لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مسلم - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الشباب وصناعة التغيير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          مطامع اليهود في الأردن!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          كشمير - كشمير السملمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          كتب لابُدَّ من قراءتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          بطولات إنكار الذات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          التعبئة الروحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          تأملات في سورة الفاتحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          المسجد الأقصى أم هيكل اليهود؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          معالم الشخصية اليهودية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          محاضرة في تربية الأولاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة
التسجيل التعليمـــات التقويم

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-08-2023, 07:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,110
الدولة : Egypt
افتراضي لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مسلم

لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مسلم
الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم

فُجعت محافظة حضرموت واليمن قاطبة بالحادث المروع والأليم الذي حدث في صبيحة يوم جمعة مباركة في مدينة "سيئون"، عندما أقدم ذلك الشاب على ارتكاب تلك الفعلة الشنيعة، التي تُعَدُّ الأولى من نوعها في محافظة تنعَم بالأمن والسكينة؛ حيث لم يخَلْ أيُّ مواطن أن تتطور الأمور بالفكر الإرهابي لتلك الجماعة الشاذة والخارجة عن الشرع والقانون أن تقدم على تلك الفعلة، وذلك العمل الخطير.

لم يكن يتصور أحد أن تُستباح دماء المسلمين بحجج واهية وشبه باطلة، وبمنطق لا يقبله شرع ولا عقل ألبتة، ألم يعلم ذلك الشاب ومن يقف وراءه من الفئة الضالة والشِّرذمة القليلين الذين لا يتقون الله في مؤمن، ولا يرقبون فيه إلًّا ولا ذِمَّة، ولا يراعون الحرمات ولا دماء المسلمين - أن المسلم معصوم الدم والمال؟ لا تُرفع عنه هذه العصمة إلا بإحدى ثلاث؛ إذ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كَفَرَ بعد إسلامه، أو زنى بعد إحصانه، أو قتل نفسًا بغير نفس))؛ [رواه أبو داود والنسائي]، وما عدا ذلك، فحرمة المسلم أعظم عند الله من حرمة الكعبة، بل من الدنيا أجمع؛ وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده، لَقَتْلُ مؤمنٍ أعظمُ عند الله من زوال الدنيا))؛ [رواه النسائي]، وفي رواية أخرى: ((لَزَوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حقٍّ، ولو أن أهل سماواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن، لأدخلهم الله النار))؛ [صححه الألباني في صحيح الترغيب]، ويقول أيضًا: ((لن يزال المؤمن في فُسْحَةٍ من دينه ما لم يُصِبْ دمًا حرامًا))؛ [رواه البخاري]، وهذا الحديث وحده يكفي لبيان عظيم حرمة دم المسلم.

ألم يعلم هؤلاء بقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 93]، وبقوله عز وجل: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ﴾ [الفرقان: 68، 69]، فأي خطر هذا؟ وأي مهلكة يقدم عليها المرء ويجازف بها، عندما يستبيح دم المسلم دون حق، وإنما بالغيِّ والباطل والهوى والجهل؟ وأين السمع والطاعة والتسليم للأمر النبوي في قوله صلى الله عليه وسلم: ((المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه، ولا يخذُله، ولا يحقِره... كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه، وعِرضه، وماله))؛ [رواه البخاري ومسلم]؟

وأيًّا كان المبرر لذلك الفعل، فالأمر لا يجوز أن يصل لهذا الأمر ولا أقل منه، والشرع الحنيف علَّمنا الطرق الشرعية لمنع الظالم عن ظلمه، ولرد المظالم لأهلها، ولدفع الظلم، وعلمنا كيفية التعامل مع وليِّ الأمر إن ارتكب من الخطايا والذنوب ما ارتكب، ونبَّهنا إلى أن المسلم العاقل لا تجرُّه العواطف الخدَّاعة، والحماس الزائف، إلى التعدي والظلم، والبغي والعدوان، وأمرَنا بالرجوع لأهل العلم ممن يُوثق في علمهم وفتاواهم؛ حتى نسلم في ديننا ودنيانا.

ومن خلال استقراء وتتبع حالات من تأثَّر بفكر الجهاد، وأُشرب في قلبه حب الاستشهاد ولو بالانتحار، وجدت أن الأسباب وراء ذلك تكمن في الآتي:
1. ما تتعرض له الأمة الإسلامية من الذل والامتهان والضعف والحروب، وما شابه ذلك من التقتيل والتشريد، وهتك الأعراض، وسفك دماء المسلمين في كل مكان، والتأثر بذلك إلى درجة حب الانتقام والثأر لذلك، وهذا يظهر جليًّا وواضحًا في حالة فلسطين والعراق وأفغانستان.

2. عدم طلب العلم الشرعي المتأصل من أهل العلم الثقات، وعدم الرجوع إليهم والاحتكام إلى فتواهم ومشورتهم، واتخاذ - بدلًا من ذلك - طلابِ علمٍ شبابٍ حدثاء أسنان، لا يفقهون شيئًا من الأحكام الشرعية، واتخاذهم مرجعية ومصدرًا للفتوى في تبرير هذه التصرفات.

3. الظلم وعدم العدل، وإضاعة الحقوق، وعدم إحقاق الحق، والأخذ على يد الظالم، ورد المظالم إلى أهلها، مما يجعل المظلوم يلجأ لكل السبل والطرق - وإن كانت غير مشروعة - للثأر والانتقام، ولو كان على حساب دماء المسلمين وأمن البلد واستقراره.

4. انتشار فكر الغلو والتكفير في أوساط بعض الشباب، وخصوصًا عبر الإنترنت، والتأثر ببعض الأطروحات الجهادية، البعيدة كل البعد عن شريعة الإسلام وكلام وفتاوى كبار أهل العلم.

5. انتشار الأفلام الجهادية المؤثرة وسهولة الحصول عليها عبر الإنترنت، وهذه تلعب دورًا فعالًا في إذكاء الحماس والغَيرة والاندفاع العاطفي القوي؛ مما يجعل عند من يشاهدها قوة جبارة حارقة متحمسة، لكن للأسف بدون فقه وعلم ووعيٍ صحيح.

6. انتشار المنكرات والمعاصي في المجتمع، مع حماية ذلك والتشجيع عليه من قِبل السلطة، ومحاربة كل من يقف في وجه ذلك، فمهرجانات الرقص والغناء، وانتشار الرذيلة، والسماح بذلك مع وجود حماية من السلطة وتشجيع منها – يزيد من مبررات الإقدام على الغلو والتكفير؛ ولذا تحارب السلطة الإرهابَ، ثم هي تقوم بتوليده وتفريخه من جانب آخر، وتعطي المبررات والحجج للإقدام على تلك الأفعال الشنيعة، فالسلطة مساهمة بتصرفاتها الخاطئة والمشينة والاستفزازية لإثارة الغيرة عند الشباب المتحمس والمتدين؛ فيقدم على هذه الأعمال المخالفة للشريعة ولفتاوى كبار العلماء، فقد قال ابن كثير عند تفسير قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 93]: "يقول الله تعالى: ليس لمؤمن أن يقتل أخاه بوجه من الوجوه؛ وكما ثبت في الصحيحين[1] عن ابن مسعود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة))، ثم إذا وقع في شيء من هذه الثلاث، فليس لأحد من آحاد الرعية أن يقتله، وإنما ذلك إلى الإمام أو نائبه"[2]، وقال ابن كثير في تفسير نفس الآية: "وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن تعاطى هذا الذنب العظيم، الذي هو مقرون بالشرك بالله في غير ما آية في كتاب الله؛ حيث يقول الله سبحانه في سورة الفرقان (68): ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾ [الفرقان: 68]؛ الآية، وقال تعالى: ﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ﴾ [الأنعام: 151]، إلى أن قال: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنعام: 151]، والأحاديث في تحريم القتل كثيرة جدًّا[3]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من جحد آية من القرآن، فقد حل ضرب عنقه، ومن قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، فلا سبيل لأحد إلا أن يصيب حدًّا فيُقام عليه))"[4].

وفي رواية عن أنس رضي الله عنه: ((فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، واستقبلوا قبلتنا، وأكلوا ذبيحتنا، وصلوا صلاتنا، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم))[5]، وعلى المسلم أن يقف كثيرًا عند قوله تعالى: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ﴾ [محمد: 22].

فانظر - أخي المسلم - إلى عظمة كلمة "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، والحصن والأمان الذي تضفيه على صاحبها إلا باستثناءات ذكرت آنفًا، ومما لا بد من علمه أخي المسلم أن الله عز وجل لم يجعل عقوبةً - بعد عقوبة الشرك بالله - أشد من عقوبة قتل المؤمن عمدًا؛ حيث يقول: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 93]، وقد اختلف السلف في هذه الآية؛ فذهب بعض الصحابة إلى أن هذه الآية مُحكَمة، وأنها آخر ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وممن ذهب إلى ذلك الإمام الحبر الصحابي الجليل وترجمان القرآن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما؛ فعن سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس: أن رجلًا أتاه، فقال: أرأيت رجلًا قتل رجلًا متعمدًا؟ قال: جزاؤه جهنم خالدًا فيها، وغضب الله عليه، ولعنه، وأعد له عذابًا عظيمًا، قال: أُنزلت في آخر ما نزل، ما نسخها شيء حتى قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أرأيت إن تاب وآمن وعمل صالحًا ثم اهتدى؟ قال: وأنى له التوبة، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ثكلته أمه رجل قتل رجلًا متعمدًا، يجيء يوم القيامة آخذًا قاتله بيمينه أو بيساره، وآخذًا رأسه بيمينه أو شماله تشخُب أوداجه دمًا في قِبل العرش، يقول: يا رب، سَلْ عبدك فيمَ قتلني؟))[6]، وفي الحديث الصحيح الذي يرويه النسائي في المجتبى[7] عن معاوية رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعته يخطب يقول: ((كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يقتل المؤمن متعمدًا، أو الرجل يموت كافرًا))، فأي خطر هذا؟ وأي مهلكة يقدم عليها المرء ويجازف بها؟ حياة لا ممات فيها، وخلود في مستقر لا تقر به عين، ولا تُرفع به عقيرة فخرًا وزهوًا، وغضب من الله، وعذاب عظيم وخزي في الدنيا والآخرة، مع مُكْثٍ ولبث طويلين لا يعلم أمدَهما إلا الله جل في علاه، نسأل الله السلامة لنا ولمن اتعظ واتبع.

