|
|
من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
لقاء مع تاجر
لقاء مع تاجر أمين محمد عبدالرحمن كان ذلك اليوم شديد الحرارة، والأجواء تتلبَّد بالغيوم، ثم تفترق كأن لم تكن، دخلت على صالون الحلاقة، فهدَّأتْ من حرارتي دفعاتُ هواء التكييف المترددة على الزبائن، جلست وحيدًا على طاولة تكفي ثلاثة أشخاص أنتظر دوري، ثم أخذتني الأفكار والهموم.. فتارة الديون التي عليَّ، وأخرى التفكير في الهجرة بحثًا عن عمل، وتارة أفكر ألا أفكر؛ حتى لا أزيد نفسي ضغوطًا فوق ما تحمله.. وبينما أنا في ذلك الصراع إذ دخل عليَّ رجلٌ كبير في السن، لا يبدو أنه قادم من سفر، نظر لي وكأنه يتوقع مني أن أنتفض لِمَقدمه، وأزيد في ترحيبه بالعبارات التي اعتاد عليها، سلَّمت عليه بأدبٍ واختصار، وفسحت له في المجلس، ورُحت أقلِّب جوالي وأُسلي نفسي، ويبدو أن تصرفي ذلك استدعى فضوله وهو أحد تجار المدينة الكبار الذين يُستند إليهم في الأزمات، وتقف الناس على أبوابهم علَّها تحظى بلقاء يغيِّر حياتها، وينقلها من اليسر إلى العسر بإذن الله. بادرني بالكلام وصارَ يسألني في أمور عامة، وأنا أُجيبه من غير إكثار أو استطراد، وحين شعر أني أُعامله بطريقة عادية، قال لي: معكم رجل الأعمال فلان بن فلان، دُهشت وقتها وشعرت بأن طوق النجاة رُمِيَ بجانبي، وأن الفرَج يقترب مني، فمن كان الناس يطاردونه؛ ليحظوا بفرصة يستمع فيها إليهم هو الآن يسند رُكبته إلى ركبتي ويحاول فتح أحاديث معي، وحقيقةً بعد أن عرفته أعدتُ الترحيب به بشكل حار، وأظهرتُ له الاهتمام والتقدير أكثرَ من ذي قبل، وصرتُ أنا مَن يحرص على الحديث معه. مرَّ اللقاء سريعًا، تبادَلنا فيه الأحاديث الوديةَ، وحين همَّ بالخروج طلب من سائقه الخاص أخْذَ رقم هاتفي واسمي، وانصرف بسيارته الفارهة، وبقي أثرُ عطره يتردد في المكان، تحسَّرت وقلت في نفسي: لماذا لم أنتهز الفرصة، وأُفصح له عن مشاكلي ولو بطريقة غير مباشرة، فمثلُه لا ينقصه حلُّ ملفاتي المتعسرة، خاصة أنه رجلٌ "فزْعة"، ومن المشهود لهم بالوقفات المشرفة؟ جلست لبُرهة وأنا ألوم نفسي مرة، وفي المرة الأخرى أخفِّف على نفسي بأن رزق المرء سيأتيه لا محالة، لا يزيده في ذلك شيء ولا ينقصه! وبدأت أفكر في دوَّامة أخرى: لماذا طلب الرجل رقم هاتفي واسمي؟ أتُراه سيتصل علي ويعرِض عليَّ فرصة العُمر؟ أم أنه سيَهديني هديَّة ربما غيَّرت حياتي وحلَّت كثيرًا من ملفاتي؟ بتُّ تلك الليلة ساهرًا أفكِّر في الأمر، وصرتُ كلما رنَّ الهاتف فزِعت إليه عله يكون صاحبنا التاجر، لكن مرَّت تلك الليلة ولم يتَّصل، فغلبني النوم قبيل الفجر لبُرهة، ثم استيقظتُ وهُرِعت إلى هاتفي، فلربما أرسل إليَّ رسالة أو اتصل اتصالًا وأنا نائم، لكن ذلك لم يحصل منه شيء! مرت الأيام وصرتُ أرى حلمي يتلاشى ويبتعد يومًا بعد يوم، وفي المقابل عاد إليَّ رشدي شيئًا فشيئًا، ورحتُ أسأل نفسي: هو مخلوق لاح على استعجال، فأسهرتُ ليلي وتمنيتُ الأمنيات، وتعلَّقت به كل هذا التعلق! ألهذا القدر نحن متعلقون بالمخلوق أكثر من الخالق؟ ربما مثل هذه الحادثة تكشف عن حالنا مع الله، وكيف ابتعدنا عن رجائه وحُسن الظن به ومعرفته حقَّ المعرفة، فالله سبحانه وتعالى يقول في الحديث القدسي: (يا عبادي، لو أن أوَّلكم وآخركم وإنسكم وجنَّكم، قاموا في صعيد واحد، فسألوني فأعطيتُ كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي شيئًا إلا كما ينقص المخيط إذا أُدخل البحر)، إنه قيُّوم السماوات والأرض، وإذا أراد شيئًا إنما يقول له: كن فيكون.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |