حديث النهي عن الأخذ من الشعر والأظفار للمضحي، رواية ودراية - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3952 - عددالزوار : 391029 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4419 - عددالزوار : 856499 )           »          حق الجار والضيف وفضل الصمت.محاضرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          حبل الله قبل كلّ سبب وفوقه .! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          اضربوا لي معكم بسهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          ونَزَعْنا ما في صدورهم من غِلٍّ إخواناً على سُرُر متقابلين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          أنت وصديقاتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          التشجيع القوة الدافعة إلى الإمام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          شجاعة السلطان عبد الحميد الثاني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          نظرات في مشكلات الشباب ومحاولة الحل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17-02-2020, 03:46 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي حديث النهي عن الأخذ من الشعر والأظفار للمضحي، رواية ودراية

حديث النهي عن الأخذ من الشعر والأظفار للمضحي، رواية ودراية (1/6)
محمد بن عبدالله السريِّع







مقدمة










الحمد لله وحده، وصلاته وسلامه على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واهتدى بسنَّته إلى يوم الدين.







أما بعد:



فإن الله -تعالى- قد آتى نبيَّه المصطفى -صلى الله عليه وسلم- جوامع الكلم، والشمول بإيجاز، فكانت كلماته القصيرة تتضمن ما لا يُتصوَّر لأول وهلة من المعاني والآداب والأحكام، وكان ربما «جمع أشتات الحِكَم والعلوم في كلمةٍ، أو شطرِ كلمة»[1].







وكان ذلك من عوامل قبول سنته، وحفظها، وانتشارها، وتناقلها على الألسن؛ فقد كانت العرب تستحسن الإيجاز، وتبغض الإطناب، حتى قال قائلهم: «خير الكلام ما قل ودل».







ولهذا، فقد عُني أهل الشريعة بأحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- وسنَّته وسيرته وأخباره، وتتبعوها جمعًا وفهمًا وعملاً؛ من لدن أصحابه -صلى الله عليه وسلم-، ومرورًا بتابعيهم أصحاب القرون المفضلة، وانتهاءً بأهل السنة في هذا العصر.







وكان من جملة عنايتهم بالحديث: توضيح غامضه، وتبيين مشكله، والجمع بين متعارضه، واستنباط الأحكام منه، وتقييد الفوائد والآداب المضمَّنة فيه.







وتبعًا لتطوُّر طرائق تدوين العلوم على الأعصار؛ اختلفت مسالك الناس في شروح الحديث، فكان كلامًا منثورًا في أول الأمر، ثم ظهرت شروح كتب السنة ومجاميع الأحاديث، ثم أُفردت بعض الأحاديث بالشرح والتوضيح والبيان.







وكان هذا الأخير منهجًا توارد عليه عددٌ من الأئمة، فأفرد القاضي عياض شرحًا حديث أم زرع، وشَرَح ابن القاص حديث: «يا أبا عمير، ما فعل النغير؟»، وشرح العلائي حديث ذي اليدين، وأفرد الحافظ ابن رجب عددًا من الأحاديث بالشرح، كحديث اختصام الملأ الأعلى، وحديث: «ما ذئبان جائعان»، إلى غير ذلك[2].







وجريًا على هذا السَّنَن؛ أحببتُ الإدلاء بدلوي، والطرح من جعبتي، مع علمي التام بكدر الماء، واعوجاج السهام، والله المستعان.







ووقع اختياري على حديث أم سلمة -رضي الله عنها-: «إذا دخل العشر، فأراد أحدكم أن يضحي؛ فلا يَمَسَّ من شعره ولا من بشره شيئًا».







وقد بدأت البحثَ بتمهيدٍ أوضحتُ فيه أهمية اختيار هذا الحديث، والدراسات السابقة فيه، ثم بيَّنت خطتي ومنهجي فيه.







واللهَ أسأل أن يعين ويوفق، فهو الهادي إلى سواء السبيل.








تمهيـد



إن من أحكام الدين العظام، وشرائعه رفيعة المقام: شعيرة الأضحية، وهي سنةٌ مسنونة من لدن نبي الله إبراهيم، إلى خليله محمد -عليهما الصلاة والسلام-.







وعلى أن الأضحية شعيرةٌ لا تتكرر في العام غيرَ مرة؛ إلا أن سنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- قد جاءت في الأضحية بأحكام عديدة، فبيَّنت وقت الذبح، وآدابه، وأنواع الضحايا، وما يجزئ منها وما لا يجزئ، وأحكام لحوم الأضاحي.







وإن مما جاء في السنة من أحكام الأضحية: ما ورد من أمره بأن يجتنب من أراد أن يضحي الأخذَ من شعره وأظفاره، مبتدئًا ذلك بدخول شهر ذي الحجة، وخاتمَه بذبح أضحيته، جاء هذا في حديث أم المؤمنين أم سلمة -رضي الله عنها-.







وهذا الحديث أخرجه الإمام المحدث أبو الحسين مسلم بن الحجاج في صحيحه، وصحَّحه غير واحدٍ من أهل العلم، وخالفهم غيرهم من أهل الصنعة، فرجَّح بعضهم وقفَه، ورأى بعضهم ضعفَه.







أهمية هذا الحديث، وأسباب اختياره:



1- هذا الحديث معتَمَدٌ في باب النهي عن قص الشعر والأظفار قبل ذبح الأضحية، ومفصلٌ في الخلاف في هذه المسألة.



2- هذا الحديث أحد العُمَد في مسألة حكم الأضحية الدائر بين الوجوب والاستحباب.



3- اشتمال هذا الحديث على عدة مسائل أخرى مهمة.



4- الخلاف الحديثي الواقع في الحديث خلافٌ دقيق، وهو محلٌّ للتوارد في الحكم دون تدقيقٍ وتأمُّل.







فلهذا وغيره أحببتُ دراسته روايةً؛ بتخريجه تخريجًا موسَّعًا، وترجيحِ أصحِّ الأوجه فيه، ثم دراسته درايةً؛ بشرح غريبه، وبيان مسائله، واستنباط الفوائد منه.







الدراسات السابقة:



جاء كلام العلماء على الحديث منثورًا في مصنَّفاتهم، ولم أجد الحديث أفرد بالدراسة -على المنهج التحليلي- إلا من أحد الباحثين المعاصرين، وهو: خالد بن قاسم الردادي[3].







وأرى أن بحثَه لم يوفِّ الحديثَ حقَّه؛ من ثلاثة أوجه:



1- أنه بحثٌ صغير؛ لم تزد صفحاته على (25) صفحة، مع احتمال الحديث لضِعف هذا أو أكثر في مباحث الرواية، ومباحث الدراية.



2- القصور في التخريج والدراسة الإسنادية؛ بحيث لم يزد في تخريجه على العزوِ المجرَّد إلى مخرِّجي الحديث، ونقلِ كلام ابن القيم والمباركفوري، والعزوِ إلى دراسة الشيخ الألباني -رحمه الله-.



فشخصية الباحث في الدراسة الإسنادية غير ظاهرة.



3- اقتصاره في الاستنباط على مسألة واحدة من مسائل الحديث، وهي وإن كانت المسألةَ الرئيسة فيه؛ فإن فيه مسائل أخرى هو معتمدٌ فيها، ولم يكن ينبغي إغفالها.







فلهذا وغيره بدا لي أن الحديث ما زال مجالاً للبحث، ومحلاًّ للنظر، والله أعلم.







خطة البحث:



ارتأيت تقسيم البحث حسب الخطة التالية:



المقدمة.



التمهيد، وهو هذا.







الفصل الأول: دراسة الحديث روايةً، ويشتمل على ثلاثة مباحث:



المبحث الأول: متن الحديث.



المبحث الثاني: تخريج أوجه الحديث، ودراسة الاختلاف فيها.



المطلب الأول: طريق سعيد بن المسيب، عن أم سلمة -رضي الله عنها-.



المطلب الثاني: طريق أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن أم سلمة -رضي الله عنها-.



المطلب الثالث: طريق امرأة، عن أم سلمة -رضي الله عنها-.



المبحث الثالث: الحكم على الحديث.







الفصل الثاني: دراسة الحديث درايةً، ويشتمل على ثلاثة مباحث:



المبحث الأول: شرح غريب الحديث.



المبحث الثاني: المسائل المستنبطة من الحديث، ويشتمل على أربعة مطالب:



المطلب الأول: المسائل الحديثية، وتحته مسألة واحدة:



مسألة: طلب العلو في الإسناد.



المطلب الثاني: المسائل الفقهية، وتحته ست مسائل:



المسألة الأولى: حكم الأخذ من الشعر والأظفار لمن أراد الأضحية.



المسألة الثانية: حكم الأخذ من الشعر والأظفار لمن كان يضحَّى عنه.



المسألة الثالثة: حكم الأخذ من الشعر والأظفار لمن أراد الأضحية والإحرام معًا.



المسألة الرابعة: وقت النهي عن الأخذ من الشعر والأظفار، ووقت جوازه.



المسألة الخامسة: حكم الفدية لمخالفة النهي.



المسألة السادسة: حكم الأضحية.



المطلب الثالث: المسائل الأصولية، وتحته مسألتان:



المسألة الأولى: نقض الاستدلال بعمل أهل المدينة.



المسألة الثانية: العمل بأقوال الصحابة



المطلب الرابع: الفوائد والحِكَم، وتحته ثلاث مسائل:



المسألة الأولى: الحكمة من النهي.



المسألة الثانية: احتجاج العوام بأقوال العلماء.



المسألة الثالثة: التلطف مع السائل.







خاتمة.







منهج البحث:



انتهجت في بحثي منهجًا أبيِّنه في النقاط التالية:



1- استفرغتُ وسعي في تخريج الحديث، وجمع طرقه، وحاولت استقصاء المصادر التي خرَّجته متقدِّمها ومتأخرها.



2- عَمَدتُ في دراسة الأسانيد إلى تحرير الخلاف الأدنى، ثم أخذ الراجح منه، واعتماده في تحرير الخلاف الأعلى.



3- اختصرتُ الكلام على الرواة إذا كان المقام يحتمل الاختصار، وعزوت إلى تهذيب الكمال أو تهذيبه، وإن كان المقام يفتقر إلى التفصيل؛ نقلتُ أقوال الأئمة، وعزوت إلى أحد المصدرَين المذكورَين، إلا أن أكون نقلتُ عن غيرهما، فأذكره.



4- سِرتُ على منهج بيان الخلاف والعلل والترجيح أولاً، وإعقاب ذلك بنقل أقوال الأئمة الموافقة والمعارضة، ومناقشتها والنظر فيها.



5- لم أشرح كافة ألفاظ الحديث، واقتصرتُ على الغريب منها.



6- توسَّعتُ في المسألة الرئيسة التي دلَّ عليها الحديث (حكم الأخذ من الشعر والأظفار لمن أراد الأضحية)، واستطردتُ بذكر الخلاف أقوالاً وأدلةً ومناقشات، ثم رجَّحتُ فيها.







واقتصرتُ في باقي المسائل المستنبطة من الحديث على ذكر مَن‍زع استنباطها ووجهه، والمناقشات عليه، والأجوبة عنها -إن وُجد جميع ذلك-، وإن ذكرتُ الخلاف والأقوال؛ فأذكر ذلك دون استطرادٍ وتوسُّع؛ لكون ذلك يطول جدًّا، ولأن المقصود: الكلام على هذا الحديث خاصةً؛ بحثًا تحليليًّا، فالتوسُّع فيه حقٌّ للمسألة الرئيسة، وأما بقية المسائل؛ فموضع التوسُّع في بحثها: الشروح الموضوعية، والدراسات الفقهية.







وهذا أوان الشروع في المقصود، والله -سبحانه وتعالى- المعين، وهو المسؤول أن يسدِّد ويوفِّق للصواب.







الفصل الأول



دراسة الحديث روايةً



المبحث الأول: متن الحديث



جاء الحديث -كما سيتبين- من أوجه وطرق مختلفة، وتعددت -بسبب ذلك- ألفاظه، فمنها:



1. «إذا دخل العشر، فأراد أحدكم أن يضحي؛ فلا يَمَسَّ من شعره ولا من بشره شيئًا».



2. «من كان يريد أن يذبح؛ فإذا أهلَّ هلال ذي الحجة؛ فلا يمسَّ من شعره ولا ظفره شيئًا حتى يضحي».



3. «من أهلَّ ذو الحجة وله ذِبْح يريد أن يذبحه؛ فليمسك عن شعره وأظفاره»



4. «إذا دخل عشر ذي الحجة، واشترى الرجل أضحيته، فسمَّاها؛ فلا يأخذ من شعره وأظفاره».



5. «من أراد الثَّج، فدخلت أيام العشر؛ فلا يأخذ من شعره ولا أظفاره».



6. «إذا دخلت العشر؛ فلا تأخذ من شعرك ولا من أظفارك حتى تذبح أضحيتك».



7. «من كان يضحَّى عنه، فهلَّ هلال ذي الحجة؛ فلا يأخذ من شعره شيئًا حتى يضحى».



8. وورد في بعض طرقه قصة، قال عمرو بن مسلم: دخلنا الحمام في عشر الأضحى، وإذا بعضهم قد اطَّلى، فقال بعض أهل الحمام: إن سعيد بن المسيب يكره هذا -أو: ينهى عنه-، فخرجت، فأتيت سعيد بن المسيب، فذكرت ذلك له، فقال: يا ابن أخي، هذا حديثٌ قد نُسِي وتُرك؛ حدثتني أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: «من كان يريد أن يذبح...» الحديث.







يتلوه -بعون الله-: مطلع المبحث الثاني: تخريج أوجه الحديث، ودراسة الاختلاف فيها.







[1] جامع العلوم والحكم، لابن رجب (1/53).



[2] انظر في الشروح الحديثية المفردة كتاب: «التعريف بما أفرد من الأحاديث بالتصنيف»، ليوسف العتيق.



[3] منشور على الشبكة العالمية (الإنترنت)، ولم يتبين لي مصدره -إن كان منشورًا في مصدرٍ معتمد-.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17-02-2020, 03:47 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حديث النهي عن الأخذ من الشعر والأظفار للمضحي، رواية ودراية

حديث النهي عن الأخذ من الشعر والأظفار للمضحي، رواية ودراية (2/6)
محمد بن عبدالله السريِّع




توطئة:
مضى في الحلقة السابقة افتتاح البحث، وتمهيد في أهمية الحديث، ومنهج البحث، ولمحةٌ عن ألفاظه التي روي بها، وفي هذه الحلقة أشرع في تخريج أوجه الحديث، ودراسة الاختلاف فيها.

المبحث الثاني

تخريج أوجه الحديث، ودراسة الاختلاف فيها

جاء حديث أم سلمة -رضي الله عنها- من أوجه وطرق متعددة، ووقعت فيه اختلافاتٌ إسناديةٌ كثيرة، ولهذا ذكره الحاكم في الأبواب التي يجمعها أصحاب الحديث، وجَمَعَها هو، وذاكر ببعضها جماعةً من أئمة الحديث[1]. وخلاصة طرق الحديث وأوجهه إجمالاً كما يلي:

الطريق الأولى: طريق سعيد بن المسيب، عن أم سلمة -رضي الله عنها-:
وهي أشهر الطرق وأكثرها روايةً وتخريجًا، وفيها عدة اختلافات، وجاءت عن سعيد من طريق اثني عشر راويًا:
1- عبدالرحمن بن حميد بن عبدالرحمن بن عوف، عن سعيد بن المسيب، عن أم سلمة؛ مرفوعًا وموقوفًا.
2- عمر -أو: عمرو- بن مسلم ابن أكيمة الجندعي الليثي، عن سعيد بن المسيب، عن أم سلمة؛ مرفوعًا وموقوفًا.
3- الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أم سلمة؛ مرفوعًا.
4- قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ موقوفًا.
5- عثمان الأحلافي، عن سعيد بن المسيب؛ مقطوعًا.
6- عبدالرحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيب؛ مقطوعًا.
7- عبدالله بن محمد بن عقيل، عن سعيد بن المسيب؛ مرسلاً.
8- شعبة بن عبدالرحمن المدني، عن سعيد بن المسيب؛ بصيغة: «كان يُكرَه».
9- يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب؛ مرفوعًا.
10- غيلان الفارسي، عن سعيد بن المسيب؛ مرفوعًا.
11- يزيد بن عبدالله بن قسيط، عن سعيد بن المسيب؛ موقوفًا.
12- صالح بن حسان؛ عن سعيد بن المسيب؛ مقطوعًا.

الطريق الثانية: طريق أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن أم سلمة -رضي الله عنها-؛ مرفوعًا وموقوفًا.

الطريق الثالثة: طريق امرأة، عن أم سلمة -رضي الله عنها-؛ موقوفًا.

وفيما يلي تفصيل تخريج كل ذلك، ودراسة الاختلاف فيه.

المطلب الأول

طريق سعيد بن المسيب، عن أم سلمة -رضي الله عنها-

جاء الحديث عن سعيد من طرق:
1- عبدالرحمن بن حميد بن عبدالرحمن بن عوف، عن سعيد بن المسيب:
التخريج:
أخرجه الشافعي في اختلاف الحديث (10/157-ضمن الأم) -ومن طريقه البيهقي في الكبرى (9/263)، ومعرفة السنن والآثار (14/14، 15، 21)-، والحميدي في مسنده (293) -ومن طريقه أبو عوانة في مستخرجه (7788)، والبيهقي في شعب الإيمان (6948)-، وإسحاق بن راهويه في مسنده (1815) -وعنه مسلم في صحيحه (1977)-، وأحمد في مسنده (6/289) -ومن طريقه ابن البخاري في مشيخته (92)، وابن عساكر في معجمه (655)-، والدارمي في سننه (1948) عن محمد بن أحمد بن أبي خلف، ومسلم (1977)، والبيهقي في الكبرى (9/266)، والشعب (6948)؛ من طريق ابن أبي عمر، وابن ماجه في سننه (3149) عن هارون بن عبدالله الحمال، والنسائي في المجتبى (7/212)، والكبرى (4438)؛ عن عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن الزهري، وأبو عوانة (7787)، وابن عساكر في الأربعين من المساواة (31)؛ من طريق علي بن حرب، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (5511) عن عبدالغني بن أبي عقيل، و(5512) من طريق إسحاق بن إسماعيل الطالقاني، والطبراني في الكبير (23/267) من طريق سعيد بن منصور؛ الاثنا عشر راويًا (الشافعي، والحميدي، وابن راهويه، وأحمد، وابن أبي خلف، وابن أبي عمر، وهارون الحمال، وعبدالله بن محمد الزهري، وعلي بن حرب، وابن أبي عقيل، والطالقاني، وسعيد بن منصور) عن سفيان بن عيينة،
والأثرم -كما نقل ابن عبدالبر في التمهيد (17/236)- عن أحمد بن حنبل، قال: رواه يحيى بن سعيد القطان، وعلَّقه عنه الدارقطني في العلل -كما نقل ابن القيم في تهذيب السنن (7/346)-،
والطحاوي في شرح المشكل (5512) عن يونس، عن ابن وهب، عن أبي ضمرة أنس بن عياض،
والفاكهي في حديثه عن ابن أبي مسرة (85)، وأبو طاهر المخلص في المخلصيات (189) عن أبي بكر عبدالله بن محمد بن زياد النيسابوري؛ كلاهما (الفاكهي، والنيسابوري) عن ابن أبي مسرة، عن إبراهيم بن عمرو بن أبي صالح، عن مسلم بن خالد الزنجي، عن عبدالرحمن -وفي رواية النيسابوري: عبدالرحيم- بن عمر،
والدارقطني في العلل -كما نقل ابن القيم في تهذيب السنن (7/346)- معلَّقًا عن عبدالله بن عامر الأسلمي،
خمستهم (سفيان بن عيينة، ويحيى القطان، وأنس بن عياض، وعبدالرحمن بن عمر، وعبدالله بن عامر) عن عبدالرحمن بن حميد بن عبدالرحمن بن عوف، عن سعيد بن المسيب، عن أم سلمة، قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا دخل العشر، فأراد أحدكم أن يضحي؛ فلا يَمَسَّ من شعره ولا من بشره شَيئًا»، لفظ الشافعي عن ابن عيينة، وللباقين نحوه، وأبدل ابن أبي خلف عن ابن عيينة «بشره» بـ: «أظفاره»، ولم يُسَق لفظ القطان وعبدالله بن عامر الأسلمي.

إلا أن: يحيى بن سعيد القطان، وأنس بن عياض، وعبدالله بن عامر الأسلمي؛ أوقفوه على أم سلمة.

وجاء في رواية عبدالغني بن أبي عقيل عن ابن عيينة: «عن أم سلمة؛ روايةً: «إذا دخل العشر...».

وزاد الحميدي وابن أبي عمر بعد روايتهما عن سفيان بن عيينة: قيل لسفيان: فإن بعضهم لا يرفعه؟ قال: «لكني أنا أرفعه».

دراسة الأسانيد:
اختُلف في هذا الحديث عن عبدالرحمن بن حميد:
فرواه عنه: سفيان بن عيينة، وعبدالرحمن -أو: عبدالرحيم- بن عمر؛ مرفوعًا،
ورواه عنه: يحيى بن سعيد القطان، وأنس بن عياض، وعبدالله بن عامر؛ موقوفًا.

ولم أجد عن ابن عيينة اختلافًا، وأما ما جاء في رواية عبدالغني بن أبي عقيل عنه؛ من قوله: «عن أم سلمة؛ روايةً»؛ فمجيء هذه الكلمة عن الصحابي في معنى إسناده الحديثَ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، ورفعه إياه إليه، وروايته إياه عنه[2]، وهذا موافقٌ لرواية الناس عن ابن عيينة.

وأما عبدالرحمن - أو: عبدالرحيم- بن عمر؛ فقد ذكره العقيلي في الضعفاء، وذكر له حديثًا رواه عن الزهري غير محفوظ[3]، ولم أجد فيه غير هذا، والراوي إذا كان غير مشهور، ثم تفرد بما لا يحفظ عن الأئمة؛ كان ضعيفًا، إن لم يكن منكر الحديث، قيل لشعبة: متى يُترك حديث الرجل؟ قال: «إذا روى عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون فأكثر»[4]، وقال مسلم: «فأما من تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره، أو لمثل هشام بن عروة؛ وحديثهما عند أهل العلم مبسوطٌ مشترك؛ قد نقل أصحابُهما عنهما حديثَهما على الاتفاق منهم في أكثره، فيَروي عنهما أو عن أحدهما العددَ من الحديث مما لا يعرفه أحدٌ من أصحابهما، وليس ممن قد شاركهم في الصحيح مما عندهم؛ فغير جائز قبولُ حديث هذا الضرب من الناس»[5].

وفي الإسناد إلى عبدالرحمن: إبراهيم بن عمرو بن صالح، تفرد بهذه الرواية، وتفرد بإسنادٍ آخر للحديث، وروى للحديث إسنادًا ثالثًا توبع عليه -كما سيأتي-، وهو مترجمٌ عند ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً[6]، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: «يخطئ»[7]، والأظهر أن انفراده بمثل ذلك، وروايته الحديثَ على ثلاثة أوجه= مما لا يحتمل منه.

ورواية القطان علَّقها الدارقطني جازمًا بها، وأتت في سياقٍ كلامٍ للإمام أحمد بن حنبل في تعارُض ظاهر هذا الحديث مع حديثٍ آخر، جاء فيه: «فذكرته ليحيى بن سعيد، فقال يحيى: «ذاك له وجه، وهذا له وجه...»»، ثم ساق -بعدُ- رواية ابن عيينة، وعقبها بقوله: «وقد رواه يحيى بن سعيد القطان عن عبدالرحمن بن حميد هكذا، ولكنه وقفه على أم سلمة»[8].

وهذا السياق يبين أن أحمد راجع القطان في الحديث، وأخذ عنه فيه، فمن القريب جدًّا أنه قد تحمَّل الرواية الموقوفة عنه.

وقول أحمد: «رواه يحيى» هو روايةٌ بصيغةٍ محتملةٍ عن شيخٍ له قد سمع منه، وليس أحمد بالمدلس؛ فتحمل على السماع، كما في قول البخاري: «قال فلان» من شيوخه، وغير ذلك.

فصحَّت هذه الرواية عن يحيى.

وأما رواية عبدالله بن عامر؛ فلم أجدها موصولة، والرجل ضعيف[9].

ومن ثم؛ فالخلاف المؤثر هو القائم بين ابن عيينة في جهة، ويحيى القطان وأنس بن عياض في جهة.

ومما يؤيد رواية ابن عيينة -سوى ثقته وجلالته-: أنه كان متوثِّقًا من روايته، ولما عُورض بأن غيره وقفه؛ قال: «لكني أنا أرفعه».

ومما يؤيد الوجه الآخر: اتفاق يحيى القطان -الحافظ- وأنس بن عياض -الثقة- عليه، وهما أكثر من انفراد سفيان، وكون أنس بن عياض مدنيًّا كالشيخ في هذه الرواية: عبدالرحمن بن حميد، واتفاق البلد أدعى إلى صحة الرواية.

فأما ثقة سفيان وحفظه؛ فمما لا شكَّ فيه، إلا أنه كان يُذكر بالوهم والخطأ؛ خاصة بعد تغير حفظه، خلاف يحيى القطان الثقة المتقن الحافظ، وهو وإن كان أخطأ في أحاديث معدودة[10]؛ إلا أنه أتقن -فيما يظهر- من ابن عيينة، فكيف وقد وافقه أحد الثقات من بلديِّي الشيخ المختلَف عنه؟


وأما توثُّق ابن عيينة من روايته، وتأكيده عليها؛ فإنه ليس بمستلزمٍ أنها على الصواب، فقد يروي الراوي الحديثَ متوثِّقًا منه، ولكنه يكون في حقيقة الأمر مخطئًا.

وقد حصل هذا من ابن عيينة نفسِه في حديثٍ آخر، فروى العباس بن يزيد عنه، عن ابن عجلان، عن عياض بن عبدالله بن أبي سرح، أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: «ما أخرجنا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا صاعًا من دقيق، أو صاعًا من تمر...»، الحديث. قال العباس: فقال له علي بن المديني: يا أبا محمد؛ أحدٌ لا يذكر في هذا: «الدقيق»! قال: «بلى، هو فيه»[11].

فكان ابن عيينة متوثِّقًا من روايته، وأكَّدها، ثم وردت روايةٌ أنه شكَّ في لفظها[12]، ثم تركها أخيرًا؛ قال حامد بن يحيى: «فأنكروا عليه «الدقيق»، فتَرَكه سفيان»[13].

فتوثُّق الراوي من روايته وتأكيده لها لا يفيد أنها صوابٌ على كل حال.

فالأرجح في هذا الحديث -والله أعلم-: ما اتفق عليه يحيى القطان، وأنس بن عياض؛ من وقف الحديث على أم سلمة -رضي الله عنها-.

وقد أسند الطحاوي روايةَ ابن عيينة، ثم أسند رواية أنس بن عياض، وقال: «فلم يكن هذا عندنا بمضادٍّ لهذا الحديث، ولا مقصرًا به عما رواه ابن عيينة عليه؛ لأن أنسًا وإن قصَّر به فلم يرفعه، فقد رفعه مَنْ ليس بدونه عن عبدالرحمن بن حميد، وهو سفيان بن عيينة»[14].

وظاهرُ هذا أن الطحاوي لم يقف على رواية يحيى القطان، وهو أثبت من ابن عيينة، وروايته - ورواية أنسِ بن عياض- أولى بالترجيح.

2- عمر - أو: عمرو- بن مسلم ابن أكيمة الجندعي الليثي، عن سعيد بن المسيب:
التخريج:
أخرجه إسحاق بن راهويه (1816) -ومن طريقه البيهقي (9/266)- عن النضر بن شميل، وأحمد (6/311)، ومسلم (1977)، وأبو داود (2791)، ويعقوب الفسوي في المعرفة والتاريخ (1/680)، وابن أبي خيثمة في تاريخه (2022/السفر الثالث) -ومن طريقه ابن عبدالبر في التمهيد (17/237)، والاستذكار (15/160)-، وأبو يعلى (6917) -وعنه ابن حبان (5917)-، وأبو عوانة (7783)، والطحاوي في شرح المشكل (5513)، والمخلص في المخلصيات (183)، والبيهقي في الشعب (6949)، والخطيب في موضح أوهام الجمع والتفريق (2/287)، والمتفق والمفترق (1186)، وابن الجوزي في مثير العزم الساكن (176)، والضياء في المنتقى من مسموعات مرو (585/مخطوط)؛ من طريق معاذ بن معاذ العنبري، وهشام بن عمار في حديثه (143) عن سعيد بن يحيى، ومسلم (1977) من طريق أبي أسامة حماد بن أسامة، وأبو يعلى (6910)، والطبراني في الكبير (23/387)؛ من طريق محمد بن أبي عدي، وأبو عوانة (7784) من طريق محمد بن عبدالله الأنصاري، وابن حبان (5918) من طريق عبدة بن سليمان، وأبو نعيم -ومن طريقه ابن حجر في الأمالي المطلقة (ص13)- من طريق سفيان بن حبيب؛ ثمانيتهم (النضر، ومعاذ بن معاذ، وسعيد بن يحيى، وأبو أسامة، وابن أبي عدي، والأنصاري، وعبدة، وسفيان بن حبيب) عن محمد بن عمرو بن علقمة،
وأحمد (6/301) من طريق عبدالله بن لهيعة، ومسلم (1977)، وأبو عوانة (7785)، وابن حبان (5897)؛ من طريق حيوة بن شريح، والدارمي (1947)، والفسوي في المعرفة والتاريخ (1/680)، والنسائي في المجتبى (7/212)، والكبرى (4436)، وأبو عوانة (7786)، والطحاوي في شرح المعاني (4/181)، وشرح المشكل (5510)، والطبراني في الكبير (23/266)، والمخلص في المخلصيات (187)، والخطيب في المتفق والمفترق (1185)؛ من طريق الليث بن سعد؛ كلاهما (حيوة، والليث) عن خالد بن يزيد؛ كلاهما (ابن لهيعة، وخالد بن يزيد) عن سعيد بن أبي هلال،
وأحمد (6/311) -ومن طريقه أبو عوانة (7782)، والحاكم (4/220)-، ومسلم (1977)، والترمذي (1523)، وابن مخلد فيما رواه الأكابر عن مالك (18)؛ من طريق محمد بن جعفر[15] غندر، ومسلم (1977) -ومن طريقه ابن الجوزي في التحقيق (1365)-، وابن ماجه (3150)، وأبو عوانة (7780)، والطحاوي في شرح المشكل (5506)، وابن مخلد فيما رواه الأكابر عن مالك (17) -ومن طريقه الذهبي في سير أعلام النبلاء (8/118)-، وابن حبان في صحيحه (5916)، والدارقطني في سننه (4/278)، وأبو طاهر المخلص في المخلصيات (184)، والحاكم (4/220)، وابن شاذان في مشيخته (3) -ومن طريقه الخطيب في تالي تلخيص المتشابه (260)، وابن الجوزي في مثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن (175)-، والبيهقي في الكبرى (9/266)، ومعرفة السنن (14/21)، والشعب (6950)، وفضائل الأوقات (214)، والخلعي في فوائده (232/مخطوط)، وابن طولون في الأحاديث المائة (64)؛ جميعهم من طريق يحيى بن كثير بن درهم، وابن ماجه (3150) من طريق سلم بن قتيبة، ومحمد بن بكر البرساني، والنسائي في المجتبى (7/211)، والكبرى (4435)؛ من طريق النضر بن شميل، وأبو يعلى (6911)، وأبو عوانة (7781)، وابن المنذر في الإقناع (127)، والطحاوي في شرح المعاني (4/181)، وشرح المشكل (5507)، وابن الأعرابي في معجمه (1736)، والمخلص في المخلصيات (185)؛ من طريق بشر بن ثابت، وابن مخلد فيما رواه الأكابر عن مالك (19) -ومن طريقه الخطيب في موضح أوهام الجمع والتفريق (2/287)، والذهبي في تاريخ الإسلام (وفيات 621-630، ص134، 135)-، والطبراني في الكبير (23/266) -ومن طريقه أبو موسى المديني في اللطائف (195)-؛ من طريق عمرو بن حكام، وابن نصر الدمشقي في فوائده (34)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (22/159)؛ من طريق سويد بن عبدالعزيز، وابن عبدالبر في الاستذكار (11/185) من طريق بشر بن عمر، والطيوري في الطيوريات (1) من طريق عمران بن أبان؛ عشرتهم (غندر، ويحيى بن كثير، وسلم بن قتيبة، ومحمد بن بكر، والنضر بن شميل، وبشر بن ثابت، وعمرو بن حكام، وسويد بن عبدالعزيز، وبشر بن عمر، وعمران بن أبان) عن شعبة بن الحجاج، والطحاوي في شرح المعاني (4/182)، وشرح المشكل (5508)، والمخلص في المخلصيات (186) عن عبدالله بن محمد بن زياد النيسابوري؛ كلاهما (الطحاوي، والنيسابوري) عن يونس بن عبدالأعلى، والخطيب في أسماء من روى عن مالك -كما نقل العراقي في شرحه على الترمذي (ق48ب)-، وأبو موسى المديني في اللطائف (ص123)؛ معلَّقًا عن عثمان بن صالح؛ كلاهما (يونس، وعثمان) عن عبدالله بن وهب، والطحاوي في شرح المعاني (4/182)، وشرح المشكل (5509)؛ عن إبراهيم بن مرزوق، عن عثمان بن عمر بن فارس، والطبراني في الكبير (23/266) -ومن طريقه المزي في تهذيب الكمال (22/241، 242)-، وابن عبدالبر في الاستذكار (11/184، 185)؛ من طريق بكر بن سهل، عن عبدالله بن يوسف التنيسي، والطبراني في الكبير (23/266) -ومن طريقه المزي في تهذيب الكمال (22/241، 242)- عن علي بن عبدالعزيز، عن القعنبي، والدارقطني في غرائب مالك -كما نقل ابن حجر في لسان الميزان (4/173)- من طريق سليمان بن محمد بن الفضل، عن أبي مصعب الزهري؛ ستتهم (شعبة، وابن وهب، وعثمان بن عمر، والتنيسي، والقعنبي، وأبو مصعب) عن مالك بن أنس،
ثلاثتهم (محمد بن عمرو بن علقمة، وسعيد بن أبي هلال، ومالك بن أنس) عن عمر -أو عمرو- بن مسلم الجندعي الليثي، عن سعيد بن المسيب، عن أم سلمة، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: «من كان يريد أن يذبح؛ فإذا أهلَّ هلال ذي الحجة؛ فلا يمسَّ من شعره ولا ظفره شيئًا حتى يضحي»، لفظ النضر بن شميل، عن محمد بن عمرو بن علقمة.

وقد اختلف الرواة في دقائق ألفاظ هذه الرواية، إلا أنهم نَحَو نحوًا واحدًا، والمعنى متقارب.

وذكر محمد بن عمرو بن علقمة في روايته عن شيخه قصة؛ قال: دخلنا الحمام في عشر الأضحى، وإذا بعضهم قد اطَّلى، فقال بعض أهل الحمام: إن سعيد بن المسيب يكره هذا -أو: ينهى عنه-، فخرجت، فأتيت سعيد بن المسيب، فذكرت ذلك له، فقال: يا ابن أخي، هذا حديثٌ قد نُسِي وتُرك؛ حدثتني أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: «من كان يريد أن يذبح...» الحديث.

كما اختَلَف الرواة واختُلف عنهم في اسم الشيخ الذي دارت عليه الرواية؛ بين «عمر» و«عمرو»، بل ربما اختلف الاسم في الرواية الواحدة إذا خرِّجت في مصدرَين، وسمِّي في أكثر الروايات عن محمد بن عمرو بن علقمة: «عمرو»، وفي أكثرها عن سعيد بن أبي هلال: «عمر»، وأما مالك؛ فكان شعبة -كما في رواية غندر عنه- يشك بين «عمر» و«عمرو»، ولم يتبين من الروايات الأخرى أحد القولين عن مالك.

إلا أن: ابن وهب - في رواية يونس بن عبدالأعلى عنه-، وعثمان بن عمر بن فارس؛ أوقفا الحديث عن مالك على أم سلمة.

وزاد عمران بن أبان على الرواة عن شعبة -عقب روايته عنه-: سألت مالك بن أنس عنه -يعني: الحديث-، فقال: «ليس من حديثي»، فقلت لجلسائه: حدَّثَنا بهذا الحديث إمامُ العراق؛ شعبةُ عنه، ويقول: «ليس هو من حديثي»! فقالوا: إنه إذا لم يأخذ بالحديث؛ قال: «ليس من حديثي».

تنبيـه:
جاء في معجم الطبراني الكبير (23/387) تحت باب: «حميد بن عبد الرحمن عن أم سلمة»: «حدثنا إسماعيل بن الحسن الخفاف، ثنا أحمد بن صالح، ثنا ابن وهب، أخبرني مخرمة، عن أبيه، قال: سمعت عبدالله بن مسلم، يقول: سمعت محمد بن مسلم الحديث ح،
وحدثنا محمد بن صالح النرسي، ثنا نصر بن علي، ثنا ابن أبي عدي، عن محمد بن عمر[و]، عن عمرو بن مسلم، عن سعيد بن المسيب، عن أم سلمة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من أهلَّ ذا الحجة وله ذبح يريد أن يذبحه؛ فليمسك عن شعره وأظفاره».

وهذا ظاهرُ الإشكال من حيث إن الباب في رواية حميد بن عبدالرحمن عن أم سلمة، والحديث من رواية سعيد بن المسيب عنها.

لكن تبيَّن أنه وقع فيه سقط؛ فقد أخرج الطبراني في موضع آخر من الكبير (3/139)، قال: «حدثنا إسماعيل بن الحسن الخفاف، ثنا أحمد بن صالح، ثنا ابن وهب، أخبرني مخرمة بن بكير، عن أبيه، قال: سمعت عبدالله بن مسلم يقول: سمعت محمد بن مسلم يقول: سمعت حميد بن عبدالرحمن يقول: سمعت أم سلمة تقول: قيل: يا رسول الله، أين أنت من بنت حمزة؟ أو قيل: ألا تخطب بنت حمزة؟ قال: «حمزة أخي من الرضاعة».

وهذا هو الحديث المراد في ذلك الموضع؛ فإسناده موافقٌ لترجمة (حميد، عن أم سلمة)، وموافقٌ تمامًا للإسناد الذي ساقه الطبراني هناك.

والحديث مشهورٌ من حديث ابن وهب، عن مخرمة، به، ولم أجد بهذا الإسناد غير هذا الحديث، وقد أخرجه ابن سعد في الطبقات (1/109)، ومسلم (1448)، ومحمد بن نصر في السنة (297)، وأبو عوانة في مستخرجه (4398)، والطبراني في الأوسط (6475)، والصغير (1005)؛ كلهم من طريق عبدالله بن وهب، به. وقال الطبراني في الأوسط والصغير: «لم يروِ هذا الحديثَ عن الزهري إلا أخوه، ولا روى عن أخيه إلا بكير بن عبدالله، ولا رواه عن بكير إلا مخرمة، تفرد به ابن وهب».

ولم أجد بهذا الإسناد روايةً لحديث اجتناب الشعر والظفر في الأضحية البتة، مما يدلُّ -بضميمة ما سبق- على خطأ روايته به في ذلك الموضع.

فالظاهر أن الطبراني أسند حديث بنت حمزة في تلك الترجمة، ثم انتقل إلى ترجمة أخرى، وسقط ذلك، والله أعلم.

دراسة الأسانيد:
اختُلف في هذه الروايات -كما سبقت الإشارة- في تسمية ابن مسلم الليثي، وقد قال الترمذي: «والصحيح هو عمرو بن مسلم»، وهو ما اعتمده أصحاب التراجم؛ كالبخاري، وابن أبي حاتم، ثم المزي، ومن تبعه[16]، وإن كانوا أشاروا إلى الخلاف في اسمه.

وقد روى الحديثَ عن عمرو بن مسلم ثلاثةٌ: محمد بن عمرو بن علقمة، وسعيد بن أبي هلال، ومالك بن أنس.

والرواية عن الأولَين صحيحة، ولم أجد عنهما اختلافًا في الوجه الإسنادي.

وأما رواية مالك؛ فقد اختُلف عنه:
فرواه عنه: شعبة، وابن وهب -من رواية عثمان بن صالح عنه-، وعبدالله بن يوسف التنيسي -من رواية بكر بن سهل عنه-، والقعنبي، وأبو مصعب الزهري -من رواية سليمان بن محمد بن الفضل عنه-؛ مرفوعًا،
ورواه عنه: ابن وهب -من رواية يونس بن عبدالأعلى عنه-، وعثمان بن عمر بن فارس؛ موقوفًا.
فأما رواية عثمان بن صالح عن ابن وهب؛ فلم أجدها مسندة، وعثمان صدوق، وقد تكلَّم فيه أحمد بن صالح المصري بلديُّه، وكان بُلي بصحبة خالد بن نجيح والسماع من إملائه؛ فكانت تدخل الأحاديثُ المنكرةُ عليه[17].

والصحيح عن ابن وهب: الوقف، ويونس بن عبدالأعلى من الحفاظ الثقات[18].

وأما رواية بكر بن سهل عن التنيسي؛ فبكر ضعيف، ضعَّفه النسائي، وذكر مسلمة بن القاسم أن الناس تكلموا فيه وضعَّفوه لأجل حديثٍ رواه[19]. فلا يثبت الحديثُ عن التنيسي، وليس هو بعمدة.

وأما رواية القعنبي؛ فقد كان الطبراني أسندها عن علي بن عبدالعزيز، عن القعنبي؛ ثم حوَّل الإسناد، فأسند رواية بكر بن سهل، عن التنيسي، ثم ساقه، فقرن هاتين الروايتين ببعضهما.

وقرن الروايات من المظانّ القوية لحمل بعضها على بعض، وقد كان الطبراني يكثر من قرن الروايات، ويسوقها مساقًا واحدًا، وقد توجد عند غيره على التفصيل ببعض المغايرة.

ولعل الطبراني يعتمد في سياقة الإسناد: آخر الروايتين المقرونتين، وهي هنا رواية بكر بن سهل.

ومن ثم؛ فلا يمكن اعتماد رواية القعنبي المرفوعة، خاصةً أنها في مخالفة رواية عبدالله بن وهب الحافظ الإمام، وخاصَّةً مع ما سيأتي من تصرف الطحاوي والدارقطني.

وأما رواية أبي مصعب، فقد قال الدارقطني في سليمان بن محمد بن الفضل راويها: «تفرد به عن أبي مصعب»[20]، وسليمان هذا ضعفه الدارقطني، وقال أبو أحمد الحاكم: «حديثه ليس بالقائم»[21]، فتفرده عن أبي مصعب الزهري -في شهرة حديثه ورواية الناس لموطئه- محل نكارة.

وعلى ذلك؛ فالظاهر أنه لا يصح الاعتماد من الروايات المرفوعة إلا على رواية شعبة بن الحجاج.

وهذا ما حكم به الطحاوي، فقال: «حديث أم سلمة هذا -رواية مالك، عن عمرو بن مسلم، عن سعيد بن المسيب، عن أم سلمة-؛ رواه ابن وهب وعثمان بن عمر عن مالك؛ موقوفًا على أم سلمة، ورواه شعبة عن مالك، عن عمرو بن مسلم، عن سعيد بن المسيب، عن أم سلمة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلم يرفعه عن مالك أحدٌ غيرُ شعبة»[22].

وأشار إلى ذلك ابنُ عبدالبر، فقال -في الكلام على شيخ مالك-: «يقول فيه شعبةُ وبعض أصحاب مالك، عن مالك: «عمرو بن مسلم»، وكذلك قال فيه: سعيد بن المسيب، عن أم سلمة، عن النبي عليه السلام-، وقال فيه ابن وهب: عن مالك، عن عمرو بن مسلم، وتابعه جماعةٌ من أصحاب مالك»[23]، فتنصيص ابن عبدالبر على أن شعبة ذكر فيه النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-، ثم تعقيبه برواية ابن وهب (وهي موقوفة)= إشارةٌ إلى أن رواية شعبة امتازت بالرفع وانفردت به دون غيرها.

وهذه الرواية من مشهور حديث شعبة[24]، وقد تكاثر الناس على روايتها، وعدوها من لطائف الأسانيد؛ لكون شعبة يرويها عن مالك وهو من أقرانه روايةً؛ وإن كان أكبر منه سنًّا.

وقد نظر الطحاوي في هذا الاختلاف؛ فقال: «هكذا روى شعبةُ هذا الحديثَ عن مالك، وقد رواه غيرُه عن مالك، فخالفه في ابن مسلم...، وأوقفه على أم سلمة، ولم يتجاوزها به إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-»، ثم أسند روايتَي ابن وهب وعثمان بن عمر، ثم قال: «فلم يكن هذا عندنا بمفسدٍ لهذا الحديث، ولا مقصّر به عن إطلاق الاحتجاج به، وإضافته إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه وإن كان هذان قد روياه عن مالك موقوفًا؛ فقد رواه من هو أجلُّ منهما عن مالك مرفوعًا»[25]، ولعله عنى به: شعبة بن الحجاج.

ولا شكَّ في ثقة شعبة وجلالته وتثبُّته، إلا أنه يشوب روايتَه هذه أمور:
أولها: أنها من رواية الأقران، وضبط الراوي لحديث قرينه ليس كضبطه لحديث شيوخه، أو كضبط أصحاب ذلك القرين لحديث شيخهم.
وذلك أن الراوي قد يستفيد الحديث من قرينه لا على وجه التثبُّت والتحفُّظ الذي يأخذه بطريقِهِ أصحابُه وتلامذتُه؛ لأن الغالب بين الأقران المذاكرة والمدارسة والاستفادة، لا التحمُّل والرواية الجارية على أصولها الدقيقة.
ثانيها: أنه قد خالفه في هذه الرواية اثنان، واجتماع الاثنين أقوى من انفراد الواحد.
ثالثها: أنه خالفه في روايته: عبدالله بن وهب، وهو الحافظ الثقة، وكان من مقدَّمي أصحاب مالك، والأثبات منهم فيه خاصة، حتى قيل: إن الناس يختلفون في الشيء عن مالك، فينتظرون ابن وهب، فيسألونه عنه، وذُكر أنه لازم مالكًا أكثر من ثلاثين سنة.

ومثل هذا سيكون أحفظ لحديث مالك وأتقن له من بعض أصحاب مالك، فكيف بقرينِهِ الذي لعله التقاه مرارًا معدودة؟


وقد أضاف الطحاوي قرينةً لترجيح رواية شعبة؛ هي أنه «قد روى هذا الحديثَ -أيضًا- عن عمرو بن مسلم مرفوعًا غيرُ مالك بن أنس، وهو سعيد بن أبي هلال»[26]، يريد: أن مالكًا توبع على ما رواه شعبة، إلا أن هذه القرينة إنما تستعمل حال تقارُب الأوجه في الخلاف، والقرائن الداخلية أولى بالتقديم من القرائن الخارجية -كهذه القرينة-.

ومثل ذلك: قرينة أن مالكًا كان ربما وقف المرفوع احتياطًا[27]، وهذا معروفٌ من منهج مالك، إلا أنه لا بدَّ للقول به من ظهور صحة الرفع، ودلالة القرائن عليها، قال ابن حبان: «وهذه كانت عادةً لمالك؛ يرفع في الأحايين الأخبارَ، ويوقفها مرارًا، ويرسلها مرةً، ويسندها أخرى؛ على حسب نشاطه، فالحكم -أبدًا- لمن رفع عنه وأسند، بعد أن يكون ثقةً حافظًا متقنًا»[28]، ففي اشتراط حفظ الرافع وإتقانه إشارةٌ إلى أنه لا بدَّ أن يكون لترجيح رواية الرفع وجهٌ ظاهر، وألاّ يكون الوقف أقوى من الرفع. والحافظ أبو الحسن الدارقطني ممن أعمل هذه القرينة، ووازن بها[29]، إلا أنه هاهنا رجَّح رواية الوقف عن مالك -كما سيأتي قريبًا-، مما يدلُّ على أنه لم يرَها معتبرةً في هذا المقام.

فالأرجح -والله أعلم-: أن مالكًا يرويه عن أم سلمة -رضي الله عنها- موقوفًا، وهذا ما جزم به الدارقطني، قال: «والمحفوظ عن مالك: موقوف»[30].

ومثل هذا الترجيح من هذا الإمام يعضُّ عليه بالنواجذ؛ لما له من عنايةٍ تامَّةٍ بحديث مالك، وموطَّئه، وأصحابه؛ العنايةَ التي تظهر جليَّةً في تصنيفه غيرَ كتابٍ في هذا الخصوص.

وهذا الترجيح مع تلك العناية تدل على أن رواية القعنبي وغيره لا تصح مرفوعةً؛ إذ يبعد جدًّا أن يرجح الدارقطني الوقف ولم يقف عليها، أو يرجحه وهو يراها صحيحة، بل لعله وقف عليها موقوفةً على الصواب؛ فلذا جزم بحكمه، ويقال نحوُ هذا في حكم الطحاوي بتفرد شعبة برفعه عن مالك، والله أعلم.

ومن ثم؛ ينعقد الخلاف على عمرو بن مسلم الليثي:
فرواه عنه: محمد بن عمرو بن علقمة، وسعيد بن أبي هلال؛ مرفوعًا،
ورواه عنه: مالك بن أنس؛ موقوفًا.

والأولان صدوقان، ومحمد بن عمرو أدناهما درجة، وهما لا يدانيان في الحفظ والضبط مالكَ بن أنس الإمام الثقة الثبت.

وربما اعتضدت رواية محمد بن عمرو بن علقمة بحكايته القصة التي كانت سببًا في إيراد سعيد بن المسيب للحديث، إلا أن هذه القرينة ليست بمطَّردة، ولا يصح إعمالها في موضع مخالفة مثل مالك، وقد يكون الراوي ذكر أن سعيد بن المسيب روى ذلك عن أم سلمة، فغلط فيه محمد بن عمرو، ورفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وقد جاءت روايةٌ أصحّ من هذه فيها سؤالُ سعيد بن المسيب عن الحديث، وجوابه إياه بإسناده عن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، دون رفعه، وهذا يدلُّ على أنه لم يكن عنده الحديث مرفوعًا، ويأتي ذلك -إن شاء الله-.

فالراجح هنا: رواية مالك بن أنس؛ بوقف الحديث على أم سلمة -رضي الله عنها-.

وقد جاء في رواية عمران بن أبان عن شعبة، أنه سأل مالكًا عن الحديث، فقال له: «ليس من حديثي»، فاستشكل ذلك، فأبان له أصحاب مالك أنه يقول ذلك إذا لم يأخذ بالحديث.

إلا أن عمران هذا ضعيف، وفي هذا الذي ذكره نظر، قال ابن حجر -بعدما نقل ما سبق-: «كتبت هذا لأني استنكرت هذا من عمران، ولا أعتقد صحة هذا الكلام عن مالك»، ثم ذكر أن الحديث روي عن مالك مرفوعًا وموقوفًا[31]؛ ولعله يشير بذلك إلى أن مالكًا كان يحدث به، ولم ينقل ما نقل عمران عنه أحدٌ من أصحابه الثقات.

يتلوه -إن شاء الله-: تتمة الروايات عن سعيد بن المسيب، عن أم سلمة -رضي الله عنها-.


[1] معرفة علوم الحديث (ص662).

[2] بوَّب الخطيب في الكفاية (ص415)، قال: «باب في قول التابعي عن الصحابي: «يرفع الحديث»، و: «ينميه»، و: «يبلغ به»، و: «رواية»»، ثم قال (ص416): «كل هذه الألفاظ كنايةٌ عن رفع الصحابيِّ الحديثَ، وروايتِه إياه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا يختلف أهل العلم أن الحكم في هذه الأخبار وفيما صُرِّح برفعه سواءٌ في وجوب القبول والتزام العمل»، وانظر: فتح المغيث (1/218، 219).

[3] ضعفاء العقيلي (3/79).

[4] المحدث الفاصل (ص410)، الكفاية (ص142، 145)، وقيد الإكثار لمن كان حديثه كثيرًا، ولا يختلف الأمر إن كان مقلاً، وفَعَلَ ذلك بقِلَّة، بل ربما كان ذلك أشدّ.

[5] مقدمة الصحيح (ص7).

[6] الجرح والتعديل (2/121).

[7] (8/66).

[8] التمهيد (17/236).

[9] انظر: تهذيب التهذيب (2/363، 364).

[10] قال الإمام أحمد -كما في تاريخ بغداد (14/140)-: «ما رأيت أحدًا أقل خطأً من يحيى بن سعيد، ولقد أخطأ في أحاديث».

[11] سنن الدارقطني (2/146).

[12] المجتبى، للنسائي (5/52)، والكبرى (2293).

[13] سنن أبي داود (1618).

[14] شرح مشكل الآثار (14/132).

[15] وقع في مستدرك الحاكم في روايته من طريق أحمد: «محمد بن بكر»، وهو تحريف؛ يصوَّب من إتحاف المهرة (18/108، 110).

[16] انظر: التاريخ الكبير (6/369)، الجرح والتعديل (6/259)، تهذيب الكمال (22/240).

[17] انظر: الجرح والتعديل (3/355)، تهذيب التهذيب (3/63، 64).

[18] انظر: تهذيب التهذيب (4/469، 470).

[19] انظر: لسان الميزان (2/344-346).

[20] لسان الميزان (4/173).

[21] انظر: سؤالات الحاكم للدارقطني (ص118)، تاريخ دمشق (22/364)، والموضع السابق من لسان الميزان.

[22] مختصر اختلاف العلماء (3/231).

[23] الاستذكار (11/184).

[24] نصَّ عليه أبو موسى المديني -في اللطائف (ص123)-.

[25] شرح مشكل الآثار (14/129، 130).

[26] شرح مشكل الآثار (14/130).

[27] احتجَّ بها الشيخ أبو الحسن السليماني في تنوير العينين بأحكام الأضاحي والعيدين (ص331).

[28] الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (11/591).

[29] انظر: علل الدارقطني (6/63، 14/425).

[30] تهذيب السنن، لابن القيم (7/346).

[31] تهذيب التهذيب (3/314).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 17-02-2020, 03:48 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حديث النهي عن الأخذ من الشعر والأظفار للمضحي، رواية ودراية

حديث النهي عن الأخذ من الشعر والأظفار للمضحي، رواية ودراية (3/6)
محمد بن عبدالله السريِّع





توطئة:
مضى في الحلقة السابقة دراسة روايتين من روايات حديث النهي عن الأخذ من الشعر والأظفار؛ مما جاء عن سعيد بن المسيب، عن أم سلمة -رضي الله عنها-، وأُتِمُّ في هذه الحلقة دراسة بقية الروايات عن ابن المسيب.

3- الزهري، عن سعيد بن المسيب:
التخريج:
أخرجه أبو عوانة (7789)، والفاكهي في حديثه عن ابن أبي مسرة (84)، وابن عدي في الكامل (6/310)، والمخلص في المخلصيات (188)؛ من طريق ابن أبي مسرة، عن إبراهيم بن عمرو بن أبي صالح، عن مسلم بن خالد، عن ابن جريج، وأبو نعيم في حلية الأولياء (6/333) من طريق إبراهيم بن حميد الطويل، عن شعبة، عن مالك؛ كلاهما (ابن جريج، ومالك) عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أم سلمة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من أراد أن يضحي؛ فلا يمس من شعره ولا بشره إذا دخلت العشر»، لفظ أبي عوانة، وللباقين نحوه من رواية ابن جريج، ولفظ رواية مالك: «من كان يريد الأضحية؛ فلا يأخذنَّ من شعره، ولا يقلمنَّ أظفاره؛ حتى يضحي».

دراسة الأسانيد:
جاء عن الزهري من طريقين:
إحداهما: إبراهيم بن عمرو بن أبي صالح، عن مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن جريج، عن الزهري:
قال ابن عدي -عقب تخريجها-: «وهذا من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب لا أعرفه إلا من هذا الوجه».

وقد سبق الكلام في إبراهيم بن عمرو بن أبي صالح، وهذا الإسناد مما تفرد به -كما أفادت كلمة ابن عدي-، وإن كان روي عن الزهري من الطريق الأخرى، لكنها لا تنفي التفرد -كما سيأتي-.

وشيخه مسلم بن خالد الزنجي مذكورٌ بكثرة الأوهام، وضعفه غير واحد من الأئمة، وقواه ابن معين وابن عدي - فيما وجدت -؛ على أنهما ذكرا له بعض ما أنكر عليه، ومنه شيءٌ عن ابن جريج - شيخه في هذه الرواية -[1].

وابن جريج من المدلسين، ولم يصرِّح هنا بسماعه من الزهري، وقد قال الذهلي: «وابن جريج إذا قال: «حدثني» و:«سمعت»؛ فهو محتجٌّ بحديثه؛ داخلٌ في الطبقة الأولى من أصحاب الزهري»، وهذا قد يعارض قول ابن معين في ابن جريج: «ليس بشيء في الزهري»، لكن لعل المراد: أنه إذا لم يصرح بسماعه؛ فليس بشيء، وقد روي أنه لم يسمع من الزهري، وإنما أعطاه جزءًا، فكتبه، وأجازه به[2].

ولم يصرح ابن جريج هنا بسماعه من الزهري، فهذه الرواية ضعيفة الإسناد جدًّا؛ لاجتماع عدة علل فيها.

ثانية الطريقين عن الزهري: رواية إبراهيم بن حميد الطويل، عن شعبة، عن مالك، عنه:
قال أبو نعيم -عقبها-: «غريبٌ من حديث شعبة عن مالك عن الزهري، لم نكتبه إلا من حديث إبراهيم».

وإبراهيم بن حميد الطويل وثقه العجلي، وكتب عنه أبو حاتم الرازي، وقال فيه: «ثقة»، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: «يخطئ»[3].

وروايته هذه مما أخطأ فيه؛ فقد تفرد بها عن شعبة، وخالفه عنه عشرة رواة؛ فيهم أوثق أصحاب شعبة: محمد بن جعفر غندر؛ كلهم رووه عن شعبة، عن مالك، عن عمر -أو: عمرو- بن مسلم، عن ابن المسيب، به، وقد سبقت هذه الرواية.

وإذا تقرر أن هذه الرواية غلط؛ فإنها إنما كانت توهُّمًا في ذهن راويها، وليس لها حقيقة، فلا يمكن أن يستفاد منها عضدٌ أو تقويةٌ لرواية ابن جريج عن الزهري التي سبقت، ولا يصح أن يُخرَم بها حكم ابن عدي بغرابة إسناد رواية ابن جريج.

فرواية الحديث عن الزهري عن ابن المسيب ضعيفةٌ لا تصح.

4- قتادة، عن سعيد بن المسيب:
التخريج:
أخرجه مسدد في مسنده -كما في المطالب العالية (2286)، وإتحاف الخيرة المهرة (4737)، ومن طريقه الطحاوي في شرح المشكل (14/143)، وابن حزم في المحلى (7/369)- عن يزيد بن زريع، عن سعيد بن أبي عروبة[4]، وإسحاق بن راهويه (1817) عن النضر بن شميل، والحاكم (4/221) من طريق عبدالرحمن بن مهدي؛ كلاهما عن شعبة، وإسحاق (1818) عن النضر، وابن أبي خيثمة في تاريخه (2028/السفر الثالث) -ومن طريقه ابن عبدالبر في التمهيد (17/238)- عن موسى بن إسماعيل؛ كلاهما عن حماد بن سلمة، والطحاوي في شرح المشكل (14/142)، ومحمد بن خلف في أخبار القضاة (ص685)؛ من طريق هشام الدستوائي؛ أربعتهم (سعيد، وشعبة، وحماد، وهشام) عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-، به.

واختلفت سياقاتهم:
فأما سعيد؛ فقال: عن قتادة، عن كرز بن أبي كثير، قال: إن يحيى بن يعمر كان يفتي بخراسان أن الرجل إذا اشترى الأضحية وأسماها ودخل العشر؛ أن يكُفَّ عن شعره وأظفاره حتى يضحي. قال قتادة: فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب؟ فقال: «نعم». فقلت: عمَّن؟ قال: «عن أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-».

وأما شعبة - في رواية النضر -؛ فقال: عن قتادة، قال: قيل لسعيد بن المسيب: إن يحيى بن يعمر يفتي بخراسان: إذا دخل العشر؛ من أراد أن يضحي؛ فلا يأخذ من شعره ولا ظفره؟ فقال سعيد: «صدق، كان أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم - يقولون ذلك».

وقال - في رواية ابن مهدي -: سمعت قتادة يحدث؛ قال: جاء رجلٌ من العتيك، فحدث سعيدَ بن المسيب أن يحيى بن يعمر يقول: «من اشترى أضحيةً في العشر؛ فلا يأخذ من شعره وأظفاره»؟ قال سعيد: «نعم». فقلت: عمَّن يا أبا محمد؟ قال: «عن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-».

وقال حماد بن سلمة -في سياقة موسى بن إسماعيل عنه-: عن قتادة، عن كثير بن أبي كثير -مولى عبدالرحمن بن سمرة-، عن يحيى بن يعمر، أن علي بن أبي طالب قال: «إذا دخل العشر، واشترى أضحيته؛ أمسك عن شعره وأظفاره». قال قتادة: فأخبرت بذلك سعيدَ بن المسيب؟ فقال: «كذلك كانوا يقولون».

وأما النضر؛ فلم يَسُق عن حماد إلا أثر علي -رضي الله عنه-، بنحوه.

وقال هشام الدستوائي: عن قتادة، أن كثير بن أبي كثير سأل سعيدَ بن المسيب: إن يحيى بن يعمر يفتي بخراسان: «إذا دخل عشر ذي الحجة، واشترى الرجل أضحيته، فسمَّاها؛ لا يأخذ من شعره وأظفاره»، فقال سعيد: «قد أحسن؛ كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعلون ذلك -أو: يقولون ذلك-».

دراسة الأسانيد:
روى الحديث أصحاب قتادة الكبار كما وُصف، ومؤدَّى رواياتهم في الجملة واحد؛ هو رواية قتادة المتصلة عن سعيد بن المسيب، أن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كانوا يُفتون باجتناب الأخذ من الشعر والأظفار إذا دخلت عشر ذي الحجة واشترى الرجل أضحيته.

ويخالف ذلك من حيث الظاهر روايتان:
إحداهما: رواية سعيد بن أبي عروبة، وفيها: قتادة، عن ابن أبي كثير، قال: إن يحيى بن يعمر...، وهذا -بالتأمل- له المفاد نفسه من الروايات الأخرى؛ لأنه فتوى يحيى بن يعمر نُقلت لقتادة بواسطة ابن أبي كثير هذا؛ سواءً كان تحملها عنه، أو كان قالها في حضرة سعيد بن المسيب.

إلا أن قول قتادة فيها: «فذكرتُ ذلك لسعيد...» مخالفٌ لباقي الروايات عن قتادة؛ التي فيها أن الرجل هو مَنْ ذكره لسعيد، لكن الرواة يتجوَّزون في مثل هذا الاختلاف؛ إذ المقصود: نقلُ ما قاله سعيد بن المسيب، وإسنادُه عنه، وأما قائل الكلام له، أو سائله عنه، فليس الخلاف فيه مؤثرًا.

وأما اسم الرجل (كرز)، فيشبه أن يكون تحريفًا عن (كثير)؛ فقد سُمِّي (كثيرًا) في روايتين عن قتادة -كما سبق-.

ثانية الروايتين: رواية حماد بن سلمة، وفيها ما يشبه رواية سعيد السابقة من حيث تحمل قتادة عن ابن أبي كثير.

وفيها - أيضًا -: زيادة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في الإسناد، ونسبة الفتوى إليه من طريق يحيى بن يعمر عنه، وهذا غلطٌ من حماد بن سلمة، والصواب ما اجتمع عليه أوثق أصحاب قتادة: ابن أبي عروبة، وشعبة، وهشام الدستوائي؛ من قصر ذلك على يحيى بن يعمر، وقد كان حماد بن سلمة يخطئ كثيرًا عن قتادة[5].

ولعل ما سبق من الاختلاف هو ما دعا ابن عبدالبر للإشارة إلى توهين هذه الرواية بقوله: «حديث قتادة هذا اختُلف فيه على قتادة»[6]، إلا أنه سبق أن الرواية مستقيمة، وأن الخلاف فيها غير مؤثر.

وهذه الرواية هي أحد المسائل التي سأل قتادةُ عنها سعيدَ بنَ المسيب حين قدم عليه، فأقام معه ثمانية أيام، وحفظ عنه كل ذلك، وعرض بعضَه مرةً أخرى على سعيد، فوافقه عليه، وقال: «ما كنت أظنُّ أن الله خلق مثلك»[7].

وأما تضعيف مَنْ ضعَّف رواية قتادة عن ابن المسيب؛ فلأن بينه وبينه في أكثرها رجال[8]، وهذا منتفٍ هاهنا.

5- عثمان الأحلافي، عن سعيد بن المسيب:
التخريج:
أخرجه ابن أبي شيبة (14995)، والنسائي في المجتبى (7/212)، والكبرى (4437)؛ عن علي بن حجر؛ كلاهما (ابن أبي شيبة، وعلي بن حجر) عن شريك، عن الأحلافي، عن سعيد بن المسيب؛ أنه كره أن يأخذ من شعره إذا أراد الحج. لفظ ابن أبي شيبة، وعند النسائي في المجتبى: عن سعيد بن المسيب، قال: «من أراد أن يضحي، فدخلت أيام العشر؛ فلا يأخذ من شعره ولا أظفاره»، وفي الكبرى: عن سعيد، قال: «من أراد الثج، فدخلت أيام العشر...»؛ بمثله.

دراسة الأسانيد:
اختُلف في اللفظ عن شريك:
فقال عنه ابن أبي شيبة: «إذا أراد الحج»،
وقال عنه علي بن حجر: «من أراد الثج»، وفي رواية: «من أراد أن يضحي».

و«الثج»: إراقة الدم، وهو كناية هنا عن الذبح.

والظاهر أن اللفظ تحرَّف على ابن أبي شيبة، فرواه كذلك، وأدخله في باب «من كره أن يأخذ من شعره إذا أراد الحج»؛ إذ روايات هذا الحديث عن ابن المسيب جميعًا فيمن أراد ذبح الأضحية لا الحج.

وفي الإسناد شريك بن عبدالله، ضعيف[9].

6- عبدالرحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيب:
التخريج:
أخرجه ابن أبي شيبة (14994) عن حاتم بن إسماعيل، والفاكهي في حديثه (86) عن ابن أبي مسرة، عن إبراهيم بن عمرو بن أبي صالح، عن مسلم بن خالد؛ كلاهما (حاتم، ومسلم) عن عبدالرحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيب، أنه قال: «من كان يريد أن يضحي؛ فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئًا إذا أهلَّ ذو الحجة»، لفظ حاتم، ولمسلم نحوه.

دراسة الإسناد:
يعتضد الإسنادان -إذ فيهما ضعف، وأمثلهما رواية حاتم-، فتصحّ بهما الرواية عن عبدالرحمن بن حرملة.

7- عبدالله بن محمد بن عقيل، عن سعيد بن المسيب:
التخريج:
أخرجه ابن أبي خيثمة في تاريخه (2026/السفر الثالث) -ومن طريقه ابن عبدالبر في التمهيد (17/ 237، 238)- عن موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عن عبدالله بن محمد بن عقيل، عن سعيد بن المسيب، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا دخل الرجل في العشر، وابتاع أضحيته؛ فليمسك عن شعره وأظفاره»، قلت: النساء؟ قال: أما النساء؛ فلا.

دراسة الإسناد:
الإسناد إلى ابن عقيل صحيح، وقال ابن أبي خيثمة -عقبه-: «لم يذكر ابنُ عقيل: أمَّ سلمة».

8- شعبة بن عبدالرحمن المدني، عن سعيد بن المسيب:
التخريج:
أخرجه أبو نعيم في ذكر من اسمه شعبة (22) من طريق عبدالله بن يزيد المقرئ، عن سعيد بن أبي أيوب، عن شعبة المدني، قال: أرسلني [واقد][10] بن عبدالله بن عمر إلى سعيد بن المسيب أسأله عن النورة في عشر ذي الحجة؟ فقال: «لقد كان يُكرَه أخذُ الشعر وتقليم الأظفار في العشر، ولا أحسب النورة إلا [على][11] مثل هذا».

دراسة الإسناد:
الإسناد إلى شعبة المدني صحيح.
9، 10، 11، 12- يحيى بن سعيد، وغيلان الفارسي، ويزيد بن عبدالله بن قسيط، وصالح بن حسان؛ عن سعيد بن المسيب:
التخريج:
أخرجه أبو الشيخ في كتاب الأضاحي -كما نقل العراقي في شرح الترمذي (ق48ب)- من طريق يحيى بن سعيد، وغيلان الفارسي، والدارقطني في العلل -كما نقل ابن القيم في تهذيب السنن (7/346)- معلَّقًا عن يزيد بن عبدالله بن قسيط، وصالح بن حسان؛ أربعتهم عن سعيد بن المسيب؛ رفعه يحيى وغيلان، ووقفه يزيد، وقطعه صالح.

دراسة الروايات:
لم أجد هذه الروايات مسندة.

والغالب على الظن نكارة ما جاء عن يحيى بن سعيد وغيلان الفارسي -ولم أعرفه، ولا وجدت فيه كلامًا-؛ لانفراد أبي الشيخ بذلك، وكانت كتبه مظنة المناكير والغرائب؛ قال الذهبي: «يملأ تصانيفه بالواهيات»[12].

يتلوه -بإذن الله-: دراسة الاختلاف على سعيد بن المسيب، والترجيح عنه، ثم تخريج ودراسة بقية الطرق عن أم سلمة -رضي الله عنها-، والحكم على الحديث بعامة.


[1] انظر: تهذيب التهذيب (4/68، 69)، الكامل (6/308-312).

[2] انظر: تهذيب التهذيب (2/617).

[3] انظر: ثقات العجلي (1/200)، الجرح والتعديل (2/94)، ثقات ابن حبان (8/68).

[4] وقع في المطالب: «شعبة»، وهو تحريف؛ يصحَّح من المصادر الأخرى.

[5] التمييز، لمسلم (ص218).

[6] التمهيد (17/236).

[7] تهذيب التهذيب (3/428، 429).

[8] انظر: تهذيب التهذيب (3/430).

[9] انظر: تهذيب التهذيب (2/164-166).

[10] وقع في المطبوع: «عامر»، والتصويب من الأصل الخطي للكتاب (ق100ب)، والتاريخ الكبير، للبخاري (4/244).

[11] في المطبوع: «كما»، والتصويب من الأصل الخطي (ق100ب).

[12] سير أعلام النبلاء (16/279).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 17-02-2020, 03:48 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حديث النهي عن الأخذ من الشعر والأظفار للمضحي، رواية ودراية

حديث النهي عن الأخذ من الشعر والأظفار للمضحي، رواية ودراية (4/6)
محمد بن عبدالله السريِّع





توطئة:
مضى في الحلقة السابقة تمام دراسة الروايات عن سعيد بن المسيب، عن أم سلمة -رضي الله عنها-، وفي هذه الحلقة دراسة الاختلاف عن سعيد، والترجيح عنه، ثم تخريج ودراسة بقية الطرق عن أم سلمة -رضي الله عنها-، والحكم على الحديث بعامة.

دراسة الاختلاف على سعيد بن المسيب، والترجيح عنه:
تبيَّن مما سبق أنه جاء الحديث عن سعيد بن المسيب على أربعة أوجه:
الوجه الأول: عنه، عن أم سلمة؛ موقوفًا عليها:
رواه عنه: عبدالرحمن بن حميد بن عبدالرحمن بن عوف، وعمرو بن مسلم الليثي، ويزيد بن عبدالله بن قسيط.
والثلاثة مدنيون ثقات.

الوجه الثاني: عنه، عن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ موقوفًا عليهم:
رواه عنه: قتادة.
ويدخل في هذا الوجه: رواية شعبة المدني عن سعيد؛ لأن قول التابعي: «كان يُكرَه»، ونحوه؛ محتمل الوقف على الصحابة، وهو ما تدلُّ عليه رواية قتادة هنا.

وشعبة ترجمه البخاري وابن أبي حاتم، وذكره -تبعًا- ابن حبان في الثقات، ولم أجد في حاله كلامًا، وروايته مستقيمةٌ بموافقة قتادة.

الوجه الثالث: عنه؛ مقطوعًا عليه:
رواه عنه: عثمان الأحلافي، وعبدالرحمن بن حرملة، وصالح بن حسان.
وعثمان ثقة، وفي عبدالرحمن بن حرملة كلام، وله أخطاء، وصالح بن حسان متروك.

الوجه الرابع: عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ مرسلاً:
رواه عنه: عبدالله بن محمد بن عقيل، وهو ضعيف جدًّا، منكر الحديث -على الأرجح الأصح-.

وأقوى هذه الأوجه: الوجهان الأولان، أما الثالث؛ فقد تبيَّن أن في رواية عثمان الأحلافي نظرًا؛ لضعف شريك راويها، وأن في عبدالرحمن بن حرملة كلامًا، وأن صالح بن حسان متروك.

إلا أنه يمكن القول بأن اجتماع روايتَي الأحلافي وابن حرملة يصحِّح أن سعيد بن المسيب كان يفتي بمفادهما ويقول به.

وأما الرواية الرابعة؛ فراويها ضعيف، ولا يصح أن ابن المسيب يرسل الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فإنه لم يجئ إلا في هذه الرواية، وقد زاد في روايته -أيضًا- ذكرَ النساء، وهي لفظة منكرة؛ لم يأتِ بها غيرُه.

ورواة الوجه الأول كلهم مدنيون كسعيد بن المسيب، والظاهر أن روايتهم هي المستقيمة الجارية على سَنَن الرواية والتحمُّل، وأما رواية قتادة وشعبة المدني؛ فظاهرهما المذاكرة وطرح المسائل بينهما وبين ابن المسيب، وهذه الحال مما لا ينشط فيه الراوي لإتمام حديثه وروايته على وجهه.

ولعله كان يقصد بـ«أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-»: أمَّ سلمة، وربما كان سمع ذلك -أو بلغه- عن غيرها، وهذا ينفي الاختلاف بين الوجهَين الأولَين.

وفي رواية قتادة للحديث دلالةٌ على ضعف الحديث المرفوع؛ لأنه لو كان الحديث عند سعيد بن المسيب مرفوعًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لصرَّح به لما سأله قتادة عن دليله في المسألة، ولَمَا اقتصر على فتوى الصحابة؛ لأن الحجةَ بكلام النبي -صلى الله عليه وسلم- أقوى وألزم، وسوقَه في مساق تأييد قول يحيى بن يعمر أولى وأحكم.

إلا أنه قيل للإمام أحمد بن حنبل -بعد أن ذكر روايتي عمرو بن مسلم وعبدالرحمن بن حميد عن ابن المسيب-: إن قتادة يروي عن سعيد بن المسيب، أن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كانوا إذا اشتروا ضحاياهم أمسكوا عن شعورهم وأظفارهم إلى يوم النحر؟ فقال: «هذا يقوِّي هذا»، ولم يَرَهُ خلافًا، ولا ضعفه.

وهذا من كلام أحمد مشكلٌ بخصوص معارضة هذه الرواية للمرفوع، ولعل أقوى منه ما سبق.

فالراجح -إذن- عن سعيد بن المسيب: وقف الحديث على أم سلمة -رضي الله عنها-.

المطلب الثاني: طريق أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن أم سلمة -رضي الله عنها-

التخريج:
أخرجه ابن أبي شيبة (14993) عن وكيع، والحاكم (4/220، 221) من طريق آدم بن أبي إياس؛ كلاهما عن ابن أبي ذئب، عن خاله الحارث بن عبدالرحمن، والطبراني في الكبير (23/264) من طريق سهل بن عثمان، عن جنادة، عن محمد بن عمرو بن علقمة؛ كلاهما (الحارث، ومحمد بن عمرو) عن أبي سلمة بن عبدالرحمن بن عوف، عن أم سلمة، قالت: «إذا دخلت العشر؛ فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره»، لفظ وكيع، ونحوه لآدم، وزاد: «حتى تذبح أضحيتك»، ونحو ذلك في لفظ محمد بن عمرو.

إلا أن محمد بن عمرو في روايته عن أبي سلمة رفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.

دراسة الأسانيد:
جاء الحديث عن أبي سلمة من طريقين:
إحداهما: طريق ابن أبي ذئب، عن الحارث بن عبدالرحمن، به؛ موقوفًا:
وهي صحيحةٌ عن الحارث، والحارث قليل الحديث -كما صرح ابن سعد-، وقيل: إنه لم يروِ عنه غيرُ ابن أبي ذئب، فحكم ابن المديني بجهالته لأجل ذلك، إلا أن ابن معين قال: «يُروى عنه، وهو مشهور»، وقال أحمد بن حنبل: «ما أرى به بأسًا»، وقال محمد بن مسعود النيسابوري -أحد النقّاد-: «ثقة»، وقال النسائي: «ليس به بأس».

ومثل هذه الأقوال في رجلٍ قليلِ الحديث تدل على أنه كان يحفظ، ولا يخالف في حديثه؛ لأن التوثيق والثناء مع قلة الحديث دليلٌ على أن الرجل تحمَّل أشياء قليلة، وعُني بها، وضبطها.

فالرواية عن أبي سلمة صحيحة، وقد صححها الحاكم في مستدركه.

ثانية الطريقين عن أبي سلمة: طريق محمد بن عمرو بن علقمة، به؛ مرفوعًا:
وراويها عن محمد بن عمرو: جنادة بن سلم، وهو صدوق صاحب أغلاط، قريبٌ من الضعيف، وروايته هذه خطأ؛ فقد خالفه ثمانيةٌ أغلبهم ثقات، وفيه حفاظ؛ رووه عن محمد بن عمرو، عن عمرو بن مسلم، عن سعيد بن المسيب، عن أم سلمة -وقد سبقت روايتهم-.

فرفع الحديث من طريق أبي سلمة غلط، والصواب وقفه -كما في الطريق الأولى-؛ قال العراقي: «ورواه -أيضًا- من رواية محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أم سلمة؛ مرفوعًا. والمعروف من رواية أبي سلمة: عن أم سلمة؛ موقوفًا؛ كذلك رواه الحاكم في المستدرك من رواية الحارث بن عبدالرحمن، عن أبي سلمة، عن أم سلمة...».

المطلب الثالث: طريق امرأة، عن أم سلمة -رضي الله عنها-

التخريج:
أخرجه ابن أبي شيبة (15002) عن محمد بن فضيل، عن محمد بن أبي إسماعيل، قال: حدثتني أمي، عن جدتها، أنها سمعت أم سلمة أم المؤمنين تقول: «من كان يضحَّى عنه، فهلَّ هلال ذي الحجة؛ فلا يأخذ من شعره شيئًا حتى يضحى».

دراسة الإسناد:
محمد بن أبي إسماعيل هو ابن راشد السلمي؛ من الثقات، وله إخوةٌ محدِّثون، ولم أقف على أمه وجدتها.

ولفظة: «يضحَّى عنه» لا تصح؛ لأن عامة روايات الحديث فيمن أراد أن يضحي بنفسه، ولم يجئ فيمن كان يضحَّى عنه إلا هذه الرواية، وفيها ما سبق بيانه.
والله أعلم.

المبحث الثالث: الحكم على الحديث

تلخَّص مما سبق أنه صح الحديث من طريق سعيد بن المسيب، وأبي سلمة بن عبدالرحمن عن أم سلمة؛ موقوفًا عليها.

فأما سعيد بن المسيب؛ فقد جاء سماعه من أم سلمة في بعض طرق هذا الحديث عند مسلم.

وأما أبو سلمة بن عبدالرحمن؛ فقد اجتنب الشيخان روايته عن أم سلمة مباشرة، وأخرجا له عنها بواسطة ابنتها زينب، وورد تصريحه بالسماع في أحاديث أخر، وجاء في الصحيح أنه اختلف في مسألةٍ مع ابن عباس وأبي هريرة، فأرسلوا إلى أم سلمة، فسماع أبي سلمة منها قريب.

ورواية أبي سلمة تؤيد ما ورد من الروايات الموقوفة عن سعيد بن المسيب، وتؤكد أنها الأصح عنه.

ويؤيد ذلك: رواية جدة أم محمد بن أبي إسماعيل، وهي تشير إلى معرفة هذا الحديث عند الناس موقوفًا على أم سلمة.

وهذا ما رجحه الحافظ الدارقطني؛ قال: «والصحيح عندي: قول من وَقَفه».

وهو خلاف ما ذهب إليه الحفاظ: مسلم، والترمذي، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي؛ حيث صححوه وثبَّتوه، وتابعهم على ذلك غيرهم.

وقد وقف الحاكم على اختلاف الرفع والوقف في الحديث؛ حيث أسند المرفوع، ثم أسند رواية أبي سلمة الموقوفة، وقال: «هذا شاهدٌ صحيحٌ لحديث مالك وإن كان موقوفًا»، وهذا فيه نظر، والموقوف خلاف المرفوع -في الأصل-، فضلاً عن أن الصواب من حديث مالك الوقف -كما تبيَّن-.

وهذه الدراسة تؤيد ترجيح الحافظ الدارقطني، وتؤكد صواب وقف الحديث وعدم رفعه.

وقد ضعَّف الحديث كليةً: ابن عبدالبر، واحتج على ذلك بأمور:
الأول: معارضته لحديث عائشة -رضي الله عنها-، قالت: «أنا فتلت قلائد هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيدي، ثم قلدها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده، ثم بعث بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع أبي، فلم يَحرُم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيءٌ أحلَّه الله له حتى نُحِرَ الهدي»؛ أورده ابن عبدالبر، ثم قال: «وفي حديث عائشة -أيضًا- من الفقه ما يردُّ الحديث الذي رواه شعبة، عن مالك بن أنس، عن عمر بن مسلم بن أكيمة، عن سعيد بن المسيب، عن أم سلمة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا دخل العشر، فأراد أحدكم أن يضحي؛ فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئًا»؛ ففي هذا الحديث أنه لا يجوز لمن أراد أن يضحي أن يحلق شعرًا ولا يقص ظفرًا، وفي حديث عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يجتنب شيئًا مما يجتنبه المحرم حين قلد هديَه وبعث به، وهو يردُّ حديث أم سلمة ويدفعه»، وهذا يُشكِل عليه إمكان الجمع بين الحديثين، وستأتي أوجه ذلك في الفصل الثاني.

وإمكان الجمع بين الروايتين ينفي تأثير إحداهما على صحة الأخرى ما دام إسناداهما ناهضَين قويَّين، وأما إذا كانت إحدى الروايتين أقوى من الأخرى -صحةً وثبوتًا-؛ فهذا الذي يقع فيه تأثير التعارض على الصحة.

والإسنادان هنا ناهضان قويَّان، والموقوف عن أم سلمة جاء عنها من وجهَين صحيحَين، ولا يؤثر فيه التعارض الحاصل -كما سبق شرحه-.

الثاني: مخالفة سعيد بن المسيب -راويه- له، قال: «ومما يدلُّ على ضعفه ووهنه: أن مالكًا روى عن عمارة بن عبدالله، عن سعيد بن المسيب، قال: «لا بأس بالاطِّلاء بالنورة في عشر ذي الحجة»، فتَرْكُ سعيدٍ لاستعمال هذا الحديث وهو راويته دليلٌ على أنه عنده غيرُ ثابت، أو منسوخ»، والاحتمال الثاني (النسخ) ينفي تأثير هذه العلة في الحديث من جهة الصنعة الحديثية، وقد استدرك ابن عبدالبر على نفسه في موضع آخر، فقال: «إلا أنه يحتمل أن يكون أفتى بذلك من لم يرد أن يضحي»، ثم ذكر فتوى لسعيد بن المسيب موافقةً لحديث أم سلمة، وقال: «وهذا أخذٌ منه بحديثه عن أم سلمة...، ويدل على أن حديث مالك، عن عمارة بن صياد، عن سعيد بن المسيب؛ لم يفتِ به إلا من لم يُرد أن يضحي».

ومن أوجه نفي التعارض بين هاتين الروايتين: ترجيح رواية النهي على رواية الإباحة، وهو ما ذهب إليه أبو داود السجستاني؛ قال -عقب سياقهما-: «وهذا أصحُّ من الأول، وقد رواهما جميعًا مالك».

ولعل مما يرجِّح رواية النهي: ما مرَّ في رواية شعبة بن عبدالرحمن عن سعيد بن المسيب من تشبيه النورة بأخذ الشعر وتقليم الأظفار.

هذا، وقد ذكر ابن حزم ستة أوجه في نفي تأثير رواية الإباحة عن سعيد بن المسيب في أصل الحديث.

الثالث: الاختلاف فيه، والكلام في بعض رواته، وتضعيف العلماء له، قال: «حديث قتادة هذا اختُلف فيه على قتادة، وكذلك حديث أم سلمة مختلفٌ فيه، وفي رواته من لا تقوم به حجة، وأكثر أهل العلم يضعفون هذين الحديثين».

فأما الاختلاف فيه؛ فقد تبيَّن في الدراسة أن الاختلاف فيه ليس بقاضٍ بضعفه كليَّةً، بل يمكن الترجيح فيه.

وأما أن في رواته من لا تقوم به حجة؛ فقد أبان ابن عبدالبر عن مقصوده بذلك في موضعٍ آخر؛ فقال: «لأن طائفةً من أهل العلم بالنقل تقول: إن عمر بن مسلم شيخَ مالكٍ مجهول...»، ثم ذكر الاختلاف في اسمه، وقد مرَّ أن الرجل ثقة، وأن الاختلاف باسمه لا يورث جهالته.

وأما أن أكثر أهل العلم يضعفونه؛ فإن أراد تضعيفه مطلقًا؛ فقد صحَّحه عِدَّةٌ -سبق ذكر بعضهم-، وإن أراد تضعيفه مرفوعًا فحسب؛ فهو مؤيدٌ لما تبيَّن من رُجحان وقفه، وإن كنت لم أقف على ترجيح وقفه إلا من كلام الدارقطني.

ومما احتُجَّ به لتصحيح الحديث: ما احتجَّ به ابن القيم، قال: «... ولا مثل هذا اللفظ من ألفاظ الصحابة، بل هو المعتاد من خطاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: «لا يؤمن أحدكم»، «أيعجز أحدكم»، «أيحب أحدكم»، «إذا أتى أحدكم الغائط»، «إذا جاء أحدكم خادمه بطعامه»، ونحو ذلك»، وهذا فيه من النظر ما فيه، ولا شكَّ في خصوصية ألفاظ النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأنه أوتي جوامع الكلم، إلا أن هذا اللفظ مما يشترك فيه مع غيره، ولا خصوصية فيه؛ فقد صح موقوفًا على أم سلمة من غير الطريق المختلف في رفعها ووقفها، وصحَّ مقطوعًا على سعيد بن المسيب ويحيى بن يعمر، وهذا من واقع الرواية مخالفٌ لما ذهب إليه ابن القيم.

هذا فضلاً عن أن الحديث مرويٌّ بهذا اللفظ وبغيره مما يدل على معناه، وليس لفظه لفظًا واحدًا.

يتلوه -بعون الله-: بداية الفصل الثاني: دراسة الحديث درايةً.


انظر تراجمهم في تهذيب التهذيب: عبدالرحمن بن حميد (2/499)، عمرو بن مسلم (3/305)، يزيد بن قسيط (4/419، 420).

انظر: فتح المغيث (1/222، 223).

التاريخ الكبير (4/244)، الجرح والتعديل (4/369)، الثقات (6/446).

انظر: تهذيب التهذيب (3/58).

انظر: تهذيب التهذيب (2/501).

انظر: تهذيب التهذيب (2/191).

انظر في حاله: تهذيب التهذيب (2/424، 425).

وسواءً سمع منهم أو بلغه عنهم؛ فهو -من حيث النقل- صحيح، فأما السماع؛ فواضح، وأما البلاغ؛ فمراسيل سعيد بن المسيب أصح المراسيل -كما قرره الأئمة-، ينظر: شرح علل الترمذي (1/555، 556).

التمهيد (17/236).

انظر: إكمال تهذيب الكمال (3/303)، تهذيب التهذيب (1/333). ورجح أبو حاتم والدارقطني روايته عن أبي سلمة على رواية غيره، انظر: علل ابن أبي حاتم (2186، 2296)، علل الدارقطني (4/274، 275، 9/307، 308).

انظر: تهذيب التهذيب (1/317).

يعني: أبا الشيخ الأصبهاني في كتاب الأضاحي.

شرح الترمذي (ق48ب).

انظر: تهذيب التهذيب (3/515، 516).

انظر -مثلاً-: مصنف عبدالرزاق (3971)، مسند الحميدي (295)، مسند ابن راهويه (1881، 1924).

صحيح البخاري (4909)، صحيح مسلم (1485). وجاءت رواية للحديث فيها أنهم أرسلوا أبا سلمة، فدخل على أم سلمة؛ أخرجها مالك في الموطأ (1225) وغيره، وهذا فيه نظر، ولعل رواية سليمان بن يسار المخرجة في الصحيحين للحديث أصح، وفيها أنهم أرسلوا كريبًا مولى ابن عباس إلى أم سلمة، وإن كان ابن عبدالبر -في الاستذكار (18/173)- رجح الرواية الأولى. كما ورد تصريح أبي سلمة بالسماع من أم سلمة في أسانيد أخرى لا تصح، وفيما عزوت إليه كفاية، وفي بعضها أنه دخل على أم سلمة -بإسناد جيد-.

الأحكام الوسطى، لعبدالحق الإشبيلي (4/125)، تهذيب السنن، لابن القيم (7/346).

صححه مسلم وابن حبان بإخراجه في صحيحيهما، وصححه الترمذي والحاكم عقب تخريجه، وأما البيهقي؛ فانظر تصحيحه إياه في معرفة السنن والآثار (14/22).

المستدرك (4/221).

متفق عليه، أخرجه البخاري (1699-1704، 2317، 5566)، ومسلم (1321). والمراد: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يبعث هديًا يُذبح بمكة وهو مقيم في المدينة لم يحج، فلا يجتنب شيئًا مما يجتنبه المحرم فيما بين بعثه وذبحه.

التمهيد (17/233، 234).

هو ابن صياد، وروايته أخرجها ابن أبي خيثمة في تاريخه (2021/السفر الثالث) -ومن طريقه ابن عبدالبر في الاستذكار (15/162)- من طريق معن بن عيسى، عن مالك.

التمهيد (17/234).

الاستذكار (15/162، 163).

الأحاديث التي خولف فيها مالك، للدارقطني (ص118).

المحلى (6/28، 29).

يعني: روايته عن سعيد بن المسيب السالف تخريجها والكلام عليها.

التمهيد (17/236، 237).

الاستذكار (11/184).

تهذيب السنن (7/346).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 17-02-2020, 03:48 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حديث النهي عن الأخذ من الشعر والأظفار للمضحي، رواية ودراية

حديث النهي عن الأخذ من الشعر والأظفار للمضحي، رواية ودراية (5/6)
محمد بن عبدالله السريِّع





توطئة:
مضى في الحلقات السابقة الفصلُ الأول من هذه الدراسة، وهو المتعلق بجانب الرواية، حيث تحرَّر فيه الخلاف في أسانيد الحديث، وتبيَّن الراجح منها، وأنتقل في هذه الحلقة إلى جانب الدراية، مبتدئًا بشرح غريب الحديث.




الفصل الثاني
دراسة الحديث درايةً
المبحث الأول: شرح غريب الحديث
من الألفاظ الغريبة في الحديث:
1- قوله: ((ولا من بَشَره)):
قال ابن السكيت: ((البَشَر: جمع بَشرَة. وهي ظاهر الجِلد))[1]، وقال الجوهري: ((البَشَرَةُ والبَشَرُ: ظاهرُ جِلد الإنسان))[2]، فالمراد: ألاّ يأخذ من جِلده شيئًا[3].

2- قوله: ((وله ذِبْحٌ يريد أن يذبحه)):
قال الليث: ((ما أُعِدَّ للذَّبْح، وهو بمنزلة الذَّبيح والمذبوح))[4]، وقال الأزهري: ((والذِّبح: المذبوح، وهو بمنزلة الطِّحْن؛ بمعنى المطحون، والقِطْف بمعنى المقطوف؛ قال الله -جل وعز-: ï´؟ وفديناه بذبح عظيم ï´¾، أي: بكبشٍ يُذبح، وهو الكبش الذي فدي به إسماعيل بن خليل الله -صلى الله عليه وسلم-))[5]، وقال الخطابي: (( الذِّبح -بكسر الذال-: الضحية التي يذبحها المضحي))[6]، وقال الجوهري: ((والذِّبْحُ -بالكسر-: ما يُذبَحُ؛ قال الله -تعالى-: ï´؟ وفديناه بذبح عظيم ï´¾))[7]، وقال ابن الأثير: ((الذِّبْحُ -بالكسر-: ما يذبح من الأضاحي وغيرها من الحيوان، وبالفتح: الفعل نفسُه))[8]، وقال النووي: ((بكسر الذال: أي: حيوانٌ يريد ذبحه، فهو فعل بمعنى مفعول، كحِمل بمعنى محمول...))[9]، وفي الحديث: ((فدعا بذِبح، فذبح))[10].

3- قوله: ((من أراد الثَّج)):
قال أبو عبيد -في حديث: ((العج والثج))-: ((وقوله: (والثج) يعني: نحر الإبل وغيرها، وأن يثجوا دماءها، وهو السيلان، ومنه قول الله -عز وجل-: ï´؟ وأنزلنا من المعصرات ماءً ثجاجًا ï´¾...))[11]، وقال الجوهري: ((ثَجَجْتُ الماءَ والدمَ أثُجُّهُ ثجًّا، إذا سَيَّلته))[12]، وقال ابن فارس: ((والثَّجُّ: صَبُّ الدم))[13]، وقال ابن الأثير: ((الثج: سَيلان دماء الهدي والأضاحي))[14].



المبحث الثاني: المسائل المستنبطة من الحديث
المطلب الأول: المسائل الحديثية
مسألة: طلب العلو في الإسناد
والعلو ((هو قلة الوسائط في السند))[15].
وقد دلَّ عليه في الحديث أن عمرو بن مسلم لما سمع بعض أهل الحمام يقول: ((إن سعيد بن المسيب يكره هذا -أو: ينهى عنه-))؛ خرج، فأتى سعيد بن المسيب، فذكر ذلك له، فلم تقتصر همَّته، ويكتفِ بما سمع من أولئك، بل ذهب يطلب العلو، ويسمع الحديث من مصدره المعزوِّ إليه.

وقد قرر بعض العلماء أن طلب العلو من السنة[16].



المطلب الثاني: المسائل الفقهية
المسألة الأولى: حكم الأخذ من الشعر والأظفار لمن أراد الأضحية
استُدل بالحديث على مشروعية اجتناب من أراد الأضحية الأخذَ من شعره وأظفاره وبشرته، وهو المعنى الرئيس في الحديث، لكن اختَلَف العلماء في حكم ذلك؛ قال ابن حزم: ((واختلفوا فيمن أخذ من شعره وظفره شيئًا؛ أعصى أم لا؟))[17]، وقال ابن رشد: ((واختلفوا؛ هل يلزم الذي يريد التضحية ألا يأخذ في العشر الأول من شعره وأظفاره؟))[18].

ومحصل الأقوال في هذه المسألة ثلاثة:
القول الأول: وجوب الاجتناب، وتحريم الأخذ:
وهو ظاهر قول ابن سيرين، وسعيد بن المسيب -في رواية-، وربيعة بن أبي عبدالرحمن، وأحمد بن حنبل، وابن راهويه، والطحاوي، وهو قول ابن حزم، وبعض الحنابلة، وبعض الشافعية[19].

• ومن أدلة هذا القول:
1- ظاهر حديث أم سلمة -رضي الله عنها-، وهو نهيٌ من النبي -صلى الله عليه وسلم- ثابتٌ يقتضي التحريم[20].

2- ثبوت النهي عن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ قال ابن حزم: ((وهذه فتيا صحَّت عن الصحابة -رضي الله عنهم-، ولا يُعرَف فيها مخالفٌ منهم لهم))[21]، وذُكِرَ منهم: أم سلمة -رضي الله عنها-، وهي زوجة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن خواصِّه[22].

• ونوقش الدليلان بما يلي:
1- أن الراجح عدم ثبوت النهي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأنه إنما يصح موقوفًا[23].

2- أنه قد جاء عن عائشة -رضي الله عنها- ما يخالف هذا النهي، وسيأتي في أدلة القول الثاني.

وستأتي الإجابة عنه -أيضًا-.

القول الثاني: استحباب الاجتناب، وكراهة الأخذ:
وهو قول الحسن البصري، والشافعي، ومالك -في رواية-، وبعض الحنابلة[24].

• ومن أدلة هذا القول:
1- النهي الثابت في حديث أم سلمة -رضي الله عنها-، وقد صُرف عن التحريم إلى الكراهة لمعارضته حديثَ عائشة -رضي الله عنها-، قالت: ((أنا فتلت قلائد هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيدي، ثم قلدها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده، ثم بعث بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع أبي، فلم يَحرُم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيءٌ أحلَّه الله له حتى نُحِرَ الهدي))[25].

قال الشافعي: ((فإن قال قائل: ما دَلَّ على أنه اختيارٌ لا واجب؟ قيل له: روى مالك...))، ثم ساق حديث عائشة، ثم قال: ((في هذا دلالةٌ على ما وصفتُ من أن المرء لا يحرم بالبعثة بِهَديه. يقول: البعثة بالهدي أكبر من إرادة الضحية))[26]، وبيَّنه الماوردي بقوله -بعد أن ذكر سوق الهدي-: ((وحكمها أغلظ؛ لِسَوقها إلى الحرم، فلما لم يحرِّم على نفسه شيئًا؛ كان غيره أولى إذا ضحى في غير الحرم))[27].

2- أن أن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- ضحى مرةً بالمدينة، وكان مريضًا، ثم حلق رأسه، وكان يقول: ((ليس حِلاق الرأس بواجبٍ على من ضحى))، وقد فعله ابن عمر[28].

قال الباجي: ((ولعله كان امتنع من حلق رأسه وشيءٍ من شعره من أول العشر حين أراد أن يضحي على وجه الاستحباب، وإن لم يرَ ذلك واجبًا -على ما ذكر في آخر الحديث-))[29].

• ويناقش الدليلان بما يلي:
1- أن الراجح عدم ثبوت الحديث مرفوعًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإنما يصح عن أم سلمة، وعن الصحابة -رضي الله عنهم-، ومن ثم؛ فإنما يقدَّم الصحيح المرفوع -وهو حديث عائشة- على الموقوف، وهذا يؤيد القول الثالث.

ويجاب عن هذا: بأن قول الصحابي حجة -في الأصح-، ولا يصح إهمال أثره في الخلاف؛ خاصةً أنه نُقل عن جمعٍ من الصحابة، وعُلِمَ منهم أحدُ خواصِّ النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهي زوجته أم سلمة -رضي الله عنها-[30].

2- أنه يمكن الجمع بين حديث عائشة وحديث أم سلمة -رضي الله عنهما-، مع بقائهما على ظاهرهما، دون إحالةٍ للحكم إلى الاستحباب. وهذا يؤيد القول الأول.

وقد جمع العلماء بأوجه، منها:
أ- أن حديث عائشة إذا بعث بالهدي وأقام، وحديث أم سلمة إذا أراد أن يضحي بالمِصْر[31].

ب- أن حديث عائشة عامٌّ في إباحة ما سوى الشعر والأظفار، وحديث أم سلمة خاصٌّ بالمنع منهما[32].

ويشكل على الوجه الأول: أنه لا بدَّ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ضحى في تلك السنة في إقامته بالمِصْر، مع بعثه الهدي[33]، وسيأتي في أدلة القول الثالث.

3- أن في بعض طرق حديث عائشة -رضي الله عنها-: ((كنت أفتل قلائد هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيبعث بهديه إلى الكعبة، فما يحرم عليه شيءٌ مما حَلَّ للرجل من أهله حتى يرجع الناس))[34]، وهذا يبيِّن أن الذي ((كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يجتنبه؛ هو ما كان يجتنبه من أهله مما يجب على المحرم اجتنابه من أهله في إحرامه، لا ما سواه من حلق شعره، ولا من قص أظفاره))[35].

ويجاب عن هذا: بأن أكثر الرواة لم يذكروا لفظ الأهل، وأن الأصح في الحديث: بقاؤه على عمومه.

4- أن لتقديم حديث أم سلمة على حديث عائشة -رضي الله عنهما- وجهًا؛ من جهتين:
أ- أن ((عائشة تعلم ظاهرًا ما يباشرها به من المباشرة، أو ما يفعله دائمًا، كاللباس والطيب، فأما ما يفعله نادرًا، كقص الشعر، وقلم الأظفار، مما لا يفعله في الأيام إلا مرة؛ فالظاهر أنها لم تُرِده بخبرها، وإن احتمل إرادتها إياه؛ فهو احتمالٌ بعيد...))[36].

ب- أن ((عائشة تخبر عن فعله، وأم سلمة عن قوله، والقول يقدم على الفعل؛ لاحتمال أن يكون فعله خاصًّا له))[37].

ويجاب عن الجهة الثانية: بعدم ثبوت حديث أم سلمة -رضي الله عنها- مرفوعًا.

5- يناقش حديث ابن عمر في حلق الرأس بأن هذا لم ((يُذكر أنه من سنة الأضحى، ويمكن أن يكون فعله لمرضه الذي كان يشكو، وقد أخبر أنه ليس بواجبٍ على الناس، ولا هو عند أحدٍ من أهل العلم من سنة الأضحى))[38]، ويحتمل أنه حلق تعظيمًا لذلك اليوم[39]، فالحديث محتمل.

القول الثالث: الإباحة:
وهو ظاهر قول إبراهيم النخعي، وسعيد بن المسيب -في إحدى الروايتين-، والليث بن سعد، ونَسَبَه إلى ((الناس))، وهو قول أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام -أحد الفقهاء السبعة-، وعطاء بن يسار، وأبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة، ومالك -في رواية-، وأبي حنيفة[40].

• ومن أدلة هذا القول:
1- عدم ثبوت النهي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومعارضته بحديث عائشة -رضي الله عنها- المذكور، ((ومجيء حديث عائشة -رضي الله عنها- أحسن من مجيء حديث أم سلمة -رضي الله عنها-؛ لأنه جاء مجيئًا متواترًا، وحديث أم سلمة -رضي الله عنها- لم يجئ كذلك, بل قد طُعن في إسناد حديث مالك؛ فقيل: إنه موقوف على أم سلمة -رضي الله عنها-))[41].

2- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ضحى في السنة التي بعث فيها بالهدي؛ إذ لم يؤثر عنه خلافُ ذلك، وكان من عادته الأضحية، وكان يحثُّ عليها ويأمر بها[42].

وقد نقلت عائشة -رضي الله عنها- أنه لم يحرم عليه شيء في تلك السنة، فدلَّ على أن الأخذ من الشعر والأظفار غير محرَّم على من أراد الأضحية[43].

3- النظر والقياس؛ قال الطحاوي: ((قد رأينا الإحرام ينحظر به أشياء مما قد كانت كلها قبله حلالاً, منها: الجماع, والقبلة, وقص الأظفار, وحلق الشعر, وقتل الصيد, فكل هذه الأشياء تحرم بالإحرام, وأحكام ذلك مختلفة: فأما الجماع فمن أصابه في إحرامه؛ فسد إحرامه, وما سوى ذلك لا يفسد إصابته الإحرام، فكان الجماع أغلظ الأشياء التي يحرمها الإحرام.

ثم رأينا من دخلت عليه أيام العشر وهو يريد أن يضحي؛ أن ذلك لا يمنعه من الجماع، فلما كان ذلك لا يمنعه من الجماع -وهو أغلظ ما يحرم بالإحرام-؛ كان أحرى أن لا يمنع مما دون ذلك))[44].

وقال ابن عبدالبر: ((وقد أجمع العلماء على أن الجماع مباحٌ في أيام العشر لمن أراد أن يضحي؛ فما دونه أحرى أن يكون مباحًا))[45].






يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 17-02-2020, 03:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حديث النهي عن الأخذ من الشعر والأظفار للمضحي، رواية ودراية

حديث النهي عن الأخذ من الشعر والأظفار للمضحي، رواية ودراية (5/6)
محمد بن عبدالله السريِّع



• وتناقش الأدلة بما يلي:
1- أن الحديث وإن لم يثبت مرفوعًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فإن قول الصحابي محتجٌّ به -كما سبق-.

2- أنه يمكن الإجابة على معارضة حديث عائشة -رضي الله عنها- بما سبقت الإجابة عليه في مناقشة أدلة القول الثاني.

3- ونوقش القياس بوجهين:
أحدهما: أنه مصادم للنص[46].

ثانيهما: ((أن تحريم النساء والطيب واللباس أمرٌ يختص بالإحرام؛ لا يتعلق بالضحية، وأما تقليم الظفر وأخذ الشعر؛ فإنه من تمام التعبد بالأضحية...))[47].

ويجاب عن الوجه الأول: بعدم ثبوت النص المخالف للقياس مرفوعًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.

الترجيح:
يظهر من العرض السابق سعة الخلاف في المسألة، وتقارُب أقوالها وأدلتها.

إلا أنه يترجح -والله تعالى أعلم- القول الأول، وهو تحريم الأخذ من الشعر والأظفار في عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي.

وسبب ذلك: ثبوت النهي منسوبًا إلى الصحابة -رضي الله عنهم-، ونُصَّ منهم على أم سلمة -رضي الله عنها-، وسلامة ذلك من المعارِض.

ولا يؤثر فيه التعارض -في الظاهر- بينه وبين حديث عائشة -رضي الله عنها-؛ فإنه يُجمع بينهما بالوجه السالم من الاعتراض من أوجه الجمع، وهو: أن حديث عائشة -رضي الله عنها- عام، وحديث أم سلمة -رضي الله عنها- خاص.

وإنما أرادت عائشة -رضي الله عنها- نفيَ كون باعث الهدي مُحرِمًا؛ يَحرُم عليه ما يَحرُم على المُحرِمين؛ من الجماع والطيب واللباس ونحوِ ذلك من محظورات الإحرام الظاهرة، وذلك أن سبب الحديث: أن زياد بن أبي سفيان كتب إلى عائشة -رضي الله عنها-: إن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: ((من أهدى هديًا حَرُم عليه ما يَحرُم على الحاج، حتى يُنحَر هديُه))، فقالت عائشة: ((ليس كما قال ابن عباس؛ أنا فتلت قلائد هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيدي، ثم قلدها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيديه، ثم بعث بها مع أبي، فلم يحرم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيءٌ أحله الله له حتى نُحِرَ الهدي))[48].

وهذا ما تضمَّنه قول ابن التين حين أجاب بأن ((عائشة إنما أنكرت أن يصير مَنْ يبعث هديَه مُحرِمًا بمجرد بَعثه، ولم تتعرض على ما يستحب في العشر خاصةً من اجتناب إزالة الشعر والظفر))؛ نقله وقال بمعناه ابن حجر[49].

وقال ابن القيم: ((وأما حديث عائشة؛ فهو إنما يدلُّ على أن مَنْ بعث بهديه وأقام في أهله؛ فإنه يُقيم حلالاً، ولا يكون مُحرِمًا بإرسال الهدي، ردًّا على مَنْ قال مِن السلف: (يكون بذلك مُحرمًا)، ولهذا رَوَت عائشة لما حُكي لها هذا الحديثَ))[50].

وقول أم سلمة يخصِّص عموم نفي عائشة -رضي الله عنهما-، ويبيِّن أنه يُستثنى منه: حلق الشعر، وقص الأظفار، ومن ثم يتوافق المُحرِم ومريد الأضحية في ذلك.

هذا مع أنه يحتمل أن عائشة أرادت ما يباشرها النبي -صلى الله عليه وسلم- به، وما يفعله دائمًا، كاللباس والطيب، دون ما يفعله نادرًا؛ كقص الشعر، وقلم الأظفار، مما لا يفعله في الأيام إلا مرة، وقد سبق هذا في الإجابة عن أدلة القول الثاني.

ولا يسلم للقولَين الآخرين دليلٌ قوي، والله أعلم.

تنبيه:
اشترط بعض القائلين بالاستحباب للحكم بذلك: شراء الأضحية وتعيينها.

وهو قول يحيى بن يعمر -كما سبق في رواية قتادة عن سعيد بن المسيب-، وبعض الشافعية[51].

وعليه: فإنه يترك شعره وأظفاره في العشر إن اشترى الأضحية قبلها، وفي بقية العشر إن اشتراها بعدما مضى بعضُها، ولا يلزمه الترك في العشر حتى يشتري الأضحية.

وقد ورد هذا الشرط في روايتين للحديث عن سعيد بن المسيب:
إحداهما: رواية قتادة عنه، وهي الموقوفة عن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذه الرواية كان الأصل فيها حكاية قول يحيى بن يعمر، ووافق سعيد بن المسيب على ذلك، وعزاه إلى الصحابة، إلا أنه يحتمل أن سعيدًا أراد جملة الحكم، دون دقيق تفاصيله، وهذا يدل عليه رواياته الأخرى للحديث وأقواله التي لا يذكر فيها التسمية والتعيين.

الرواية الثانية: رواية عبدالله بن محمد بن عقيل عن سعيد، وقد سبق بيان ضعفها.

والأصح: عدم اشتراط ما سبق؛ لعدم وروده في طرق الحديث الصحيحة، وإنما صحَّ تعليق الحكم بإرادة التضحية فقط، قال ابن رشد: ((وفي حديث أم سلمة المنعُ من حلق الشعر وقص الأظفار لمن أراد أن يضحي في العشر؛ اشترى أضحيةً أو لم يشترها، وكان واجدًا لها))[52].

وأبعد من اشتراط شراء الأضحية: القول بأن ترك الأخذ من الشعر والأظفار لا يجب عليه إلا بشراء الأضحية في عشر ذي الحجة منذ اشتراها، وإن اشتراها قبل ذي الحجة لم يكن به بأس.

وهو قول الأوزاعي[53]، ولا يظهر أن الأدلة تؤيده.

والله أعلم.



يتلوه -إن شاء الله-: بقية المسائل المستنبطة من الحديث: الفقهية، والأصولية، والفوائد والحِكَم، وخاتمة الدراسة.


[1] تهذيب اللغة (11/245).

[2] الصحاح (2/590).

[3] الشرح الممتع، لابن عثيمين (7/488).

[4] تهذيب اللغة (4/271).

[5] تهذيب اللغة (4/271).

[6] معالم السنن (2/227).

[7] الصحاح (1/362).

[8] النهاية (2/153).

[9] شرحه على مسلم (13/139).

[10] أخرجه أبو داود (1981).

[11] غريب الحديث (3/140).

[12] الصحاح (1/302).

[13] معجم مقاييس اللغة (4/28).

[14] النهاية (1/207).

[15] فتح المغيث (3/346).

[16] انظر: معرفة علوم الحديث، للحاكم (ص112-119)، الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، للخطيب (1/123).

[17] مراتب الإجماع (ص154).

[18] بداية المجتهد (2/192). وأغرب إبراهيم الحلبي؛ فقال بعد أن ساق الحديث -في شرح منية المصلي؛ كما نقل ابن عابدين في الدر المختار (2/181)-: ((فهذا محمولٌ على الندب دون الوجوب بالإجماع))، إلا إن كان يريد إجماع بعض المذاهب، وهو خلاف ظاهر العبارة، وخلاف مذهب الحنفية -وسيأتي بيانه-.

[19] انظر: مسائل عبدالله (ص262، 263)، مسائل صالح (1/450)، مسائل الكوسج (10/2226)، الإشراف، لابن المنذر (3/412)، شرح مشكل الآثار (14/142، 143)، معالم السنن (2/227)، الحاوي الكبير (15/74)، التمهيد (17/235)، المحلى (6/3)، المغني (13/362)، شرح النووي على صحيح مسلم (13/138)، المجموع (8/391)، الفروع (6/103)، المطالب العالية (2287)، الإنصاف (4/109).

[20] مسائل الكوسج (10/2226)، المغني (13/362، 363).

[21] المحلى (6/29).

[22] شرح مشكل الآثار (14/142، 143).

[23] تهذيب السنن، لابن القيم (7/347).

[24] اختلاف الحديث (10/158-ضمن الأم)، مصنف ابن أبي شيبة (15000)، الإشراف (3/411، 412)، معالم السنن (2/227)، المنتقى شرح الموطأ، للباجي (3/90)، الحاوي الكبير (15/74)، التحقيق في مسائل الخلاف، لابن الجوزي (2/162)، المغني (13/362).

[25] سبق تخريجه (ص38).

[26] اختلاف الحديث (10/158-ضمن الأم).

[27] الحاوي الكبير (15/74). وانظر: معالم السنن (2/227)، البيان والتحصيل (18/167).

[28] مختصرُ ما أخرجه مالك (2/483) -ومن طريقه البيهقي (9/485)-، وابن أبي شيبة (14077)، وإسناده صحيحٌ جليل.

[29] المنتقى (3/90).

[30] ينظر في مسألة حجية قول الصحابي: أعلام الموقعين، لابن القيم (5/548 فما بعد)، إتحاف ذوي البصائر، للنملة (4/259-276).

[31] وهو جمع يحيى بن سعيد القطان، وأحمد بن حنبل، وغيرهما، انظر: التمهيد (17/236)، الكافي، لابن قدامة (2/486).

[32] وهو جمع الطحاوي، وغيره، انظر: شرح مشكل الآثار (14/142)، المغني (13/363)، تهذيب السنن، لابن القيم (7/347، 348).

[33] الجوهر النقي، لابن التركماني (9/267).

[34] حديث عائشة جاء عنها من طرق مخرَّجة في الصحيحين، وهي:
1- طريق عمرة بنت عبدالرحمن، وعنها ألفاظ بمعنى واحد، منها: ((فلم يحرم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيءٌ أحله الله له))، ومنها: ((ثم لا يجتنب شيئًا مما يجتنبه المحرم))؛ أخرجه البخاري (1698، 1700، 2317)، ومسلم (1321).
2- طريق عروة بن الزبير، ولفظه: ((ثم لا يجتنب شيئًا مما يجتنبه المحرم))، أخرجه البخاري (1698)، ومسلم (1321).
3- طريق القاسم بن محمد، وعنه ألفاظ بالمعنى، منها: ((فما حرم عليه شيء كان أحل له))، أخرجه البخاري (1696، 1699)، ومسلم (1321)؛ من طريق أفلح بن حميد، ومنها: ((ثم لا يعتزل شيئًا ولا يتركه))، أخرجه مسلم (1321) من طريق عبدالرحمن بن القاسم، ومنها: ((ثم لا يمسك عن شيء لا يمسك عنه الحلال))؛ أخرجه مسلم (1321) من طريق أيوب؛ ثلاثتهم (أفلح، وعبدالرحمن، وأيوب) عن القاسم.
وخالفهم ابن عون؛ فرواه عن القاسم بلفظ: ((فأصبح فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حلالاً؛ يأتي ما يأتي الحلال من أهله، أو يأتي ما يأتي الرجل من أهله))؛ أخرجه مسلم (1321).
4 - طريق مسروق بن الأجدع، واختُلف عنه:
* فرواه عبدالله بن المبارك، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة بلفظ: ((فما يحرم عليه مما حل للرجل من أهله))؛ أخرجه البخاري (5566).
* ورواه هشيمٌ، عن إسماعيلَ، وداودُ بن أبي هند، وزكريا بنُ أبي زائدة؛ ثلاثتهم (إسماعيل، وداود، وزكريا) عن الشعبي، به؛ بلفظ: ((وما يمسك عن شيءٍ مما يمسك عنه المحرم))؛ أخرجه مسلم (1321).
5- طريق أبي قلابة، ولفظه: ((ثم لا يمسك عن شيء لا يمسك عنه الحلال))؛ أخرجه مسلم (1321).
6- طريق الأسود بن يزيد، وعنه ألفاظ بمعنى، منها: ((ثم يقيم فينا حلالاً))، ومنها: ((ثم يقيم لا يجتنب شيئًا مما يجتنب المحرم))، ومنها: ((فنرسل بها ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- حلال، لم يحرم عليه منه شيء))؛ أخرجها مسلم (1321).
وهذا العرض يبين أن أكثر طرق الحديث عن عائشة، وأكثر الطرق عن المختَلَف عنهم= ليس فيها ذكر الأهل، فالأصح لفظ العموم، وعدم تخصيص الأهل بالذكر، والله أعلم.

[35] شرح مشكل الآثار (14/141)، الجوهر النقي (9/266).

[36] المغني (13/363)، وانظر: شرح الزركشي (7/9).

[37] المغني (13/363).

[38] الاستذكار (15/141).

[39] الفروع (6/103).

[40] مصنف ابن أبي شيبة (15002، 15005)، شرح معاني الآثار (4/181، 182)، التمهيد (17/235)، الاستذكار (11/185، 186)، البيان والتحصيل (17/316، 18/166)، المغني (13/362)، شرح النووي على صحيح مسلم (13/138).

[41] شرح معاني الآثار (4/181).

[42] بل قال أبو الوليد الباجي -في المنتقى (3/91)-: ((ولا خلاف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ضحى في ذلك العام))، وقال العمراني -في البيان (4/438)-: ((والأضحية كانت واجبةً عليه، فإذا دخلت العشر؛ فلا بد أن يريد أن يضحي)).

[43] الاستذكار (11/187، 188)، المنتقى (3/91)، البيان والتحصيل (17/315).

[44] شرح معاني الآثار (4/182).

[45] التمهيد (17/234، 235).

[46] المغني (13/363)، تهذيب السنن (7/348).

[47] تهذيب السنن (7/348).

[48] صحيح البخاري (1700)، ولسبب الحديث سياقةٌ أخرى؛ انظر: صحيح البخاري (5566).

[49] فتح الباري (10/23)، ونص عبارة ابن حجر: ((لا يلزم من دلالته على عدم اشتراط ما يجتنبه المحرم على المضحي؛ أنه لا يستحب فعلُ ما ورد به الخبرُ المذكور لغير المحرم)).

[50] تهذيب السنن (7/347).

[51] الحاوي الكبير (15/75)، حلية العلماء، للقفال الشاشي (3/322)، وانظر: البيان والتحصيل (17/315). وقد حُكي هذا القول مذهبًا للشافعية، قال النووي -في المجموع (8/391)-: ((وحكى الرافعي وجهًا ضعيفًا شاذًّا: أن الحلق والقلم لا يُكرهان الا إذا دخل العشر واشترى أضحيةً أو عين شاة أو غيرها من مواشيه للتضحية)).

[52] البيان والتحصيل (17/316)؛ ملخِّصًا قول الطحاوي، ولم أجد النص على استواء الشراء وعدمه عن الطحاوي في مظانِّ كلامه.

[53] مختصر اختلاف العلماء (3/231)، التمهيد (17/235)، الاستذكار (11/186).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 17-02-2020, 03:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حديث النهي عن الأخذ من الشعر والأظفار للمضحي، رواية ودراية

حديث النهي عن الأخذ من الشعر والأظفار للمضحي، رواية ودراية (6/6)
محمد بن عبدالله السريِّع






توطئة:









مضى في الحلقة السابقة الشروع في دراسة الحديث درايةً، وشرح غريب ألفاظه، وذكر مسألةٍ حديثيةٍ مستنبطةٍ منه، ودراسة المسألة الفقهية الرئيسة فيه، وأُتِمُّ في هذه الحلقة المسائل الفقهية، ثم أنتقل إلى المسائل الأصولية، فالفوائد والحِكَم، خاتمًا بها الدراسة.








المسألة الثانية



حكم الأخذ من الشعر والأظفار لمن كان يضحَّى عنه



دلَّ ظاهرُ الحديث على أن المراد به: من أراد الأضحية.







وبناءً على الاختلاف في المراد بإرادة الأضحية؛ اختُلف في هذه المسألة:



فإن قيل: إن مريد الأضحية هو من يحصل له ثوابها؛ فإن المضحَّى عنه يدخل في الحكم؛ لحصول الثواب له أيضًا[1].







ويؤيد هذا: أن إرادة من له وليٌّ يضحِّي عنه كإرادة الولي[2].







وإن قيل: إن المراد: من يقع عليه طلبها والأمر بها، وهو الذي يضحي حقيقةً، ويسقط عن الطلب بأدائها؛ فإن المضحَّى عنه لا يدخل في الحكم[3].







ويؤيده: أن ظاهر الحديث علق الحكم بالمضحِّي نفسِه، فدلَّ على عدم دخول غيره فيه[4].







المسألة الثالثة



حكم الأخذ من الشعر والأظفار لمن أراد الأضحية والإحرام معًا



وذلك أن من المستحب للمحرم أخذ شعره وأظفاره.







فأما على القول بأن النهي في حديث أم سلمة للكراهة لا التحريم؛ فقد اختلف النظر في ذلك من جهة اختلاف النظر حال تعارض الأمر والنهي:



فإن قيل: يرجح جانب النهي عند تعارضه مع ما يقتضي الإيجاب أو الاستحباب؛ فإن المحرم المضحي لا يأخذ من شعره ولا أظفاره[5].







وإن قيل: يرجح جانب العبادة المتعلقة بالبدن، وهي الحج؛ فإن المحرم يأخذ من شعره وأظفاره لإحرامه ولو أراد الأضحية[6].







وأما على القول بأن النهي في حديث أم سلمة للتحريم؛ فإن ترك المنهي المحرَّم مقدَّم على فعل الأمر المستحب[7].







المسألة الرابعة



وقت النهي عن الأخذ من الشعر والأظفار، ووقت جوازه



أولاً: بداية وقت النهي:



اختُلف في هذه المسألة تبعًا لاختلاف ألفاظ الحديث:



فقيل: تكون بداية النهي بمجرد إرادة الأضحية.



وقيل: تكون بداية النهي بشراء الأضحية وتعيينها من جملة المواشي[8].



وقد سبق الكلام في مسألة اشتراط شراء الأضحية للنهي عن أخذ الشعر والأظفار[9].







ثانيًا: نهاية وقت النهي (وقت جواز الأخذ من الشعر والأظفار):



عُلِّق الوقت في الحديث بأداء الأضحية، فمتى ما أُدِّيت؛ جاز ما كان ممنوعًا، فإن أداها يوم العاشر؛ حلَّ له ذلك، وإن لم يؤدِّها إلا بعده؛ زاد زمن الترك حتى يضحي[10].







وأصل المنع إنما كان لأجل إرادة الأضحية، فدلَّ على أن الحكم مترتب على أدائها[11].







وقد جاء عن بعض الفقهاء: أن وقت النهي يكون في عشر ذي الحجة[12]، وهذا -فيما يظهر-تجوُّزٌ منهم، أو حكمٌ بالأغلب، أو نظرٌ للنصِّ في الحديث على العشر.







ويجاب عن هذا: بما سبق من وجود تعليق الوقت بأداء الأضحية في ألفاظ الحديث، وأما ما لم يعلَّق فيه على ذلك؛ فإنه «اكتفى بدلالة اللفظ عليه؛ لأن تقديم ذكر العشر والتضحية يدلُّ على أن الأمد: انقضاء العشر ووقوع التضحية»[13].







ويقع تحت هذه المسألة فرعان:



الفرع الأول: إن لم يضحِّ:



حيث امتنع عن الأخذ ناويًا الأضحية، فلم يضحِّ، فإن وقت النهي ينتهي بزوال وقت الأضحية[14].







الفرع الثاني: لو قصد التضحية بعددٍ من الأضاحي:



ينتهي وقت النهي بذبح أول أضحيةٍ منها[15]، وقيل: يحتمل بقاء النهي إلى آخرها[16].







والأظهر: الأول؛ لأن النهي تعلَّق بمطلق ذبح الأضحية، وهو حاصلٌ بذبح أولى الأضاحي، و«الأصح: أن الحكم المعلق على معنىً يكفي فيه أدنى المراتب؛ لتحقق المسمى فيه»[17].







المسألة الخامسة



حكم الفدية لمخالفة النهي



لم يدل الحديث على فديةٍ تجب على مخالفِهِ، ودلَّ الإجماع على عدم وجوبها، قال ابن قدامة: «فإن فعل استغفر الله -تعالى-، ولا فديةَ فيه إجماعًا، سواءً فعله عمدًا أو نسيانًا»[18].







وربما تُتَوهَّم الفدية لشَبَهِ هذه المنهيات وحال المضحي بمحظورات الإحرام وحال الحاج، وسيأتي الجواب عن ذلك في حِكمة النهي -إن شاء الله-.







فرع: لا علاقة بين ارتكاب النهي وصحة التضحية:



قال ابن عثيمين: «وأما ما اشتهر عند العوام أنه إذا أخذ الإنسان من شعره أو ظفره أو بشرته في أيام العشر فإنه لا أضحية له فهذا ليس بصحيح؛ لأنه لا علاقة بين صحة التضحية والأخذ من هذه الثلاثة»[19].







المسألة السادسة



حكم الأضحية



استدلَّ جمهور العلماء بهذا الحديث على عدم وجوب الأضحية، قال الشافعي: «ووجدنا الدلالة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن الضحية ليست بواجبةٍ لا يحلُّ تركها، وهي سنة يجب لزومها، ويكره تركها؛ لا على إيجابها، فإن قيل: فأين السنة التي دلت على أنها ليست بواجبة؟ قيل: أخبرنا سفيان بن عيينة...»، فساق الحديث، ثم قال: «وفي هذا الحديث دلالةٌ على أن الضحية ليست بواجبة؛ لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «فإن أراد أن يضحي»، ولو كانت الضحية واجبة أشبهَ أن يقول: فلا يمس من شعره حتى يضحي»[20]، وقال ابن المنذر: «فالضحية لا تجب فرضًا؛ استدلالاً بهذا الحديث؛ إذ لو كان فرضًا لم يجعل ذلك إلى إرادة المضحي»[21]، وبوَّب بذلك على هذا الحديث بعضُ المصنفين[22].







ونوقش هذا الاستدلال بأمرين:



1- أن تعليق العبادة بالإرادة لا يلزم منه انتفاء الوجوب، وذلك من وجهين:



الأول: وجود نظائر عُلِّقت فيها العبادة بالإرادة، وحُكم -مع ذلك- بوجوبها، قال ابن تيمية -بعد سوق الحديث-: «قالوا: والواجب لا يعلق بالإرادة. وهذا كلامٌ مجمل؛ فإن الواجب لا يوكل إلى إرادة العبد، فيقال: (إن شئت فافعله)، بل قد يعلق الواجبُ بالشرط لبيان حكمٍ من الأحكام:



كقوله: ï´؟إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُواï´¾، وقد قدَّروا فيه: إذا أردتم القيام،



وقدَّروا: إذا أردت القراءة فاستعذ[23]، والطهارة[24] واجبة، والقراءة في الصلاة واجبة.



وقد قال: ï´؟ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ï´¾ ومشيئة الاستقامة واجبة...»[25].







