|
|
الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
لن تبلغ المجد حتى
لن تبلغ المجد حتى ياسر مصطفى يوسف تذكُر كتُب التَّاريخ والأدب أنَّ أبا محمَّد الوزير المهلَّبي الحسن بن محمد بن عبدالله بن هارون (291 - 352 هـ = 903 - 963م) كاتب معز الدوْلة أبي الحسين أحمد بن بويه (303 - 356 هـ = 915 - 967 م) - كان في غاية من الأدب والمحبَّة لأهله، وكان قبل اتِّصاله بمعز الدَّولة بن بويه في شدَّة عظيمة من الضَّرورة والمضايقة، وفي فقْر مدْقِع وفاقة لا توصف، وسافر وهو على تلك الحالة، ولقي في سفرِه أهوالاً عظيمة، فاشْتهى اللَّحم فلم يقدِر عليْه، فقال ارتجالاً: أَلا مَوْتٌ يُبَاعُ فَأَشْتَرِيهِ فَهَذَا العَيْشُ مَا لا خَيْرَ فِيهِ أَلا مَوْتٌ لَذِيذُ الطَّعْمِ يَأْتِي يُخَلِّصُنِي مِنَ العَيْشِ الكَرِيهِ إِذَا أَبْصَرْتُ قَبْرًا مِنْ بَعِيدٍ وَدِدْتُ لَوَ انَّنِي فِيمَا يَلِيهِ أَلا رَحِمَ المُهَيْمِنُ نَفْسَ حُرٍّ تَصَدَّقَ بِالوَفَاةِ عَلَى أَخِيهِ وكان له رفيق يقال له: أبو عبدالله الصوفي، وقيل: أبو الحسن العسقلاني، فلمَّا سمع الأبيات اشترى له لحمًا بدرهم وطبخه وأطعمه، وتفارقا. وتنقلِب الأحوال وولي المهلبي الوِزارة ببغداد لمعز الدَّولة المذكور، وضاق الحال برفيقِه الذي اشترى له اللحم في السفر، وبلغه وزارة المهلبي فقصَده وكتب إليه: أَلا قُلْ لِلوَزِيرِ فَدَتْهُ نَفْسِي مَقَالَ مُذَكِّرٍ مَا قَدْ نَسِيهِ أَتَذْكُرُ إِذْ تَقُولُ لِضِيقِ عَيْشٍ: أَلا مَوْتٌ يُبَاعُ فَأَشْتَرِيهِ فلما وقف عليها تذكر الحال، وهزَّته أريحيَّة الكرام فأمر له بسبعمائة درهم، ووقَّع له في رقعته: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261]، ثمَّ دعا به فخلع عليْه وقلَّده عملاً يرتفق منه. "ثمرات الأوراق" (1 /26). لو أنَّنا الآن قُمنا باستِبْيان واستِقْراء بين بعْض شرائح المجتمع، وطلبنا الإجابة على الأسئلة التالية: هل أنت راضٍ عن مركزك الاجتماعي؟ وعن وضْعِك المادّي؟ وعن منصبك الحالي؟ لكانتْ إجابة الغالبيَّة السَّاحقة والكثْرة الكاثرة - إن لم يكن الكل -: لا، بملْء أفواهنا. حسنًا، إذا كنتَ غيرَ راضٍ عن وضْعِك في كلِّ تلك الأمور، فهل تسلُك السَّبيل المُثْلى للوصول إلى ما تريد وتبتغي؟ وهل أنت بسبيلٍ مُقيم نحو طموحك الذي تحمِله في عقلِك وتطوي عليه جوانِحَك؟ إن قلت: نعم، فأقول لك: بارك الله بك وبآمالك، وسدَّد وثبت على الخير خطاك، وعليك بالصَّبر فيما أنت بصددِه وبسبيله حتَّى تنال ما تريد، وليكُن رائدك في ذلك قول الشَّاعر: لأَسْتَسْهِلَنَّ الصَّعْبَ أَوْ أُدْرِكَ المُنَى فَمَا انْقَادَتِ الآمَالُ إِلاَّ لِصَابِرِ وإن تردَّدت في الإجابة، أو أجبتَ بـ (لا)، فاعلم جيّدًا أنَّ المجد لا ينالُه إلاَّ المجدّون. لا تَحْسَبِ المَجْدَ تَمْرًا أَنْتَ آكِلُهُ لَنْ تَبْلُغَ المَجْدَ حَتَّى تَلْعَقَ الصَّبَرَا وأن القمة لا يتوصَّل إليها بالأمنيات وأحلام اليقظة، ولله درُّ أمير الشّعراء أحمد شوقي إذ يقول: وَمَا نَيْلُ المَطَالِبِ بِالتَمَنِّي وَلَكِنْ تُؤْخَذُ الدُّنْيَا غِلابَا وَمَا اسْتَعْصَى عَلَى قَوْمٍ مَنَالٌ إِذَا الإِقْدَامُ كَانَ لَهُمْ رِكَابَا إنَّ كثيرًا من المشاهير من قديم أو حديث ما بلغو المجْد والشُّهرة إلاَّ بعد أن ذاقوا الويلات في سبيل ذلك، ولو طالعْتَ سيرتَهم الذَّاتيَّة لوجدت أنَّهم بدؤوا من الصفر، بل وكانت بداياتُهم محْرِقة قبل أن تكون نهايتهم مشْرقة. قال أحد السَّلف: أعْتقني سيِّدي ولا حرفة لي أستدرُّ منها الرزق، فحرْتُ فيما أعمل وأيّ صنعة أحترف؟! فسلكت طريقَ العلم فلم يحُلْ عليَّ الحَوْل حتَّى جاءني الخليفة يطرُق عليَّ الباب، فلم آذن له. وهذا مجاهد بن جبر (21 - 104 هـ = 642 - 722 م) الإمام أبو الحجَّاج المخزومي المكي المقرئ المفسّر الحافظ، مولى السَّائب بن أبي السَّائب المخزومي، كان أحدَ أوْعية العلم، قال مجاهد عن نفسِه: عرضتُ القرآن على ابنِ عبَّاس ثلاث عرضات أقِف عند كلِّ آيةٍ أسألُه فيم نزلت؟ وكيف كانت؟ وقال: ربَّما أخذ لي ابنُ عمر - رضي الله عنْهما - بالركاب، وقال ابن جريج: لأن أَكون سمِعْتُ من مجاهد أحبُّ إليَّ من أهلي ومالي. وقال خصيف: أعلمُهم بالتَّفسير مجاهد، وقال الأعمش: كنتَ إذا رأيت مجاهدًا ازدريْته مبتذلاً كأنَّه قد ضلَّ حماره وهو مهتمّ لذلك، فإذا نطق خرج من فيه اللؤلؤ. ومن العصر الحديث آتيكم بتوماس أديسون (1847 - 1931م)، المخترع الأمريكي الذي وُلِد في مدينة ميلانو بولاية أوهايو الأمريكية، ولم يتعلَّم في مدارس الدَّولة إلاَّ ثلاثة أشهُر فقط، فقد وجده ناظِر المدرسة طفلاً بليدًا متخلِّفًا عقليًّا! وظهرت عبقريَّته في الاختراع وإقامة مشغله الخاصّ حيث أظهر سيرته المدهشة كمخترع، ومن براءات اختراعاتِه اختراعه مسجّلات الاقتِراع، والبارق الطَّابع، والهاتِف النَّاقل الفحمي، والمكرفون، والفونوغراف أو الفرامافون، وأعظم اختراعاتِه المصباح الكهربائي، والكثير، وأنتج في السَّنوات الأخيرة من حياتِه الصُّور المتحرِّكة النَّاطقة، وقد سجَّل أديسون باسمِه أكثرَ من ألف اختراع، وهو عدد لا يصدِّقُه العقل. إنَّ هذه الأمثلة دافعة لنا وبقوَّة لكي نضع خطَّة واضحة المعالم للوصول إلى السَّعادة في الدَّارين، واعتلاء القمَّة الَّتي لا تكون إلاَّ لأصحاب الهمَّة. جعلنا الله وإيَّاكم منهم، إنَّه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |