أثر الحق في حضانة الولد- دراسة فقهية - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4417 - عددالزوار : 853415 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3948 - عددالزوار : 388566 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12522 - عددالزوار : 214010 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21-09-2019, 04:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي أثر الحق في حضانة الولد- دراسة فقهية

أثر الحق في حضانة الولد- دراسة فقهية




أ. د. بندر بن فهد السويلم[*]





ملخص البحث:


إذا طلق الزوج زوجته انفكت عرى الأسرة, التي هي اللبنة الأساس للمجتمع, وتضرر الوليد بافتراق والديه مع حاجته الشديدة لهما, غير أن الإسلام لم يترك الطفل ليضيع, بل جاءت أحكامه كفيلة بحفظ حقوقه, مستوفية جميع الجوانب, مقررة مسئولية الأشخاص المعنيين بها وواجباتهم, لأن الطفل نفس بشرية حظيت بالتكريم والحفظ والعناية, وجعل الإسلام حفظها -سواء أكانت نفسا صغيرة أو كبيرة, ذكرا أو أنثى- من أهم الضروريات الشرعية, وإن من مسائل الفقه التي تحتاج إلى إبراز, ما يتعلق بأثر الحق في حضانة الولد, لأنه باب من أبواب الحقوق ازدادت الحاجة إليه في الوقت الحاضر, لارتفاع معدلات النزاع والطلاق بين الزوجين, وكثرة الخصومات في محاكم الأحوال الشخصية, وتأثر حال الأطفال وهم في سن الحضانة, من افتراق الوالدين, وما ينتج عن ذلك من قلق وضرر لهم, مع وجود كثير من المستجدات في هذا العصر, وهذا البحث سيتناول الحق في الحضانة وأثره على كل من أصحاب هذا الحق, وبيان مدى رعاية قوة حق المحضون, والأحكام الفقهية المتعلقة بذلك.
Abstract:
If the husband his wife divorced consistently bonds of family, which is the foundation unit of society, and affected newborn dissolution of married parents with severe for them his need, but Islam did not leave a child to miss in his life, but came provisions enough to save his rights, meet all aspects, planned the responsibility of the persons concerned by and duties , because the child the same as human enjoyed honored, preservation and care, and make Islam saved-whether they're small or big breath, male or female- of the most important legal necessities, but matters of doctrine that you need to highlight, what the impact of the right to child custody, because the door of doors rights increased need for it at the present time, the high conflict divorce between spouses rates, frequent discounts in family courts, and influenced by the case of children who are in the age of custody, from the separation of the parents, and the resulting anxiety and harm them, and with a lot of developments in the This era. This research will address the right to custody and its impact on all of the owners of this right, and the extent of the power of the right of the child care, jurisprudence and provisions relating thereto.
المقدمة:


الحمد لله, أحمده وأشكره, وأثني عليه الخير كله, وأشهد أن لا إله إلا الله, وحده لا شريك له, وأشهدا أن محمدا عبده ورسوله, وصفيه من خلقه, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين, ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم بإحسان إلى يوم الدين, أما بعد: فقد جاءت توجيهات الإسلام الحكيمة في شأن الأولاد متضمنة كافة الجوانب التي تكفل العناية بهم, تربية لأبدانهم كي تنمو وتقوى, وتهذيبا لفكرهم وسلوكهم, وارتقاء بأخلاقهم, لأن الأولاد ثمرة مهمة من ثمرات الزواج الذي شرعه الله لبقاء الإنسان والجنس البشري, لكن الإنسان حينما يولد ويخرج من بطن أمه إلى هذه الدنيا يخرج مخلوقا ضعيفا جدا, مضطرا إلى الرضاع واللباس والتنظيف والحفظ والشفقة والرأفة, وإذا ترعرع قليلا احتاج إلى التقوية بالطعام والشراب واللباس والعلاج، والتربية والتعليم ومزيد من العناية والاهتمام, وهذه مسئولية وأمانة على الوالدين القيام بها نحو طفلهما الذي تشتد حاجته لملازمتهما إلى أن يصبح يافعا تتوافر فيه صفات لا يحتاج معها إلى حضانة والديه.
وإذا وقع الطلاق -وهو غاية شيطانية مهمة كما جاء في الحديث[1]- تشتت الوالدان, وانفكت عرى الأسرة التي هي اللبنة الأساس للمجتمع, وتضرر الوليد بافتراق والديه مع حاجته الشديدة لهما, غير أن الإسلام لم يترك الطفل ليضيع في حياته, بل جاءت أحكامه كفيلة بحفظ حقوقه, مستوفية جميع الجوانب, مقررة مسئولية الأشخاص المعنيين بها وواجباتهم, لأن الطفل نفس بشرية حظيت بالتكريم والحفظ والعناية, وجعل الإسلام حفظها -سواء أكانت نفسا صغيرة أو كبيرة, ذكرا أو أنثى- من أهم الضروريات الشرعية.
وإن من مسائل الفقه التي تحتاج إلى إبراز, ما يتعلق بأثر الحق في حضانة الولد, لأنه باب من أبواب الحقوق ازدادت الحاجة إليه في الوقت الحاضر, لارتفاع معدلات النزاع والطلاق بين الزوجين, وكثرة الخصومات في محاكم الأحوال الشخصية, وتأثر حال الأطفال وهم في سن الحضانة, من افتراق الوالدين, وما ينتج عن ذلك من قلق وضرر لهم, مع وجود كثير من المستجدات في هذا العصر.
وقد اخترت الكتابة في هذا الموضوع تحت عنوان: (أثر الحق في حضانة الولد: دراسة فقهية) لتحقيق الأهداف الآتية:
  1. رجاء تحصيل الأجر والثواب من الله الكريم الوهاب سبحانه, لأن الطلب والبحث في ميراث النبوة وعلوم الشريعة وفروع الفقه من أفضل ما يشتغل به المرء في حياته, لأنه من العلم النافع, والتفقه في الدين, وهو باب من أبواب الخير, وأمارة من أمارت التوفيق للمسلم, كما أخبر المصطفى e, حين قال: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين"[2].
  2. بيان كمال وشمول الشريعة الإسلامية وعنايتها بالطفل, وتقريرها الحقوق لأصحابها, وتحديدها الواجبات التي يتحقق بها حفظه وتربيته وتعليمه, وتحقيق مصالحه, ودرء المفاسد والمضار عنه.
  3. دراسة هذا الموضوع بغية التركيز على الحق فيه, دون دراسة ترتيب الحاضنين وما يشترط فيهم, لأن هذا مما كتب فيه كثيرا, والوصول إلى ذلك سهل وميسور في المراجع القديمة والحديثة.
  4. الإسهام في بحث أثر الحق في الحضانة لتعزيز التوعية الدينية والتثقيف الحقوقي في هذا الجانب المهم الذي تزداد أهميته في العصر الحاضر.
  5. المشاركة في إثراء المكتبة المختصة بالأحوال الشخصية بالدراسات والبحوث المتخصصة, ومساعدة القضاة وطلبة العلم والباحثين والمهتمين في تيسير الدراسة, وتقريبها بين أيديهم.
خطة البحث:

ينتظم البحث في مقدمة وتمهيد واثني عشر مبحثا وخاتمة.
المقدمة: وتشمل أهداف الموضوع وخطة البحث ومنهجه.
التمهيد: في التعريف بمفردات العنوان.
المبحث الأول: حكم حضانة الولد.
المبحث الثاني: أركان حق الحضانة.
المبحث الثالث: صاحب الحق في الحضانة.
المبحث الرابع: أحق الجنسين بالحضانة.
المبحث الخامس: أحق الأبوين بالحضانة.
المبحث السادس: حق المحضون إذا تزوجت أمه الحاضنة
المبحث السابع: حق الحضانة للأم إذا تزوجت ثم طلقت.
المبحث الثامن: حق المحضون في الزيارة.
المبحث التاسع: حق المحضون حال المرض.
المبحث العاشر: حق المحضون حال الإقامة والسفر.
المبحث الحادي عشر: أمد الحضانة.
المبحث الثاني عشر: أجر الحضانة للأم الحاضنة.
الخاتمة: وفيها ملخص البحث.
منهج البحث:

سلكت في إعداد هذا البحث المنهج العلمي في دراسة القضايا الفقهية, وذلك بتصوير مسألة البحث وبيان الحكم الفقهي بدليله مع توثيقه من كتب الفقهاء المعتبرة إذا كانت المسألة محل اتفاق, وإذا كانت مسألة البحث محل خلاف فإني أصورها وأعرض آراء العلماء فيها وأدلتهم ووجوه الاستدلال منها, وما يرد من اعتراضات عليها أو مناقشات, وأشارك في بيان ما أراه من مشاركة مؤيدة بالدليل, كما أعتمد نقل النص الفقهي عند الحاجة التوضيحية لذلك, كل ذلك مع الحرص على استقصاء الأدلة, وبيان الترجيح وأسبابه, مع التوثيق العلمي, وعزو الآيات إلى مواضعها في القرآن العزيز, وتخريج الأحاديث النبوية من مصادرها وبيان درجتها في الصحة إذا لم تكن في صحيح البخاري أو صحيح مسلم, كما حرصت على الإفادة من دقة عبارات الفقهاء وقوة أسلوبهم, واحترامهم المتبادل, وتقديرهم البالغ لآراء الفقهاء, والتماسهم العذر فيما بينهم في حال الخلاف.
أسأل الله تعالى أن يكون هذا العمل خالصا لوجهه الكريم, وأن ينفع به المسلمين, وأن يعفو عما فيه من زلل أو خطأ, وأن يجعله من العلم النافع, والعمل الصالح, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
التمهيد: في التعريف بمفردات العنوان
أولا: تعريف الأثر:

الأثر في اللغة: بقية الشيء, والجمع آثار وأثور, وخرجت في أثره وفي إثره أي: بعده, والأثر بالتحريك: ما بقي من رسم الشيء, والآثار: الأعلام, قال الله تعالى: ﴿سيماهم في وجوههم من أثر السجود﴾ [الفتح: 29], أي: للسجود علامة في وجوههم, وهي نتيجة حاصلة من السجود بكثرة, وقال الله تعالى: ﴿الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون, وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين, فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير﴾ [الروم:48-50], والتأثير: إبقاء الأثر في الشيء, وأثر في الشيء: ترك فيه أثرا, والأثر: الأجل, وسمي به لأنه يتبع العمر[3].
والأثر في الاصطلاح له ثلاثة معان:
الأول: النتيجة, وهي الحاصل من الشيء.
والثاني: العلامة. فالآثار علامات باقية, دالة على شيء.
والثالث: الجزاء[4]. فالجزاء أثر الجناية.
والمعاني الثلاثة كلها راجعة إلى المعاني اللغوية, وتستعمل اصطلاحا في الاستعمال اللغوي ذاته, والمراد هنا في هذا العنوان: النتيجة, وهي الحاصل من الشيء. فالذي يحصل -مثلا- من إقرار الشرع بأن الأم أحق بحضانة ولدها, أن يبقى الولد عندها ولا ينتزعه الوالد منها, والعلاقة بين المعنيين اللغوي والاصطلاحي هي: أن النتيجة من الشيء بقية له, وتابعة له.
ثانيا: تعريف الحق:

الحق في اللغة: مصدر حق الشيء يحق, إذا ثبت ووجب, أو كان منه على يقين, والحق: خلاف الباطل, ويطلق على النصيب, وعلى الواجب, وعلى اليقين, وأشهر معانيه اللغوية: الثبوت والوجوب[5].
والحق في الاصطلاح له تعريفات كثيرة:
- منها: أنه مصلحة مستحقة شرعا.
- وعرف في القانون: بأنه مصلحة ذات قيمة مالية يحميها القانون[6].
- ومن تعريفاته: أنه سلطة ذات حدود معينة تمنح لصاحب الحق على محل الحق[7].
- ومن تعريفاته: أنه اختصاص يقرر به الشرع سلطة أو تكليفا[8].
وهذا التعريف الأخير أوضح وأسلم المعاني, لأن تعريف الحق بالمصلحة تعريف للشيء بغايته وهدفه, لأن المصلحة هي غاية الحق والهدف منه, كما يؤخذ عليه أنه تعريف فيه دور, ولأن تعريفه بالسلطة التي تمنح لصاحب الحق على محل الحق, معيب كذلك بما فيه من الدور المخل بالتعريف.
شرح التعريف المختار:

- اختصاص: هو تفضيل وتمييز, من الخاص ضد العام[9], يخرج به ما ليس اختصاصا, وإنما هو من قبيل المباحات, كأصل الاصطياد, والاحتطاب من البراري.
يقرر به الشرع: أي أن اعتبار الشيء حقا من عدمه يعود إلى نظر الشرع, ومصدره الشريعة, أما ما تقره القوانين ويخالف الشريعة الإسلامية فإنه لا يعد من الحقوق.
- والسلطة: إما أن تكون على شخص, مثل حق الولاية على النفس, وكحق الولي في التصرف على من تحت ولايته, فإنه سلطة لشخص على شخص. وإما أن تكون سلطة على شيء معين كما في حق الملكية, وكحق البائع في طلب الثمن من المشتري.
- والتكليف: عهدة على الإنسان, وهو إما عهدة شخصية, كقيام الأجير بعمله, وإما عهدة مالية, كوفاء الدين, وكتكليف المشتري بدفع ثمن المبيع للبائع, فغاية هذا التكليف مصلحة البائع[10].

ثالثا: تعريف الحضانة

الحضانة في اللغة: من الحضن, وهو ما دون الإبط إلى الكشح, والكشح هو: ما بين الخاصرة والضلوع, ويطلق الحضن كذلك على الجنب, ومنه حضنا الليل, أي: جانباه, وقيل: هو الصدر والعضدان وما بينهما, ومنه الاحتضان, وهو احتمالك الشيء وجعله في حضنك, كما تحتضن المرأة ولدها فتحتمله في أحد شقيها, وحضن: اسم جبل في أعالي نجد, وفي المثل السائد: أنجد من رأى حضنا, أي من شاهده فقد دخل في ناحية نجد, يقال: حضن الطائر بيضه أي: ضمه تحت جناحيه, وجثم عليه, ويقال: الحمامة حاضن, لأنه وصف مختص, وحكي حاضنة على الأصل, ويقال: حضن الرجلُ الصغيرَ يحضنه حضنا, أي: ربّاه, والحاضن: هو الموكل بالصبي يحفظه ويربيه[11].
والحضانة في الاصطلاح: لها تعريفات كثيرة نقتصر على ذكر أبرزها في المذاهب الأربعة:
- ففي الفقه الحنفي عرف الكاساني (ت 587هـ) حضانة الأم ولدها بأنها: ضمها إياه إلى جنبها واعتزالها إياه من أبيه ليكون عندها فتقوم بحفظه وإمساكه وغسل ثيابه[12].
وفي الفقه المالكي عرفها الدردير (ت 1201هـ), بأنها: حفظ الولد والقيام بمصالحه[13].
- وفي الفقه الشافعي عرفها النووي (ت 676هـ) بأنها: القيام بحفظ من لا يميز ولا يستقل بأمره, وتربيته بما يصلح, ووقايته عما يؤذيه [14].
- وفي الفقه الحنبلي عرفها ابن النجار (ت 972هـ)بأنها: حفظ صغير ومعتوه –وهو: المختل العقل– ومجنون عما يضرهم, وتربيتهم بعمل مصالحهم[15].
وهذه المعاني متقاربة, وهي دائرة على تقرير حفظ المحضون وتربيته, وتقرير الولاية عليه للقيام بالحضانة, وبهذا يقرر التعريف ما لكل طرف من طرفي الحضانة, فالأول: وهو حفظ المحضون, وهذا حق للمحضون, والثاني: تقرير الولاية للحاضن, وهذا حق للحاضن, ولا شك أن العلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي ظاهرة, وقوية, ذلك أن المكلف بحضانة الصغير ونحوه يقوم بحفظه, وتربيته, فكأنه يضمه إلى حضنه وإلى جنبه, فيعيش في كنفه وظله, قريبا منه, يشرف على حاله ويراعي مصالحه عن قرب.
ثالثا: تعريف حق الحضانة باعتباره لقبا:

بعد تعريف الحق وتعريف الحضانة, يمكن تعريف حق الحضانة باعتباره لقبا, بأنه: اختصاص يتقرر به شرعا ولاية على صغير -ونحوه- حفظا له وتربية له ورعاية لمصلحته, وهذا التعريف يوضح المقصود من حق الحضانة, ويشمل طرفي الحضانة والعلاقة بينهما, فالاختصاص الذي يقرره الشرع بالولاية اختصاص بالحاضن, لأن في الحضانة ولاية على الطفل, والاختصاص الذي يقرره الشرع بالحفظ والتربية اختصاص بالمحضون, لأن في الحضانة حفظا له من المخاطر ودفعا له عن المهالك.

رابعا: تعريف الولد:

الولد في اللغة هو المولود ذكرا أو أنثى, ويجمع كذلك الواحدَ والكثير, والوليد: المولود حين يولد, وهو الطفل, قال الله تعالى على لسان فرعون معارضا موسى u: ﴿ألم نربك فينا وليدا﴾ [الشعراء:18], والولد: الطفل, ويطلق الولد على الكبير, ومنه قوله e: " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة, وأول من ينشق عنه القبر, وأول شافع وأول مشفع"[16], والوالد: الأب, قال الله تعالى: ﴿ووالد وما ولد﴾ [البلد:3] أي: آدم وذريته, والوالدة: الأم, وهما الوالدان[17].
والولد في الاصطلاح: هو الطفل, والطفل من لم يبلغ الحلم, قال الله تعالى: ﴿وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم﴾ [النور: 59], وقال الله تعالى: ﴿هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا﴾ [غافر: 67], فيخرج به البالغ.
والاستعمال الاصطلاحي للولد بمعنى الطفل هو الاستعمال اللغوي المشهور, وعلى هذا فالمعنى الاصطلاحي مطابق للمعنى اللغوي المشهور.
المبحث الأول


حكم حضانة الولد


اتفق الفقهاء على أن حضانة الطفل منذ ولادته واجبة على الأبوين في حال حياتهما وبقاء الزوجية[18], فإذا فارق الرجل امرأته ولهما ولد لم يسقط وجوب الحضانة, وإنما تكون الأم أحق بها ما لم تتزوج, حسب ما بينه أهل العلم في ترتيب الحاضنين وما يشترط في الحاضن, وفقا لأدلة الشرع في هذا الباب[19], قال ابن رشد (ت 520هـ): (لا خلاف بين أحد من الأمة في إيجاب كفالة الأطفال الصغار, لأن الإنسان خلق ضعيفا مفتقرا إلى ما يكفله ويربيه حتى ينفع نفسه ويستغني بذاته)[20].
ويدل لوجوب الحضانة الكتاب والسنة والقياس:
أولا: الأدلة من القرآن الكريم:

  1. قال الله تعالى: ﴿ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما﴾ [النساء:29]
وجه الاستدلال: أن الله تعالى حرم قتل النفس, لأنها معصومة, وهذا يوجب حفظ النفوس والعناية بها وإنجائها من المهالك, والصغير نفسه معصومة فيجب حفظها, وعدم إهمالها لئلا يؤدي ذلك إلى قتلها, وعصمة الدماء رحمة من الله تعالى بعباده, ذكر الشيخ عبد الرحمن السعدي (ت 1376هـ) أن النهي عن قتل النفس في هذه الآية شمل النهي عن قتل الغير بعبارة أخصر من قولك: لا يقتل بعضكم بعضا, مع قصور هذه العبارة على نفس الغير فقط [21].
  1. قال الله تعالى: ﴿وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت﴾ [التكوير:8].
وجه الاستدلال: أن الآية الكريمة تضمنت وعيدا لقاتل الصغيرة, حيث كانوا في الجاهلية يدسون البنات في التراب كراهية البنات, ولما جاء الإسلام حرم ذلك, فعلمنا وجوب حفظ الصغير وتربيته.
  1. قال الله تعالى: ﴿وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون﴾ [الأنعام:137]
وجه الاستدلال: قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: (ومن سفه المشركين وضلالهم أنه زين لكثير من المشركين شركاؤهم -أي رؤساؤهم وشياطينهم– قتل أولادهم, وهو الوأد, الذين يدفنون أولادهم الذكور خشية الافتقار, والإناث خشية العار)[22].
  1. قال الله تعالى: ﴿من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا, ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا﴾ [المائدة: 32].
وجه الاستدلال: دلت الآية على وجوب إحياء النفوس واستبقائها, وهذا لا يتم في حق الصغير إلا برضاعه وبحفظه وتربيته، والصغير غير قادر على حفظ نفسه وتربيتها فوجب ذلك على المكلف به.
  1. قال الله تعالى عن مريم عليها السلام: ﴿فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا﴾ [آل عمران: 37]
وجه الاستدلال: دلت الآية على أن الله سبحانه وتعالى قيض لمريم عليها السلام زكريا u, وكفلها إياه, وهذا من رفقه بها, ليربيها على أكمل الأحوال[23].
  1. قال الله تعالى: ﴿والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير﴾ [البقرة: 233].
وجه الاستدلال: في الآية إرشاد من الله تعالى بإرضاع الولد ورزقه وحضانته, ونهي للوالدة أن تدفع الولد عنها لتضر أباه بتربيته, حيث يلزمها أن تسقيه اللبن الذي لا يعيش بدون تناوله غالبا, ونهي للوالد كذلك أن ينتزع الولد منها إضرارا بها, وأمر على الوالدين في تربية طفلهما وإرشادهما إلى ما يصلحه[24].
- قال ابن العربي (ت 543هـ): (قال علماؤنا: الحضانة بدليل هذه الآية للأم, والنصرة للأب, لأن الحضانة مع الرضاع)[25].
- وقال القرطبي (ت 671هـ) في تفسيره للآية: (وهذا يدل على أن الولد وإن فطم فالأم أحق بحضانته لفضل حنوها وشفقتها, ...)[26].
  1. قال الله تعالى: ﴿وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا﴾ [الإسراء:24]
وجه الاستدلال: أن الله تعالى أوجب على المسلم القيام بحقوق الوالدين, من الإحسان إليهما, وخفض الجناح لهما, والتواضع لهما, والدعاء لهما بالرحمة والمغفرة, كما وجب عليهما حفظه وتربيته عندما كان صغيرا.
ثانيا: الأدلة من السنة النبوية
  1. عن ابن عمر م أن رسول الله e قال: "ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته, فالأمير الذي على رأس الناس راع وهو مسئول عن رعيته, والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم, والمرأة راعية على بيت بعلها وولده, وهي مسئولة عنهم, والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه, ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"[27].
وجه الاستدلال: دل الحديث على مسئولية الوالدين عن الولد ورعايتهما لشئونه, وحفظ نفسه ومصالحه, وهذا معنى وجوب حضانة الطفل.
  1. أن عبد الله بن عمرو م قال لوكيل له: أعطيت الرقيق قوتهم ؟ قال: لا. قال: فانطلق فأعطهم, قال رسول الله e يقول: "كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوته"[28], وللحاكم بلفظ: "كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول"[29].
وجه الاستدلال: أن تحذير النبي e للمرء أن يضيع من يعول أولادا أو غيرهم, دليل على وجوب حضانة الصغير، لأنه خلق ضعيف, يفتقر لكافل يربيه حتى يقوم بنفسه.
  1. عن البراء بن عازب أن ابنة حمزة اختصم فيها علي وزيد وجعفر y, فقال علي: أنا أحق بها وهي ابنة عمي, وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها تحتي, وقال زيد: ابنة أخي, فقضى بها النبي e لخالتها, وقال: "الخالة بمنزلة الأم"[30].
وجه الاستدلال: أن النبي e حكم للخالة في الحضانة حكما خاصا, لأن الخالة تقرب من الأم في الحنو والشفقة والاهتداء إلى ما يصلح الولد, لما دل عليه السياق, وفيه تقديم الخالة على العمة في الحضانة, لأن صفية بنت عبد المطلب كانت موجودة حينئذ [31].
  1. عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة قالت: "يا رسول الله, إن ابني هذا كان بطني له وعاء, وثديي له سقاء, وحجري له حواء, وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني, فقال رسول الله e: "أنت أحق به ما لم تنكحي"[32].
وجه الاستدلال: أن النبي e بين أن حضانة الطفل واجبة, وأنها تكون للأم إذا طلقها زوجها, وأنها أحق به ما لم تتزوج.
  1. عن سعيد بن المسيب أن عمر طلق أم عاصم, ثم أتاها وفي حجرها عاصم, فأراد أن يأخذه منها فتجاذباه بينهما حتى بكى الغلام, فانطلقا إلى أبي بكر, فقال له أبو بكر: يا عمر! مسحها وحجرها وريحها خير له منك حتى يشب الصغير فيختار[33].
وجه الاستدلال: أن أبا بكر t بين لعمر t في هذا أن الأم أحق بحضانة الولد, ولم يكن لأبي بكر أن يقول ذلك من عند نفسه والنبي e بين أظهر المؤمنين إلا أن يكون قد علمه من الرسول e, ولذلك لم ينقل عن أحد من الصحابة إنكاره.
ثالثا: القياس:

وذلك بقياس حضانة الصغير على النفقة عليه وإنجائه من المهالك, فإن الصغير مضطر إلى الطعام واللباس والمأوى, ويهلك بعدم الطعام واللباس والسكن, وكذا يحتاج الصغير إلى الحفظ والتربية, ويهلك بترك الحفظ والتربية والرعاية, فوجبت حضانته, كما يجب الإنفاق عليه [34].
المبحث الثاني
أركان حق الحضانة
لحق الحضانة ثلاثة أركان, وبيانها على النحو الآتي:
الركن الأول: من له الحق:

والحق إما أن يكون لله تعالى, أو يكون للعبد, أو يكون حقا مشتركا, يغلب فيه حق الله, أو يغلب فيه حق العبد[35]، وسيأتي مزيد إيضاح لذلك, في المبحث الثالث: صاحب الحق في الحضانة.
الركن الثاني: من عليه الحق:

وهو المكلف بأداء الحق المقرر شرعا, فالزوج –مثلا- مكلف بالنفقة على زوجته, فهو المكلف بأداء حق النفقة للزوجة المقرر شرعا, والأبوان حال قيام النكاح مكلفان شرعا بحضانة الولد وتربيته, فعليهما إذن أداء الحق المقرر شرعا.
الركن الثالث: محل الحق:

ومحل الحق هو موضوعه, أي الشيء الذي يختص به, فالطعام والشراب والكسوة والسكنى ونحوها, هي موضوع النفقة على الزوجة, فهي محل حقها في النفقة لها من زوجها, ومحل الحق في الحضانة, هو حفظ المولود وتنظيفه وتربيته والعناية به, أما إرضاعه والنفقة عليه فهما شيئان آخران, فعلى الأبوين حضانة الولد كل فيما يخصه شرعا.
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21-09-2019, 04:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أثر الحق في حضانة الولد- دراسة فقهية

أثر الحق في حضانة الولد- دراسة فقهية




أ. د. بندر بن فهد السويلم[*]

المبحث الثالث


صاحب الحق في الحضانة

المطلب الأول: حق الله تعالى
ذكر ابن محرز (ت 655هـ) من المالكية قولا: إن الحضانة حق لله تعالى, ولكنه لم ينسب هذا القول لأحد من أهل العلم بعينه[36].
وهذا الرأي مرجوح, لأن حق الله تعالى على قسمين:
القسم الأول: حق خالص لله تعالى, وهو ما يتعلق به النفع العام من غير اختصاص بأحد. ومثاله: الإيمان بالله تعالى, والعبادات التي شرعها الله عز وجل, والله سبحانه وتعالى لا ينتفع بوجود هذا الحق, ولا يتضرر بفقده, لأنه سبحانه وتعالى متعال عن الكل, لا يحتاج لشيء من مخلوقاته, بل المخلوقات كلها مفتقرة إليه سبحانه, وإنما أضيف هذا الحق لله تعالى, لعظم خطره وشمول نفعه[37], ومثال ذلك: حد قاطع الطريق, لأن سببه محاربة الله ورسوله, وقد سماه الله جزاء, والجزاء المطلق بما يجب حقا لله تعالى بمقابلة الفعل[38].
ومن أهم خصائص حق الله تعالى أنه حق لا يقبل الإسقاط[39], قال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت728هـ): (الحكم بين الناس يكون في الحدود والحقوق, وهما قسمان, فالقسم الأول: الحدود والحقوق التي ليست لقوم معينين, بل منفعتها لمطلق المسلمين, أو نوع منهم, وكلهم محتاج إليها, وتسمى حدود الله, وحقوق الله, مثل حد قطاع الطريق, والسراق والزناة ونحوهم)[40], ومن هنا نستطيع أن نقول: إن حق الحضانة ليس حقا خالصا لله تعالى.
القسم الثاني: حق اجتمع فيه حق الله تعالى وحق العبد, وهذا نوعان:
النوع الأول: ما يكون فيه حق الله تعالى هو الغالب, وهذا كحد القذف, فإنه زاجر يعود نفعه إلى عامة العباد, وفيه دفع العار عن المقذوف[41], ولأن الأعراض حفظها حق لله تعالى[42], ولأن حد القذف ليس فيه مماثلة فصار أشبه بسائر الحدود[43].
وقال جمهور أهل العلم: حد القذف حق للعبد, أي حق العبد هو الغالب, لأنه جناية على عرضه[44], ولأنه لا يستوفى إلا بطلبه باتفاق الفقهاء, فإن عفا عنه سقط[45].
قال العز بن عبد السلام (ت660 هـ): (بخلاف استيفاء القصاص وحد القذف, فإنهما حقان لله تعالى ولعباده, غلب عليهما حق العبد بالاستيفاء والإسقاط, شفاء لغليل المقذوف والمجني عليه إن كان حيا, ولورثته إن كان ميتا)[46].
وفي المسألة قول ثالث: وهو الفرق بين أن يصل إلى الإمام فيغلب حق الله تعالى, لوصوله لنائبه, وإن لم يصل إلى الإمام كان حقا للعبد, فيصح إسقاطه[47].
وأظهر من المثال بحد القذف, المثال بعدة المطلقة, فإن فيها حقا لله تعالى, وهو التعبد والطاعة لله تعالى, وصيانة الأنساب في المجتمع عن الاختلاط, وفيها حق للعبد وهو الزوج, وهو المحافظة على نسب أولاده باستبراء الرحم, ولكن حق الله فيها هو الغالب, لأن جانب العبادة فيها ظاهر, وكذلك حماية المجتمع من اختلاط الأنساب, أما حق العبد فهو مغلوب, ومن ثم فليس للمطلق أن يسقط حق العدة, حتى ولو تمكن العلم الحديث من معرفة خلو رحم المرأة المطلقة من الحمل بواسطة التحاليل المخبرية الطبية أو الأشعة ونحوها[48], وحق الحضانة ليس من هذا النوع.
والنوع الثاني: ما يكون فيه حق العبد هو الغالب كالقصاص, فإن لله تعالى في نفس العبد حق الاستعباد, فإن الله تعالى خلق الخلق لعبادته: قال تعالى: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين﴾ [الذاريات:56-58], وللعبد حق الاستمتاع, ففي شرعية القصاص إبقاء للحقين, وإخلاء للعالم عن الفساد, إلا أن وجوبه بطريق المماثلة, والمنبئة عن معنى الجبر, وشفاء الغيظ, وما فيه من معنى المقابلة بالمحل, يجعل حق العبد راجحا[49].
والذي يظهر أنه لا يتصور قسم آخر فيه حق الله تعالى وحق العبد على التساوي في اعتبار الشرع[50], وعلى ما سبق فإنه ما من حق للعبد إلا وفيه حق لله تعالى, وهو أمره تعالى بإيصال ذلك الحق إلى مستحقه[51].
قال العز بن عبد السلام (ت 660هـ): (ما من حق للعباد يسقط بإسقاطهم أو لا يسقط بإسقاطهم إلا وفيه حق لله, وهو حق الإجابة والطاعة, سواء كان الحق مما يباح بالإجابة أو لا يباح بها. وإذا سقط حق الآدمي بالعفو فهل يعزر من عليه الحق لانتهاك الحرمة ؟ فيه اختلاف, والمختار أنه لا يسقط إغلاقا لباب الجرأة على الله عز وجل)[52], وقال الشاطبي (ت 790هـ): (كل حكم شرعي ليس بخال عن حق الله تعالى, وهو جهة التعبد, فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا, وعبادته امتثال أوامره واجتناب نواهيه بإطلاق, فإن جاء ما ظاهره أنه حق للعبد مجردا فليس كذلك بإطلاق, بل جاء على تغليب حق العبد في الأحكام الدنيوية. كما أن كل حكم شرعي ففيه حق للعباد إما عاجلا وإما آجلا, بناء على أن الشريعة إنما وضعت لمصالح العباد)[53].
ومن هنا فإن حق الحضانة لا يتساوى فيه حق الله وحق المخلوق, وإنما حق المخلوق فيه أغلب.
المطلب الثاني

حق الحاضن وحق المحضون

يأتي حق الحضانة ضمن الحقوق التي يغلب فيها حق العبد على حق الله تعالى, ولكن السؤال الآن هو هل الحق في الحضانة للحاضن أو للمحضون ؟ بمعنى أنه هل يستقل بهذا الحق المحضون, أو يستقل به الحاضن, أو هو مشترك لهما ؟.
اختلف العلماء في ذلك, ولهم ثلاثة آراء:
الرأي الأول: أنه حق مشترك بين المحضون والحاضن, وهو قول عند الحنفية[54], وقول الباجي (ت494هـ)[55], وقال ابن القيم (ت 751هـ)والصحيح أن الحضانة حق لها, وعليها إذا احتاج الطفل إليها ولم يوجد غيرها)[56]. وهذا يفيد أنه يأخذ بهذا الرأي.
الرأي الثاني: أنه حق للمحضون, وهو قول عند الحنفية[57], وبه قال ابن الماجشون (ت 213هـ)[58], وعده العز بن عبد السلام (ت 660هـ) من حقوق العباد على العباد, فقال: (ومنها: حضانة الأطفال وتربيتهم وتأديبهم وتعليمهم حسن الكلام, والصلاة والصيام إذا صلحوا لذلك, والسعي في مصالح العاجلة والآجلة, والمبالغة في حفظ أموالهم, ودفع الأذى عنهم, وجلب الأصلح فالأصلح لهم, ودرء الأفسد فالأفسد عنهم, وإذا وجب هذا الحق في حق الأصاغر والأطفال فما الظن بما يلزم القيام به من مصالح المسلمين)[59].
الرأي الثالث: أنه حق للحاضن, وهو قول عند الحنفية[60], وهو قول لبعض المالكية[61], وقال ابن القيم: (هل الحضانة حق للحاضن أو حق عليه ؟ فيه قولان في مذهب الإمامين أحمد ومالك)[62].
الأدلة والمناقشات:

يدل للرأي الثاني:

قال الله تعالى: ﴿والوالدات يرضعن أولداهن حولين كاملين﴾[البقرة:233].
وجه الاستدلال: أن الله تعالى أخبر أن الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين, والمراد بهذا الخبر هو الأمر والوجوب[63], فدل هذا على أن الحق في الرضاع للطفل, فتجبر عليه الأم, والحضانة كذلك.
ونوقش بأن الأمر للندب, بدليل قوله تعالى: ﴿فإن تعاسرتم فسترضع له أخرى﴾ [الطلاق:6] والأبوان إذا اختلفا فقد تعاسرا, أو أن الآية الآمرة بالرضاع حولين كاملين محمولة على حالة الاتفاق وعدم التعاسر[64].
أن الغرض من الحضانة حفظ المحضون, ومراعاته, ومصلحته دون مراعاة أمر الأم, ويدل على عدم مراعاة الأم أنه يؤخذ منها إذا تزوجت وإن لحقها الضرر بأخذه, وكذلك إذا غاب الأب غيبة استقرار[65].
أن الحضانة حق المحضون ولذا تجبر الأم عليها إذا امتنعت عنها[66].
ونوقش هذا بأن الإجبار محمول على ما إذا تعينت الحضانة على الأم وامتنعت, لعدم من يحضنه غيرها, فأما إذا لم تتعين عليها الحضانة فلا تجبر[67].
ويدل للرأي الثالث:

قوله e: "أنت أحق به ما لم تنكحي"[68], قال ابن القيم: (والمقصود أن في قوله e: "أنت أحق به" دليلا على أن الحضانة حق لها)[69].
ولأنها يلحقها ضرر بالتفرقة بينها وبين ولدها مع كونها أحن عليه وأرفق به[70].
أن الحاضن إذا أسقط الحضانة سقطت, ولا تجبر على الحضانة, ولو كانت حقا للمحضون أو لله تعالى أو لهما, ما سقطت بإسقاطه.
ونوقش بأن عدم جبر الحاضنة على الحضانة إنما يحمل على ما إذا لم تتعين لها, لأن المحضون حينئذ لا يضيع حقه, لوجود من يحضنه غيرها, بخلاف ما إذا تعينت للحضانة لعدم وجود غيرها, فتجبر على الحضانة رعاية لحق الطفل[71].
ولكونه كذلك لا أجرة للحاضن على الحضانة, إذ الإنسان لا يأخذ أجرا على فعل شيء واجب عليه, ولو كانت حقا للمحضون لكانت له الأجرة[72].
ويناقش بأن تقرير الأجرة للحاضنة محل خلاف, والذي يترجح أن للأم الحاضنة أجر الحضانة, تقديما لحق الصغير على حق الحاضنة.
الترجيح:

بعد التأمل في آراء العلماء وأدلتهم يتبين سلامة بعض أدلة القائلين بأن الحضانة حق للحاضن, وسلامة بعض أدلة القائلين بأنها حق للمحضون, ويتبين أن الرأي الأول يوفق بين الرأيين, لاستناده إلى الأخذ بمجموع أدلة الفريقين, ولهذا يترجح أن حق الحضانة حق مشترك بين الحاضن والمحضون, لكن يبقى بيان الأحق من الحقين المشتركين, حق الحاضن وحق المحضون, فنقول: إن حق المحضون مقدم على حق الحاضن, لأن مقاصد الحضانة كما بينها فقهاء الشريعة هي حفظ الصغير وإمساكه عما يؤذيه, وتربيته, ورعاية حياته ومصالحه, وهي متعلقة بمقاصد الشريعة والضرورات الخمس التي جاءت الأديان بحفظها[73], فأقوى الحقين في الحضانة للصغير, ولئن أسقطت الأم حقها فلا تقدر على إسقاط حق الصغير أبدا[74], وكذا إن حصل تقصير في الحضانة أو انشغال عن القيام بالواجب نحو المحضون، فالحق له في الانتقال إلى من يلي هذا المقصر في القيام بحق الحضانة[75].
المبحث الرابع

أحق الجنسين بالحضانة

جنس النساء أحق بالحضانة من جنس الرجال, لأن الضابط في الولايات هو تقديم أقوم الناس بجلب مصالحها ودرء مفاسدها[76], فتقدم الأمهات على الآباء في الحضانة, لمعرفتهن بها, وفرط حنوهن على الأطفال, ولأن الحضانة تفتقر إلى وفور الصبر على الأطفال في كثرة البكاء والتضجر من الهيئات العارضة للصبيان ومزيد الشفقة والرقة الباعثة على الرفق بالضعفاء والرفق بهم, والنسوة أتم من الرجال في ذلك كله, وأصبر على أخلاق الصغر, وأشد شفقة ورأفة, قال النووي: (وهي نوع من ولاية وسلطنة, لكنها بالإناث أليق, لأنهن أشفق, وأهدى إلى التربية, وأصبر على القيام بها, وأشد ملازمة للأطفال)[77].
ولا يعني تقديم جنس النساء في الحضانة تقديم جهة الأم, وقد أوضح ابن تيمية رحمه الله هذا الأمر فقال: (وإن الذين اعتقدوا أن الأم قدمت لتقدم قرابة الأم لما كان أصلهم ضعيفا كانت الفروع اللازمة للأصل ضعيفة, وفساد اللازم يستلزم فساد الملزوم, بل الصواب بلا ريب أنها قدمت لكونها امرأة)[78], ويقدم الآباء على الأمهات في النظر في مصالح أموال المجانين والأطفال, وفي التأديب, وارتياد الحرف والصناعات, لأنهم أقوى رأيا, وأقوم بذلك وأعرف من الأمهات[79].
المبحث الخامس

أحق الأبوين بالحضانة

إذا افترق الأبوان وبينهما ولد فالأم أحق به من الأب ما لم يقم بالأم ما يمنع تقديمها, أو بالولد وصف يقتضي تخييره, وهذا مالا يعرف فيه نزاع[80], قال ابن المنذر(ت 318هـ): (وأجمعوا أن الزوجين إذا افترقا ولهما ولد "طفل" أن الأم أحق به ما لم تنكح)[81], وقال ابن حزم (ت456هـ): (الأم أحق بحضانة الولد الصغير والابنة الصغيرة حتى يبلغ المحيض أو الاحتلام أو الإنبات مع التمييز وصحة الجسم)[82].
وليس للشارع نص عام في تقديم أحد الأبوين مطلقا, ولا تخيير أحد الأبوين مطلقا, والعلماء متفقون على أنه لا يتعين أحدهما مطلقا, بل مع العدوان والتفريط لا يقدم من يكون كذلك على البر العادل المحسن القائم بالواجب[83], أما حديث: "أنت أحق به ما لم تنكحي", فهو ليس على إطلاقه, بدليل أنها إذا لم تكن رشيدة فلا حق لها ولو لم تنكح, قال ابن القيم: (وقضاؤه e بالولد لأمه, وقوله: "أنت أحق به ما لم تنكحي" لا يستفاد منه عموم القضاء لكل أم حتى يقضى به للأم وإن كانت كافرة, أو رقيقة, أو فاسقة, أو مسافرة, فلا يصح الاحتجاج به على ذلك, ولا نفيه, فإذا دل دليل منفصل على اعتبار الإسلام والحرية والديانة والإقامة, لم يكن ذلك تخصيصا ولا مخالفا لظاهر الحديث)[84].
وذكر الباجي أن كل واحد من الأبوين أحق مما إليه منافع الصبي والقيام بأمره, فإذا كان الابن في حضانة أمه, لم يمنع من الاختلاف إلى أبيه يعلمه, لأنه محتاج إلى أن يؤدبه, ويسلمه إلى من يعلمه القرآن والكتابة والصنائع والتصرف, وتلك معان إنما تستفاد من الأب, فكان الأب أولى في الأوقات التي يحتاج فيها إلى ذلك, ولا يمنع تولي الأب تعليم وتأديب ابنه الصغير الحضانة للأم, لذا فإنه يأوي إليها بعد وقت التعليم, لأن الحضانة تختص بالمبيت, ومباشرة عمل الطعام, وغسل الثياب, وتهيئة المضجع والملبس, والعون على ذلك كله والمطالعة لمن يباشره وتنظيف الجسم وغير ذلك من المعاني التي تختص مباشرتها بالنساء, ولا يستغني الصغير عن من يتولى ذلك له[85], وقال ابن القيم: (والولاية على الطفل نوعان: نوع يقدم فيه الأب على الأم ومن في جهتها, وهي ولاية المال والنكاح, ونوع تقدم فيه الأم على الأب, وهي ولاية الحضانة والرضاع, وقُدّمَ كل من الأبوين فيما جعل له من ذلك لتمام مصلحة الولد, وتوقف مصلحته على من يلي ذلك من أبويه, وتحصل به كفايته)[86].

المبحث السادس

حق المحضون إذا تزوجت أمه الحاضنة

اختلف أهل العلم على فيما إذا تزوجت الأم وفي حضنها ولدها, هل تسقط حضانتها أو لا ؟, ولهم في ذلك رأيان:
الرأي الأول: أن حق الحضانة للأم لا يسقط بزواجها, وإليه ذهب ابن حزم, وحكي ذلك عن الحسن البصري (ت110هـ)[87].
الرأي الثاني: أن الأم إذا تزوجت سقطت حضانتها, وبه قال جمهور أهل العلم, قال ابن المنذر: (وأجمعوا على أن لا حق للأم في الولد إذا تزوجت)[88].
الأدلة والمناقشات:

يدل للرأي الأول:

عن أبي هريرة t قال: جاء رجل إلى رسول الله e, فقال: يا رسول الله, من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال: "أمك" قال: ثم من ؟ قال: "ثم أمك" قال: ثم من ؟ قال: "ثم أمك" قال: ثم من ؟ قال: "ثم أبوك" متفق عليه, واللفظ لمسلم[89].
وجه الاستدلال: أن هذا نص جلي على إيجاب الحضانة, لأنها صحبة[90], أي فيجب أن تكون الحضانة للأم وقد تأكد ذلك ثلاث مرات, ولم يستثن من ذلك زواج الأم.
ما رواه أنس t قال: قدم رسول الله e المدينة ليس له خادم, فأخذ أبو طلحة[91] بيدي فانطلق بي إلى رسول الله e, فقال: يا رسول الله, إن أنسا غلام كيس فليخدمك, قال: فخدمته في السفر والحضر[92].
وجه الاستدلال: أن أنسا كان في حضانة أمه, ولها زوج وهو أبو طلحة, بعلم رسول الله e, ولو كان زواجها مسقطا لحضانتها لولدها لبينه رسول الله e ولم يسكت عنه[93].
عن البراء بن عازب أن ابنة حمزة اختصم فيها علي وزيد وجعفر, فقال علي: أنا أحق بها وهي ابنة عمي, وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها تحتي, وقال زيد: ابنة أخي, فقضى بها النبي e لخالتها, وقال: "الخالة بمنزلة الأم"[94].
وجه الاستدلال: أن النبي e حكم للخالة في الحضانة حكما خاصا, لأن الخالة تقرب من الأم في الحنو والشفقة والاهتداء إلى ما يصلح الولد, لما دل عليه السياق, وفي الحديث جعل النبي e حضانة ابنة حمزة للخالة وهي مزوجة, فدل على أن حق الأم في الحضانة لا يسقط بالتزويج من باب أولى.
ونوقش هذا الاستدلال: بأن النبي e إنما جعل حضانة ابنة حمزة لخالتها, لأن زوجها من أهل الحضانة, ولأنه لا يساويه في الاستحقاق إلا علي, وقد ترجح جعفر بأن امرأته من أهل الحضانة فكان أولى[95].
ويجاب عن هذه المناقشة بأنها تعليل بعيد, والحضانة فيه للخالة لأنها أم, لا لأن زوجها من أهل الحضانة, والله أعلم.
ولأنه لم يأت نص صحيح قط بأن الأم إذا تزوجت يسقط حقها في الحضانة[96].
ويدل لرأي الجمهور:

قوله e: "أنت أحق به ما لم تنكحي"[97].
ويناقش الحديث بما تقدم في بيان تخريجه وبيان درجة صحته.
ولأن الأم إذا تزوجت انشغلت عن ولدها أو هي في مظنة الانشغال والتقصير عنه, فتفوت مصلحة الحضانة.
ويناقش هذا بأنه تعليل في مقابل الأحاديث الدالة على عدم سقوط حق الأم إذا تزوجت, فلا يعول عليه.
الترجيح:

بعد التأمل في آراء العلماء وأدلتهم وما ورد من اعتراضات وإجابات فإن الراجح هو القول الأول, وهو أن حضانة الأم لا تسقط بالزواج, لقوة أدلة هذا الرأي وضعف استدلال الجمهور لما ورد عليها من مناقشات.
ثم اختلف القائلون بسقوط حضانة الأم بالتزويج وهم جمهور أهل العلم، هل تسقط حضانة الأم بمجرد التزويج والعقد, أو لا بد من دخول الزوج بها ؟ على رأيين:
الرأي الأول: أن حضانة الأم لا تسقط إلا بالدخول. وهو رأي المالكية[98].
الرأي الثاني: أنها تسقط بالتزويج, وإن عري عن الدخول. وهو رأي الحنفية[99], والشافعية[100] والحنابلة[101].
الأدلة والمناقشات:

يدل للرأي الأول:

أن الصبي يلحقه الضرر بتكره الزوج له وتضجره به بعد الدخول, أما قبله فلا.
أن الأم بعد دخول الزوج بها, تدعوها الضرورة إلى التقصير في تعاهد المحضون طلبا لمرضاة الزوج واشتغالا به, وذلك مضر بالصبي[102].
ويناقش: بأن العقد عليها يجعلها في مظنة الاشتغال عن الولد والتهيؤ للدخول, وأخذها حينئذ في أسبابه[103].
ويمكن أن يجاب بأن النساء ليسوا كذلك على الإطلاق, بل ربما يكون العقد عليها سببا في زيادة الحنان والشفقة بالولد, تحسبا لحال الصغير عند انشغالها بالدخول وما بعده.
ويدل للرأي الثاني:

قوله e: "أنت أحق به ما لم تنكحي".
وجه الاستدلال: أن النكاح الذي يسقط به الحق يوجد بالعقد, قد وجد النكاح قبل الدخول.
ونوقش: بأن الحديث فيه إضمار, تقديره: ما لم تنكحي ويدخل بك الزوج ويحكم الحاكم بسقوط الحضانة.
وأجيب: بأن هذا تعسف بعيد لا يشعر به اللفظ, ولا يدل عليه بوجه, ولا هو من دلالة الاقتضاء التي تتوقف صحة المعنى عليها[104], وأما حكم الحاكم بسقوط الحضانة فذاك إنما يحتاج إليه عند التنازع والخصومة بين المتنازعين, فيكون منفذا لحكم رسول الله e, لا أن رسول الله e أوقف سقوط الحضانة على حكمه, بل قد حكم هو بسقوطها, حكم به الحكام بعده, أو لم يحكموا[105].
ورد الجواب: بأن الدخول داخل في قوله في الحديث: "تنكحي" وهو كما في قوله تعالى: ﴿فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره﴾[106][البقرة: 230] والنكاح هنا هو الوطء[107].
أن الزوج يملك بالعقد منافع الزوجة, ويستحق زوجها منعها من حضانته فزال حقها, كما لو دخل بها[108].
ويناقش هذا بأن قياس ما قبل الدخول على ما بعد الدخول قياس مع الفارق, لأن الأحكام الفقهية المتعلقة بما قبل الدخول مخالفة لما بعد الدخول, مثل: وجوب المهر بالطلاق بعد الدخول, ونصفه إذا طلقها قبل الدخول.
الترجيح:

يظهر بعد النظر والتأمل أن الرأي الأول وهو أن الحضانة لا تسقط بمجرد العقد وإنما يلزم الدخول هو الراجح, لقوة التعليل له, وضعف ما استدل به الجمهور, لما ورد على أدلتهم من مناقشات.
المبحث السابع
حق الحضانة للأم إذا تزوجت ثم طلقت
المطلب الأول: حق الحضانة للأم المطلقة طلاقا بائنا
وصورة المسألة: أن تتزوج الأم فينتقل حق الولد في الحضانة لمن يليها, ثم يطلقها الزوج فتبين منه, فهل يعود لها حق حضانة ولدها, أم لا ؟, للعلماء رأيان:
الرأي الأول: أن حق الحضانة يعود للحاضن إذا سقط الحق عنها ثم زال المسقط, وبه قالت الحنفية[109]، وهو قول عند المالكية[110], وبه قالت الشافعية[111] والحنابلة[112].
الرأي الثاني: أن حق الحضانة لا يعود للحاضن الذي انتقل عنه الحق, وهو المشهور عند المالكية[113].
الأدلة والمناقشات:

يدل للرأي الأول:

عن أبي عبد الرحمن الحبلي قال: كنا في البحر وعلينا عبد الله بن قيس الفزاري ومعنا أبو أيوب الأنصاري فمر بصاحب المقاسم وقد أقام السبي, فإذا امرأة تبكي, فقال: ما شأن هذه ؟ قالوا: فرقوا بينها وبين ولدها, فأخذ بيد ولدها حتى وضعه في يدها, فانطلق صاحب المقاسم إلى عبد الله بن قيس فأخبره, فأرسل إلى أبي أيوب, فقال: ما حملك على ما صنعت ؟, قال: سمعت رسول الله e يقول: "من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين الأحبة يوم القيامة"[114].
وجه الاستدلال: يدل الحديث على النهي الشديد عن تفريق الوالدة عن ولدها, وإن كان الحديث في الأمة والمسبية, فإن الحرة أولى وأخص[115], قال السرخسي (ت483هـ): (لا ينبغي أن يفرق ين الولد الصغير وبين أمه)[116].
أن الحق في الحضانة قد منع منه مانع, فإذا زال المانع فيزول المنع, ويعود الحق للأحق, وهو الأم إذا طلقت, وتكون أولى ممن هو أبعد منها كما كانت[117].
أن سبب الحضانة وسبيلها قائم, وإنما امتنعت لمانع, فإذا زال المانع عاد الحق بالسبب السابق الملازم[118].
أن سبب انتقال الحضانة عن الأم دخول الزوج بها وما يحذر من استضرار الولد وتبرمه به, وشغل الأم عنه, وإذا زال الزواج فقد أمن هذا فعادت الحضانة[119].
إن تزويجها رضا منها بإسلام الولد إلى الذي يحضنه في حال تزويجها, وليس رضا منها بإسقاط حقها فيه جملة[120].
أن الحكم إذا ثبت بعلة زال بزوالها, وعلة سقوط الحضانة التزويج, فإن طلقت زالت العلة, فزال حكمها[121].
أن حق الحضانة الذي ثبت للأم بعد الطلاق حق جديد لقيام سببه, وليس هو الحق الذي سقط, وهذا بخلاف سقوط الشفعة لأنه حق واحد[122].
يدل للرأي الثاني:

قوله e: "أنت أحق به ما لم تنكحي".
وجه الاستدلال: أن قوله e: "أنت أحق به ما لم تنكحي" للتوقيت, أي: حقك من الحضانة مؤقت إلى حين نكاحك, فإذا نكحت انقضى وقت الحضانة, فلا تعود بعد انقضاء وقتها, كما لو انقضى وقتها ببلوغ الطفل واستغنائه عنها [123].
ويناقش هذا الاستدلال: بأن المقرر في أصول الفقه أن الحكم يدور مع علته, والحديث بيان للعلة وليس توقيتا, ثم إن الحديث لم يفرق بين ما إذا طلقت أو لم تطلق, ولم ينه أيضا عن عود الحق للأم إذا طلقت, فلزم أن ننظر في الأصل, وهو أن الحق للأم.
أن الحضانة مبنية على أن أسبابها إذا زالت زال حكمها لزوال سببها, ولم يعد, كما لو تركته ابتداء ثم طلبته[124].
ويناقش بأن القياس مع الفارق, فإن الأم لو تركت حق الحضانة ثم طلبته لكان لها, لأن الحق يتجدد بتجدد الزمان قياسا على النفقة[125].

