|
|
ملتقى الأخت المسلمة كل ما يختص بالاخت المسلمة من امور الحياة والدين |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
أريدك أن تنجبي ولدا..
أريدك أن تنجبي ولدا.. أروى التويم استيقظتُ ذلك اليوم بنفسية مختلفة، اليوم هو يومي الأخير في العمل فغدًا تبدأ إجازة أمومتي، رتَّبْتُ مكتبي وأوراقي، وجمعت مقرراتي وخططي في ملفَّات مع قائمة بأسماء البنات ودرجاتهن وأعمالهن حتى تكون جاهزةً وواضحة للأستاذة التي ستُكمل بعدي، وقدَّمْتُ محاضرتي الأخيرة (أدب - المستوى الثالث) بنشاط أكبر، وفي نهاية المحاضرة سألتهن إن كان هناك أي سؤال عن المحاضرة أو عن النصف الأول من المقرَّر، وأخبرتهن بأنها محاضرتنا الأخيرة، وأنا ألملم أوراقي استعدادًا للخروج استوقفتني سلمى، وبالمناسبة سلمى فتاة فرنسية، جميلة وقوية وجريئة وذات كاريزما، وهي إحدى الطالبات اللاتي لا تنساهن معلماتهن: • أستاذة. • نعم. • عندي سؤال. • تفضلي. • ماذا ستنجبين؟ ولدًا أم بنتًا؟ ضحكتُ، وتعالت ضحكات الطالبات. • وماذا تريدينني أن أنجب؟ سألتُها وأنا أضحك، ولم أكن أعرف أن سؤالي سيكون بدايةً لحوار طويل وتساؤلات كثيرة، فأجابت دون تردُّد: أريدك أن تنجبي ولدًا، ثم التفتُّ للباقيات متسائلة: وأنتن ماذا تُرِدْنني أن أنجب؟ فتعالت أصواتهن: ولد، ولد، ولد، فسألتهن حتى أتأكد: هل تفضلن الولد على البنت؟ فأجبْنَ: طبعًا، فتعجَّبْتُ كثيرًا، وذلك لأنهنَّ فتيات أولًا، وصغيرات السنِّ ثانيًا، ومن بلدان وثقافات مختلفة ثالثًا، فقد كان في الصف طالبات من آسيا وأوروبا وأفريقيا، وأنا التي ظنَنْتُ أن أجدادنا وحدهم الذين يفضلون الولد على البنت، وحتى أكون منصفةً، فإنه ربما كان هناك واحدة أو اثنتان أو أكثر لا تفضلْنَ الولد أو على الأقل لم تشاركن في الحوار؛ لكن أغلبهن كان هذا جوابهن، جلست وارتحت في جلستي وسألتهن: هل من الممكن أن تخبرني كل واحدة منكن: لماذا تفضل أو يفضل أهلها الولد؟ فابتدأت سلمى بالإجابة قائلة: الولد عِزٌّ يا أستاذة. ضحكت لاستخدامها نفس المفردة التي يستخدمها أجدادُنا. • وكيف يكون الولد عزًّا؟ أجابت: أنا أخت أولاد، وقد درست الابتدائية والمتوسِّطة والثانوية دون أن يتعرَّض لي أحد؛ فإخوتي يحمونني. وعقَّبَت أخرى: الأمُّ تفضِّل إنجاب الولد؛ لأنها لا تخاف عليه من الحياة كما تخاف على البنت؛ فالحياة صعبة والبنت تظل ضعيفة رغم كل شيء. وحكت ثالثة من إحدى الدول الإفريقية الفقيرة: أم الأولاد مكرَّمة وأم البنات وحيدة. سألناها: كيف ذلك؟ أجابت: النظام في مجتمعنا مختلف، فأُمُّ الأولاد مُكرَّمة، يعيش معها في بيتها أولادها وزوجاتهم وأولادهم، يخدمونها، ويقومون بتحضير الطعام وتنظيف المنزل، ويملؤون بيتها ضحكًا وبكاءً ولعبًا، في حين تجلس أم البنات بعد تزويجهن وحيدةً في البيت، تنتظر إجازة نهاية الأسبوع؛ لترى إحداهن ولو قليلًا، أو ربما لا تراها أيضًا، فكيف تتعجَّبين من رغبتنا في إنجاب الولد؟! واستمرَّت الطالبات في الحديث وتبرير الفكرة ومحاولة جعلها منطقيةً، ولو من بعض الجوانب على الأقل، وأنا أستمعُ لهن، وتدور في ذهني عدد من الأفكار والأسئلة، بعيدًا عن صحة الفكرة، هل حقًّا يتشارك الناس حول الأرض الرغبة في إنجاب الولد؟ وكم النسبة التي تمثِّلها هؤلاء الفتيات؟ ومن مثلهن؟ وما المنطلق الذي تنطلق منه هذه الفكرة عند أولئك الناس؟ فبعد أن ظننا سنوات أن هذه الفكرة مولودة من مشاعر سلبية تجاه البنت مثل الكره والاستنقاص، هل من الممكن أن نكون مخطئين وتكون نابعة من رحمة وخوف مثلًا؟ هل هذا التفضيل ناشئ عن اعتقاد عميق ضد المرأة أو من ضعف الإنسان وخوفه؟ هل هي فكرة منطقية على الأقل عند الأمِّ الإفريقية تلك التي تخشى الوحدة؟ وهل تخفى هذه الفكرة في المجتمعات القوية والغنية ومع تساوي الفرص تقريبًا للنساء والرجال؟ وما الذي يمكننا فعله للتخفيف من تلك المخاوف؟ ثم هل ستنقرض هذه الفكرة يومًا ما أم لا؟ ثم انتقلت للتفكير فينا نحن وفي مجتمعنا تحديدًا، لماذا يقسو البعض على مجتمعنا ويتهمه وحده بالتخلُّف والرجعية والتمييز ضد المرأة؟ في حين أن العالم كله أو أكثره على الأقل مُتَّهم بنفس الاتهامات؟ هل أجدادنا (إن صح أن أكثرهم يفكرون بهذه الطريقة وأنا أشكُّ في ذلك) عندهم تبريرات مشابهة لتبريرات هؤلاء الفتيات؟ هل هي فكرة فرضها عليهم الجهل والفقر وليس الكره؟ هل لأن الأب يرى في الولد يدًا عاملة أخرى؟ هل من الممكن أن نعذرهم لفقرهم وصعوبة حياتهم ونتفهَّم واقعهم الاجتماعي؟ وما الذي سيحصل لو تفهمناهم قليلًا؟ هل سيُساعد هذا التفهُّم النساء على التصالح مع أنفسهن ومجتمعهن وماضيهن؟ وهل من الممكن أن يخفف من غضب الفتيات الصغيرات على الآباء والأجداد بسبب القصص التي يسمعنها سواء كانت حقيقية أو من وحي الخيال؟ وكيف سيُؤثر هذا التفهُّم على جيل الشباب في نظرته للمرأة؟ وأخيرًا كيف استوعب الإسلام الإنسان؟ وكيف احتواه ومخاوفه؟ وجاء رسوله أبًا محبًّا للبنات، مرغبًا في تربيتهن ورعايتهن والإحسان إليهن، وإن كانت مسألة البنات ومكانتهن وفضلهن منتهية عندي، وليست محل تفكيري وتساؤلاتي. كانت تلك الأسئلة تدور وتدور وأنا أستمع إليهن وهن يتحدثْنَ بحماسٍ شديدٍ وأبتسم، حتى قطع ذلك كله طرق الأستاذة على الباب تستأذنني في بدء محاضرتها، فقمت ألملم أوراقي مرة أخرى، لتستوقفني سلمى مرة أخرى أيضًا. • أستاذة. • نعم. • (هاه) ماذا ستنجبين؟ ولدًا أم بنتًا؟ ابتسمت قائلة: عندي بنت، وسأنجب بنتًا ثانية، وأنا سعيدة جدًّا بذلك والحمد لله.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |