مقاصد سورة النمل - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11942 - عددالزوار : 191097 )           »          سحور يوم 19 رمضان.. ساندوتشات فول مخبوزة خفيفة ولذيذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          واتس اب بلس الذهبي (اخر مشاركة : whatsapp Girl - عددالردود : 2 - عددالزوار : 2653 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 658 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 937 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1091 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 853 )           »          صحتك فى شهر رمضان ...........يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 836 )           »          اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 920 )           »          فتاوى رمضانية ***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 564 - عددالزوار : 92811 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20-01-2021, 05:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي مقاصد سورة النمل

مقاصد سورة النمل
أحمد الجوهري عبد الجواد



"سلسلة منبريّة ألقاها فضيلة شيخنا الدكتور عبد البديع أبو هاشم رحمه الله، جمعتها ورتبتها وحققتها ونشرتها بإذن من نجله فضيلة الشيخ محمد عبد البديع أبو هاشم".

(27) سورة النمل:
الحمد لله ربّ العالمين، سبّحت له الطير في السماء، والحيتان في الماء، والنمل في الجحور، ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾، نحمده سبحانه ونستعينه ونستهديه ونتوب إليه ونستغفره، ونعوذ به سبحانه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ولن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ﴿ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، وصفوته من خلقه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وكشف الله به الغمة، وتلا على الأمة هذه القرآن العظيم هدايةً وبشرى للمؤمنين، صل يا ربنا وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه وتمسك بسنته إلى يوم الدين، وصل علينا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

أما بعد..
أيها الإخوة المسلمون الأفاضل، هذه هي سلسلة حديثنا عن مقاصد القرآن الكريم، أو مقاصد سور القرآن الكريم، نتابع الحديث عنها والجلوس على مائدتها الكريمة، حيث إن فيها وعليها خيراً كثيرًا، ومع سورة النمل – حسب ترتيب المصحف – نقضي هذه اللحظات المباركة، تلكم السورة العظيمة المليئة بالمعجزات المبهرات، المليئة بالمفاجآت الغريبات العجيبات، المليئة والحافلة بأدلة التوحيد العظيمة التي تراها كل عينٍ وإن لم تسمع أذنها بشرع، مما يدل على وجود التوحيد على كل ذي عينٍ وكل ذي حسّ ولو لم يصله، سماها الله تعالى سورة النمل، وذلك لما ذُكر فيها من مقالةٍ واحدة لنملة واحدة من النمل يشير الله بها إلى ذلك القطاع العظيم من الخلق، هو عظيمٌ في شأنه وإن كان صغيراً في حجمه، خفيّاً لا يُرى بسهولة، ولا يُحس بسهولة، فربما أقتل أمةً من النمل بقدمي تحت حذائي وأنا لا أشعر بشيء، وأنا لا أقصد، هذه الأمة لها شأنٌ عظيمٌ عند الله، استحقت أن يسمي الله باسمها سورةً من سور القرآن، النمل.

وفي ذلك إشارةٌ لمن يقرأ السورة ويتدبرها، إشارةٌ إلى الإنسان الذي أكل أخاه، وافترس أخاه، ويريد أن يعيش في الكون وحده ويريد لنفسه ولمفرده السيادة والعظمة، ولم تتسع الدنيا في نظره ليعيش معه الناس، مع أنه اجتماعي ومدنيٌ بطبعه، أكل إخوانه، أكل حياتهم فقتلهم، أكل أموالهم بالباطل سرقةً ونصباً ورشوةً ورباً وغير ذلك، أكل أعراضهم بالاعتداء عليها والافتراس لها، أكل حقوقهم وبغى على ديارهم بكل أنواع الإيذاء والطغيان طغى الإنسان على أخيه، وتلك نملة لا تساوي في جسم الإنسان وفي كيانه في الحجم جزءاً من شعرةٍ من شعراتٍ كثيرة في هذا الإنسان تمشي على جسده ومن خفتها ربما لا يشعر بها، حتى إذا لدغته علم أنه أقوى منه، تلك النملة الصغيرة حياتها عجيبة، اقرءوا عنها كما شئتم، تابعوها في أرضكم ودياركم لتتعلموا منها، قالت مقالةً واحدة ذكرها الله في القرآن ﴿ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ﴾.

