حديث: إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         قراءة في مقال حقائق مذهلة عن الكون المدرك (اخر مشاركة : رضا البطاوى - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4387 - عددالزوار : 836877 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3919 - عددالزوار : 379389 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11942 - عددالزوار : 191233 )           »          سحور يوم 19 رمضان.. ساندوتشات فول مخبوزة خفيفة ولذيذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          واتس اب بلس الذهبي (اخر مشاركة : whatsapp Girl - عددالردود : 2 - عددالزوار : 2666 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 661 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 945 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1098 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 854 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18-02-2020, 03:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي حديث: إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام

حديث: إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام
الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح




عَنْ أَبِي مُوسَىٰ الأشعري رضي الله عنه قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، فَقَالَ: "إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَنَامُ وَلاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ. يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ. يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ. وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ. حِجَابُهُ النُّورُ (وَفِي رِوَايَةِ: النَّارُ) لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ". رواه مسلم.

ترجمة راوي الحديث:
أبو موسى الأشعري رضي الله عنه تقدمت ترجمته في الحديث الثاني والسبعين من كتاب الإيمان.

تخريج الحديث:
الحديث أخرجه مسلم حديث (179)، وانفرد به عن البخاري، وأخرجه ابن ماجة في المقدمة، " باب فيما أنكرت الجهمية " حديث (195).

شرح ألفاظ الحديث:
" قَامَ فِينَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ ": أي قام متكلماً بخمس جمل مترابطة المعنى.
" لاَ يَنَامُ وَلاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ": معناه أنه سبحانه وتعالى لا ينام وأنه يستحيل في حقه النوم، فإن النوم انغمار وغلبة على العقل، يسقط به الإحساس، والله تعالى منزه عن ذلك، وهو مستحيل في حقه عز وجل، قاله النووي رحمه الله [شرح مسلم 3/16].

" يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ": القسط هو العدل، والذي ينخفض ويرتفع هو الموزون، وسمي الميزان قسطاً لأنه بالميزان يقع العدل، فمن عمل ما يستحق الرفع رفعه، ومن عمل ما يستحق الخفض خفضه.
وقيل المراد بالقسط الرزق، فالله تعالى يخفض رزق كل مخلوق فيقتره أو يرفعه فيوسعه.

" حِجَابُهُ النُّورُ ": أي أنه جل وعلا محتجب عن خلقه بالنور.
قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله:" وهي حجب عظيمة من النور، لا يعلم قدرها إلا الله، وفي رواية "حِجَابُهُ النَّار " كأن الراوي فهم من قوله صلى الله عليه وسلم "لأَحْرَقَتْ" أنها نار، والصواب "حِجَابُهُ النُّورُ " والشك في قوله "أو النَّار " لعله تطرق إلى الراوي، وهم من قوله صلى الله عليه وسلم "لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ" وصوابه الرواية: "حِجَابُهُ النُّورُ" [التعليق على صحيح مسلم (1/603)].

" سُبُحَاتُ وَجْهِهِ ": أي بهاؤه وعظمته ونوره.
"مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ": أي جميع خلقه؛ لأن بصره جل وعلا محيط بجميع الكائنات ولفظ "من" في قوله "مِنْ خَلْقِهِ" لبيان الجنس لا للتبعيض، والمعنى لو زال هذا الحجاب لأحرقت سبحات وجهه جميع مخلوقاته.

من فوائد الحديث:
الفائدة الأولى: الحديث دليل على نفي صفة النوم عن الله تعالى، فالله تعالى لا ينام ومستحيل أن ينام لكمال قيوميته وحياته، ومعلوم أن صفات الله تعالى على قسمين: ثبوتية وهي ما أثبتها الله لنفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم كالعلو والوجه في حديث الباب وكالعلم والقدرة والرحمة وغيرها، فيجب إثباتها على الوجه اللائق به سبحانه، وسلبية: وهي ما نفاها عن نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم كالنوم في حديث الباب وكالظلم والموت، وغيرها، فيجب نفيها عن الله تعالى مع وجوب إثبات ضدها على الوجه الأكمل، فمثلاً في قوله تعالى: ﴿ وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدّاً ﴾ [الكهف:49] يجب نفي الظلم عن الله تعالى مع وجوب إثبات العدل لله تعالى على الوجه الأكمل، وفي حديث الباب قول النبي صلى الله عليه وسلم "إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَنَامُ" نفي صفة النوم يستلزم إثبات ضدها وهو كمال حياته وقيوميته ولذا قال تعالى عن نفسه: ﴿ اَلَلَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ اَلْحَيُّ اَلْقَيُّوْمُ ﴾ [ البقرة:255].

الفائدة الثانية: الحديث دليل على أن الله تعالى يعز من يشاء ويذل من يشاء يحكم بالعدل يخفض ويرفع، من عمل عملاً يستحق الرفع رفعه، ومن عمل عملاً يستحق الخفض خفضه، فهو سبحانه كل وقت هو في شأن يرفع أقواماً ويضع آخرين.

الفائدة الثالثة: الحديث دليل على ارتفاع الأعمال إليه في اليوم مرتين ليلاً ونهاراً، لا ينتهي الليل إلا وقد رفع إليه عمل الليل، ولا ينتهي النهار إلا وقد رفع إليه عمل النهار، لا يتأخر من ذلك شيء لكمال سلطانه، ولو تأمل العبد رفع الأعمال في كل ليل ونهار لحرص ألا يرتفع من أعماله إلا ما كان طيباً، والله المستعان.

الفائدة الرابعة: الحديث دليل على إثبات صفة العلو لله تعالى، لقول النبي صلى الله عليه وسلم "يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ. وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ" والكلام على صفة العلو من عدة وجوه:
المبحث الأول: معتقد أهل السنة والجماعة في صفة العلو:
أهل السنة والجماعة يثبتون صفة العلو لله تعالى كما يليق به سبحانه من غير تحريف ولا تكييف ومن غير تمثيل ولا تعطيل، وهي من الصفات الذاتية.

وعلو الله تعالى على ثلاثة أقسام:
الأول: علو شأن (أي علو شرف وقدْر وعظمة).
الثاني: علو قهر.
وهذان القسمان لم يخالف فيهما أحد ممن ينتسب للإسلام سواء كان من أهل السنة أو أهل البدعة.

الثالث: علو الذات.
وهذا هو الذي جرى فيه الخلاف بين أهل السنة فأثبتوه وبين أهل البدعة فأنكروه وهو المقصود في المباحث القادمة يقول الحافظ حكمي:
علوُّ قهرٍ وعلوُّ شَاْنِ
جلَّ عن الأضدادِ والأعوانِ

كذا له العلوُّ والفوقية
على عباده بلا كيفية


المبحث الثاني: صفة العلو دلَّ عليها الكتاب والسنة والإجماع:
فمن الكتاب: قوله تعالى: ﴿ ءَأَمِنْتُمْ مَنْ فِيْ اَلْسَّمَاءِ ﴾ [الملك: 16] قال شيخ الإسلام ابن تيمية:" قد وصف الله تعالى نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله " بالعلو والاستواء على العرش والفوقية " وفي كتابه في آيات كثيرة، حتى قال بعض أكابر أصحاب الشافعي: في القرآن ألف دليل أو أزيد تدل على أن الله تعالى عالٍ على الخلق، وأنه فوق عباده. وقال غيره: فيه ثلاثمائة دليل تدل على ذلك " [انظر مجموع الفتاوى 5 / 121].

ومن السنة: أيضاً أدلة كثيرة منها حديث الباب، وحديث معاوية بن الحكم السلمي وفيه قصة الجارية وقول النبي صلى الله عليه وسلم لها:" أين الله؟ " قالت: في السماء، قال:" أعتقها فإنها مؤمنة " رواه مالك ومسلم وغيرهما من الأئمة.

وأجمع السلف على إثبات علو الله تعالى بذاته فهو فوق جميع خلقه بائن عنهم، ونقل الإجماع على ذلك غير واحد من أهل العلم، بل نقل عن بعض السلف أنه يُكفِّر من ينكر أن الله في السماء، ففي شرح كتاب التوحيد للغنيمان:" قال شيخ الإسلام: وفي الفقه الأكبر المروي عن الإمام أبي حنيفة -رحمه الله - قال:" من قال لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض؟ فقد كفر، لأن الله تعالى يقول: ﴿ اَلْرَّحْمَنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اْسْتَوَى ﴾ [طه:5]، وعرشه فوق سبع سماواته. قلت: فإن قال: إنه على العرش استوى، ولكنه يقول: لا أدري، العرش في السماء أم في الأرض؟ قال: هو كافر، لأنه أنكر أن يكون في السماء لأنه تعالى في أعلى عليين...- قال الشيخ الغنيمان - وهذا تصريح من أبي حنيفة - رحمه الله - بتكفير من أنكر أن يكون الله في السماء " [انظر شرح العلامة عبدالله الغنيمان لكتاب التوحيد من صحيح البخاري (1 / 272 - 273)].

يتلخص مما سبق أن علو الله تعالى ثابت بالكتاب والسنة والإجماع وأيضاً دلَّ على ذلك:
العقل: لأن نفي علو ذات الله تعالى نفي لصفة كمال، وكونه سبحانه في السفل صفة نقص تجعل بعض المخلوقات فوقه.
ودل على ذلك الفطرة: لأن الخلق مفطورون على أن الله تعالى في السماء، فالإنسان إذا أراد أن يدعو الله تعالى ينصرف قلبه إلى السماء، ويذكر أن أحد أئمة السلف وهو أبو العلاء الهمذاني دخل على الإمام الجويني (أحد الأشاعرة) وهو يلقي درساً على المنبر يقرر فيه عقيدة الأشاعرة وكان مما قرر إنكار أن الله في العلو وقال: إن لله كان ولا مكان، وهو الآن على ما كان عليه ويقرر نفي العلو عن الله تعالى فقال له أبو العلاء الهمذاني أمام الناس يا إمام دعنا من أقوالك وحججك، ما هذه الحاجة التي يجدها كل واحد منا، ما أراد أحد ربه قط إلا رفع بصره إلى السماء فنزل الإمام الجويني من منبره يقول: حيرني الهمذاني حيرني الهمذاني وجلس بين أصحابه يبكي، وتاب في آخر أمره عن هذا التأويل.

فائدة: تقدم أن الأدلة في إثبات علو الله تعالى كثيرة مستفيضة وتقدم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وأيضاً ورد عن غيره من السلف، وهذه الأدلة تنوعت في دلالتها على علو الله تعالى:
فتارة تأتي بالتصريح بالفوقية، كقوله تعالى: ﴿ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ﴾ [النحل: 50].
وتارة بالتصريح بالصعود إليه، كقوله تعالى: ﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ﴾ [فاطر: 10].
وتارة بالعروج إليه، كقوله تعالى: ﴿ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ ﴾ [المعارج: 4].
وتارة برفع بعض المخلوقات إليه، كقوله تعالى: ﴿ بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ﴾ [النساء: 158].
وتارة بأنه سبحانه في السماء، كقوله تعالى: ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ﴾ [الملك: 16]
وتارة بالعلو المطلق، كقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255] وقوله: ﴿ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾ [سبأ: 23].
وتارة بالتصريح باستوائه على العرش كقوله تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5].

وتارة برفع الأيدي إليه سبحانه، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا " رواه أبو داود والترمذي من حديث سلمان الفارسي.

وتارة بالتصريح بنزوله جل وعلا، والنزول لا يكون إلا من علو، كقوله النبي صلى الله عليه وسلم: " ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر " والحديث متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وكل الأدلة السابقة فيها دلالة على علو الله تعالى ولو تنوعت الطرق وهناك أنواع أخرى غير ما تقدم تزيد بمجموعها على العشرين نوعاً.

المبحث الثالث: المخالفون لأهل السنة:
المخالفون لأهل السنة من المبتدعة كالجهمية والمعتزلة ومتأخري الأشاعرة، ينكرون علو الذات ويفسرون نصوص العلو بعلو الشأن وعلو القهر والملك، وانقسموا في صفة علو الذات بعد إنكارها إلى قسمين:
1- فالجهمية والمعتزلة يقولون: إن الله عز وجلفي كل مكان - والعياذ بالله - وهذا معناه أن الله يحلُّ في كل شيء وهذا مذهب الحلولية الذي أصله من المجوس والبوذيين في الهند.

2- وأما الأشاعرة فينفون عن الله جميع الجهات، ويقولون: لا نقول إن الله داخل العالم ولا خارجه، يريدون بذلك نفي جميع الجهات فيقولون: إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا تحته ولا أمامه ولا وراءه ولا عن يمينه ولا عن شماله، وهذا مذهب الفلاسفة.

والرد عليهم:
1- أن هذا مخالف لطريقة السلف رحمهم الله.
2- أنه مخالف لظاهر النصوص التي فيها إثبات علو الله تعالى.

3- أن الله تعالى أثبت لنفسه العلو المطلق وهذا يشمل علو الذات والقهر والشأن، فمن أثبت البعض ونفى البعض فقد جحد بعض ما أثبته الله لنفسه.

4- أن تأويلكم للنصوص الدالة على علو ذات الله تعالى بعلو القهر والملك كما في قوله: ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ﴾ [الملك: 16] يردَّه أن ملك الله وسلطانه ليس في السماء فقط بل في الأرض وعلى كل شيء هو قادر سبحانه.
5- أن تأويلكم هذا يردَّه العقل لأن نفي علو الذات نفي لصفة كمال.

6- أن تأويلكم هذا ترده الفطرة لأن الخلق مفطورون على أن الله في السماء بل حتى البهائم فطرت على ذلك، فقد جاء في مسند الإمام أحمد وصححه الحاكم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: " خرج سليمان عليه السلام يستسقي، فرأى نملة مستلقية على ظهرها رافعة قوائمها إلى السماء تقول: اللهم إنا خلق من خلقك ليس بنا غنى عن سقياك، فقال لهم سليمان: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم ".

7- أن قول الجهمية والمعتزلة ومن وافقهم بأن الله في كل مكان، مع إثباتهم أن لله تعالى ذاتاً وافقوا بذلك قول الحلولية الذين يقولون بأن الله حالٌّ في كل مكان وهم بهذا أشنع من النصارى الذين قالوا بالحلول في المسيح فقط، وأشنع من بعض الصوفية الذين قالوا بالحلول في بعض الأشخاص، ويلزم من قولهم هذا أن الله حالُّ في كل مكان في السماء والأرض والجبال والبحار بل وفي ما ينزه الله عنه من أماكن الأقذار والأنجاس ونحو ذلك تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وجلَّ الله عن هذا اللزوم ولكنه قيل لإزهاق الباطل فهذا لا يقوله عاقل.

8- أن قول الأشاعرة بأن الله لا داخل العالم ولا خارجه قول متناقض فلا يتصور أبداً أن يكون الله لا داخل العالم ولا خارجه فهذا الوصف ينطبق على من ليس موجوداً، فالذي ليس خارج العالم ولا داخله معدوم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:" فالجهمية وأشباههم لا يصفونه سبحانه بالعلو بل إما أن يصفونه بالعلو والسفول وإما أن ينفوا عنه العلو والسفول، فهم نوعان: قسم يقولون: إنه في كل مكان بذاته، والقسم الآخر يقولون: إنه لا داخل العالم ولا خارجه، فالقسم الأول وصفوه بالحلول في الأمكنة ولم ينزهوه عن المحال المستقذرة، والقسم الثاني وصفوه بالعدم " [انظر التنبيهات السنية للشيخ عبدالعزيز الرشيد ص (202)].

المبحث الرابع: سبب نفي المبتدعة علو ذات الله تعالى:
المبتدعة من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة ومن شابههم نفوا علو ذات الله تعالى، ونفوا استوائه على عرشه، حجتهم في ذلك أن إثبات ذلك يستلزم التجسيم والتحديد بأن يكون الله تعالى جسماً محدوداً يحمله العرش ويحتويه، ويستلزم أن يكون الله محصوراً في جهة السماء وأن الجهة تحويه إلى غير ذلك من اللوازم الباطلة.

والرد عليهم:
1- أنه لا يجوز ردَّ الأدلة المثبتة لصفات الله تعالى كعلو ذاته واستوائه على عرشه من أجل تعليلات لا دليل عليها.
2- أنه لو كانت نصوص إثبات علو ذات الله تعالى واستوائه على عرشه تستلزم معنى فاسداً كما تزعمون لبيَّنه الله جل وعلا، لأنه سبحانه هو الذي بيًّن صفاته في كتابه، فدل هذا على أن إثباتها لا يستلزم المعنى الفاسد الذي ذكرتموه، فالله جل وعلا فوق عباده كلهم ولا تحويه الجهة التي يشار إليها متصفٌ بما وصف به نفسه ومن ذلك علوه جل وعلا واستوائه على عرشه.

المبحث الخامس: الفرق بين العلو والاستواء على العرش:
الفرق بين العلو والاستواء على العرش يتلخص فيما يلي:
أولاً: أن صفة الاستواء على العرش وصفة العلو كلاهما تدلان على إثبات العلو لله تعالى، لكن صفة الاستواء تدل على علو خاص وهو العلو على العرش.

ثانياً: الاستواء على العرش من الصفات التي دلَّ عليها النقل فقط (أي النص) فلو لم يأت دليل يدل على هذه الصفة لم نعلم بها فلما جاء نص أثبتناها، وأما صفة العلو فقد دلَّ عليها النقل والعقل والفطرة، حتى البهائم مفطورة على معرفة هذه الصفة.ثالثاً: أن صفة العلو ذاتية فهي ملازمة لله جل وعلا لا تنفك عنه بحال من الأحوال، بخلاف صفة الاستواء فهي صفة فعلية لأنها تتعلق بمشيئته سبحانه وكانت بعد خلق السموات والأرض لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اَلَلَّهُ اَلَّذِيْ خَلَقَ اَلْسَّمَوَاتِ وَاَلْاَرْضَ فِيْ ٍسِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اْسْتَوَىَ عَلَى اَلْعَرْشِ ﴾ [الأعراف: ٥٤]، ومن أهل العلم من قال أن الاستواء على العرش صفة فعلية من جهة و ذاتية من جهة أخرى فهي فعلية باعتبار أنه جل وعلا لم يزل مستوياً على عرشه منذ استوى عليه بمعنى أن وصف الاستواء على العرش لم ينفك عنه منذ أن استوى عليه جل وعلا.

الفائدة الخامسة: الحديث دليل على أنه سبحانه محتجب عن خلقه بالنور فلا يرونه في الدنيا.
الفائدة السادسة: الحديث دليل على إثبات صفة الوجه لله تعالى، والكلام على صفة الوجه من عدة وجوه:
المبحث الأول: معتقد أهل السنة والجماعة في هذه الصفة. أهل السنة والجماعة يثبتون صفة الوجه لله تعالى، من غير تكييف ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل، وهي من الصفات الذاتية الخبرية.


المبحث الثاني: صفة الوجه ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع.
فمن الكتاب قوله تعالى: ﴿ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُوْ اَلْجَلَالِ وَاَلْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: ٢٧].
ومن السنة: حديث سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:" إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها " متفق عليه، وأيضا حديث الباب.

ومن الإجماع، قال الإمام ابن خزيمة (في كتاب التوحيد 1 / 25): " فنحن وجميع علمائنا من أهل الحجاز وتهامة واليمن والعراق والشام ومصر؛ مذهبنا أنا نثبت لله ما أثبته لنفسه، نقر بذلك بألسنتنا، ونصدق ذلك بقلوبنا، من غير أن نشبه وَجْه خالقنا بوجه أحد من المخلوقين، عز ربنا أن يشبه المخلوقين، وجل ربنا عن مقالة المعطلين ".

المبحث الثالث: المخالفون لأهل السنة.
المخالفون لأهل السنة والجماعة من المبتدعة أوَّلوا صفة الوجه بعدة تأويلات:
1- فقالوا المراد بها (الثواب)، ﴿ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ﴾ [الرحمن: 27] أي ويبقى ثواب ربك، ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ﴾ [القصص: 88] أي إلا ثوابه، وهذا قول الجهمية.

والرد عليهم من وجوه:
أولاً: أن في هذا مخالفة لظاهر لفظ الآية، فالآية ظاهرها بلفظ الوجه لا الثواب.
ثانياً: أن فيه مخالفة لإجماع السلف، فلا يعرف أحد منهم قال إن المراد بالوجه الثواب.

ثالثاً: أنه جاء في الآية بيان صفات عظيمة لهذا الوجه فقال تعالى: ﴿ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 27] فهل يمكن أن نقول عن الثواب ذو الجلال والإكرام؟

رابعاً: جاء في حديث أبي موسى رضي الله عنه في الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سُبُحَاتُ وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه "رواه مسلم، فهل يمكن أن يقال أن الثواب له النور الذي يحرق ما انتهى إليه بصر الله من الخلق؟

خامسا: جاء في صحيح البخاري من حديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله لما نزلت عليه قول الله تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ اَلْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابَاً مِنْ فَوْقِكُمْ ﴾ [الأنعام: ٦٥] فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" أعوذ بوجهك " ولو كان الثواب هو المقصود فهل يصح أن يستعاذ به؟ وهل يستعاذ بمخلوق؟

2- ومنهم من قال بأن المراد بها (الذات) وهو قول الجهمية أيضاً والمعتزلة ومن وافقهم من الرافضة وهو قول الأشاعرة.
والرد عليهم من وجوه:
أولاً: أن هذا مخالف لظاهر الآية.
ثانياً: أنه مخالف لإجماع السلف، فلا يعرف أحد منهم أولها بالذات.
ثالثاً: أن الله عز وجل وصف وجهه بقوله " ذو الجلال والإكرام " ولو كان ذلك وصفاً للذات لقال (ذي) (الجلال والإكرام) لأن لفظ (ربك) مجرورة بالإضافة.

رابعاً: أن من المعلوم أن العطف يقتضي المغايرة والاختلاف، ففي حديث ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل المسجد قال:" أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم من الشيطان الرجيم " رواه أبو داود، وهنا عطف الوجه على الله جل وعلا.

تنبيه وبيان: إطلاق الجزء ويراد به الكل أسلوب صحيح معروف في اللغة العربية، ولذا تمسك به بعض المؤولة لصفة الوجه، فقالوا: إن المراد بها ذات الله جلَّ وعلا فأطلق الجزء وهو الوجه والمراد به الكل وهو الذات، فقالوا (ويبقى وجهه ربك) أي ذاته سبحانه، وقالوا (كل شيء هالك إلا وجهه) أي كل شيء هالك إلا ذاته سبحانه والمعنى الذي قالوه صحيح لو أنهم أثبتوا صفة الوجه لله تعالى في الآيات السابقة،لأن النص ورد في صفة الوجه وهي جزء من الذات، والنص على الوجه يدل على ثبوت الذات، لكن الخطأ الذي وقعوا فيه أنهم جعلوا المراد بالوجه هو الذات وهذا تأويل باطل، ولو قال قائل لماذا نذكر الذات مع إثبات صفة الوجه؟


فالجواب: حتى لا نقع فيما ذهب إليه من لا يقدرون الله حق قدره حيث قالوا في قوله تعالى: ﴿ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 27] وقوله: ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ﴾ [القصص: 88] وقالوا: إن الله يفنى إلا وجهه تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا. [انظر شرح الواسطية لشيخنا ابن عثيمين ص (243)].


مستلة من إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم (كتاب الإيمان)



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 75.51 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 73.63 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.49%)]