ثم تبصَّر - أخي المسلم الكريم - الحديث جيدًا لتنظر كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قرن بين قتل المؤمن، والشرك بالله تعالى، وجعلهما مشتركَين في استبعاد الغفران، واعلم - أخي المسلم - أن أول ما يُقضى يوم القيامة بين العباد في الدماء؛ ففي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((أول ما يُحاسب به العبد الصلاة، وأول ما يُقضى بين الناس الدماء))[8]، وما ذلك إلا لعِظَمِ خطرها يوم القيامة، فاستعد للموقف العظيم، والسؤال الصعب الذي ما بعده إلا جنة أو نار، وكل الذنوب يُرجى معها العفو والصفح إلا الشرك، ومظالم العباد، ولا ريب أن سفك دماء المسلمين، وهتك حرماتهم لمن أعظم المظالم في حق العباد؛ فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس من عبدٍ يلقى الله لا يشرك به شيئًا، ولم يتندَّ بدم حرام، إلا دخل من أي أبواب الجنة شاء))[9]، قوله: ولم يتندَّ: أي: لم يصب منه شيئًا أو لم يَنَلْ منه شيئًا؛ ويقول الرسول الأعظم في حديث رواه البخاري في صحيحه[10]: ((أبغض الناس إلى الله ثلاث: ملحد في الحرم، ومبتغٍ في الإسلام سنة الجاهلية، ومُطَّلِبٌ دم امرئ بغير حق ليُهَرِيقَ دمه))، وعن جندب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من سمَّع سمَّع الله به يوم القيامة، قال: ومن يشاقق يَشْقُقِ الله عليه يوم القيامة، فقالوا: أوصِنا، فقال: إن أول ما ينتُن من الإنسان بطنه، فمن استطاع ألَّا يأكل إلا طيبًا فليفعل، ومن استطاع ألَّا يحال بينه وبين الجنة ملء كفٍّ من دم أهراقه، فليفعل))؛ [رواه البخاري][11]، وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قتل مؤمنًا فاغتبط[12] بقتله، لم يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا))[13]، وإياك إياك - أخي المسلم - أن تضيِّع على نفسك فرصة النجاة؛ فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال المؤمن في فُسحة من دينه، ما لم يصب دمًا حرامًا))[14].

أخي المسلم الكريم، هل أنت على استعداد أن تفوِّت على نفسك فرصة النجاة العظيمة من النار؛ وقد روى البخاري ومسلم[15]، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ألَا لا ترجعوا بعدي كفارًا، يضرب بعضكم رقاب بعض))، ثم اجعل دائمًا - أخي المسلم - نُصْبَ عينيك أن دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم محرمة بعضهم على بعض، ولا تحل إلا بإذن الله ورسوله، واعلم - أخي المسلم - أن ما أوردناه غَيض من فيض، وقليل من كثير، فهو إشارات لكثير من العبارات التي وردت في الكتاب والسنة، تحث المسلمين على الورع والكف عن دماء إخوانهم، ولما سبق ذكره، كان الصحب الكرام والتابعون لهم بإحسانٍ أشد ما يكونون من الورع والوجل من أن يغمس أحدهم يده بمظلمة في حق مسلم، وكانوا كذلك رحمهم الله ورضي عنهم؛ لشدة ما سمعوا ووعوا من كلام النبوة في التحذير من الانغماس في الفتن والشبهات، والتزام النفس والبيت، وعدم الولوج في حرمات المسلمين حتى بالكلام؛ صونًا لهم عن التسبب في مظالم للمسلمين، فضلًا عن الخوض فيها.

قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: ((إن بعدكم فتنًا القاعدُ خير من الساعي، حتى ذكر الراكب، فكونوا فيها أحلاسَ بيوتكم))[16].

وعن جندب رضي الله عنه قال: ((ستكون فتن، فعليكم بالأرض، وليكن أحدكم حِلْسَ بيته، فإنه لا ينبجس لها أحد إلا أردته))[17].

وحينما اعتزل سعد بن مالك وعبدالله بن عمر رضي الله عنهم الفتنةَ؛ قال علي رضي الله عنه: ((لله درُّ منـزلٍ نزله سعد بن مالك وعبدالله بن عمر، والله إن كان ذنبًا إنه لَصغير مغفور، ولئن كان حسنًا إنه لَعظيم مشكور))[18]، تذكر - أخي المسلم - ما في الصحيحين[19] من حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار، قلت: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصًا على قتل صاحبه)).

وفي الصحيحين[20] أيضًا من حديث الأحنف بن قيس قال: ذهبت لأنصر هذا الرجل – يعني: علي بن أبي طالب – فلقيني أبو بكرة، فقال: أين تريد؟ قلت: أنصر هذا الرجل، قال: ارجع؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار...))، ثم ذكر بقية الحديث، وفي رواية أخرى للبخاري[21] عن الحسن قال: خرجت بسلاحي ليالي الفتنة فاستقبلني أبو بكرة فقال: أين تريد؟ قلت: أريد نصرة ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار))، وفي رواية لمسلم[22]: ((إذا المسلمان حمل أحدهما على أخيه السلاح، فهما على جرف جهنم، فإذا قتل أحدهما صاحبه دخلا جميعًا))، وهذا كله إذا كان القتل غير مأذون به شرعًا، وقد قص الله علينا في كتابه العظيم خبر أول حادثة قتل وقعت في تاريخ البشرية، حين قتل أحد ابني آدم أخاه، قتله ظلمًا وبغيًا وحسدًا؛ فقال تعالى: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27]، ومع أن هذا القاتل قد هدَّد أخاه بالقتل وأكد ذلك بقوله: ﴿ لَأَقْتُلَنَّكَ ﴾، فقد تلطف معه لعله أن يرجع عن عزمه، وأخبره أيضًا أنه لن يمد يده ليقتله مهما هدده، بل إنه حتى ولو باشر عملية القتل فسيكف يده أيضًا؛ خوفًا من الله رب العالمين، فقال له: ﴿ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ [المائدة: 28]، ثم أخذ ينصح أخاه ويعظه؛ لعله يرجع عما همَّ به، ومع كل هذا التلطف والنصح، فلم ينفع ذلك أخاه، ولم يُثْنِهِ عن عزمه على قتل أخيه، وكذلك الظلم والحقد والبغي والحسد كل ذلك يُعمي القلب عن الحق، ويُصِمُّ الأذن عن سماع الحق، فلا يزال القلب مصرًّا على المعصية والإثم والموبقة، والشيطان يدفعه إلى تلك المعصية، فالشيطان هو العدو الأول للإنسان فيدفعه إلى ذلك دفعًا، ويهوِّن عليه الأمر حتى إذا وقع فيها تخلى عنه الشيطان وتبرأ منه، ثم بعد ذلك تُظلم عليه الدنيا، وتضيق عليه الأرض بما رحبت؛ قال تعالى: ﴿ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [المائدة: 30]، ثم بعد ذلك ماذا حصل للقاتل؟ ندِم على ذلك الفعل الشنيع، ولكن هل ينفع الندم على قتله؟ لا ينفع الندم؛ لأن أخاه قد مات، ولن يرجع إلى الحياة الفانية، ثم ماذا يصنع هذا القاتل بعد جريمته، تحيَّر وبقي يحمله مدة طويلة، أول قتيل لا يدري ماذا يصنع به؛ هل يحمله ويضعه في الماء، أم هل يضعه فوق الجبال؟ أشكل عليه الأمر، فالأمر معضلة ومشكلة؛ لأنه أول حادثة قَتْلٍ تحدث على الأرض، فأظهر القاتل ندمه على سوء فعلته وصنيعه، فبعث الله غرابًا يبحث في الأرض؛ ليُرِيَه كيف يدفن أخاه، حتى أراه الله كيف يدفن الغراب غرابًا، وقد بيَّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما من نفس تُقتل ظلمًا منذ ذلك التاريخ، وحتى آخر يوم من الدنيا، إلا كان لهذا القاتل كِفْلٌ منها؛ لأنه أول من سنَّ القتل، وهذا شأن كل من سنَّ ضلالة أو دعا إلى ضلالة، فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، وقد بيَّن الله سبحانه في كتابه بعد أن ذكر قصة ابني آدم أن جريمة القتل عظيمة، وأن من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعًا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا؛ يقول الله تعالى: ﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ [المائدة: 32]، وهذا الحكم وإن كان ظاهره خاصًّا ببني إسرائيل، فإنه عام فينا وفيهم؛ فقد سأل سليمان بن علي الحسن عن هذه الآية، فقال: "قلت للحسن: هذه الآية لنا يا أبا سعيد كما كانت لبني إسرائيل؟ فقال: والذي لا إله غيره كما كانت لبني إسرائيل، وما جعل دماء بني إسرائيل أكرم على الله من دمائنا"[23].

أخي المسلم الكريم، إن الله تبارك وتعالى قد نهى عن قتل النفس بغير الحق في كتابه الكريم، وأثنى عز وجل على الذين يجتنبون هذه الجريمة العظيمة، وقد توعَّد سبحانه من يفعلها باللعنة والغضب، والعذاب العظيم، والخلود في نار جهنم؛ فقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 93]، فاستحضر - أخي المسلم - هذا التهديد العظيم، وهذا الوعيد الكبير، فأي تهديد بعد هذا؟ وأي وعيد بعد هذا الوعيد؟ كل ذلك لأن المسلم له مكانة عند الله تعالى، ودم المسلم هو أغلى الدماء التي يجب أن تُصان، وأن يُغضب لإراقتها.

أخي المسلم الكريم، قد بيَّن الله سبحانه وتعالى حرمة المسلم ومكانته عند الله تعالى؛ فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((والذي نفسي بيده، لَقتلُ مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا))[24]، وفي رواية أخرى: ((لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم))[25]، وفي حديث آخر: ((لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مؤمن بغير حق))[26]، فهذه مكانة المسلم عند الله تعالى، فتدبَّر - أيها القاتل - ماذا تصنع بفعلتك؟

فلزوال الدنيا كلها أهون من قتل رجل مؤمن بغير حق، زوال الدنيا بأموالها ومزارعها، ومصارفها ومصانعها، وتجاراتها وبناياتها، ودولها وأحلافها، وكل ما فيها أهون عند الله من قتل مؤمن بغير حق، بل المسلم له حرمة حتى بعد موته؛ فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كسر عظم الميت، وأخبر أن عظم الميت إذا كُسر فكأنما كُسر وهو حيٌّ؛ فقد صح عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن كسر عظم المؤمن ميتًا مثل كسره حيًّا))[27].

أخي المسلم الكريم، إن النبي صلى الله عليه وسلم قد حذَّر أمته أشد التحذير من هذه الجريمة؛ فقال: ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر))[28]، وقال: ((لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض))[29]، وبيَّن أن هذه الجريمة من السبع الموبقات المهلكات؛ فقد قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات))[30]، وقال أيضًا: ((أكبر الكبائر الإشراك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين، وقول الزور))[31]، وروى النسائي[32] من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من جاء يعبد الله ولا يشرك به شيئًا، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويصوم رمضان، ويجتنب الكبائر، كان له الجنة))، فسألوه عن الكبائر، فقال: ((الإشراك بالله، وقتل النفس المسلمة، والفرار يوم الزحف)).

ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قتل مؤمنًا فاغتبط بقتله - يعني سره ذلك وفرح به - لن يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا))[33].

وقاتل المسلم مهما فَرَّ في هذه الدنيا، فإنه لن يفلت يوم القيامة، ولن يتركه المقتول يوم القيامة؛ فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يجيء الرجل آخذًا بيد الرجل، فيقول: يا رب، هذا قتلني، فيقول له: لمَ قتلته؟ فيقول: لتكون العزة لك، فيقول: فإنها لي، ويجيء الرجل آخذًا بيد الرجل، فيقول: يا رب، إن هذا قتلني، فيقول الله: لمَ قتلته؟ فيقول: لتكون العزة لفلان، فيقول الله تعالى: إنها ليس لفلان فيبوء بإثمه))[34]، وفي رواية للنسائي[35] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يجيء المقتول بقاتله يوم القيامة فيقول: سَلْ هذا فيمَ قتلني؟))، فهذا هو الحساب وهو أشد أنواع الحساب، فهو ليس تحقيقًا دنيويًّا يستطيع به بعضهم أن يتخلص ببعض من يكون للخائنين ظهيرًا، فاحذر - أخي المسلم - كل الحذر أن تقع في دم حرام، فتقتل أحدًا من أجل فلان أو ملك فلان أو إمارة فلان، فإنهم لن ينفعوك شيئًا عند الله، ولن يدفعوا عنك شيئًا من عذاب الله؛ وروى النسائي[36] من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: ((يجيء المقتول متعلقًا بالقاتل تشخب أوداجه دمًا، فيقول: أي رب، سَلْ هذا فيمَ قتلني؟))، وعند ابن ماجه[37] والترمذي[38] عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده، وأوداجه تشخُب دمًا، فيقول: يا رب سلْ هذا فيمَ قتلني؟ حتى يدنيه من العرش))، إذًا احذر - أخي المسلم - أن يكون لك أحد بالمرصاد يوم القيامة، فإن من تقتله في الدنيا فلن يتركك في الآخرة، بل هو لك بالمرصاد، والله سبحانه وتعالى لما جعل للنفس المسلمة هذه الحصانة الكبيرة؛ ذلك لأن نفس المسلم لها مكانة وحرمة، فليس أحد يملكها أو يملك إزهاقها، بل إن ذلك ممنوع غاية المنع، ولا يجوز إلا بإذن من الله تبارك وتعالى، وإذن رسوله صلى الله عليه وسلم، بل حتى نفسك التي بين جنبيك لا تملكها أنت ولا يحل لك إزهاقها؛ ولهذا جاء الوعيد الشديد فيمن يقتل نفسه متعمدًا؛ ففي الصحيحين[39] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من تردَّى من جبل فقتل نفسه، فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تحسَّى سمًّا فقتل نفسه، فسُمُّه في يده يتحسَّاه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجأ بها في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا))، وروى البخاري[40] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي يخنق نفسه يخنقها في النار، والذي يطعن نفسه يطعن نفسه في النار، والذي يقتحم يقتحم في النار))، وفي الصحيحين[41] من حديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حلف على ملة غير الإسلام، فهو كما قال، وليس على ابن آدم نذر فيما لا يملك، ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا، عُذِّب به يوم القيامة، ومن لعن مؤمنًا فهو كقتله، ومن قذف مؤمنًا بكفر فهو كقتله))، ولفظ جامع الترمذي[42]: ((ليس على المرء نذر فيما لا يملك، ولا عن المؤمن كقاتله، ومن قذف مؤمنًا بكفر فهو كقاتله، ومن قتل نفسه بشيء، عذِّب بما قتل به نفسه يوم القيامة)).

فتنبه - أخي المسلم الكريم - دائمًا بأن مسألة قتل النفس بغير حق من الأمور الخطيرة التي تضيق على من ارتكبها الدنيا بما فيها، فمجرد أن يقع المسلم في هذه الجريمة تضيق عليه الأرض، وتضيق عليه نفسه؛ لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لن يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصِبْ نفسًا حرامًا))[43]، وفي رواية لأبي داود[44] عن أبي الدرداء رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزال المؤمن مُعْنِقًا - والمعنق هو طويل العنق الذي له سوابق بالخير - ما لم يصب دمًا حرامًا...))، وروى البخاري[45] من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن من وَرَطَات الأمور التي لا مخرجَ لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حلِّهِ))، ونبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم قد بيَّن لنا فضل مَن خرج مِنَ الدنيا، ولم يتلطخ بدم المسلم؛ فقال: ((من لقِيَ الله لا يشرك به شيئًا لم يتندَّ بدم حرام دخل الجنة))[46]، فهنيئًا لمن خرج من الدنيا، ولم يتلطخ بدم مسلم، وهنيئًا لمن خرج من الدنيا، ولم يحمل مسلمًا على ظهره يأتي به يوم القيامة، هنيئًا لمن خرج من الدنيا، وقد سلم المسلمون من لسانه ويده، هنيئًا لمن فارق الدنيا، ولم يقترف جريمة يسفك بها دم مسلم.

تذكر - أخي المسلم - وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ((إن أول ما ينتن من الإنسان بطنه، فمن استطاع ألَّا يأكل إلا طيبًا فليفعل، ومن استطاع ألَّا يحال بينه وبين الجنة بملء كف من دم أهراقه فليفعل))[47]، فاحذر - أخي المسلم - كل الحذر أن يحول بينك وبين الجنة ملء كف من دم تهريقه بغير حقه، واعلم - أخي المسلم الكريم - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحذِّر أمته من الأمور التي تدعو الإنسان إلى أن يقتل مسلمًا، أو أن يجرح مسلمًا، ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يمر المسلم، ومعه السهام في أسواق المسلمين، أو في مساجد المسلمين، أو في أي مكان من أماكن تجمعهم، إلا أن يكون النصل مغطًّى؛ حتى لا يجرح به مسلمًا، وهو لا يشعر؛ فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا مر أحدكم بمسجدنا أو في سوقنا، ومعه نبل فليمسك عن نصالها بكفه، لا يعقر مسلمًا))[48]، ومن تلك الأمور التي حذَّر منها النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الإشارة إلى المسلم بأي شيء يحتمل أن يقتله أو يجرحه، نهى عن ذلك، وأخبر أن من فعل ذلك، فإنه ربما نال اللعنة والوعيد الشديد؛ لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يُشِرْ أحدكم على أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينـزع يده فيقع في حفرة من النار))[49]، وصحَّ أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((من أشار إلى أخيه بحديدة، فإن الملائكة تلعنه، وإن كان أخاه لأبيه وأمه))[50]، وصحَّ أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن يتعاطى السيف مسلولًا[51]، وكل هذا الاحتراز لشدة حرمة المسلم على المسلم، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؛ خشية أن يكون هناك خطأ فيقع السيف ويجرحك أو يؤذيك أو يقع على أخيك، وإذا كان ذلك في الأسلحة القديمة، فهو في الأسلحة الحديثة أشد تأكيدًا؛ لأن الضرر أعظم، والخطر أكبر، والعلة تدور مع الحكم وجودًا وعدمًا، ومن الأمور التي يُستفاد منها خطورة أمر دماء المسلمين، هو أن النبي صلى الله عليه وسلم حذَّر من الدخول في الفتن، وما ذلك إلا لئلا يقع المسلم في دماء المسلمين؛ لخطورة الأمر وشدته، فالفتن مظنة؛ لأن يكون هناك قاتل ومقتول، فالفتن إذا سعرت وبدأت صعُب على الناس إطفاؤها، فنبينا صلوات الله وسلامه عليه قد حذَّر أمته من الفتن، وبيَّن أنها ستحدث وستكون في هذه الأمة؛ فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((ستكون فتنٌ القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه، ومن وجد فيها ملجأً أو معاذًا، فلْيَعُذْ به))[52]، هكذا بيَّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن المخلص من الفتن أن يهرب منها المسلم قدر الاستطاعة، فاحذر - أخي المسلم - من الوقوع في الفتن، فالفتنة قد تريك الحق باطلًا، والباطل حقًّا، وقد تعميك وتصمك وأنت لا تشعر، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الفتن ستقع في أمته؛ فقال: ((إذا وُضع السيف في أمتي لم يرتفع عنها إلى يوم القيامة))[53]، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ستأتي فتن في آخر الزمان يكثر فيها القتل، وتكثر فيها الفتن، حتى إنه من شدة الفتن يمر الرجل على القبر، ويتمرغ عليه، ويقول: يا ليتني صاحب هذا القبر، من شدة ما يرى من الفتن والأمور العظيمة؛ ففي الصحيحين[54] من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بالقبر فيقول: يا ليتني مكانه))، وقال أيضًا: ((والذي نفسي بيده، ليأتين على الناس زمان لا يدري القاتل في أي شيء قَتَلَ، ولا يدري المقتول على أي شيء قُتِلَ))[55]، وفي رواية لمسلم: ((والذي نفسي بيده، لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم، لا يدري القاتل فيم قتل، ولا المقتول فيمَ قُتل، فقيل: كيف يكون ذلك؟ قال: الهَرْجُ، القاتل والمقتول في النار))[56]، ونبينا صلى الله عليه وسلم حينما يذكر ذلك إنما يذكره؛ ليحذرنا من أن نكون من أولئك أو من أن نشارك في سفك تلك الدماء أو أن نتلطخ فيها، أو أن نلقى الله بها؛ وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يتقارب الزمان، ويقبض العلم، ويلقى الشح، ويكثر الهرج، فقيل: وما الهرج؟ قال: القتل))[57]، وقال أيضًا: ((إن بين يدي الساعة لَهرجًا، قال: قلت: يا رسول الله، ما الهرج؟ قال: القتل، فقال بعض المسلمين: يا رسول الله، إنا نقتل الآن في العام الواحد من المشركين كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس بقتل المشركين، ولكن يقتل بعضكم بعضًا، حتى يقتل الرجل جاره وابن عمه وذا قرابته، فقال بعض القوم: يا رسول الله، ومعنا عقولنا ذلك اليوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، تنـزع عقول أكثر ذلك الزمان، ويخلف له هباء من الناس لا عقول لهم))[58].

فعلى المسلم أن يبتعد عن الفتن كل الابتعاد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد أمته إذا أدركوا الفتن، أو أحسوا بالفتن أن يبتعدوا عنها كل الابتعاد، وأن يهربوا منها كل الهرب؛ لأن الفرار من الفتنة من الدين؛ لذا بوَّب البخاري في صحيحه: "باب من الدين الفرار من الفتن"[59].

أخي المسلم الكريم، إن المسلم ينبغي له أن يحذر من الدخول في الفتن، وأن يستعيذ بالله تعالى منها - فقد كان عمار بن ياسر يستعيذ من الفتن – وأن يحذر أن يشارك فيها بقول أو فعل أو رأي أو بغير ذلك، فإن الفتن إذا صارت لم يسلم منها أحد إلا من رحم الله.

هذا وبالله التوفيق، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

[1] أخرجه: البخاري 9/ 6 (6878)، ومسلم 5/ 106 (1676) (25).

[2] تفسير ابن كثير: 514 و515.

[3] تفسير ابن كثير: 516.

[4] أخرجه: ابن ماجه (2539)، وابن عدي في الكامل 3/ 280.

[5] أخرجه: البخاري 1/ 109 (393).

[6] أخرجه: الحميدي (488)، وأحمد 1/ 240، وعبد بن حميد (680).

[7] 7/ 81 وفي الكبرى، له (3446).

[8] أخرجه: البخاري 9/ 3 (6864)، ومسلم 5/ 107 (1678) من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ((دون الشطر الأول)).

[9] أخرجه: أحمد 4/ 148، وابن ماجه (2618)، والحاكم 4/ 351 - 352.

[10] 9/ 7 (6882) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

[11] 9/ 80 (7152).

[12] هم الذين يقتلون في الفتنة، فيقتل أحدهم فيرى أنه على هدى ولا يستغفر الله منه أبدًا؛ [مسند الشاميين 2/ 266].

[13] أخرجه: أبو داود عقب (4270).

[14] أخرجه: البخاري 9/ 2 (6862).

[15] أخرجه: البخاري 1/ 41 (121)، ومسلم 1/ 58 (65) (118) من حديث جرير بن عبدالله رضي الله عنه.

[16] أخرجه: نعيم بن حماد في الفتن (489).

[17] أخرجه: نعيم بن حماد في الفتن (490).

[18] أخرجه: الطبراني في الكبير (319).

[19] البخاري 1/ 14 (31)، ومسلم 8/ 169 (2888) (14).

[20] سبق ذكره.

[21] 9/ 64 (7083).

[22] 8/ 170 (2888) (16).

[23] أخرجه: الطبري في تفسيره (9211)، وما تقدم من كلام عن هذه القصة اقتباس من محاضرة للشيخ فهد الحربي بعنوان القاتل والمقتول، جزاه الله خير الجزاء.

[24] سبق تخريجه.

[25] أخرجه: الترمذي (1395) بهذا اللفظ من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه.

[26] أخرجه: ابن ماجه (2619) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.

[27] أخرجه: بهذا اللفظ ابن الجارود (551) وأخرجه: أبو داود (3207)، وابن ماجه (1616) بلفظ: ((كسر عظم الميت ككسره حيًّا)).

[28] أخرجه: البخاري 1/ 19 (48)، ومسلم 1/ 57 (64) (116) من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.

[29] سبق تخريجه.

[30] أخرجه: البخاري 4/ 12 (2766)، ومسلم 1/ 64 (89) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[31] أخرجه: البخاري 3/ 225 (2654)، ومسلم 1/ 64 (87) (143) من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.

[32] 7/ 88 وفي الكبرى، له (3472).

[33] سبق تخريجه.

[34] أخرجه: النسائي 7/ 84 وفي الكبرى، له (3460) من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.

[35] 7/ 84 وفي الكبرى، له (3461) من حديث جندب رضي الله عنه.

[36] 7/ 85 و8/ 63، وفي الكبرى، له (3462) و(7072).

[37] سنن ابن ماجه (2621).

[38] الجامع الكبير (3029).

[39] أخرجه: البخاري 7/ 181 (5778)، ومسلم 1/ 72 (109).

[40] 2/ 121 (1365).

[41] أخرجه: البخاري 8/ 18 (6047)، ومسلم 1/ 73 (110) (176).

[42] الجامع الكبير (1527).

[43] أخرجه: البخاري 9/ 2 (6862) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

[44] سنن أبي داود (4270).

[45] 9/ 2 (6863).

[46] أخرجه: ابن ماجه (2618) من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.

[47] سبق تخريجه.

[48] أخرجه: البخاري 1/ 122 (452)، ومسلم 8/ 33 (2615) (124) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

[49] أخرجه: البخاري 9/ 62 (7072)، ومسلم 8/ 34 (2617) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[50] أخرجه: مسلم 8/ 34 (2616) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[51] أخرجه: أبو داود (2588)، والترمذي (2163) من حديث جابر رضي الله عنه.

[52] أخرجه: البخاري 4/ 241 (3601)، ومسلم 8/ 168 (2886) (10) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[53] أخرجه: الترمذي (2202) من حديث ثوبان رضي الله عنه.

[54] البخاري 9/ 73 (5117)، ومسلم 8/ 182 (157) (53).

[55] أخرجه: مسلم 8/ 183 (2908) (55) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[56] أخرجه: مسلم 8/ 183 (2908) (56) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[57] أخرجه: البخاري 8/ 17 (6037)، ومسلم 8/ 59 (157) (11) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[58] أخرجه: ابن ماجه (3959) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وهو حديث صحيح.

[59] صحيح البخاري 1/ 11.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 76.67 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 74.95 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.24%)]