاً جمع السنة وتبويبها وترتيبها، فهذه سنة حسنة يتوصل بها إلى حفظ السنة. وبناءً على هذا يتبين خطأ من قسم البدع إلى خمسة أقسام أو إلى ثلاثة أقسام،وأنه ليس على صواب، لأننا نعلم علم اليقين أن أعلم الناس بشريعة الله رسول الله r وأن أنصح الخلق لعباد الله رسول الله r وأن أفصح الخلق نطقاً محمد r وأن أصدق الخلق خبراً رسول الله r أربعة أوصاف كلها مجتمعة على الأكمل في قول النبي r ثم يأتي مَنْ بعده ويقول: البدعة ليست ضلالة، بل هي أقسام: حسنة ،ومباحة،ومكروهة، ومحرمة،وواجبة. مثال ذلك: قالوا من البدع الحسنة جمع المصاحف في مصحف واحد، ومن البدع الحسنة كتابة الحديث، ومن البدع الحسنة إنشاء الدور لطلاب العلم وهكذا.فنقول هذه ليست بدعة، وهي حسنة لا شك لكن ليست بدعة،هذه وسيلة إلى أمر مقصود شرعاً، نحن لم نبتدع عبادة من عندنا لكن أمرنا بشيء ورأينا أقرب طريق إليه هذا العمل فعملناه وهناك فرق بين الوسائل والذرائع وبين المقاصد، لأن جميع الأمثلة التي قالوا: إنها حسنة تنطبق على هذا، أي أنها وسائل إلى أمر مشروع مقصود. ومثال آخر قول جماعة: إن الميكرفون الذي يؤدي الصوت إلى البعيد بدعة ولا يجوز العمل به؟ فنقول: هو وسيلة حسنة ، لأنه يوصل إلى المقصود، وقد اختار النبي r للأذان مَنْ هو أندى صوتاً لأنه يبلغ أكثر، وقال للعباس رضي الله عنه في غزوة حنين: نادى يا عباس لأنه كان صيتاً رضي الله عنه . إذاً رفع الصوت مطلوب، وهذه وسيلة من وسائله،وهو من النعمة لأنه وسيلة إلى أمر مقصود. كذلك أيضاً الاتصالات، الآن نتصل عن طريق الهاتف إلى أقصى العالم، فهل نقول استعمال هذا الهاتف بدعة لا تجوز؟ الجواب:لا نقول هذا، لأنه وسيلة، وقد يكون إلى خير أو إلى شر. أما في قول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد، وخرج ليلة من الليالي فوجد الناس يصلون بإمام واحد فقال: نعمت البدعة هذه فسماها بدعة فقد وصفها العلماء بالبدعة اللغوية لاالشرعية.أو بدعة نسبية بالنسبة لهجران هذا القيام بإمام واحد، وذلك لأن النبي r أول من سن القيام بإمام واحد - أي التراويح - فقد صلى بأصحابه ثلاث ليال في رمضان ثم تخلف خشية أن تفرض ، وتُرِكَت، وأصبح الناس يأتون للمسجد يصلي الرجل وحده ، والرجلان جميعاً،والثلاثة أوزاعاً، فرأى عمر رضي الله عنه بثاقب سياسته أن يردهم إلى السنة الأولى وهي الاجتماع على إمام واحد فجمعهم على تميم الداري وأُبي بن كعب رضي الله عنهما وأمرهما أن يصليا بالناس إحدى عشرة ركعة كما كان النبي r لا يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة . فيكون قوله: نعمت البدعة يعني بالبدعة النسبية، أي بالنسبة إلى أنها هجرت في آخر عهد النبي r وفي عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه وفي أول خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ،وإلا فنحن نؤمن بأن كل بدعة ضلالة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
سبحانك الله وبحمدك نشهد أن لاإله إلا أنت نستغفرك ونتوب اليك
إن أصبت فمن فضل اللهوحده
وإن أخطأت فمن نفسي ومنالشيطان
والحمد لله الذي هدانا لهذا وماكنا لنهتدي لولا أن هداناالله
والحمد لله الذي بنعمته تتمالصالحات
اللهم اجعل عملي خالصا لوجهكالكريم
ولاتجعل لأحد شيئا منه سواك
------------------------------------------
(1)أخرجه مسلم كتاب: الأمارة، باب: وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال، وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة، (1847)،(52).
(2) أخرجه البخاري – كتاب: فضائل الصحابة، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذاً خليلاً، (3659). ومسلم – كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي بكر الصديق، (2386)، (10).
(3) أخرجه البخاري – كتاب: المرضى، باب: ما رخص للمريض أن يقول: إني وجع، (5666).ومسلم – كتاب: فضائل الصحابة، من فضائل أبي بكر الصديق، (2387)،(11).
(4) أخرجه البخاري- كتاب: الصلاة، باب: الخوخة والممر في المسجد، (466) ومسلم – كتاب: فضائل الصحابة، من فضائل أبي بكر الصديق، (2382)،(2).
(5) أخرجه مسلم – كتاب التوبة، باب: الحض على التوبة والفرح بها، (2747)،(7)

















__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 101.07 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 98.95 كيلو بايت... تم توفير 2.13 كيلو بايت...بمعدل (2.10%)]