وتعد هذه الآية من الآيات البليغات جداً في القرآن، والقرآن كله بليغ، ولكن هذه الآية لها خصوصيةٌ في البلاغة، والله تعالى يصوِّر من خلالها بلاغة هذه النملة وفصاحتها وطيب نفسها وحسن خلقها وجمال حياتها، حيث خافت على أخواتها النمل، خافت عليهم فنصحتهم أن يرجعوا إلى الحصن ليتحصَّنوا فيه من هذا الخطر القادم عليهم وسيقتلهم ويُنهي حياتهم دون أن يشعر ﴿ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ﴾.

فصار اسم السورة سورة النمل، بعض العلماء حينما نظر في السورة وجد الهدهد أكبر ودوره أعظم، النملة أنقذت أمةً من النمل، لكن الهدهد أنقد أمةً بشرية، أمةً من الأمم البشرية التي ليست من جنسه فلم يكن دوره قاصراً على الهداهد مثله وإنما تعدى خيره إلى بني الإنسان، فسمى السورة سورة الهدهد فهو أولى بذلك، ورأى آخرون أن السورة تحكي موقفاً ومشهداً عظيماً من مشاهد قصة نبي الله سليمان الملك عليه سلام الله لم يُذكر في سورةٍ أخرى، فقال بل هي سورة سليمان، لكن الحكمة فيما قال الله[1].

إذا كانت هذه سورة النمل، واستحقت النمل أن تكون عنواناً على سورة قرآنية مع صغر حجمها وبطء حركتها وقلة دورها – في نظرنا – فما بالك بما هو أكبر منها، إنه يستحق أكثر وأكثر، فالتنبيه على الأقل أو القليل يدل على التنبيه على الكثير، ففي كل ذلك حكمةٌ ودلالة، لكن الاسم الذي وردت به السورة هو اسم النمل، ولم يقل الله سورة النملة، وإن كانت المتكلمة هي نملة واحدة؛ ذلك ليدل سبحانه وتعالى ويشير إلى أن النمل كله على هذه الصفة الجميلة التي ظهرت من هذه النملة، فلم تكن نملةً حسنة الخلق وبقية النمل على سوء خلق، لم تكن هذه النملة هي الحريصة فقط على أخواتها ولو كانت غيرها مكانها لما فعلت ذلك، لا، بل كل النمل يخاف على بعضه، ويحتضن إخوانه، ويحمي حمى بعضه، ويعيشون في سلامٍ ووئام عجز عن تحقيقه البشر بآماله الطاغية وأحلامه الحالمة، وإن كانت على غير حق، فتعلموا من النمل.

هذه السورة بهذا القصص وببدايتها حيث الحروف المفردة ﴿ طس ﴾ ومدح الكتاب العظيم ﴿ تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ ﴾، وبما في أواخرها من ذكرٍ ليوم القيامة وتهديد للكفار ووعيد ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾، هذا التهديد يشير إلى جو السورة وأنها نزلت في الأجواء المكية، وفي الظروف الزمانية المكية قبل الهجرة، لتعالج تلك النفوس التي عاشت على الباطل والجاهلية فترةً من الزمان ففسدت وعظم فسادها، فنزل القرآن يعالجها ويخلصها من جاهليتها لتعيش حياةً ساميةً راقية، فالسورة مكية نزلت قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم كما عرفنا ذلك[2].

أما عن موضوعات السورة فهي كسورة الشعراء قريبةٌ منها جداً في هذا العرض، مقدمةٌ قصيرة تؤكد على عظمة القرآن، وأن الذين آمنوا بالقرآن هم أهل الخير وهم أهل العلم وهم أهل الفضل، وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة لهم من العذاب ولهم من الوعيد ما ينتظرهم في الدنيا والآخرة، ثم ما تلبث الآيات حتى تدخل في جولةٍ من القَصص، تبدأ بقصة موسى عليه السلام، ومن بعدها قَصصٌ آخر كقصة داود وسليمان عليهما السلام، ويوسع الله في قصة سليمان أكثر من قصة داود، ثم من بعده قوم ثمود وحيث نبي الله صالح عليه السلام، ومن بعده قوم لوط وماذا قال لوطٌ لقومه وكيف واجهوه بالتكذيب حتى أهلكهم الله، ثم تبدأ السورة جولةً أخرى تخاطب بها هذه الأمة، والكافرين المنكرين لحق الله، تأخذ الناس وتنطلق بهم في أجواء الحياة التي نراها بأعيننا ونلمسها بحواسنا، من فعل كذا وكذا وكذا، من فعل كذا، أإلهٌ مع الله، من فعل كذا أإلهٌ مع الله، أإلهٌ مع الله؟!

خمسة مجالات عظيمة واسعة ينطلق بها القرآن في هذه السورة بفكر أصحاب الفكر وعقل أصحاب العقل ليعقلوا وليعلموا أن الله هو رب هذه الحياة ورب هذه الخليقة، وأنه لا شريك له، ومن كان عنده شريكٌ حقيقيٌ له جزءٌ من الشراكة مع الله فليأتنا به، فليأتنا بسلطانه وبينته ودليله، لم يقم أحدٌ ليقول هذا، وما مع أحدٍ من الناس من دليلٍ ولا برهان على أن هناك إلهاً غير الله عز وجل، فختم الله الحوار بقوله {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}، إذاً لا إله إلا الله، تقريرٌ عظيم بوحدانية الله تبارك وتعالى، يقرر الله فيه العقلاء الذين ينظرون فيفهمون، يرون فيعلمون، قبل أن يسمعوا الشريعة ودون أن يسمعوا الشريعة لو تفكروا بعقولهم في الكون الذي يحيط بهم لعلموا أنه لا إله إلا الله، كلمةٌ واضحةٌ وضوح الشمس تسطع على أهل الأرض وعلى الخلق من كل اتجاه، حيث نظر لو تفكر بعقلٍ سليم وبطريقةٍ صحيحة لأدرك أنه لا إله إلا الله، فيأتيه الشرع، بعد ذلك، فيسمعه آياتٍ تقره على ما وصل إليه.

ثم جولة أخيرة وإن طالت بعض الشيء تحكي كفر الكافرين بيوم القيامة وإنكارهم له ﴿ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ *لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ﴾، يريدون أن يبعثوا في الدنيا وما وعدهم الله بهذا، إنما توعدهم بالبعث في الدار الآخرة، بعد الدنيا وبعد حياة البرزخ يكون البعث يوم القيامة، وإن كان الله تعالى قد بعث لهم في الدنيا نماذج من بني إسرائيل ﴿ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ ﴾ صعقوا وماتوا ﴿ ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾، وأمات الله رجلاً أو قُتل رجلاً في بني إسرائيل فرد الله إليه الحياة حين أمرهم أن يذبحوا بقرة فيضروا بها أو بجزء منها هذا القتيل فقام وأخبر عن قاتله وكشف أمره ثم عاد إلى الموت من جديد، بعثٌ أمام العين ﴿ كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ لكن وما عقلوا، بعث الله الرجل الذي مر على قريةٍ وهي خاوية على عروشها ﴿ قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ﴾، ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ﴾ اذبح الطيور الأربعة واخلط لحمهن في بعضهن ثم قسم اللحم أجزاءً وضع كل جزءٍ على رأس جبل ثم نادي على تلك الطيور التي كانت ستأتي إليك سعياً ﴿ ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾.

أمثلةٌ كثيرة في الحياة بعث الله فيها بعثاً، وأحيا مواتاً لكي يعقل الناس ويأخذوا نموذجاً على هذه القضية التي استغربوها، فلما حاجهم الله بالحجة وأن البعث أمرٌ ممكن راحوا يتساءلون سؤالاً آخر ينكرون به الآخرة ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ ربما تكون بعض الآيات قد سبقت وظهرت في الدنيا من آيات يوم القيامة ومن أشراط الساعة وأنتم لا تشعرون ولا تدرون بشيء، بعثة النبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم علامة من علامات الساعة، مجرد أن يُبعث آخر نبي إذاً انتهت الدنيا ما عاد نبيٌ بعد ذلك، إذاً ليس بعد ذلك إلا القيامة، العاقل يفهم هذا، هذا آخر رسول خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، فماذا بعده ما بقيت رسالات ولا أمم ولا شيء، إذاً البعث والقيامة، الموت النهائي والبعث والقيامة، ولذلك أنزل الله عليه ﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ﴾، ﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ﴾، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "بُعثت أنا والساعة كهاتين"، وأشار بأصبعيه أصبع الإشارة والإصبع الوسطى وليس بينهما فارق[3]، خيطٌ من نور يفرق بينهما، خيطٌ دقيقٌ جدًّا، فاصلٌ قصير بين بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين مجيء الساعة.

