قارب نجاة في بحر اليأس - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         أسئلة بيانية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 6 - عددالزوار : 88 )           »          نذر الخواص.. ونذر العوام!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          من هو عمران؟ البيت الرسالي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          الطريق طويل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          أجلُّ النِّعَم! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          هل سيشفع لك الصيام والقرآن؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          غزة رمز للعزة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 494 )           »          حقوق العباد لا تسقط بالتقادم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          نظرات في رِسَالَةٌ فِي الصُّوفِيَّةِ وَالْفُقَرَاءِ (اخر مشاركة : رضا البطاوى - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4376 - عددالزوار : 826569 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22-02-2019, 02:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,355
الدولة : Egypt
افتراضي قارب نجاة في بحر اليأس

قارب نجاة في بحر اليأس
عبدالله بن عبده نعمان العواضي



إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70-71].


أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسوله محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.


أيها الناس، جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فَسِيلة[2] فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها، فليغرسها)[3].


ما أحسن هذا التفاؤل في هذا النص النبوي الشريف! إنه نور سطع من مشكاة النبوة ليضيء للناس طريق الفجر في حالك الظُلَم.


أشرق بضيائه مرشداً الناسَ إلى استغلال فرصة الحياة ولو في آخر لحظاتها لتُستثمر فيما ينفع الأحياء، وإن لم يدرك الغارس ثمرة غرسه.


إن هذا النص الكريم - يحثك أيها المسلم - على العمل وترك الفتور والكسل، ولو كنت مشغولَ البال ذاهبَ الخيال في أمر عظيم كأمر علامات الساعة. فهو يقول لك: اعملْ وتحرك، ولا تشغلك عن العمل الأمور المهولة، وسارع إلى ما ينفع ولا تفكر في النتيجة والحصول على ثمرة الجهد. فلو كنتَ على بوابة القيامة ببدوِّ بعض أماراتها الكبرى كخروج الدجال وفي يدك نخلة صغيرة فاغرسها؛ فلعله أن ينتفع بها من يعيش بعدك.


عباد الله، إن هذا النص الكريم، والبيان النبوي العظيم أشرق على الحياة ليقول لأهلها: إن الإسلام دين إعمار وبناء، وعمل ونماء، لا يؤمن بالقعود والكسل والفتور والانتظار، إنه دين يضخ دماء الأمل في شرايين الإنسان المشرف على نهاية الحياة، فكيف بمن لازال في عنفوان الحياة، وناصية العيش، وهو كذلك دين يبث التفاؤل في وجه الإنسان رغم ما يعترض طريقه من أعاصير الآلام الهوجاء، وأصوات اليأس والقنوط التي تصك سمعه في دربه تناديه: أنْ توقَّف!

هنا يحق لنا أن نفخر بديننا كل الفخر، ونسعى أن نكون ممتثلين له في واقع الحياة مهما تدثرت الدنيا بأسمال الكربات والمصائب، ونربأ بنفوسنا أن يكون مفارقو ديننا أحسنَ حالاً منا في التفاؤل والأمل.

لا شك أن واقعنا مرير، ومسيرة حياتنا يجاذبها عن مواصلة رحلة البناء جواذبُ الأزمات المتلاحقة، والشدائد التي لا يزيدها مرور الأيام إلا عقداً إلى عقدها. ولكن هل يعني ذلك أن نضعف ونستسلم لها، ونقعد عندها، ونترك العمل الجاد لديننا ودنيانا، وننتظر قوارب الأقدار المنقذِة لتخلصنا من أمواج عيشنا المضطربة، دون أن نسعى لإنقاذ أنفسنا بما أعطانا الله من القدرات والقوى؟

يقول تعالى معلِّقًا على ما جرى في غزوة أحد من الجراح: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139].

أيها الأحباب الفضلاء، إن من العقل أن لا نسمح لجحافل اليأس أن تقتحم نفوسنا فتفسدها علينا، حتى تدمر حاضرنا ومستقبلنا، فالعاقل لا ييأس مع الحياة مهما حاولت الحياة أن تقنطه من حسن ما فيها، وطِيب ما خلق الله تعالى عليها.

ينبغي أن نكون أكثر أملاً وتفاؤلاً من الكافرين الذين قد نرى من بعضهم جِدّاً واجتهاداً وتفاؤلاً وأملاً وهم في أحلك الظروف وأبأس الأحوال. ألسنا أولى بذلك منهم؛ إذ دينُنا يأمرنا بذلك؟.

أيها المسلمون، إن خيار اليأس والقعود عن العمل النافع دينًا ودنيا خيار لا يرضى به عاقل مسلم وهو يقرأ حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ينفخ روح الأمل والتفاؤل في نفوس أصحابه رضي الله عنهم وهم جميعًا في أشد الظروف ضراوة وبلاء، حتى يجعل من المحنة منحة، ومن البلاء نافذة متسعة يرى منها أيام النعماء الرخية.

فعن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم -وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة- قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟ قال: (كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه. ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون )[4].

فانظروا إلى هذه الكلمات المشرقة في جبين الأمل والتفاؤل ورياح البلاء تعصف ببناء الإيمان من كل جانب.

إنها كلمات عظيمة أودعها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلب خباب رضي الله عنه الذي كان قد عذبه المشركون عذابًا شديداً. ولكنه بناءُ النفوس على الشدائد والمكاره حتى تنتصر عليها، وتستهين في سبيل الحق بآلامها حتى تبلغ آمالها.

وفي يوم الأحزاب الذي وصلت الكريهة فيه إلى هذا التعبير القرآني البديع: ﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ﴾ [الأحزاب: 11].

يجتمع الكفار ويسيرون إلى المدينة النبوية كالبحر الهائج، ويحيطون بها من كل جانب، وتشتد برسول الله وأصحابه اللأواء، وتضيق عليهم الأحوال، ولكن مع كل ذلك انظر ماذا حدث: قال البراء: لما كان يوم الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة لا تأخذ منها المعاول، فاشتكينا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء وأخذ المعول فقال: (بسم الله )، ثم ضرب ضربة، وقال: (الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأنظر قصورها الحمر الساعة)، ثم ضرب الثانية فقطع آخر، فقال: (الله أكبر، أعطيت فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض الآن)، ثم ضرب الثالثة، فقال: (بسم الله )، فقطع بقية الحجر، فقال: (الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني)[5].

فتأملوا في هذه الكلمات المتفائلة وهمْ- رضي الله عنهم- في ذلك الظرف الحرج، إنها كلمات استشرافية لفتح البلدان بالإسلام وذهابِ الضيق والضعف عن المسلمين، إنه في ذلك الموقف العصيب لم يفكر بفتح الجزيرة وما حول المدينة وسائرِ بلاد العرب فحسب، بل بفتح الدنيا وهزيمة أباطرة الأرض في ذلك الزمان.

إن هذا التفاؤل العظيم الذي يبثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في درب الأمة الإسلامية درس يحث على الأمل والعمل وترك الكسل ومفارقة الاسترواح والدعة. ويدعو إلى الحركة النافعة حتى في أمور الدنيا، حيث يربي المسلم على أن يكون لبنة بناء في بنيان المجتمع، وليس معول هدم، ولا نموذج قعود وخمول. فالحياة لا تبنى بالكسالى ولا تعمر بالقاعدين، ولا تنهض بالخاملين.

إن هذا التفاؤل العظيم لدى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قد سرى إلى نفوس أصحابه، فصاروا يعملون ولا يؤمنون بالفتور والكسل، ولا يميلون إلى القعود في أكناف الراحة، بل ويدْعون غيرهم إلى الجِد والحركة النافعة، حتى في أمور الدنيا.

فعن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبي: ما يمنعك أن تغرس أرضك؟ فقال له أبي: أنا شيخ كبير أموت غداً. فقال له عمر: أعزم عليك لتغرسنها. فلقد رأيت عمر بن الخطاب يغرسها بيده مع أبي[6].

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إياكم والراحة؛ فإنها غفلة"[7].

وعن الحارث بن لقيط قال: كان الرجل منا تنتج فرسه فينحرها فيقول: أنا أعيش حتى أركب هذه؟! فجاءنا كتاب عمر: أنْ أصلحوا ما رزقكم الله؛ فإن في الأمر تنفسًا[8].

وعن الحارث بن لقيط أيضًا قال: قال لي عبد الله بن سلام: إن سمعتَ بالدجال قد خرج وأنت على ودية- نخلة صغيرة- تغرسها؛ فلا تعجل أن تصلحه؛ فإن للناس بعد ذلك عيشًا[9].

قال الألباني: "ولذلك اعتبر بعض الصحابة الرجل يعمل في إصلاح أرضه عاملاً من عمال الله عز وجل.
فروى البخاري في " الأدب المفرد " عن نافع بن عاصم أنه سمع عبد الله بن عمرو قال لابن أخ له خرج من الوهط- البستان وهي أرض عظيمة كانت لعمرو بن العاص بالطائف-: أيعمل عمالك؟قال: لا أدري. قال: أما لو كنت ثقفيًا لعلمت ما يعمل عمالك، ثم التفت إلينا فقال: إن الرجل إذا عمل مع عماله في داره (وقال الراوي مرة: في ماله)كان عاملاً من عمال الله عز وجل "[10].

أيها المسلمون، إن تسليم المرء قياد نفسه للعجز والقنوط فشل وضعف، وحمق وغَبن، وجهل وغفلة.
أفلا يدري اليائس البائس أن آثار يأسه وعجزه وبؤسه أشد عليه من صبره على مجاهدة نفسه على التفاؤل والأمل؟
فإن قدر الله جارٍ في الحياة على العباد، ولن يغيره اليأس، ولن يعيق حركته العجز والفتور والانقباض وكثرة الهم والقلق. بل إن هذه الخصال تضاعف المصيبة وترهق النفس، وتُذبل البدن، وتكدِّر القلب، وتصدِّع الرأس من غير فائدة.

فدعْ-أيها الإنسان- إرادة الله تعالى تجري حيث أراد مولاك؛ فإنه يعلم وأنت لا تعلم، وما عليك إلا الصبر والرضا، والاستمرار على مسيرة حياتك المستقيمة ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.

وسيرى المؤمن بعد انقشاع غبار الكرب عن آفاقه أن تدبير الله خير من تدبيره، وتقدير الله أحسن من تقديره، واختيار الله أفضل من اختياره. ﴿ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19].

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد.
أيها المسلمون، إن أنس بن النضر رضي الله عنه سطّر في كتاب الحياة صفحة مشرقة من صفحات العزم والجد، والكفاح والإقدام، والتفاؤل والأمل، وكان ذلك في وقت انتشار الإرجاف، وظهور أثره على القاعدين اليائسين. إنه رجل لم توهن عزيمته الصُلبة شائعةُ المصيبة، ولم يفتّ في عضده رؤية من أثّرت عليهم المصيبة حتى أقعدتهم عن الاستمرار في الإقدام.

بل حمله العزم المتألق، والروح المتقدة، والأمل الطموح إلى أن يقدِّم نموذجاً فذاً من نماذج العمل والكفاح والتفاؤل والنجاح.

ففي يوم أُحد مرَّ رضي الله عنه بقوم قد ألقوا ما بأيديهم فقال: ما تنتظرون؟ فقالوا: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: اللّهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء، يعني: المسلمين، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء، يعني: المشركين، ثم تقدم فلقيه سعد بن معاذ، فقال: أين يا أبا عمر؟ فقال أنس: واها لريح الجنة يا سعد، إني أجده دون أحد، ثم مضى فقاتل القوم حتى قتل، فما عُرف، حتى عرفته أخته بعد نهاية المعركة ببنانه، وبه بضع وثمانون ما بين طعنة برمح، وضربة بسيف، ورمية بسهم[11].

أرأيتم كيف يصنع الرجال المتفائلون العاملون المجدُّون؟ ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23].

أيها المسلم، اعملْ من العمل النافع ما استطعت، ولا تقعد ولا تجعل اليأس يتسلل إلى نفسك.
وفوّت على أعداء الحق رؤيتك ذابلاً غير عامل، ممسكًا عن نفع المجتمع غير باذل. فإن صانعي أزمات المسلمين من أغراضهم في هذا الكيد: أن يوقفوا المسلمين عن الإنتاج النافع لدينهم ودنياهم حتى لا يُرى مكانهم في سلّم النهضة والبناء. ومن أكثر ما يغيظهم ويؤجج حنقهم أن يروا المسلم نشيطًا متفائلاً لم تقيده الأزمات، ولم توقفه العقبات.

وإياك أن تقبل نصيحة الشيطان الخادعة إن جاءك وأنت منهمك في الإنتاج والعمل، متسلح بالتفاؤل والأمل فقال لك: إنك بارد الشعور نحو المكلومين، غافل عن أحزان المسلمين، لا تعنيك جراحاتهم وآلامهم!

