مختصرات في بيان بعض أنواع علوم الحديث

[ابوالوليد المسلم]

مختصرات في بيان بعض أنواع علوم الحديث


أبو الحسن هشام المحجوبي وأبو مريم عبدالكريم صكاري

إنَّ الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسِنا وسيئات أعمالنا، من يهده اللهُ فهو المهتَد، ومن يُضلِل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، ونشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبدُه ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبعد:
الحديث المنقطع:
الحديث المنقطع لغة: هو الكلامُ الذي لم يرتبط، نقول: "حبلٌ منقطع"، وفي الاصطلاح: هو الحديثُ الذي سَقَط من أثناء إسناده راوٍ أو أكثر، بشرط عدم التَّتابع.

وقلنا: أثناء إسناده؛ احترازًا من "المعلَّق" الذي فيه السقط من أولِ الإسناد، ومن المرسَل الذي فيه السقط في آخر الإسناد.

وقلنا: بشرط عدم التتابع؛ احترازًا من "المُعْضل" الذي هو: سقوط راويين متَتابعين أو أكثر.

مثال المنقطع: "الشافعي عن مالكٍ عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"؛ لسقوط الراوي بين مالكٍ وابنِ عمر، وتجدر الإشارة إلى أن الانقطاع علَّةٌ تضعف الحديث؛ لأنها تخلُّ بالاتصال، الذي هو من شروطِ صحَّة الحديث.

الحديث المقلوب:
الحديث المقلوب لغة: هو الكلامُ المحوَّل عن موضعه، واصطلاحًا: هو قَلْب الراوي اسمَ راوٍ براوٍ آخر، أو لفظَ الحديث بلفظٍ آخر، عَمْدًا أو سهوًا.

وينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: القلب في الإسناد:
وهو قلبُ الراوي اسمَ راوٍ براوٍ آخر؛ كقَلبِ اسم عبدالله بن عمر بعبدالله بن عمرو، أو سفيان بن عيينة بسفيان الثوري.

وقد يكون سهوًا؛ لتشابهٍ بين الأسماء، أو ضعف ضبطِ الراوي، أو يكون مقصودًا لتحسين إسناد الحديث، وكلاهما من قَبيل الضعيف، إلاَّ أن القصد أشدُّ ضعفًا ونَكَارة؛ لأنه داخلٌ في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويُسمَّون عند علماء الحديث بـ "سرَّاق الحديث".

القسم الثاني: قلبُ الراوي للفظةٍ في متن الحديث بلفظةٍ أخرى:
مثاله: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سبعةٌ يظلهم الله في ظلِّه، يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه: إمامٌ عادل، وشابٌّ نشأ في عبادةِ الله، ورجلٌ قلبه معلَّق بالمساجد، ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه، ورجلٌ دَعَته امرأةٌ ذات منصبٍ وجمال، فقال: إني أخاف اللهَ، ورجلٌ تصدَّق بصدقةٍ، فأخفاها حتى لا تعلم شمالُه ما تنفق يمينُه، ورجلٌ ذكر اللهَ خاليًا ففاضَت عيناه))؛ متفق عليه.

فقد قلبه أحدُ الرواة بقوله: "حتى لا تعلم يمينُه ما تنفقه شمالُه"؛ وله نفس حكم القسم الأول.

القسم الثالث: القلب الاختباري:
وهو تركيب متنِ حديثٍ لإسناد حديثٍ آخر، قصدَ اختبارِ المحدِّث أو طالب الحديث.

مثاله: لمَّا دخل الإمام البخاري بغدادَ قَلبوا له مائةَ حديثٍ، فركَّبوا الأسانيدَ لغير متونها؛ ليختبروا ضبطَه، فلمَّا أكملوا المائةَ؛ ردَّ كلَّ متنٍ إلى إسناده؛ وحكمُ هذا القسم الجواز باتفاق المحدثين.

الحديث المعَنْعن:
الحديث المعنعن لغة: هو الكلام الذي فيه حرف "عن"، واصطلاحًا هو: الحديثُ النبوي الذي رُوي بالعنعنة.

مثاله: مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومثلُه "المُؤَنْأَن": الذي رُوي بلفظ "أن"، و"المقَلْقل": الذي روي بلفظ "قال".

وحكمه: الاتصال بشروط:
الشرط الأول: عدالة الراوي المعنعِن.
الشرط الثاني: ثبوت المعاصرة بين الرَّاويَين مع احتمال اللُّقي أو التقاؤهما.
الشرط الثالث: سلامة الراوي من التدليس.

الحديث المرسل:
الحديث المرسل لغة: هو الكلام المطلَق، تقول العرب: أرسل السهمَ؛ إذا أطلقَه.

وفي الاصطلاح: ينقسم إلى نوعين: مرسلِ الصَّحابي ومرسل التابعي.

فمرسلُ الصحابي: هو الحديث الذي رواه صحابيٌّ ولم يدرك زمانه، أو دلَّت قرينة أنه لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم؛ كروايات أبي هريرة وعبدالله بن عباس رضي الله عنهما عن غزوةِ بدرٍ، وروايات عائشة رضي الله عنها عن بدْء الوحي؛ وحكمه: الاتصال عند أكثر المحدثين؛ لأنه لا يخرجُ عن الأحوال التالية: إمَّا يكون سمع الواقعةَ التي لم يحضرها مِن النبي صلى الله عليه وسلم، أو سمعها من صحابيٍّ آخر، وجَهَالةُ الصحابي لا تضرُّ؛ لأنهم عدول، أو سمعه من تابعيٍّ عن صحابي، والصحابي لا يَروي إلاَّ عن تابعيٍّ ثقة سمعه من ثِقة؛ لأنهم أحرص الناس على تطهيرِ السنَّة من الكذبِ والخطأ.

وأما مرسل التابعي، فهو الحديث الذي أضافه التابعيُّ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وسمعَه من غيره؛ كمجاهد بن جبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحكمُه: الانقطاع والضعف عند أكثر المحدِّثين؛ لاحتمال أن يُسقط التابعيُّ تابعيًّا آخر أو أكثر عن الصحابي، وجهالة التابعين تضرُّ؛ لأن في طبقتهم الثَّقة والضعيف.

الحديث المرسل الخفي:
المرسل الخفي لغة: هو المطلَق المستور، وفي الاصطلاح: هو الحديث الذي سقط من إسنادِه راوٍ بين راويين متعاصرين لم يلتقيا، وإن التقيا لم يُحدِّث أحدُهما الآخر، ويُعرف ذلك بإخبار أحدِ الراويَين عن ذلك، أو حُكمِ أحد أئمَّة النقد.

وسمِّي بالخفي؛ لأنه يصعب اكتشافُه؛ لتعاصر الراويان أو التقائهما، فالمحقِّق إذا نظر في الإسناد ورأى تعاصرَهما أو التقاءَهما، ولم يقف على تنصيصٍ يبيِّن أنه لم يحدِّث أحدُهما الآخرَ - قد يحكم باتصال الإسناد؛ ولذلك يجب على المحقِّق ألاَّ يحكم بصحَّة الحديث أو ضعفِه حتى يطَّلع على أمَّهات كتبِ الرجال وغيرها، وحكمُ الحديث المرسل الخفِي الضعف؛ لعلَّة الانقطاع.

الحديث المعضل:
الحديث المعضل لغة: هو الكلام المُشْكِلُ، نقول: "مرَضٌ عُضال؛ أي: يستعصي علاجُه"، وفي اصطلاح المحدِّثين: هو الحديث الذي سقط من أثناء إسنادِه راويان أو أكثر بشرطِ التَّتابع.

وقلنا: من أثناء إسناده؛ احترازًا من "المعلَّق" الذي يكون فيه السَّقط من أول الإسناد، واحترازًا من "المرسل" الذي يكون فيه السقط في آخر الإسناد، وقلنا: بشرط التَّتابع؛ احترازًا من "المنقطع" الذي يسقط منه راوٍ واحد.

وسمِّي بالمعضل - والله تعالى أعلم - لأنه يصعب جَبْره من طريقٍ آخر؛ لتتابع السَّقط فيه.

مثال في المعضل: أبو عيسى الترمذي، عن مسلم بن الحجاج أبي الحسين القشيري، عن طاوس، عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ هذا الإسناد معضَل؛ لسقوط أكثر من راويين على التوالِي بين مسلم وطاوس، وينبغي الإشارةُ إلى أن المعضل من الضعيف؛ لاختلال شرط الاتِّصال، الذي هو من شروط الصحَّة.

الحديث المعلَّق:
المعلَّق لغة: هو الشيء المعلَّق في السقف، الذي لم يصِل إلى الأرض، نقول: "حبلٌ معلَّق في السقف"، وفي الاصطلاح: هو الحديث الذي سقط من أول إسناده راوٍ أو أكثر بشرط التَّتابع، وأولُ الإسناد يكون عند المصنِّف، وآخره عند الرسول صلى الله عليه وسلم.

مثاله: مالك عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهذا معلَّق؛ لسقوط واسطة في أوَّل إسناده بين المصنِّف الذي هو مالك بن أنس وابنِ عمر رضي الله عنهما.

وتجب الإشارةُ إلى أن التعليق مِن عِلَل تضعيف الحديث؛ لأنه يخلُّ بشرط الاتصال، الذي هو من شروط صحَّة الحديث.

وصلى الله وسلم وبارك على نبيِّنا وإمامنا محمد بن عبدالله، وعلى آلِه وأصحابه وأتباعه بإحسانٍ إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.