وقفات مع آية الكرسي - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         ولا تبغوا الفساد في الأرض (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          تحرر من القيود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          فن التعامـل مع الطالبات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 28 - عددالزوار : 777 )           »          العمل السياسي الديـموقراطي سيؤثر في الصرح العقائدي وفي قضية الولاء والبراء وهي قضية م (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 129 )           »          طرائق تنمية الحواس الخمس لدى الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 16 )           »          حقيقة العلاج بالطاقة بين العلم والقرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 27 )           »          الله عرفناه.. بالعقل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          افتراءات وشبهات حول دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 90 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-08-2020, 03:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي وقفات مع آية الكرسي

وقفات مع آية الكرسي (1)

الرهواني محمد



الخطبة الأولى
الحمد لله، الحمد لله أبدعَ ما أوجدَ، وأتقنَ ما صنَعَ، وكلُّ شيءٍ لجبروته ذلَّ ولعظمته خضَعَ، سبحانه وبحمده في رحمته الرجاء، وفي عفوِه الطمعُ، وأُثنِي عليه وأشكُره؛ فكم من خيرٍ أفاضَ ومكروهٍ دفَع، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعالى في مجده وتقدَّس وفي خلقِه تفرَّد وأبدَع، وأشهد أن سيدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله أفضلُ مُقتدًى به وأكملُ مُتَّبَع، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابه أهل الفضلِ والتّقَى والورَع، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ ولنهجِ الحق لزِم واتَّبَع، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

معاشر المؤمنين والمؤمنات:
حديثي إليكم اليوم عن آية عظيمة في كتاب الله، عن آية عظيمة في معناها ودلالتها وفضلها، بل هي أعظم آية في كتاب الله، آية كان النبي صلى الله عليه وسلم يحافظ على قراءتها في مواضع كثيرة، في الصباح والمساء وفي دبر كل صلاة وعند النوم، ويقرؤها عندما يريد أن يرقي نفسه أو يرقي غيره صلى الله عليه وسلم....

أتعلمون ما هي هذه الآية؟ إنها آية الكرسي،تلك الآية العظيمة الجليلة التي عظم النبي صلى الله عليه وسلم شأنها وأعلا مقامها ورفع قدرها ومنزلتها، وبين أنّها أعظم آيات القرآن شأنا ومكانة، ففي صحيح مسلم عن أبي بن كعب رضي الله عنه وهو من قرّاء الصحابة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا أبا المنذر، أي آية معك من كتاب الله أعظم؟ قلت:الله ورسوله أعلم قال:يا أبا المنذر أي آية معك من كتاب الله أعظم؟ قلت: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده على صدري وقال: والله لِيَهْنِكَ العِلْمُ يا أبا المنذر" أي هنيئا لك بهذا العلم العظيم الذي ساقه الله إليك ومنَّ عليك به.

وفي راوية لأحمد: «والذي نفسي بيده إن لها لسانا وشفتين تقدس الملك عند ساق العرش».

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى معلقاً على جواب أبي بن كعب، وعلى وصفه هذه الآية بأنها أعظم آية في كتاب الله يقول: وليس في القرآن آية واحدة تضمنت ما تضمنته آية الكرسي.

نعم، فهذه الآية العظيمة المباركة تضمنت الأسماء والصفات، ودلّت على أعظم المعاني وأجلِّها وأشرف المقاصد وأعظمها، دلت على توحيد الله، ووجوب إخلاص الدين له وإفرادِه وحده جل جلاله بالعبادة، وأنه حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم، وأنه تعالى مالك الشفاعة لا يُعطاها أحد إلا بإذنه سبحانه وتعالى وهو العلي العظيم.

ولعظم مقام هذه الآية وعلو شأنها وقدرها، جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث عديدة، ما يدلُّ على الترغيب واستحباب المداومة على قراءتها في كل يوم صباحا ومساءا و أدبار الصلوات المكتوبة.

فأما قراءتها في الصباح والمساء فيدل عليه ما ثبت في سنن النسائي من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه وفيه أن من قرأها إذا أصبح أجير من الشياطين حتى يمسي، وإذا قرأها إذا أمسى أجير من الشياطين حتى يصبح.

وأما قراءتها عند النوم، ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة ما يدل على أن من قرأها إذا أوى إلى فراشه لم يزل عليه من الله حافظا ولا يقربه شيطان حتى يصبح. قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ حتى تختم الآية، فإنه لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربنك شيطان حتى تصبح".

وأما قراءتها دبر كل صلاة مكتوبة،ففي حديث أبي أمامة رضي الله عنه ما يدل على خاصية عظيمة لهذه الآية المباركة، ويتضح ذلك جلياً في بشارة النبي صلى الله عليه وسلم:"من قرأ آية الكرسي في دُبر كل صلاة مكتوبة، لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت".

فأي خاصية أعظم من دخول الجنة لمن قرأها في دبر كل صلاة مكتوبة، فما أيسر العمل، وما أعظم الجزاء، فالموفق من وفق إلى الخير وعمل به طمعاً في الأجر والثواب من الله جل جلاله.

فعلى المشتاقين إلى جنات النعيم الاهتمام الشديد، والعناية البالغة بقراءة آية الكرسي بعد الفريضة حتى لا يفوّت عليهم الشيطان الرجيم هذا الخير العظيم، والفضل الكبير.


فهذه عباد الله مواضع يستحب للمسلم أن يحافظ على قراءة آية الكرسي فيها في أذكار الصباح والمساء وأدبار الصلوات المكتوبة وعندما يأوي إلى فراشه لينام.

فما عليك أيها المسلم إلا العمل بهذا التوجيه النبوي الكريم، فيحصل لك بإذن الله جل وعلا هذا الفضل العظيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
إن هذه الآية فيها شفاء كاف من كل داء، وهي حصن حصين من كل شر، هي حصن من الشيطان ومن السحر، حصن من المس والعين، فمن حافظ عليها حُفظ بإذن الله، ولا يكن حالنا كحال من لا يقرأها ولا يحفظها ولا يتعلم معانيها، حتى إذا مسه الضر أو أصابه الداء قرأها وأكثر من قراءتها.

وهنا أمرٌ عظيم لا بد من التنبيه إليه والتذكير به، ألا وهو أن انتفاع العبد بهذه الآية المباركة يكون لمن قرأها متدبرا وليس لمن قرأها ولم يفقه معانيها ليس الانتفاع بها لمن علقها في عنقه أو سيارته أو على جدران بيته أو زين بها المجالس أو وضعها على جثمان الميت، الانتفاع بها لا بد فيه من التدبر في معانيها والتبصر في دلالاتها وتحقيق مقاصدها، لا أن يكون حظُّ العبد منها مجرد القراءة السطحية للحروف دون تدبر ولا فهم ولا تبصر، فربنا جل جلاله قال في عموم القرآن:﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾، وقال سبحانه: ﴿ كتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ هذا في عموم القرآن، فكيف عبادَ الله بأعظم آية في القرآن شأنا ومكانة وقدرا؟

كذلك من فضائل هذه الآية المباركة وخصائصها: أن فيها اسم الله الأعظم، فلله تبارك وتعالى أسماء، وهي الأسماء الحسنى التي أمرنا أن ندعوه بها، فقال سبحانه: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف: 180]. ومن تلك الأسماء المباركة، اسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دُعي به أجاب، وإذا استرحم به رحم.... وقد أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم أن اسم الله الأعظم في آيات من القرآن الكريم، ومن تلك الآيات التي ذكر فيها اسم الله الأعظم، آية الكرسي، فقد روى الإمام أحمد عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولفي هاتين الآيتين، ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾، و﴿ الم * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [آل عمران: 1، 2]، إن فيهما اسم الله الأعظم). وروى الحاكم عن أبي أمامة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن اسم الله الأعظم لفي ثلاث سور في القرآن: في سورة البقرة، وآل عمران، وطه) فالتمستها فوجدت في سورة البقرة قول الله تعالى: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ آية الكرسي، وفي سورة آل عمران: ﴿ الم * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [آل عمران: 1، 2]، وفي سورة طه: ﴿ وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ﴾ [طه: 111].

وللحديث بقية إن شاء الله.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 07-08-2020, 03:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات مع آية الكرسي

وقفات مع آية الكرسي (2)

الرهواني محمد





الخطبة الأولى
الحمد لله، الحمد لله أبدعَ ما أوجدَ، وأتقنَ ما صنَعَ، وكلُّ شيءٍ لجبروته ذلَّ ولعظمته خضَعَ، سبحانه وبحمده في رحمته الرجاء، وفي عفوِه الطمعُ، وأُثنِي عليه وأشكُره؛ فكم من خيرٍ أفاضَ ومكروهٍ دفَع، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعالى في مجده وتقدَّس وفي خلقِه تفرَّد وأبدَع، وأشهد أن سيدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله أفضلُ مُقتدًى به وأكملُ مُتَّبَع، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابه أهل الفضلِ والتّقَى والورَع، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ ولنهجِ الحق لزِم واتَّبَع، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

قال الله تعالى: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة: 255].

هذه الآية العظيمة المباركة دلّت على أعظم المعاني وأجلِّها، وعلى أشرف المقاصد وأعظمها، دلت على توحيد الله، ووجوبِ إخلاصِ الدينِ له، وإفرادِه وحده جل وعلا بالعبادة.

هذه الآية الكريمة صُدِّرت بكلمة التوحيد الخالدة: الله، لا إله إلا الله، التي هي أعظم الكلمات وأجلُّها على الإطلاق.

لقد بدأت هذه الآية العظيمة بهذا الاسم العظيم، (اللّهُ) الذي تفرد به سبحانه، فلا يمكن لأحد أن يتسمى بهذا الاسم إلا الله تعالى عز من قائلهل تعلم له سميا)..

الله هو الاسم الذي ما استعان به أحد إلا ونجاه، وما عبده أحد إلا وأرضاه، وما لجأ إليه أحد إلا آواه وحماه، وما توكل عليه أحد إلا وكفاه. (الله) جل جلاله وعز شأنه، أحق من عُبد، وأحق من ذُكر، وأجود من سُئل، وأوسع من أَعطى، هو المعبود بحقٍّ الذي تقصِده كل الكائنات، وتخضع لجلال هيبته كل المخلوقات، فإذا خاف الإنسان التجأ إلى الله مولاه، وإذا افتقر اتجه إلى الله جل في علاه، تسكن الآلام والهموم لما يقول العبد (الله).

إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت أيها العبد، إذا أتتك المصائب والهموم والأحزان، ما عليك إلا أن تنطق: (الله)، فيطمئن القلب وتسكن النفس ويرتاح البال وتهدأ الأعصاب.

فالقلوب مفطورة على التوجه إليه، لكنَّها في حالات الرخاء يعلوها الران، فإذا أصابتها المصائب ونزلت بها الشدائد اتجهت إلى الله وتركت كل ما سواه.

وقد سئل أحد السلف، يا إمام من هو الله؟ فقال: ألم تركب البحر؟ قال: بلى قال: هل حدث مرة أن هاجت الريح عاصفة؟ قال: نعم، قال: وانقطع أملك من الملاحين ووسائل النجاة؟ قال: نعم، قال: فهل خطر في بالك أن هناك من يستطيع أن ينجيك إن شاء؟ قال: نعم، قال: ذلك هو الله المؤمن سبحانه.


الله العظيم الجليل الذي تطمئن إليه القلوب وترتاح إليه النفوس.

قال ربنا: ﴿ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ [يونس: 22].


الله سبحانه لا يٌخيِّب رجاء من دعاه، ولا يضيع سعي من التجأ إليه، ولا يرد من وقف على بابه، هو قوةُ كل ضعيف، وملجأ كل ملهوف، من تكلم سمع نطقه، ومن سكت علم سره، ومن عاش فعليه رزقه، ومن مات فإليه منقلبه، لا إلـه إلا هو الله جل جلاله.

الإيمان به سبب السعادة والنعيم، قال جل وعلا: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾[النحل: 97]، فالروح لا تأنس ولا تفرح ولا يُذهِب همها وقلقها إلا الإيمان بالله، وبقدر تحصيل هذا الإيمان تكون السعادة، الإيمـان بالله عز وجل هو باب السعـادة الأعظم، ومفتاح هذا الباب أن تتعرف على الله جل جلاله وتقدست أسماؤه.

فكيف نعرف الله؟ نعرفه من آثاره، فالكون كله أثر من آثار الله عز وجل، الكون كله ينطق بوجود الله ووحدانيته وكماله، الكون كله يشف عن رحمته، عن قوته، عن علمه، عن غناه، عن عدله.


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذاق طعم الايمان، من رضي بالله ربا والاسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا "، هذا الذوق المنبعث عن هذا الرضا، هو المعرفة بالله تعالى، والمعرفة نور أسكنه الله تعالى قلب من أحبه من عباده، وحقيقة المعرفة حياة القلب بالمحيي، فمن ماتت نفسه، بعدت عنه دنياه ومن مات قلبه بعٌد عنه مولاه.

لذلك لا تجد إنساناً ضعيف الطاعة مقصراً بطيئا، إلا بسبب ضعف في معرفة الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.

الله الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى، والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى. السماء بناها، والجبال أرساها، والأرض دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها.

الله رب السماوات والأرض، ورب العرش العظيم، هو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء.

الله، إنه الملاذ في الشدة، والأنيس في الوحشة، والنصير في القلة، يتجه إليه المريض الذي استعصى مرضه على الأطباء، ويدعوه آملاً في الشفاء ويتجه إليه المكروب يسأله الصبر والرضا،

الله ملاذ الهاربين، وملجأ الخائفين، من علق نفسه بمعروف غير معروف الله فرجاؤه خائب، ومن حدث نفسه بكفاية غير كفاية الله فحديثه كاذب، لا يغيب عن علمه غائب، ولا يعزب عن نظره عازب ﴿ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾.

الله الذي أضحك وأبكى، وأمات وأحيا، وأسعد وأشقى، وأوجد وأبلى، ورفع وخفض، وأعز وأذل، وأعطى ومنع، ورفع ووضع، من تقرب إليه شبراً تقرب إليه ذراعاً، ومن تقرب إليه ذراعاً تقرب إليه باعاً، ومن أتاه يمشي أتاه هرولة... فالباب مفتوح هل من داخل؟ والمجال مفسوح هل من مقبل؟ والحبل ممدود هل من متشبث؟ والخير مبذول هل من متعرض؟.

من أقبل إليه، تلقاه من بعيد، ومن أعرض عنه ناداه من قريب، ومن ترك من أجله أعطاه فوق المزيد، أهل ذكره هم أهل مجالسته، وأهل شكره هم أهل زيادته، وأهل طاعته هم أهل كرامته، وأهل معصيته لا يقنطهم من رحمته، إن تابوا إليه فهو حبيبهم، وإن لم يتوبوا فهو رحيم بهم، يبتليهم بالمصائب ليطهرهم من المعايب، الحسنة عنده بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، والسيئة عنده بواحدة، فإن ندم عليها واستغفر غفرها له، يشكر اليسير من العمل، ويغفر الكثير من الزلل.

﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾.
﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
إذا أجذبت الأرض، ومات الزرع، وجف الضرع، وغار الماء، وقل الغذاء، واشتد البلاء. بمن نستغيث؟ نستغيث باللهُ، فيَنـزل المطر، وينهمر الغيث، ويذهب الظمأ، وترتوي الأرض: ﴿ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾.

إذا اشتد المرض بالمريض، وضعُف جسمه، وشحَب لونه، وقلت حيلته وضعُفت وسيلته، وعجز الطبيب، وحار المداوي، وجزعت النفس، ورجفت اليد، ووجف القلب، إلى من يتجه العليل؟ إلى العليّ الجليل. ينادي المضطر: يا اللهُ يا الله، فيزول الداء، ويدب الشفاء: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾ [النمل: 62].

فسبحانه من خالق عظيم، جواد كريم، الكرم صفة من صفاته، والجود من أعظم سماته، والعطاء من أجل هباته، فمن أعظمُ منه جوداً؟ فهو ذو الفضل ومنه الفضل، وهو الجواد ومنه الجود، وهو الكريم سبحانه ومنه الكرم.

إن معرفة المؤمن لمعنى هذا الاسم العظيم، وما يستلزم من الأسماء الحسنى والصفات العلا لله جل وعلا، تطبع في القلب معاني عظيمة، وآثارًا جليلة، من أهمها:
محبة الله عز وجل محبة عظيمة، تتقدم على محبة النفس، والأهل، والولد، والدنيا جميعًا؛ لأنه هو الإله المعبود وحده، المنعم المتفضل وحده، له الأسماء الحسنى، له الخلق والأمر وله الحمد كله.

تعظيمه سبحانه وإجلاله، وإخلاص العبودية له وحده، من توكل وخوف ورجاء ورغبة ورهبة وصلاة وصيام وذبح ونذر وغير ذلك من أنواع العبادات التي لا يجوز صرفها إلا له سبحانه.

الشعور بالعزة به سبحانه، والتعلق به وحده، فهو الله سبحانه خالق كل شيء ورازق كل حي وهو المدبر لكل شيء، والقاهر لكل شيء، فلا يعتز إلا به، ولا يتوكل إلا عليه.

