أسباب كلام الأقران بعضهم في بعض - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4417 - عددالزوار : 853525 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3948 - عددالزوار : 388638 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12522 - عددالزوار : 214068 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17-02-2020, 03:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي أسباب كلام الأقران بعضهم في بعض

أسباب كلام الأقران بعضهم في بعض (1)


د. أيمن محمود مهدي






الجزء الأول




الأصل الذي جرى عليه المحدِّثون في قواعدهم عند قيامهم بالجرح والتعديل، هو توثيق العدل الضابط، وقَبول روايته، وردُّ رواية فاقد العدالة أو الضبط.



وهذه القاعدة مُدوَّنة في السطور، محفورة في الصدور، ولكن جرت العادة: أن كل قاعدةٍ مهما كانت ظاهرة أو متَّفقًا عليها، فإن لها شواذَّ تخرُجُ عنها.



فالأصل: توثيق العدل الضابط ومدحه والثناء عليه، وهذا ما حوته كتب الرجال، إلا أنه قد وُجد بجوار ذلك: اتهامٌ وقدحٌ في بعض العلماء الذين ثبتت عدالتهم وظهرت ثقتهم، وسأحاول في هذا البحث: استكشاف أسباب هذا الجرح الشاذ، وسأحاول حصر هذه الأسباب ما استطعت.



ولكني أشير إلى أمرٍ أعتقده هامًّا، وهو أنني لن أفترض أسبابًا، أو أعتمد على الاحتمالات العقلية وحدها، وإن كان إعمال العقل لازمًا؛ وإنما سأحرص على جمع هذه الأسباب من خلال أقوال أئمة الجرح والتعديل، ومن خلال تعليق النقَّاد على هذه الأقوال؛ حتى يكون هذا البحث مُعْتَمِدًا على مادة علمية صحيحة، ووقائع ثابتة؛ حتى تتحقَّق الثقة بالنتائج المُستخلَصة بعد ذلك، وسأُوردُ لك أهم الأسباب الداعية إلى كلام الأقران بعضهم في بعض.



أولًا: الحسد والغيرة والمنافسة:

الحسد هو: أن تكره النعمة التي أنعم الله عز وجل بها على غيرك، وتحب زوالها عنه[1]، وهو على أربعة مراتب:

المرتبة الأولى: أن تحب زوال النعمة عن أخيك، وإن لم تصل إليك، وهذا غاية الخُبْث.

قال ابن الجوزي: الحسد هو تَمَنِّي زوال النعمة عن المحسود وإن لم تصر للحاسد[2].



الثانية: أن تُحِبَّ زوال النعمة عن أخيك؛ لتحصلَ أنت عليها.



الثالثة: أن تُحِبَّ أن تحصلَ على النعمة التي حصلَ أخوك عليها، فإن عجزتَ عن الحصول عليها، أحببتَ زوالها عنه؛ لئلا يظهر التفاوت بينكما.



الرابعة: أن تُحِبَّ الحصولَ على مثل هذه النعمة، فإن عجزتَ عن الحصول عليها، فلا تحب أن تزول عنه، وهذه تسمى غِبطة، وقد تُسمَّى منافسة.



والمراتب الثلاث الأولى مذمومة، والرابعة معفو عنها إن كانت المنافسة في أمرٍ من أمور الدنيا، ومندوبٌ إليها إن كانت المنافسة في أمرٍ من أمور الدين.



وقد تُسمَّى المنافسة في الحصول على الشيء: حسدًا، وقد يُوضَع أحد اللفظين موضع الآخر، ولا مُشَاحَّة في الاصطلاح، ولا حجر في الأسامي بعد فهم المعاني، وعليه يُحْمَلُ حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالًا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار))[3].

يقول الإمام النووي: والمراد بالحديث: لا غبطة محبوبة إلا في هاتين الخصلتين وما في معناهما[4].



ويقول الإمام ابن القيم: "يعني: أنه لا ينبغي لأحدٍ أن يغبط أحدًا على نعمة ويتمنى مثلها إلا أحد هذين؛ وذلك لما فيهما من منافع النفع العام والإحسان المتعدي إلى الخلق؛ فهذا ينفعهم بعلمه، وهذا ينفعهم بماله، والخلق كلهم عيالُ الله، وأحبُّهم إليه أنفعُهم لعياله، ولا ريب أن هذين الصنفين من أنفع الناس لعيال الله، ولا يقوم أمر الناس إلا بهذين الصنفين، ولا يعمر العالَمُ إلا بهما"[5].



والحسد خُلُقٌ ذميمٌ لا يكاد يَسلَم منه أحد.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: الحسد مرضٌ من أمراض النفس، وهو مرضٌ غالب، فلا يخلص منه إلا القليل من الناس؛ ولهذا يُقال: ما خلا جسدٌ من حسدٍ، لكن اللئيم يُبْديه، والكريم يخفيه[6].



يقول الحافظ ابن رجب: والحسد مركوزٌ في طباع البشر، وهو أن الإنسان يكره أن يفوقه أحدٌ من جنسه في شيء من الفضائل، ثم ينقسم الناس بعد هذا إلى أقسام: فمنهم من يسعى في زوال نعمة المحسود بالبغي عليه بالقول والفعل، ثم منهم من يسعى في نقل ذلك إلى نفسه، ومنهم من يسعى في إزالته عن المحسود فقط من غير نقل إلى نفسه، وهو شرُّهما وأخبثهما، وهذا هو الحسد المذموم المنهي عنه[7].



ولذلك وردت آثارٌ كثيرة تذُمُّ الحسد وتُحذِّرُ منه، وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إِذَا فُتِحَتْ عَلَيْكُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ، أَيُّ قَوْمٍ أَنْتُمْ؟))، قَالَ عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ رَضِيَ الله عَنْهُ: نَقُولُ كَمَا أَمَرَنَا اللَّهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ! تَتَنَافَسُونَ، ثُمَّ تَتَحَاسَدُونَ، ثُمَّ تَتَدَابَرُونَ، ثُمَّ تَتَبَاغَضُونَ - أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ - ثُمَّ تَنْطَلِقُونَ فِي مَسَاكِينِ المُهَاجِرِينَ، فَتَجْعَلُونَ بَعْضَهُمْ عَلَى رِقَابِ بَعْضٍ))[8].



وقد تنبَّأ النبي صلى الله عليه وسلمبظهور الحسد وفُشُوِّه في أمته، فقال: ((سيصيب أمتي داءُ الأمم))، قالوا: وما داء الأمم؟ قال: ((الأشر، والبطر، والتكاثر، والتنافس في الدنيا، والتباعد، والتحاسد، حتى يكون البغي والهرج))[9].



وقالصلى الله عليه وسلم: ((دبَّ إليكم داء الأمم قبلكم: الحسدوالبغضاء، هي الحالقة، لا أقول: تحلق الشَّعَرَ، ولكن تحلق الدِّين، والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بشيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم: أفشُوا السلام بينكم))[10].



وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلمأمَّتَه عن الحسد، فقال:((إياكم والظن؛ فإن الظن أكذَبُ الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانًا))[11].



وقد حذَّر العلماء من هذه الآفة، وبيَّنوا خطورتها، خاصَّةً إذا كانت بين العلماء.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: استمعوا علم العلماء، ولا تُصدِّقوا بعضهم على بعض؛ فوالذي نفسي بيده، لهم أشد تغايُرًا من التيوس في زَرْبِها[12].



وقال أيضًا: خذوا العلم حيث وجدتُم، ولا تقبلوا قول الفقهاء بعضهم في بعض؛ فإنهم يتغايرون تغاير التيوس في الزريبة[13].

وقال مالك بن دينار: يُؤْخَذُ بقول العلماء والقُرَّاء في كل شيء، إلا قول بعضهم في بعض؛ فلهم أشد تحاسُدًا من التيوس[14].



والعلماء لا يحسدون بالمعنى المذموم البغيض، وإن كان ينشأ بينهم نوعٌ من التنافس، قد يجُرُّ إلى قليلٍ من الحسد، فينشأ عنه كلام سوء، وخروجٌ عن الجادة.



قال الغزالي: والحسد يكثر بين أصحاب الحرف والمهن المتماثلة، وأرباب المقاصد المشتركة؛ ولذلك ترى العالم يحسد العالم دون العابد، والعابد يحسد العابد دون العالم، والتاجر يحسد التاجر...، وكذلك الشجاع يحسد الشجاع ولا يحسد العالم؛ لأن مقصده أن يُذْكَر بالشجاعة ويشتهر بها، وينفرد بهذه الخصلة ولا يزاحمه العالم على هذا الغرض، وكذلك يحسد العالمُ العالمَ ولا يحسد الشجاع، ثم حسد الواعظ للواعظ أكثر من حسده للفقيه والطبيب؛ لأن التزاحم بينهما على مقصود واحد أخص"[15].

والحسد مذموم، والمنافسة محمودة ممدوحة، وهي: الرغبة في الشيء، ومحبة الانفراد به، والمغالبة عليه[16].



وفي القرآن الكريم: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26].

والفرق بين المنافسة والحسد: أن المنافسة: هي المبادرة إلى الكمال الذي تشاهده في غيرك لتنافسه فيه لتلحقه أو تجاوزه، فهو من شرف النفس، وعلو الهمة، وكبر القدر، والحسد مرضٌ يدل على خسة في النفس، وعدم سلامة في القلب.



يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: والحسد خُلُق نفس ذميمة، وضيعة ساقطة، ليس فيها حرص على الخير، فلعجزها ومهانتها تحسد مَن يكسب الخير والمحامد ويفوز بها دونها، وتتمنَّى أنْ لو فاته كسبُها؛ حتى يساويها في العدم[17].



وقد تكون الغَيْرة غير الحسد، ولكنها فرع منه على أي حال، فالغيرة تدفع إلى التنافس وطلب الكمال، كما تؤدي إلى صون العلم عن غير أهله، والمحافظة عليه من الابتذال، ولعل هذه الغيرة هي المعنيَّة في قول أبي أسامة - حمادبنأسامةبنزيد-: "إِنِّي لأَغَارُ عَلَى الحَدِيثِ كَمَا يُغَارُ عَلَى الجَارِيَةِ الحَسْنَاءِ"[18].



والكلام المبنيُّ على الحسد منتشرٌ وشائعٌ حتى بين العلماء؛ ولذلك قال الإمام المناوي: "من الصبر الحسن التصبرُ على ما ينشأ عن الأقران وأهل الحسد، سيَّما ذوي البذاءة منهم، ووقوع هؤلاء في الأعراض، ونقصهم لما يهمهم من الأمراض، وذلك واقعٌ في كل زمن، وحسْبُك قول الشافعي في "عقود الجمان في الذب عن أبي حنيفة النعمان": كلام المعاصرين مردود، غالبُه حسد، وقد نَسَبَ إليه جماعةٌ أشياءَ فاحشة لا تصدر عمن يوصف بأدنى دين، وهو منها بريء، قصدوا بها شينه، وعدم انتشار ذكره"[19].



ولذلك لَمَّا قيل لابن المبارك: فلان يتكلَّم في أبي حنيفة، أنشد بيت قيس بن الرقيات:

حسَدُوك أنْ رأَوْك فضَّلك اللـ ♦♦♦ ـهُ بما فضِّلت به النجباءُ[20]



وقال أبو الأسود الدؤلي:



حَسَدُوا الفَتَى إِذْ لَمْ يَنَالُوا سَعْيَهُ

فَالقَوْمُ أَعْدَاءٌ لَهُ وَخُصُومُ



كَضَرَائِرِ الحَسْنَاءِ قُلْنَ لِوَجْهِهَا

حَسَدًا وَبُغْضًا: إِنَّهُ لَدَمِيمُ[21]






ولذلك حكم العلماء بردِّ كلام الأقران بعضهم في بعض إذا كان ناشئًا من المنافسة والغيرة والحسد.



قال الذهبي: لا يُعتَدُّ غالبًا بكلام الأقران إذا كان بينهما منافسة[22].

وقال أيضًا: قد عُرِف وَهْنُ كلام الأقران المتنافسين بعضهم في بعض، نسأل الله عزَّ وجلَّالسماح[23].

وقال أبو عبدالله الحاكم مُعلِّقًا على كلام مَن تكلَّم في ابن حبان من أقرانه: وأبو حاتم كبيرٌ في العلو، وكان يُحْسَدُ لفضله[24].

وقال ابن حبان: والمحسود أبدًا يُقدح فيه؛ لأن الحاسد لا غرض له إلا تتبُّع مثالب المحسود، فإن لم يجد، ألزق مُثلةً به[25].



وتكلَّم الإمام الذهبي عن الأسباب التي تؤدي إلى رفض الجرح وعدم الاعتداد به، فقال: ويلتحق بذلك ما يكون سببه المنافسة في المراتب، فكثيرًا ما يقع بين العصريين: الاختلاف والتباين[26].



وقال أيضًا: كلام الأقران بعضهم في بعض لا يُعْبَأ به، لا سِيَّما إذا لاح لك أنه لعداوة، أو لمذهب، أو لحسد، وما ينجو منه إلا مَن عصمه الله عز وجل، وما علمتُ أن عصرًا من الأعصار سلِم أهله من ذلك، سوى الأنبياء والصدِّيقين، ولو شئتُ لسردتُ من ذلك كراريس، اللهم فلا تجعل في قلوبنا غِلًّا للذين آمنوا، ربَّنا إنك رؤوفٌ رحيم[27].



ولذلك يجب البحث والتحرِّي، والدقة والتروِّي، وعدم التسرُّع في قبول كلام الأقران بعضهم في بعض، خاصةً إذا ظهرت قرينة تؤكِّد صدوره بسبب الحسد أو المنافسة؛ لأن المنافسة والرغبة في التقدُّم وسبق الأقران - قد تؤدِّي بصاحبها إلى نوعٍ من الحسد، وهذا لا يَسلَم منه أحد.



والأمثلة الدالة على ذلك كثيرة؛ منها:

المثال الأول: موقف الإمام محمد بن يحيى الذُّهلي من الإمام البخاري في مسألة اللفظ[28]، وفي هذا السبب الذي يقوله التاج السبكي عبرةٌ بالغة؛ فقد نزل الإمام البخاري نيسابور، فاجتمع إليه الناس جميعًا، العلماء والعوام، وانفضَّ كثيرٌ من الطلبة عن حلقات غيره، حتى ظهر الخلل في حلقة محمد بن يحيى الذهلي، فَحَسَدَ البخاريَّ لذلك، وأساءَ القول فيه، وقد كان يمدحه قبل ذلك.



وقد قرَّر السبكي في ترجمة البخاري أن سبب ذلك الموقف هو: حسد الذهلي للبخاري، فقال: ولا يرتاب المنصف في أن محمد بن يحيى الذهلي لحقته آفة الحسد التي لم يسلم منها إلا أهلُ العصمة[29].

وقد سأل بعضهم البخاري عما بينه وبين محمد بن يحيى، فقال البخاري: كم يعتري محمد بن يحيى الحسد في العلم، والعلم رزقُ الله يعطيه مَن يشاء[30].



وقال الحسن بن محمد بن جابر: سمعتُ محمد بن يحيى قال لنا لَمَّا ورد محمد بن إسماعيل البخاري نيسابور: اذهبوا إلى هذا الرجل الصالح، فاسمعوا منه، فذهب الناس إليه، وأقبَلوا على السماع منه حتى ظهر الخلل في مجلس محمد بن يحيى، فحسَدَه بعد ذلك وتكلَّم فيه[31].

وقد علَّق الذهبي على موقف الذهلي من البخاري قائلًا: وما زال كلام الكبار المتعاصرين بعضهم في بعض لا يُلَوى عليه بمفرده[32].



المثال الثاني: قال مكحول: ما زلتُمضطلعًاعلى مَن ناوأني حتى عاونهم عليَّ رجاء بن حَيْوة؛ وذلك أنه كان سيد أهل الشام في أنفسهم[33].

وقال مرةً أخرى: ما زلتُ مستقلًّا بمن بغاني حتى أعانهم عليَّ رجاء بن حيوة، وذلك أنه رجلٌ من أهل الشام[34].



وقد علَّق الذهبي على كلام مكحول قائلًا: كان ما بينهما فاسدًا، وما زال الأقران ينال بعضهم من بعض، ومكحول ورجاء إمامان، فلا يُلْتَفَتُ إلى قول واحدٍ منهما في الآخر[35].



المثال الثالث: قال الإمام الذهبي في ترجمة المحدِّث محمد بن عبدالله بن سليمان الملقب بمُطيَّن: تكلم فيه محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وتكلَّم هو في ابن عثمان، فلا يُعتدُّ غالبًا بكلام الأقران، لا سيَّما إذا كان بينهما منافسة، فقد عدَّد ابن عثمان لِمُطيَّن نحوًا من ثلاثة أوهام، فكان ماذا؟ ومطيَّن أوثق الرجلين، ويكفيه تزكية مثل الدارقطني له، فقد سُئِل عنه الدارقطني فقال: ثقةٌ جبل[36].

وقال ابن عدي الجرجاني بعد أن ذكر قول مطيَّن في محمد بن عثمان بن أبي شيبة: ولعلَّ مطين بالبلدية[37]؛ لأنهما كوفيان جميعًا قال فيه ما قال[38].



المثال الرابع: الإمام الحافظالحسن بن علي بن شبيب أبو علي البغدادي المعمري، قال عنه الحافظ الذهبي: الإمام الحافظ المجود البارع، محدِّث العراق، جمع وصنَّف وتقدَّم[39].

وقال عنه الخطيب: كان من أوعية العلم، يُذْكَرُ بالفهم، ويُوصَفُ بالحفظ[40].

وقال عبدان: سمعتُ فضلَك الرازي وجعفر بن الجنيد يقولان: المعمري كذاب.

ثم قال عبدان: حسداه؛ لأنه كان رفيقهم، فكان إذا كتب حديثًا غريبًا لا يفيدهما[41].







[1] إحياء علوم الدين؛ للإمام الغزالي 3/ 179.




[2] كشف المشكل من حديث الصحيحين؛ لابن الجوزي، 1/ 288.




[3] البخاري، كتاب التوحيد، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار))، 13/ 511، رقم: 7529، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلِّمه وفضل من تعلَّم حِكمةً، 1/ 458، رقم: 558.




[4] شرح صحيح مسلم؛ للنووي، 6/ 97.




[5] طريق الهجرتين وباب السعادتين؛ لابن القيم، صـ 537.




[6] أمراض القلوب وشفاؤها؛ لابن تيمية، صـ 21.




[7] جامع العلوم والحكم، صـ: 327.




[8] صحيح مسلم، كتاب الزهد والرقائق 2/ 1353، رقم: 2962، طبعة دار طيبة.




[9] الحاكم في المستدرك 4/ 185، رقم: 7311، وصحَّحه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.




[10] الترمذي، كتاب صفة القيامة 4/ 288، رقم: 2518، وأحمد في مسنده 2/ 189، رقم: 1412، وإسناده صحيح.




[11] البخاري، كتاب الأدب، باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر، 10/ 496، رقم: 6064، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وماله وعرضه، 4/ 1986، رقم: 2564.




[12] جامع بيان العلم وفضله؛ لابن عبدالبر، صـ: 435، رقم: 1183.




[13] جامع بيان العلم وفضله صـ: 435، رقم: 1183.




[14] حلية الأولياء 2/ 378، وجامع بيان العلم وفضله، صـ: 435، رقم: 1183.




[15] إحياء علوم الدين 3/ 195.




[16] النهاية في غريب الحديث، 5/ 83.




[17] الروح؛ لابن القيم، صـ: 252.




[18] الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع؛ للخطيب البغدادي، 1/ 206، رقم: 370.




[19] فيض القدير 4/ 234.




[20] جامع بيان العلم وفضله، صـ: 449.




[21] جامع بيان العلم وفضله، صـ: 449.




[22] سير أعلام النبلاء 14/ 42.




[23] سير أعلام النبلاء 17/ 462.




[24] لسان الميزان 5/ 121.




[25] الثقات 8/ 26.




[26] لسان الميزان 1/ 109.




[27] ميزان الاعتدال؛ للذهبي 1/ 111.




[28] إشارةً إلى الخلاف الواقع بين العلماء حول قضية اللفظ بالقرآن أهو مخلوق أو غير مخلوق؟ راجع: هدي الساري صـ: 514.




[29] طبقات الشافعية الكبرى؛ للتاج السبكي 2/ 230.




[30] سير أعلام النبلاء؛ للحافظ الذهبي، 12/ 457.




[31] تاريخ بغداد؛ للخطيب 2/ 30، وسير أعلام النبلاء 12/ 453.




[32] سير أعلام النبلاء 12/ 285.




[33] سير أعلام النبلاء 4/ 558.




[34] تهذيب الكمال 9/ 154.




[35] سير أعلام النبلاء 4/ 558.




[36] سير أعلام النبلاء 14/ 42.




[37] يقصد ابن عدي: أن سبب كلام مطين فيه هو: الحسد والمنافسة؛ لأنهما من بلدٍ واحد، كما أشار إليه بعدُ.





[38] الكامل في ضعفاء الرجال 6/ 295.




[39] سير أعلام النبلاء 13/ 511.




[40] سير أعلام النبلاء 13/ 512.




[41] ميزان الاعتدال 1/ 504.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 76.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 74.70 كيلو بايت... تم توفير 1.89 كيلو بايت...بمعدل (2.47%)]