شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12547 - عددالزوار : 216258 )           »          معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7843 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 67 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859866 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 394215 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 94 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 71 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 66 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 72 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 66 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > ملتقى اخبار الشفاء والحدث والموضوعات المميزة > رمضانيات
التسجيل التعليمـــات التقويم

رمضانيات ملف خاص بشهر رمضان المبارك / كيف نستعد / احكام / مسابقات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 19-02-2024, 09:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم


شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم

الشيخ: د. محمد الحمود النجدي


– باب: كفّارةُ مَنْ


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَال: هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَال: «وَمَا أَهْلَكَكَ؟»، قَال: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، قَال: «هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟» قَال: لَا، قَال: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟»، قَالَ: لَا، قَال: «فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِيناً؟» قَال: لَا، قَال: ثُمَّ جَلَسَ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم - بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، فَقَال: «تَصَدَّقْ بِهَذَا»، قَال: أَفْقَرَ مِنَّا؟ فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ؛ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنَّا، فَضَحِكَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَال: «اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ»، وعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: احْتَرَقْتُ! قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم -: «لِمَ؟»، قَال: وَطِئْتُ امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ نَهَاراً، قَال: «تَصَدَّقْ تَصَدَّقْ»، قَال: مَا عِنْدِي شَيْءٌ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَجْلِسَ، فَجَاءَهُ عَرَقَانِ فِيهِمَا طَعَامٌ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ. الحديثان رواهما مسلم في الصيام (2/781) بَاب: تَغْلِيظِ تَحْرِيمِ الجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ على الصَّائِمِ، ووُجُوبِ الكَفَّارَةِ الكُبْرَى فيه وبَيَانِها، وأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى المُوسِرِ والمُعْسِرِ، وتَثْبُتُ فِي ذِمَّةِ المُعْسِرِ حَتَّى يَسْتَطِيعَ.
يروي أبو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أنَّ رَجُلًا جاءَ إلى النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم -، وهذا الصحابي: هو سلمة بن صَخْر البياضي، فقال: «هَلَكْتُ!» أي: فَعَلْتُ ما هو سَبَبٌ لِهَلاكي، وفي حديث عائشة -رضي الله عنها- أيضاً في الصحيحين: أنه قال: «احترقت» فأقرّه النبيّ -[- على قوله: «هلكت، واحترقت» ولو لمْ يكن الأمر كذلك، لهوَّن عليه النبي -صلى الله عليه وسلم - الأمْر، فدلّ هذا على أنّ الوطء في نهار رمضان مُحرّم ومن أعظم المُفطرات إثماً وجُرْماً، وأيضاً لوجُوب الكفارة فيه خاصّة.
للذَّنب حَرارة عند المُؤمن
وللذَّنب حَرارة عند المُؤمن، ولهذا قال الرجل كما في بعض الروايات: «احْترقت» وهكذا حال المؤمن مع الذنوب، فيرى أنّها تُحْرقه أو تُهلكه، فسَألَه - صلى الله عليه وسلم -: قَال: «ومَا أَهْلَكَكَ؟» وفي رواية: «ما شَأنُك؟» فأخبره أنَّه جامع امرأتَه في نهارِ رَمَضانَ فسَألَه - صلى الله عليه وسلم - عن استطاعتِه أنْ يُعتِقَ رَقبةً، ويُرادُ بها العبْدُ المملوكُ أو الأَمَةُ، وعتق الرقبة عند جمهور أهل العلم: لا بدّ أنْ تكون مؤمنة، وقال الحنفية: لا فرق بين مؤمنة أو كافرة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذكر الإيمان في الحديث، ولكن الصحيح هو ما عليه الجمهور، أنه لا بدّ مِنْ إيمان هذه الرقبة، ويكون هذا الحديث مقيداً بالنُّصوص التي فيها ذكر الإيمان، ككفارة قتل الخطأ.
العجز عن أنواع الكفارات الثلاث

قوله: «فقالَ: لا أسْتَطيعُ» فسَألَه -صلى الله عليه وسلم - عن استطاعتِه أنْ يَصومَ شَهْرَينِ مُتَتابِعَين، أي: لا يَفصِل بيْنَ الشَّهرَيْنِ بأيَّامِ فِطْرٍ لغيرِ عُذرٍ، فقالَ: لا أسْتَطيعُ، فسَألَه -صلى الله عليه وسلم - عن استطاعَتِه أن يُطعِمَ سِتِّين مِسكينًا، قال: لا، فأوضَحَ الرَّجُلُ أنَّه فقيرٌ، ومن أفقر أهل المدينة، أي: هو عاجِزٌ عن أداءِ أيٍّ نوعٍ مِنْ أنواعِ الكَفَّاراتِ الثَّلاثةِ.
المسألة الأولى
هل تسقط الكفّارة عن الإنسان المُعْسر الذي لا يجد الكفارة؟ لأنّه قال: «يا رسولَ الله، والله ما بين لابتيها أهل بيتٍ أفقر مني»، فعذَرَه النّبي - صلى الله عليه وسلم - وأسْقطها عنه، ولم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا قدرت كفّر، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد، وأحد قولي الإمام الشافعي، أمّا جمهور أهل العلم فيقولون: أنّها لا تَسْقط مع الإعْسَار، بل تبقى دَيناً في ذمّته، كما هو قول النووي هنا وتبويبه. قالوا: وأَمَّا الحَدِيثُ فَلَيْسَ فيه نَفْيُ اسْتِقْرَارِ الكَفَّارَةِ، بَلْ فيه دَلِيلٌ لِاسْتِقْرَارِها، لِأَنَّهُ أَخْبَرَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - في الكَفَّارَةِ بِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنِ الخِصَالِ الثَّلَاثِ، ثُمَّ أُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَقِ التَّمْرِ فَأَمَرَهُ بِإِخْرَاجِهِ، فَلَوْ كَانَتْ تَسْقُطُ بِالعَجْزِ، لَمْ يَكُنْ عَلَيه شَيءٌ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِإِخْرَاجِه، فَدَلَّ عَلَى ثُبُوتِهَا فِي ذِمَّتِهِ.
المسألة الثانية

ومن المَسائل المهمة: أن الإنسان إذا كان عالماً مختاراً غير مُكره، فإنّه يؤاخذ بعمله، وتجبُ عليه الكفارة إنْ كان هناك كفارة، أمّا إذا كان ناسياً أو مُكرهاً فإنه لا يؤاخذ، لأنّ الله -تعالى- يقول: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (البقرة: 286)، ولذلك النّبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعذر هذا الرجل؛ لأنّ هذا الرجل قال: «أصَبتُ امرأتي في نهار رمضان»، وقال: «وقعتُ على امْرأتي وأنا صَائم» وقال: «هلكت» وقال: «احترقت»، فهذا كلُّه يدلُّ على أنّه كان عامداً وعالماً بالحُكم الشرعي، وإلا لما أخَذَ عليه النبي -صلى الله عليه وسلم - هذا الأمر.
المؤاخذة في ارتكاب المَحْظُورات

فالمؤاخذة في ارتكاب المَحْظُورات، إنّما تتمّ بثلاثة أشياء:
1- العِلمُ وضِدّه الجهل.
2- الذِّكْر وضِدّه النسيان.
3- العَمْدُ وضدّه الخَطأ.
أما الجاهل أو الناسي أو غير المختار، فإنّه لا يُؤاخذ، ولذلك لو فعل الإنسان شيئاً من المُفْطرات: أكل أو شرب أو جامع ناسياً، لمْ يؤاخذ ولا تجب عليه كفارة، حتى في الجماع، وهذا من رحمة الله -تبارك وتعالى- بعباده.
المسألة الثالثة
ومن المسائل التي يستفاد منها في هذا الحديث: الرّفقُ بمن جاء تائباً ونادماً، ولا سيما إذا كان هذا الخطأ في حقّ الله -تبارك وتعالى-، بخلافِ ما إذا كان هذا الحقّ مُتعلقاً بالمَخلوقين، فهذا الرجل مع كونه أتى جُرْماً عظيماً وهو أعظم المفطرات، مع ذلك لم يُعنِّفه النّبي - صلى الله عليه وسلم -، وشواهدُ هذا في تعامل النبي -صلى الله عليه وسلم - كثيرة، وهو ممّا يدلّ على حُسن خُلُق النبي -صلى الله عليه وسلم -، وعظيم تربيته، وكرم وفادته، فهذا الرجلُ جاء خائفاً وجِلاً، فذهب من عند النبي -صلى الله عليه وسلم - فرحَاً مسروراً، ومعه المِكتل والزنبيل من التّمر الذي يُطعم به أهله، وكذلك كلُّ مَنْ ارتكب مَعْصية لا حَدّ فيها، ثمّ جاء نادماً تائباً راجعاً، يقول أهل العلم: إنه لا يُعزَّر ولا يُعنَّف.
المسألة الرابعة

لمْ يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن امرأة الرّجل، ولهذا اختلف أهل العلم في هذه المسألة: هل على المَرأة كفارة؟ على قولين، والصّحيح: عدم وجُوب الكفارة على المَرأة، والحجة لمَن لمْ يُوجب هي: تركُ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الاسْتفصال عن المرأة في هذا الحديث، وهل المرأة كانت موافقة أو مُكرهة؟ فدلّ على أنها لا كفارة عليها في كل الأحوال. والقاعدة في هذا: أنّ تَرْك الاسْتِفصال في مَقام الاحْتمال، يُنَزّل مَنْزلةَ العُموم في الأقوال.
قوله -صلى الله عليه وسلم - له: «اجْلِسْ»

وإنّما أمَره بالجُلوسِ؛ لانتظارِ الوَحْيِ في حَقِّه، وقيل: أنّه عرَف أنَّه سيؤتى بشَيءٍ يعينُه به، ليُكفّر به عنْ نفسه، فانتظَرَ الرَّجُلُ حتى أُتِيَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَقٍ فيه تَمْرٌ، أو عَرقان، والعَرَقُ: المِكتَلُ أو الوِعاءُ الضَّخمُ يَسَعُ خَمْسةَ عَشَرَ صاعاً مِنَ الطّعام أو التّمر، وهِيَ سِتُّونَ مُدًاً لِسِتِّينَ مِسْكِيناً، لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ.
فقال - صلى الله عليه وسلم - له: «خُذْ هذا» أي: هذا العَرَقَ بِتَمْرِه «فتَصدَّقْ به» على الفُقَراءِ والمحتاجين، فقال الرَّجُلُ: «أعلى أفْقَر منَّا؟» أي: أتصَدَّقُ به على شَخصٍ أفقَرَ مِنَّا؟ كأنَّه قال: ليس هناك في المدينةِ من هو أفقَرُ مِن أهلِ بيتي، فأنا أَوْلى بهذه الصَّدَقةِ من غيري.
قَوْلُهُ: «فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا»

هُمَا الحَرَّتَانِ، والمَدِينَةُ بين حَرّتين، والحَرّة الأرض الملبسة حجارة سَوداء، يُقَالُ: لَابَةٌ ولُوبَةٌ، ونَوْبَةٌ بِالنُّونِ، حَكَاهُنَّ أَبُو عُبَيْدٍ والجَوْهَرِيُّ وغيرهما مِنْ أَهْلِ اللُّغَة.
قوله: «فضَحِكَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حتَّى ظَهَرَت نَواجِذُه» والنّواجذ هي آخِرُ الأسْنانِ أو هي الأضراسُ؛ تَعجُّباً مِن حالِه؛ حيث إنّه جاءه خائفاً على نَفْسِه، راغبًا في فدائِها، فلمَّا وجد الرُّخصةَ؛ طَمِعَ أن يأكُلَ ما أُعطِيَه منَ الكَفَّارةِ!
وقيل: ضحك مِنْ حسْنِ بيانِ المتكَلِّمِ وتلَطُّفِه في الخِطابِ، وتوَسُّلِه في التوَصُّلِ إلى مَقصِدِه.
ثُمَّ قال - صلى الله عليه وسلم -: «أطعِمْه عِيالَك» فهم أولى من غيرهم لقربهم.

فوائد الحديث

1- رَمَضانُ شَهرٌ كَريمٌ، وصيامُه فَرْضٌ على العاقِلِ البالِغِ القادِرِ، وللفِطْرِ العَمْدِ فيه أحكامٌ، وفي هذا الحَديثِ بيانٌ للكَفَّارةِ لِمن جامَعَ أهْلَه في نهارِ رَمَضانَ.
2- وفيه: أنَّ كَفَّارةَ الجِماعِ في نَهارِ رَمَضانَ مُرَتَّبةٌ إعتاقًا، ثُمَّ صَوماً، ثُمَّ إطعاماً.
3- وفيه: إعانةُ المُعسرِ في الكَّفارةِ.
4- وفيه: ضحكِ النبي عندَ التَّعجُّبِ.
5- وفيه: استِعمالُ الكِنايةِ فيما يُستَقْبَح ظُهورُه بصَريحِ لَفظِه، وأنّ على المسلم أنْ يسأل عن دينه ولو كان سؤاله مما يستحيا منه، فلا ينال العلم مستحٍ ولا مستكبر. وفيه: الرِّفقُ بالمُتعلِّم، والتَّلطُّفُ في التَّعليمِ، والتَّأليفُ على الدِّين.
6- وفي الحديث: دلالة على أنّ المُسْتفتي يذهب إلى المفتي في مكانه، ويسعى حتى يصل إليه؛ لأنّ الأمر يتعلَّق بدينه، فالرجل ذهب للنبي - صلى الله عليه وسلم - وسأله.
7- وأنّ العالمَ بالشّرع عليه أنْ ينفع الناس، ويفتي في كلّ وقتٍ يستطيعه، فالرجل عندما وقعتْ عليه الواقعة، ذَهبَ للنبي - صلى الله عليه وسلم - واسْتفتاه، وهذا ممّا يجعل الناس يتعلَّقون بالعالم، ويكون أقرب إلى قلوبهم.
8- وفيه: ما كان عليه الصحابة من النَّدم على المَعصيةِ، واستِشعار الخَوفِ.
9- وفيه: جواز المَسألة لمنْ كان مُحتاجاً.
10- دلّ الحديث على أنّ حُدود المدينة النبوية، هو ما بين الحرّتين، لقوله «ما بينَ لابتيها» يُريد الحَرّتين.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 20-02-2024, 10:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم


شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم

الشيخ: د. محمد الحمود النجدي




– باب: في القُبْلة للصائم


عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عنها- قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلُ وهُوَ صَائِمٌ، ويُبَاشِرُ وهُوَ صَائِمٌ، ولَكِنَّهُ أَمْلَكُكُمْ لِإِرْبِهِ. الحديث رواه مسلم في الصيام (2/776) باب: بيان أنّ القُبلة في الصّوم ليستْ مُحرّمة على مَنْ لم تُحرّك شَهوته، ورواه البخاري في الصوم (4/149) باب: المُباشَرة للصائم. وقالت عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عنها-: يَحْرم عليه فرجُها.
تَقولُ عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عنها-: «كانَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلُ» أي: يُقبِّلُ زَوجاتِه، ويُباشِرُهنَّ، وفي رواية مسلم: «أنّ النّبي -[- كان يُقبّلها وهو صائم..»، والتقبيل أخصّ مِنَ المباشرة، فهو مِنْ ذكر العام بعد الخاص، والمُباشَرةُ هيَ الاستِمتاعُ بالزَّوجةِ بما دُونَ الجِماعِ، نحْوِ المُداعَبةِ والمُعانَقةِ، وأصل المباشرة: التقاء البشرتين، ويُستعمل في الجماع، وليس الجماع مُراداً بهذه الحديث، فقولها: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلُ وهُوَ صَائِمٌ، ويُبَاشِرُ وهُوَ صَائِمٌ» أي: يَفعَلُ هذا وهو صائمٌ، سواءٌ كان صَومَ فرْضٍ أو تَطوُّعٍ.
وقولها: «كان يقبّل ويباشر وهو صائم»
رواه عمرو بن ميمون عن عائشة بلفظ: «كان يُقبّل في شَهر الصّوم». أخرجه مسلم والنسائي، وفي رواية لمسلم: «يُقبّل في رمضان وهو صائم»، فأشارت بذلك إلى عدم التّفرقة بين صومِ الفَرض والنفل.
وفي هذا المعني: ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح: عن مسروق سألت عائشة: ما يحلّ للرجل مِن امرأته صائماً؟ قالت: كلُّ شيءٍ إلا الجِماع». (الفتح).
أيباشر الصّائم؟

وفي رواية حماد عند النسائي: «قال الأسود: قلت لعائشة: أيباشر الصّائم؟ قالت: لا. قلت: أليس كان رسول الله -[- يُباشر وهو صائم؟ قالت: إنّه كان أملككم لإربه»، وظاهر هذا أنّها اعتقدت خُصوصية النّبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، قاله القرطبي. قال: وهو اجتهاد منْها. وقول أم سلمة - يعني: الآتي ذكره - أولى أن يؤخذ به؛ لأنّه نصٌ في الواقعة.
قال الحافظ: قلت: قد ثبت عن عائشة صريحًا إباحة ذلك كما تقدم، فيجمع بين هذا وبين قولها المتقدم: «إنّه يَحلّ له كلّ شيء إلا الجماع» بحمل النَّهي هنا على كراهة التنزيه، فإنّها لا تنافي الإباحة. انتهى.
ويدلّ على أنّها لا ترى بتحريمها، ولا بكونها من الخَصائص: ما رواه مالك في «الموطأ»: أنّ عائشة بنت طلحة أخبرته: أنّها كانت عند عائشة، فدخل عليها زوجها وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر، فقالت له عائشة: ما يَمنعك أنْ تَدنو مِنْ أهلك، فتلاعبها وتقبّلها؟ قال: أقبلُها وأنا صَائم؟ قالت: نعم».
الاختلاف في القُبْلة والمُباشرة للصّائم

وقد اخْتُلفَ في القُبْلة والمُباشرة للصّائم: فكرهها قومٌ مُطلقًا، وهو مشهور عند المالكية، وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن ابن عمر: «أنّه كان يَكره القبلة والمباشرة». ونقل ابن المنذر وغيره عن قومٍ تحريمها؟ واحتجّوا بقوله -تعالى-: {فالآن باشروهن..} الآية، فمنع المباشرة في هذه الآية نهارًا، والجواب عن ذلك: أنّ النّبي - صلى الله عليه وسلم - -هو المُبين عن الله تعالى- قد أباح المباشرة نهاراً، فدلّ على أن المراد بالمباشرة في الآية الجماع، لا ما دونه من قُبْلة ونحوها، فقوله -تعالى-: {أو لامَسْتُم النّساء} النساء:43. الصواب في تفسيرها: أنَّ المُراد به الجماع، كما قال ابن عباس وجماعةٌ من أهل العلم.
وقال الترمذي: ورأى بعضُ أهل العلم أنّ للصّائم إذا مَلَك نفسه أنْ يُقبّل، وإلا فلا، ليَسْلم له صَومه، وهو قول سفيان والشافعي، ويدلّ على ذلك: ما رواه مسلم: من طريق عمر بن أبي سلمة وهو ربيب النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه سَأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيقبّل الصائم؟ فقال: سَلْ هذه- لأمّ سلمة- فأخبرته أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع ذلك، فقال: يا رسول الله، قد غَفر لك اللهُ ما تقدّم من ذنبك وما تأخر، فقال: «أمَا واللهِ إنّي لأتقاكم لله، وأخْشَاكم له»، فدلّ ذلك على أنّ الشابَ والشيخ سواء؛ لأنّ عُمر حينئذ كان شابًّا، ولعلّه كان أول ما بلغ، وفيه دلالةٌ على أنّه ليس من الخصائص.
واختلفَ فيما إذا باشرَ أو قَبّل أو نظر، فأنْزلَ أو أمْذَى، فقال الكوفيون والشافعي: يقضي إذا أنْزلَ في غير النّظر، ولا قضاء في الإمْذاء. وقال مالك وإسحاق: يقضي في كل ذلك ويُكفّر، إلا في الإمْذاء فيقضي فقط. واحتجّ له بأنّ الإنْزال أقصى ما يطلب بالجماع منَ الالتذاذ في كل ذلك، وتعقب بأنّ الأحْكامَ عُلقت بالجِماع، ولو لمْ يكنْ إنزالٌ، فافترقا.

وفي البخاري تعليقا: وقال جابر بن زيد: إنْ نَظر فأمْنَى؛ يتمّ صومه. وصله ابن أبي شيبة: من طريق عمر بن هرم: «سئل جابر بن زيد عن رجلٍ نظر إلى امرأته في رمضان فأمنى من شهوتها، هل يفطر؟ قال: لا، ويتم صومه».
وقال ابن قدامة: إنْ قبَّلَ فأنْزلَ، أفْطَرَ بلا خلاف.
قوله: «ولكنَّه كانَ أمْلَكَكُم لإرْبِه»
لإربه: بفتح الهمزة والراء وبالموحدة، أي: حاجته، ويروى بكسر الهمزة وسكون الراء، أي: عضوه، والأول أشهر، وإلى ترجيحه أشار البخاري بما أورده من التفسير.
وقال البخاري: وقال ابن عباس: «مأْرب: حَاجة» مأْرب بسكون الهمزة وفتح الراء، وهذا وصله ابن أبي حاتم: من طريق علي بن أبي طلحة وعكرمة عن ابن عباس في قوله: (وليَ فيها مآربُ أخْرى) قال: «حَوائج أخْرى»، وقال ابن عباس: في تفسير (أولي الإرْبة): المُقْعد، وقال ابن جبير: المَعتوه. وقال عكرمة: العنين، وقال طاووس: (غير أولي الإرْبة) الأحْمق لا حَاجة له في النساء. وصله عبد الرزاق في تفسيره.
معنى قولها: «كان أمْلَككم لإرْبه»

ومعنى قولها: «كان أمْلَككم لإرْبه» أي: حاجته بأنّه يَستطيع عليه الصلاة والسلام أنْ يَملك نفسه بأنْ لا يتدرّج به الأمر إلى الجِماع، فإذا كانت الوسيلة تُؤدّي إلى المفاسد، فلا تجوزُ هذه الوسيلة والغاية ممنوعة؛ لأنّ الوسائل لها أحْكام المقاصد، فالذي يَخاف الجماع عند المباشرة والتقبيل؛ فإنّه لا يجوز له ذلك؛ لأنّ الوسائل لها أحكام المقاصد، والذي يستطيع أنْ يتمتع بالمباشرة والتقبيل من غير أن يجامع فهذا جائز له.

فوائد الحديث


1- بيَّنَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأمّته بقولِه وفِعلِه، المشروعَ وغيرَ المشروعِ للصَّائمِ، ونَقَلَ لنا الصَّحابةُ الكرامُ ذلك عنه -صلى الله عليه وسلم .
2- حُسْنُ أخلاقِه - صلى الله عليه وسلم - مع أهلِه ولُطفِ مُعاشَرَتِه.
3- نقل أمّهات المؤمنين أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيته للأمّة، ومنه: بيان أمُّ المؤمنينَ عائِشةُ زُوجُ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم ورَضِيَ اللَّهُ عنها- القَدْرَ الحَلال الَّذي يُمكِنُ للصَّائمِ أنْ يَقْترِبَ فيه مِن امِرأتِه.
4- وفيه جواز الإخبار بالأمُور الخاصّة بين الزّوجين، إذا كان لمصلحةٍ، كتعليم جاهلٍ أو نحو ذلك، ولا يعدُّ هذا من الإفشاء المَنْهي عنه.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 22-02-2024, 12:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم


شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم

الشيخ: د. محمد الحمود النجدي




– باب: كفّارةُ


شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم - باب: كفّارةُ مَنْ وَقَعَ على امْرأتِه في رَمَضان
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه - قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَال: هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَال: «وَمَا أَهْلَكَكَ؟»، قَال: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، قَال: «هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟» قَال: لَا، قَال: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟»، قَالَ: لَا، قَال: «فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِيناً؟» قَال: لَا، قَال: ثُمَّ جَلَسَ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، فَقَال: «تَصَدَّقْ بِهَذَا»، قَال: أَفْقَرَ مِنَّا؟ فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ؛ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنَّا، فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَال: «اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ»، وعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: احْتَرَقْتُ! قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لِمَ؟»، قَال: وَطِئْتُ امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ نَهَاراً، قَال: «تَصَدَّقْ تَصَدَّقْ»، قَال: مَا عِنْدِي شَيْءٌ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَجْلِسَ، فَجَاءَهُ عَرَقَانِ فِيهِمَا طَعَامٌ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ. الحديثان رواهما مسلم في الصيام (2/781) بَاب: تَغْلِيظِ تَحْرِيمِ الجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ على الصَّائِمِ، ووُجُوبِ الكَفَّارَةِ الكُبْرَى فيه وبَيَانِها، وأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى المُوسِرِ والمُعْسِرِ، وتَثْبُتُ فِي ذِمَّةِ المُعْسِرِ حَتَّى يَسْتَطِيعَ.
يروي أبو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أنَّ رَجُلًا جاءَ إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وهذا الصحابي: هو سلمة بن صَخْر البياضي، فقال: «هَلَكْتُ!» أي: فَعَلْتُ ما هو سَبَبٌ لِهَلاكي، وفي حديث عائشة -رضي الله عنها- أيضاً في الصحيحين: أنه قال: «احترقت» فأقرّه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على قوله: «هلكت، واحترقت» ولو لمْ يكن الأمر كذلك، لهوَّن عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمْر، فدلّ هذا على أنّ الوطء في نهار رمضان مُحرّم ومن أعظم المُفطرات إثماً وجُرْماً، وأيضاً لوجُوب الكفارة فيه خاصّة.
للذَّنب حَرارة عند المُؤمن
وللذَّنب حَرارة عند المُؤمن، ولهذا قال الرجل كما في بعض الروايات: «احْترقت» وهكذا حال المؤمن مع الذنوب، فيرى أنّها تُحْرقه أو تُهلكه، فسَألَه - صلى الله عليه وسلم -: قَال: «ومَا أَهْلَكَكَ؟» وفي رواية: «ما شَأنُك؟» فأخبره أنَّه جامع امرأتَه في نهارِ رَمَضانَ فسَألَه -صلى الله عليه وسلم- عن استطاعتِه أنْ يُعتِقَ رَقبةً، ويُرادُ بها العبْدُ المملوكُ أو الأَمَةُ، وعتق الرقبة عند جمهور أهل العلم: لا بدّ أنْ تكون مؤمنة، وقال الحنفية: لا فرق بين مؤمنة أو كافرة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذكر الإيمان في الحديث، ولكن الصحيح هو ما عليه الجمهور، أنه لا بدّ مِنْ إيمان هذه الرقبة، ويكون هذا الحديث مقيداً بالنُّصوص التي فيها ذكر الإيمان، ككفارة قتل الخطأ.
العجز عن أنواع الكفارات الثلاث
قوله: «فقالَ: لا أسْتَطيعُ» فسَألَه - صلى الله عليه وسلم - عن استطاعتِه أنْ يَصومَ شَهْرَينِ مُتَتابِعَين، أي: لا يَفصِل بيْنَ الشَّهرَيْنِ بأيَّامِ فِطْرٍ لغيرِ عُذرٍ، فقالَ: لا أسْتَطيعُ، فسَألَه - صلى الله عليه وسلم - عن استطاعَتِه أن يُطعِمَ سِتِّين مِسكينًا، قال: لا، فأوضَحَ الرَّجُلُ أنَّه فقيرٌ، ومن أفقر أهل المدينة، أي: هو عاجِزٌ عن أداءِ أيٍّ نوعٍ مِنْ أنواعِ الكَفَّاراتِ الثَّلاثةِ.
المسألة الأولى
هل تسقط الكفّارة عن الإنسان المُعْسر الذي لا يجد الكفارة؟ لأنّه قال: «يا رسولَ الله، والله ما بين لابتيها أهل بيتٍ أفقر مني»، فعذَرَه النّبي - صلى الله عليه وسلم - وأسْقطها عنه، ولم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا قدرت كفّر، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد، وأحد قولي الإمام الشافعي، أمّا جمهور أهل العلم فيقولون: أنّها لا تَسْقط مع الإعْسَار، بل تبقى دَيناً في ذمّته، كما هو قول النووي هنا وتبويبه. قالوا: وأَمَّا الحَدِيثُ فَلَيْسَ فيه نَفْيُ اسْتِقْرَارِ الكَفَّارَةِ، بَلْ فيه دَلِيلٌ لِاسْتِقْرَارِها، لِأَنَّهُ أَخْبَرَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - في الكَفَّارَةِ بِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنِ الخِصَالِ الثَّلَاثِ، ثُمَّ أُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَقِ التَّمْرِ فَأَمَرَهُ بِإِخْرَاجِهِ، فَلَوْ كَانَتْ تَسْقُطُ بِالعَجْزِ، لَمْ يَكُنْ عَلَيه شَيءٌ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِإِخْرَاجِه، فَدَلَّ عَلَى ثُبُوتِهَا فِي ذِمَّتِهِ.
المسألة الثانية
ومن المَسائل المهمة: أن الإنسان إذا كان عالماً مختاراً غير مُكره، فإنّه يؤاخذ بعمله، وتجبُ عليه الكفارة إنْ كان هناك كفارة، أمّا إذا كان ناسياً أو مُكرهاً فإنه لا يؤاخذ، لأنّ الله -تعالى- يقول: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (البقرة: 286)، ولذلك النّبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعذر هذا الرجل؛ لأنّ هذا الرجل قال: «أصَبتُ امرأتي في نهار رمضان»، وقال: «وقعتُ على امْرأتي وأنا صَائم» وقال: «هلكت» وقال: «احترقت»، فهذا كلُّه يدلُّ على أنّه كان عامداً وعالماً بالحُكم الشرعي، وإلا لما أخَذَ عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الأمر.
المؤاخذة في ارتكاب المَحْظُورات
فالمؤاخذة في ارتكاب المَحْظُورات، إنّما تتمّ بثلاثة أشياء:
1- العِلمُ وضِدّه الجهل.
2- الذِّكْر وضِدّه النسيان.
3- العَمْدُ وضدّه الخَطأ.
أما الجاهل أو الناسي أو غير المختار، فإنّه لا يُؤاخذ، ولذلك لو فعل الإنسان شيئاً من المُفْطرات: أكل أو شرب أو جامع ناسياً، لمْ يؤاخذ ولا تجب عليه كفارة، حتى في الجماع، وهذا من رحمة الله -تبارك وتعالى- بعباده.
المسألة الثالثة
ومن المسائل التي يستفاد منها في هذا الحديث: الرّفقُ بمن جاء تائباً ونادماً، ولا سيما إذا كان هذا الخطأ في حقّ الله -تبارك وتعالى-، بخلافِ ما إذا كان هذا الحقّ مُتعلقاً بالمَخلوقين، فهذا الرجل مع كونه أتى جُرْماً عظيماً وهو أعظم المفطرات، مع ذلك لم يُعنِّفه النّبي - صلى الله عليه وسلم -، وشواهدُ هذا في تعامل النبي - صلى الله عليه وسلم - كثيرة، وهو ممّا يدلّ على حُسن خُلُق النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعظيم تربيته، وكرم وفادته، فهذا الرجلُ جاء خائفاً وجِلاً، فذهب من عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فرحَاً مسروراً، ومعه المِكتل والزنبيل من التّمر الذي يُطعم به أهله، وكذلك كلُّ مَنْ ارتكب مَعْصية لا حَدّ فيها، ثمّ جاء نادماً تائباً راجعاً، يقول أهل العلم: إنه لا يُعزَّر ولا يُعنَّف.
المسألة الرابعة
لمْ يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن امرأة الرّجل، ولهذا اختلف أهل العلم في هذه المسألة: هل على المَرأة كفارة؟ على قولين، والصّحيح: عدم وجُوب الكفارة على المَرأة، والحجة لمَن لمْ يُوجب هي: تركُ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الاسْتفصال عن المرأة في هذا الحديث، وهل المرأة كانت موافقة أو مُكرهة؟ فدلّ على أنها لا كفارة عليها في كل الأحوال. والقاعدة في هذا: أنّ تَرْك الاسْتِفصال في مَقام الاحْتمال، يُنَزّل مَنْزلةَ العُموم في الأقوال.
قوله - صلى الله عليه وسلم - له: «اجْلِسْ»
وإنّما أمَره بالجُلوسِ؛ لانتظارِ الوَحْيِ في حَقِّه، وقيل: أنّه عرَف أنَّه سيؤتى بشَيءٍ يعينُه به، ليُكفّر به عنْ نفسه، فانتظَرَ الرَّجُلُ حتى أُتِيَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَقٍ فيه تَمْرٌ، أو عَرقان، والعَرَقُ: المِكتَلُ أو الوِعاءُ الضَّخمُ يَسَعُ خَمْسةَ عَشَرَ صاعاً مِنَ الطّعام أو التّمر، وهِيَ سِتُّونَ مُدًاً لِسِتِّينَ مِسْكِيناً، لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ.
فقال - صلى الله عليه وسلم - له: «خُذْ هذا» أي: هذا العَرَقَ بِتَمْرِه «فتَصدَّقْ به» على الفُقَراءِ والمحتاجين، فقال الرَّجُلُ: «أعلى أفْقَر منَّا؟» أي: أتصَدَّقُ به على شَخصٍ أفقَرَ مِنَّا؟ كأنَّه قال: ليس هناك في المدينةِ من هو أفقَرُ مِن أهلِ بيتي، فأنا أَوْلى بهذه الصَّدَقةِ من غيري.
قَوْلُهُ: «فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا»
هُمَا الحَرَّتَانِ، والمَدِينَةُ بين حَرّتين، والحَرّة الأرض الملبسة حجارة سَوداء، يُقَالُ: لَابَةٌ ولُوبَةٌ، ونَوْبَةٌ بِالنُّونِ، حَكَاهُنَّ أَبُو عُبَيْدٍ والجَوْهَرِيُّ وغيرهما مِنْ أَهْلِ اللُّغَة.
قوله: «فضَحِكَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حتَّى ظَهَرَت نَواجِذُه» والنّواجذ هي آخِرُ الأسْنانِ أو هي الأضراسُ؛ تَعجُّباً مِن حالِه؛ حيث إنّه جاءه خائفاً على نَفْسِه، راغبًا في فدائِها، فلمَّا وجد الرُّخصةَ؛ طَمِعَ أن يأكُلَ ما أُعطِيَه منَ الكَفَّارةِ!
وقيل: ضحك مِنْ حسْنِ بيانِ المتكَلِّمِ وتلَطُّفِه في الخِطابِ، وتوَسُّلِه في التوَصُّلِ إلى مَقصِدِه.
ثُمَّ قال - صلى الله عليه وسلم -: «أطعِمْه عِيالَك» فهم أولى من غيرهم لقربهم.

فوائد الحديث
1- رَمَضانُ شَهرٌ كَريمٌ، وصيامُه فَرْضٌ على العاقِلِ البالِغِ القادِرِ، وللفِطْرِ العَمْدِ فيه أحكامٌ، وفي هذا الحَديثِ بيانٌ للكَفَّارةِ لِمن جامَعَ أهْلَه في نهارِ رَمَضانَ.
2- وفيه: أنَّ كَفَّارةَ الجِماعِ في نَهارِ رَمَضانَ مُرَتَّبةٌ إعتاقًا، ثُمَّ صَوماً، ثُمَّ إطعاماً.
3- وفيه: إعانةُ المُعسرِ في الكَّفارةِ.
4- وفيه: ضحكِ النبي عندَ التَّعجُّبِ.
5- وفيه: استِعمالُ الكِنايةِ فيما يُستَقْبَح ظُهورُه بصَريحِ لَفظِه، وأنّ على المسلم أنْ يسأل عن دينه ولو كان سؤاله مما يستحيا منه، فلا ينال العلم مستحٍ ولا مستكبر. وفيه: الرِّفقُ بالمُتعلِّم، والتَّلطُّفُ في التَّعليمِ، والتَّأليفُ على الدِّين.
6- وفي الحديث: دلالة على أنّ المُسْتفتي يذهب إلى المفتي في مكانه، ويسعى حتى يصل إليه؛ لأنّ الأمر يتعلَّق بدينه، فالرجل ذهب للنبي - صلى الله عليه وسلم - وسأله.
7- وأنّ العالمَ بالشّرع عليه أنْ ينفع الناس، ويفتي في كلّ وقتٍ يستطيعه، فالرجل عندما وقعتْ عليه الواقعة، ذَهبَ للنبي - صلى الله عليه وسلم - واسْتفتاه، وهذا ممّا يجعل الناس يتعلَّقون بالعالم، ويكون أقرب إلى قلوبهم.
8- وفيه: ما كان عليه الصحابة من النَّدم على المَعصيةِ، واستِشعار الخَوفِ.
9- وفيه: جواز المَسألة لمنْ كان مُحتاجاً.
10- دلّ الحديث على أنّ حُدود المدينة النبوية، هو ما بين الحرّتين، لقوله «ما بينَ لابتيها» يُريد الحَرّتين.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 22-02-2024, 01:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم


شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم

الشيخ: د. محمد الحمود النجدي

– باب: إذا أقْبَلَ ا



عَنْعبداللَّهِبْنِأَبِيأَوْفَى - رضي الله عنه - قَال: كُنَّامَعَرَسُولِاللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيسَفَرٍفِيشَهْرِرَمَضَانَ،فَلَمَّاغَابَتْالشَّمْسُ،قَال: يَافُلَانُ،انْزِلْفَاجْدَحْلَنَا،قَال: يارَسُولَاللَّهِ،إِنَّعَلَيْكَنَهَاراً،قَالَ: «انْزِلْفَاجْدَحْلَنَا»،قَال: فَنَزَلَفَجَدَحَ،فَأَتَاهُبِهِفَشَرِبَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -،ثُمَّقَالَبِيَدِهِ: «إِذَاغَابَتْالشَّمْسُمِنْهَاهُنَا،وَجَاءَاللَّيْلُمِنْهَاهُنَا،فَقَدْأَفْطَرَالصَّائِمُ». الحديثرواهمسلمفيالصيام (2/772) باب: بيانوقتانقضاءالصوموخروجالنهار.
قوله: «كنا مع النّبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ» قال الحافظ: هذا السّفر يُشْبه أنْ يكون سَفر غزوة الفتح، وقد تقدم أنّ سفرَه في رمضان مُنْحَصر في غَزْوة بدر، وغزوة الفتح، فإنْ ثبتَ فلمْ يشهدْ ابنُ أبي أوفى بدراً، فتعيّنت غزوة الفتح، وقوله: «فلمّا غابتْ الشمس» وفي رواية: «فلمّا غربت الشّمس» وهي تفيد معنى أزيد من معنى «غابت».
قوله: قاللبعضِالقوم: «يافلان»
وفي رواية أحمد: «فدَعَا صاحبَ شَرَابه بشَرابٍ، فقال: لو أمْسَيت»، وقوله: «فاجْدح» بالجيم ثمّ الحاء المهملة، والجَدْح: تحريك السُّويق ونحوه بالماء، بعُودٍ يقال له: المجدح، مُجنّح الرّأس، وزعم الداودي أن معنى قوله: «اجدح لي» أي: احلب، وغلّطوه في ذلك، فالجَدْح هو أنْ يَخلِطَ الشَّعيرَ المَدقوقَ، أو الدَّقيقَ باللَّبَنِ أو الماءِ، وذلك لِيُفْطِروا عليه.
قوله: «إنّ عليك نَهاراً»
يَحتمل أنّه كان يرى كثْرة الضوء مِنْ شدّة الصّحو، فيَظن أنّ الشّمس لمْ تَغْرب، ويقول: لعلّها غطاها شيء منْ جَبل ونحوه، أو كان هناك غيمٌ فلمْ يتحقّق غروب الشّمس، وأمّا قول الراوي: «وغابت الشّمس» فإخبارٌ منه بما يراه ظاهراً، وإلا فلو تحقّق الصحابي أنّ الشّمس غربت ما توقّف؛ لأنّه حينئذ يكون مُعانداً، وإنّما توقّف احتياطاً واسْتكشافاً عن حُكم المسألة. فظَنَّ الرجلُ أنَّ وَقْتَ الإفطارِ لم يَجِئْ بعدُ، فقال للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: يا رسولَ اللهِ، لو أخَّرْتَ الإفطارَ قَليلًا؛ للتَّأكُّدِ مِن دُخولِ وقْتِ الغُروبِ. قال الزّين بن المنير: يُؤْخذ من هذا جواز الاسْتفسار عن الظّواهر، لاحْتمال ألا يكونَ المُراد إمْرارها على ظاهرها. وكأنّه أخذ ذلك منْ تقريره - صلى الله عليه وسلم - الصّحابي على تَرْك المُبادرة إلى الامْتثال. وبهذا يكونُ مِنَ السنّة: تَعجيلُ الفِطرِ عندَ تَحقُّقِ غُروبِ الشَّمسِ مُباشرةً؛ لئلَّا يُزادَ في النَّهارِ مِن اللَّيلِ، ولأنَّه أرفَقُ بالصَّائمِ، وأقوى في شُكرِ النِّعمةِ.
وقد اختلفت الروايات: فأكثر ما وقع فيها أنّ المُراجعة «إنّ عليك نهاراً» وقع ثلاثاً، وفي بعضها مرّتين، وفي بعضها مرّة واحدة، وهو مَحمول على أنّ بعض الرواة اخْتصر القصة، وقد جاء أنه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يُراجع بعد ثلاث، وهو عند أحمد.
وحِكمة التِّكرار: أنّ مِنَ المَعلومِ أنَّ الخَيرَ كُلَّ الخَيرِ في اتِّباعِ هَدْيِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، والشَّرَّ كُلَّ الشرِّ يَأتي مِن الابتداعِ في الدِّينِ والزيادة فيه ما ليس منه، ولَمَّا كان الصِّيامُ مِن أجلِّ العِباداتِ وأعظَمِ القُرُباتِ، كان لِزاماً على المُسلِمِ أنْ يَلتزِمَ هَدْيَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فيه، والَّذي حثَّ فيه على تَعجيلِ الفِطرِ.
باب: في تَعْجيل الفِطْر

عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ؛ مَا عَجَّلُوا الفِطْرَ»، وعَنْ أَبِي عَطِيَّةَ قال: دَخَلْتُ أَنَا وَمَسْرُوقٌ عَلَى عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها-، فقالَ لَها مَسْرُوقٌ: رَجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، كِلَاهُمَا لَا يَأْلُو عَنْ الْخَيْرِ، أَحَدُهُمَا يُعَجِّلُ الْمَغْرِبَ وَالْإِفْطَارَ، وَالْآخَرُ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ والْإِفْطَارَ؟ فَقَالَتْ: مَنْ يُعَجِّلُ الْمَغْرِبَ وَالْإِفْطَارَ؟ قَال: عبداللَّهِ، فَقَالَتْ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ. الحديث رواه مسلم في الصيام (2/771) باب: فضل السّحور وتأكيد اسْتحبابه، واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر.
قوله: «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ، مَا عَجَّلُوا الفِطْرَ»
قال النووي: «فيه الحثُّ على تَعجيله بعد تحقّق غروب الشّمس، ومعناه: لا يَزال أمْر الأمة مُنْتظماً وهم بخير، ما داموا مُحافظين على هذه السُنَّة، وإذا أخّروه كان ذلك علامة على فسادٍ يقعون فيه». «شرح صحيح مسلم» (7 /208)، فعلّق النّبي - صلى الله عليه وسلم - خيريّة الأمة بتَعجيل الفِطر؛ لأنّها علامة على أنّهم مُلتزمون بسُّنَّة النّبي - صلى الله عليه وسلم -، كما أنّهم رُحَماء بأنفسِهم وأهْليهم، فلا يُرهقون أبْدانهم بما لا فائدة منه، ويتحقق ذلك التعجُّل: بالتَّمر والماء، بمجرَّد دُخول وقت المَغرب، وهو أولُ الليل.
الخير في اتباع هدي النبي - صلى الله عليه وسلم

وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزالُ أُمتي على سُنّتي، ما لمْ تَنْتظر بفِطرِها النجوم»، رواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، فمِنَ المَعلومِ أنَّ الخَيرَ كُلَّ الخَيرِ في اتِّباعِ هَدْيِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وأنّ الشَّرَّ كلَّ الشرِّ يَأتي مِن الابتداعِ في الدِّينِ، ولَمَّا كان الصِّيامُ مِن أجلِّ العِباداتِ، وأعظَمِ القُرُباتِ، كان لِزاماً على المُسلِمِ أنْ يَلتزِمَ هَدْيَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فيه، والَّذي حَثَّ فيه على تَعجيلِ الفِطرِ.
إحياءُ سُنَّةٍ مِنْ سُنن النّبي - صلى الله عليه وسلم
فتعجيل الفطر: فيه إحياءُ سُنَّةٍ مِنْ سُنن النّبي - صلى الله عليه وسلم -، بل ولسُنَن الأنبياء جميعاً، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما-: عن النّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّا مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُعَجِّلَ الإِفْطَارَ، وأَنْ نُؤَخِّرَ السَّحُورَ، وأَنْ نَضْرِبَ بِأَيْمَانِنَا عَلَى شمائِلِنا في الصَّلاة». رواه الطبراني في المُعجم الكبير، والضياء المقدسي في المختارة.
الفوزُ بمحبّة الله -تعالى

وفيه الفوزُ بمحبّة الله -تعالى-: لأنّ المُعجِّل بالفطور مَحبوبٌ عند الله عزّوجل، فقد روى أَبِو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجلَّ: أَحَبُّ عِبَادِي إِلَيَّ أَعْجَلُهُمْ فِطْرًا». رواه الإمام أحمد والترمذي.
ولعلّ سببَ محبّته -تعالى- إيّاه، طاعته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولأنّه إذا أفطر قبل الصلاة يؤدِّيها عن حُضور قلبٍ، وطُمأنينة نفسٍ، ومَنْ كان بهذه الصفة، فهو أحبُّ إلى الله -تعالى- ممّن لمْ يكنْ كذلك؛ انظر «شرح مصابيح السنة» للبغوي (2 /517). وفيه ترك التشبُّه بأهل الكتاب، فإنهم يؤخِّرون الفطر؛ كما جاء ذلك في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ، إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ». رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجة، وصحَّحه ابن خزيمة، وابن حبان.
الحديث الثاني

أما الحديث الثاني، ففي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التَّابِعيُّ أبو عَطِيَّةَ الوادِعيُّ أنَّه دخَلَ هو ومَسرُوقُ بنُ الأجدَعِ بنِ مالكٍ على أُمِّ المؤمِنينَ عَائِشةَ -رَضيَ اللهُ عنها-، وكان لا يدخُلُ أحدٌ عليها إلَّا بعدَ اسْتِئذانٍ، فسأَلَها مَسرُوقٌ عن رَجُلَينِ مِن أصْحابِ النَّبيِّ -[-، «كِلاهُما لا يَألُو عنِ الخيرِ» والمَعنى: لا يُقصِّر أيُّ أحدٍ منْهما عن طلَبِ الخيرِ، واتِّباعِ الهُدَى. وكانَ الأوَّلُ إذا كان صائماً يُعجِّلُ صَلاتَه للمغرِبِ، ويُعجِّلُ بإفْطارِه، فيُفطِرُ عندَ تحقُّقِ الغُروبِ، والآخَرُ إذا كان صائمًا يُؤخِّرُ المغربَ والإِفطارَ، والمرادُ بالتَّأخيرِ عدمُ المبالَغةِ في التَّعْجيلِ.
فسأَلَتْ: مَن يُعجِّلُ الإفْطارَ وصلاةَ المغربِ؟ وسأَلَتْ عنه دُونَ الثَّاني؛ لأنَّه أتَى بما يُثْنى عليه به، فأَحَبَّتْ مَعرِفَتَه؛ لِتُثْنِيَ عليه بذلك، فأخْبَراها أنَّه عبداللهِ بنُ مَسعُودٍ، فقالتْ: «هكذا كان رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصنَعُ»، أي: كان يُعجِّلُ المغربَ والإفْطارَ، كفِعلِ عبداللهِ بنِ مَسعودٍ - رضي الله عنه .
وقد ذُكِرَ أنَّ الآخَرَ الَّذي يؤخِّرُ الإفْطارَ، ويؤخِّرُ الصَّلاةَ، هو أبو موسى الأشْعَريُّ - رضي الله عنه -، فيُحمَلُ عَملُ ابنِ مَسعودٍ على السُّنَّةِ، وعَملُ أبي موسى على بيانِ الجَوازِ فقط.
فوائد الحديث


- بيان وقت الصّوم، وأنّ الغُروب متى تحقّق، فقد انْتهى وقتُ الصّوم.
- وفيه: استحبابُ تعجيل الفِطر، وأنّه لا يجبُ إمْسْاك جزءٍ من الليل مُطلقاً، بل متى تحقّق غروب الشّمس حلّ الفطر.
- وفيه: تذكير العالِم بما يُخْشى أنْ يكون قد نسيه، وترك المُراجعة له بعد ثلاث.
- وفيه: جَوازُ الصَّومِ في السَّفرِ، وتَفضيلُه على الفِطرِ لمَن لا تَلحَقُه بالصَّومِ مَشقَّةٌ ظاهرةٌ.
- وفيه: بَيانُ أنَّ الأمرَ الشَّرعيَّ أبلَغُ مِن الحِسِّيِّ، وأنَّ العقلَ لا يَقْضي على الشَّرعِ.
فوائد من الحديثين
- بَركةُ اتِّباعِ السُّنَّةِ، وأنّ بَقاءُ الخيرِ في النَّاسِ هو بسَببِ اتِّباعِهم للسُّنةِ، وأنَّ فَسادَ الأمورِ يَتعلَّقُ بتَغيُّرِ السُّنةِ، وأنَّ مُخالفةَ السُّنَّةِ في ذلِك علامة على فَسادِ الأُمورِ.
- لا يَزالُ المسلِمون على خَيرٍ وحقٍّ، وهدًى مِن اللهِ، ما داموا مُتمسِّكينَ بسُنَّةِ نَبيِّهم، واقفينَ عندَ حُدودِه، غيرَ مُبدِّلينَ ولا مُغيِّرين؛ ما عَجَّلوا بالإفطارِ مِنْ صَومِهم عندَ غُروبِ شَمسِ يَومِهم مُباشَرةً.
- وإنَّما كان تَعجيلُ الفِطرِ خَيراً؛ لأنَّه أحفَظُ للقوَّةِ، وأرفَعُ للمَشقَّةِ، وأوفَقُ للسُّنةِ، وأبعَدُ عن الغُلوِّ والبِدعةِ، وليَظهَرَ الفرْقُ بيْن الزَّمانينِ في حكْمِ الشَّرعِ.
- تعجيلُ النَّاسُ الفطرَ، فيه مُخالفةٌ لأهل الكتاب؛ لأنَّ اليهودَ والنَّصارَى يُؤخِّرونَ.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 22-02-2024, 03:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم


شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم

الشيخ: د. محمد الحمود النجدي

– باب: النَّهيّ عن ا


عن أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الْوِصَالِ؛ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ المُسْلِمِينَ: فَإِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُوَاصِلُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وأَيُّكُمْ مِثْلِي؟ إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي»، فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنْ الوِصَالِ، وَاصَلَ بِهِمْ يَوْماً، ثُمَّ يَوْماً، ثُمَّ رَأَوْا الْهِلَالَ، فَقَال: «لَوْ تَأَخَّرَ الْهِلَالُ؛ لَزِدْتُكُمْ» كَالْمُنَكِّلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا. رواه مسلم في الصيام (2/774) باب: النّهي عن الوصال في الصوم، ورواه البخاري في الصوم (1967) باب: الوِصَال إلى السّحر، من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه .
قوله: «نهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوصال» ورواه أيضاً ابن عمر وعائشة وأنس بن مالك. والوصال: هو متابعة الصّوم دون الإفطار بالليل، قاله القاضي عياض. وقال ابن الأثير، الوِصَال: ألا يفطر يومين أو أياماً، فهذا هو الوِصَال، فيَجعل الليل كالنهار، ولذلك نَهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الوصال، فيخبرُ أبو هُرَيرةَ - رضي الله عنه - أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهى عن مُواصَلةِ الصَّومِ بتَرْكِ الطَّعامِ لَيْلًا ونَهارًا، قَصْدًا وعَمْدًا؛ حيثُ إنَّ الوِصالَ لَم يُشْرَعْ للأُمَّةِ؛ رَحمةً ورِفقًا بهم.
النّهيّ عن الوصال في الصّوم
والنّهيّ عن الوصال في الصّوم؛ لما فيه من الضّرر الحاصل أو المُتوقع للإنسان، وشريعة الإسلام هي شريعة اليسر، كما قال -تعالى-: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ولا يُريد بكم العسر} البقرة: 185، فهي شريعة مُيسرة سَمحة لا عنتَ فيها ولا مشقة، والشّارع الحكيم يكره التّعمق والغلو، وتعذيب النّفس وإرْهاقها؛ فالله لا يُكلف نَفْساً إلا وسْعها، ثمّ إنّ النهي عن الوصال، هو من باب التيسير والتسهيل،
وليبقى عمل الإنسان ويدوم، وأيضًا فيه سلامة من الملل والسآمة، وفيه إعطاء النفس حقّها، وعدم إهمال الأمور الأخرى؛ ولذلك نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن هذا الوصال؛ لما فيه من الضرر الحاصل أو المتوقع.
أما حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: «فأيّكم أرادَ أنْ يُواصِل، فليواصِل إلى السَّحَر». رواه البخاري، فهذا يدلّ على جواز الوصال إلى السَّحر، يعني مَنْ أحبّ أنْ يُواصل، فإنّه يُواصل إلى السَّحر فقط، والسَّحَر: آخر الليل.
إني لست كهيئتكم

وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إني لست كهيئتكم» كهيئتكم: كصفتكم. «إنّي أطعم وأسْقى» فيه جواز الوصال للنّبي - صلى الله عليه وسلم - دون أمّته - صلى الله عليه وسلم -، وفي اللفظ الآخر أنّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «لي مُطْعِمٌ يُطْعمني، وسَاقٍ يَسْقيني»، وهذا في الصحيحين. وعند الإمام أحمد: أنّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «إني أظلّ عند ربّي يُطعمني ويُسقيني» فالنّبي - صلى الله عليه وسلم - جائز له أنْ يُواصل دُون أمّته؛ فهو القائل: «لستُ كهيئتكم» - صلى الله عليه وسلم -، لاسْتغنائه عن الطّعام والشّراب بما في قلبه مِنْ ذِكر الله -تعالى- والأنس بمناجاته.
النبي - صلى الله عليه وسلم - قدوةٌ لأصْحابه أجْمعين

وقول الصّحابة -رضي الله عنهم-: «إنّك تُواصل» ليس فيه اعتراضٌ، وإنّما هو سُؤالٌ واستفسارٌ عن كونه - صلى الله عليه وسلم - يُواصل، ونَهى عن الوِصال؛ لأنّه قدوةٌ لأصْحابه أجْمعين، وكان إذا أمَرهم - صلى الله عليه وسلم - بأمْرٍ، ابتدروا أمره - صلى الله عليه وسلم -؛ فلذلك سألوه فأجابهم: «إني لستُ كهيئتكم، إنّي أُطْعم وأسْقى» وهذا فيه بيانُ حسن تعليم وتربية النّبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنّه بين لصحابته الفرق بينه وبينهم، بأنّه يُطْعم ويسقى - صلى الله عليه وسلم -، ليزدَادوا طمأنينة وتسليماً لهذا الحُكم.
قوله -صلى الله عليه وسلم -: «إنّي أطْعَم وأسْقى»

وقوله -صلى الله عليه وسلم -: «إنّي أطْعَم وأسْقى» ذهبَ بعض العلماء أنّه على حَقيقته، فيرى أنّه طعامٌ وشرابٌ حسِّي، يستغني به عن الطّعام والشراب، تمسّكاً بظاهر الحديث.
والقول الثاني وهو الراجح: أنّه ليس على حَقيقته، بل يُريد - صلى الله عليه وسلم - ما يُعطيه الله -تبارك وتعالى- لنبيّه مِنْ قوة الطّاعم والشّارب والآكل، لاسْتغنائه عن المَطْعومات والمَشروبات بما في قلبه مِنْ ذِكر اللهِ -تعالى-، والأُنسِ به -سبحانه وتعالى-، فيَسْتغني بهذه الفُيوضات التي تأتيه مِنْ ربّه عن الطّعام والشّراب، وهذا هو القول الراجح، أنّ اللهُ -تعالى- يجعَلُ فيه قُوَّةَ الطَّاعِمِ الشَّارِبِ، ويُفيضُ عليه ما يسُدُّ مَسَدَّ الطَّعامِ والشَّرابِ، ويُقَوِّي على أنواعِ الطَّاعةِ مِن غَيرِ ضَعفٍ في القُوَّةِ.
قال ابن كثير: «الأظْهر أنّ الطّعام والشّراب في حقّه - صلى الله عليه وسلم - إنّما كان مَعنوياً لا حسِّياً، وإلا فلا يكون مُواصِلاً مع الحسِّي». وأشار إليه الحافظ ابن حجر -رحمه الله.
ومن هذا الباب: أنّ شيخ الإسْلام ابن تيميّة -رحمه الله-، كان قليلاً ما يأكلُ الطعام، أو يتناول الشّراب، ويُنْشد كثيراً بيت المتنبّي:
لها أحاديثُ مِنْ ذِكْراكَ تَشْغلُها
عن الشّرابِ وتُلْهِيها عن الزّاد
حُكم الوِصَال
أما حكم الوصال فقد اختلف فيه أهل العلم -رحمهم الله تعالى- على أقوال:
قول جمهور أهل العلم

قول جُمهور أهل العلم الأئمة الثلاثة: أبو حنيفة ومالك والشافعي، فيذهبون إلى تَحْريمه، وأمّا الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-، وإسحاق وجماعة من المالكية، فذهبوا إلى التفصيل، فهو عندهم جائز إلى السَّحر، عملاً بحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - مرفوعاً: «فأيُّكم أرادَ أنْ يُواصلَ فليُواصلْ إلى السَّحَر». رواه البخاري. مع أنّ الأولى تَرك الوِصَال تحقيقاً لتعجيل الإفْطار، ويُكره إذا زادَ عن يومٍ وليلة، وهذا التفصيل الذي اختاره الإمام أحمد، هو أعدلُ الأقوال كما قال العلامة ابن القيم.
فهذا هو أعدلُ الوصال وأسْهله؛ لأنّه -في الحقيقة- أخّر عَشَاءه، ونعلم أنّ الصائم في اليوم والليلة له أكلة، فكأنّه آخّرها فجعلها مع السَّحور، والأحْسن والأولى أنْ يتركَ الوصَال مُطلقاً، للحِرص على سُنَّة التعجيل بالفطر، ففطر الإنسان في أول الليل لا شك أنّه أفضل وأولى، للحديث السابق: «لا يزالُ الناسُ بخَيرٍ ما عجَّلوا الفِطْر»؛ وحديث: «أحبُّ عبادي إليَّ أعْجلُهم فِطراً».
قوله: «فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنْ الوِصَالِ»

قوله: «فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنْ الوِصَالِ؛ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْماً، ثُمَّ يَوْماً، ثُمَّ رَأَوْا الْهِلَالَ» أي: واصَل بهم النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الصَّومَ يَومَينِ، ثُمَّ رأَوا هِلالَ شَوَّالٍ، «فَقَال: «لَوْ تَأَخَّرَ الْهِلَالُ؛ لَزِدْتُكُمْ» كَالْمُنَكِّلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا. أي: قاَل ذلِك زَجرًا وتَأديبًا لهم؛ حيث كلَّفوا أنفُسَهم ما لا يَطيقون، فقالَ - صلى الله عليه وسلم -: «لوْ تَأخَّر لزِدْتُكم»، أي: لَيْتَه تَأخَّرَ هِلالُ شَوَّالٍ حتَّى أَزِيدَ في عَددِ أيَّام الوِصالِ، «كالمُنَكِّل بهم حينَ أَبَوْا».

فوائد الحديث

- النَّهيُ عن الوِصالِ.
- أنّ العِباداتُ أُمورٌ توقيفيَّةٌ تُؤدَّى كما أمر بها الشَّرعُ، وقد أُمِرْنا أن نتَّقِيَ اللهَ قَدْرَ الاسْتطاعةِ دونَ مَشَقَّةٍ على الأنفُسِ، وألَّا نتشَدَّدَ في الدِّينِ؛ لأنَّ النَّاسَ يختَلِفون في قُدُراتِهم وتحمُّلِهم، ولما في المُواصلة في الصوم إلى ما بعد السّحر مِنَ الضّرر الحاصل أو المتوقع.
- النّهيّ عن الوصال من تمامِ شَفَقةِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم -، ورَحمتِه بأُمَّتِه، وخوفِه عليها من المَللِ من العِبادةِ، والتَّعرُّضِ للتَّقصيرِ، وحتى لا تمَلَّ النُّفوسُ مِنَ العِباداتِ ومِن أوامِرِ الدِّينِ.
- وفيه: العدل الذي وضعه الله في الأرض، وهو إعطاء الله ما طلبه من العبادة، وإعطاء النفس حاجتها ومقوماتها.
- وفيه: حِرص الصحابة على الخير وعلى ما يُقرّب من الله، ومَحبتهم للفضل، فرغبوا في الْوِصَالِ تأسياً بالنّبي -صلى الله عليه وسلم - في كونه يُواصل، وقالوا له: إنّك تواصل.
- بعضَ الصَّحابةِ لم يمتَنِعوا عن الوِصالِ، لعلمهم أنَّ نَهْيَه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ إنّما هو نَهْيَ تنزيهٍ لا تحريمٍ.
- فيه: أنّ الأصل التأسي بالنّبي -صلى الله عليه وسلم -، حتى يقوم دليل خصوصية الحكم به.
- أنّ غروبَ الشّمس وقت للإفطار، ولا يَحصل به الإفطار، وإلا لما كان للوِصال معنى إذا صار مُفطراً بغروب الشمس.
- جواز الْوِصَالِ إلى السَّحَرِ لمن قَدر عليه، وتركه أولى.
- رحمة الشارع الحكيم الرحيم بالأمة؛ إذ حرَّم عليهم ما يضرّهم.
- الوِصَال من خصائص النبي -صلى الله عليه وسلم .
- أن الصحابة كانوا يرجعون إلى فعله المعلوم صفته ويبادرون إلى التأسي به إلاَّ فيما نهاهم عنه.
- حُسْنُ تعليم النّبي - صلى الله عليه وسلم -؛ حيثُ بيّن للصّحابة الفَرْق بينه وبينهم، ليزدادوا طمأنينة في الحُكم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 23-02-2024, 11:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم


شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم

الشيخ: د. محمد الحمود النجدي

باب: الصَّومُ والفِطر


عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عنهما- قَال: سَافَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ عُسْفَانَ، ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ فِيهِ شَرَابٌ فَشَرِبَهُ نَهَاراً لِيَرَاهُ النَّاسُ، ثُمَّ أَفْطَرَ حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عنهما-: فَصَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وأفْطَرَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ»؛ وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ عَامَ الفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الغَمِيمِ، فَصَامَ النَّاسُ، ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ، ثُمَّ شَرِبَ، فَقِيلَ لَهُ: بَعْدَ ذَلِكَ إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ فَقَالَ: «أُولَئِكَ العُصَاةُ، أُولَئِكَ العُصَاةُ».
الحديثان رواهما مسلم في الصيام (2/784) باب: جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية، إذا كان سفره مرحلتين فأكثر، وأنّ الأفضل لمن أطاقه بلا ضرر أنْ يصوم، ولمن يشقّ عليه أنْ يُفطر، وروى الحديث الأول البخاري في الصوم (1944) إذا صام أياماً من رمضان ثمّ سافر. ورواه أيضاً (1948) باب: من أفطر في السفر ليراه الناس.
الحَديثِ الأول
في الحَديثِ الأول: يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عنهما- أنَّ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خرَجَ مِن المَدينةِ في العام الثامن قاصِداً مكة، وذلك في فَتْحَ مكَّةَ في شَهرِ رَمَضانَ، وكان صائِماً هو ومَن معَه مِن النَّاسِ، وكان هذا في العامِ الثَّامِنِ مِن الهِجْرةِ.
فصام حتى وصل إلى عسفان