فعلى المؤمن إذا عرف ربه بهذا الاسم واستشعر هذه المعاني ألاَّ يلتفت إلى غيره، وأن لا يرجو سواه سبحانه وتعالى، وأن لا يخاف إلاَّ منه سبحانه وتعالى وذلك أن الإيمان بالله تعالى يعمر القلب بالثقة به سبحانه وتعالى، ويملأه رغبة فيما عنده، ويجعل الإنسان يهتف باسمه في صباحه ومساءه، وفي السراء وعند الضراء وفي اليسر وعند العسر وفي الرخاء وعند الشدة: أن يتولى أمره، وأن يسدد خطاه، وأن ييسر له سبيل الخلاص.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 07-08-2020, 03:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات مع آية الكرسي

وقفات مع آية الكرسي (3)

الرهواني محمد



الخطبة الأولى

الحمد لله المتفرد بوحدانية الألوهية، المتعزِّز بعظمة الربوبية، القائم على نفوس العالم بآجالها، والعالم بتقلُّبها وأحوالها، المانّ عليهم بتواتر آلائه، المتفضِّل عليهم بسوابغ نعمائه، الذي أنشأ الخلق حين أراد بلا معين ولا مشير، وخلق البشر كما أراد بلا شبيه ولا نظير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واحد أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد، لا معقِّب لحكمه، ولا رادَّ لقضائه، لا يُسأل عمَّا يفعل وهم يسألون.



وأشهد أنَّ مُحمَّدًا عبده المجتبى، ورسوله المُرتَضى، صلوات ربي وسلامه عليه.



ما زلنا نعيش معاشر الصالحين والصالحات في ظلال أعظم آية في كتاب الله، ألا وهي آية الكرسي..



فالله رب العزة جل جلاله يقول في كتابه العزيز: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [إبراهيم: 24-25].



﴿ ألم تر ﴾ ببصرك وبصيرتك، بقلبك وفكرك، فالنظر في الأشياء وإلى الأشياء لا يكتمل إلا إذا جُمع بين نظر البصر والبصيرة معا، وهذا لا يجتمع إلا للمؤمن،.. ﴿ كيف ضرب الله مثلا ﴾، المثل ضربه الله جل وعلا للتأمل والاعتبار والتدبر، ضرب الله هذا المثل لتتضح المقاصد، ويظهرَ المخبوء من المعاني، ﴿ كلمة طيبة ﴾، أتدرون ما هذه الكلمة الطيبة؟ إنها شهادة التوحيد،لا إله إلا الله، التي لو وُزنت بالسماوات والأرض لرجحت عليهن، ولو كن حلقةً مبهمة لقصمتهنَّ، لا إله إلا الله كلمة طيبة، طيبة في أحرفها وذكرها، طيبة في معناها، في عطائها وثمارها وآثارها، طيبة في نتائجها لمن يُختم له بها.



﴿ كشجرة طيبة ﴾، في علوها وقوتها وظلها وثمارها ونفعها للناس، ﴿ أصلها ثابت وفرعها في السماء ﴾، فجذورها متينة وممتدة وضاربة في أعماق الأرض، وفرعها قوي يستعصي على الرياح والمخاطر وتقلبات الطقس، وهكذا معاشر الصالحين والصالحات شهادة التوحيد "لا إله إلا الله"، فهي ضاربة بجذورها في أعماق قلب المؤمن الموحد لا تضرها فتنة ولا شبهة ولا شهوة، تستمد غذاءها ورحيقها وماءها، ليثمر هذا الغذاء فروعاً صالحة مِعطاءة تظهر على الجوارح والبدن، فالقلب إذا عُمِرَ بلا إله إلا الله أينعت ثماره على الجوارح الظاهرة، ويُصدق ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:

"ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت " بلا إله إلا الله " صلح الجسد كله، وإذا فسدت " بالشرك والبدع واتباع الشهوات " فسد الجسد كله".



لا إله إلا الله، التي هي أعظم الكلمات وأجلها على الإطلاق وهي كلمةٌ تدل على وجوب إفراد الله وحده بالعبادة والبراءة من الشرك كلِّه، إنها كلمة التوحيد الدالة عليه فلا توحيد إلا على ضوئها وعلى ضوء ما دلت عليه.



والتوحيد في هذه الكلمة لا يقوم إلا على ركنين أو أصلين لا بد منهما، ولا بد من تحقيقهما:النفي والإثبات، نفي العبادة عن كل من سوى الله، وإثبات العبادة بكل معانيها لله وحده خضوعا وتذللا، رغبا وطمعا، سجودا وركوعا، توكلا واعتمادا، دعاء ورجاء، إلى غير ذلك من أنواع العبادة وصنوف الطاعة، فكل ذلك حق لله ليس لأحد فيه شريك.



ولكن هذه الكلمة العظيمة في معناه في مدلولها كلمة لا إله إلا الله!! تسلط عليها الأعداء من أهل الضلال والأهواء وغيرهم، فأفرغوها بكيدهم ومكرهم وتأويلاتهم الفاسدة الباطلة من دلالاتها ومعانيها ومقاصدها، تعاملوا معها مجرد أحرف باردة تُردَّدها الألسن، من دون أن تخشع لها القلوب، أو أن يكون لها أثراً فاعلاً في واقع حياة الناس وعملهم. لم يتعاملوا معها كما أُريد لها أن تكون، الله أراد أن تكون لا إله إلا الله منهجاً متكاملاً في التغيير والتحرر، تغيير وتحرر الأنفس من أوحال الشرك إلى نور التوحيد، ومن ظلم وظلام الجاهلية إلى نور وعدل وسلم الإسلام، ومن العبودية للمخلوق أياً كان هذا المخلوق إلى عبادة الله تعالى وحده.



نعم معاشر الموحدين: لقد أفرغوا هذه الكلمة من حقيقتها ومعناها، أفرغوها من الغاية التي أنزلت لأجلها، وصوروها للناس على أنها مجرد أحرف باردة يُتبرك بها عند الذكر أو التلاوة، لا مساس لها بواقعهم وحياتهم وأعمالهم، وسلوكياتهم، وعلاقة بعضهم ببعض!


فلا إله إلا الله تعني أن الإله الحق، الذي يستحق أن يُعبد وتُصرفَ له كامل العبادة بمعناها العام والشامل لجميع أنواع العبادة الظاهرة منها والباطنة، هو الله تعالى وحده لا شريك له.




المقصود من لا إله إلا الله أن نعيش المعاني الحقة لهذه الكلمة، فإنه لا فعال إلا الله، ولا مدبر إلا الله، ولا معطي إلا الله، ولا مانع إلا الله، ولا رافع إلا الله، ولا خافض إلا الله، ولا قابض إلا الله، ولا باسط إلا الله، ولا معز إلا الله، ولا مذل إلا الله، ولا محيى ولا مميت إلا الله.



وبدون (لا إله إلا الله) فإننا أموات، وإن أكلنا وشرِبنا وعلى الأرض مشينا، يقول رب العزة جل جلاله: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا ﴾ [الأنعام: 122]....



معاشر المؤمنين والمؤمنات: لقد علمنا ديننا كيف نعيش مع لا إله إلا الله، فكما أن لا إله إلا الله في العلاقات والأُخُوة والجوار، والبيع والشراء وما سوى ذلك، فهي أيضاً في السياسة والاقتصاد والتربية والاجتماع والإعلام وما سوى ذلك، لا إله إلا الله منهج حياة، ديننا علمنا كيف نرتبط بلا إله إلا الله، لأننا نرقب فيها ما يرضي الله في حياتنا كلها فنقتربَ إليه حتى يرضى عنا، ونرقب فيها ما لا يرضيه في حياتنا كلها فنبتعدَ عنه حتى يرضى عنا.



فلا إله إلا الله، كلمة عليها أسست الملة وقامت بها الأرض والسماوات وخلقت لأجلها جميع المخلوقات، وبها أرسل الله رسله وأنزل كتبه وشرع شرائعه، ولأجلها نُصبت الموازين ووضعت الدواوين، وبها انقسمت الخليقة إلى مؤمنين وكفار، فهي منشأ الخلق والأمر والثواب والعقاب، وهي حق الله على جميع العباد، وعنها يسأل الأولون والآخرون، وعلى أساسها يدخل الناس الجنة أو النار، فمن وفَّاها حقها وأدى شروطها بصدق وإخلاص دخل الجنة، ومن أعرض عنها ولم يوفها حقها ولم يُؤدِّ شروطها، حقت عليه كلمة العذاب، قال الله تعالى ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48].



لا إله إلا الله هي أعظم كلمة أوحى الله بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وليس في الدنيا أعظمَ منها، فعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:"قال موسى عليه السلام:

يا رب، علمني شيئا أذكرك به وأدعوك به، قال: قل يا موسى لا إله إلا الله، فقال:يا رب، كل عبادك يقول هذا، قال: قل لا إله إلا الله. فقال:لا إله إلا أنت، إنما أريد شيئا تخصني به، فقال: يا موسى، لو أن السموات السبع، والأرضين السبع في كفة، ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله".



إن كلمة لا إله إلا الله تضمنت كل أسماء الله وصفاته، فمن أراد رزقاً فالله هو الرزاق ذو القوة المتين، ومن أراد فضلاً فالله ذو الفضل العظيم، ومن أراد العزة فالله هو المعز، ومن أراد النصرة فالله هو الناصر، ومن أراد العون فالله هو المعين، ومن أراد التيسير فالله هو الميسر، ومن أراد البركة والطمأنينة فإنها في ذكر الله: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].



فالأمن والأمان والطمأنينة في هذه الكلمة العظيمة (لا إله إلا الله) قال الله عز وجل: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82]، لهم الأمن في الدنيا والآخرة، والهداية إلى صراط الله المستقيم.


(لا إله إلا الله) كلمة سعد بها من نطق بها وقام بحقها، وشقي وضل من جحدها وأنكرها، فأعز الناس من عرف لا إله إلا الله حقا، وأكرم الناس من فهِم لا إله إلا الله، وأقل الناس خوفا على مستقبله من أدرك معنى لا إله إلا الله.




فاللهم اجعلنا من أهلها.



معاشر الموحدين: هذه بعض معاني شهادة التوحيد، فانظر يا عبد الله، ولينظر كل مسلم أين هو منها.



ولكي تعرف أيها المسلم مدى قُربك أو بُعدك عنها، سَلْ نفسكَ الأسئلة التالية، ثم اصدق نفسك في الإجابة عنها:

هل شهادة التوحيد هي التي توجهك وتسيرك وتحدد مواقفك في هذه الحياة، أم لك مُوجِهات ومؤثرات أخرى غيرَها؟!


هل تعيش مع شهادة التوحيد، وشهادة التوحيد تعيش معك في جميع تقلباتك وحركاتك وسكناتك وأحوالك وأنفاسِك وتعاملك مع نفسك ومع الآخرين؟ أم أنك تعيش مع غيرِها؟!



هل تحب لا إله إلا الله وتحب أهلها وتواليهم؟ أم أنك ممن يحب ويوالي أعداء الله وأعداء لا إله إلا الله، ثم بعد ذلك تزعم كَذِبا أنك من أوليائها وممن يحبونها؟




هل تنتفع منها ومن ثمارها وعطائها كل حين؟ أم أنك عنها وعن عطائها وثمارها من الغافلين الزاهدين؟



هذه الأسئلة إن صدقت نفسك في الإجابة عنها، عرفت أين أنت، وما موقعك من شهادة التوحيد ومن أهلها، وعلمت هل أنت ممن ينتمون إليها وإلى أهلها حقا، أم ممن ينتسبون إليها وإلى أهلها اسماً وظاهرا.



الخطبة الثانية

الحمد لله حده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.



لا إله إلا الله لها شروط، ولا ينتفع بها حق الانتفاع إلا من حقق هذه الشروط.

الأول: العلم بمعناها نفياً وإثباتاً.. بحيث يعلم القلب ما ينطق به اللسان. قال تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [محمد: 19].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة)، ومعناها: لا معبود بحق إلا الله، والعبادة: هي كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.



الثاني: اليقين وهو كمال العلم بها المنافي للشك والريب.


الثالث: الإخلاص، المنافي للشرك، وهو تصفية العمل عن جميع شوائب الشرك، قال تبارك وتعالى: ﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ﴾ [الزمر: 3].



الرابع: الصدق المانع من النفاق، فإن البعض يقولها بلسانه غير معتقدا بمدلولها. قال تعالى: ﴿ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت: 3].



الخامس: المحبة لهذه الكلمة ولما دلت عليه والسرورُ بذلك. بخلاف ما عليه المنافقون.



السادس: الانقياد بأداء حقوقها وهي الأعمال الواجبة إخلاصاً لله وطلباً لمرضاته، وهذا هو مقتضاها. قال تعالى: ﴿ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ ﴾ [الزمر: 54]. وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ﴾ [لقمان: 22].



السابع: القبول المنافي للرد وذلك بالاستسلام له تعالى ولشرعه وترك الاستكبار قال تعالى: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [الصافات: 35].




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 07-08-2020, 03:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات مع آية الكرسي

وقفات مع آية الكرسي (4)

الرهواني محمد





الخطبة الأولى
الحمد لله القائل في محكم التنزيل: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 180]، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد الأحد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، فاللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه.

معاشر المؤمنين والمؤمنات:
مازال حديثنا متواصلا مع أعظم آية في كتاب الله، ألا وهي آية الكرسي، واليوم بإذن الله لنا موعدا مع اسمين من أسماء الله تضمنتهما هذه الآية، ألا هما ﴿ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾.

﴿ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾، اسمان من أسماء الله تعالى، وهما جامعان لكمال الأوصاف والأفعال، وكلنا لا نستغني عن هذين الاسمين العظيمين، وجودنا حركتنا سكوننا، حياتنا بكل ما فيها، كل ذلك مُستمَد من هذين الاسمين، الحي القيوم.

فالله جل جلاله من أسماءه الحي، فهو موصوف بحياة أزلية لا بداية لها، وأبدية لا نهاية لها، حياة كاملة دائمة ليس لها انقطاع ولا زوال، فهو الحي الباقي الدائم، الذي لا أول له بحد ولا آخر له بأمد: ﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الحديد: 3]، فهو الأول الذي لا شيء قبله، والآخر الذي لا شيء بعده، خالق كل شيء، وكل ما سواه، وإن كان حيا فلحياته أول محدود وآخر معدود، ينقطع بانقطاع أمدها، وينقضي بانقضاء غايتها.

كل ما سوى الله حياته سُبِقت بعدم ويعتريها الخلل والضعف والمرض ويلحقها الزوال والفناء والموت، أما حياة الخالق جل جلاله وعز كماله لم تُسبق بعدم ولم يَسبقها ابتداء ولا يلحقها فناء ولا زوال، ولا يعترضها خلل ولا ضعف، ولا يتطرقها نقص ولا عيب، سبحانه وتعالى القائل: ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 26، 27].

فالله سبحانه وتعالى ذكر اسم الحي مباشرة بعد قوله:
﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾، وفي ذلك استدلال على إثباتِ بأن الله هو المعبود بحق، وإبطال عبودية كل من سواه، فالعبادة لا يستحقها إلا من كان حياً بالحياة الدائمة الأبدية، وحيث لا حي بهذه الحياة إلا الله الواحد الأحد، فلا يستحق العبادة إلا هو سبحانه.

الله سبحانه وتعالى يقول لعباده أنا الحي، ولا يجوز لكم أن تتوجهوا إلى المخلوقين ولا إلى الأموات أو القبور بالدعاء أو الاستعانة: ﴿ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾ [فاطر: 14]، وقال: ﴿ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾ [النحل: 20، 21].. فلماذا تلتجأ أيها العبد إلى مخلوق عاجز ضعيف قاصر لا يملك موتا ولا حياة ولا نشورا وتستغيث به وتدعوه، وتُعرض عن الحي الذي لا يموت، الذي خلق الموت والحياة؟.

إذا جعلت أيها العبد جهدك لحيّ يموت، ضاع جهدك إذا مات.
إن اعتززت أيها العبد بحيّ يموت، ضاعت عزتك إذا مات.
إن توكلت على حي يموت، ضاع أملك إذا مات.

فكل من في السماوات والأرض وما فيهن وما بينهن يموت، والله رب العزة والجلال لا إله إلا هو حي لا يموت.

لذلك قرن الله بين هذا الاسم، ﴿ الْحَيِّ ﴾ وبين التوكل عليه فقال: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ﴾ [الفرقان: 58].

الذي ينبغي عليك أيها المؤمن فقهه.
إذا علمت أن الله (حي) عظم توكلك عليه، فلا تتوكل إلا على الله.
إذا علمت أن الله (حي) عظم اعتمادك عليه، فلا تعتمد إلا على الله.
إذا علمت أن الله (حي) عظمت استعانتك به، فلا تستعن إلا بالله.
إذا علمت أن الله (حي) عظم رجاؤك فيه والتجاؤك إليه، فلا ترجو إلا الله، ولا تلتجأ إلا لله.
إذا علمت أن الله جل وعلا غني عنك وأنك عظيم الافتقار إليه ازداد تضرعك ودعاؤك وتوسلك ولجوؤك إليه تبارك وتعالى.

معاشر الصالحين والصالحات: هذا الاسم، ﴿ الْحَيِّ ﴾ اسم يستلزم أن كل ما سوى ومن سوى الله تبارك وتعالى ميت، فالحياة الأزلية الأبدية الدائمة ليست إلا لله الواحد الأحد تبارك وتعالى، وكل من سواه وما سواه كائناً من كان فإنه هالك وميت، يقول جل جلاله: ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [القصص: 88]، ويقول: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 57].

فلو كان أحد من الخلق أحق بالخلود والبقاء لكان أولاهم بذلك سيد الأولين والآخرين خليل رب العالمين، رسول الله وحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم، لكنه عليه الصلاة والسلام، مات كما يموت البشر، وهذه الحقيقة كانت مؤكدة حتى قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث يقول الله عز وجل: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 34، 35]، وقال جل وعلا: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ﴾ [الزمر: 30]. وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: (جاء جبريل عليه السلام فقال:يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزيٌّ به)، فالشاهد قوله: (يا محمد، عش ما شئت)، أي: افترض أنك تعيش ما شئت، فلا بد في النهاية من الموت، فإنك ميت.

الخطبة الثانية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
القيوم.
هو الذي قام بنفسه، وعظمت صفاته، واستغنى عن جميع مخلوقاته.
فالله هو القيوم، المدبر لجميع الأشياء، القائم بتدبير خلقه، يرزقهم ويحفظهم، فما من شيء إلا وإقامته بأمر الله وتدبيره سبحانه، جميع الموجودات مفتقرة إلى الله وهو غني عنها، ولا قوام لها بدون أمره سبحانه، قامت به الأرض والسموات وما فيهن من المخلوقات، فهو الذي أوجدها وأمدها وأعدها لكل ما فيه بقاؤها وصلاحها وقيامُها، وهو الغني عنها من كل وجه، وهي التي افتقرت إليه من كل وجه، هو المستغن عن كل شيء وكل شيء يحتاج إليه جل جلاله وهو القائل: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر: 15]، فالحي القيوم من له صفة كل كمال وهو الفعال لما يريد.

معاشر العباد: في القرآن الكريم وردت نصوص تدل على أن قيام الموجودات وبقاؤها وحفظُها بأمر الله تعالى، ولا قوام لها بدونه، من ذلك قوله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ ﴾ [الملك: 19]. وقال جل وعلا: ﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ *وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ * وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ * إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ ﴾ [يس: 38 - 44].

فمن الذي يمسك الطير في السماء؟ ومن يأمر الشمس بالجري لمستقرٍ لها؟! من يقدر منازل القمر؟! من يمنع الشمس عن الاجتماع مع القمر؟! ومن يَحجز الليل عن المجيء قبل انقضاء النهار؟! ومن يوقف النهار من الطلوع قبل ذهاب الليل؟! ومن يحفظ ركاب السفن وسط موجات البحر التي هي كالجبال؟!

بل: ﴿ قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنبياء: 42]، قل لهؤلاء العباد من يحفظكم ويحرسكم بالليل وبالنهار من أمر الله ومن عذابه إن حل بكم؟
الجواب: لا أحد إلا الله لا إله إلا هو الحي القيوم، فكل شيء موجود في الكون قائم بأمر الله، الذي أمره بين الكاف والنون إذا أراد شيئا فإنما يقول له ﴿ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [البقرة: 117].

فكل إنسان مدعو إلى أن يفهم أنّ الله سبحانه وتعالى هو القيوم، ولابد أن يكون هذا الفهم واسعا وشاملا لصفة القيومية، فالله هو الذي يدبر أمر الخلق كلهم بشرا وحيوانا ونباتا بتأمين أرزاقهم، وحاجاتهم، وزروعهم، ومياههم، قال جل وعلا: ﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾ [عبس: 24 - 32].

لذلك يرتكب الإنسان خطأ فاحشا إذا قال أنا، أو قال لي، أو قال عندي، فهذه الثلاث "أنا، لي، وعندي" من المهلكات، لأنهن أبواب الكِبْر والاستكبار على العلي الجبار.

أنا قالها إبليس، ﴿ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ﴾ [الأعراف: 12] فطُرد من رحمة الله.
لي قالها فرعون ﴿ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ ﴾ [الزخرف: 51] فأغرقه الله.
عندي قالها قارون ﴿ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾ [القصص: 78] فخسف الله به الأرض.

فأنت أيها الإنسان وكل ما لك وما عندك، بل حياتُك كلُها قائمة بأمر الله الحي القيوم، إذا أذن الله لك أن تعيش يوما عشته، وإن لم يأذن لك فلن تعيش أبدا، ما من شيء فيك إلا وهو بقدرة الله وبإقامة الله إياه، فلو لم يُقمك الحي القيوم لما قدرت على شيء، فلا حول ولا قوة لك إلا بالله، أنت لا تستطيع أن تستقل بنفسك، تحتاج إلى الطعام والشراب، تحتاج إلى الزوجة والأولاد، تحتاج إلى الطبيب إذا مرضت، تحتاج إلى أشياء كثيرة.

أما الرب العظيم الكبير سبحانه فهو يُطعِم ولا يُطعَم وهو الرزاق ذو القوة المتين، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، مالِك الملك يعز من يشاء ويذل من يشاء، يحيي ويميت، حي لا يموت، عزيز في ملكه حكيم في تدبيره، يعلم السر والجهر وما يخفى، لطيف خبير، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير.


فمن كان هذا ملكه وهذه صفاته وتلك نعمه، أفلا يستحق الحمد والشكر وإخلاصَ العبادةِ له دون سواه؟
﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [يونس: 3]. وللحديث بقية إن شاء الله.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 07-08-2020, 03:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات مع آية الكرسي

وقفات مع آية الكرسي (5)

الرهواني محمد



الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونثني عليه الخير كله، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائم على كل نفس بما كسبت، والرقيب على كل جارحة بما اجترحت، والمتفضل على عباده بنعم توالت وكثرت، سبحانه لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض تحركت أو سكنت.

وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، الذي تمَّت ببعثته النبوة وختمت، وسطعت به أنوار الشريعة وكملت، وعلت به راية الملة وارتفعت، فاللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين..

معاشر عمار بيت الله:
مازال حديثنا متواصلاً مع أعظم آية في كتاب الله، آية الكرسي: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [البقرة: 255]، ومع الدرس الخامس منها ومع قوله سبحانه: ﴿ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ [البقرة: 255].

﴿ لا تأخذه سنة ﴾، السنة هي ابتداء ومقدمة النوم، فالله جل جلاله لا تأخذه سنة ولا نوم أي لا يغلبه ابتداء النوم ولا مقدماته..

وبما أن الله جلا وعلا من أسماءه الحي القيوم، فهو موصوف بحياة أزلية لا بداية لها، وأبدية لا نهاية لها، حياةٍ كاملة دائمة ليس لها انقطاع ولا زوال، فهو الحي الباقي الدائم، الذي لا أول له بحد ولا آخر له بأمد، القيوم الذي قام بنفسه وعظمت صفاته واستغنى عن جميع مخلوقاته، ومن كمال حياته وَقَيُّومِيَّتِهِ سبحانه أنه لا تأخذه سنة ولا يأخذه نوم، لأن السِّنَةَ والنومَ عارضان يَعْرِضَانِ للمخلوق الذي يجري عليه الضعف والعجز والانحلال، يَعْرِضَانِ لمن كان موصوفا بالنعاس والنوم، موصوفا بالتعب والمرض، موصوفا بالضعف والنقص، موصوفا بالموت والهلاك، ولا يَعْرِضَانِ للحي القيوم ذي العظمة والكبرياء والجلال.

فالنُعاس أو النوم صفةُ نقصٍ، صفة لازمة للمخلوقِ يحتاجُ إليها لضعفه وعجزِه، أما الرب جل وعلا، فكاملٌ في ذاته وأسمائه وصفاتِه، لا تعتريه الغفلة ولا النعاس ولا الذهول ولا النوم، بل هو قائم على كل نفس بِما كسبت، شهيد على كل شيء، لا يغيب عنه شيء ولا تخفى عليه خافية. قال سبحانه: ﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [يونس: 61].

روى مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: "قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات فقال: (إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يُرفَع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبُحاتُ وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه).

فسبحان الله ما أعظمه؟ فهو سبحانه وتعالى الحي القيوم لا ينام ولا ينبغي له أن ينام: ﴿ لا تأخذه سنة ولا نوم ﴾.

وهذا تأكيد لقيامه سبحانه على كل شيء ء، وقيام كل شيء به.

تأكيد في صورة تعبيرية تقرب للإدراك البشري صورة القيام الدائم، وفي الوقت ذاته تعبر هذه الصورة عن الحقيقة الواقعة من مخالفة اللّه سبحانه وتعالى لكل شيء: ﴿ ليس كمثله شيء ﴾.

وحقيقة القيام على هذا الوجود بكل ما فيه صغيره وكبيره بل بكل جزئياته في كل وقت وفي كل مكان، حقيقة هائلة حين يحاول الإنسان تصورها، وحين يَسبَح بخياله المحدود مع ما لا يُحصيه من الذرات والخلايا والخلائق والأشياء والأحداث في هذا الكون الهائل، ويتصور بقدر ما يملك من إدراك عقلي قيام اللّه سبحانه عليها وتعلقها في قيامها باللّه وتدبيره، إنه أمر لا يتصوره الإدراك الإنساني، وما يتصوره الإنسان هو يسير هائل يحير العقول.

﴿ لا تأخذه سنة ولا نوم ﴾، جملة تريحك وتشعرك بالأمان والأمان،-فأنت أيها الإنسان طوال حياتك تحت حماية الرحمن وإحاطته، فهو رب عظيم لا ينسىوما كان ربك نسيا)، ولا ينام، كما قال الحبيب النبي صلى الله عليه وسلمإن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام)، تجده عندما تلجأ إليه وتدعوه، عليم بحالك محيط بكل ما حولك، خلق السماوات بغير عمد وبسط الأرض كالمهاد، وجعل لها من الجبال الأوتاد، وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى.
وفي كل شيء له آية
تدل على أنه الواحد


قال ربنا سبحانه: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [الطلاق: 12].

فالكون كله بما فيه وبمن فيه له جل جلاله وفي مُلكه وفي قبضته. فالجميع عبيده، فلماذا يتكبرون؟ الجميع في ملكه، فلماذا على معصيته يجترئون؟ الجميع تحت قهره وسلطانه، فلماذا يظلمون؟ ﴿ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴾ [مريم: 93 - 95].

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المجتبى.
﴿ له ما في السموات وما في الأرض ﴾. ﴿له﴾، اللام لام المُلك، فله الملك خلقا وتصرفا ومصيرا، أما أنت كإنسان فقد تملك بيتا ولا تنتفع به، وقد تنتفع به ولا تملكه، فمِلكك لهذا البيت مِلك ناقص منتهية صلاحيته، ملك نسبي في مكان محدود وزمن مقيد محدود. ــ غير أنَّ الله سبحانه وتعالى مُلكه دائم: ﴿له ما في السموات وما في الأرضِ﴾، فلا يمكن أن يقع شيء في مُلكه إلا بإرادته، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المُطلقة، وحكمته المطلقة متعلقةٌ بالخير المطلق، فالأمر بيده: ﴿له ما في السموات وما في الأرضِ﴾، اختص بالملك المطلق، مما يجعل العبد يحتقر ملكه مهما بلغ أمام ملك الله تعالى.

﴿ له ما في السموات وما في الأرض ﴾، فكم في هذا التعبير من فوائد ومقاصد لو تأملناها وفهمناها وعملنا بما تقتضيه وتدل عليه، لارتاحت القلوب، وانشرحت الصدور، وعمت السكينة النفوس.

فمن مقاصدها ومدلولاتها، التوحيد بكل أنواعه وأقسامه، فالملك الحق للسموات والأرض وما فيهن لله العلي القدير، انفرد سبحانه بالملك وحده، فمن ذا غيره يملك السموات والأرض؟ قال سبحانه: ﴿ قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [المؤمنون: 84]، فهو سؤال عن ملكية الأرض ومن فيها: ﴿ سيقولون لله ﴾، ولكنهم مع ذلك يتوجهون بالعبادة لغير الله، ﴿ قل أفلا تذكرون؟ ﴾.

﴿ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ [المؤمنون: 86]؟ فهو سؤال عن المدبر المتصرف في السموات السبع والعرش العظيم، ﴿ سيقولون لله ﴾، ومع ذلك لا يخافون صاحب العرش ولا يتقون رب السموات السبع ويشركون معه غيره، ﴿ قل أفلا تتقون؟ ﴾..

﴿ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [المؤمنون: 88]؟، سؤال عمن بيده ملك كل شيء، ملك الاستعلاء والسلطان، الذي يجير بقوته من يشاء فلا يناله أحد، ولا يملك أحد أن يجير عليه، ﴿ سيقولون لله ﴾، يقولون ذلك وينصرفون عن عبادة الله؟ فما للعقول تنحرف وتتخبط كالذي مسه السحر، ﴿ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ * بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [المؤمنون: 89- 92].

فتأمل معناها ينكشف لك الحجاب عن مبناها، وتدلك على أن المالك للسموات والأرض وما فيهن هو الحقيق بأن ترفع إليه الحاجات، هو القادر على أن ينفعك أو يضرك،القادر على أن يمنحك أو يمنع عنك،القادر على أن يخفضك أو يرفعك،القادر على أن يُعزك أو يُذِلك،القادر على أن يغنيك أو يُفقرك، لا إله إلا هو استحق التوحيد كل الاستحقاق، فلا تسأل ولا تطلب غيره، ولا تَخَفْ ولا تخشَ غيره، ولا ترجُ غيره، ولا تتوكل إلا عليه، ولا تستعن ولا تتوسل إلا به، ولا تفوض أمرك إلا له.

وتيقن أيها الإنسان، أن الحكيم المدبر لهذا الكون لم يخلقه ولم يخلقك عبثا، ولن يتركه أو يتركك سدى، فإليه المرجع والمعاد، وتذكر أن يوما ما ستمضي إليه، وستقف بين يديه وسيسألك عن الأمانة في عبادته، وفيما ولاك عليه، فجهز الجواب، وليكن نصب عينيك أنه شديد العقاب، سريع الحساب، ولا يغب عن قلبك أنه يفتح رحمته لكل من طرق بابه وخشيه وخاف عقابه وانطرح بين يديه راجيا ثوابه، فأكثر من قرع الباب، وابذل لنجاتك ما استطعت من الأسباب، فالمالك للسموات والأرض المتصرفُ فيهما كيف يشاء، غفور تواب..

ومن مقاصدها، إذا دعوت الله بشيء استشعرْ بأن الله غني جواد كريم، له ما في السموات وما في الأرض، ادع من بيده ملكوت كل شيء سبحانه وتعالى، استسلم له، اخضع له جل جلاله ولا تخضع لغيره، لا تخضع لأي إنسان مهما كان شأنه ومقامه ومكانته ومهما بلغت قوته، لأن الذين تستسلم وتنقاد وتخضع لهم من دون الله الواحد الأحد، كلهم في ملك الله أذلاء فقراء، محتاجون لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا.

ومن مقاصد قوله تعالى: ﴿ له ما في السموات وما في الأرض ﴾، الحث على الكرم والسخاء والجود، فقد كان صلى الله عليه وسلم يُعطي عطاءَ من لا يخشى الفقر، وما ذلك العطاء منه صلى الله عليه وسلم إلا لأنه يوقن بأن لله ما في السموات وما في الأرض، وأن خزائنه ملأى لا تنقصها النفقة ولا العطاء، فأنفق يا عبد الله واعط مما أعطاك الله، وجد على الناس، فمولاك يملك السموات والأرض وما فيهما وما بينهما، وهو القائل في الحديث القدسي:
(أنفق يا ابن آدم أنفق عليك).

فأنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالا.

ومن ثمرات قوله تعالى: ﴿ له ما في السموات وما في الأرض ﴾، فمتى علمت أيها العبد أن لله ما في السموات وما في الأرض، لن يدخل قلبك الحسد، فالملك لله وحده، يُعطي ويمنع، فمن أعطاه الله شيئا فمن مُلكه، ومن منعه الله شيئا فبعلمه وحكمته، وهذا من أنجع الأدوية للحسد، إذ أن الحسدَ مبني على الاعتراض على حكمة الله تعالى في المنع والعطاء.


وللحديث بقية إن شاء الله



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 07-08-2020, 03:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات مع آية الكرسي

وقفات مع آية الكرسي (6)

الرهواني محمد



الخطبة الأولى
الحمد لله العليِ الأعلى، الذي له ما في السمواتِ وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى، نحمده ونشكره على ما أعطى، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى، ونشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله المصطفى، اللهم صلِ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه البررة الأتقياء.

معاشر المؤمنين والمؤمنات:
دائما مع آية الكرسي، ومع الدرس السادس ومع قوله سبحانه: ﴿ مَن ذَا الذي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ﴾.

فأخبر جل جلاله أن مِن تمام ملكه وعظيم سلطانه وأن ملكه للسموات والأرض، يوجب أن تكون الشفاعة كلها له وحده:﴿ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا ۖ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وأن أحداً لا يشفع عنده سبحانه إلا بإذنه.

فالمشركون، وهم أجهل الناس بحق الرب جل جلاله، أجهل بما يجب لله، ويجب في حقه سبحانه، قالوا: ما نعبد هذه الأصنام وما نتخذ أولياء من دون الله، إلا ليقربونا إلى الله زلفى، فخاطبهم الله وهو خطاب لكل من كان على شاكلتهم بقوله: أنا الحي القيوم، لي ما في السموات وما في الأرض، فلا ينبغي العبادة لغيري، فلا تعبدوا الأصنام ولا غيرها من الأشخاص سواء كانوا أمواتا أم أحياء، وتزعمون أنهم لكم أولياء ويقربونكم مني زلفى، ويشفعون لكم يوم القيامة، فإنهم لا ينفعونكم عندي، ولا يغنون عنكم شيئا، ولا يشفعون عندي لأحد إلا بإذني.

﴿ من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ﴾، من عظمته جل وعلا لا يتجرأ أحدٌ مهما كان مقامه ومهما كانت مكانته أن يشفع عنده إلا بإذنه سبحانه، فهو جل جلاله له الأمر كله وحده، وليس لأحد معه من الأمر شيء.

كل الوجهاء والشفعاء، هم عبيد لله، لا يَقْدُمون على الشفاعة حتى يأذن لهم الله، قال سبحانه: ﴿ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَىٰ ﴾ [النجم: 26].

أهل السموات، الملائكةُ المقربون، أهل الأرض، الأنبياءُ الرسل، محمد صلى الله عليه وسلم، وأولياء أمته والشهداء، لا يشفعون يوم القيامة إلا لمن أذن له الرحمن ورضي له قولا، فهم لا يشفعون إلا لِمَنِ ارتضى، أي إلا لمن مات على الإيمان، وعلى كلمة لا إله إلا الله.

روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال: قلتُ يا رسولَ اللهِ، من أسعَدُ الناسِ بشفاعتِك يومَ القيامةِ؟ فقاللقد ظنَنتُ يا أبا هُرَيرَةَ أن لا يسألَنِي عن هذا الحديثِ أحدٌ أولَ منك، لمِا رأيتُ من حِرصِك على الحديثِ، أسعدُ الناسِ بشفاعتي يومَ القيامةِ مَن قال: لا إلهَ إلا اللهُ، خالصًا من قِبَلِ نفسِه).

فمن اتكل على الشفاعة، ولم يتوكل على الله، أو ظن أن أحداً سيشفع له يوم القيامة، فليعلم أن الشفاعة بيد الله هو صاحبها، ويأذن بها لمن يشاء من عباده، ولن يشفع أحد لأحد إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى.

حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قدره، لا يشفع عند الله إلا بإذن الله.
روى البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلميَجْمَعُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وتَدْنُو الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَدْرِ مِيلٍ، فيقول بَعْضُ الناس لِبَعْضٍ ألا تَرَوْنَ ما أَنْتُمْ فيه؟ ألا تَرَوْنَ ما قد بَلَغَكُمْ؟ ألا تَنْظُرُونَ من يَشْفَعُ لَكُمْ إلي رَبِّكُمْ؟ فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى آدَمَ أَبِي الْبَشَرِ، فَيَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّنَا فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا، فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: يا آدَمُ أنت أبو الْبَشَرِ خَلَقَكَ الله بيده وَنَفَخَ فِيكَ من رُوحِهِ وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لك اشْفَعْ لنا إلى رَبِّكَ، ألا تَرَى إلى ما نَحْنُ فيه؟ ألا تَرَى إلى ما قد بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ آدَمُ: إِنَّ رَبِّي غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ، فَيَأْتُونَ نُوحًا، فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ، أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى الْأَرْضِ، وَسَمَّاكَ اللهُ عَبْدًا شَكُورًا، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُ بِهَا عَلَى قَوْمِي، نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ عليه السلام، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ نَبِيُّ الله وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ إِبْرَاهِيمُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَذَكَرَ كَذَبَاتِهِ، نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى، فَيَأْتُونَ مُوسَى عليه السلام، فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَى، أَنْتَ رَسُولُ الله فَضَّلَكَ اللهُ بِرِسَالَاتِهِ، وَبِتَكْلِيمِهِ عَلَى النَّاسِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ مُوسَى عليه السلام: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا، نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى عليه السلام، فَيَأْتُونَ عِيسَى، فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ، وَكَلِمَةٌ مِنْهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ مِنْهُ، فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ عِيسَى عليه السلام: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ ذَنْبًا، نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ، فيأتونني، فأقول:أنا لها فأستأذن على ربي فيؤذن لي، ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن، فأحمده بتلك المحامد وأخر له ساجدا، فيقال:يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب، أمتي أمتي، فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان، فأنطلق فأفعل، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا، فيقال: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، فأنطلق فأفعل، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا، فيقال: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقول: انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجه من النار، فأنطلق فأفعل ثم أرجع إلى ربي في الرابعة فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدا، فيقال لي: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله، قال الله: ليس ذاك لك، ولكن، وعزتي وكبريائي وعظمتي، لأخرجن منها من قال: لا إله إلا الله".

وللحديث بقية عن آية الكرسي إن شاء الله.

الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا يليق بجلاله، والشكر له على جزيل إنعامه وجميل إفضاله، والصلاة والسلام على أشرف خلقه.

الافتقار:
الافتقار إلى الله جل جلاله من العبادات القلبية العظيمة التي لا بد أن يستحضرها المسلم، حيث قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر: 15].

وفي الحديث القدسي عن النبي صلَّى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال:" يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب ولا أبالي فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أُطعِمكُم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أَكسُكم".

فنحن مفتقرون إلى الله تعالى في الديمومة على إيماننا والثبات على إسلامنا، فلولا الله تعالى لما كنا مسلمين ولا آمنا ولا صلينا ولا صمنا ولا عملنا صالحا ولا جانبنا المحرمات.

لا ثبات لنا إلا بالله تعالى وعونه وتوفيقه، وقد ذكر سبحانه وتعالى الراسخين في العلم أنهم يقولون: ﴿ ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ﴾.

نحن مفتقرون إلى الله تعالى في رزقنا، مفتقرون إليه جل جلاله في طعامنا وشرابنا وصحتنا بل في كل شئوننا، كما قال سبحانه على لسان إبرهيم: ﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ﴾ [الشعراء: 78 - 82].

فالخلق مهما بلغت قوتهم وعظمتهم، مهما علت مكانتهم، لا يرزقون أنفسهم فضلاً على أن يرزقوا غيرهم، فالكل فقراء محتاجون إلى الله تعالى، يسوق إليهم أرزاقَهم حيث كانوا، وهو القائل سبحانه: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [العنكبوت: 60]..

فلا قوام لنا، ولا بقاء لجنسنا إلا برزق الله: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الروم: 40]..

ولو قطع الله رزقه عنا فمن يرزقنا من بعده، قال سبحانه: ﴿ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ ﴾ [الملك: 21]، فلا أحد يعطي ويمنع ويخلق ويرزق إلا الله، لذلك أمرنا جل جلاله بدوام تذكر هذه النعمة العظيمة وعدم نسيانها، فقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾ [فاطر: 3].

فالرزق إنما يُطلب ممن يملكه ويقدر عليه، قال جل جلاله: ﴿ إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [العنكبوت : 17].


فافتقارنا إلى الله تعالى دائم معنا، وحاجتنا إليه سبحانه ملازمةٌ لنا، وكل حركاتنا وسكناتنا بتقدير الله تعالى وتدبيره، أقر بذلك من أقر به، فخضع لعبادة مولاه جل جلاله فكان من الناجين الفائزين، وأنكر ذلك من أنكره فاستكبر عن عبادته سبحانه، فكان من الهالكين المعذبين.

فلنعرف لله تعالى حقه، ولنقر بفضله وبحوله وقوته، فإن الاقرار بحول الله تعالى وقوته كنز من كنوز الجنة، وفيه اعتراف بالافتقار الدائم إلى الله تعالى.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 07-08-2020, 03:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات مع آية الكرسي

وقفات مع آية الكرسي (7)

الرهواني محمد



الخطبة الأولى
الحمد لله العليِ الأعلى، له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى، أحمده ربي وأشكره على ما أعطى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدا عبده ورسوله المصطفى، اللهمّ صلِ وسلِم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه البررة الأتقياء.

معاشر عمار بيت الله:
اليوم لنا موعد مع الدرس السابع والأخير من آية الكرسي، ومع قوله تعالى:
﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255].

إذا كان علم الله الذي وسع كل شيء، لا يحيط به ملك مقرب ولا نبي مرسل، فكيف يحيط به العرافون والمنجمون الدجالون والكهنة المشعوذون... الذين أصبحوا يتفننون في معرفة المستقبل والحظ المنشود والاطلاع على الغيب، فطلعوا علينا عبر القنوات الفضائية بعدما كانوا يعتمدون أساليب بدائية، فترامى ضعاف الإيمان على أبوابهم، وصدقوهم في دعاويهم بأنهم يعلمون الغيب ﴿ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾ [النمل: 65].

فعلى المؤمن أن يحذر من التطلع لما خص الله به نفسه من علم الغيب، فالمستقبل لا يعلمه ألا الله، والغيب من اختصاص الله جل جلاله، فلا يحملنك أيها المسلم شوقُك لمعرفة المستقبل والحظ المنشود، أو الغيب المستور أو رفع الحاضر المنكود، أن تأتي هؤلاء العرافين الدجالين، أو الكهنة المشعوذين الذين يدعون علم الغيب فتصدقهم فيما يدعون، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أتى عرَّافًا فسألَه عن شيٍء لم تُقْبَلْ لهُ صلاةٌ أربعين ليلةً)، وقال صلى الله عليه وسلم: (من أتى عرافاً أو كاهناً، فسأله فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم).

فلا يحيط بعلم الله ولا يعلم الغيب إلا الله جل وعلا، الذي وسع علمُه كل شيء، وأحاط كل شيء علما، فهو العالم الذي لا يخفى عليه شيء، يعلم ما بين أيدي العباد وما خلفهم،يعلم ما يظهرون وما يسترون وما يخفون، ولا يحيطون بعلمه إلا بمشيئته وإرادته وبالمقدار من علمه الذي يريد، وفي الوقت الذي يريد والمكان الذي يريد.. (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو، ويعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمت الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتب مبين)، فلا تقع قَطرة ولا تُعقد نية، ولا تُقال كلمة ولا تُخطى خطوة، ولا يُخط حرف إلا بعلمه.. يعلم السرائر، ويطلع على الضمائر، وسع سمعه الأصوات، فلا يشغله صوت عن صوت، ولا تختلط عليه لغة بلغة، بل يسمع جميع الأصوات على اختلاف اللهجات واللغات، ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 103].

﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾ [البقرة: 255].
عن أبي ذر قال... قلت: يا رسول الله فأي ما أنزل الله عليك أعظم؟ قال: آية الكرسي، ثم قال: يا أبا ذر ما السماوات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة).


﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾ فأي كرسيٍّ هذا الذي يسع السموات السبع والأرضين السبع؟! السموات السبع وما فيهن وما بينهن بالنسبة للكرسي إلا كحلقة أُلقيت في فلاة، أو كدرهم أُلقي في صحراء.. وفضل العرش على الكرسي كفضل الصحراء على ذلك الدرهم أو تلك الحلقة....

فإذا كان كرسي الرحمن بهذه السعة، فكيف تكون إذن عظمة العرش؟!! وكيف تكون عظمةُ من خلق العرش ثم استوى عليه (الرحمن على العرش استوى)؟!

هنا يمتلئ القلب تعظيما لله تعالى، ويستشعر المسلم عظمة هذه الآية، فتهزه وتحرك جوارحه لما يقرأها، ولا يملك إلا أن يخشع قلبُه وتخضعَ جوارحُه تعظيماً وحباً ورهبةً لله العلي العظيم الذي أنزل أعظم آية وقال فيها: ﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ﴾ [البقرة: 255]، لا يُرهقه حفظهما ولا يُتعبه ولا يَصعُب عليه أمرهما، ولا يُعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، فهو سبحانه وتعالى يحفظ السموات والأرض ويرعاهما، بل ذلك سهل عليه يسير لديه، وهو القادر على كل شيء، الحي القيوم لا يعزب ولا يغيب عنه شيء ﴿ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾، العلي لكمال قوته وقدرته وسلطانه وعظمته، العلي بذاته جل وعلا على جميع المخلوقات، العلي بعظيم الصفات، العليّ الذي قهر جميع المخلوقات، ودانت له الموجودات، وخضعت لقدرته الصعاب وذلت له الرقاب.

هو العظيم سبحانه وتعالى الكبير المتعال، الجامع لجميع صفات العظمة والكبرياء، الذي تحبه القلوب، وتعظمه الأرواح، له العظمة في أسمائه وصفاته وأفعاله وذاته جل وعلا، عظيم في ملكه وخلقه، عظيم في حكمته ورحمته، عظيم في افتقار خلقه إليه وغناه هو عنهم، عظيم في تدبيره شؤونهم وما يحتاجونه، خضع كل شيء لأمره، ودان كل شيء لحكمه، والكل تحت سلطانه وعظمته، وكل شيء دونه فلا شيء أعظمَ منه، وكل شيء هالك إلا وجهه، وكل ملك زائلٌ إلا ملكه.

روى أبو داود عن عبد الله بن عمر،أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يطوي اللَّهُ السمواتِ يومَ القيامةِ، ثمَّ يأخذُهُنَّ بيدِهِ اليُمنى، ثمَّ يقولُ: أَنا الملِكُ، أينَ الجبَّارونَ؟ أينَ المتَكَبِّرونَ؟ ثمَّ يطوي الأرضينَ، ثمَّ يأخذُهُنَّ بيدِهِ الأُخرى، ثمَّ يقولُ:أَنا الملِكُ، أينَ الجبَّارونَ؟ أينَ المتَكَبِّرونَ؟.

معاشر الصالحين والصالحات: لو علم العباد ما لله من العظمة ما عصوه، ولو علم المحبون ما لله من الجمال والكمال ما أحبوا غيره، ولو عرف الفقراء غنى الرب سبحانه وتعالى ما رجوا سواه، فسبحانه جل في علاه، هو سلوة الطائعين، وملاذ الهاربين، وملجأ الخائفين، سبحان من أحاط علمه بالكائنات، واطّلع على النيات، قد أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً، يعلم ما في الضمير، فلم يغب عن علمه الفتيل ولا القطمير، ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11].

فهل عرفنا الله حق المعرفة؟! وهل قدرناه حق قدره؟! نشاهد إتقان صنعه في كل شيء، وننظر في هذا الكون الشاسع العظيم فلا نعظمه ونقدّره، يأتينا أمره فلا نطيع، يأتينا أمره فلا نطيع ونبصر آياته في الكون وفي أنفسنا فلا نشكر.

فكم من عاص لله في خلوته؟! وكم من جاحد لنعمه؟ وكم من مضيع لفرائضه وحقوقه؟ وكم من منتهك لمحارم الله وحدوده؟

فهل هذا هو حقُّ العلي العظيم علينا؟!
فنسألك اللهم أن تعفو عنا، وتغفر لنا، وتردنا إليك ردًّا جميلاً.

الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

الإيمان بعظمة الله تعالى له ثمار يجنيها المؤمن بالله عز وجل، وله آثار تدل على أن العبد معظم لله تعالى.

فمن عظم الله تعالى، خضع لهيبته، ورضي بقسمته، ولم يرض بدونه عوضا، ولم ينازع له اختيارا، ولم يرد عليه حقا، وتحمل في طاعته كل مقدور، وبذل في مرضاته كل ميسور.

من عظم الله عز وجل وصفه بما يستحق من الأوصاف، وأقر بأفعاله ونسب النعم إليه دون سواه: ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ [النحل: 53].

من عظم الله تعالى قدم محبته جل وعلا، ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومحبة ما يحبه الله ورسوله على محبة نفسه وشهواته وأهله وولده وماله والناس أجمعين.

من عظم الله تعالى أكثر ذكره، فإن البشر لا يزالون يمدحون ويذكرون من يعظمون، فكيف يزعم زاعم أنه معظم لله تعالى وذكره لا يجري على لسانه إلا قليلا.

ومن عظم الله تعالى توكل عليه، واعتصم به، فما في قلبه من تعظيم الله عز وجل، أقوى وأمكن من المخلوقين مهما بلغت قوتهم وبأسهم وكثرتهم.

ومن عظم الله تعالى لم يُقدم على كلامه أي كلام، بل هو دائمُ النظرِ في كتاب الله العظيم، تلاوة وحفظا وتدبرا وعملا، فلا يهجر كتاب ربه تبارك وتعالى.

من عظم الله تعالى وقف عند حدوده، وامتثل أوامره، واجتنب نواهيه، وعظم حرماته ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾ [الحج: 30].

من تأمل آية الكرسي، علم أنها قد جمعت أوجه العظمة للخالق سبحانه فاستحقت أن تكون أعظم آية في كلام الله عز وجل، لأنها دلت على عظمة العلي العظيم، من قرأها وتأملها وتدبرها ظهرت له عظمة المولى جل جلاله، وكان ذلك داعيًا له إلى الاستقامةِ على الهدى، والبعدِ عما يخالف شرع الله تعالى.

كان ذلك داعيًا لك أيها المؤمن أن تتيقن دائماً أن الله عليم بما تصنعُه جوارحك، وما تعزِم عليه في قرارة نفسك، أن الله عليم بأحوالك، سرِها وعلنِها، علما يحملك على التهيب من الإقدام والجرأة على حدود الله واقتحام حرماته حياء منه سبحانه، علما يجعلك دائماً نزَّاعاً للطاعات، مسارعاً للخيرات، مبتعدا عن السيئات مراقباً لنفسك بنفسك، وحذرا من نفسك على نفسك، وبدوامك على ذلك والمجاهدة عليه، تترقى أيها المؤمن من درجة الإيمان، إلى مرتبة الإحسان وهي: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك).


﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ * وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [الذاريات: 50، 51].

وهكذا معاشر عمار بيت الله كان حديثنا عبر هذه الرحلة الإيمانية مع أعظم آية في كتاب الله، آية عظيمة في معناها ودلالتها وفضلها، هي آية الكرسي.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 179.01 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 174.32 كيلو بايت... تم توفير 4.70 كيلو بايت...بمعدل (2.62%)]