التعريف بالإسلام - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4408 - عددالزوار : 847666 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3938 - عددالزوار : 384656 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 163 - عددالزوار : 59469 )           »          المستشرقون.. طلائع وعيون للنهب الاستعماري الحلقة الثالثة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 591 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          أبواب الجنة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          المتسولون (صناعة النصب والاحتيال) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          إلى كل فتاة.. رمضان بوابة للمبادرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »          أســـرار الصـــوم ودرجات الصائمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-12-2020, 10:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,300
الدولة : Egypt
افتراضي التعريف بالإسلام

التعريف بالإسلام

د. أحمد مصطفى نصير
الإسلامُ لغة: اسم مشتَقٌّ من الفِعل الماضي (أسْلم)، مادة (سلم) من السَّلام والسَّلامَة، والسَّلامَةُ: البَرَاءةُ من العُيوبِ[1]؛ أي: العافية، والسَّلامُ: من أسماء الله تعالى، ومنه قوله عزَّ وجلَّ: ﴿ ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ﴾ [البقرة: 208]; قال العلماء: عَنى به الإِسلامَ وشرائعَه كلَّها، وقال الخطَّابي: إِنه (السَّلَمُ) يُريد الاسْتسْلامَ والإِذْعانَ كقوله تعالى: ﴿ وَأَلْقَوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ ﴾ [النساء: 90]؛ (أَي: الانقياد)[2]، فلفظ (الإسلام) وما اشتقَّ منه له دَلالاتٌ عديدة في اللُّغة العربية يَجمعُها كلَّها الإشارةُ إلى الانقياد والطاعة والإذعان، يقول سبحانه: ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴾ [الصافات: 103]؛ أي: انقادَا لأمر الله تعالى بتنفيذه بالرِّضا عندَ أمر الله سبحانه بذبْح نبيِّ الله إبراهيم ابنَه إسماعيل، فأقعده ووضَع جبينَه على الأرض على هيئة الذبْح؛ ليقومَ بما أمر الله به، فلم يمنعْه حبُّه لابنه إسماعيل أن يتأخَّرَ عن تنفيذ أمر ربه، كما لم يمنعْ صِغَرُ سِنِّ إسماعيل أن يُسلِم نفسه للذبْح على يدِ أبيه إبراهيم - عليهما السلام - تنفيذًا لأمر الله تعالى، فالتسليمُ والانقياد لأمْرِ الله لا يَقِفُ العقلُ حائلاً أمامَه، إنما يجِب أن يستجيبَ العقلُ والجَسَد والقلْب لأمرِ الله تعالى، كما استجاب عقلُهما وقلبُهما وجسدُهما لتنفيذِ أمره سبحانه.
ولفظ (أسلم) لا بدَّ وأن يُضاف إليه اسم، فلا يقول: أسلم، فحسبُ، فذلك يُثير التساؤل عن المسلَّم له والمسلَّم إليه والمسَلِّم، فاللفظ لا بدَّ له من ثلاثة أرْكان؛ حتى يستقيمَ المعنى، وتخصيص هذا اللفظ عندَ أهل الشريعة يَعني أنَّ المسلَّم له هو الله تعالى، والمسلَّم إليه تنفيذُ أوامره باستسلام الإنسان المكلَّف لها، وأمَّا المسَلِّم فهو المخاطَب بتكاليف الشَّرْع حتى ينتهيَ به الأجَل، ويُحاسب على ذلك، يقول سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 130 - 132].
وقد أمَرَ الله تعالى مَن في السموات ومَن في الأرض بطاعتِه، وهو قادرٌ على إنفاذ حُكْمه في خلْقه طوعًا أو كرهًا؛ إذ قال سبحانه: ﴿ أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴾ [آل عمران: 83]؛ لذا فعندما يقوم المرءُ بتنفيذ أمر ربِّه طوعًا فإنَّه مأجور على ذلك، أمَّا مَن عصَى أمر ربه فإنَّه ليس بعيدًا عن الله، وإنما يُؤخِّره الله تعالى ليومِ الحساب؛ إذ يقول: ﴿ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [النور: 57].
من التعريف السابق لمصطَلح (الإسلام) وما انطَوى عليه مِن دَلالات تدور حولَ معاني العبودية لله وحْدَه سبحانه، والتي يجمَعُها أنَّ الإسلام يتضمَّن شِقَّيْن: الأول المعرِفة بالآمِر، وهو الله تعالى، وذلك أمرٌ يكمُن في اعتقادِ قلْب المسلِم، والشِّق الثاني تنفيذُ أوامره برضا تامّ، وهذا الأمر يُحقِّق الترجمةَ العملية لما استقرَّ في معتقده من كون الأوامرِ الصادرة إليه صادرةً عن الله تعالى، ومِن ثَمَّ يكون الإسلامُ بهذين الاعتبارين عقيدةً ومنهجًا، ولا يُمكن بأيِّ حال من الأحوال الفصْلُ بيْن العقيدة ومنهجها.
لذا؛ يثور التساؤل حولَ أمور خمسة تتبادر لذِهنِ الكثير منا، تلك التساؤلات تتمثَّل فيما يلي: ما الفَرْق بيْن الإسلام كعقيدة، والإسلام كمنهج؟ ولماذا وَضَع الله تعالى منهجًا للبشر، ولم يقتصر الأمرُ على مجرَّدِ الاعتقاد فحسبُ؟ وهل يُمكن للبشَرِ أن يضعوا مناهجَ لإسعادهم كما وضَع الله تعالى هذا المنهجَ ليَحكُم واقع حياتهم؟ وما تأثيرُ الإسلام على البشَر، وكيف يَتحقَّق ذلك؟ وإذا كان الأمرُ كذلك، فلِماذا نَسَخ الله تعالى المناهجَ السابقة كالمسيحية واليهودية، واستبدل الإسلام بها؟
التساؤل الأول: ما الفرْق بيْن الإسلام كدِين، والإسلام كشريعة؟
بند1: الإسلام كمُعتَقد ثابت لا يتغيَّر، فالإسلام هو دِين الله تعالى قبل أن يُرسِل الأنبياء وتنزل الكُتب؛ إذ هو يعني أنَّ الله تعالى الإله المتفرِّد وحده بهذا الحق، يقصد بذلك حقّه في العبادة؛ يقول سبحانه: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 19 - 20]، فالله تعالى لم يَرضَ لخلْقِه دينًا غيْر دين الإسلام، فهو القائِل في كتابه: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85].
يقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((والذي نفْس محمَّد بيده لا يَسمع بي أحدٌ مِن هذه الأمَّة: يهوديٌّ ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمِنْ بالذي أُرسلتُ به إلاَّ كان مِن أصحاب النار))[3].
فالإسلام كعقيدةٍ دعَتْ إليه الرُّسُل جميعًا، إذ دَعَوا جميعًا إلى التوحيدِ الخالِص لله، والذي هو بمعنى صِدْق لجوء وتوجُّه القلْب لله تعالى، فيكون الخوفُ والرَّجاءُ والحبُّ لله تعالى، فدعوةُ الأنبياء جميعًا واحدة؛ يقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25].
بند2: وكان مِن مقتضيات هذه الحقيقة المسلمة، وأنَّ الكون كلَّه يَدين لله تعالى بالإسلام: أنْ يكون اللهُ وحْدَه هو الحاكِمَ الآمر، فكان مِن مستلزمات ذلك أنْ يأمر فيُطاع، ويَنهى فلا يُعصى؛ إذ يقول في كتابه: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الجاثية: 18]، فنحن مأمورون بالْتِزام هذا المنهَج الإلهي الذي أنزَله الله تعالى على نبيِّه، والذي يتضمَّنه دِينُ الإسلام، يقول صاحِب "الظلال": "الإسلام ليس مجرَّدَ معتقدات وجدانية منعزِلة عن واقِع الحياة البشريَّة، فهناك جهودٌ جبَّارة تُبذَل - منذ قرون - لحصْر الإسلام في دائرة الاعتقاد الوجداني، والشعائر التعبدية، وكَفِّه عن التدخُّلِ في نظام الحياة الواقعية؛ ومنْعِه من الهيمنة الكامِلة على كلِّ نشاط واقعي للحياة البشرية - كما هي طبيعتُه، وكما هي حقيقتُه، وكما هي وظيفتُه[4].
وهنا ظهرتِ الحاجةُ لأنْ يُنزل الله للبشر كتابًا يتضمن أحكام هذا المنهج، فأنزل على موسَى التوراة، وأنزل على عيسى الإنجيل، وأنزل على محمَّد القرآن، ومِن ثَمَّ تعدَّدتِ الشرائع المنزلة من عند الله، ودِين الله واحدٌ وهو الإسلام، أمَّا تعدُّد تلك الشرائع، فكان بسبب اختلافِ طبائع البشَرِ، واختلاف صِفاتهم وظروفهم وأحوالهم، فالأحكامُ العمليَّة التي أمَر الله بها أُمَّة بني إسرائيل ليستْ هي التي أمَرَ بها غيرهم، ورسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يبسُط لنا المسألة فيُوضِّح أنَّ تعدُّد هذه الشرائع تمامًا مثل اكتمال الصُّورة، وإتمام النِّعمة فيقول: ((مَثَلي ومَثَل الأنبياء كرجلٍ بنَى دارًا فأكمَلَها وأحْسَنها إلا موضِعَ لَبِنة فجَعَل الناس يَدخلونها، ويَتعجَّبون ويقولون: لولا موضِع اللبِنة))[5]، إذ كان لا بدَّ مِن إكْمال البناء، مع مراعاةِ أنَّ هذا البناءَ قد يحتاج لاستبدالِ بعض أجزائه، وترميمِ بعضه؛ لذا كانتْ شريعة الإسلام ناسخةً لكافَّة الشرائع التي سبقتْها ومهيمنة عليها، يقول الحق سبحانه: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾[المائدة: 48]، إذًا فالإسلامُ أساسٌ وبِناء، فأساسُه العقيدة، وبناؤه الشريعة[6].
بند3: إذًا فالتلازمُ بيْن الإنسان والشريعة ليس كالتلازمِ بيْنه وبيْن الدِّين، فثمَّة فارقٌ بيْن الشريعة والدِّين؛ إذ الشرائِعُ قد تعدَّدت لكن الدِّين واحِد، يقول تعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلاَمُ ﴾ [آل عمران: 19]، فمعني الدِّين كما ورَد في الآية "الاعتقاد بالتوحيد والتسليم لله تعالى"؛ أي: بمعنى الملَّة، والإيمان[7].
أمَّا الشريعة فقد صرَّح القرآنُ الكريم باختلافِ الشرائع السماوية، فقال الحقُّ - تبارك وتعالى -: ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [المائدة: 48]، ومعنى "الشرعة" الطريق الموصل إلى الماء[8]، والمراد بها: "التعاليم العَملية والأخلاقية التي تنظِّم علاقاتِ الإنسان الفرديَّة والاجتماعية، وتحدِّد مسؤوليتَه أمامَ الله والناس"، قال المولى تبارَك وتعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [النحل: 36]، فالقرآن الكريم بعدَما أكَّدَ وَحْدة الدِّين أشار إلى تعدُّد الشرائع والمناهِج - فضلاً عن تعدُّد الرسل - ويُعزَى اختلاف الشرائع السماوية مع وَحْدة الدين إلى الاختلافِ في الاستعدادات والقُدرات، والظروف المختلِفة الحاكِمة في البشَر، لهذا نجد الشيءَ حرامًا في هذه الشريعة، وحلالاً في الشريعة الأُخْرى، وعلى هذا الأساس تُنسَخ الشرائع، لكن النَّسْخ لا يطول جميعَ التعاليم العملية والأخلاقية للشريعة، وإنَّما ينسخ القسم الملازم لتطوُّر الزمان والإمكانيات، واختلاف الظروف[9].
التساؤل الثاني: ما الفرْق بين الإسلام والنصرانية واليهودية؟
بند1: يَنقُل لنا القرآن زعْمَ أهل الكتاب أنَّهم الذين سوف يدخلون الجنة دون غيرِهم، فيقول - تبارك وتعالى -: ﴿ وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة: 111]، وقد ردَّ عليهم القرآن هذا الزعمَ، فقال سبحانه: ﴿ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 112].
والقرآن لم يجعلْ أمرَ هذا الاختلاف في المعتقَد أمرَ تسلُّطٍ وصِراع بيْن عقيدة وأخرى، وإنَّما أمَرَ بالبلاغِ والوقوف عندَ حدِّ الدعوة إلى الله تعالى؛ إذ يقول سبحانه: ﴿ فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 20]، ومِن باب الدعوة كذلك معرفةُ لماذا جاءَ الإسلام بعدَ تلك الشرائع؟ والفرق بينها؟
بند2: نزلتْ شريعةُ موسى عليه السلام على قوْم يُماطِلون ويُجادِلون، كما هو مذكورٌ في القرآن، إذ حَكَى القرآن عنهم قصَّةَ مماطلتهم في ذبْح البقرة، وقصَّة تَحايلِهم على الصيد في يوم السبت، فقال الحق سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾ [البقرة: 65].
كذلك فإنَّهم بعدَ أن رأوا المعجزاتِ مع نبيِّ الله موسى عليه السلام كفَروا بالله وعبَدوا العِجْل، بل إنَّهم بعدَما تاب الله عليهم تجرَّؤوا عليه وطلبوا رؤيتَه؛ لذا فهم قوْمٌ ماديُّون لا يؤمنون بالغيب، فكانتْ شريعتهم قاسيةً تُوازي ما بقُلوبهم من قَسْوة؛ قال سبحانه: ﴿ فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [النساء: 160 - 161].
بند3: أما شريعة عيسى عليه السلام فقد جاءتْ لتخفِّفَ من الأحكام التي جاءتْ بها شريعةُ موسى؛ وذلك نظرًا لتغيير القوم والزمان؛ ﴿ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾ [آل عمران: 50]، لكنَّهم - بالرغمِ مِن هذا التخفيف - قد شدَّدوا على أنفسهم، فابتدعوا في دِينهم ما لم يأمرْهم الله به، وليس ذلك فحسبُ بل إنَّهم قصَّروا فيما أُمِروا أن يلتزموا به، قال العليُّ القدير: ﴿ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُون ﴾ [الحديد: 27]، فكان من المنطقي أن ينزل الله تعالى شرعًا جديدًا، يُحِلُّ لهم بعضَ الذي حرّم عليهم، إذ شدَّدوا على أنفسهم أكثرَ ممَّا كُتب عليهم.
بند4: أمَّا شريعة محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم فقد جاءتْ وسطًا بيْن شدَّة التوراة، وعفو الإنجيل، وكلاهما قد كفَل الله للناس حفظَهما، فما قاموا بهذا الواجِب، بل بدَّلوا وحرَّفوا فتكفَّل الله بحِفْظ كتابه القرآن الكريم وجعَل رسالةَ محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم ختام الرِّسالات إلى يوْم القيامة؛ يقول سبحانه: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 143].
وممَّا تقدَّم نخلُص إلى أنَّ الإسلام كعقيدةٍ مرتبطٌ بما يعتقده المسلِمُ في ربِّه؛ أسمائه وصفاته، وقضائه وقدَره، وذلك لا يَقْبَل الاختلافَ أو التبديل، وقد أرْسلَ الله جميعَ الأنبياء؛ لتبليغِه للبشَر، بينما جاءَ تعدُّد الشرائع الربَّانية - التي هي تعاليمُ الإسلام العملية - لحِكْمة، وهي "تبدُّل الأحكام بتبدُّل الزمان"، حتى يكونَ شرْع الله متَّسِقًا مع نفسيَّة المخاطَبين به، ولم ينلْ هذا التبديل كافَّةَ الأحكام التي شرَعَها الله تعالى؛ إذ ثَمَّة قواسمُ اشتراك بيْن الشرائع جميعها، فلا يطول النَّسْخ جميع أحكامها، وإنما يُنسَخ القسم الملازم لمقتضياتِ الزمان، وتفاوت القُدرات الفِكريَّة والعقليَّة والرُّوحيَّة للأُمم؛ لذا نجِد أنَّ الصلاة والزكاة - مع الاختلاف في العَدَد والمقدار والكيفية - وتحريم الزِّنا والفَحْشاء، كل ذلك لم يُنسَخ، ولم يتغيَّرْ بالرغم مِن تعدُّد الشرائع المنزلة مِن عندَ الله تعالى.
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04-12-2020, 10:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,300
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التعريف بالإسلام

التعريف بالإسلام
د. أحمد مصطفى نصير
التساؤل الثالث: لماذا الإسلام منهج حياة؟
بند1: لا شكَّ أنَّ هناك علاقةً حتميَّة بيْن الحِكْمة مِن خَلْق الإنسان، والحِكمة مِن إرْسال الله تعالى للرُّسل وتنزيل الشرائِع السماوية؛ ذلك أنَّ المخاطَب بتلك الشرائع هو الإنسان، وأنَّ الشريعة هي خِطابُ الخالِق لخلْقه بالأمر والنهي والطلَب، ومِن ثَمَّ كان الخطاب معنيًّا بهذا الإنسان، فكان التلازمُ بين الحِكمتين واقعًا، والاتِّساقُ بينهما لازمًا؛ إذ الإنسانُ بغير الشريعة، كالقطيعِ في الأرْض بلا راعٍ لها، فإنَّها تموج وتَمْرَح بلا نِظام ولا غاية، وتعْبَث بالزَّرْع وتُفْسِد الأرض، بل إنَّها تكون فريسةً سهلة لآكليها، فلا هي قد أفادتْ ولا هي قد استفادتْ، وقد شبَّه الله تعالَى مَن لا يلتزم بأحكامِ الشريعة بالبهائم، فقال المولى - تبارك وتعالى - في كتابه العزيز: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179].
بند2: لكن لَمَّا كان الإنسان منوطًا به - في الأصْل - سياسة نفسِه، فلماذا أنزل الله الشرائعَ، وأرْسل الرُّسل، وأمرَنا باتِّباعهم؟ الله عزَّ وجلَّ أرْسَل الرسل، وأنْزَل الشرائع السماويَّة؛ ذلك أنَّ الإنسان على الرغم من تحلِّيه بالعقل الذي أنعم الله عليه به، وميَّزه به عن سائرِ المخلوقات، قد ضلَّ طريقَه في التعرُّف على ربِّه، والتبس عليه الأمرُ، فعَبَد الشمسَ والقمَرَ والنجوم، بل وصَل به الانحطاطُ الذِّهْني إلى درجةِ عِبادة الأصنام والأوثان، فأطلق لغرائزِه العِنان، وأهمَل إعْمال عقلِه، فانغمَس في الشرِّ، وبعُد عن الخيْر، وذلك ممَّا يُهدِّد استمرارَ بقائه، ويُسرِع في فنائه، كما أنَّه يحول دون استقامةِ أمره وهدوء نفسِه، وبهذا سار الإنسانُ في الطريق المضاد للطريق المرسوم له، والذي خُلِق من أجْله، وذلك يجعَلُه مُؤاخذًا بذنبه في الدنيا وفي الآخرة، وحتى لا يحتجَّ الإنسانُ بقصور عقلِه الذي قصَّر في استعماله أنزل الله الرسلَ والشرائع السماوية؛ لتعينَه وتبصِّرَه بحِكمة خلقه[10]، قال المولى - تبارك وتعالى -: ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا داود زَبُورًا * وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا * رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 163 - 166]، وقال: ﴿ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [القصص: 47].
ومِن ثَمَّ كانتِ الحِكمة من إرْسال الرُّسُل وتنزيل الشرائع، هي إرشادَ الإنسانية لطريقِ الحقِّ بما يُحقِّق مضمونَ الخِلافة، وتبصيرها بتبعاتها، وجوانبِ مسؤوليتها فيها، ومن أجْلِ ذلك كانتْ قواعد الدِّين، وقواعد الأخلاق الأساسية التي لا يستقيمُ شأنُ الإنسان إلاَّ برعايتها قد قرَّرتْ أحكامُ الشريعة الحمايةَ اللازمة لها؛ حتى لا يؤدِّي ترْكُها بدون تقريرِ قاعدةٍ جزائيَّة على مخالفتها إلى اجتراءِ الناس على مخالفتها، والانحراف عنها، ثم الابتعاد عنها تمامًا، وفي هذا هدْمٌ للمقصود الأصلي مِن الرسل، وهو إصلاح العقيدة؛ لذلك تكفَّلتِ الشرائع السماوية بتقريرِ العقوبات التي مِن شأنها حمايةُ العقيدة، وقواعد الأخلاق الأساسيَّة، ولم يكن تناولُها لموضوعِ العقوبات إلا علَى سبيلِ الاستثناء، وفي نِطاقٍ محدود، وهو نِطاق حِماية العقيدة، والأخلاق الأساسيَّة؛ لذا اقتصرتِ الشريعة الإسلاميَّة على بيانِ عقوبةِ الرِّدَّة لحماية العقيدة، وبيان عقوبةِ القتْل العمْد والخطأ، والضَّرْب بأن شرعتِ القصاص لذلك، والدِّيةَ في أحوال معيَّنة؛ حفاظًا علَى النفس، وشرعتْ عقوبة السُّكر للحفاظ علَى العقل الذي هو مناطُ التكليف، وحمل مسؤولية الخِلافة، كما شرعتْ عقوبة السَّرِقة والحرابة؛ حفاظًا على أموال الناس، والتي بدونها لا يستقرُّ الإنسان في العيش، كما شرعتْ عقوبة الزِّنا؛ حمايةً لأعراضهم ونَسْلِهم، وحفاظًا على الشكل الذي يعيش فيه الإنسانُ بصورة الوَحْدة الجماعية الصغيرة، وهي الأُسْرَة، فيُحقِّق الإنسان معنَى الخِلافة في تلك اللَّبِنة الأولى للمجتمع، ثم تتَّسع تلك الدائرةُ رويدًا رويدًا؛ لتعمَّ الأرض كلَّها، لهذا كانتْ مقاصد الدِّين الضرورية خمسةً، تتمثَّل في: (حِفْظ الدِّين، والنفس، والعقل، والمال، والعِرْض، والنسل)[11].
بند3: ولَمَّا كان التزامُ الإنسان بشريعةِ الله هو تحقيقَ العبودية التي خُلِق مِن أجْلها، وكان الله تعالى مستغنيًا عن الخلْق بعبادتهم، فإنَّ القول بأنَّ وضْع الشرائع يكون عبثًا باطلٌ باتفاق؛ قال تعالى: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115]، وقال: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ﴾ [ص: 27]؛ لذا تعيَّن أن يكونَ وضْع الشرائع لحِكمة ومصلَحَة، والمصلحة إمَّا أن تكونَ راجعةً إلى الله تعالى، أو إلى العِباد، ورُجوعها إلى الله محالٌ؛ لأنَّه غنِيٌّ ويستحيل رجوع المصالِح إليه، فلم يبقَ إلاَّ رجوعها إلى العباد.
ووضْع الشريعة لمصالِح العِباد، يَقتضي أن تَكونَ تلك المصالِحُ عائدةً عليهم بحسب أمرِ الشارع، وعلى الحدِّ الذي حدَّه لا على مقتضَى أهوائهم وشهواتهم؛ لذا كانتِ التكاليف الشرعيَّة ثقيلةً على النفوس، والحِسُّ والعادة والتَّجرِبة شاهدةٌ بذلك، ومِن ثَمَّ يكون مقصدُ الخالق من وضع الشريعة للخلق ابتداءً - كما عبَّر عنه الشاطبيُّ في "الموافقات" -: "إخراج المكلَّف عن داعيةِ هواه؛حتى يكون عبدًا لله اختيارًا، كما هو عبدٌ لله اضطرارًا"، فالأوامر والنواهي مُخرِجة له عن داوعِي طبعه واسترسالِ أغراضه، حتى يأخذَها من تحت الحدِّ المشروع، وهذا هو المرادُ وهو عيْن مخالفة الأهواء والأغراض[12].
التساؤل الرابع: هل يمكن لمناهج البشر أن تضاهي منهج الإسلام؟
بند1: والإسلام منهجٌ متفرِّد لا نظيرَ له من المناهِج البشرية الوضعية، وقد يقول قائل: إذا كان الإسلامُ هو منهجَ الله للحياة البشرية، وهذا المنهج لا يتحقَّق في الأرْض، وفي دُنيا الناس إلاَّ بالجهد البشري، وفي حدودِ الطاقة البشريَّة، وفي حدود الواقِع المادي للحياة الإنسانية في البِيئات المختلِفة؛ أي: ليس هناك سبيلٌ لأن يتحقَّقَ هذا المنهج في الإنسان بأمر كان مُسلَّمًا فيكون مسلَّمًا؛ يقول سبحانه: ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [الشورى: 8]، وقال سبحانه: ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأنعام: 35].
فإذا كان الأمرُ كذلك، فما ميزةُ المنهج الإلهي إذًا على المناهِج البشرية التي يَضعُها البشَرُ لأنفسهم، ويَبْلُغون منها ما يبلغه جهدُهم، وفي حدودِ طاقتِهم وواقعهم؟ ولماذا يجب علينا - نحن المسلمين - أن نسعَى لتحقيقِ ذلك المنهجِ الإلهي، وهو يحتاج إلى الجهْد البشري ككلِّ منهج؟ فلا يتحقَّق منه شيءٌ بمعجزةٍ خارِقة، ولا بقهْر إلهي مُلزِم؟![13].
بند2: يُجيب المولى سبحانه على هذا التساؤل بأنَّ المنهجَ الإلهي لا يُضاهيه شيءٌ من مناهِج البشَر؛ إذ يقول سبحانه: ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [الإسراء: 88]، ويُنكر المفكِّر الإسلاميُّ سيِّد قطب هذه المحاولةَ من البشَر، باعتبار أنَّ كلَّ مَن ادَّعى لنفسه حقَّ وضْع منهجٍ لحياة جماعةٍ مِنَ الناس، فقد ادَّعى حقَّ الألوهية عليهم بادِّعائه أكبرَ خصائص الألوهية، وكل مَن أقرَّه منهم على هذا الادِّعاء، فقد اتَّخذه إلهًا من دون الله بالاعترافِ له بأكبرِ خصائص الألوهية... وشهادة أنَّ محمدًا رسولُ الله معناها القريب: التصديق بأنَّ هذا المنهج الذي بلَّغَه لنا من الله هو حقًّا منهجُ الله للحياة البشرية، وهو وحْدَه المنهج الذي نحن مُلْزَمون بتحقيقه في حياتِنا، وفي حياة البشَر جميعًا، ومِن ثَمَّ فنحنُ مُلْزَمون بمحاولة تحقيقِ ذلك المنهَج؛ لنثبتَ لربِّنا صفةَ الإسلام التي نَدَّعيها، وهي لا تتحقَّق إلا بشهادة أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسولُ الله، وهذه الشهادة لا تقوم إلاَّ بإفرادِ الله بالأُلوهية، إفراده بحقِّ وضْع منهجِ الحياة، ومحاولة تحقيقِ ذلك المنهج الذي جاءَنا به محمَّدٌ - صلَّى الله عليه وسلَّم - من عندَ الله[14].
بند 3: فإذا كانتِ العِلَّةُ ظاهرة على أنَّ المنهج الإسلامي قد فاق مناهجَ البشر، وأنَّ البشرية جميعًا لن تصل إلى وضْع آية يضاهون بها آيةًً من آيات الله تعالى، فإنَّ ذلك ينقلنا إلى التساؤل التالي: ما تأثيرُ هذا المنهج على حياة البشر؛ إذ إنَّ ذلك يُقيم الأدلَّةَ القاطعة على صِدْق هذه المقدِّمة التي نُسلِّم بها؟
التساؤل الخامس: ما فاعلية هذا المنهج وتأثيره علَى حياة البشر؟
بند1: يؤكِّدُ المولَى - تبارك وتعالى - حقيقةً هامة، وهي أنه لن يأتي لنا بثمار هذا الدِّين والخير الذي جاء به إلا متَى قُمنا بتغيير أنفسنا نحن، وأصبحْنا مؤهَّلين لننالَ هذا الثواب في الدنيا، ثم في الآخِرة كذلك؛ يقول سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾ [الرعد: 11]، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 65 - 66].
ويُعلِّق المفكِّر الإسلامي سيِّد قطب على هذه الحقيقة، فيقول: "إنَّ البعض ينتظر من هذا الدِّين - ما دام منزلاً من عندَ الله - أن يعملَ في حياة البشَر بطريقةٍ سحرية خارِقة غامِضة الأسباب، ودون أيِّ اعتبار لطبيعة البشَر، ولطاقاتهم الفِطرية، ولواقعِهم المادي، في أيِّ مرحلة مِن مراحل نموِّهم، وفي أيَّة بيئة من بيئاتهم، إنَّ هذا الدِّين منهج إلهي للحياةِ البشرية يتمُّ تحقيقُه في حياةِ البشَر بجهد البشَر أنفسهم في حدودِ طاقتِهم البشريَّة؛ وفي حدودِ الواقِع المادي حينما يتسلَّم مقاليدهم.
ويسير بهم إلى نهايةِ الطريقِ في حدودِ طاقتهم البشريَّة، وبقَدْر ما يبذلونه من هذه الطاقة، إنَّ الله قادر - طبعًا - على تبديلِ فِطرة الإنسان عن طريقِ هذا الدِّينِ، أو عن غيرِ طريقه، ولكنَّه - سبحانه - شاء أن يَخلُقَ الإنسان بهذه الفِطرة لحِكمة يعلمها، وشاء أن يتمَّ تحقيق منهجِه الإلهي للحياةِ البشريَّة عن طريقِ الجهدِ البشري، وفي حدودِ الطاقة البشريَّة: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].
بند2: والجهْد البشري المطلوب لتغييرِ الواقِعِ بهذا الدِّين هو الدعوةُ الإسلامية، تلك التي هي رُكنٌ أصيل من فروضِ هذا الدِّين؛ إذ قال سبحانه: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104].
والأمَرُ بالدعوةِ جاء هنا على الكفايةِ من الأمَّة المسلِمة، ولم يُحرِّضِ الأمَّة كلَّها له نظرًا لما يتطلَّبه أمْرُ الدعوة من تدريب الدُّعاةِ على العمل الشاق؛ حتى يكونوا مؤهَّلِين له، وقد تختلف قُدراتهم في ذلك، بيْد أنَّ الأمر بالتبليغ الذي يُمثِّل الحدَّ الأدنى من العمل الدعوي هو أمرٌ متعين على كلِّ مكلف؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بَلِّغُوا عنِّي ولو آية))، كما بيَّن سبحانه كيْفَ تكون الخيرية والأفضلية لهذه الأمَّة بهذا العمل الشاق، الذي قام به الأنبياءُ وأتباعُ الأنبياء مِن قبلها؛ إذ يقول سبحانه وتعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: 110].
بند3: فإذا ما استجابتِ الأمَّة أفرادًا وجماعاتٍ، فتحرَّكتْ بواجبِ الدعوة للإسلام، فإنَّ عليها أن تجتهدَ لهذا الأمر دونما انتظارٍ لنتيجة، أو استعجالٍ لثمرة، فليس بمُستغرَب أن يجد نبيُّ الله يونس قومَه مؤمنين بعدَ أن أَيِسَ منهم وتَرَكهم فالْتقَمه الحوت؛ إذ آمنوا لَمَّا ترَكَهم، الأمر الذي يُفيدنا أنَّ دور الداعية مقصورٌ على البلاغ فحسب، فليس هو بمسيطر على المدْعوِّ، ولا بوكيل ولا بحفيظ؛ يقول المولى سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ﴾ [الأنعام: 107]، ويقول: ﴿ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ﴾ [الأنعام: 104]، ويقول: ﴿ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ﴾ [الغاشية: 22].
إذًا؛ ثمرةُ الداعية تأتي بالبلاغِ فحسب، فالله سَوْف يأجرُه على ما بلَّغ، إذ يأتي النبي يومَ القيامة ومعه الرهط والرهيط، ومعه الرجل والرجلان، ويأتي النبيُّ وليس معه أحد[15]، فهل ينقصُه الله من أجْرِه شيئًا؟ حاشا لله أن يَفعلَ ذلك، فالله جازٍ كلَّ مؤمن مصلِح بقَدْر نيته في هذا الإصلاح، والجهد الذي بذلَه، حتى لو لم يستجبْ له أحد.
بند4: فإذا كان الأمرُ كذلك فما الذي يعود على البشرية مِن أمرِ هذا الدِّين؟ أفْصَحَ القرآن عن الأثرِ النفسي للدخول في الإسلام، وأنَّ هذا الأمرَ يشرَحُ صدرَه؛ إذ يستشعر المسلِمُ دائمًا السعادة في دُنياه، فلا يهتمُّ لضرٍّ أصابَه، ولا يزداد فرحًا لنصرٍِ ناله، إنَّه سعيد برِضا مولاه عليه، رضِيَ عنهم فأرْضاهم، فسعِدوا بدِينهم ودُنياهم؛ يقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((عجبًا لأمرِ المؤمن! إنَّ أمرَه كلَّه خيرٌ، وليس ذاك لأحدٍ إلاَّ للمؤمن، إنْ أصابتْه سرَّاءُ شَكَر، فكان خيرًا له، وإنْ أصابتْه ضرَّاءُ صَبَر فكان خيرًا له))[16]، يقول المولى سبحانه وتعالى: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ * وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [الأنعام: 125 - 126].
انظر كيف عبَّر المولَى سبحانه وتعالى عن ذلك الذي يَضِلُّ عن الإسلام، فلا يهتدي إليه، هذا الشَّقِي التعيس، إنه مهما جمَع من مادياتِ الحياة وزُخْرف الدُّنيا، ومهما وصَل منَ العظمة والكبرياء، والسُّلطة والقوَّة، لم يزددْ إلا ضيقًا في نفسه، حتى إنه ليشنق نفسَه بحبل حولَ رقبته، تأمَّل قول الحق سبحانه وتعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ﴾ [الحج: 15].
إنَّ الإسلام يعني الاستسلامَ لله تعالى، وتفويضَ الأمر له، مع الأخْذِ بالأسباب التي شرَعَها؛ لكي يحقَّ الحقُّ ويبطلَ الباطِل، وعندَما يُسلِم المسلِم عقلَه وقلْبَه وجوارحه لله، ينظر للأمور نظرةً مختلفة، فلا يسعد ولا يَحْزن لمادة أصابتْه أو فاتتْه، وإنما فرَحُه وحزنُه عندما يُحاسِب نفسه، فيجد نفسه مجتهدًا في طاعة، أو مقصرًا فيها، مجتنبًا للمعاصي أم واقعًا فيها، فهو دائمُ الاستغفار والذِّكْر والدعاء لربِّه، يُبيِّن القرآن ذلك فيُخبِرُنا الله سبحانه عن دعاءِ المؤمنين، كما في قول الحقِّ عزَّ وجلَّ: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 8]، وقوله سبحانه: ﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ * فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ﴾ [آل عمران: 193 - 195].
[1] القاموس المحيط (1/ 1448).
[2] لسان العرب (12/ 289).
[3] رواه مسلم (1/ 134) رقم (153).
[4] الأستاذ سيد قطب "المستقبل لهذا الدين" (ص: 1- 10) دار الشروق.
[5] رواه البخاري (3/ 1300)، رقم (3341).
[6] الأستاذ سعيد حوى "الإسلام"، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع.
[7] القرطبي (4/ 43).
[8] القرطبي (6/ 211).
[9] يراجع في هذا المعنى رسالة ابن تيمية توحُّد الملة وتعدد الشرائع، (19/ 106).
[10] أساس حق العقاب في الفكر الإسلامي (ص: 374 وما بعدها)، مكتبة كلية الحقوق جامعة القاهرة.
[11] روضة الناظر لابن قدامة (ص: 170).
[12] الموافقات للشاطبي.
[13] الأستاذ/ سيد قطب - هذا الدين ص 1 - 10 دار الشروق.
[14] الأستاذ/ سيد قطب - هذا الدين ص 1 - 10 دار الشروق.
[15] رواه مسلم (1/ 199)، رقم (220).
[16] رواه مسلم (4/ 2295)، رقم (2999).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19-10-2021, 12:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,300
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التعريف بالإسلام

لا اله الا الله
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 96.12 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 93.32 كيلو بايت... تم توفير 2.80 كيلو بايت...بمعدل (2.91%)]