شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         المسجد الأقصى وفلسطين في حياة الصحابة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 427 )           »          خواطر الكلمة الطيبة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 21 - عددالزوار : 1549 )           »          ذنوب القلوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 17 - عددالزوار : 3699 )           »          الدعاء بعد الصلاة مع الإمام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          الصلاة بعد الوتر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          أداء الصلاة على كرسي لعذر شرعي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          مس الفخذ والركبة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          مقتطفات من سيرة علي بن أبي طالب رضي الله عنه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          هَمَسات .. في كلمات ... (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 3719 )           »          أسباب دخول الجنة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29-04-2024, 08:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,045
الدولة : Egypt
افتراضي شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (1) باب: أَوَّلُ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ

اعداد: الفرقان

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فهذا تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.
235.عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّل؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ» قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى» قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ سَنَةً، وَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ، فَصَلِّ، فَهُوَ مَسْجِدٌ».
الشرح: قال المنذري: باب: أول مسجد وضع في الأرض، وهذا الحديث أخرجه الإمام مسلم ( 1/370 ) في أول كتاب المساجد ومواضع الصلاة.
من حديث أبي ذر، وهو جُندب بن جنادة على الأصح، الغفاري، من بني غفار، الصحابي المشهور، مناقبه كثيرة جدا، مات سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان.
قال: «قلت: يا رسول الله، أي مسجد وضع في الأرض أول؟» يعني: أي المساجد بُني في الأرض أولاً للصلاة فيه، والتعبد لله تعالى فيه، فتغفر لهم ذنوبهم، وترفع درجاتهم، ثم للطواف به، وللتوجه إليه واتخاذه قبلة.
فقال صلى الله عليه وسلم : «المسجد الحرام» ومعلوم بالاتفاق أن المسجد الحرام هو الذي بمكة، كما قال الله تبارك وتعالى مخبرا عن شرف البيت وفضله: {إنّ أولَ بيتٍ ُوضع للناس للذي ببكة مباركاً وهُدى للعالمين فيه آياتٌ بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حجُ البيت من استطاعَ إليه سبيلاً ومنْ كفَرَ فإن الله غنيٌ عن العالمين} (آل عمران: 96-97). وبكة من أسماء مكة {مباركا} أي: كثير البركة والمنفعة، الدينية والدنيوية {وهدى للعالمين} أي فيه هداية للناس علماً وعملا، فكم من الناس من اهتدى بزيارة البيت الحرام، بل من رؤيته ومشاهدته.
ونبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام هو باني المسجد الحرام، وإبراهيم عليه الصلاة والسلام نبيٌ يعظمه اليهود والنصارى ويحترمونه ويحبونه، وله عندهم جميعا قدرٌ ومنزلة في التوراة والإنجيل، ومع ذلك فإنهم لا يحجون البيت الذي بناه؟؟ ولا يتوجهون إليه، ولا يستقبلونه في صلاتهم؟؟!! وهذا من تناقضاتهم الكثيرة!!
مع أن المسجد الحرام أول مسجد وضع في الأرض، ليتعبّد فيه لله وللصلاة والذكر، فله السبقُ على جميع بيعهم وكنائسهم التي يعظمونها ويعمرونها.
قوله: «قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى» أي المسجد الأقصى الذي هو ببيت المقدس والذي يسمى أيضا: بإلياء، هوالمسجد الثاني الذي بني في الأرض، وسمي بالمسجد الأقصى لبعده عن المسجد الحرام في المسافة، وقد بناه نبي الله يعقوب بن إسحق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام، وجدّد بناءه نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام كما صح في الحديث.
قال: «قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة» أي: كم المدة بين بناء المسجد الحرام والمسجد الأقصى - حرّره الله من أيدي اليهود الغاصبين – قال: بينهما أربعون سنة.
قوله «وأينما أدركتك الصلاة فصلّ، فهو مسجد» هذا دليل على جواز الصلاة في جميع بقاع الأرض، إلا ما استثناه الشرع المطهر، من الصلاة في المقابر والمواضع النجسة ونحوها، فقد ورد النهي عن الصلاة في المقابر في قوله عليه الصلاة والسلام: «لا تَجلسوا على القُبور، ولا تُصلّوا إليها، ولا عليها» رواه الإمام مسلم.
وكذلك ورد النهي عن الصلاة في معاطن الإبل، أي في مبارك الإبل، والنهي عن الصلاة في أعطان الإبل وفي الحمام، لأنه موضع تحضره الشياطين، والحمام هو الموضع الذي يغتسل فيه، وليس هو موضع قضاء الحاجة، وكذا النهي عن الصلاة في المواضع النجسة كالمزبلة أو ما شابهها، فهذه مواضع لا يصح الصلاة فيها.
وكذلك ما ورد من النهي عن الصلاة فيه أو كراهية الصلاة فيه كالصلاة في الأماكن التي فيها تصاوير أو أصنام أو صلبان، هذا كله يدل على الكراهة. قال عمر لبعض عظماء النصارى: «إنا لا ندخل كنائسكم من أجل التماثيل التي فيها الصور» رواه البخاري في كتاب الصلاة، باب الصلاة في البيعة عند الحديث رقم 434. ووصله عبد الرزاق.
وفيه أيضا: وكان ابن عباس رضي الله عنهما يصلي في البيعة إلا بيعة فيها تمثال. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، 1/ 532: وصله البغوي في الجعديات، وزاد فيه: «فإن كان فيها تماثيل خرج فصلى في المطر».
قال أهل العلم: لا بأس بالصلاة في الكنيسة، ولا يصلي إلى الصور، هذا إذا لم يجد مكاناً يصلي فيه غيرها.
قال الشوكاني: وهذا الحديث يدل على جواز تحويل أماكن الكنائس إلى مساجد، وتدل الآثار على جواز الصلاة في الكنائس، ولا يُصلَّى إلى الصور، ولا في مكان نجس (انظر: نيل الأوطار 1/ 687).
وجَعْل الأرض كلها مسجدا وطهورا للأمة أينما كانوا، هو من خصائص أمة محمد عليه الصلاة والسلام، ومما فضلت به الأمة الإسلامية، خلافا لأهل الكتاب، فإنهم لا يصلون إلا في كنائسهم وبيعهم، فلا يصلي أحدهم إلا بالمكان المخصص للصلاة فقط.
وأيضا فمن فضل الله تعالى على أمة محمد أن الله عز وجل جعل لهم الأرض كلها طهورا، فإذا فقدت الماء يمكنك أن تستعمل الصعيد الطيب من الأرض، فتتيمم بصعيد الأرض، يعني ما صعد على سطحها من التراب الطاهر ثم تصلي، فحيثما أدركتك الصلاة فعندك مسجدك وعندك طهورك، فلله الحمد حمدا كثيرا طيبا.
41-باب: ابتناء مسجد النبي
238.عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قال: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَنَزَلَ فِي عُلْوِ الْمَدِينَةِ فِي حَيٍّ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَأَقَامَ فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ إِنَّهُ أَرْسَلَ إِلَى مَلَأ بَنِي النَّجَّارِ فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِينَ بِسُيُوفِهِمْ، قَالَ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفُهُ، وَمَلَأُ بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ حَتَّى أَلْقَى بِفِنَاءِ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُصَلِّي حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ، وَيُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، ثُمَّ إِنَّهُ أَمَرَ بِالْمَسْجِدِ، قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَى مَلَأِ بَنِي النَّجَّارِ فَجَاءُوا، فَقَالَ: «يَا بَنِي النَّجَّارِ، ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا» قَالُوا: لَا وَاللَّهِ لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ، قَالَ أَنَسٌ: فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ، كَانَ فِيهِ نَخْلٌ وَقُبُورُ الْمُشْرِكِينَ وَخِرَبٌ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ بِالنَّخْلِ فَقُطِعَ، وَبِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ، وَبِالْخِرَبِ فَسُوِّيَتْ، قَالَ: فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةً، وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ حِجَارَةً، قَالَ: فَكَانُوا يَرْتَجِزُونَ وَرَسُولُ اللَّهِ مَعَهُمْ، وَهُمْ يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الْآخِرَهْ، فَانْصُر الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَه ْ».
الشرح: قال المنذري: باب ابتناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم .
والإمام مسلم رواه في الباب المتقدم.
وهذا الحديث فيه قصة بناء مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة النبوية، يقول أنس رضي الله عنه: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم للمدينة» يعني مهاجرا من مكة «فنزل في علو المدينة في حي يقال لهم بنو عمرو ابن عوف» وهم من سكان المدينة. «فأقام فيهم صلى الله عليه وسلم أربع عشرة ليلة في بيت أبي أيوب الأنصاري»، لأنه صلى الله عليه وسلم لما جاء على راحلته قال لهم: «دعوها فإنها مأمورة» أي فحيثما تبرك فسأنزل، فبركت الناقة عند بيت أبي أيوب رضي الله عنه فنزل عنده صلى الله عليه وسلم ضيفا، وأقام في غرفة له في علو البيت أربع عشرة ليلة.
قوله: «ثم أرسل إلى ملأ بني النجار» والملأ هم الأشراف والسادة من بني النجار، وبنو النجار أخوال النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنّ أم النبي صلى الله عليه وسلم آمنة بن وهب ترجع إلى بني النجار.
قوله: «فجاءوا: يعني أشراف بني النجار جاءوا متقلدين سيوفهم» أي جاءوا وقد لبسوا السيوف، وهذا يدل على النصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنهم جاءوا مستعدين لكل ما يطلبه منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى ولو طلب منهم أرواحهم والقتال عنه لفعلوا.
قوله: «فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وأبو بكر ردفه، وملأ بني النجار حوله حتى ألقى بفناء أبي أيوب» فيه: جواز الارتداف على الدابة، فإذا كانت الدابة تطيق أن يركبها اثنان جاز ذلك. قوله: «فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حيث أدركته الصلاة، ويصلي في مرابض الغنم» وهذا دليل على جواز الصلاة في مرابض الغنم، وهي الأماكن التي تبيت بها الغنم وتضع أجسادها عليها تسمى بالمرابض، وفيه دليل لطهارة بولها وروثها، وهو قول عامة أهل العلم، أن ما يؤكل لحمه فبوله وروثه طاهر.
وإنما منع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة في معاطن الإبل؛ لأنها تحضرها الشياطين، وليس لأن بولها وروثها نجسان، بل هما طاهران، وإنما كما قال أهل العلم: لأنها تحضرها الشياطين، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في معاطن الإبل ومباركها.
قوله: «ثم إنه أمر بالمسجد» أي إن النبي صلى الله عليه وسلم أول بناء بناه في المدينة وأول مؤسسة أسسها هو مسجده صلى الله عليه وسلم ، فالمسجد هو نواة دولة الإسلام والمسلمين، وهو مكان الصلاة فرضها ونفلها، ومكان اجتماع المسلمين، ومحل تدارسهم وتعلمهم القرآن والسنة النبوية، وفيه الدعوة إلى الله تعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه في الأمور المهمة ويجتمع بهم في المسجد، ويستقبل وفود العرب في المسجد، ويأمر بالصدقات وجمعها في المسجد ويفرقها فيه، وكان فقراء المسلمين يبيتون فيه، وربما بعض شبابهم من العزاب، يبيتون فيه ويصلون ويتهجدون في المسجد، فالمسجد كان مؤسسة عظيمة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وزمن السلف الصالح، وليس مكانا يصلي فيه الناس الفريضة ثم يخرجون ويغلق، وإنما كان كما ذكرنا مؤسسة ومعهدا ومدرسة وجامعة، بل هناك جامعات إسلامية عريقة انبثقت من المساجد، ومن أشهرها الجامع الأزهر، وهو جامعة كذلك، وجامع القرويين وجامع الزيتونة والجامع الأموي في الشام حرّره الله عز وجل من أيدي الظلمة المعتدين، وغيرها من المساجد الكبرى التي كانت في العالم الإسلامي عبارة عن جامعات.
قوله: «فأرسل إلى ملأ بني النجار، فجاءوا، فقال: يا بني النجار ثامنوني بحائطكم» ثامنوني يعني: اطلبوا ثمنا أو بايعوني أرضكم، والحائط هو الأرض المحاطة بحائط. قالوا: «لا والله، لا نطلب ثمنه إلا إلى الله» يعني: لا نطلب ثمنه وإنما هو لله، أو إنما نطلب ثمنه من الله.
قال أنس: «فكان فيه ما أقول» كان في هذه الأرض التي طلب النبي صلى الله عليه وسلم من بني النجار أن يبيعوها له، يقول أنس: «كان فيها نخلٌ وقبور المشركين وخَرِب» خرب تُروى بفتح الخاء وبكسرها، وكلاهما جائز، وهي ما تخرّب من البناء، أي كان فيها أبنيةٌ متخربة قديمة، فأزالها وسوّى الأرض.
قوله: «فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنخل فقطع» وهذا فيه جواز قطع النخل للضرورة والحاجة والمصلحة، إما لاستعمال جذوعها وخشبها، وإما لأجل أن يبنى مكانها شيء، أو أن يغرس مكانها شجر آخر، أو إذا كانت في مكان يخشى سقوطها على الناس، أو لاتحاذ مكانها مسجدا، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم هاهنا، أو أن تقطع في بلاد الكفار المحاربين نكاية بهم، وإلحاقا للضرر بهم وإضعافا لهم وهزيمة، إذا كان في ذلك مصلحة، كما قال الله تعالى: {ما قَطعتم من لينةٍ أو تركتموها قائمةً على أُصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين} (الحشر:5). وإلا فالأصل أن نترك النخيل وغيرها من الأشجار المفيدة؛ لأن ذلك من عمارة الأرض.
قوله: «وأمر بقبور المشركين فنبشت» فيه: جواز نبش القبور للمصلحة، ومعنى «النبش» أن تحفر القبور وتنقل العظام إلى مكان آخر، فالنبي [ أزال قبور المشركين، وما حولها من التراب المختلط بعظامهم، وسوى الأرض حتى تكون منبسطة صالحة للصلاة عليها ولاتخاذها مسجدا، وفي هذا دليل على أن الأرض إذا كانت مقبرة قديمة، واندرست قبورها وانمحت، أنه يجوز نبشها وتنظيفها والانتفاع بها إذا دعت الحاجة الضرورية لذلك.
قوله: «فصفوا النخل قبلة» جعلت جذوع النخل صفا في قبلة المسجد «وجعلوا عضادتيه حجارة» العضادتان جانبا باب المسجد، جعلوها من الحجارة.
وقوله: «وكانوا يرتجزون» والرجز هو نوع من الشعر، وقيل: الرجز شعر قصير، والرجز قد يكون بغير قصد، وقال بعض أهل العلم: منها قول النبي صلى الله عليه وسلم في حنين: «أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب» وهذا موزون لكنه خرج من غير قصد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقول الشعر، فليس هو بشاعر، لكن قد يقول كلاما موزونا، وهذا لا ينافي الآية الكريمة: {وما علّمناه الشَّعرَ وما ينبغي له إنْ هو إلا ذكرٌ وقرآنٌ مبين} (يس: 69).
فهم يفرقون بين الرجز والشعر ببعض الفوارق منها هذا، والارتجاز وقول الشعر في حال العمل أو في حال السفر معروف عند العرب، ففيه تنشيط للنفوس، وتسهيل للعمل، ومواصلة المشي والحركة.
وكانوا يرتجزون كما في هذه الرواية فيقولون: «اللهم إنه لا خيرَ إلا خير الآخرة، فانصر الأنصار والمهاجرة» وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرتجز معهم في شعرهم، هذا أثناء عملهم في بناء المسجد.
وكانوا يقولون: اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة، فانصر الأنصار والمهاجرة. وفي بعض الروايات أنهم كانوا يقولون: اللهم لا خير إلا خير الآخرة، فاغفر للأنصار والمهاجرة. يعني للمهاجرين والأنصار.
وما أحسن رجزهم، وما أجمل شعرهم الذي فيه الحث على الخير، والتزهيد في الدنيا، والترغيب في الآخرة، خلافا لكثير من الأشعار والأناشيد التي لا فائدة منها ولا خير في كلماتها، سوى الطرب وتضييع الأوقات، والصد عن الذكر والقرآن!
وقد جازى الله تبارك وتعالى الأنصار خير الجزاء، وعوضهم خيرا في الدنيا والآخرة مما بذلوه لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم من الأموال والأنفس، فهم قد بذلوا من أموالهم ما بذلوا، ونصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وآووا أصحابه فرفعهم الله عز وجل فوق العالمين درجات.
{ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}.
وصل اللهم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 30-04-2024 الساعة 07:14 PM.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 30-04-2024, 07:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,045
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 2) باب: في المسجد الذي أسس على التقوى

اعداد: الفرقان



الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فهذا تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.
237.عن أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: مَرَّ بِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: كَيْفَ سَمِعْتَ أَبَاكَ يَذْكُرُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى؟ قَالَ: قَالَ أَبِي: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْمَسْجِدَيْنِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى؟ قَالَ: فَأَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصْبَاءَ فَضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ، ثُمَّ قَالَ: «هُوَ مَسْجِدُكُمْ هَذَا» لِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، قَالَ: فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ أَبَاكَ هَكَذَا يَذْكُرُهُ.
الشرح:
قال الإمام المنذري: باب المسجد الذي أسس على التقوى.
وقد رواه الإمام مسلم في كتاب الحج (2/ 1015) وبوب عليه النووي (9/ 168): باب بيان أن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة.
وأورد فيه حديث أبي سلمة بن عبدالرحمن وهو ابن عوف الزهري المدني، قيل: اسمه: عبد الله، وقيل: إسماعيل، تابعيٌ ثقة مكثر، مات سنة 94 أو 104 هـ، روى له الستة.
وعبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، تابعي أيضا ثقة، مات سنة اثنتي عشرة، روى له مسلم والأربعة.
قال: إن أبا سلمة بن عبد الرحمن سأله، فقال: «قلت: كيف سمعت أباك يذكر في المسجد الذي أسس على التقوى؟» يعني الآية من سورة التوبة، حيث يقول الله تبارك وتعالى: {لمسجدٌ أُسّسَ على التَّقوى منْ أول يوم أحقُّ أنْ تقوم فيه، فيه رجالٌ يُحبون أن يتطهروا والله يحبُ المطّهرين} (التوبة: 108).
فالمسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم، اختلف فيه أهل العلم، فقالت طائفة: هو مسجد قباء. وقال آخرون: هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا ما اختاره أبو سعيد الخدري، ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث إن ابنه عبدالرحمن سأله: «أيُّ المسجدين الذي أُسس على التقوى؟ فقال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت بعض نسائه، فقلت: يا رسول الله أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟ قال: فأخذ كفاً من حصباء فضرب به الأرض» الحصباء هي الحصى الصغار، وكان مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضه من الحصباء، ولم يكن مفروشا بالسجاد، ولا بالحصر ولا غيره، وإنما كان من تراب عليه حصباء.
فلما سئل النبي صلى الله عليه وسلم : أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟ هل هو مسجد قباء أو المسجد النبوي؟ أخذ النبي صلى الله عليه وسلم كفا من الحصباء، ثم ضرب به الأرض، ثم قال: «هو مسجدكم هذا» يعني مسجد المدينة. أي: هو مسجده الشريف، وذلك أنه إذا كان مسجد قباء هو المقصود بالآية، وأنه المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم، وبُنيت قواعده على البر والتقوى، والصلاح والإخلاص، فمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أولى بهذا الفضل والشرف، وهو داخل في الآية من باب أولى؛ لأنه أفضل عند الله عز وجل من جميع المساجد، إلا المسجد الحرام الذي بأم القرى.
وفي رواية أخرى: عن أبي سعيد رضي الله عنه أيضا: أنه اختلف رجلان من بني خدرة في المسجد الذي أسس على التقوى، فقال أبو سعيد الخدري: هو مسجد رسول الله، وقال العمري: هو مسجد قباء، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن ذلك؟ فقال: «هو هذا المسجد» لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال: «في ذلك خيرٌ كثير» الحديث عند الإمام أحمد ومسلم والترمذي والنسائي.
وقوله: «في ذلك خيرٌ كثير» يعني: مسجد قباء فيه خير كثير.
فثبت أن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد الرسول أولا، وما سواه من المساجد في الإسلام تبعٌ له؛ لأنه أشرفها وإن كان المسجد الحرام أعظم منه لكنه بني قبل الإسلام، فمسجد النبي صلى الله عليه وسلم هو أفضل مسجد أسس في الإسلام، وقد أثنى الله تعالى على أهله، فقال {فيه رجالٌ يحبون أن يتطّهروا} (التوبة: 108).
وقوله {فيه رجال} هذا وصف لهم بالرجولة، وصفات الرجولة هي الشجاعة ونصرة الحق والكرم والسماحة والحلم وغير ذلك، ووصفهم بأنهم يحبون أن يتطهروا من النجاسات، ومن الذنوب والخطايا والسيئات، ويطهروا قلوبهم مما لا يحب الله تعالى من الكفر والشك والنفاق، والحقد والغل والشقاق {والله يحب المطهرين} الطهارة المعنوية والحسية.
43-باب: فضل الصلاة في مَسْجِدِ المدينة ومكة
240.عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ امْرَأَةً اشْتَكَتْ شَكْوَى، فَقَالَتْ: إِنْ شَفَانِي اللَّهُ، لَأَخْرُجَنَّ فَلَأُصَلِّيَنَّ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَبَرَأَتْ ثُمَّ تَجَهَّزَتْ تُرِيدُ الْخُرُوجَ، فَجَاءَتْ مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ تُسَلِّمُ عَلَيْهَا، فَأَخْبَرَتْهَا ذَلِكَ، فَقَالَتْ: اجْلِسِي فَكُلِي مَا صَنَعْتِ، وَصَلِّي فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «صَلَاةٌ فِيهِ، أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ، إِلَّا مَسْجِدَ الْكَعْبَةِ».
الشرح:
قال المنذري: باب فضل الصلاة في مسجد المدينة ومكة.
وهذا الحديث رواه مسلم في الحج (2/ 1014) وبوب عليه النووي (9/166) باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة.
قال ابن عباس: «إن امرأة اشتكت شكوى» أي مرضت مرضا، فنذرت فقالت: «إن شفاني الله، لأخرجن فلأصلين في بيت المقدس» إنْ شفاها الله عز وجل من مرضها، وبرأت من سقمها، أن تخرج وتصلي في بيت المقدس، أي: المسجد الأقصى، والمقدس هو المطهر والمنزه.
قوله «فبرأت» أي: شفاها الله عز وجل من مرضها «ثم تجهزت تريد الخروج» أي: لأجل أن توفي بنذرها «فجاءت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تسلم عليها» أي: جاءت من أجل أن تسلّم على ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تسافر، وهذه سنةٌ مستحبة، أن الإنسان إذا أراد أن يسافر، يسلم على أهله وعلى أصحابه قبل السفر، وأما إذا جاء من السفر فإنّ أصحابه يأتون للسلام عليه.
فلما أخبرتها بذلك، وأنها تريد السفر لأجل الصلاة في المسجد الأقصى، لأجل أن توفي بنذرها، قالت لها ميمونة رضي الله عنها: «اجلسي فكُلي ما صنعتِ» أي: اجلسي ولا تسافري، وكلي ما صنعت، يعني ما تجهزت به للسفر من الزاد والطعام وصلي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «صلاةٌ فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد، إلا مسجد الكعبة».
وهذا من فضل سؤال أهل العلم والاتصال بهم؛ فإنهم يفيدونك بفوائد عظيمة، وينفعونك نفعا كثيرا، ويوفرون عليك الوقت والجهد والمال، والبركة والخير إنما تكون مع أهل العلم والأكابر منهم، فميمونة قالت لها: اجلسي هنا ولا تسافري، فالأمر لا يحتاج منك للسفر إلى المسجد الأقصى، وأنت بقربك المسجد النبوي؛ لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «صلاةٌ فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد» ويدخل فيه المسجد الأقصى، إلا مسجد الكعبة، فإذا صليت في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقد وفيت بنذرك وزيادة؛ وذلك لفضل المسجد النبوي على غيره من المساجد.
وعلى هذا: فمن نذر أن يفعل طاعة أو يتطوع بعبادة، فجاء بأفضل منها، فإنه يكفيه عن نذره، فلو نذر أنْ يذبح شاة، فذبح بقرة أو بعيرا بدلا من الشاة، فإنه يكفيه عن نذره وزيادة؛ فإنّ البعير والبقرة عن سبعة من الغنم، كما هي المسألة هنا، فإن المرأة نذرت أن تصلي في المسجد الأقصى، فإذا صلت في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يكفيها عن نذرها، لأن الصلاة فيه أفضل من كل المساجد، إلا مسجد الكعبة، وذلك أن الصلاة بالمسجد النبوي بألف صلاة.
ولو نذر رجلٌ أن يصلي في المسجد النبوي، فصلى في مسجد الكعبة، كفاه أيضا عن نذره؛ لأن الصلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد. وهذا من الفقه والعلم الذي استفادته أم المؤمنين ميمونة زوج الرسول صلى الله عليه وسلم من زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفي هذا الحديث: فضل الصلاة بمسجد المدينة، مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن الصلاة فيه بألف صلاة فيما سواه من المساجد، وهو يعم الصلوات كلها فرضها ونفلها.
وفيه: أن المسجد الحرام أفضل عند الله تعالى من جميع المساجد.
وفي هذا الحديث: دليل على جواز الفُتيا والقضاء، والنبي صلى الله عليه وسلم حيٌ، إذا وثق الصحابي بعلمه وما عنده من الدليل، وذلك أن ميمونة رضي الله عنها أفتت ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي موجود بين أظهرهم، وقد أفتت المرأة بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وفهمت من كلامه.
ولو حصل خطأ من الصحابي في الفتيا أو التبليغ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنّ الوحي سيبلغ النبي صلى الله عليه وسلم بقوله، أو إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقره على كلامه، وينكر عليه، كما أفتى بعض الصحابة الصحابي الذي أصابته جنابة وفي رأسه شجةٌ – أي جرح – بوجوب الغسل، ولم يرخصوا له بالتيمم لقدرته على الماء، وأمروه أن يغتسل فاغتسل فمات رضي الله عنه، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: «قتلوه قتلهم الله! ألا سألوا إذْ لم يَعلمَوا؛ فإنما شفاء العيِّ السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه خرقة، ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده» رواه أبو داود (336) من حديث جابر وابن عباس رضي الله عنهما.
وفي حديث عمرو بن العاص قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقتُ إنْ اغتسلت أنْ أهلك، فتيممت، ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: «يا عمرو، صليت بأصحابك وأنتَ جنب؟» فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إني سمعت الله يقول {ولا تقتُلوا أنفسَكم إنَّ الله كان بكم رحيما} (النساء: 29). فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقلْ شيئا. رواه أبو داود (334).
أي إنه صلى الله عليه وسلم أقره على اجتهاده.
وهناك جملة وافرة من فتاوى الصحابة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته، وقد اعتنى بها العلماء قديماً وحديثا لمكانتها من الدين، ولأنها فهم السلف الصالح لهذه الأمة، وهي مصداق قوله صلى الله عليه وسلم : «تَسمعون ويُسمعُ منكم، ويُسمعُ ممن يَسمعُ منكم» رواه أحمد وأبو داود من حديث ابن عباس.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وأما أقوال الصحابة؛ فإن انتشرت ولم تنكر في زمانهم فهي حجة عند جماهير العلماء، وإن تنازعوا رد ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول، ولم يكن قول بعضهم حجة مع مخالفة بعضهم له باتفاق العلماء، وإن قال بعضهم قولا ولم يقل بعضهم بخلافه ولم ينتشر؛ فهذا فيه نزاع، وجمهور العلماء يحتجون به كأبي حنيفة ومالك وأحمد في المشهور عنه، والشافعي في أحد قوليه، وفي كتبه الجديدة الاحتجاج بمثل ذلك في غير موضع، ولكن من الناس من يقول: هذا هو القول القديم».
(مجموع الفتاوى / الجزء العشرون: فصل في أقوال الصحابة)
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في «إعلام الموقعين»: «فصل: الأصل الثاني: فتاوى الصحابة: الأصل الثاني من أصول فتاوى الإمام أحمد ما أفتى به الصحابة، فإنه إذا وجد لبعضهم فتوى لا يعرف له مخالف منهم فيها،لم يعدُها إلى غيرها، ولم يقل إن ذلك إجماع، بل من ورعه في العبارة يقول: لا أعلم شيئا يدفعه، أو نحو هذا، كما قال في رواية أبي طالب: «لا أعلم شيئا يدفع قول ابن عباس وابن عمر وأحد عشر من التابعين عطاء ومجاهد وأهل المدينة على تسري العبد» وهكذا قال أنس بن مالك: «لا أعلم أحدا رد شهادة العبد» حكاه عنه الإمام أحمد، وإذا وجد الإمام أحمد هذا النوع عن الصحابة، لم يقدم عليه عملا ولا رأيا ولا قياسا».
ثم قال: «فصل: الأصل الثالث: الاختيار من أقوال الصحابة إذا اختلفوا.
الأصل الثالث من أصوله إذا اختلف الصحابة تخير من أقوالهم ما كان أقربها إلى الكتاب والسنة، ولم يخرج عن أقوالهم، فإنْ لم يتبين له موافقة أحد الأقوال حكي الخلاف فيها ولم يجزم بقول».
(إعلام الموقعين: فصل الأصول التي بنيت عليها فتاوى ابن حنبل).
وقد اعتنى بأقوال الصحابة وفتاواهم الأئمة قديماً وحديثا، كالإمام مالك في الموطأ، وعبد الرزاق وابن أبي شيبة في مصنفيهما، والبخاري في كتبه، وابن حزم في المحلى، وابن عبد البر في الاستذكار، والنووي في شرح المهذب، وابن قدامة في المغني، وغيرهم كثير، وفي هذه الكتب من أقوال الصحابة في المسائل الفقهية وغيرها الشيء الكثير الكثير.
كما اعتنى الإمام الطبري وابن كثير والقرطبي والسيوطي في تفاسيرهم بذكر أقوال الصحابة في تفسير القرآن ومعانيه.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 04-05-2024, 04:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,045
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 3 ) باب: إتيان مسجد قباء والصلاة فيه


اعداد: الفرقان


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فهذا تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.
241.عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ رَاكِبًا وَمَاشِيًا، فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي رِوَايَتِهِ: قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ.
الشرح: قال المنذري: باب إتيان مسجد قباء والصلاة فيه.
وقد أخرجه الإمام مسلم في الحج (2/1016) وبوب النووي: باب فضل مسجد قباء، وفضل الصلاة فيه وزيارته.
عن نافع هو مولى ابن عمر، أبو عبدالله المدني تابعي ثقة ثبت، فقيه مشهور، مات سنة 117 هـ، روى له الستة.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قباء راكبا وماشيا» كان للاستمرار، أي من عادة الرسول الله صلى الله عليه وسلم المستمرة أن يأتي مسجد قباء، وقباء المشهور فيه المد والتذكير والصرف، وفي لغة: «قبا» مقصور دون همز، وهو من عوالي المدينة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي هذا المسجد الذي هو أول مسجد أسس في المدينة على التقوى، يليه مسجده صلى الله عليه وسلم ، كان يأتيه راكباً وماشيا.
وفي رواية لمسلم (2/1017): عن عبدالله بن دينار أن ابن عمر: كان يأتي قُباء كلَّ سبت. وكان يقول: رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يأتيه كل سبتٍ.
قال أهل العلم: كل سبت، يعني: كل أسبوع، ويمكن أن يراد به ظاهره أنه يأتي في كل يوم سبت.
وفي هذا الحديث: مشروعية زيارة مسجد قباء، وإتيانه راكبا وماشيا، وأخذ منه أهل العلم جواز تخصيص بعض أيام الأسبوع لزيارة المسجد، وهو قول الجمهور.
ومنها: ما تعارف عليه أهل العلم من تخصيص بعض الأيام بالدروس، مثل درسنا هذا في يوم السبت بعد المغرب، أي: لا حرج في هذا العمل، فلا يأتي إنسان فيقول: لا يجوز تخصيص يوم بالدرس، وهذه بدعة؟ نقول: لا، على هذا جرى عمل أهل العلم قديما وحديثا، أنهم يخصصون بعض الأيام أو الساعات للتدريس والتعليم، لحفظ ومدارسة القرآن وقت، ولتعليم الفقه وقت، وللعقيدة والحديث وقت وهكذا.
وقال العلامة صديق حسن خان: وهكذا جميع المواضع الفاضلة، تجوز زيارتها راكبا وماشيا.
قوله: «فيصلي فيه ركعتين» فيه بيان فضل البقعة، وفضل مسجد قباء والصلاة فيه، وأنه تستحب زيارته الصلاة فيه.
وقد جاء في الحديث الصحيح: أن الصلاة فيه تساوي عمرة، فقد قال صلى الله عليه وسلم : «صلاةٌ في مسجد قُباء، تَعدل عمرة». رواه أحمد والترمذي.
وهذا يدل على فضل عظيم، وأجر كبير، وثواب وفير، في عمل قليل أن تتوضأ ثم تقصد مسجد قباء فتصلي فيه ركعتين، تكون لك كعمرة.
وقد جاء عن الصحابة ما يدل على اهتمامهم بالصلاة فيه والحث عليها، فقد روى عمر بن شبة في (تاريخ المدينة) عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص قالت: سمعت أبي يقول: «لأن أصلي في مسجد قباء ركعتين، أحب إليَّ من أن آتي بيت المقدس مرتين، لو يعلمون ما في قباء لضربوا إليه أكباد الإبل». قال الحافظ ابن حجر: وإسناده صحيح.
وروى ابن أبي شيبة نحوه في المصنف.
وروى عبد الرزاق في المصنف (9163): عن عمر بن الخطاب أنه قال: «لو كان مسجد قباء في أفقٍ من الآفاق، لضربنا إليه أكباد المطي».
فعلى المسلم إذا كان في المدينة النبوية ألا يفوت الصلاة في مسجد قباء، فيصلي فيه ركعتين، سواء كان ذلك بالنهار أم بالليل، لا فرق في ذلك.
والله تعالى أعلم.
45- باب: فضل من بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا
242.عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَرَادَ بِنَاءَ الْمَسْجِدِ، فَكَرِهَ النَّاسُ ذَلِكَ، وَأَحَبُّوا أَنْ يَدَعَهُ عَلَى هَيْئَتِهِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ [ يَقُولُ: «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ، بَنَى اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ مثله».
الشرح: قال المنذري رحمه الله: باب فضل من بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا.
وهذا الحديث أخرجه الإمام مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة برقم (533) وبوب عليه النووي: باب فضل المساجد والحث عليها.
وأخرجه البخاري (450) في كتاب الصلاة، باب: منْ بنى مسجدا.
عن محمود بن لبيد وهو ابن عقبة بن رافع الأوسي الأشهلي، من صغار الصحابة، جل روايته عن الصحابة، مات سنة (96) هـ وقيل (97) وله تسع وتسعون سنة، روى له مسلم والأربعة.
أن عثمان بن عفان رضي الله عنه أمير المؤمنين، وثالث الخلفاء الراشدين «أراد بناء المسجد» أي: أراد توسعة المسجد النبوي؛ لأنه كان مبنيا قبل ذلك، وذلك بعد أن كثُر الناس وزاد عددهم، فلم يعد المسجد قادراً على استيعابهم.
قوله: «فكره الناس ذلك وأحبوا أن يدعه على هيئته» أي إن الصحابة رضي الله عنهم كرهوا أن يزيد في المسجد النبوي، أو أنْ يغير من بنائه الذي بناه عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة سابقا، وأحبوا لو أنه تركه كما هو.
وقال البغوي في شرح السنة: لعل الذي كره الصحابة من عثمان، بناؤه بالحجارة المنقوشة، لا مجرد توسيعه.
قوله: فقال عثمان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من بنى مسجداً لله، بنى الله له في الجنة مثله» هذه حجة عثمان في تجديده للمسجد النبوي، وبنائه إياه بناء أوسع مما كان عليه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من بنى مسجدا لله ».
وعند البخاري: قال عثمان: أكثرتم عليّ، وإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول.. فذكره.
وقوله «لله» يدل على الإخلاص، أنه بنى المسجد يريد الأجر والثواب من الله، وفي بعض روايات مسلم: «منْ بنى مسجداً يبتغي به وجه الله» أي يطلب رضاه، وهذا أيضا فيه تنبيهٌ على الإخلاص، وأنه ليس له غرضٌ ولا قصد في بناء المسجد، إلا أنه يبتغي وجه الله تبارك وتعالى.
وقوله: «مسجدا» بالتنكير للشيوع، فيدخل فيه الكبير والصغير.
قوله: «بنى الله له في الجنة مثله» مثله يعني بيتاً مثله، إما بصفته وسعته، ومعلوم أن الجنة فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فهو وإن كان مسماه مسمى البيت، لكن هو يختلف عن بيوت الدنيا لأنه من بيوت الجنة، وبيوت الجنة كبقية نعيم الجنة وما فيها من الزخرف والذهب والفضة، واللؤلؤ والياقوت والمرجان، والمسك الذي هو تربتها وغير ذلك، فليس في الدنيا شيءٌ مما في الجنة إلا مجرد الأسماء، كما قال ابن عباس: ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء.
وقيل: معنى «بنى الله له مثله في الجنة» أن بيته في الجنة يكون له فضل كفضل المساجد على بيوت الدنيا، أي له من الشرف والفضل والمكانة، مثل ما للمسجد من الشرف والفضل والمكانة، على بيوت الناس في الدنيا.
قال النووي في معنى قوله «مثل»: يحتمل مثله في القدر والمساحة، ولكنه أنفس بزيادات كثيرة، ويحتمل مثله في مسمى البيت، وإنْ كان اكبر مساحة وأشرف. انتهى.
وقد أثنى الله سبحانه على من يعمر مساجده وبيوته بكتابه الكريم، فقال: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} (التوبة: 18).
وعمارة المساجد كما تكون بإقامتها وإنشائها، تكون بترميمها وتعاهدها وصيانتها، وهو كله مما يدخل في الصدقة الجارية، ولو كانت المشاركة بمبلغ قليل، يدل على ذلك ما ورد في الحديث الصحيح: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ أو مسجدًا بَنَاهُ أو بَيتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أو نَهْرًا أَجْرَاهُ، أو صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ في صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ، يَلْحَقُهُ مِنْ بعد مَوته». رواه ابن ماجة وحسنه الألباني.
وفضل الإنفاق على المساجد وتعميرها والإسهام في استمرارها وبنائها حاصل ولو بأقل القليل، كما ورد عَنْ النَّبِي صلى اللَّه عليه وسلَم أَنَّه قَالَ: «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ، أَوْ أَصْغَرَ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ». رواه ابن ماجة وابن خزيمة.
قال السندي في شرحه لابن ماجة: وقَوْله: «كَمَفْحَصِ قَطَاة» هُوَ مَوْضِعهَا الذي تُخَيِّم فِيهِ وَتَبِيض؛ لِأَنَّهَا تَفْحَص عنْه التُّراب، وَهَذا مَذْكُور لِإِفَادَةِ الْمُبَالَغَة فِي الصِّغَر، وَإِلَّا فَأَقَلّ الْمَسْجِد أَنْ يَكُون مَوْضِعًا لِصَلَاةِ وَاحِد.ٍ انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (1/ 545): وَحَمَلَ أَكْثَر الْعُلَمَاءِ ذَلِكَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ؛ لِأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي تَفْحَصُ الْقَطَاة عَنْهُ لِتَضَع فِيهِ بَيْضَهَا وَتَرْقُد عَلَيْهِ، لَا يَكْفِي مِقْدَاره لِلصَّلَاةِ فِيهِ، ويؤيده رواية جابر هذه. وَقِيلَ: بَلْ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَالْمَعْنَى أَنْ يَزِيدَ فِي مَسْجِدٍ قَدْرًا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ تَكُونُ تِلْكَ الزِّيَادَة هَذَا الْقَدْر. أَوْ يَشْتَرِكُ جَمَاعَة فِي بِنَاءِ مَسْجِدٍ، فَتَقَعُ حِصَّة كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ذَلِكَ الْقَدْر انتهى.
وفي هذا الحديث: فضل عثمان رضي الله عنه وهو ثالث الخلفاء الراشدين، فقد وسع المسجد النبوي توسعة عظيمة، وأنفق فيه نفقات كثيرة، وهذا من فضائله صلى الله عليه وسلم .
وفيه: احتجاج الصحابة بالدليل والحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم عند المناظرة، وقبل الإقدام على العمل، فقد احتج بالحديث على من كره توسعة المسجد النبوي.
فائدة: قال ابن الجوزي: منْ كَتَب اسمه على المسجد الذي يبنيه، كان بعيدا عن الإخلاص. انتهى.
قلت: وهذا إذا كان بمكان يعرفه فيه الناس، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 07-05-2024, 11:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,045
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 4 ) باب: فضل المساجد


اعداد: الفرقان



الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

فهذا تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

244.عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهن : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا».

الشرح: قال المنذري: باب فضل المساجد.

وهذا الحديث أخرجه الإمام مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، وبوب عليه النووي باب: فضل الجلوس في مصلاه بعد الصبح وفضل المساجد.

عن عبدالرحمن بن مهران مولى أبي هريرة رضي الله عنه ، ويقال: مولى الأزد، أبو محمد المدني، تابعي، قال أبو حاتم: صالح، وذكره ابن حبان في الثقات، روى له مسلم والنسائي.

والمولى يطلق ويراد به العبد الرقيق، ويطلق ويراد به السيد، ويطلق على ابن العم والناصر وغير ذلك، والمراد هاهنا أنه كان رقيقا لأبي هريرة.

قال: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أحبُّ البلاد إلى الله مساجدها» وجاء بلفظ: «أحب البقاع إلى الله المساجد»، وذلك أن المساجد هي محل الصلوات المفروضة والمسنونة، ومحل قراءة القرآن، والدعاء والذكر، وحضور الملائكة واستماع الصالحين، ومحل حلقات العلم والتدريس، وتحفيظ كتاب الله، وغير ذلك من فضائلها، فهي بيوت الطاعات وبيوت العبادات، وهي مؤسسة على البر والتقوى، فهذه هي المساجد قد أسست لأجل العبادة والطاعة، فهنيئا لمن وفقه الله لعمارتها.

ويدل على شرف المساجد أدلة كثيرة منها: أن الله تعالى نسبها إلى نفسه، فقال {وأنّ المساجدَ لله فلا تَدعوا مع الله أحداً} (الجن: 18).

وأن الله عز وجل أمر ببنائها ورفعها، ومدح من يعمرها بالبناء وبالصلاة والذكر، ووعدهم الأجر الحسن، فقال: {في بُيوتٍ أَذن الله أن تُرفعَ وُيذكر فيها اسمُه يُسبّح له فيها بالغُدو والآصال رجالٌ لا تُلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكرِ الله وإقام الصّلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلّب فيه القلوبُ والأبصار ليَجزيهم اللهُ أحسنَ ما عملوا ويزيدهم منْ فضله} (النور: 37 -38).

وأيضا فإنّ عمارة المساجد من علامات الإيمان، كما قال الله تعالى: {إنما يَعمرُ مساجدَ الله منْ آمنَ بالله واليوم الآخرِ وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخشَ إلا الله فعسى أُولئك أنْ يكونوا من المهتدين} (التوبة: 18).

وعمارة المسجد تكون عمارة حسية وعمارة معنوية، أما العمارة الحسية: فهي بناء المساجد وتشييدها وصيانتها، وأما العمارة المعنوية: فهي أن تعمر بيوت الله بالصلاة فيها، وبالاعتكاف فيها، والجلوس فيها بعد الصلاة ولانتظار الصلاة بعد الصلاة، وبقراءة القرآن، بعض الناس يهجر المساجد، فلا يكاد يدخل بيوت الله، ولا يعمر مساجد الله، وهذا ضد الإيمان، فالإيمان أن تعمر مساجد الله.

ومن عمارة المساجد: إحياؤها بالدروس العلمية، وحلقات تحفيظ القرآن واجتماع الصالحين، وإقامة الندوات والمحاضرات العلمية، وما أشبه ذلك فكله من تعمير المساجد.

وكانت المساجد في عصور الإسلام الأولى، معمورة بالصلوات وبالذكر وقراءة القرآن، والدروس والخطب ونشر العلم، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعقد الاجتماعات في مسجده الشريف، فيشاور المسلمين فيه، ويرسل منه القادة، وتنطلق منه الجيوش، ويعزي الناس في المسجد إذا جاء خبر وفاة بعض أصحابه وقادته، ويهنئ الناس بما يسرهم فيه من النصر والبشارات، وهكذا، فقد كان المسجد هو قاعدة الأمة الذي تنطلق منه، وقلبها النابض، وليس مكاناً لمجرد أن يصلي فيه الإنسان ركعتين أو ثلاثا، ثم يخرج ويغلق ويهجر!

وعقوبة تعطيل وهدم المساجد من أشد العقوبات عند الله تعالى، كما قال الله عز وجل: {ومنْ أظلم ممن مَنعَ مساجدَ الله أنْ يُذكر فيها اسمُه وسَعَى في خرابها أولئك ما كان لهم أنْ يَدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزيٌ ولهم في الآخرة عذابٌ عظيم} (البقرة: 114).

فمن يغلق المساجد ويمنع الناس من الصلاة فيها والذكر، وإقامة شعائر الدين، وعقد الدروس العلمية وتعليم الناس ما يجهلون من أمور دينهم، فهذا تخريب معنوي عظيم للمساجد، وفيه عقوبات عظيمة في الدنيا والآخرة، أما التخريب الحسي فهو أن يهدم المسجد ويخرب، كما يفعل أعداء الله عز وجل اليوم من النصيرية الكفرة الملاحدة بالشام، فيضربون المساجد بالمدافع، ويقصفون المآذن بالدبابات وبالطائرات، فلا إيمان لهم يردعهم عن ذلك، ولا تعظيم للرحمن جل جلاله في قلوبهم، ولا دولة إسلامية قوية ترهبهم؛ ولذا تجرأوا على الله عز وجل، وعلى بيوته، وتجرأوا على دماء المؤمنين وأعراضهم، والله سبحانه وتعالى سيخزيهم ويذلهم عاجلا أو آجلا، ويجعلهم عبرة وآية لخلقه وللناس أجمعين {إنَّ ربّكَ لبالمرصاد} (الفجر: 14).

وأيضا مما يدل على شرف المساجد: أنّ منْ تعلّق قلبه بالمساجد، أظله الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله، كما في الحديث: «ورجلٌ قلبه معلقٌ بالمساجد» أي: كلما خرج منها عاد إليها، حتى لو سافر فإنه أول ما ينزل بالمكان، يسأل: هل هناك مسجد قريب؟ لأن قلبه متعلق ببيوت الرحمن، لا يستطيع مفارقاتها سواء كان في الحل أو الترحال.

قوله: «وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا» وأما الأسواق فإنها أبغض البقاع إلى الله تعالى؛ لأن الأسواق محل الغفلة عن ذكر الله وعن الصلاة، ولأن الأسواق فيها الغش والخداع، والأيمان الكاذبة، فيحلف أحدهم بالله وهو كاذبٌ من أجل أن يروّج سلعته، وفي الأسواق أيضا أكل الربا، وإخلاف الوعد، وغير ذلك، وأما في زماننا فالأسواق اليوم صارت محلا لتبرج النساء وتعريهن! وخروجهن بملابس غير ساترة، واختلاطهن بالرجال، وكأنها تعرض نفسها على الناس في الأسواق، والعياذ بالله! وهذا ما زاد بلاء الأسواق بلاء!

ومن البلاء الحادث في الأسواق اليوم: وجود البائعات المتبرجات في المحلات التجارية بالأسواق! فيدخل الإنسان إلى المحل التجاري وإذا الباعة كلهم من النساء المتبرجات المائلات، ولا حول ولا قوة إلا بالله!!

فهذه الأمكنة حريٌ أن يخسف الله بها وبأهلها؛ لكثرة المعاصي التي تقع فيها، عافانا الله جميعا من كل شرٍ وبلاء.

47- باب: فضل كثرة الخُطى إلى المساجد

245. عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بَيْتُهُ أَقْصَى بَيْتٍ فِي الْمَدِينَةِ، فَكَانَ لَا تُخْطِئُهُ الصَّلَاةُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: فَتَوَجَّعْنَا لَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ، لَوْ أَنَّكَ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا يَقِيكَ مِنْ الرَّمْضَاءِ، وَيَقِيكَ مِنْ هَوَامِّ الْأَرْضِ، قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ بَيْتِي مُطَنَّبٌ بِبَيْتِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: فَحَمَلْتُ بِهِ حِمْلًا، حَتَّى أَتَيْتُ نَبِيَّ اللَّهِ فَأَخْبَرْتُهُ، قَالَ: فَدَعَاهُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ يَرْجُو فِي أَثَرِهِ الْأَجْرَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ لَكَ مَا احْتَسَبْتَ».

الشرح: يقول المنذري رحمه الله: باب كثرة الخطى إلى المساجد. وهذا الحديث في كتاب المساجد في صحيح مسلم، وبوب عليه النووي رحمه الله: باب فضل الصلاة المكتوبة في جماعه وفضل انتظار الصلاة وكثرة الخطى إلى المساجد وفضل المشي إليها.

عن أبي بن كعب هو ابن قيس بن النجار الأنصاري الخزرجي، أبو المنذر الصحابي المشهور الذي هو من سادة قراء القرآن وحفظة الكتاب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد اختلف في سنة موته اختلافاً كثيرا، فقيل: سنة 19 هـ، وقيل: 32 هـ، وقيل غير ذلك، روى له الستة.

يقول: «كان رجل من الأنصار بيته أقصى بيت في المدينة» أقصى بيت يعني: أبعد بيت في المدينة عن المسجد النبوي، ومع ذلك «كانت لا ُتخطئه الصلاةُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم » سبحان الله! أبعد شخص في المدينة عن المسجد النبوي، مع ذلك كانت لا تفوته ولا تخطئه الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسجده الشريف.

قوله: «فتوجعنا له» أي: تألمنا له وتوجعنا؛ لأن المسافة البعيدة ذهابا وإيابا.

قوله: «فقلت له: يا فلان، لو أنك اشتريت حمارا يقيك من الرمضاء، ويقيك من هوام الأرض» قال له: لو أنك اشتريت حمارا يحملك في ذهابك وفي إيابك، ويخفف عنك المشي، ويعينك على الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . والرمضاء: هي شدة الحر، أو الرمل الحار الذي يكون في شدة الحر في الظهيرة، وهوام الأرض: أي الحيات والثعابين والعقارب.

قوله: «أما والله ما أحب أن بيتي مطنب ببيت محمد صلى الله عليه وسلم » أي قال لهم: ما أُحب أن يكون بيتي مشدودا بالأطناب، والأطناب معروفة واحدها طنب، وهي الأوتاد التي تشدّ بها الخيمة، يقول: أنا ما أحب أن يكون بيتي قريبا من المسجد بجوار بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ، كأن بيتي مشدود بأطناب بيت رسول الله، وبيوت النبي صلى الله عليه وسلم كانت ملاصقة لجدار مسجده، ومقصده أن تكثر خطاه إلى المسجد، فيكثر ثوابه بالمشي.

قال: «أبي بن كعب: فحملت به حملاً» أي لما قال هذه الكلمة، لما قال: ما أحب أن أكون بجوار بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ! كأنما ثقلت على أبي بن كعب رضي الله عنه هذه الكلمة، ورآها كبيرة بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذهب أُبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بالكلام الذي سمعه من الرجل.

فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فسأله، فقال له مثل ذلك، وذكر له أنه يرجو في أثره ومشيه إلى المسجد الأجر والثواب في ذهابه وإيابه.

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: «لك ما احتسبت» يعني أن الله عز وجل أعطاك ما احتسبت، مما رجوت من الأجر الجزيل، والثواب الجميل، إن احتسبت الأجر والثواب في ذهابك وإيابك.

وقد وردت أحاديث في فضل المشي إلى المساجد:

في حديث لجابر رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم حثّ بعض الأنصار على عدم الانتقال بقرب المسجد، يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: خلت البقاع حول مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم - أي صار هناك أماكن خالية حول المسجد - فأراد بنو سلمة - وهم قبيلة معروفة من الأنصار - أرادوا أن يتحولوا إلى قرب المسجد، أي أرادوا أن يغيروا سكنهم ويسكنوا بقرب المسجد، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا بني سلمة، دياركم ُتكتب آثاركم، دياركم ُتكتب آثاركم» أي: ابقوا في محلكم وسكنكم، لتكتب لكم خطواتكم في ممشاكم إلى المسجد. فقالوا رضي الله عنهم: «ما كان يسرّنا أنا كنا تحولنا» يعني الحمد لله أنا سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن ننتقل، وإلا كان فاتنا الأجر والحسنات، لو أنّا تحولنا بقرب المسجد، لفاتنا الأجر والثواب، فيقولون: ما كان يسرنا، أي ما كان يفرحنا، لو أننا فاتنا هذا الأجر والثواب.

وقوله: «دياركم تكتب آثاركم» يعني إلزموا دياركم، لتكتب آثاركم، أي آثار خطواتكم للمسجد إذا لزمتوها.

وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج عامدا إلى الصلاة، فإنه في صلاةٍ ما كان يَعمدُ إلى الصلاة، وإنه يُكتب له بإحدى خطوتيه حَسنةٌ، وُيمحى عنه بالأخرى سيئةٌ، فإذا سمع أحدكم الإقامة فلا يسعَ، فإنّ أعظمكم أجرا، أبعدُكم داراً» قالوا: لم يا أبا هريرة؟ قال: منْ أجلِ كثرةِ الخُطى» متفق عليه.

وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ أعظمَ الناسِ أجراً في الصلاة، أبعدُهم إليها ممشى فأبعدهم...» متفق عليه.

وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «منْ راحَ إلى مسجد الجماعة، فخطوةٌ تمحو سيئة، وخطوةٌ تكتب له حسنة، ذاهباً وراجعا «رواه أحمد وابن حبان.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ألا أدلُّكم على ما يمحو الله به الخَطايا، ويَرفع به الدرجات؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «إسباغُ الوضوء على المكاره، وكُثرةُ الخُطى إلى المساجد، وانتظارُ الصلاةِ بعد الصلاة، فذلكم الرباطُ، فذلكم الرباط» رواه مالك ومسلم.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «منْ غَدا إلى المسجد أو راح، أعدّ الله له في الجنة نزلاً، كلما غدا أو راح» متفق عليه.

وعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «بَشّر المشّائين في الظُّلم إلى المساجد، بالنّور التام يوم القيامة» رواه أبو داود والترمذي.


وغيرها من الأحاديث النبوية.
والله تعالى أعلم.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 12-05-2024, 10:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,045
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 5 ) باب: المَشي إِلَى الصلاة تمحى به الخَطايَا وتَرْفَعُ به الدَرَجَات


اعداد: الفرقان

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فهذا تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.
243.عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ [: «مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ، لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ،كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً، وَالْأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَة».
الشرح: قال المنذري: باب المشي إلى الصلاة ُتمحى به الخطايا، وترفع به الدرجات.
وهذا الحديث رواه الإمام مسلم في الموضع السابق، وهو في الباب نفسه المتقدم الذي بوبه الإمام النووي.
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من تطهر في بيته» يعني توضأ أو اغتسل. «ثم مشى إلى بيت من بيوت الله» ثم خرج من بيته ومشى إلى مسجد من مساجد الله، أي: ليقضي فريضة من فرائض الله، أي: قصد المسجد لأداء الفريضة أو النافلة أو قراءة القرآن، ولم يقصده لشيء آخر، لم يقصده لأجل الدنيا، أو الصحبة والأنس بالناس، وإنما قصده لأجل العبادة.
قوله: «كانت خطوتاه إحداهما تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة» كل خطوة يخطوها نحو المسجد تحط عنه خطيئة، أي تمحو عنه سيئة، والخطوة الثانية ترفع له عند الله درجة، فالإنسان إذا مشى إلى المسجد وكان بيته قريبا من المسجد كم خطوة يخطوها؟ على أقل الأحوال يمكن أن يخطو مئة خطوة أو خمسين خطوة، يعني خطواتك هذه تمحو خمسين سيئة عنك، وترفع لك خمسين درجة في الجنة.
وإذا رجع أيضا فالأجر ثابت له بعدد الخطوات؛ لأن الرجوع مكمّل للعبادة.
وفي حديث آخر: أن النبي [ قال: «منْ غَدا إلى المسجد أو رَاح، أعدّ اللهُ له في الجنة نُزلاً، كلما غَدا أو راح» رواه مسلم.
وقال أيضا: «ألا أدلُّكم على ما يَمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «إسباغ الوضوء على المكاره، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط» رواه مسلم.
وقد ذكرنا جملة من الأحاديث في هذا في الباب السابق.
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.
49- باب: إتيان الصلاة بالسكينة وترك السعي
244 عَن أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فَسَمِعَ جَلَبَةً، فَقَالَ: «مَا شَأْنُكُمْ؟» قَالُوا: اسْتَعْجَلْنَا إِلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: «فَلَا تَفْعَلُوا، إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا سَبَقَكُمْ فَأَتِمُّوا».
الشرح: قال المنذري في كتاب الصلاة: باب إتيان الصلاة بالسكينة وترك السعي، وأورد فيه حديث أبي عبد الله بن أبي قتادة، وهذا الحديث رواه الإمام مسلم في كتاب المساجد، وبوب عليه النووي: باب استحباب الصلاة بوقار وسكينة، والنهي عن إتيانها سعيا.
قال: عن أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري، شهد أحدا وما بعدها، مات سنة 54 هـ، وقيل: سنة 38 هـ.
قال: «بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع جَلَبة» والجلبة هي أصوات الحركة والاستعجال في المشي والكلام، والإنسان إذا هرول أو ركض يصدر له صوت في الأرض، وحركة في الثياب.
قوله: «فقال: ما شأنكم؟ قالوا: استعجلنا إلى الصلاة» فالنبي [ سألهم بعد الصلاة عن سبب الحركة والصوت، فقالوا: استعجلنا إلى الصلاة، فقال: «فلا تفعلوا، إذا أتيتم الصلاة فعليكم السكينة» فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن الركض والهرولة والاستعجال إلى الصلاة المنافي للسكينة، ولو كان القصد هو الحرص على إدراك الصلاة.
وقال لهم: «إذا أتيتم الصّلاة فعليكم السّكينة» والسكينة من السكون والتأني وترك العبث، وجاء في حديث أبي هريرة مرفوعا: «إذا أقيمت الصلاة، فلا تأتوها وأنتم تسعون، وَأْتُوها وأنتم تمشون، وعليكم السكينة» يعني حتى لو أقيمت الصلاة وسمعتم الإقامة، فلا تأتوها وأنتم تسعون، أي تركضون، بل ائتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة.
وفي لفظ لمسلم أيضا: «إذا أُقيمت الصلاة فلا يَسعى إليها أَحدُكم، ولكنْ ليمش وعليه السكينة والوقار»، والسكينة والوقار قيل: هما بمعنى واحد، وإنما جمع بينهما تأكيدا، وقيل: إن السكينة تكون في الحركة، والوقار يكون في الهيئة وخفض الصوت، والإقبال على طريقه بغير التفات، مع غض البصر.
وفي هذه الأحاديث: الحث على إتيان الصلاة بالسكينة والوقار، والنهي عن إتيانها سعيا أو ركضا أو هرولة، سواء كان ذلك في صلاة الجمعة أو في غيرها من الصلوات، وسواء أُقيمت الصلاة أو لم تقم، وسواء خاف فوات الركعة أو لم يخف، فالجميع سواء في الحكم النبوي.
فإذا قال قائل: فما الجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم هنا«فلا تأتوها وأنتم تسعون، واتوها وأنتم تمشون» وقول الله تعالى {فاسْعوا إلى ذكْر الله} (الجمعة)؟
فالجواب: أن السعي في الآية يقصد به: العمل والذهاب، أي إذا نودي للصلاة هو الذهاب والفعل، يعني اشتغلوا بالذهاب إلى الجمعة، ولا تشتغلوا بشيء آخر من البيع والشراء وغيرها من العقود.
وكما قال الله تعالى {وأنْ ليسَ للإنسان إلا ما سَعَى} (النجم).
أي: ليس له إلا ما عمل، وما قدّم من فعل وقول.
قوله صلى الله عليه وسلم : «فما أدركتم فصلوا وما سبقكم فأتموا»، وفي رواية «فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا» دليل على أن ما أدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته، وما يأتي به بعد سلام الإمام هو آخر صلاته وتمامها؛ لأن النبي [ قال: «وما فاتكم فأتموا» وهذا قول الجمهور من أهل العلم.
وعكسه الحنفية فقالوا: ما أدركه مع الإمام هو آخر صلاته، يعني إذا أدرك مع الإمام الثالثة والرابعة تكون الثالثة والرابعة في حقه؟!
وحجة الجمهور أن أكثر الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم : «وما فاتكم فأتموا» فالإتمام لغة وشرعاً يعني إتمام ما تبقى، وتكميل ما فات، من الصلاة أو غيرها، وما جاء في بعض الروايات بلفظ «واقض ما سبقك»، فالمراد بالقضاء هنا «الفعل» وليس القضاء المصطلح عليه عند الفقهاء المتأخرين، فالفقهاء يسمون ما يدركه الإنسان في وقته أداء، وما يفعله أو يصليه بعد فوات وقته قضاء، وهو اصطلاح متأخر عندهم، لكن ليس هذا هو المراد في الكتاب العزيز والحديث الشريف، بل قد جاء استعمال القضاء بمعنى «الفعل» في آيات كثيرة، كما قال تعالى: {فقضَاهنّ سبعَ سمواتٍ} (فصلت:12)، أي خلقها وقضى فعلها، وقال: {فإذا قضيتُم مَناسككم} (البقرة:200)، يعني: إذا انتهيتم من فعل المناسك، وكذلك قوله: {فإذا قُضيتْ الصلاةُ فانتشروا} (الجمعة:10)، أي فرغتم من صلاة الجمعة، فالقضاء في هذا كله بمعنى الفعل، ومنه قولهم: قضيت حق فلان.
وهذا هو القول الراجح الصحيح الذي عليه عامة أهل العلم.
وأيضا قال بعض أهل العلم: إن قوله «وما فاتكم فاقضوا» فهذه الرواية فيها وهم وقع من الزهري، لكن لو قدّرنا عدم الوهم، فإن القضاء المراد به هنا: هو الأداء بمعنى الفعل، كقول الله تعالى: {فإذا قضيت الصلاة}.
والله تعالى أعلم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 120.22 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 116.63 كيلو بايت... تم توفير 3.58 كيلو بايت...بمعدل (2.98%)]