وغايته من هذه النصيحة الكاذبة أن يوثق خُطاك في سجن الغم والأسى؛ ليبعدك عما أنت فيه من الخير.

أيها المسلم، اغرسْ فسائلَ العزم في داخلك، وروح المثابرة في حياتك، وتحرك لفعل ما يفيد، وانتصر على غموم الواقع ومشكلاته، واملأ الفراغ حتى لا يشغلك الفراغ بالهم والغم، فقد قال الله تعالى: ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ﴾ [الشرح: 7]. وفي قوله: {﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ﴾ [الشرح: 7] حل لمشكلة الفراغ التي شغلت العالم حيث لم تترك للمسلم فراغًا في وقته؛ لأنه إما في عمل للدنيا وإما في عمل للآخرة"[12].

عباد الله، ونحن إذ نوصي أنفسنا بالعمل النافع للدين وللدنيا فإن علينا أن لا نفكر في نتائج أعمالنا النافعة أننا سنجني ثمارها نحن في المدى القريب، بل علينا أن نغرس في نفوسنا أننا إن لم ننتفع بنتائج أفعالنا الصالحة في حياتنا فسيأتينا أجرُها إن شاء الله بعد مماتنا، وإن لم ننتفع بها في ثمرات دنيوية عاجلة فسينتفع بها غيرنا من بعدنا ونرجو الأجر عليها من ربنا.

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يغرس غرسًا إلا كان ما أكل منه له صدقة، وما سُرق منه له صدقة، وما أكل السبع منه فهو له صدقة، وما أكلت الطير فهو له صدقة، ولا يرزؤه -أي: ينقصه ويأخذ منه- أحدٌ إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة)[13].

قال المناوي: " أخذ معاوية في إحياء أرض، وغرسِ نخل في آخر عمره، فقيل له فيه!-يعني: عابوا عليه ذلك وهو في تلك السن- فقال: ما غرسته طمعًا في إدراكه، بل حملني عليه قول الأسدي:
ليس الفتى بفتى لا يُستضاء به *** ولا يكون له في الأرض آثارُ

... وحكي أن كسرى خرج يومًا يتصيد فوجد شيخًا كبيراً يغرس شجر الزيتون فوقف عليه وقال له: يا هذا، أنت شيخ هرم والزيتون لا يثمر إلا بعد ثلاثين سنة، فلم تغرسه؟! فقال: أيها الملك، زرع لنا من قبلنا فأكلنا، فنحن نزرع لمن بعدنا فيأكل، فقال له كسرى: زه- وكانت عادة ملوك الفرس إذا قال الملك منهم هذه اللفظة أعطى ألف دينار- فأعطاها الرجل فقال له: أيها الملك، شجر الزيتون لا يثمر إلا في نحو ثلاثين سنة، وهذه الزيتونة قد أثمرت في وقت غراسها، فقال كسرى: زه، فأعطى ألف دينار، فقال له: أيها الملك، شجر الزيتون لا يثمر إلا في العام مرة، وهذه قد أثمرت في وقت واحد مرتين! فقال له: زه، فأعطى ألف دينار أخرى، وساق جواده مسرعًا وقال: إن أطلنا الوقوف عنده نفد ما في خزائننا"[14].

هذا وصلوا وسلموا على خير البرية...


[1] ألقيت في مسجد ابن الأمير الصنعاني في: 20 /7 /1439ه، 6 /4 /2018م.

[2] رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وعبد بن حميد. وهو صحيح.

[3] الفسيلة هي: النخلة الصغيرة تقطع من الأم أو تقلع من الأرض فتغرس. المعجم الوسيط (2/ 689).

[4] رواه البخاري.

[5] الرحيق المختوم (ص: 277).

[6] سلسلة الأحاديث الصحيحة( 1/ 8 ).

[7] البخلاء (2/ 78).

[8] رواه البخاري في الأدب المفرد، وصحح سنده الألباني.

[9] رواه البخاري في الأدب المفرد، وصحح سنده الألباني.

[10] سلسلة الأحاديث الصحيحة ( 1/ 8 ). قال الألباني: وسنده حسن، إن شاء الله تعالى.

[11] الرحيق المختوم (ص: 236).

[12] أضواء البيان (8/ 579).

[13] رواه مسلم.

[14] فيض القدير (3/ 30).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 65.03 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 63.15 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.89%)]