الترجيح:

إن المتأمل في آراء الفقهاء وأدلتهم يظهر له أن الحضانة تعود للمطلقة البائن, وأنها أحق بها إذا طلقت, لما ذكرنا من الاعتراضات على حجة المانعين, ولقوة أدلة هذا القول, والله أعلم.
المطلب الثاني
حق الحضانة للأم المطلقة طلاقا رجعيا
إذا طلقت الأم فهل تعود الحضانة لها بمجرد الطلاق الرجعي, أو يتوقف على انقضاء العدة ؟ خلاف بين العلماء:
الرأي الأول: أن الحضانة تعود بمجرد الطلاق الرجعي, وهو رأي الشافعية, والحنابلة[126].
الرأي الثاني: أن الحضانة لا تعود بالطلاق الرجعي حتى تنتهي العدة, وهو رأي الحنفية[127]. وهو قول في مذهب أحمد والشافعي[128].
الأدلة والمناقشات:

يدل للرأي الأول:

أن الرجعية مطلقة, فعاد حقها من الحضانة, كالبائن في عدتها[129].
ويدل للرأي الثاني:

أن المطلقة الرجعية زوجة, والزوجية قائمة, فأشبه ما لو كانت في صلب النكاح, فلا بد من انقضاء العدة[130].
ونوقش: بأن المطلق قد عزل الزوجة عن فراشه, ولم يبق لها عليه قسم[131], ولا لها به شغل, وعقد سبب زوال نكاحها, والعلة التي سقطت الحضانة لأجلها قد زالت بالطلاق[132], ولو قيل بأن الزوج قد يراجعها في أثناء عدتها, فلا بد من انتهاء العدة, لأمكن الجواب عنه بأن هذا احتمال, وحق المحضون مقدم على هذا الاحتمال.
الترجيح:

بعد التأمل في الرأيين والقياسات التي تستند إليها يتبين أن قياس الرجعية هنا على البائن أقرب من القياس على بقائها في صلب النكاح, لما ورد من مناقشة على هذا الأخير, مع سلامة القياس على البائن من المناقشة والاعتراض, فيترجح الرأي الأول وهو أن الحضانة تعود للمطلقة الرجعية وهي في عدتها, والله أعلم.
المبحث الثامن

حق المحضون في الزيارة

المطلب الأول: زيارة المحضون لوالديه في حال الصحة
زيارة المحضون لأمه إذا كان عند أبيه, وزيارته لأبيه إذا كان عند أمه صلة حث الإسلام عليها, وحذر من قطيعتها, فينبغي تربية الولد على زيارة أمه وأبيه, لأنها تربية على البر بالوالدين, وعدم القطيعة والعقوق في حقهما, حتى إذا بلغ قام بما وجب عليه لحقهما, قال الله تعالى: ﴿واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا﴾ [النساء:36], وقال سبحانه وتعالى: ﴿وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا﴾ [الإسراء:23], وقال عز وجل: ﴿ووصينا الإنسان بوالديه حسنا﴾ [العنكبوت: 8], وعن أبي بكرة t قال: قال رسول الله e: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر" ؟ ثلاثا. قلنا: بلى يا رسول الله. قال: "الإشراك بالله, وعقوق الوالدين" وكان متكئا فجلس فقال: "ألا وقولُ الزور وشهادة الزور"[133].
ولما كان الولد -إذا افترق والداه- وهو في حضانة أحدهما, محتاجا إلى صلة الآخر وزيارته وعدم الانقطاع عنه, بين أهل العلم حق المحضون في الزيارة.
- فيرى الحنفية أن الولد متى كان عند أحد الأبوين فلا يمنع الآخر من رؤيته إليه, وتعهده إن أراد ذلك, ولا يجبر أحدهما على إرساله إلى مكان الآخر, بل يخرجه إلى مكان يمكن للآخر أن يراه فيه كل يوم[134].
- وذكر المالكية أن القاضي يقضي للزوجة على زوجها إذا كان لها أولاد صغار من غيره بالدخول إليها كل يوم مرة لتتفقد حالهم, وللكبار من أولادها كل جمعة مرة, كالوالدين يقضي لهما في الجمعة مرة[135].
- ويذهب الشافعية والحنابلة إلى أن المحضون إذا كان بنتا فتكون عند حاضنها أبا أو أما ليلا ونهارا, لأن تعليمها وتأديبها يكون في البيت كما يكون حفظها وإطعامها, والأم تزور ابنتها, لأن بقاء البنت أحفظ لها, والأم قد تخرجت وعقلت, فهي تدرك مصلحتها وتحذر الشر وتتقيه, ولا يمنع أحد الأبوين من زيارتها عند الآخر, لأن المنع من ذلك يفضي إلى قطيعة الرحم, وإذا كان المحضون ذكرا عند أبيه ليلا ونهارا فإنه يزور أمه, ويصلها ولا يقطعها, ولا يكلف الأم الخروج لزيارته, رعاية لسترها وحمايتها[136], ويزور أمه في كل يومين أو ثلاثة, وإن كان منزلها قريبا فلا بأس أن يزورها في كل يوم, ليألف برها, وليس للأب أن يمنعه منها فيألف العقوق[137].
وهكذا إذا كان المحضون ذكرا عند أمه, فإنه يزور أباه ويصله ولا يقطعه, والاجتهاد في المسألة عند الفقهاء ظاهر, لعدم النص في المسألة, واختلاف التقدير تبعا لاختلاف تقدير مصلحة حفظ المحضون وتربيته, أي تبعا لتقدير حق المحضون, وكذلك تقدير حق الوالدين في رؤية أولادهم ومتابعة أحوالهم وتفقد أمورهم.
ولا يجوز لأحد الأبوين التعسف في استعمال الحق, فليس لأحد الأبوين منع الآخر من زيارة المحضون, وليس له أن يطلب ما يضر بالولد, وليس للأم أن تطلب ما يضر بالأب, وكذلك الأب ليس له أن يطلب ما يضر بالأم, فـ(ليس للأب أن يقول ابعثيه يأكل عندي ثم عود, لأن في ذلك ضررا على الولد وإخلالا بصيانته, وفيه ضرر أيضا على الحاضنة, وليس لها موافقة الأب على ذلك لضرر الولد, فإن أكل الولد غير منضبط في وقت)[138].
وفي العصر الحاضر وفرت التقنيات الحديثة وسائل التواصل المسموعة والمرئية, وعلى الرغم من فائدتها في هذا المجال, إلا أني أرى أنها لا تغني عن الزيارة الفعلية والرؤية المباشرة, ولا تقوم مقامها, وحاجة الصغير إلى ملاقاة أبويه مباشرة, وما يكتنفها من حرارة اللقاء وإفاضة مشاعر المودة ومحبة الولد وإشباع عواطفه وتأمين وجدانه والأنس لهو الفرح المتبادل, لا يمكن أن تحل محلها تلك التقنيات, لما تفتقده الرؤية عبر وسائل التواصل من دفء المشاعر وحصول الأنس والاطمئنان المتكامل.
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 21-09-2019, 04:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أثر الحق في حضانة الولد- دراسة فقهية

أثر الحق في حضانة الولد- دراسة فقهية




أ. د. بندر بن فهد السويلم[*]


المطلب الثاني

زيارة المحضون لوالديه في حال مرضهما

لا يمنع الولد من زيارة أمه أو أبيه عند مرض أحدهما وهو في حضانة الآخر, ولا يمنع من الحضور عند موت أحدهما, سواء أكان الولد ذكرا أو أنثى, لأن المرض يمنع المريض من المشي إلى ولده, فمشيُ ولده إليه أولى, ولأن المنع من ذلك إغراء بالعقوق وقطع الرحم[139], وتكون الزيارة زيارة العائد للمريض, ولئن كانت البنت ممنوعة من البروز لتألف الخفر, ففي حالة المرض ضرورة يتسع حكمها, وتعود البنت إلى أبيها بعد ما تقضي زمان العيادة, لأنه ليس فيها مع الصغر فاضل لتمريض الأم, فانصرفت بعد العيادة[140].
ولكن الذي يظهر لي أن تقييد زيارة الصغيرة لأمها المريضة بزمن العيادة فقط لعدم الحاجة, محل نظر, فإن الأم في حال المرض قد تكون أحوج لرؤية صغيرتها, والاطمئنان عليها, وإفاضة الشفقة عليها, والبنت كذلك محتاجة إلى أمها في حال المرض, فلا تقتصر الزيارة على زمن العيادة, والعلم عند الله.
المبحث التاسع

حق المحضون حال المرض

المطلب الأول: تمريض المحضون
إذا مرض المحضون, فإن كان المحضون جارية فالأم أحق بتمريضها في بيتها, وإن كان المحضون غلاما فالأم أحق بتمريضه في بيتها, لأنه صار بالمرض كالصغير في الحاجة إلى من يقوم بأمره, فكانت الأم أحق به, ولأن الأم أهدى وأصبر من الأب على ولدها, ولأن النساء أقوم بتعليل المرض من الرجال[141].
المطلب الثاني: مرض الحاضن

مرض الحاضن متى ما كان مضرا بالمحضون، كما لو كان الحاضن مصابا بالبرص أو الجذام, فإن الحضانة تسقط عنه, وينتقل حق المحضون إلى الحاضن الذي يليه, لأن الشريعة الإسلامية جاءت بدفع الضرر, حيث قال النبي e: "لا ضرر ولا ضرار"[142].
وقد ذكر فقهاء الحنفية أن مرض الحاضن ولو لم يكن معديا أو مضرا بالولد, فإنه يكون سببا لعجز الحاضن عن القيام بالحضانة, ولهذا ينتقل حق الحضانة إلى الدرجة التالية[143], وهذا يعني أن مرض الحاضن مرضا معديا يسقط حق الحاضن من باب أولى عندهم.
أما فقهاء المالكية فقد صرحوا بأن الحضانة تسقط بالضرر في بدن الحاضن كالجذام والبرص[144], لاحتمال اتصاله بالمحضون, وقالوا: حتى ولو كان بالمحضون مرض مماثل لمرض الحاضن فإن الحضانة تنتقل لأنه يخشى من حصول زيادة المرض على المحضون بانضمامه لمن به ذلك[145].
وبين فقهاء الشافعية أن من به جذام أو برص فلا حضانة له, وبينوا كذلك أن من به مرض دائم كالسل والفالج إن عاق تألمه عن نظر المحضون, بأن كان بحيث يشغله ألمه عن كفالته وتدبر أمره, أو عن حركة من يباشر الحضانة, فتسقط في حقه دون من يدبر الأمور بنظره, ويباشرها غيره[146].
ويتفق الحنابلة مع فقهاء المذاهب الأخرى, حيث يذهبون إلى منع من به برص أو جذام من الحضانة, لأنه يخشى على الولد من المخالطة, والجذمى ممنوعون من مخالطة الأصحاء, فمنعهم من حضانتهم أولى, كما يمنع من الحضانة من به عيب متعد ضرره إلى غيره, خوفا من إصابة المحضون[147].
وفي العصر الحاضر ظهرت أمراض لم تكن فيمن سبقنا, ويعرف انتقالها إلى الأصحاء من عدمه عن طريق الأطباء المختصين, فهم الذين لديهم القدرة العلمية على تحديد الأمراض المعدية والأمراض الوبائية وغيرها, وبناء على ذلك فإنه يرجع إليهم في تحديد الأمراض المعدية المستجدة, وعلى ضوء ذلك يكون الحكم الفقهي في كل مرض يخشى من انتقاله إلى المحضون هو أنه يمنع من حضانة الولد, وتنتقل الحضانة إلى من يستحقها بعد ذلك.
ومن الأمراض النازلة مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز), وقد رأى الدكتور صبري السعداوي أن هذا المرض يأخذ حكم الجذام والبرص المعديين, فإذا كان الحاضن مصابا به انتقلت الحضانة لمن بعده, لأن مرض نقص المناعة أخطر من الجذام والبرص, ولما ذكره بعض الأطباء الموثوق بهم من إمكان حدوث الإصابة بعد الولادة نتيجة الالتصاق والصلة الحميمة بين الأم أو الأب المصاب[148], وهو رأي وجيه, لقوة التعليل له, ولما فيه من الأخذ بالأحوط لمصلحة المحضون, التي تعتبر غاية مهمة في حضانته, ولأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
المبحث العاشر

حق المحضون حال الإقامة والسفر

المطلب الأول: الحضانة حال إقامة الوالدين

الأصل أن الطفل يكون في حضانة والديه في البلد الذي يقيمان فيه, فإذا افترقا وهما في بلد واحدة فيبقى عند أمه الحاضنة في البلد نفسها, فإن انتقل الأبوان جميعا إلى بلد واحد فالأم باقية على حضانتها, لعدم ما يسقطها, وإن كانت الحضانة للأب بسبب سفر الأم وافتراق البلدين ثم اجتمعا, عادت الأم إلى حضانتها لعدم ما يسقطها, ولأن الحضانة متجددة بتجدد الزمان كالنفقة[149].
المطلب الثاني
الحضانة حال سفر أحد الوالدين
والكلام هنا فيه تفصيل بناء على أنواع السفر, والمسافر من الأبوين:
أولا: سفر الأب للنقلة:

وقد اختلف العلماء إذا سافر الأب سفر نقلة, والحضانة للأم, على رأيين:
الرأي الأول: أن الأم أحق بالحضانة, وليس للأب أن ينتزعه منها, وهو قول الحنفية, ورواية عن الإمام أحمد[150], ورأي الظاهرية[151].
الرأي الثاني: للأب أن يأخذ الولد منها مادام مستجمعا شرائط الحضانة, وبه قالت المالكية، والشافعية, والحنابلة, حيث ذكر المالكية أن الأب إذا أراد السفر لبلد آخر ليقيم فيه, فله أخذ الولد والانتقال به, ولا مقال للأم, لأن كون الولد مع أبيه على هذا الوجه أحفظ له[152], وقالت الشافعية: للأب أن ينتزعه من الأم ويستصحبه معه, سواء كان المنتقل الأب أو الأم, أو أحدهما إلى بلد والآخر إلى آخر, احتياطا للنسب, فإن النسب يحفظ بالآباء, ولمصلحة التأديب والتعليم, وسهولة القيام بنفقته ومؤنته, وهذا مع أمن البلد وأمن الطريق[153], وعند الحنابلة كذلك, حيث ذكروا أن الولد يكون مع والده, وهو أحق بالحضانة, فيقدم عند افتراق الدارين, لأن مسكن الأبوين اختلف فكان الأب أحق[154], واستثنى بعض الحنابلة صورة المضارة, وهي ما إذا أرد المنتقل الإضرار بالآخر فإنه لا يوافق على ذلك, لأن الشريعة جاءت بنفي الضرر[155].
الأدلة والمناقشات:

يدل للرأي الأول: أن الأم أحق بالحضانة, فلا يملك الأب إبطال حقها من الحضانة[156].
ويدل للرأي الثاني: ما تقدم قريبا من أن كون الولد مع أبيه أحفظ له, ورعاية لمصلحة تأديبه وتعليمه.
ويناقش هذا بأن مصلحة حفظ المحضون وتأديبه وتعليمه متحققة, لأن الشروط اللازمة لاستحقاق الأم حضانة الولد متوافرة فيها, فلم يكن للأب أن يبطل حقها, وكذلك لم يكن سفر الأب مضرا بالمحضون إذا كان مقيما عند أمه التي استحقت حضانته.

الترجيح:

بعد عرض آراء العلماء وأدلتهم وتأملها يترجح الرأي الأول, وهو أن الحضانة تبقى للأم حال سفر الأب للنقلة أو السكنى, لقوة التعليل له, ولما ورد من اعتراض على تعليل الرأي الثاني, والله أعلم.
ثانيا: سفر الأم للنقلة:

واختلف العلماء إذا سافرت الأم سفر نقلة أو سكنى والولد في حضانتها:
الرأي الأول: إذا سافرت سفر نقلة فليس لها أن تسافر بالمحضون, والمقيم أولى, وبه قالت المالكية[157], والشافعية[158], والحنابلة [159].
الرأي الثاني: للأم أن تسافر بالمحضون إذا توافرت الشروط الآتية:
الأول: أن تسافر إلى وطنها.
الثاني: أن لا يكون دار حرب.
الثالث: أن يكون الزوج قد عقد عليها في هذا البلد الذي تسافر إليه, وهو رأي الحنفية[160].
الأدلة والمناقشات:

يدل للرأي الأول:
أن بقاء الولد عند أبيه وعدم سفره مع أمه أحفظ له, وأيسر في تربيته وتعليمه, لأن الأب في العادة هو الذي يقوم بتأديبه وتعليمه وحفظ نسبه، بخلاف سفره مع أمه, فإنه يكون مظنة الضياع, ويشق الإنفاق عليه, ويصعب تدريبه وتعليمه, وتربيته على مخالطة الرجال, وغير ذلك من المصالح التي يتعذر تحصيلها إذا كان الولد بعيدا عن والده[161].
ويدل للرأي الثاني:

أن المانع هو ضرر التفريق بينه وبين ولده, وقد رضي به لوجود دليل الرضا, وهو التزوج بها في بلدها, لأن من تزوج امرأة في بلدها فالظاهر أنه يقيم فيه, والولد من ثمرات النكاح, فكان راضيا بحضانة الولد في ذلك البلد, فكان راضيا بالتفريق, إلا أن النكاح مادام قائما فيلزمها اتباع الزوج, فإذا زال فقد زال المانع[162].
ويناقش هذا الاستدلال: بأن ضرر التفريق بين الوالد وولده حاصل بانتقال الأم إلى وطنها أو بانتقالها إلى غيره, ولا فرق, فإن الولد سيكون بعيدا عن ملاحظة أبيه وإشرافه وتعليمه ونحو ذلك, وكذلك فإن الحكم على من تزوج امرأة في بلدها بأنه يرضى بتربية ولده فيه تحكم بلا دليل, بل ربما يتزوجها في بلدها ليربي أولاده في بلده, وبخاصة إذا كان في بلده من المصالح مالا يتوافر في بلدها.
الترجيح:

بعد عرض الآراء الفقهية في المسألة وتأمل أدلتها يتبين أن الراجح هو ما ذهب إليه جمهور العلماء, وهو أن المحضون في حال سفر الأم للنقلة يبقى عند والده في البلد الذي يقيم فيه, لما ورد من مناقشة على دليل الحنفية, ولسلامة دليل الجمهور من المناقشة والاعتراض.
ثالثا: سفر الأب للحاجة:

إن سافر الأب سفر حاجة كحج وتجارة لم يسافر بالولد, لما في السفر من المشقة والخطر, فيكون مع المقيم إلى أن يعود المسافر, وبه قالت الحنفية[163], والمالكية[164], الشافعية[165], والحنابلة[166].
وهل يدخل في سفر الحاجة في عصرنا الحاضر السفر للعمل في بلد أخرى, كالعمال الذين يسافرون من بلدانهم إلى بلدان أخرى للعمل بها مدة سنة أو سنتين أو أكثر, ويعودون إلى بلدانهم في إجازات سنوية, إلى أن تنتهي مدة عملهم, وكالدبلوماسيين الذي تندبهم دولهم للعمل في سفاراتها وملحقاتها في بلدان أخرى مدة ثم يعودون, والموظفين والمدرسين الذين يكلفون بالعمل خارج المدن التي يقيمون فيها مدة ثم يعودون لمقر إقامتهم, وكذلك السفر للدراسة في الخارج, أولا ؟.
إن المتأمل في مثل هذا السفر يرى أنه سفر طويل المدة, وإلحاقه بالسفر للحاجة الذي مثل له الفقهاء قديما, أو إلحاقه بسفر السكنى والنقلة يستدعي تأملا دقيقا, ذلك أن طول مدة غياب المسافر عن أهله وبلده مرجح لإلحاقه بسفر النقلة والسكنى, كما أن النظر إلى توافر وسائل التواصل المسموعة والمرئية, وتيسر وسائل السفر التي قربت البعيد مرجح لإلحاقه بسفر الحاجة.
كما ينبغي أن ينظر إلى الأصلح في حق الولد, فإن البلدان تختلف في توافر البيئة المناسبة للطفل, مثل البيئة التعليمية, والبيئة التربوية, والبيئة الصحية, والسفر إذا كان لبلد أفضل ينبغي أن يختلف عن السفر إذا كان لبلد أقل, رعاية لمصالح المحضون, ولهذا كان ابن القيم يؤكد على النظر والاحتياط للطفل في الأصلح والأنفع[167].
رابعا: سفر الأم للحاجة:

إن سافرت الأم سفر حاجة كتجارة أو حج, فخلاف بين العلماء على رأيين:
الرأي الأول: أن المقيم وهو الأب في هذه الحالة أحق بالحضانة, فلا تسافر به, لأن في السفر بالولد إضرارا به, ولأنه لا حظ للولد في حمله ورده, وهو قول الشافعية, والحنابلة[168].
الرأي الثاني: للأم أن تسافر بالمحضون, ولا ينزع منها, لأنه سفر لا تسقط حضانته به, وبه قالت المالكية[169].
ويناقش بأن هذا السفر فيه مشقة, ومتاعب, ولا حاجة لتعريض المحضون لهذه المشقة, لا سيما أنها لا تعود عليه بمصلحة له.
الترجيح:

الذي يظهر أن الرأي الأول أرجح, لقوة تعليله, ولمناقشة رأي المالكية, ويؤيد الرأي الأول أن لدى الأب من الشفقة والحنو على ولده ما يمكنه من تخفيف معاناة الصغير عند غياب الأم مدة سفرها, لأن الغالب من سفر الحاجة أو الحج أن تكون مدته قليلة, ولا سيما في عصرنا الحاضر.
والحاصل أن الراجح في حال سفر الأم سفر حاجة أو سفر نقلة أن الولد يبقى عند والده, وعلى هذا إذا سافرت الأم الحاضنة لولدها للعمل في بلد أخرى مدة ثم تعود بقي المحضون في بلد والده.
رأي ابن القيم:

لابن القيم رأي في مسائل السفر وآراء العلماء فيها, حي قال: (وهذه أقوال كلها كما ترى لا يقوم عليها دليل يسكن القلب إليه, فالصواب النظر والاحتياط للطفل في الأصلح له والأنفع من الإقامة أو النقلة, فأيهما كان أنفع له وأصون وأحفظ, رُوعي, ولا تأثير لإقامة ولا نقلة, هذا كله ما لم يُرِد أحدهما بالنقلة مضارة الآخر, وانتزاع الولد منه, فإن أردا ذلك, لم يُجَب إليه, والله الموفق)[170].
المبحث الحادي عشر

أمد الحضـــــــانة

المطلب الأول: أمد الحضانة للذكر
اختلف العلماء في أمد الحضانة للذكر على ثلاثة آراء:
الرأي الأول: تستمر حضانة الطفل عند أمه إلى البلوغ, وبه قالت المالكية, والظاهرية[171], وعن الإمام أحمد رواية أن الأم أحق بالغلام[172].
الرأي الثاني: تستمر حضانة الأم للصغير حتى يستغني عن الخدمة, فيأكل وحده ويشرب وحده ويلبس وحده ويتوضأ وحده, ثم يضم إلى الأب إلى البلوغ, وبه قالت الحنفية, وقدر سن الاستغناء للصغير بسبع سنين, وقيل: بتسع سنين اعتبارا للغالب[173], وفي رواية عن الإمام أحمد أن الأب أحق بالغلام إذا عقل واستغنى عن الأم, كالذي ذهب إليه الحنفية في الغلام[174].
الرأي الثالث: إذا بلغ الغلام التمييز سبع سنوات خير بين أبويه, ويبقى عند من اختاره إلى البلوغ, وهو قول الشافعية والحنابلة.
- قالت الشافعية: إذا بلغ الغلام سبعا وصار مميزا وافترق أبواه من النكاح, وكان كل من الأبوين صالحا للحضانة, خير بين أبويه, ويخرج من حال الحضانة إلى حال الكفالة, ويكون مع من اختاره منهما, اختار أباه أو أمه[175].
- وقالت الحنابلة: إذا بلغ الغلام سبع سنين وليس بمعتوه واتفق أبواه أن يكون عند أحدهما جاز, لأن الحق في حضانته إليهما لا يعدوهما, وإن تنازعا فيه خيره الحاكم بينهما فكان مع من اختار منهما[176].
الأدلة والمناقشات:

يدل للرأي الأول:

يظهر أن دليل استمرار الحضانة إلى البلوغ, هو أن الغلام دون البلوغ لا يزال في حكم الطفولة, وهي مرحلة يحتاج فيها الغلام إلى التربية ورعاية المصالح, فتستمر حضانته إلى أن يبلغ.
يدل للرأي الثاني:

أن أبا بكر الصديق t قضى بعاصم بن عمر لأمه ما لم يشب عاصم أو تتزوج أمه[177], وكان ذلك بمحضر من الصحابة y, ولم ينكر عليه أحد من الصحابة, فكان إجماعا منهم[178].
ويناقش بأن هذا الأثر منقطع[179].
ولأن الغلام إذا استغنى يحتاج إلى التأديب والتخلق بأخلاق الرجال, وتحصيل أنواع الفضائل واكتساب أسباب العلوم, والأب على ذلك أقوم وأقدر, مع أنه لو ترك في يدها لتخلق بأخلاق النساء وتعود بشمائلهن, وفي هذا ضرر على الولد[180].
ويناقش: بأن على الأب تعليمه وتأديبه ولو كان في حضانة أمه, وقد تقدم الكلام عن حق الزيارة وأنه ليس لأحد أبويه أن يمنع الآخر من زيارة المحضون لأجل تربيته على الصلة وعدم قطيعة الرحم, والزيارة يتخللها تعليم وتربية, وإذا كانت مصالح الولد تستدعي أن يرافق والده في أوقات, تعين ذلك, وليس للأم أن تمنعه, فالحاصل أن التخلق بأخلاق الرجال واكتساب الأعمال لا يسوغ ضم الولد إلى أبيه إذا استغنى عن الخدمة.
يدل للرأي الثالث:

عن أبي هريرة t أن النبي e خير غلاما بين أمه وأبيه[181]. وفي لفظ عن أبي هريرة قال: جاءت امرأة إلى النبي e فقالت: يا رسول الله إن زوجي يريد أن يذهب بابني, وقد سقاني من بئر أبي عنبة[182], وقد نفعني, فقال له النبي e: "هذا أبوك, وهذه أمك, فخذ بيد أيهما شئت" فأخذ بيد أمه فانطلقت به[183].
وجه الاستدلال: أن النبي e خير الصغير بين أبويه لما تنازعا فيه, فدل على مشروعية التخيير.
ونوقش: بأنه لا شك في أن رسول الله e لا يخير بين خير وشر, ولا شك في أنه عليه الصلاة والسلام لا يخير إلا بين خيرين, وكذلك نحن على يقين من أنه عليه الصلاة والسلام لا يترك أحدا على اختياره ما هو فساد له في دينه أو حالته, فقد يسوء اختيار الصغير لنفسه, فلا شك في أنه e إن كان خير الصبي فلم ينفذ اختياره إلا وقد اختار الذي يجب أن يختار, لا يجوز غير ذلك أصلا[184].
كما يناقش بأنكم قيدتم التخيير بالسبع سنوات, وليس في الأحاديث شيء من ذلك[185].
كما يناقش بأن قولها: وقد سقاني من بئر أبي عنبة. يدل على أنه كان بالغا, لأن غير البالغ لا يتأتى منه عادة أن يحمل الماء من هذه المسافة ويستقي من البئر[186].
ما روي عن عمر أنه خير غلاما بين أمه وأبيه[187], وما روي عن عمارة الجرمي أنه قال: خيرني عليٌ بين عمي وأمي وكنت ابن سبع أو ثمان[188]. وهذه قصص في مظنة الشهرة, ولم تنكر, فكانت إجماعا[189].
ويناقش ما روي عن علي بأنه ضعيف, وما روي عن عمر يناقش بأنه لا ينفذ إلا إذا اختار الذي يجب أن يختار, كما قيل عن الحديث الذي قبله.
أن الابن قبل البلوغ يقدم في حضانته من أهو أشفق له مراعاة لحقه, واعتبرنا الشفقة بمظنتها إذا لم يمكن اعتبارها بنفسها. فإذا بلغ الغلام حدا يعرب عن نفسه, ويميز بين الإكرام وضده, فمال إلى أحد الأبوين دل على أنه أرفق به وأشفق عليه, فقدم بذلك. وهذا يحصل عندما يبلغ سبع سنوات, لأنها أول حال أمر الشرع فيها بمخاطبته بالأمر بالصلاة. ولأن الأم قدمت في حال الصغر, لحاجته إلى حمله, ومباشرة خدمته, لأنها أعرف بذلك, وأقوم به, فإذا استغنى عن ذلك تساوى والداه, لقربهما منه, فرجح باختياره[190].
ونوقش هذا الاستدلال: بأنه لا يصح, لأن الغلام لا قول له, ولا يعرف حظه, وربما اختار من يلعب عنده ويترك تأديبه, ويمكنه من شهواته, فيؤدي إلى فساده, ولأنه دون البلوغ فلم يخير, قياسا على من دون السابعة[191], ولأن للولد حقين: حق نظر على ماله, وحق تدبير لبدنه, فلما لم يرجع إلى خياره على ماله, فأولى ألا يرجع إلى خياره في تدبير بدنه, لأن حرمة النفس أغلظ من حرمة المال[192].
وأجيب عن عدم تخييره في ماله وأنه يخير في أبويه: بأن الصغير إذا بلغ سبعا لا يخير في ماله, ويخير في أبويه, لأنه لم يعرف حال ماله فلم يكن له فيه تخيير, وعرف حال نفسه مع أبويه فجاز أن يرجع إلى تخييره بينهما[193].
ويمكن رد هذا الجواب بأن الغلام لا يخير بين أبويه وإن عرف حال نفسه مع أبويه وهو في مرحلة الطفولة, لأنه لا يعرف حال أبويه بشأنه, لقصور نظره, وقلة خبرته.
الترجيح:

الذي يظهر بعد تأمل آراء العلماء وأدلتهم وما ورد عليها من اعتراضات أن أسلم الآراء من المناقشة هو الرأي الأول وهو ما ذهب إليه المالكية والظاهرية, وهو أن الغلام يبقى في حضانة أمه إلى البلوغ, فيكون هو الراجح لسلامة التعليل له, ولما ورد من مناقشة على أدلة الأقوال الأخرى, والله أعلم.
المطلب الثاني
أمد الحضانة للأنثى
اختلف أهل العلم في أمد الحضانة للجارية, ولهم أربعة آراء:
الرأي الأول: أن الصغيرة تكون في حضانة أمها إلى البلوغ, وبه قالت الحنفية, والظاهرية[194], وعن الإمام أحمد رواية أن الأم أحق بالبنت حتى تبلغ[195].
الرأي الثاني: أن البنت تنتهي حضانتها حتى تتزوج ويدخل بها زوجها, كالنفقة, وعلى هذا تستمر الحضانة للأم ما دامت النفقة, فلو تزوجت قبل البلوغ ودخل بها الزوج ثم طلقها فإن الحضانة تعود للأم, وبه قالت المالكية[196].
الرأي الثالث: إذا بلغت سبعا وصارت مميزة وافترق أبواها من النكاح, وكان كل من الأبوين صالحا للحضانة, خيرت بين أبويها, وتخرج من حال الحضانة إلى حال الكفالة, وتكون مع من اختارت منهما, اختارت أباها أو أمها, كالغلام, وبه قالت الشافعية[197], قال الشوكاني (ت 1255هـ): (والظاهر من أحاديث الباب أن التخيير في حق من بلغ من الأولاد إلى سن التمييز هو الواجب من غير فرق بين الذكر والأنثى)[198], وهو رواية عن الإمام أحمد[199].
الرأي الرابع: إذا بلغت البنت سبع سنين وليست بمعتوهة فالأب أحق بها من الأم, وبه قالت الحنابلة[200].
الأدلة والمناقشات:

يدل للرأي الأول:

أن الحضانة ضرب من ضروب الولاية, فبقيت إلى البلوغ, قياسا على ولاية الأب في المال, فإنها تكون إلى البلوغ[201].
أن الجارية تحتاج إلى تعلم ما يختص به النساء كالغزل والطبخ والحياء وعدم الاختلاط بالرجال, وإنما يصير لها ذلك إذا كانت تحت نظر أمها وعنايتها فكانت أحق بها حتى تبلغ[202].
أن الجارية بعد البلوغ تحتاج إلى التحصين والحفظ, والأب فيه أقوى وأهدى[203] فحاجتها قبل البلوغ إلى الأم, وبعد البلوغ إلى الأب.
يدل للرأي الثاني:

ودليلهم القياس على النفقة, فإن الأب ينفق على ابنته حتى تنتقل النفقة عنه إلى الزوج, وذلك يكون بدخول الزوج بها, فكذا الحضانة تستمر إلى أن تتزوج ويدخل بها الزوج[204].
ويناقش بأن قياس انتهاء الحضانة على انتهاء النفقة مقبول, لكن العلة الجامعة في هذا القياس ليست زواج البنت ودخول الزوج بها, وإنما لأجل استغناء البنت عن نفقة والدها, والحضانة كذلك تستمر حتى توجد العلة الموجبة لانتهائها وهي الاستغناء عن الحضانة, وهذا الاستغناء يكون بالبلوغ, لأنها إذا بلغت صارت قادرة على العمل الذي يلائم جنسها بالأجر المناسب, والله أعلم.
يدل للرأي الثالث:

أحاديث وآثار تخيير الابن التي سبقت, وقد تقدمت مناقشتها.
ما رواه رافع بن سنان أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم, فأتت النبي e فقالت: ابنتي وهي فطيم, وقال رافع: ابنتي. فقال له النبي e: "اقعد ناحية" وقال لها: "اقعدي ناحية", وأقعد الصبية بينهما, ثم قال: "ادعواها", فمالت الصبية إلى أمها, فقال النبي e: "اللهم اهدها" فمالت الصبية إلى أبيها, فأخذها[205].
وجه الاستدلال: أن الحديث يفيدأن هذه الصبية اختارت أمها, ثم اختارت أباها، وهذا يفيد تخيير الجارية.
ونوقش هذا الحديث من وجوه:
أولا: أن هذا الحديث ضعيف[206].
ثانيا: أن محل خلاف الأبوين مختلف فيه, فقيل: إنها صبية, وقيل: إنه صبي
ثالثا: أن الحديث لا يدل على التخيير, فإن النبي e أقعد الصبية بينهما, ودعا الله لها بالهداية, فاختارت أباها لأجل الدعوة النبوية[207].
رابعا: في الحديث أن الطفل كان فطيما, والفطيم دون السبع قطعا, والظاهر أنه دون الخمس, ولا تخيير عندكم لمن هو دون السبع, فظهر أنه لا يصح الاستدلال به[208].
ولأن الغلامة كالغلام في الانتساب, ولأن القصد بالكفالة حفظ الولد[209].
ونوقش تخيير البنت إذا بلغت سبعا بأن الشرع لم يرد به فيها, ولعدم صحة القياس على الغلام, لأنه لا يحتاج إلى الحفظ والتزويج كحاجتها إليه[210].
يدل للرأي الرابع:
أن الغرض بالحضانة الحظ, والحظ للجارية بعد السبع في أن تكون عند أبيها, لأنها تحتاج إلى حفظ, والأب أولى بذلك.
ويناقش بأن الأم أحق من الأب في ذلك لعموم الأدلة الدالة –التي تقدمت- على حق الصحبة للأم, والحضانة حفظ وصحبة.
ولأنها إذا بلغت السبع قاربت الصلاحية للتزويج, وإنما تخطب الجارية من أبيها, لأنه وليها, والمالك لتزويجها, وهو أعلم بالكفاءة, وأقدر على البحث, فينبغي أن يقدم على غيره[211].
ويناقش بأن الحكم للأغلب من حال الناس, وهو تزويج البنت بعد البلوغ لا قبله, فلم تكن حاجتها لأبيها قبل أن تبلغ, ولأنه لا تعارض بين أن تخطب من أبيها وهي عند أمها.
الترجيح:

يظهر بعد التأمل في آراء العلماء وما جاء من أدلة لهذه الأقوال وما ورد من مناقشات أن القول بأن مدة الحضانة للجارية عند أمها حتى البلوغ هو أرجح الأقوال, لما ورد من مناقشات على أدلة الأقوال الأخرى, ولسلامة التعليل لهذا الرأي.
المبحث الثاني عشر
أجر الحضانة للأم الحاضنة
اختلف في أجر الحضانة للأم الحاضنة، وهي غير أجرة إرضاع الولد ونفقته, وهو خلاف متفرع على الخلاف في الحضانة هل هي حق للحاضن أو حق للمحضون؟ وللعلماء في هذا رأيان:
الرأي الأول: للأم الحاضنة أجر الحضانة, وبه يقول من يرى أن الحضانة حق للمحضون, لأن الحضانة حق للمحضون, فكان لها بذلك أجر[212].
الرأي الثاني: ليس للحاضنة أجر, وبه يقول من يرى أن الحضانة حق للحاضن.
الأدلة والمناقشات:

يدل للرأي الأول:

- أن أجر الحضانة من النفقة الواجبة, فكما يجب على الأب أن ينفق على ابنه للطعام والكساء, يجب عليه أن يسلم أجر الحضانة لأنها من النفقة[213].

- ولأن الأم تحبس نفسها من أجل الولد فاستحقت الأجر, ذلك أنها تعلم أنها لو تزوجت بزوج لينفق عليها, يأخذ الولد منها أبوه, وشفقتها على ولدها تحملها على حبس نفسها عن التزوج لتربية الولد, فلها على أبيه أجرة الحضانة[214].
- ولأن الحضانة كالرضاع, والرضاع له أجر إذا طلبته الأم, لقوله تعالى: ï´؟فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهنï´¾ [الطلاق:6].
ونوقش هذا القياس بأنه قياس مع الفارق, ذلك أن الرضاع من باب النفقة, وهي على الأب إذا لم يكن للصغير مال, وفي ماله إذا كان له مال, بخلاف الحضانة, فإنها حق للحاضنة, فلا يجب على إقامة حقها أجرة[215].
ويجاب عن ذلك بأن أجرة الرضاع من باب النفقة على الصغير, وكذا أجرة الحضانة, فكانتا من النفقة الواجبة على الوالد لولده, وقد أجمع أهل العلم على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم, لأن ولد الإنسان بعضه, وهو بعض والده, فكما يجب عليه أن ينفق على نفسه وأهله, كذلك على بعضه وأصله[216].
يدل للرأي الثاني:

لأنه لا يستقيم أن يكون من حق الحاضن أن يكفل الطفل ويؤويه إلى نفسه ويجب له بذلك أجر[217].
ويناقش بأن إيجاب الأجرة على الحضانة من باب تقديم حق الطفل على حق الحاضنة في الحضانة, لأنه مقتضى الحضانة ومقصدها.
الترجيح:

الذي يظهر أن أجر الحضانة داخل في عموم النفقة, ولهذا يجب على الوالد أن يسلم أجر الحضانة للأم الحاضنة لولدها, وهذا أرجح القولين في المسألة, لقوة الاستدلال له, ولضعف تعليل القول الثاني, والله أعلم.
والله الموفق, وصلى الله وسلم على نبينا محمد, وآله وصحبه والتابعين.
الخاتمة:

