|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
نشأة الفقه وتطوره من منظور حداثي: عبد المجيد الشرفي نموذجا
نشأة الفقه وتطوره من منظور حداثي: عبد المجيد الشرفي نموذجا فاطمة حافظ لا يزال الفقه الإسلامي لا سيما في طوره التكويني الأول يجذب إليه الدارسين سواء أكانوا من المستشرقين الذين اهتموا به ردحا من الزمن أو من الباحثين المعاصرين وخصوصا الحداثيين العرب في العقود الأخيرة، ونتج عن هذا الاهتمام عدة كتب وبحوث تناولت نشأة الفقه وعوامل تطوره وسبل تطويره، وفي هذا المقال نتناول رؤية الأستاذ عبد المجيد الشرفي وهو رائد من رواد القراءات الحداثية لنشأة الفقه وتأسيس علم الأصول على يد الإمام الشافعي. يستهل الشرفي كتابه (الإسلام بين الرسالة والتاريخ) بالإشارة إلى أن أطروحته الفكرية حول الإسلام تندرج ضمن باب الاجتهاد لكنه يستدرك أن الاجتهاد الذي يقصد والمطلوب في عصرنا ليس الاجتهاد بمعناه الشائع وثيق الصلة باستنباط الأحكام والمنقسم في عرف الفقهاء إلى اجتهاد مطلق واجتهاد مقيد، بل هو اجتهاد مغاير ومفارق للاجتهاد الأول الذي تجاوزه الزمان إنه “تفكر وتدبر يهمه الوفاء لجوهر الرسالة المحمدية ولا يخشى معارضة المسلمات، بدعوى أنها من المعلوم من الدين بالضرورة [1]، وفي هذه العبارة يبشرنا الشرفي أن ما أسماه “اجتهادا” يصطدم مع المسلمات الدينية، وأن غايته ليست استنباط أحكام تتلاءم مع المستجدات إذ لم تعد بنا حاجة للأحكام الفقهية في عصرنا. دواعي نشأة الفقه وتمدده في تحليله للدواعي التي تقف وراء نشأة علمي الفقه والأصول يفترض الشرفي أن الإسلام ظهر في منطقة جغرافية تعج بالديانات فالزرادشية كانت سائدة في فارس والمسيحية في فلسطين والشام ومصر واليهودية في بضع مناطق عربية، وكان لكل منها رجال كهنوت يحددون ما يدخل في دائرة الإيمان وما يخرج عنه، ويحكمون بين المتخاصمين على مقتضى قواعد الديانة، وقد تأثر المسلمون بهذه المؤسسة الكهنوتية واقتفوا أثرها بعد وفاة الرسول. ففي السنوات الأولى من عمر الدعوة قام الرسول بمهمة الفصل في الدعاوى والنزاعات ولما توفي كان الاسترشاد بأحكامه القضائية ممكنا لقرب العهد والتشابه في الدعاوى، لكن مع ازدياد حركة الفتوح واتساع رقعة البلاد واعتناق أجناس مختلفة للإسلام واجه المسلمون قضايا لا عهد لهم بها حتى عسر على الخلفاء والولاة والقضاة الاكتفاء بما نص عليه القرآن، وتعددت بذلك الاجتهادات الفردية وتعددت معها الأحكام القضائية، وأضحت الحاجة ماسة إلى وضع ضوابط تحد من اختلاف الأحكام وتستنبط من القرآن أحكاما صالحة للتطبيق، وعملية الاستنباط هذه هي ما يطلق عليها الشرفي اسم “التقنين” ظنا منه أنها حولت القرآن من مجرد توجيهات أخلاقية إلى مدونة قانونية يقوم على تطبيقها فئة من العلماء أو “الكهنوتيين” الذين أفلحوا في تحويل الدين إلى مؤسسة كهنوتية. ويعتقد الشرفي أن التقنين أفضى في نهاية المطاف إلى نتيجة مزدوجة أولهما؛ إفقار النصوص القرآنية بطرحها الأبعاد الأخلاقية والاجتماعية وتحويلها إلى نصوص قانونية، وثانيهما تحميل النصوص ما لا تحتمل عبر “التأويل التعسفي”، حتى صار الإخبار عن عادات الأمم السابقة -كما هو الحال في القصاص-تشريع واجب النفاذ في شتى العصور. مركزية الشافعي يتفق الفقهاء والأصوليون على أن الإمام الشافعي هو أول من أرسى قواعد علم الأصول في كتابه الرسالة لكن الشافعي يتشكك في ذلك ذاهبا إلى أن أتباع المذاهب الفقهية لا يرضون بهذه الأولوية للشافعي، ويستدل على ذلك بقول “أبو الوفا النعماني” في مقدمة تحقيقه لأصول السرخسي يذهب خلاله إلى أن الإمام أبو حنيفة هو أول من صنف في علم الأصول، وقول آخر للسيد “حسن الصدر” يفيد أن الإمام أبو جعفر محمد الباقر -وهو من أئمة الشيعة – أول من أسس أصول الفقه، وهنا يثور تساؤل: هل يستقيم وضع آراء النعماني أو الصدر في منزلة واحدة مع أقوال حشد من المحققين التراثيين جزموا أن الشافعي هو أول من كتب في الأصول، وحول هذا المعنى يقول الرازي (واعلم أن نسبة الشافعي إلى علم الأصول كنسبة أرسطاطاليس إلى علم المنطق، ونسبة الخليل بن أحمد إلى علم العروض). ورغم الشكوك يذهب الشرفي أن الشافعي كان من مؤسسي علم الأصول؛ بل إن تأثيره يفوق تأثير معاصريه، وهو يفترض أن الإمام أحدث أمورا ثلاثة كان لها أعمق الأثر على البنية الدينية عمومًا وعلى أصول الفقه خصوصا، وهي:
الملاحظة الأولى: إن الادعاء بوجود قراءة واحدة للنص هي القراءة الفقهية لا يستقيم؛ حيث تعددت قراءات النص وتنوعت عبر العصور، فهناك قراءة صوفية نجدها في (الفتوحات المكية) لابن عربي وفي (غرائب القرآن) للنيسابوري، وقراءة بلاغية مثل (الكشاف) للزمخشري، وقراءة لغوية مثل (مفردات القرآن) للأصفهاني، وهناك قراءة تأخذ بعين الاعتبار السياق التاريخي الذي نزل خلاله النص وتركز على أسباب النزول كما هو الحال (أسباب النزول) للواحدي، لدينا قراءة اعتمدت الرأي كتفسير النسفي والرازي، كما ظهرت خلال العصر الحديث قراءات جديدة للنص مثل القراءة العلمية وأبرز أمثلتها (تفسير الجواهر) للشيخ طنطاوي جوهري. الملاحظة الثانية، إن حجج الشافعي -على أهميتها- لا وجود لها في طرح الشرفي، إنه يقرر ما يعتقده حول الشافعي دون عرض مسوغاته ومبرراته، وحين يتم شطبها فإننا نكون إزاء محاكمة للشافعي وليس نقاشا فكريا مع أطروحاته الفكرية، والحق إن عرضها كفيل بدحض ادعاءات الشرفي، وعلى سبيل المثال جل حديث الشافعي حول الإجماع مرتبط بالمعلوم من الدين بالضرورة، فيقول في الرسالة: ” لست أقول؛ ولا أحد من أهل العلم، هذا مجتمعٌ عليه، إلا لما لا تلقى عالما أبدا إلا قاله لك وحكاه عن من قاله، كالظهر أربع وكتحريم الخمر وما أشبه هذا[6]. في نقد منهج الشافعي إن الأثر الذي أحدثه الشافعي في بنية الفقه لا يتصور حدوثه كما نفهم من كلام الشرفي إلا لخلل في التنظير، وبعبارة أدق ” من الطبيعي أن يكون تنظير الشافعي تنظيرا يفتقر إلى التدقيق والتفصيل والترتيب المنطقي الصارم وهي الصفات التي يمتاز بها كتاب مثل المستصفى للغزالي، وكتب أصول الفقه المتأخرة[7] فالشافعي يمثل مرحلة البدايات المعثرة، والكتب التالية تمثل مرحلة النضج والاكتمال. وانطلاقا من هذا الأساس فإنه لا يضير الشافعي -كما يقول-أن نتبين بعد مضي قرون متطاولة على وفاته ثغرات ومآخذ في منهجه، وهذه المآخذ يمكن اختزالها في النقاط التالية:
قائمة المصادر والهوامش [1] عبد المجيد الشرفي، الإسلام بين الرسالة والتاريخ، ص 8-9. [2] لبنات، ج 1، ص 172. [3] نفس المرجع السابق، ص 184 [4] نفسه، ص 185. [5] نفسه، ص 174. [6] محمد بن إدريس الشافعي، كتاب الرسالة، ت: أحمد محمد شاكر، القاهرة: مكتبة مصطفى البابي الحلبي، ص 534. [7] لبنات ج1، ص 173. [8] المرجع السابق، ص 173-175.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |