يوم عاشوراء - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         التوبة في القرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          فضل صلاة التطوع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          خطر الشذوذ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          مجازر الطحين.. إرهاصات نصر وعز وتمكين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          ليكن زماننا كله كرمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          حديث:ويَقْرَأُ فيها ما بيْنَ السِّتِّينَ إلى المِائَةِ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          وصايا نبوية مهمة للأولاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          حديث:من رَكعَ أربعَ رَكعاتٍ قبلَ الظُّهرِ وأربعًا بعدَها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          أنوية العلمانيين، وهم يواجهون أعداءهم من أهل القبلة، وحراس العقيدة... (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          لفظ (الناس) في القرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-04-2020, 04:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,316
الدولة : Egypt
افتراضي يوم عاشوراء

يوم عاشوراء


الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل


الْحَمْدُ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70 - 71].

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَيُّهَا النَّاسُ: مِنْ أُصُولِ إِقَامَةِ النِّظَامِ الْبَشَرِيِّ، وَدَفْعِ الْفَوْضَى عَنْ أَحْوَالِهمْ؛ ضَبْطُ مَوَاقِيتِهِمْ، وَمِنْ نِعْمَةِ اللهِ تَعَالَى عَلَى بَنِي آدَمَ لمَّا وَهَبَهُمُ الْعُقُولَ، أَنَّهُ سُبْحَانَهُ هَدَاهُمْ إِلَى المَوَاقِيتِ، وَأَلْهَمَهُمُ الِاسْتِفَادَةَ مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فِي ذَلِكَ؛ فَإِنَّ الِاسْتِنَادَ فِي ضَبْطِ المَوَاقِيتِ إِلَى الْآيَاتِ السَّمَاوِيَّةِ أَضْبَطُ وَأَبْعَدُ عَنِ الْخَطَأ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَنَاوَلُهَا أَيْدِي النَّاسِ بِالتَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ[1].

لَقَدْ خَلَقَ اللهُ تَعَالَى لَهُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ، وَعَلَّمَهُمْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ؛ فَانْتَظَمَتْ حَيَاتُهُمْ، وَصَلَحَتْ أَحْوَالُهمْ، وَطَابَ عَيْشُهُمْ.

وَهُوَ سُبْحَانَهُ خَلَقَ الْبَشَرَ، وَفَضَّلَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَخَلَقَ الزَّمَانَ، وَفَضَّلَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، وَخَلَقَ الْأَرْضَ، وَفَضَّلَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ.

وَأَفْضَلِيَّةُ الْبَشَرِ تَكُونُ بِأَعْمَالِهمْ، وَتَكُونُ مَنَازِلُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ بِحَسَبِ عِبَادَتِهِمْ وَتَقْوَاهُمْ، وَأَمَّا أَفْضَلِيَّةُ المَكَانِ وَالزَّمَانِ فَبِحَسَبِ مَا يَقَعُ فِيهِمَا مِنْ عِبَادَةِ اللهِ تَعَالَى.

اخْتَارَ اللهُ تَعَالَى مِنَ السَّنَةِ أَشْهُرًا حُرُمًا؛ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ [التوبة: 36].

وَمِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ: شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ.. أَوَّلُ شَهْرٍ فِي السَّنَةِ، وَكَانَ شَهْرًا مُحَرَّمًا بَعْدَ شَهْرِ الْحَجِّ؛ لِيَأْمَنَ الْحُجَّاجُ فِي سَفَرِهِمْ إِلَى بِلَادِهِمْ، وَسُمِّيَ مُحَرَّمًا تَأْكِيدًا لِتَحْرِيمِهِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَتَقَلَّبُ فِيهِ، فَتُحِلُّهُ عَامًا وَتُحَرِّمُهُ عَامًا[2].

وَلَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَشْهُرِ، وَهِيَ أَفْضَلِيَّةُ الصِّيَامِ فِيهِ؛ كَمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ: شَهْرُ اللهِ الَّذِي تَدْعُونَهُ المُحَرَّمَ...» رَوَاهُ مُسْلِمٌ[3].

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: «هَذَا إِنَّمَا كَانَ - وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - مِنْ أَجْلِ أَنَّ المُحَرَّمَ أَوَّلُ السَّنَةِ المُسْتَأْنَفَةِ الَّتِي لَمْ يَجِئْ بَعْدُ رَمَضَانُهَا، فَكَانَ اسْتِفْتَاحُهَا بِالصَّوْمِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ، وَالَّذِي أَخْبَرَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُ ضِيَاءٌ، فَإِذَا اسْتَفْتَحَ سَنَتَهُ بِالضِّيَاءِ مَشَى فِيهِ بَقِيَّتَهَا»[4] اهـ.

وَقَدْ سَمَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المُحَرَّمَ: شَهْرَ اللهِ تَعَالَى، وَإِضَافَتُهُ إِلَى اللهِ سُبْحَانَهُ تَدُلُّ عَلَى شَرَفِهِ وَفَضْلِهِ؛ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُضِيفُ إِلَيْهِ إِلَّا خَوَاصَّ مَخْلُوقَاتِهِ.. وَلمَّا كَانَ هَذَا الشَّهْرُ المُحَرَّمُ مُخْتَصًّا بِإِضَافَتِهِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَكَانَ الصِّيَامُ مِنْ بَيْنِ الْأَعْمَالِ مُضَافًا إِلَى اللهِ تَعَالَى؛ فَإِنَّهُ لَهُ مِنْ بَيْنِ الْأَعْمَالِ؛ نَاسَبَ أَنْ يَخْتَصَّ هَذَا الشَّهْرُ المُضَافُ إِلَى اللهِ بِالْعَمَلِ المُضَافِ إِلَيْهِ المُخْتَصِّ بِهِ وَهُوَ الصَّوْمُ[5].

فَأَفْضَلُ زَمَانٍ يَتَطَوَّعُ فِيهِ مُتَطَوِّعٌ بِصَوْمٍ مُطْلَقٍ هُوَ هَذَا الشَّهْرُ المُحَرَّمُ، كَمَا هُوَ نَصُّ الْحَدِيثِ[6].

الَيْوَمُ الْعَاشِرُ مِنْ مُحَرَّمٍ يَوْمٌ عَظِيمٌ؛ نَجَّى اللهُ تَعَالَى فِيهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَغْرَقَ عَدُوَّهُ فِرْعَوْنَ، فَكَانَ أَتْبَاعُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يَصُومُونَهُ شُكْرًا للهِ تَعَالَى، ثُمَّ تَوَارَثَ ذَلِكَ الْيَهُودُ أُمَّةً بَعْدَ أُمَّةٍ، وَبَقِيَ صِيَامُهُ مِنْ شَعَائِرِ دِينِهِمُ الَّتِي مَا طَالَتْهَا أَيْدِي التَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ إِلَى زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَصَامَهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فِي مَكَّةَ، فَصَامَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي مَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: «كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ[7].

ثُمَّ لمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى المَدِينَةِ رَأَى الْيَهُودَ يُعَظِّمُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَيَتَّخِذُونَهُ عِيدًا، وَيَصُومُونَهُ، وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ؛ َفَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟» قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ: «أَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ[8].

وَفِي هَذِهِ المَرْحَلَةِ كَانَ صِيَامُ عَاشُورَاءَ فَرِيضَةً، بِدَلِيلِ حَدِيثِ الرُّبَيَّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الْأَنْصَارِ الَّتِي حَوْلَ المَدِينَةِ: «مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ» فَكُنَّا، بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللهُ، وَنَذْهَبُ إِلَى المَسْجِدِ، فَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ. وَفِي رِوَايَةٍ: فَإِذَا سَأَلُونَا الطَّعَامَ، أَعْطَيْنَاهُمُ اللُّعْبَةَ تُلْهِيهِمْ حَتَّى يُتِمُّوا صَوْمَهُمْ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ[9].

وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ فَرَضَ اللهُ تَعَالَى صَوْمَ رَمَضَانَ، وَزَالَتْ فَرْضِيَّةُ صَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَلَمْ يَأْمُرِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الصَّحَابَةَ بَعْدَ فَرْضِ رَمضَانَ بِصِيَامِ عَاشُورَاءَ، وَإِنَّمَا خَيَّرَهُمْ فِي ذَلِكَ، كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «صَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ»، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَامَهُ وَالمُسْلِمُونَ قَبْلَ أَنْ يُفْتَرَضَ رَمَضَانُ، فَلَمَّا افْتُرِضَ رَمَضَانُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ عَاشُورَاءَ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللهِ تَعَالَى، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ»[10].

وَعَلَى هَذَا فَإِنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم وَالصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - صَامُوا عَاشُورَاءَ فَرْضًا سَنَةً وَاحِدَةً، هِيَ السَّنَةُ الثَّانِيَةُ مِنَ الْهِجْرَةِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ صِيَامِ عَاشُورَاءَ كَانَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ إِلَى المَدِينَةِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَاجَرَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ، فَلَمْ يُفْرَضْ عَلَيْهِمْ فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ وَقْتُهُ، وَفِي الْعَامِ الثَّانِي صَامُوهُ فَرْضًا، ثُمَّ فُرِضَ رَمَضَانُ فِي الْعَامِ الثَّانِي، فَصَامُوا عَاشُورَاءَ فَرْضًا وَرَمَضَانَ فَرْضًا، ثُمَّ فِي الْأَعْوَامِ الَّتِي تَلِيهِ لَمْ يَصُومُوا عَاشُورَاءَ فَرْضًا، وَصَامُوا رَمَضَانَ فَرْضًا.

بَعْدَ أَنْ أَكْمَلَ اللهُ تَعَالَى الدِّينَ، وَأَتَمَّ النِّعْمَةَ، وَتَنَزَّلَتِ الشَّرِيعَةُ، وَاسْتَقَرَّتْ أَحْكَامُهَا؛ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمُخَالَفَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ لِيَتَمَيَّزَ الْإِسْلَامُ بِصَفَائِهِ وَنَقَائِهِ، وَشَرِيعَتِهِ المُنَزَّلَةِ عَنِ الشَّرَائِعِ الْأُخْرَى الَّتِي اخْتَلَطَ فِيهَا الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ؛ بِسَبَبِ التَّحْرِيفِ وَالتَّغْيِيرِ، فَعَزَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى مُخَالَفَةِ الْيَهُودِ فِي صَوْمِهِمْ لِعَاشُورَاءَ، كَمَا خَالَفَهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ شَرَائِعِهِمْ؛ فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ المُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ» قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ المُقْبِلُ، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ[11].

فَاسْتَقَرَّتِ الشَّرِيعَةُ عَلَى سُنِّيَّةِ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، مَعَ مُخَالَفَةِ الْيَهُودِ بِصِيَامِ يَوْمٍ قَبْلَهُ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ، أَوْ يَوْمٍ بَعْدَهُ؛ حَتَّى تَتَحَقَّقَ المُخَالَفَةُ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «خَالِفُوا الْيَهُودَ، وَصُومُوا التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ»[12]. وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَخَالِفُوا فِيهِ الْيَهُودَ، وَصُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا أَوْ بَعْدَهُ يَوْمًا»[13].

فَكَانَتْ مُخَالَفَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِلْيَهُودِ فِي عَاشُورَاءَ مِنْ جِهَتَيْنِ:
الْأُولَى: مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يُعَظِّمُونَهُ وَيَتَّخِذُونَهُ عِيدًا، فَخَالَفَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَتَّخِذْهُ عِيدًا؛ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَتَتَّخِذُهُ عِيدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «صُومُوهُ أَنْتُمْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ[14].

وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِمُخَالَفَةِ الْيَهُودِ فِي صِيَامِ عَاشُورَاءَ بِشَفْعِهِ بِيَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ يَوْمٍ بَعْدَهُ.

جَاءَ فِي فَضْلِ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَنَّهُ يُكَفِّرُ سَنَةً كَامِلَةً؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ»، وَفِي رِوَايَةٍ: «صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ[15].

وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: «مَنْ صَامَ عَاشُورَاءَ غَفَرَ اللهُ لَهُ سَنَةً»[16].

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: «وَهَذَا فِيمَنْ صَادَفَهُ صَوْمُهُ وَلَهُ سَيِّئَاتٌ يَحْتَاجُ إِلَى مَا يُكَفِّرُهَا، فَإِنْ صَادَفَهُ صَوْمُهُ وَقَدْ كُفِّرَتْ سَيِّئَاتُهُ بِغَيْرِهِ انْقَلَبَتْ زِيَادَةً فِي دَرَجَاتِهِ»[17].

وَكَانَ الزُّهْرِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- يُفْطِرُ إِذَا سَافَرَ فِي رَمَضَانَ، فَصَامَ عَاشُورَاءَ وَهُوَ مُسَافِرٌ فَلَمْ يُفْطِرْ، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «إِنَّ رَمَضَانَ لَهُ عِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، وَعَاشُورَاءَ يَفُوتُ»[18].

فَاحْرِصُوا رَحِمَكُمُ اللهُ تَعَالَى عَلَى صِيَامِهِ، وَخَالِفُوا الْيَهُودَ؛ فَصُومُوا يَوْمًا قَبْلَهُ -وَذَلِكَ أَفْضَلُ- أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ.

أَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَسْتَعْمِلَنَا جَمِيعًا فِي طَاعَتِهِ، وَأَنْ يُسْبِغَ عَلَيْنَا نِعْمَتَهُ، وَأَنْ يَكِلَنَا إِلَى عَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ.

وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ...

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، أَحْمَدُهُ وَأَشْكُرُهُ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - وَأَطِيعُوهُ، وَالْزَمُوا السُّنَّةَ، وَاحْذَرُوا الْبِدْعَةَ؛ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ: غُلُوُّهُمْ فِي دِينِهِمْ، وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ [الحشر: 7].

أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ: اخْتَرَعَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَفْعَالًا فِي عَاشُورَاءَ لَمْ يَأْذَنْ بِهَا شَرْعُنَا؛ بَلْ هِيَ أَفْعَالٌ مُخَالِفَةٌ لِمَا جَاءَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلِمَا عَلَيْهِ سَلَفُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَهَؤُلَاءِ المُبْتَدِعُونَ لَهُمْ فِيهِ مَنْهَجَانِ:
المَنْهَجُ الْأَوَّلُ: يَنْتَهِجُهُ أَكْثَرُ الْفِرَقِ الْبَاطِنِيَّةِ، جَعَلُوهُ مَأْتَمًا عَلَى قَتْلِ الْحُسَيْنِ ابْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - يَجْتَمِعُونَ عَلَى ذِكْرِهِ، وَيُغَالُونَ فِي مَدْحِهِ، وَيَنُوحُونَ عَلَيْهِ، وَبَعْضُهُمْ يَخْلَعُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَوْصَافِ وَالْأَفْعَالِ مَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِالرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ، وَقَدْ مَاتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ خَلِيفَتُهُ الصِّدِّيقُ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وَمَا اتَّخَذَ المُسْلِمُونَ يَوْمَيِ وَفَاتِهِمَا مَنَاحَةً يَنُوحُونَ فِيهَا، وَقُتِلَ الْخُلَفَاءُ الثَّلَاثَةُ: عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ وَالِدُ الْحُسَيْنِ، رَضِيَ اللهُ عَنِ الْجَمِيعِ، وَمَا جُعِلَتِ الْأَيَّامُ الَّتِي تُوَافِقُ أَيَّامَ قَتْلِهِمْ مِنْ كُلِّ عَامٍ أَيَّامَ حُزْنٍ وَجَزَعٍ، وَإِنْشَادٍ لِلْمَرَاثِي؛ بَلْ رَضِيَ المُسْلِمُونَ بِقَضَاءِ اللهِ تَعَالَى وَقَدَرِهِ، وَحَزِنُوا لِمَقْتَلِهِمْ كَمَا حَزِنُوا لِوَفَاةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ الْحُزْنِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدٌ أَوْلَى بِأَنْ يُخَصَّصَ يَوْمُ وَفَاتِهِ لِرِثَائِهِ وَمَدْحِهِ، لَكَانَ سَيِّدُ الْخَلْقِ وَخَاتَمُ الرُّسُلِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَوْلَى النَّاسِ بِذَلِكَ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ فِي شَرِيعَةِ اللهِ تَعَالَى.

وَالمُسْلِمُونَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم أَفْضَلُ مِنَ الْحُسَيْنِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَخُصُّوا الْيَوْمَ الَّذِي يُوَافِقُ يَوْمَ وَفَاتِهِ مِنْ كُلِّ عَامٍ بِشَعَائِرَ لِرِثَائِهِ وَالْحُزْنِ عَلَيْهِ، مَعَ أَنَّ أُمَّةَ الْإِسْلَامِ مَا وُتِرَتْ فِي شَيْءٍ أَعْظَمَ مِنْ فَقْدِهَا لِحَبِيبِهَا وَصِفِيِّهَا مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

وَكَذَلِكَ المُسْلِمُونَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْخُلَفَاءَ الْأَرْبَعَةَ: أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - أَعْلَى مَنْزِلَةً فِي دِينِ اللهِ تَعَالَى مِنَ الْحُسَيْنِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-؛ لِسَابِقَتِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ، وَصُحْبَتِهِمْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم زَمَنًا طَوِيلًا، وَأَعْمَالُهُمُ الْجَلِيلَةُ فِي الْإِسْلَامِ، وَقَدْ بَشَّرَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْجَنَّةِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَتَّخِذِ المُسْلِمُونَ أَيَّامَ فَقْدِهِمْ مَنَاحَةً عَلَيْهِمْ، فَهَلْ هَؤُلَاءِ المُبْتَدِعُونَ يَرَوْنَ أَنَّ الْحُسَيْنَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَفْضَلُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمِنْ خُلَفَائِهِ الْأَرْبَعَةِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ؟! نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الضَّلَالِ.

قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: «وَأَمَّا اتِّخَاذُهُ مَأْتَمًا كَمَا تَفْعَلُهُ الرَّافِضَةُ لِأَجْلِ قَتْلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- فِيهِ، فَهُوَ مِنْ عَمَلِ مَنْ ضَلَّ سَعْيُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُوَ يَحْسَبُ أَنَّهُ يُحْسِنُ صُنْعًا، وَلَمْ يَأْمُرِ اللهُ وَلَا رَسُولُهُ بِاتِّخَاذِ أَيَّامِ مَصَائِبِ الْأَنْبِيَاءِ وَمَوْتِهِمْ مَأْتَمًا، فَكَيْفَ بِمَنْ دُونَهُمْ؟!»[19].

المَنْهَجُ الثَّانِي: وَهُوَ مُقَابِلٌ لِمَنْهَجِ هَؤُلَاءِ الضُّلَّالِ، وَقَدْ نَهَجَهُ النَّوَاصِبُ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ الْجُهَّالِ، فَاتَّخَذُوا مِنْ يَوْمِ عَاشُورَاءَ عِيدًا، وَخَصُّوهُ بِعِبَادَاتٍ لَمْ تَأْتِ فِي شَرْعِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ كَزِيَارَةِ الْقُبُورِ فِيهِ، وَتَخْصِيصِهِ بِالصَّدَقَةِ، وَقِرَاءَةِ سُورَةٍ فِيهَا ذِكْرُ قِصَّةِ مُوسَى مَعَ فِرْعَوْنَ فِي فَجْرِهِ، وَقِيَامِ لَيْلَتِهِ، وَإِحْيَائِهَا بِالذِّكْرِ، وَكَذَلِكَ مَا يَفْعَلُونَهُ فِي عَاشُورَاءَ مِنَ الاغْتِسَالِ وَالِاكْتِحَالِ وَالتَّطَيُّبِ، وَالذَّبْحِ فِيهِ، وَطَبْخِ طَعَامٍ خَاصٍّ لَهُ، وَالتَّوْسِعَةِ عَلَى الْأَهْلِ وَالْعِيَالِ، وَبَعْضُهُمْ -وَالْعِيَاذُ بِاللهِ- يُظْهِرُ الْفَرَحَ وَالشَّمَاتَةَ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فَكُلُّ هَذَا أَيْضًا مِنَ الضَّلَالِ وَالْبِدْعَةِ، وَإِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ رَدَّةَ فِعْلٍ وَنِكَايَةً بِمَنِ اتَّخَذُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمَ حُزْنٍ عَلَى الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ[20].

وَكِلَا الْفَرِيقَيْنِ قَدْ ضَلَّ عَنِ الْحَقِّ، وَأَضَاعَ السُّنَّةَ، وَارْتَكَسَ فِي الْبِدْعَةِ، فَلَمْ يَرِدْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا عَنْ صَحَابَتِهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- عَمَلٌ فِي عَاشُورَاءَ سِوَى صِيَامِهِ وَصِيَامِ يَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، وَقَدْ أَخْبَرَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّ صِيَامَهُ يُكَفِّرُ سَنَةً، وَمَنِ اتَّخَذَهُ مَنَاحَةً فَقَدْ خَالَفَ الْهَدْيَ النَّبَوِيَّ، وَشَابَهَ أَهْلَ الْكِتَابِ فِي تَعْظِيمِهِمْ وَإِطْرَائِهِمْ وَغُلُوِّهِمْ فِي أَنْبِيَائِهِمْ وَأَحْبَارِهِمْ.

وَمَنِ اتَّخَذَهُ عِيدًا فَقَدْ خَالَفَ الْهَدْيَ النَّبَوِيَّ أَيْضًا، وَشَارَكَ الْيَهُودَ فِي اتِّخَاذِهِ عِيدًا.

وَأَكْمَلُ الْهَدْيِ هَدْيُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي تَرَكَنَا عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ، فَحَذَارِ أَخِي المُسْلِمَ مِنَ الْبِدَعِ، وَالتَّأَثُّرِ بِزُخْرُفِهَا وَنَمَارِقِهَا؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى مَا ابْتَلَى عِبَادَهُ إِلَّا لِيَرَى مِنْهُمْ حُسْنَ الْعَمَلِ، وَلَا يَكُونُ الْعَمَلُ حَسَنًا إِلَّا إِذَا كَانَ خَالِصًا للهِ تَعَالى، مُوَافِقًا لِهَدْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ [الملك: 1-2]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا [الأحزاب: 21].

أَلَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ، كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ...

[1] انظر: التحرير والتنوير، لابن عاشور (10/ 180 - 181).
[2] انظر: تفسير ابن كثير (2/ 553) عند تفسير الآية (36) من سورة التوبة.
[3] أخرجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أحمد (2/ 344)، ومسلم في الصيام، باب فضل صوم المحرم (1163)، وأبو داود في الصوم، باب في صوم المحرم (2429)، والترمذي في الصوم، باب ما جاء في صوم المحرم، وقال: حديث حسن (740)، والنسائي في قيام الليل، باب فضل صلاة الليل (3/ 206)، وابن ماجه في الصيام، باب صيام أشهر الحرم (1742)، والدارمي (1758)، وعبد بن حميد في المنتخب من مسنده (1423)، وابن خزيمة (2076).
[4] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (3/ 235).
[5] لطائف المعارف، لابن رجب (81 - 82).
[6] قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى في لطائف المعارف (78): «فأما التطوع المطلق فأفضله: صيام الأشهر الحرم...وأفضل صيام الأشهر الحرم: صيام شهر الله المحرم» اهـ.
[7] أخرجه مالك (1/ 299)، وأحمد (6/ 162)، وعبد الرزاق (7844)، والبخاري في مناقب الأنصار، باب أيام الجاهلية (3831)، ومسلم في الصيام، باب صوم يوم عاشوراء (1125).
[8] أخرجه أحمد (1/ 336)، والبخاري في الصوم، باب صيام يوم عاشوراء (2004)، ومسلم في الصيام، باب صوم يوم عاشوراء (1130).
[9] أخرجه أحمد (6/ 359)، والبخاري في الصيام، باب صوم الصبيان (1960)، ومسلم في الصيام، باب من أكل في عاشوراء فليكفَّ بقية يومه (1136).
[10] أخرجه أحمد (2/ 57)، والبخاري في الصوم، باب صيام يوم عاشوراء (2000)، ومسلم في الصيام، باب صوم يوم عاشوراء (1126).
[11] أخرجه مسلم في الصيام، باب أي يوم يصام في عاشوراء (1134)، وأبو داود في الصوم، باب ما روي أن عاشوراء اليوم التاسع (2445).
[12] هذه الرواية لعبد الرزاق في مصنفه (7839) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
[13] هذه الرواية لأحمد في المسند (1/ 241)، وفي فضائل الصحابة (1951)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 78)، وفي سندها محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو سيِّئ الحفظ، وقد رفع الحديث وخالفه عطاء وغيره، فرووه موقوفًا على ابن عباس رضي الله عنهما. قال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة (3 / 81): «لكن لم ينفرد به -يعني ابن أبي ليلى- فقد تابعه عليه صالح بن أبي صالح بن حي» اهـ. والروايات الأخرى الصحيحة التي تأمر بصيام التاسع تشهد لهذه الرواية وتقوّيها، وكذلك صححه ابن خزيمة (2095)، وحسنه الشيخ أحمد شاكر في شرحه على المسند (2154).
[14] أخرجه أحمد (4 / 409)، والبخاري في الصوم، باب صوم يوم عاشوراء (2005)، ومسلم في الصيام، باب صوم يوم عاشوراء (1131) واللفظ له.
[15] أخرجه أحمد (5 / 296)، ومسلم في الصيام، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة وعاشوراء والاثنين والخميس (1162)، وأبو داود في الصوم، باب في صوم الدهر تطوعًا (2425)، والترمذي في الصوم، باب ما جاء في الحث على صوم يوم عاشوراء (752)، والنسائي في الكبرى (2796)، وابن ماجه في الصيام، باب صيام يوم عاشوراء (1738). والرواية الثانية لمسلم، وأبي داود، وابن ماجه، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2 / 77).
[16] أخرجه البزار، كما في مختصر زوائد البزار للحافظ ابن حجر (673)، وقال البزار: «لا نعلم رواه هكذا إلا عمر بن صهبان، وليس بالقوي، وقد حدث عنه جماعة من أهل العلم» وعزاه الهيثمي في مجمع الزوائد للطبراني في الأوسط، وقال: «وإسناد الطبراني حسن» (3 / 189)، وحسنه المنذري في الترغيب والترهيب (2 / 68).
[17] فضائل الأوقات، للبيهقي (439).
[18] أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (7 / 215).
[19] لطائف المعارف (113)، وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (25 / 309): «فكل ما زينه الشيطان لأهل الضلال والغَيّ من اتخاذ يوم عاشوراء مأتمًا، وما يصنعون فيه من الندب والنياحة، وإنشاد قصائد الحزن، ورواية الأخبار التي فيها كذب كثير، والصدق فيها ليس فيه إلا تجديدُ الحزن والتَّعَصّب، وإثارة الشحناء والحرب، وإلقاء الفتن بين أهل الإسلام، والتوسل بذلك إلى سب السابقين الأولين، وكثرة الكذب والفتن في الدنيا، ولم يعرف طوائف الإسلام أكثر كذبًا وفتنًا ومعاونة للكفار على أهل الإسلام من هذه الطائفة الضالة الغاوية؛ فإنهم شر من الخوارج المارقين» اهـ.
[20] قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (25/ 309 - 310): «فعارض هؤلاء قوم إما من النواصب المتعصبين على الحسين وأهل بيته، وإما من الجهال الذين قابلوا الفاسد بالفاسد، والكذب بالكذب، والشر بالشر، والبدعة بالبدعة، فوضعوا الآثار في شعائر الفرح والسرور يوم عاشوراء كالاكتحال والاختضاب، وتوسيع النفقات على العيال، وطبخ الأطعمة الخارجة عن العادة، ونحو ذلك مما يفعل في الأعياد والمواسم، فهؤلاء صاروا يتخذون يوم عاشوراء موسمًا كمواسم الأعياد والأفراح، وأولئك يتخذونه مأتمًا يقيمون فيه الأحزان والأتراح، وكلا الطائفتين مخطئة خارجة عن السنة» اهـ.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 80.50 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 78.61 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.34%)]