هذا من أشراطها ولكنهم لا يشعرون، وانشقاق القمر كان من أشراطها وقد حدث أيام كفار مكة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كمعجزة ولم يؤمنوا، ويرد الله عليهم في هذا ويناقشهم إلى أن تنتهي السورة بشبه الخلاصة، المطلوب ﴿ إِنَّمَا أُمِرْتُ ﴾ قل هذه من الله، الله يقول للنبي صلى الله عليه وسلم خلاصة هذا الموقف ليبلغه للناس، ليبلغه لمن كفر، ماذا يريد الله منكم في هذه الجولة العظيمة من خلال سورة النمل ﴿ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ * وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾.
يتبع






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20-01-2021, 05:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مقاصد سورة النمل

مقاصد سورة النمل
أحمد الجوهري عبد الجواد





هكذا تنتهي السورة بمثل هذه الخلاصة، أن تعبدوا الله الذي هو رب بلدكم، رب أرض مكة والأرض كلها، وهو الذي حرمها وجعلها محرمةً مكرمةً مقدسة، وهو الذي شرفها ببيته الحرام، وهو الذي جعلها محطًّا لأنظار العالم من حولها، وهو الذي جعلها سُرة الأرض ووسطها، رب هذه الأرض، رب هذه البلدة، فحينما نعبد رب الأرض التي نعيش عليها، خالقها، بارئها، فاطرها، الذي ملأها بالنعم والخيرات، فوق ظهرها الكعبة وتحت ظهرها البترول، وكذلك الوطن العربي كله والذي انتشر فيه الإسلام أولاً، كله خيراتٌ من ماءٍ عذبٍ ومن خيرات في الأرض وزراعة وأجواء جميلة مستوية وهكذا، هذا أمرٌ عقليٌ ومنطق طبيعي أن نعبد رب هذه البلدة، حينما تكون ضيفاً على إنسانٍ في بيته، لمن تخضع خلال هذه الزيارة، ألصحاب هذا البيت أو لجاره، أو تتبع هواك، تأكل ما تحب وتشرب ما تشتهي وتقوم وقتما تحب أن تقوم وتجلس في أي مكانٍ يعجبك؟! لا والله ما يكون هذا أبداً، ما رأينا هذا في ضيافة، لا في بيوتنا ولا في بيوت غيرها ولا يليق هذا أبداً، لا عرفاً ولا أدباً ولا شرعاً، إنما يتبع الضيف صاحب الضيافة والبيت، أُمرنا بالأمر المعقول أن أعبد رب هذه البلدة، تنتهي السورة بهذا أحبتي الكرام، وهذا هو موضوعها أو موضوعاتها المتسلسلة من بدايتها إلى ختامها.

وبهذا نلاحظ تناسب السورة مع ما قبلها أيضاً وارتباطها بما قبلها من سورة الشعراء، فإنها تُكمِّل ما ذكرته سورة الشعراء من قصص بعض الأنبياء، ففصلت هنا ذكر سيدنا سليمان عليه السلام، فكانت شبه تكملةٍ وتتمةٍ لها، فذُكر من شأن سليمان في سورة النمل ما لم يذكر في سورة الشعراء، والسورتان بُدأتا ببدايةٍ واحدة فهما من الطواسين؛ يعني السورة التي بدأت بطاء سين، حرف الطاء وحرف السين، وعرفنا أن هذه الحروف المقصود منها الإعجاز، أن الله يقول للكفار هذه حروف القرآن وهي نفسها حروف كلامكم فإن كان القرآن من عند محمدٍ أو يعلمه بشر أو يلقاه من ساحرٍ أو من جنٍ أو غير ذلك، فاصنعوا أنتم مثل القرآن، فهذه حروفه التي يتركب منها، وأنتم أقدر على ذلك من محمد البشر صلى الله عليه وسلم، ستأتون بخيرٍ مما أتى به إن كان هذا من عنده، فلم يستطيعوا أن يأتوا بشيء ﴿ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ ﴾، ﴿ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ ﴾، ﴿ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ﴾، عجزوا عن كل ذلك ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾.

فلما ثبت عجزهم عن الإتيان ولو بسورة من مثل سور القرآن، دل عجزهم وهم البلغاء الفصحاء على أن هذا القرآن ليس من عند محمدٍ صلى الله عليه وسلم افتراءً افتراه، ولا علماً تعلمه من بشر، ولا سحراً تلقاه من رأيٍّ من الجن ولا شيئاً من عند الخلق أبداً، إنما كما نطقت سورة الشعراء في أواخرها ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ *نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ *عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ *بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾، وفي أوائل سورة النمل بعدها ﴿ طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ إلى أن يقول الله تعالى بعد آياتٍ ﴿ وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ﴾.