الحمد لله أولا وآخرا, وظاهرا وباطنا, فبتوفيق وفضل من الله تعالى تيسر إتمام المباحث المتعلقة بهذا الموضوع, ويأتي الآن ملخص البحث, وذلك على النحو الآتي:
الحق على أقسام, حق خالص لله تعالى, وحق مشترك بين الخالق والمخلوق, وقد يكون الغالب فيه حق الله تعالى, وقد يكون الغالب فيه حق العبد, وما من حق للعبد إلى ولله فيه حق.
حق الحضانة من حقوق العباد, ولله تعالى فيها حق, وحق العبد في الحضانة أغلب من حق الله تعالى.
حق الله تعالى في الحضانة كحقه في سائر الحقوق التي يغلب فيها حق الآدمي, وذلك يقتضي أن يوصل الحق إلى أصحابه.
للحق أثر على الحكم الفقهي في حضانة الولد.
للمحضون حق في الحضانة, والحق الذي تدور عليه مصالحه, ومن أجله شرعت الحضانة, وحق آخر للحاضن, وهو ما يتعلق بالولاية على المحضون, فالحضانة حق مشترك.
حق المحضون مقدم على حق الحاضن, لأن حق المحضون والغاية منه حفظ نفس المحضون ورعاية مصالحه, وهذا مقتضى الحضانة ومقصدها, أما غاية حق الحاضن فهو الولاية, وهذه دون حفظ النفس.
اتفق الفقهاء على أن حضانة الصغير واجبة, ويدل لذلك الكتاب والسنة والقياس.
يستحق الأبوان حضانة الولد ما دام النكاح قائما, وحضانتهما له مجتمعين أنفع له وأقوى أثرا على شخصيته وحياته.
إذا افترق الأبوان ولهما ولد فالأم أحق بحضانته, ويقدم الأب في النظر على مال المحضون, وعلى ما هو أقوم به وأعرف من الأم.
النساء أقرب إلى الصغار, فكان جنسهم مقدما على جنس الرجال, وتستحق الأم حضانة ولدها بعد الفرقة ما لم يقم بها ما يمنع من الحضانة.
إذا تزوجت الأم وفي حضنها ولدها فقد اختلف أهل العلم في سقوط حضانتها, والراجح أن حضانتها لا تسقط.
القائلون بسقوط حضانة الأم إذا تزوجت, اختلفوا في سقوطها بمجرد التزويج.
إذا تزوجت الأم وانتقل حق الحضانة إلى من بعدها ثم طلقت الأم, فإن الحضانة تعود لها, سواء أكان الطلاق بائنا أو رجعيا.
للصغير حق في زيارة أبيه إن كان عند أمه, وكذا إن كان عند أبيه.
لا يمنع الولد من زيارة أمه أو أبيه عن مرض أحدهما وهو في حضانة الآخر.
لا يجوز التعسف في استعمال الحق, فليس لأحد الأبوين منع الآخر من زيارة المحضون, وليس له أن يطلب ما يضر بالولد أو بأمه أو بأبيه.
الأم أحق بتمريض الولد ذكرا كان أو أنثى.
إذا مرض الحاضن مرضا خفيفا لا يضر بالمحضون فلا تسقط الحضانة, وإن مرض مرضا معديا انتقلت الحضانة عنه إلى من بعده, وإن كان المرض غير معد لكن يخشى من ضرر على المحضون انتقلت الحضانة.
يقيم الصغير مع والديه في بلدهما, وينتقل بانتقالهما.
إذا انتقل الأبوان جميعا إلى بلد واحد والمحضون عند أمه, استمر حق الحضانة لها لعدم ما يسقطه.
إذا سافر الأب للسكنى أو النقلة فالأم أحق بحضانة ولدها في بلده.
إذا سافرت الأم للسكنى أو النقلة فالأب أولى منها بحضانة ولده.
إذا سافر الأب أو الأم سفر حاجة بقي الولد عند المقيم.
يبقى الولد في الحضانة إلى البلوغ, سواء أكان ذكرا أو أنثى على أرجح الآراء في هذه المسائل.
تستحق الحاضنة لولدها أجر الحضانة على الأب, لأنها من النفقة الواجبة للولد.
اللهم اجعل هذا العمل خالصا لوجهك الكريم, اللهم انفع به كاتبه وقارئه, اللهم اعف عما فيه من خطأ وزلل وتقصير, أنت ولي ذلك والقادر عليه, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
هوامش البحث:

[*] الأستاذ بقسم الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء, جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, بالرياض, وأستاذ كرسي الشيخ: عبد الله بن إبراهيم التويجري, لدراسات الأحوال الشخصية, بالمملكة العربية السعودية.
[2]- صحيح البخاري, كتاب العلم, باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين, برقم: 71, ص: 17, وصحيح مسلم, كتاب الإمارة, باب قوله e: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين... " برقم: 4956, ص: 858.
[15]- منتهى الإرادات 4/471. وعرفها ابن تيمية بأنها النصر, لأنها الإيواء ودفع الأذى, مجموع فتاوى شيخ الإسلام 34/108.
[16]- صحيح مسلم, كتاب الفضائل, باب تفضيل نبينا e على جميع الخلائق, برقم 5941, ص: 1008.
[19]- المبسوط 5/207, وبدائع الصنائع 4/40, وفتح القدير 4/184, ولسان الحكام ص: 333, والمعونة 2/94, ومواهب الجليل 4/214, والحاوي 11/498, والمهذب 2/170, ومغني المحتاج 3/452 والمغني 11/413, وكشاف القناع 5/496, والمحلى 10/323.
[27]- صحيح البخاري, كتاب الأحكام, باب قول الله تعالى: "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" برقم: 7138, ص: 1229, وصحيح مسلم, كتاب الإمارة, باب فضيلة الأمير العادل وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية والنهي عن إدخال المشقة عليهم, برقم 4724, ص: 820, واللفظ لمسلم.
[28]- صحيح مسلم, كتاب الزكاة, باب فضل النفقة على العيال والمملوك, برقم 2312, ص: 404.
[30]- صحيح البخاري, كتاب الصلح, باب كيف يكتب: هذا ما صالح فلان بن فلان وفلان بن فلان وإن لم ينسبه إلى قبيلته أو نسبه, برقم: 2699, ص: 440-441, وسنن الترمذي, أبواب البر والصلة, باب في بر الخالة, برقم: 1904, ص: 445.
[32]- مسند أحمد 2/182, وسنن أبي داود, كتاب الطلاق, باب من أحق بالولد, برقم: 2276, ص:330, قال الباجي في المنتقى 6/186: (وهذا الحديث ليس إسناده مما يحتج به, ولا في الباب شيء يعتمد عليه). وفي زاد المعاد 5/434 قال ابن القيم: (فهو حديث احتاج الناس فيه إلى عمرو بن شعيب, ولم يجدوا بدا من الاحتجاج به هنا, ومدار الحديث عليه, وليس عن النبي e حديث في سقوط الحضانة بالتزويج غير هذا, وقد ذهب إليه الأئمة الأربعة وغيرهم, وقد صرح بأن الجد هو عبد الله بن عمرو, فبطل قول من يقول: لعله محمد والد شعيب, فيكون الحديث مرسلا, وقد صح سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو, فبطل قول من قال: إنه منقطع) أ-هـ. وقال ابن حزم في المحلى 10/325هذه صحيفة لا يحتج بها, وقد ذكرنا في كتابنا الموسوم بالإعراب, وفي كتاب الإيصال ما تركوا فيه رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ولم يعيبوه إلا بأنه صحيفة)أ.هـ والحديث حسنه الألباني في إرواء الغليل 7/244.
[36]- العقد المنظم للحكام فيما يجري بين أيديهم من العقود والأحكام لابن سلمون الكناني 1/136 مطبوع بهامش تبصرة الحكام.
[58]- الإبانة في صحة إسقاط ما لم يجب من الحضانة ص: 38, وانظر الأقوال الثلاثة في مواهب الجليل 4/215.
[74]- رسالة الإبانة عن أخذ الأجرة على الحضانة, مطبوعة مع مجموعة رسائل ابن عابدين 1/243.
[79]- لسان الحكام ص: 333, الفروق 2/158, 3/206, قواعد الأحكام 1/65-66, ومجموع فتاوى شيخ الإسلام 34/128, وزاد المعاد 5/450.
[89]- صحيح البخاري, كتاب الأدب, باب من أحق الناس بحسن الصحبة, برقم 5971, ص: 1045, وصحيح مسلم, كتاب البر والصلة, باب بر الوالدين وأيهما أحق به, برقم 6500, ص: 1117.
[91]- تزوجت أم سليم وهي أم أنس بأبي طلحة بعد قدوم النبي e بعدة أشهر, لأنها بادرت إلى الإسلام ووالد أنس حي فعرف بذلك فلم يسلم وخرج في حاجة له فقتله عدو له, وكان أبو طلحة قد تأخر إسلامه, فاتفق أنه خطبها فاشترطت عليه أن يسلم فأسلم, أخرجه ابن سعد بسند حسن. ينظر: فتح الباري 10/459- 460.
[92]- أخرجه البخاري, صحيح البخاري, كتاب الوصايا, باب استخدام اليتيم في السفر والحضر إذا كان صلاحا له, برقم 2768, ص: 458, ومسلم في صحيحه, كتاب الفضائل, باب حسن خلقه e, برقم 6013, ص: 1020-1021.
[114]- أخرجه الإمام أحمد في المسند 5/413, وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته, برقم: 6412, 2/1095.
[131]- مسألة القسم للمطلقة الرجعية محل خلاف بين أهل العلم, ينظر الموسوعة الفقهية 33/189.
[133]- صحيح البخاري, كتاب الشهادات, باب ما قيل في شهادة الزور, برقم 2654, ص: 430, وصحيح مسلم, كتاب الإيمان, باب أكبر الكبائر, برقم 259, ص: 53.
[139]- لسان الحكام ص: 334, والمهذب 2/172, وروضة الطالبين 9/104, والمغني 11/419, الإنصاف 9/432, والموسوعة الفقهية 17/317.
[141]- لسان الحكام ص: 334, والمهذب 2/172, والحاوي 11/508, ومغني المحتاج 3/458, والمغني 11/418-419, والإنصاف 9/432.
[142]- أخرجه أحمد في مسنده من حديث ابن عباس 1/313, والحاكم في المستدرك من حديث أبي سعيد الخدري, وقال: (هذا صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه) 2/58, والحديث له طرق يقوي بعضها بعضا. ينظر: جامع العلوم والحكم لابن رجب 265, وقال ابن عبد البر: (وأما معنى هذا الحديث فصحيح في الأصول). ينظر: التمهيد 18/412, والحديث صححه الألباني في إرواء الغليل 3/408.
[148]- نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) وأثره على العلاقة الزوجية في الفقه الإسلامي, ص: 130, مجلة الجمعية الفقهية السعودية عدد 1 عام 1427هـ
[168]- المهذب 2/173, ومغني المحتاج 3/458, والمغني 11/419, وشرح منتهى الإرادات 4/473.
[173]- المبسوط 5/207, وبدائع الصنائع 4/42, والاختيار 4/15, ومجمع الأنهر 1/481, وحاشية ابن عابدين 5/267.
[177]- أخرجه البيهقي في السنن الكبرى, عن أبي الزناد عن الفقهاء الذين يُنتهى إلى قولهم من أهل المدينة أنهم كانوا يقولون قضى أبو بكر الصديق على عمر بن الخطاب t لجدة ابنه عاصم بن عمر بحضانته حتى يبلغ وأم عاصم يومئذ حية متزوجة, سنن البيهقي, كتاب النفقات, باب الأم تتزوج فيسقط حقها من حضانة الولد وينتقل إلى جدته, 8/5, والسند منقطع كما ترى, فهو أثر ضعيف.
[181]- أخرجه سعيد بن منصور في سننه, باب الغلام بين الأبوين أيهما أحق به, برقم 2275, 2/110, وصححه الألباني في إرواء الغليل 7/250.
[183]- أخرجه أبو داود في سننه, كتاب الطلاق, باب من أحق بالولد, برقم 2277, ص: 330-331, وصححه الألباني في إرواء الغليل 7/251.
[187]- أخرجه سعيد بن منصور في سننه,كتاب الطلاق, باب الغلام بين الأبوين أيهما أحق به, برقم 2277, 2/111, وصححه الألباني في إرواء الغليل 7/251.
[188]- أخرجه البيهقي في السنن الكبرى, كتاب النفقات, باب الأبوين إذا افترقا وهما في قرية واحدة فالأم أحق.. 8/4, وسعيد بن منصور في سننه, كتاب النفقات, باب الغلام بين الأبوين أيهما أحق به, برقم 2279, 2/111, وضعفه الألباني في إرواء الغليل 7/252.
[194]- المبسوط 5/207, وبدائع الصنائع 4/42, ومجمع الأنهر 1/482, وحاشية ابن عابدين 5/268, والمحلى 10/323.
[196]- المنتقى 6/185, والكافي لابن عبد البر 2/625, وقوانين الأحكام الشرعية ص: 248, والتاج والإكليل 4/214, ومواهب الجليل 4/214.
[205]- أخرجه أبو داود في سننه, كتاب الطلاق, باب إذا أسلم أحد الأبوين لمن يكون الولد ؟ برقم: 2244, ص: 324, وقال ابن المنذر: لا يثبته أهل النقل وفي إسناده مقال, ينظر: سبل السلام 3/434.
[207]- سبل السلام 3/434, وسميت البنت في رواية أبي عاصم: عميرة, وروي أنه كان غلاما لا جارية, ينظر: نصب الراية 3/270.
[212]- مقدمات ابن رشد 2/262, والإنصاف 9/416, وكشاف القناع 5/496, والموسوعة الفقهية 17/311.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 148.52 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 145.70 كيلو بايت... تم توفير 2.81 كيلو بايت...بمعدل (1.90%)]