وهذه المناقشة افترضها - قبلُ- الماوردي، وأجاب عنها، قال: «فإن قيل: فقد قال: «من أراد منكم الجمعة فليغتسل»؛ فلمْ يدلّ تعليقُ الجمعة على الإرادة على أنها غيرُ واجبة؛ كذلك الأضحية؟ قلنا: إنما علق بالإرادة الغسلَ دون الجمعة، والغسل ليس بواجب، فكذلك الأضحية»[26].







وفي جواب الماوردي تأمل ونظر، وهو خلاف ظاهر النص.







وأجاب ابن حزم بأن الوجوب في مثل هذه النصوص أُخِذ من أدلة أخرى، قال: «فإن قيل: فقد جاء: «ما حقُّ امرئٍ له شيءٌ يريد أن يوصي فيه...» إلى آخر الحديث، ولم يكن هذا اللفظ منه -عليه السلام- دليلاً عندكم على أن الوصية ليست فرضًا، بل هي عندكم فرض؟ قلنا: نعم؛ لأنه قد جاء نصٌّ آخرُ بإيجاب الوصية في القرآن والسنة...، فأخذنا بهذا، ولم يأتِ نصٌّ بإيجاب الأضحية، ولو جاء لأخذنا به»[27].







الوجه الثاني: أن الأضحية إنما تجب على القادر، قال ابن تيمية: «وأيضًا: فليس كل أحدٍ يجب عليه أن يضحي، وإنما تجب على القادر، فهو الذي يريد أن يضحي، كما قال: «من أراد الحج فليتعجل؛ فإنه قد تضل الضالة، وتعرض الحاجة»، والحج فرض على المستطيع، فقوله: «من أراد أن يضحي» كقوله: «من أراد الحج فليتعجل»، ووجوبها حينئذٍ مشروطٌ بأن يقدر عليها فاضلاً عن حوائجه الأصلية، كصدقة الفطر»[28].







وتوضيح هذا: أن قوله في الحديث: «أراد أحدكم أن يضحي» منصرفٌ إلى القادر على الأضحية، فهو الذي يريد أن يضحي، وأما العاجز؛ فإنه لما لم يستطع؛ لم يُرد.







فالمراد بالتعليق بالإرادة: تمييز القادر عن العاجز، لا تنزيل الحكم إلى الاستحباب.







ويأتي الجواب عن هذا في الفقرة التالية.







2- أن المراد بالإرادة في هذا الحديث: «ما هو ضد السهو، لا التخيير؛ لأنه غير مخيَّر إجماعًا؛ لأن التخيير يقع في المباح»[29]، «فكأنه صرح به؛ وقال: «من قصد منهم أن يضحي»، وهذا لا يدل على نفي الوجوب، فصار هذا نظيرَ قوله -صلى الله عليه وسلم-: «من أراد منكم الجمعة فليغتسل» لم يرد التخيير هناك، فكذا هنا»[30].







ويمكن أن يجاب عن هذا: بثلاث مقدمات ونتيجة:



المقدمة الأولى: أنه قد جاء الأمر بالأضحية، وجاء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ضحى، ومثل هذا حكمه الوجوب ما لم يصرفه صارف إلى الاستحباب.



المقدمة الثانية: أن من المعلوم أن المندوب يجوز تركه -وإن كان الأرجح فيه جانب الفعل-، وأن المباح يجوز فعله وتركه، فالمرء فيهما ربما أراد الفعل، وربما أراد الترك، وأما الوجوب؛ فلا يحتمل فيه إلا الفعل، ولا يدخل فيه جواز الترك.



المقدمة الثالثة: أنه قد ورد تعليق الأضحية بالإرادة، فدلَّ أن الحكمَ فيها أحد الحكمين: الاستحباب أو الإباحة؛ لدخول الإرادة فيهما -كما سبق-.







النتيجة: أن تعليق الأضحية بالإرادة يصرف حكمها عن الوجوب، ولا يحتمل فيه إلا الاستحباب؛ لورود ما مرَّ في المقدمة الأولى.







فهذه هي الإرادة في الحديث، وهذا وجه دلالتها على الاستحباب، ولا حاجة إلى تأويلها بغير ذلك.







وهذا الجواب يَرِد على إشارة ابن تيمية إلى أن الواجب لا يوكل إلى إرادة العبد، وعلى أن المراد بالتعليق بالإرادة: تمييز القادر عن العاجز.



والله أعلم.







المطلب الثالث: المسائل الأصولية



المسألة الأولى



نقض الاستدلال بعمل أهل المدينة



مما استدل به ابن حزم في نقض أصل المالكية في الاستدلال بعمل أهل المدينة: أن من عمل أهل المدينة ما هو مخالفٌ لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذكر رواية محمد بن عمرو بن علقمة، عن عمرو بن مسلم الليثي، قال: كنا في الحمام قبيل الأضحى، فاطَّلى فيه ناس، فقال بعض أهل الحمام: إن سعيد بن المسيب يَكره هذا وينهى عنه، فلقيت سعيد بن المسيب، فذكرت ذلك له، فقال: «يا ابن أخي، هذا حديثٌ قد نُسي وتُرك...»، ثم قال: «فإن كان عمل أهل المدينة الذين يحتجون به ويتركون له كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من هذا الباب الذي ذكرنا؛ فنحن نبرأ إلى الله -تعالى- من هذا العمل...»[31].







ويناقش الاعتراض بهذا الحديث على أصل المالكية بأمرين:



الأول: أن الراجح فيه الوقف على أم سلمة -رضي الله عنها-.



الثاني: أن الحديث معارَضٌ بما هو أصح منه، وهو حديث عائشة -رضي الله عنها-، وهذا من حديث أهل المدينة، وأخرجه مالك في موطئه، قال ابن رشد: «ولم يأخذ مالك بحديث أم سلمة -وإن كان قد رواه-؛ لأن حديث عائشة عنده أصحُّ منه»[32].







المسألة الثانية



العمل بأقوال الصحابة



يمكن الاستدلال بهذا الحديث على عمل السلف بأقوال الصحابة، حيث جاء في رواية قتادة عن سعيد بن المسيب أن سعيدًا صوَّب رأي يحيى بن يعمر، مؤيدًا ذلك بأقوال الصحابة -رضي الله عنهم-.







المطلب الرابع: الفوائد والحِكَم



المسألة الأولى



الحكمة من النهي



وقد قيل فيها قولان:



القول الأول: «التشبُّهُ بال‍مُحرِمين؛ فإنهم الأصل، وهم أصحاب الهدايا والقرابين»[33]:



ونوقش هذا بأن المحرم يحرم عليه ما لا يقول أحد بتحريمه على المضحي، كالنساء والطيب والمخيط، وغيرها[34].







ويجاب عن هذا: بأنه لا يلزم أن يكون الشَّبَه بين المضحي والمحرم من كل وجه[35]، وإنما هو أخذُ المضحي بحظِّه من حظر بعضِ ما كان حلالاً؛ لمشابهته المحرمَ في بعض نُسُكه، وهو الهدي.







فإنه لما خصَّ الله -تعالى- الحجاجَ بالهدي، وجعل لنُسُك الحج محرماتٍ ومحظورات، وهذه المحظورات إذا تركها الإنسان لله أثيب عليها= فالذين لم يحرموا بحجٍّ ولا عمرة شُرع لهم أن يضحوا في مقابل الهدي، وشُرع لهم أن يتجنبوا الأخذ من الشعور والأظفار والبشرة؛ لأن المحرم لا يأخذ من شعره شيئاً، ولا يترفَّه، فهؤلاء -أيضًا- مثله، وهذا من عدل الله -عز وجل- وحكمته، كما أن المؤذن يثاب على الأذان، وغير المؤذن يثاب على المتابعة، فشرع له أن يتابع[36].







القول الثاني: أن التضحية سببٌ في المغفرة وعتق البدن من النار، وإذا تُركت أجزاء البدن؛ شملتها المغفرةُ، ودخلت في العتق جميعًا، والبشرة والظفر والشعر من الأجزاء.







واستُدل لهذا القول بما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «كبِّر أضحيتك؛ يُعتق الله بكل جزءٍ منها جزأً منك من النار»[37] [38].







كما وُجِّه هذا القول بأن «المضحي يجعل أضحيته فديةً لنفسه من العذاب؛ حيث رأى نفسه مستوجبةً العقاب، وهو القتل، ولم يؤذَن فيه، ففداها، وصار كل جزءٍ منها فداءَ كلِّ جزءٍ منه، فلذلك نهي عن إزالة الشعر والبشر؛ لئلا يُفقد من ذلك قسطٌ ما عند تَنَزُّل الرحمة وفيضان النور الإلهي؛ لتتم له الفضائل، وينَزَّه عن النقائص والرذائل»[39].







ويناقش هذا القول بأن دليله لا أصل له، وبأن في توجيهه بعضَ التكلُّف والبُعد.







والأقرب في الحكمة من النهي: القول الأول.







تنبيه:



لا يلزم من الشبه بين المحرم والمضحي سريان أحكام أحدهما على الآخر؛ لأن الشبه بينهما لم يكن من كل وجه -كما سبق-، ومن ذلك: فدية ارتكاب المحظور، فإنها وإن وجبت على المحرم، إلا أنها لا تجب على المضحي بالإجماع -كما سبق في مبحث المسألة-.







ولا يصح أن يقاس المضحي على المحرم في الفدية؛ لأن الاختلاف بينهما ظاهر فيما يلي:



أولاً: المحرم لا يَحرُم عليه إلا أخذ الرأس، وما سواه فإنه بالقياس، ونهي المضحي عن أخذ شعره عامٌّ للرأس وغير الرأس.



ثانيًا: المحرم لا يَحرُم عليه أخذ شيء من بشرته، وهذا يَحرُم.



ثالثًا: المحرم عليه محظورات أخرى غير هذا، فالإحرام أشد وأوكد فلذلك وجبت الفدية فيه، أما هذا فإنه لا فدية فيه[40].







المسألة الثانية



احتجاج العوام بأقوال العلماء



وهذا ظاهرٌ في قول بعض أهل الحمام لمن اطَّلى في عشر ذي الحجة: إن سعيد بن المسيب يكره هذا -أو: ينهى عنه-.







وهذا يفيد أن على العالم أن يُحكِم قوله، وأن يجعله واضحًا مبيَّنًا مفصَّلاً، وألاّ يكون كلامه غامضًا أو حمَّالاً للأوجه؛ لئلا يضطرب على الناس دينهم.







المسألة الثالثة



التلطُّف مع السائل



وهذا ظاهرٌ في قول سعيد بن المسيب لعمرو بن مسلم: «يا ابن أخي».







خاتمة



الحمد لله الموفق والمعين، وميسر العلم للراغبين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، وآله وصحبه والتابعين.







أما بعد:



فبعد هذا التطواف في هذا الحديث العظيم من السنة المطهرة، يمكن استخلاص نتائج البحث التي يحسن ختامه بها في النقاط التالية:



كان اهتمام العلماء ظاهرًا بهذا الحديث، حيث خرَّجوه في كتبهم الجامعة المسندة، وفي الأجزاء والمعاجم والمستدركات، كما أوردوه وتكلموا عليه في كتب الشروح والفقه، وبينوا ما تضمَّنه من المعاني والأحكام، وأوردوا ما يعارضه في السنة.







صحَّح هذا الحديث بعض أئمة الحديث، كمسلم وابن حبان والبيهقي، وأعلَّه الدارقطني بالوقف، وتبيَّن بعد الدراسة المطوَّلة أن الصواب في الحديث وقفه.







في الحديث نموذج لطلب المحدثين العلوَّ في الأسانيد.







دار الحكم الذي دلَّ عليه الحديثُ (حكم حلق الشعر وقص الأظفار لمن أراد أن يضحي) بين التحريم والكراهة والإباحة، وتبيَّن أن التحريم هو الراجح.







دل ظاهر الحديث على أن الحكم إنما هو لمن أراد الأضحية، بخلاف من يضحَّى عنه.







يجتنب ال‍مُحرِم الذي يريد الأضحية ما نهي عنه في هذا الحديث -وإن كان من السنة له حلق الشعر وقص الأظافر حال الإحرام-؛ وذلك لأنه إن كان النهي للكراهة؛ فجانب الحظر مقدَّمٌ على جانب الإباحة، وإن كان النهي للتحريم؛ فاجتناب المحرم مقدَّمٌ على فعل المستحب.







دلَّ الحديث على أن النهي يبدأ بإرادة الرجل أن يضحي، وينتهي بذبحه أضحيته، وإن لم يضحِّ؛ استمرَّ النهي إلى نهاية وقت الأضحية (آخر أيام التشريق)، وإن ضحى بعددٍ من الأضاحي؛ انتهى التحريم بذبح أولاها.







لم يدل الحديث على فديةٍ تجب على مرتكب النهي الوارد فيه.







اختُلف في دلالة هذا الحديث على استحباب الأضحية دون وجوبها، وعدم دلالته على ذلك؛ بناءً على الاختلاف في مفهوم قوله: «فأراد أحدكم أن يضحي».







استُدِلَّ بهذا الحديث على نقض دليل العمل بأهل المدينة، وفي هذا نظر، ويمكن الاستدلال به على احتجاج السلف بأقوال الصحابة.







اختُلف في الحكمة من النهي الوارد في الحديث، فقيل: إنه للتشبه بالمحرمين، وقيل: إنه لتحقق المغفرة وشمولها لجميع أجزاء البدن، والراجح الأول، وإن كان التشبه لا يكون من كل وجه.







في الحديث دلالةٌ على أن العوام يحتجّون بأقوال العلماء ويعتمدونها، فلا بد للعالم من أن يكون قوله محرَّرًا واضحًا.







في الحديث دلالةٌ على التلطُّف بالسائل.







والله -سبحانه وتعالى- أعلم، ورد العلم إليه أسلم، وما كان في هذه الدراسة من صواب فهو منه -بفضله ومَنِّه-، وما كان من خطأٍ فمن نفسي والشيطان، ورحم الله امرأً قوَّم وصوَّب، ونبَّه وأرشد.







وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.







[1] انظر: حاشية قليوبي وعميرة (4/251)، منح الجليل شرح مختصر خليل (2/ 474).



[2] انظر: حاشية الجمل على شرح المنهج (5/251).



[3] انظر: حاشية قليوبي وعميرة (4/251)، حاشية الجمل (5/251).



[4] انظر: الشرح الممتع، لابن عثيمين (7/486، 487).



[5] التمهيد في تخريج الفروع على الأصول، للإسنوي (ص513).



[6] حاشية الجمل (5/251، 252).



[7] مفيد الأنام ونور الظلام في تحرير الأحكام لحج بيت الله الحرام، لعبدالله ابن جاسر (2/253، 254).



[8] انظر: الحاوي الكبير (15/75)، البيان والتحصيل (17/315).



[9] (ص52، 53).



[10] انظر: شرح مختصر خليل، للخرشي (3/ 39)، الإنصاف، للمرداوي (4/ 109).



[11] انظر: شرح الزركشي على مختصر الخرقي (7/9).



[12] انظر: الغرر البهية في شرح البهجة الوردية، لزكريا الأنصاري (5/169).



[13] فيض القدير، للمناوي (1/340).



[14] انظر: نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، للرملي (8/132)، حاشيتا قليوبي وعميرة (4/251).



[15] انظر: نهاية المحتاج (8/132)، التمهيد، للإسنوي (ص263)، حاشيتا قليوبي وعميرة (4/251)، أسنى المطالب في شرح روض الطالب، لزكريا الأنصاري (1/542).



[16] أسنى المطالب (1/542).



[17] فيض القدير (1/339).



[18] المغني (13/363)، الإنصاف، للمرداوي (4/109).



[19] الشرح الممتع (7/489).



[20] اختلاف الحديث (10/157-ضمن الأم).



[21] الإقناع (1/376)، وانظر: الإشراف (3/403، 404).



[22] سنن الدارمي (2/1240)، صحيح ابن حبان (13/235، 237). وانظر في تقرير هذا الاستدلال: الحاوي الكبير (15/72)، المحلى (6/3، 4)، أحكام القرآن، لابن العربي (4/460)، التمهيد (23/193)، الاستذكار (15/160)، المنتقى، للباجي (3/100)، الهداية، للمرغيناني (4/355)، شرح السنة، للبغوي (4/348)، المغني (13/361).



[23] يعني: في آية: ï´؟فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِï´¾.



[24] لعله أراد: والقيام إلى الصلاة واجب؛ قياسًا على ما سبق ويأتي من كلامه.



[25] مجموع الفتاوى (23/163).



[26] الحاوي الكبير (15/72).



[27] المحلى (6/5، 6).



[28] مجموع الفتاوى (23/163، 164)، وانظر: إيثار الإنصاف في آثار الخلاف، لسبط ابن الجوزي (ص275).



[29] تبيين الحقائق، للزيلعي (6/3)، الهداية، للمرغيناني (4/355)، فتح القدير، لابن الهمام (9/509).



[30] مجمع الأنهر، لشيخي زاده (2/516)، العناية شرح الهداية، للبابرتي (9/508، 509).



[31] الإحكام في أصول الأحكام (2/118، 119).



[32] البيان والتحصيل (17/315).



[33] نهاية المطلب (18/161).



[34] انظر: الذخيرة للقرافي (4/142)، نهاية المطلب (18/161)، المجموع (8/392)، تحفة المحتاج في شرح المنهاج، لابن حجر الهيتمي (9/ 347)، مرقاة المفاتيح، لعلي القاري (3/1081)، فيض القدير (1/339).



[35] مرقاة المفاتيح (3/1081).



[36] الشرح الممتع (7/486)، بتصرف يسير.



[37] ذكره ابن السبكي -في طبقات الشافعية (6/301)- فيما لم يجد له إسنادًا من أحاديث إحياء علوم الدين، وقال العراقي -في المغني عن حمل الأسفار (ص320)-: «لم أقف له على أصل».



[38] انظر: الذخيرة للقرافي (4/142)، نهاية المطلب (18/161)، المجموع (8/392)، تحفة المحتاج في شرح المنهاج (9/ 347)، الغرر البهية في شرح البهجة الوردية (5/169).



[39] مرقاة المفاتيح (3/1081)، فيض القدير (1/363).



[40] الشرح الممتع (7/489) -بتصرف يسير-.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 238.84 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 234.19 كيلو بايت... تم توفير 4.66 كيلو بايت...بمعدل (1.95%)]