وبهذا ترتبط السورة ارتباطاً وثيقاً بما قبلها وخاصةً أيضاً أنهما سورتان مكيتان فموضوعهما واحد وهو إبراز وتأسيس وتقرير تلك العقيدة الإسلامية التي هي تصورٌ صحيحٌ عن الكون وما فيه وما حوله.
نسأل المولى سبحانه وتعالى أن يجعل لنا النفع العظيم فيما سمعنا وقلنا، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أقول قولي هذا وأستغفر الله تعالى لي ولكم، فاستغفروه دائماً إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد فأوصيكم عباد الله بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، وأحذركم ونفسي عن عصيانه تعالى ومخالفة أمره، فهو القائل سبحانه وتعالى ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته وأهل بيته، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

أما بعد..
إخوة الإسلام عباد الله، كما أن سورة الشعراء السابقة كانت تركز على أن القرآن كلام الله، وتنزيلٌ من عند الله ليس افتراءً ولا كذباً ولا شعراً كما يقول الكفار، وليس قائله وحامله ومبلغه شاعراً وليس له في الشعر ﴿ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ *لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾، تأتي سورة النمل بعدها لتركز على جانبٍ مهم أقدس من جوانب العقيدة وهو جانب الاعتراف والإقرار بالله وبوحدانيته، هذا يعتبر أساساً.

ومن خلال السورة يشير الله تعالى إلى أن الطريق لمعرفة هذا هو العلم، العلم يوصِّلنا إلى إدراك وحدانية الله، وما أشرك المشركون شركائهم مع الله إلا لجهلهم، في لمحةٍ سريعة عبر السورة نجد الله تبارك وتعالى يقول ﴿ تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ * هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ إلى أن يقول ﴿ وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ﴾ فيمدح نفسه بالعلم سبحانه وتعالى.

وحينما عرَّف الهدهد بربه وأنكر على من يعبدون الشمس عبادتهم لها، قال ﴿ أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ﴾ ويعلم، وصفه بالعلم أيضاً سبحانه وتعالى، فوصف الله نفسه بالعلم، وجاء على منطق الهدهد وصف الله تعالى أيضاً بعلم ما يخفي الناس وما يعلنون.

وبعد الحوار الجميل بين الله تعالى وبين الكافرين يبلغهم هذا الحوار حول وحدانية الله تعالى، يختمه بقوله ﴿ قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾، ويقول سبحانه وتعالى عن نفسه في أواخر السورة ﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ﴾، إلى آخر السورة ﴿ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا ﴾ سيريكم، سيعلمكم، سيظهرها لكم لتعلموها، ولقد أظهر الله لهذه الأمة بعد هذا الوعد من العلم ما لم يكن يعلمه الأوائل، مما يسمى بالاختراعات والاكتشافات العلمية والبحث العلمي والإبداع وغير ذلك، كل هذا من كشف الله وليس من علم البشر، فلإن قال الناس اكتشف فلانٌ كذا واخترع فلانٌ كذا سنتغاضى عن هذا، ولكن اعترفوا أن هذه المعلومة أصلاً من عنده الله ولو شاء الله أن يكتمها عن البشر لكتمها، لأن الله هو الذي وعد بهذا الفتح وبهذا الكشف ﴿ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ ﴾ وقال في آيةٍ أخرى ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾، الله يكشف ليعرِّف الناس فتعرفونها، يؤمنون أو لا يؤمنون، هذه قضية اختيارية ﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾، إنما يكشف لهم عن أسرار في خلقه سبحانه وتعالى في أنفسهم ومن حولهم ليعلموا فقط أن الله حق، وأن الله واحدٌ لا شريك له، وأن الله عزيزٌ عليم، بعد ذلك يؤمنون بالله ويتبعون منهجه أو يبقون كما هم، هذا لهم يختارونه كما يشاءوا.

فورد وصف الله في أكثر من آيةٍ في هذه السورة بالعليم، تكرر هذا الوصف، كما وصف الله تعالى داود وسليمان بالعلم وداود وسليمان آتاهما الله علماً، وذكر سيدنا سليمان عليه السلام هذا على سبيل التحدث بنعمة الله ﴿ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ تحدث بهذه النعمة، كما أنه أيضاً وهو يتحدث عن بلقيس ملكة سبأ ﴿ فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ ﴾ كرسي الملك الذي تجلسين عليه خاصتك هكذا، كهذا الكرسي، عندك مثل هذا؟ فنظرت إليه فإذا هو هو، ولكن ما الذي جاء به إلى هنا عبر هذه المسافة البعيدة وفي هذا الوقت القصير، لم تصدق أنه قد جيء به إلى هنا، فقالت بأبلغ عبارةٍ في التشبيه ﴿ كَأَنَّهُ هُوَ ﴾ يعني لا فرق بينه وبين الكرسي الخاص بي، هو هو بعينه لولا أني لا أصدر أنه يأتي أو يؤتى به في هذا الوقت القصير ﴿ كَأَنَّهُ هُوَ ﴾ قال سليمان ﴿ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ﴾ أقر أيضاً بنعمة العلم.

ذكر الله تعالى في هذه السورة أيضاً العلم عند بعض المخلوقات، حتى لا يظن الإنسان أنه هو العالم الوحيد، وأنه غزا الدنيا والآفاق بعلمه، لا، هناك من هو أعلم منك في الخلق، لا أقول عن الخالق سبحانه وتعالى فشتان بين الخالق والمخلوق، ولكن بعض الخلق عندهم علومٌ لا نعلمها، هذه نملة عندها علم وعندها ملكات العلم، النمل خرج من جحره ليسعى على رزقه فإذا بنملةٍ تلاحظ سليمان عليه السلام فعرفته، إذاً عندها علمٌ عن صورة سليمان، عرفت أنه ملك وأنه هو هذا صاحب الجند، هذا علم، بعض الناس ربما لا يعرف اسم رئيسه، ربما لا يعرف من يحكمه، وإذا عرف اسمه ربما لا يعرف شيئاً آخر عنه، لكن هذه عرفت سليمان وجنوده وماذا عنهم، كما تحدثنا الآية، هذا سليمان الملك وهذه جنوده، وماذا في ذلك، لو قابلونا لداسوا علينا ووطئونا بحوافر خيولهم فيقتلوننا ونموت تحت حوافر الخيل وسليمان وجنوده لا يشعرون بنا، لهم العذر لا يشعرون بنا، لم يرونا من هذا البعد من فوق الفرس ونملةٌ في الأرض كيف يراها الإنسان، لا يراها ويدوس عليها بحافر فرسه أو بإطار سيارته اليوم ولا يشعر بها، ليست حجراً ولا حفرةً، إنها نملة، علمت كل هذا العلم ثم علمت ما المخرج من هذا المأزق، هذا المأزق الخطير الذي سنقتل فيه جميعاً، ما المخرج؟ المخرج أن نعود إلى جحورنا فمهما تهدمت علينا ستكون لينةً ونستطيع أن نحتمي تحتها، إذاً ﴿ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ ﴾ علمت كيف تكون النجاة، وانظر إلى تحذيرها، قد يحذر إنسانٌ إنساناً من خطر فيقول: يا هذا يا أستاذ يا بيه لو سمحت انتبه وراءك أتوبيس، حتى ينتهي من جمله هذه كلها كان الأتوبيس قد تخطاه وأخذه في طريقه، فيقع الخطر قبل أن ينتهي الإنسان من التحذير، فبعضنا لا يحسن التحذير، يطيل في الكلام في غير وقت إطالة، ويوجز في غير وقت الإيجاز، إنما النملة كانت بليغةً جدّاً، لم تفزِّع إنما نادت نداءً لا يُشعر فيه بخطر، حتى تستحضر عقل النمل ويفكرون معها، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ﴾ كأنهم قالوا: نعم لبيك ﴿ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ ﴾ بهدوء، ادخلوا مساكنكم أمرٌ عادي، لكنها قد تشعر أن هناك شيءٌ ما، ما هذا؟ جاءت بعد ذلك بما يفزِّع، لو فزَّعتهم من البداية لانتشروا ولعموا وتاهوا عن مدخل الجحر، لكن من البداية تأخذهم شيئاً فشيئاً، واحدة واحدة، فلا ينزعجون انزعاجاً يضلهم عن طريق النجاة ﴿ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ ﴾ أي لألا يحطمنكم ﴿ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ﴾ عذرت ابن آدم، عذرت من يفعل بها خطراً دون أن يقصد، وأحدنا يحتك بصاحبه في الطريق دون أن يقصد أو في مواصلةٍ عامة، فإذا بالآخر يقول له فتَّح يا أخي، تقول آسف ما انتبهت، انتبه أليست عيناك في رأسك، انظر إلى طريقك، فتح بعد ذلك وإلا فعلت بك، أنت تفعل بي، نعم أفعل بك، وتقول عركة كبيرة على ماذا؟ على فعلٍ بغير قصد، ربما يتخاصم المتحابان على كلمة خرجت بغير قصد، قليلاً ما يعذر أحدنا الآخر، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم دعانا أن نعذر بعضنا بعضاً، وجاء في الحديث: "التمس لأخيك ولو سبعين عذراً"[4]، سبعين عذر بعدها ابدأ في معاتبته، سبعين عذر سبعين خطأً والسبعون رقماً يدل على الكثرة، يعني قد أعذر أكثر من السبعين، بين المسلمين والمسلم بين الإنسان والإنسان ينبغي أن يكون هذا العلم، هذا العلم موجود عند النملة فعلمت كل هذا.

وصف الله الهدهد على لسان الهدهد بالعلم، ووقف موقف فخرٍ أمام سليمان ﴿ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ *لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ *فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ ﴾ انظر الذكاء، ليس بعيداً فلا يسمع كلامه وصوته، وليس قريباً تمسكه يد سليمان أو جنوده فلا يستطيع الكلام وهو مقبوضٌ عليه ومضغوطٌ عليه وتحت التعذيب ماذا يقول، إنما مكث غير بعيد، قريب وبعيد في نفس الوقت، يستطيع أن يطير ويفلت في أي وقت عند وقوع خطراً ظلماً، ويستطيع أن يسمع سليمان صوته وكلامه، ﴿ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ ﴾، نحن نكتب في رسائلنا نحيطكم علماً، وإن لم نذكر علماً هذه فهي مفهومة، ممكن نحيط سيادتكم أنني فعلت كذا وكذا وكذا، أو أنني أرغب في كذا وكذا، هو يفهم نحيطكم يعني ايه؟ نحيطكم علماً وحدها، فمعنى أحطت أي أحطت علماً بما لم تحط به يا سليمان علماً وأنت نبياً وملك، ليحتفظ لنفسه بحجة يحفظ نفسه بها من العذاب والقتل، ﴿ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ ﴾ نبأ يعني خبر مهم، إذاً علم، علم شيئاً لم يعلمه سليمان ﴿ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ﴾ ليس سماعاً، سمعت إشارة، ولا نظرت من بعيد فرأيت شبهاً، لا، علم يقين، هكذا كان الهدهد، وجاء بخبر بلقيس وأنها تعبد الشمس من دون الله هي وقومها، ولها عرش عظيم، وهي تملكهم.. وكذا، بقية القصة معروفة، هذا علمٌ كان عند الهدهد، ولذلك حُق له أن يفخر بين يدي سليمان الملك عليه السلام، ولم ينكر عليه سلمان فخره لأنه يستحق ذلك لما عنده من خصوصيةٍ في هذا العلم.

وذكر الله تعالى علم الإنسان، فالإنسان منا قابلٌ ليتعلم فعنده ملكات ولكن أكثر الناس لا يعلمون، ولا يحبون أن يعلموا، وبعض الملتزمين يقول يا شيخ أقرأ في بعض الكتب الدينية فأتعلم الحكم ولا أستطيع العمل به، أليس من الأحسن ألا أقرأ وألا أعلم لألا أحاسب؟ يريد أن يبقى على جهله، طبعاً الجواب لا، اقرأ وتعلم واعمل قدر استطاعتك وما عجزت عنه اسأل الله العذر والله يعذر سبحانه وتعالى، ولكن العلم فضيلة والعلم واجب، قال الله عن الإنسان تشريفاً له بالعلم حين طلب سليمان أن يؤتى بكرسي الملكة ﴿ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾ إذاً شرط شرطين، وطلب حاجتين؛ الأولى أن يأتوه بعرشها، كرسي الملك، ولكن الشرط الآخر والحاجة الأخرى أن يكون ذلك قبل وصولهم، سيأخذه بعد انصرافهم من مملكتهم وقبل وصولهم إلى مملكتنا، من يملك هاتين؟ ﴿ قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ ﴾ عفريت وتعرفون كلمة عفريت هذه تقال لمن عرف الشيء بمداخله ومخارجه واستطاع أن يحل العقدة المعقدة وهكذا، أما فلان هذا فعفريت ﴿ قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ ﴾ هذا من الإنس، جليسٌ من جلساء سليمان عليه السلام، واحدٌ من أصحابه كأصحاب رسولنا عليه الصلاة والسلام ﴿ قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ﴾ في طرف العين، في غمضة عين، تفتح عينك وتغمضها قبل أن تغمضها يكون العرش هنا، أي علمٍ هذا؟ لم تصل الدنيا الآن لم تعرف هذه الأمة لم يعرف هؤلاء العلماء المطنطنون باطلاً بعلمهم، لم يصلوا إلى تلك القوة العلمية الخطيرة التي كانت في مملكة سليمان عليه السلام، يأتي بكرسي من اليمن إلى أرض الشام هكذا بسرعة في غمض العين، سبحان الله، سكت القرآن على هذا مما يدل على أنه هو الذي بالعرش، هذا الذي عنده علمٌ من الكتاب، ﴿ قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ ﴾ إذاً في طرف العين وجد الكرسي مستقراً عنده موضوعاً بين يديه، من الذي جاء به؟ الإنسان الذي عنده علمٌ من الكتاب، قيل هو سليمان، ولكن الراجح أنه غير سليمان، لأن سليمان هو الذي يطلب ويقال له أنا آتيك به أنا آتيك به أنا.. أنا.. أنا، فهؤلاء جلساؤه، هذا نموذج من الجن وهذا نموذج من الإنس، ولعله كان هناك غيرهم أيضاً ولكن ذكر الله نموذجاً من القبيلتين أو من الجنسين، جنس الجن وجنس الإنس.

فجاء به الذي عنده علمٌ من الكتاب وهو الإنسي، وهذا رفعٌ لكرامة الإنسان وأنه يستطيع أن يتعلم علماً يمكنه الله به من نقل الأشياء في لمح البصر، ذلك الذي نضربه مثلاً ولم نره واقعاً يحدث وحدث يوماً من الأيام في ملك سيدنا سليمان عليه السلام، ﴿ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي ﴾ وهكذا.

بينما يصف الله الكافرين في هذه السورة بقوله ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ﴾، وجاء على لسان لوطٍ عليه السلام يقول لقومه ﴿ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾، ويمدح الله أصحاب العقول الذين يرون الشيء ويفهمونه بقوله ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾، العالم الذي عوَّد قلبه على التعلم، وتعود على التعلم وحب التعليم، هذا هو الذي يستفيد من الآيات الموجودة سواءٌ كانت آيات شرعية في القرآن أو آيات كونية في الكون.

أحبتي الكرام العلم طريقٌ لنعرف من الله، وهل معه غيره أو لا، لا إله إلا الله هذه حقيقةٌ يصل إليها الإنسان بطريق العلم والتعلم، فتعلموا وانظروا وتدبروا تصلون إلى الخير ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾.

اللهم قنا عذاب النار، اللهم قنا عذاب النار، اللهم قنا عذاب النار، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، وفقنا يا ربنا لما تحبه وترضاه، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، نسألك يا ربنا رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اغفر اللهم للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات ورافع الدرجات، اللهم اشفنا واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحمنا وارحم أمواتنا وأموات المسلمين، اللهم ارحم والدينا ومشايخنا وعلماءنا، وأد لكل من كان له حقٌ علينا يا رب العالمين، اغفر ذنوبنا وكفر سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها وخير أعمالنا أواخرها، وأوسع أرزاقنا عند كبر سننا، وخير أيامنا يوم نلقاك يا رب العالمين.
عباد الله ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم.. وأقم الصلاة.


[1] أشهر أسمائها سورة النمل، وكذلك سميت في صحيح البخاري وجامع الترمذي. وتسمى أيضا سورة سليمان، وهذان الاسمان اقتصر عليهما في الإتقان وغيره.
وذكر أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن أنها تسمى سورة الهدهد. ووجه الأسماء الثلاثة أن لفظ النمل ولفظ الهدهد لم يذكرا في سورة من القرآن غيرها، وأما تسميتها سورة سليمان فلأن ما ذكر فيها من ملك سليمان مفصلا لم يذكر مثله في غيرها.أهـ التحرير والتنوير: (20/215).

[2] انظر: تفسير ابن كثير (6/ 178).

[3] أخرجه البخاري (6138)، ومسلم (5244).

[4] ليس بحديث، وورد عن بعضهم، منهم محمد بن سيرين كما في التوبيخ والتنبيه، لأبي الشيخ: (53)، وجعفر بن محمد كما رواه البيهقي في الشعب (6/323)، وحمدون القصار ذكره أبوعبد الرحمن السلمي في آداب الصحبة (45)، وأبو قلابة ذكره ابن أبي الدنيا في مداراة الناس (49)، وانظر: مجموع فتاوى ابن باز (26/365).






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 88.75 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 86.41 كيلو بايت... تم توفير 2.34 كيلو بايت...بمعدل (2.64%)]