قوله: «فصام حتى وصل إلى عسفان» وفي الرواية الثانية: «فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ» قَالَ ابْن الْأَثِير: وعُسْفَان قَرْيَة جَامِعَة بَين مَكَّة والْمَدينَة، وكراع الغميم أَيْضا مَوضِع بَين مَكَّة والْمَدينَة، والكراع جَانب مستطيل من الحرَّة، مشتبها بِالكُرَاعِ، والغميم، بِفَتْح الْغَيْن المُعْجَمَة: وادٍ بالحجاز.
أمّا عسفان فبثمانية أَمْيَال يُضَاف إِلَيْهَا هَذَا الكراع، قيل: جبل أسود مُتَّصِل بِهِ، والكراع: كل أنف سَالَ من جبل أَو حرَّة، وقديد، بِضَم الْقَاف: مَوضِع قريب من مَكَّة فَكَأَنَّهُ فِي الأَصْل تَصْغِير: قد.
وقَال القَاضِي عِيَاض: اخْتلفت الرِّوَايَات فِي الموضع الَّذِي أفطر - صلى الله عليه وسلم - فِيهِ، والكل في قَضِيَّة وَاحِدَة، وكلهَا مُتَقَارِبَة، والجميع من عمل عسفان. انْتهى. وقَال أبُو عَبْدِ الله البخاري: والكَدِيدُ ماءٌ بيْنَ عُسْفَانَ وقُدِيدٍ. اهـ، والكَديدَ هو الماءُ الَّذي بيْنَ قُدَيْدٍ وعُسْفَانَ، واسمُها اليومَ «الحَمضُ»، وتَبعُدُ عن مكَّةَ قُرابةَ (90) كيلومترًا.
ووَقع فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: عَن ابْن عَبَّاس: أَنّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - خرج فِي رَمَضَان فصَام حَتَّى أَتَى قديداً، ثمَّ أَتَى بقدح من لبنٍ فشربه فَأفْطر هُوَ وَأَصْحَابه.
وقَوْله: «خَرَج إِلَى مَكَّة لعشر مَضَين من رَمَضَان»

وقَوْله: «خَرَج إِلَى مَكَّة لعشر مَضَين من رَمَضَان» كَانَ ذَلِك في غَزْوَة الفَتْح، خرج يَوْم الْأَرْبَعَاء بعد العَصْر لعشر مضين من رَمَضَان، فَلَمَّا كَانَ بالصّلصل، )جبل عِنْد ذِي الحليفة(، نَادَى مناديه: منْ أحبّ أَنْ يُفْطر فليُفطر، ومَنْ أحبّ أَن يَصُوم فليَصُم، فَلَمَّا بلغ الكديد أفطر بعد صَلَاة الْعَصْر على رَاحِلَته ليراه النَّاس.
فيقول ابنُ عبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عنهما- أنَّ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ظلَّ صائماً، فلمَّا بلَغَ الكديد، أفطَرَ، وأفطَرَ النَّاسُ معَه، وكان فِطرُه - صلى الله عليه وسلم - بعْدَ العَصرِ، وكان قدْ شقَّ على النَّاسِ الصَّومُ، فلمْ يزَلْ مُفطِراً حتَّى انْقَضى الشَّهرُ، فأرادَ - صلى الله عليه وسلم - الرِّفقَ بهم، والتَّيْسيرَ عليهم، أخْذًا بقَولِه -تعالى-: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (البقرة: 185)، فأخبَرَ -تعالى- أنَّ الإفْطارَ في السَّفَرِ أرادَ به التَّيْسيرَ على عِبادِه.
أي: لمّا صام الناس قيل له: إنّ الصّوم شقّ عليهم وهم ينظرون إلى فِعْلك، فدعا بماء فرفعه حتى يَنظر الناسُ إليه، فيقتدوا به في الإفطار، وكان لا يأمن الضعف عن القتال عند لقاء عدوهم، ثم أفطر طول الطريق إلى مكة، فكان ابن عباس يقول: قد صام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر وأفطر، فمن شاء صام ومن شاء أفطر، وابن عباس لم يشاهد هذه القصة؛ لأنه كان بمكة حينئذ فهو يرويها عن غيره من الصحابة.
الرِّواية الثانية

وفي الرواية الثانية عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ -رَضيَ اللهُ عنه- أنَّ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خرَجَ عامَ الفَتحِ إلى مكَّةَ في رَمَضانَ، فصامَ حتَّى بلَغَ كُراعَ الغَميمِ، فصامَ النَّاسُ، ثمَّ دَعا بقَدَحٍ من ماءٍ فرفَعَه، حتَّى نظَرَ النَّاسُ إليه، ثمَّ شَرِبَ، فقيلَ له بعدَ ذلك: إنَّ بعضَ النَّاسِ قد صامَ، فقال: «أولئك العُصَاةُ، أولئك العُصاةُ».
وكُراعُ الغَميمِ مَوضِعٌ يَبعُدُ عن مكَّةَ (64) كيلومترًا، وتُعرَفُ اليومَ: ببَرْقاءِ الغَميمِ، واخْتِلافُ المَكانِ الَّذي أفطَرَ فيه رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بيْن الحَديثَينِ راجِعٌ للتَّقارُبِ النِّسبيِّ بيْن المَكانَينِ، فذكَرَ ابنُ عبَّاسٍ مَوضِعًا، وذكَرَ جابرٌ الآخَرَ، وقيلَ: قدْ يكونُ عَلِمَ - صلى الله عليه وسلم - حالَ النَّاسِ ومَشقَّتَهم في مكانٍ، فأفطَرَ وأمَرَهم بالفِطرِ في مكانٍ آخَرَ.
السّفرُ الذي يُجِيز الإفطار
والسّفرُ الذي يُجِيز الإفطار: اخْتلف فيه الفقهاء باخْتلاف أنظارهم في السّفر، الذي توجد فيه مشقة فتوجد فيه الرخصة، فقيل: سفر يوم وليلة. وقال أبو حنيفة: ثلاثة أيام، بالسّير المُعْتاد للإبل، بحيثُ يسير نِصف النهار، ويستريح النّصف الآخر.
وهنا بحث: أيُّهما الأفضل في المرض والسفر: الفطر، أم الصوم؟ وقد أجاب عن ذلك العلماء: بأنّه إذا لمْ يجدْ مشقةً شديدة في المَرض أو السفر؛ فالأفضلُ له أنْ يصوم، ولا يكون بذلك معانداً لرخصة الله -تعالى. ولكن يكون محتاطاً في معنى المرض الذي يسوغ الرُّخصة، وإلا فالرُّخصة أفضل، وكذلك في حال السفر، إذا كان يرى أنه يستطيع الصوم من غير إجهاد، فالأفضل الصوم، ولا يكون ذلك معاندة للرخصة.
والسّفر المجرد في هذه الأيام لا مشقة فيه؛ ولذا فالأفضل الصّوم، منْ غيرِ أنْ نُقرّر وجوبه، حتى لا نكون معاندين لرخص الله، فإن الله -تعالى- يحبُّ أنْ تُؤتى رُخَصه، كما تُؤتَى عَزَائمه، كما صح في الحديث.
السَّفَرُ أقْسامٌ ثلاثة

- الأوّل: سفرٌ للجهاد في سبيل الله، وهذا لا يَحْسن فيه الصّوم، وإلا خالف السُّنّة وعارض الرخصة؛ لأنّ الله -تعالى- اخْتبر المؤمنين في غزوتين كانتا في رمضان، وهما: غَزْوة بدر الكبرى، وفتح مكة، كانت الأولى في السابع عشر من رمضان، والثانية في الثالث عشر، وقد أفْطرً فيهما النّبي - صلى الله عليه وسلم - هو ومن معه منَ الصّحابة المجاهدين.
- والقسم الثاني: السَّفر في مباحٍ كالتّجارة والزيارة، ويُتْرك الأمرُ فيه إلى حال المُسافر، إنْ وجد مشقة أفْطر وإلا صَام.
- والقسم الثالث: السّفر للمعصية، وكثير من الفقهاء لا يرون أنّ الرّخصة تشمله؛ لأنّه عاصٍ بسفره، والرّخصة نعمة وتخفيف، والمعصية لا تبيح له النعمة ولا التخفيف.

فوائد الحديث

1- مشروعيّة الغَزو في رَمضانَ، ومَشْروعيَّةُ الفِطرِ في نَهارِه؛ لئِلَّا يَضعُفوا عنِ الحَربِ.
2- وفيه: بَيانُ ما كان عليه النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِن الشَّفَقةِ بأُمَّتِه.
3- وفيه: سَماحةُ الشَّريعةِ، وسُهولةُ تَكاليفِها؛ حيث أباحَتِ الفِطرَ للمُسافِرِ؛ لمَا يَلحَقُه منَ التَّعبِ بسَببِ عَناءِ السَّفرِ.
4- أنّ الجِهادُ والغَزوُ مِنَ المَواطنِ الَّتي يُطلَبُ فيها كلُّ مَعاني الصِّحَّةِ والقوَّةِ، ولا سيما عندَ لِقاءِ العَدوِّ، ولقدْ رُخِّصَ في الفِطرِ للمُسافرِ؛ ليَتقوَّى به على سَفرِه، والجِهادُ أوْلى؛ لمَا يَحتاجُ مِن مَزيدِ قوَّةٍ، ولَكونِه سَبباً للنُّصرةِ على العَدوِّ.
5- فيه بَيَان صَرِيح أَنه -صلى الله عليه وسلم - صَامَ فِي السّفر، وفِيه رد على مَنْ لمْ يجوز الصَّوْم فِي السّفر.
6- وفِيه: بَيَان إِبَاحَة الْإِفْطَار فِي السّفر.
7- وفِيه: دَلِيل على أَن للصَّائِم فِي السّفر الْفطر بعد مُضِيّ بعض النَّهَار.
8- وفِيه: رد لقَوْل مَنْ زَعم أَن فطره بالكديد كَانَ فِي الْيَوْم الَّذِي خرج فِيهِ من المَدِينَة، وذهب الشَّافِعِي إِلَى أَنه لَا يجوز الفطر فِي ذَلِك اليَوْم، وإِنَّما يجوز لمن طلع علَيْهِ الفجْر فِي السّفر.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 23-02-2024, 11:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم


شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم

الشيخ: د. محمد الحمود النجدي

باب: ليْسَ مِنَ البِرّ الصِّيامُ فِي السَّفَر


شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم
باب: ليْسَ مِنَ البِرّ الصِّيامُ فِي السَّفَر
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَرَأَى رَجُلًا قَدْ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَقَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَال: مَا لَهُ؟ قَالُوا: رَجُلٌ صَائِمٌ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ»، الحديث أخرجه مسلم في الصيام (2/786) في الباب السابق، وأخرجه البخاري في الصوم (1946)، باب: قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم - لِمَنْ ظُلّلَ عليه واشْتدّ الحَرّ: « ليس مِنَ البِرّ الصّوم في السّفر».
في هذا الحَديثِ يَرْوي جابرُ بنُ عبدِ اللهِ الأنصاريُّ -رَضيَ اللهُ عنهما-: أنَّ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كان في سَفَرٍ، فرَأى قومًا مُجتمِعينَ حَولَ رجُلٍ، قدْ جُعِلَ عليه شَيءٌ يُظلِّلُه مِن الشَّمسِ؛ لِما حَصَل له مِن شِدَّةِ العطَشِ والتَّعَبِ، فسَأَلَهم النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا لَهُ؟» أي: ماذا أصاب صاحبَكم؟
قوله: «قَالُوا: رَجُلٌ صَائِمٌ»
قوله: «قَالُوا: رَجُلٌ صَائِمٌ» بَيَّنوا له أنَّ سَببَ ضَعْفِه كان لصَومِه، ولم يَأخُذْ برُخصةِ الإفطارِ في السَّفرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ» أي: أخْبَرَهم - صلى الله عليه وسلم - أنَّه ليسَ مِن حُسنِ الطَّاعةِ والعِبادةِ، الصَّومُ في السَّفرِ، إذا بلَغَ بالصَّائمِ هذا المَبلَغَ مِن المَشقَّةِ والتّعب، واللهُ قد رخَّص للصَّائمِ بالفِطْرِ، سواءٌ كان الصِّيامُ فَرْضاً أم تَطوُّعاً، وقد جاءتِ الرُّخصةُ بفِطرِ المُسَافرِ، في قَولِ اللهِ -تعالى-: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (البقرة: 185).
متى يتأكد الفطر؟
ويَتأكَّدُ الفطرُ إذا كانَ المُسافرُ في حَجٍّ أو جِهادٍ؛ لِيَتقوّى عليه، قال السندي: قَوْله: «لَيْسَ مِنْ الْبِرّ إِلَخْ» أَيْ: مِنْ الطَّاعَة والعِبَادَة اهـ. وقال النووي: مَعْنَاهُ: إِذَا شَقَّ عَلَيْكُمْ وَخِفْتُمْ الضَّرَر، وسِيَاق الْحَدِيث يَقْتَضِي هَذَا التَّأْوِيل... فالحَدِيث فِيمَنْ تَضَرَّرَ بِالصَّوْمِ اهـ
وهذا المعنى هو الذي فَهمه البخاري -رحمه الله- من الحديث، فإنّه ترجَم له بقوله: بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِمَنْ ظُلِّلَ عَلَيْه، واشْتَدَّ الحَرُّ: لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ اهـ
قال الحافظ: أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى أَنَّ سَبَب قَوْله - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» مَا ذَكَرَهُ مِنْ المَشَقَّةِ اهـ
وقال ابنُ القيّم في (تهذيب السُّنَن): «وأَمَّا قَوْله: «لَيْسَ مِنْ البِرّ الصِّيَام فِي السَّفَر» فَهَذَا خَرَجَ عَلَى شَخْص مُعَيَّنٍ، رَآهُ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، وجَهِده الصَّوْم، فَقالَ هَذَا القَوْل، أَيْ: لَيْسَ البِرّ أَنْ يُجْهِد الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ، حَتَّى يَبْلُغ بِهَا هَذَا الْمَبْلَغ، وَقَدْ فَسَّحَ اللَّه لَهُ فِي الفِطْر اهـ.
لا يَصحّ حَمْلُ الحَديث على عُمُومه
ولا يَصحّ حَمْلُ هذا الحَديث على عُمُومه، وأنّه ليسَ مِنَ البِرّ الصّوم في أيّ سَفَرٍ مِنَ الأسْفار، لأنّه ثبتَ عن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنّه كان يَصُوم في السّفر، وهو ردٌّ على مَنْ قال بأنّ الصّومَ لا يُجْزئ في السّفر في الفَرْض، وأنّ مَنْ صَام في السّفر؛ وَجَبَ عليه قَضَاؤه؟
ولهذا قال الخَطّابي -رحمه الله-: هَذَا كَلَام خَرَجَ عَلى سَبَب؛ فهُوَ مَقْصُورٌ عَلى مَنْ كَانَ فِي مِثْل حَاله، كَأَنَّهُ قَال: لَيْسَ مِنْ الْبِرّ أَنْ يَصُوم المُسَافِر، إِذَا كَانَ الصَّوْم يُؤَدِّيه إِلَى مِثْل هَذِهِ الْحَال، بِدَلِيلِ: صِيَام النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - في سَفَره عَام الْفَتْح اهـ. (عون المعبود).
الصَّوم أفْضل لمَن قَوِيَ عليه
وقد ذَهَبَ الأئمة أبو حنيفة ومالك والشافعي إلى أنّ الصَّومَ أفْضل لمَن قَوِيَ عليه، ولم يشق عليه، وقال الأوزاعي وأحمد وإسْحاق: الفِطرُ أفْضَل؛ عَمَلاً بالرُّخْصة، وقال آخرُون: أفْضلُهما أيْسَرهما، لقوله -تعالى-: {يُريدُ اللهُ بِكم اليُسْر}، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ رَغِبَ عنْ سُنّتي، فليسَ منّي»، وأمّا حديث: ابن عمر مرفوعاً: «الصّائمُ في السّفر، كالمُفْطر في الحَضَر». أخرجه ابن ماجة بسندٍ ضعيف.
باب: تَرْكُ العَيْبِ عَلَى الصَّائِمِ والمُفْطِر
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِسِتَّ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ، فَمِنَّا مَنْ صَامَ، وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ، فَلَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى المُفْطِرِ، ولَا المُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ، الحديث رواه مسلم (2/786)، في الباب نفسه، وأخرجه البخاري (1947) في الصّوم: عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كُنَّا نُسَافِرُ مع النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ علَى المُفْطِرِ، ولَا المُفْطِرُ علَى الصَّائِمِ.
يَروي الصّحابيّ أنسُ بنُ مالكٍ - رضي الله عنه -: أنَّهم كانوا يُسافِرون مع النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فلمْ يَعِبْ ولم يُنكِرْ مَنْ صَامَ على مَن أَفطَرَ؛ لأنَّه عَمِل بالرُّخْصةِ، ولم يَعِبْ ولم يُنكِرْ مَنْ أفطَرَ على مَنْ صَامَ بما عِندَه مِن عَزيمةٍ وقُدرةٍ؛ فكِلا الأمْرينِ مَشروعانِ للمُسافرِ، وهذا كلُّه مُراعاةٌ لاختلافِ أحْوالِ النَّاسِ في السَّفرِ؛ فمَن اسْتطاعَ الصَّومَ صامَ، ومَنْ لمْ يَستطِعْ أخَذَ بالرُّخْصةِ دونَ حَرَجٍ، وقد جاءتِ الرُّخصةُ في فِطْرِ المُسافرِ، في قولِ اللهِ -تعالى-: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (البقرة: 185).
ويَتأكَّدُ الفِطرُ إذا كان المُسافرُ في حَجٍّ أو جِهادٍ؛ لِيَقْوى عليه.


فوائد الحديث
- عدَمُ الاعْتراضِ أو الإنْكار أو الغَضَبِ على الأمْرِ الجَائزِ والرّخْصة.
- وفيه: حُسنُ مُرَاعاةِ الصَّحابَةِ بعضِهم بَعْضاً، وحِفْظهم لحَقّ الأخوّة، وعِلْمُهم بالرُّخَصِ والعَزائِمِ الشرعيّة.
- وفيه: أنَّ مِنْ فَضْلِ العِلمَ بشَرائِعِ الدِّينِ، أنّه يَمْنَعُ وُقوعَ الاختِلافِ بيْن المُسلِمينَ.
- أنّ الرُّخَصُ في العِباداتِ، شُرِعَتِ لِمَن لا يَقدِرُ ولا يَقْوَى على الأخْذِ بالعَزيمةِ؛ رَحمةً مِن اللهِ -عزَّ وجلَّ- ورِفْقًا بعِبادِه، فلا يَنقَصُ مِنْ قَدْرِ مَنْ أخَذَ بها ولا يُعابُ بها، بلْ إنَّ الأخذَ بالرُّخْصةِ في مَوضعِها، مِثلُ الأخذِ بالعَزيمةِ في مَوضعِها، كما جاء في الحديث الصحيح.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 24-02-2024, 10:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم


شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم

الشيخ: د. محمد الحمود النجدي

أجْرُ المُفْطِر في السَّفَر إذا تَولَّى العَمَل


شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم - باب: أجْرُ المُفْطِر في السَّفَر إذا تَولَّى العَمَل

عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي السَّفَرِ، فَمِنَّا الصَّائِمُ، ومِنَّا المُفْطِرُ، قَال: فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ، أَكْثَرُنَا ظِلًّا صَاحِبُ الكِسَاءِ، ومِنَّا مَنْ يَتَّقِي الشَّمْسَ بِيَدِهِ. قَال: فَسَقَطَ الصُّوَّامُ، وَقَامَ المُفْطِرُونَ، فَضَرَبُوا الْأَبْنِيَةِ، وَسَقَوْا الرِّكَابَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالْأَجْرِ». رواه مسلم في الصيام (2/788) باب: أجر المُفطر في السّفر إذا تولّى العمل. ورواه البخاري في كتاب الجهاد والسير (2890) باب: فضل الخدمة في الغزو.
يقول أنس - رضي الله عنه -: أنّهم خَرَجُوا مع النّبي - صلى الله عليه وسلم - في سَفَر، وفي يومٍ حار شديدِ الحرارة، ولمْ يكُنْ لهم ما يَستظِلُّونَ به في هذا الحَرِّ، وكان أكثَرُهم ظِلًّا الذي يَستَظِلُّ بكِسائِه، أي: برِدائِه. وكان منْهم صائِمونَ، ومنْهم مُفْطِرونَ، فأمَّا الصَّائِمونَ فلم يَفعَلوا شَيئًا من الخِدمةِ ونَحوِها؛ لِما بهم مِن جَهْدِ الصِّيامِ والسَّفَرِ.
سفر غَزوة الفتح
ولعلّ هذا السفر- والله تعالى أعلم- كانَ سفر غَزوة الفتح، كما في الحديث السابق، وكان فيهم الصّائم، وفيهم المُفْطر، قال: فسَقَط الصُّوّام، أي: ضَعفَ الصُّوام وسقطوا في الأرض، للرّاحة مِنْ شِدّة الإعْياء، أمَّا المُفْطِرون: فضَربوا الأبنية، أي: بنَوا الخِيام، وسَقَوا الرّكاب، أي: الإبل، فلمّا رأى هذا النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «ذَهَبَ المُفْطِرُون اليومَ بالأَجْر». أي: بالأجْرِ الكاملِ الوافِرِ.
وقول أنس - رضي الله عنه -: «فمنّا الصّائم، ومنّا المُفْطر»، هذا كما تقدم في حديثه السالف أنّه قال: «فلم يَعِب الصّائمُ على المُفْطِر، ولا المُفْطر على الصّائم»، فالمُفطر لا يَعيب على الصائم في السّفر، والصّائم لا يَعِيبُ على المفطر في السفر، فالكلّ على خَير.
أفْضَليّة الفِطر في السّفر
ولكنّ الحديثَ يدلُّ على أفْضَليّة الفِطر في السّفر، عندَ التّعبِ والمَشَقّة، وشِدَّة الحَرّ، فإنّه أولى مِنَ الصَّوم، ويَنْبغي للإنسان أنْ يأخذَ بالرُّخْصة في مثلِ هَذا، وأنْ يَقْبلها، فالله -جل وعلا- يقول: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (البقرة: 184)، وقال -عليه الصّلاة والسلام- كما مَرَّ معنا: «ليس مِنَ البِرّ الصّيام في السفر». أي: ليس منَ البرّ الكاملِ أو المطلوب، أنْ يصُومَ الإنسانُ في السَّفر الشاقّ عليه.
فوائد الحديث
- الفطر أفضل مِنَ الصّيام، إذا كان في ذلك مَصْلحةٌ وفائدةٌ أعْظم، مِثل إذا كان فيه إعانةٌ على مُلاقاة الأعْداء، والتّقوى على أعمالِ الجِهاد، فإنّ فَائدةَ الفِطْر هنا تتَعدّى إلى أمرٍ أهمّ وأعْظَم مِنَ النّفْع الخَاص، فالإنسان إذا صَامَ كانت الفائدةُ لنفسه، أمّا إذا أفْطَرَ لمَا يَتعلّق بالمَصْلحة العامّة للمُسلمين، مثل: الجِهاد وغيره مِنَ الأعْمال، فلا شك أنَّ الفِطْرَ أفضلُ في هذه الحال.
- ومن الفوائد: أنَّ أجْرَ العامل بقَدْر نفعٍ عَمله، وكلمّا كان النّفع مُتعدّياً، كان أكثر للأجْر والثواب، لارْتباطه بمَصَالح الناسِ ومَصالح المسلمين، فقول النّبي - صلى الله عليه وسلم -: «ذهبَ المُفْطرون بالأجر» يعني: بأجرٍ يَزيدُ على أجْر الصّائم.
فضل خِدمة الإخْوان والأهل والخِلان
- ومن الفوائد: بيان فضل خِدمة الإخْوان والأهل والخِلان، ولا سيما في السّفر؛ لأنّه موضع تَعبٍ ومشقّة، وأنّ هذا مِنَ الخُلق الحَسن، ومِنَ المُروءة والرُّجولة، التي سبقنا إليها خيارُ هذه الأمّة مِنْ صَحابة الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم -، خِلافاً لبعض المتكبّرين الذين يترفعون عن هذا الباب، فالناس إذا كانوا في شدّةٍ، أو كانوا في سَفَر، فينبغي على الإنسان أنْ يُعين مَنْ يحتاج إلى الإعانة، مِنَ الضُّعفاء وكبار السّن، وأنْ يُسَاهم بما يستطيع، وأن يبذل جُهده، ويتعاون مع إخْوانه.
- وأيضاً: فهؤلاء المُفْطِرون مِنَ الصّحابة -رضي الله عنهم-، فَعَلوا هذا الفعل، وقدّموا الإحْسان، وخَدَموا إخْوانهم، دون اسْتِشرافٍ أو تَطَلّع للمُكافئة، أو للمَدْح والثناء، فلذلك استحقّوا هذا البِشارة النّبوية: «ذَهَبَ المُفْطِرُون اليومَ بالأجر».
مَشْروعيةُ الثناء على المُحْسنين
- ومِنَ الفوائد التَّربويّة: مَشْروعيةُ الثناء على المُحْسنين، والتَّشجيع على الأعْمال الصالحة والنافعة، التي تنفع المُجْتمع وتنفع الناس؛ لأنّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - أثْنَى عليهم فقال: «ذَهبَ المفطرون اليوم بالأجر». رضي الله عن هؤلاء الصحابة أجمعين.
- وأنّ بَذل العَونِ لِلضُّعَفاءِ والمُحتاجينَ وخِدمَتُهم، مِنْ أفضَلِ أبوابِ البِرِّ وأعظَمِها أجْراً.
- ومِنَ الفوائد: أنّ فِعْلَ الأسباب، لا يُنَافي التّوكّل على الله -عزّ وجل-، فإنّ الصّحابة تَوقّوا الشّمْسَ، فمنْهم مَنْ يَتّقِي الشّمسَ بالكِساء، ومنْهم مَنْ يَتقّي الشّمس بيده، ثمّ لمّا احتاجوا للفِطر أفْطروا.
- ففعلُ الأسْباب؛ لا يُنَافي التّوكّل على الله -عزّ وجل-، بل الشريعة جاءت بالأخْذِ بالأسباب النافعة، كما ورد عن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - في سُنّته القوليّة والفِعلية.
حثّ الإسلام على العَمل وعدم الاتّكاليّة
- وفيه أيضاً: أنّ الإسلام حثّ على العَمل وعدم الاتّكاليّة، وألا يَتَطلّع المَرْءُ إلى خدمة الآخرين له، أو إلى كفايته مِنَ الناس، دون أنْ يَبْذل جُهداً.
- ومن الفوائد الجميلة -وهي مِنْ مَحاسِن دينِ الإسْلام- أنّ هذا الدينَ دِينُ شمولية وكَمالٍ وأخْلاق، فالصّحابة -رضي الله عنهم- لما بنوا الخيام لإخوانهم، لمْ يَنْسَوا الإبل والدواب من السَّقْي والإطعام، لم ينسوا الركائب والحيوانات التي معهم، وهذا يَدلّ على الاهتمام بحقوق الحَيوان في الإسْلام.
- وفي الحَديثِ: ما كان عليه النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم - وأصْحابُه -رضي الله عنهم- مِن شِدَّةِ العَيشِ، وخدمتهم لأنفسهم.
باب: الفِطْرُ للقُوّة للقَاء العَدُو
عن قَزَعَةَ قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ - رضي الله عنه - وَهُوَ مَكْثُورٌ عَلَيْهِ، فَلَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْهُ، قُلْتُ: إِنِّي لَا أَسْأَلُكَ عَمَّا يَسْأَلُكَ هَؤُلَاءِ عَنْهُ، سَأَلْتُهُ عَنْ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ؛ فَقَال: سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى مَكَّةَ وَنَحْنُ صِيَامٌ، قَال: فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ، والْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ» فَكَانَتْ رُخْصَةً، فَمِنَّا مَنْ صَامَ، ومِنَّا مَنْ أَفْطَرَ، ثُمَّ نَزَلْنَا مَنْزِلًا آخَرَ، فَقَال: «إِنَّكُمْ مُصَبِّحُو عَدُوِّكُمْ، والْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَأَفْطِرُوا» وَكَانَتْ عَزْمَةً فَأَفْطَرْنَا، ثُمَّ قَال: لَقَدْ رَأَيْتُنَا نَصُومُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ ذَلِكَ في السَّفَرِ. الحديث رواه مسلم في الباب السابق.
فيُخبِرُ التَّابِعيُّ الثّقة قَزَعةُ، وهو ابنُ يَحْيى البَصْريُّ، أنَّه جاء إلى الصحابي الجليل أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -، «وهو مَكْثورٌ عليه، أي: حَوْلَه أُناسٌ كَثيرونَ، يَتعلَّمونَ ويَستَفيدونَ من حَديثِه، فلمَّا تَفرَّقَ النَّاسُ عنه وانْصَرَفوا، قال لأبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه -: إنِّي لا أَسْألُكَ عمَّا يَسألُكَ النَّاسُ عنه مِن مَسائِلَ، ولعلَّه يقصِدُ أنَّ مَسألَتَه لم يسبِقْ لأبي سَعيدٍ - رضي الله عنه - أنْ تَناوَلَها، أو سأَلَه أحدُهم عنها في مجلِسِه هذا.
سؤاله عن الصيام في السفر
فسأَلَه عن الصِّيامِ في السَّفَرِ، حُكمِه وما فيه مِن رُخَصٍ أو عَزائِمَ، فأخبَرَه أبو سَعِيدٍ - رضي الله عنه - مُوضِّحاً له أحْوالَهم في السَّفَرِ معَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أنَّهم ابْتَدؤوا السَّفَرَ منَ المدينةِ إلى فَتْحِ مَكَّةَ، وهم صِيامٌ في شَهرِ رَمَضانَ، فلمَّا نَزَلوا مكانًا للرَّاحةِ، أخبَرَهم رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهم قدِ اقتَرَبوا مِنَ العَدُوِّ والحَرْبِ، وأنَّ الفِطرَ أقْوَى لهم، فلِقاءُ العَدوِّ يَحتاجُ إلى القُوَّةِ، والفِطْرُ يُحقِّقُ ذلك أكثَرَ مِنَ الصِّيامِ، وهذا دَليلٌ على أنَّ حِفظَ القُوَّةِ بالفِطْرِ، أفضَلُ شرعاً لِمَن هو مُنتَظِرٌ لِقاءَ العَدُوِّ.وقولُه: «فكانَتْ رُخْصةً» يَعني: أنَّهم لمْ يَفهَمُوا مِن هذا الكَلامِ الأمرَ إيجاب الفِطرِ، ولا الجَزمَ به، وإنَّما نبَّهَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على أنَّ الفِطرَ أَوْلى لِمَن خافَ الضَّعفَ. فمنهم مَن صامَ، ومنهم مَن أفطَرَ.ثُمَّ أنَّهم نَزَلوا مَكانًا آخَرَ للاستِراحةِ، فقال لهمُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّكُم مُصَبِّحُو عَدُوِّكم»، أي: ستَهجُمونَ عليه في الصَّباحِ، «والفِطرُ أقْوَى لكم، فأَفْطِروا»، قال أبو سَعيدٍ - رضي الله عنه -: «وكَانَتْ عَزْمةً»، أي: أنَّهم فَهِموا من أمرِه بالفِطْرِ هذه المرَّةَ أنَّه جَزْمٌ، ولا بُدَّ منه، فأفْطَروا جَميعُهم، وفي هذا بيانُ أنَّ الصَّحابةَ كانوا يَفْهَمونَ مَقاصِدَ كلامِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم .
ثُمَّ أخبَرَ أبو سَعيدٍ - رضي الله عنه -: أنَّهم كانوا يَصومُونَ معَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بعدَ ذلك في السَّفَرِ، وهذا يَدُلُّ على أنَّ النَّهيَ عنِ الصَّومِ في سَفَرِهم لفَتحِ مكَّةَ، لم يَنسَخِ جَوازَ الصَّومِ فيه؛ فالأمرُ مُرتبِطٌ بالقُدرةِ، وبالظُّروفِ الطَّارئةِ، وبما يكونُ في السَّفرِ منَ الحاجةِ إلى الإفْطارِ، وتحقيق المصلحة العامّة؛ ما يُجب الفِطر.

فوائد الحديث
- السَّفرُ ومُلاقاةُ العَدوِّ منَ الأُمورِ الَّتي تَحتاجُ إلى القوَّةِ الجَسديَّةِ، لتَحمُّلِ المَشاقِّ والصُّعوباتِ فيها؛ فلهَذا رُخَصِ بالإفْطارِ فيه، في شَهرِ رَمَضانَ، وفي أَثْناءِ الصِّيامِ.
- وفيه: أنّ التَّابِعين -رَحِمهمُ اللهُ- كانوا يَحرِصون على مَعرفةِ كلِّ شيءٍ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من أصْحابِه -رضي الله عنهم-، ويَسألونهم عمَّا أشكَل عليهم، وعن صِفةِ أفعالِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في جميع أحواله

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 24-02-2024, 10:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم


شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم

الشيخ: د. محمد الحمود النجدي

– باب: التّخْيِيرُ فِي الصَّومِ والفِطْرِ في السَّفَرشرح كتاب الصيام من مختصر مسلم – باب: التّخْيِيرُ فِي الصَّومِ والفِطْرِ في السَّفَر

عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ – رضي الله عنه - أَنَّهُ قَال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَجِدُ بِي قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -: «هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ، فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ؛ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ»، وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ – رضي الله عنه - قَال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، حَتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ، ومَا فِينَا صَائِمٌ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ. في الباب حديثان رواهما مسلم في الصيام (2/789-790)، وبوّب عليهما بمثل تبويب المنذري، وحديث أبي الدَّرْدَاءِ – رضي الله عنه -: رواه البخاري أيضاً في الصوم (1945).

في الحَديث الأول: أنَّ حَمزةَ بنَ عمْرٍو الأَسلميَّ – رضي الله عنه - سَأَلَ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: هلْ يَصومُ في السَّفرِ أو يُفطِرُ؟ فخيَّره النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بيْن الصِّيامِ والإفطارِ، وذلك بقولِه له: «هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ، فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ؛ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ». وفي رواية: «إنْ شِئتَ فصُمْ، وإنْ شِئتَ فأفطِرْ»، فالإفطارُ في السَّفرِ رُخصةٌ مِن اللهِ -عز وجل- لمَن وجَبَ عليه الصَّومُ؛ فمَن أخَذَ بها فحسَنٌ، ومَن لم يَأخُذْ بها فلا شَيءَ عليه، وقد كان حَمزةُ بنُ عمْرٍو الأَسلميُّ – رضي الله عنه - كَثيرَ صِيامِ التَّطوُّعِ، كما جاء في الصَّحيحَينِ أنَّه كان يَسرُدُ الصِّيامَ، أي: يُتابِعُه ويَأتي به مُتواليًا، باستِثناءِ الأيَّامِ المَنهيِّ عن صِيامِها، كالعيدينِ وأيَّامِ التَّشريقِ ونحوها.

السَّفرُ لا يَخْلو مِن المَشقَّةِ والسَّفرُ لا يَخْلو مِن المَشقَّةِ البَدنيَّةِ والنَّفسيَّةِ؛ ولذا خفَّفَ اللهُ -عز وجل- عن المُسافرِ، ورخَّصَ له في بَعضِ التَّكاليفِ، وقدْ كان رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وبَعضُ الصَّحابةِ يَأخُذونَ أنفُسَهم بالعَزيمةِ دُونَ الرُّخصةِ، ما وَجَدوا القوَّةَ لذلك؛ تَقرُّبَاً إلى اللهِ -عز وجل.
الحديث الثاني في هذا الحديثِ يَحكي أبو الدَّرداءِ – رضي الله عنه - أنَّهم خرَجوا مع النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في سَفرٍ في يَومٍ شَديدِ الحرارةِ، وكان ذلك في رَمضانَ، حتَّى إنَّ الرَّجُلَ منهم كان يَضَعُ يدَه على رأسِه يَتَّقي بها شِدَّةَ حَرارةِ شَمسِ ذلك اليومِ، وليس فيهم أحدٌ صائمٌ سِوى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وعبدِ اللهِ بنِ رَواحةَ – رضي الله عنه -؛ أمّا باقي الصَّحابةِ -رضي الله عنهم- فقد أخَذوا بالرُّخصةِ التي في قَولِ اللهِ -تعالَى-:


{وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (البقرة: 185). ومرّ معنا حديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ – رضي الله عنه - قَال: غَزَوْنَا مع رسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِسِتَّ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ، فَمِنَّا مَنْ صَامَ، وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ، فَلَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى المُفْطِرِ، ولَا المُفْطِرُ علَى الصَّائِمِ.

فطر النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره وقد ورَدَ أنَّ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أفطَرَ في بَعضِ أسفارِه، وعاب على الصَّائمينَ، إذا كان الصيام يفوت مصلحة أعظم، كما في صَحيحِ مُسلمٍ عنْ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ -رضي الله عنهما-: «أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خرَجَ عامَ الفتْحِ إلى مكَّةَ في رَمضانَ، فصام حتَّى بَلَغَ كُراعَ الغَميمِ، فصامَ النَّاسُ، ثمَّ دَعا بقدَحٍ مِن ماءٍ فرَفَعَه، حتَّى نَظَرَ النَّاسُ إليه، ثمَّ شَرِبَ، فقِيل له بعْدَ ذلك: إنَّ بَعضَ النَّاسِ قدْ صامَ، فقال: أولئكَ العُصاةُ، أولئك العُصاةُ»! فوَصَفَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الصَّائمينَ بالعُصاةِ؛ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - إذا أمَرَ أمرًا فيَجِبُ امتِثالُه، وهو تارةً يَأمُرُ بِمَقالِه، وتارةً يَأمُرُ بفِعالِه، فلمَّا أَفْطَرَ كان آمِرًا بلِسانِ الحالِ قاصِدًا بذلك الرُّخْصةَ؛ لِيَقْوَى بالفِطرِ على الجِهاد، فلمَّا رَغِبَ هؤلاءِ عن فِعلِه كانوا على غَايةِ الغَلَطِ؛ فلذلِك سُمُّوا عُصاةً مِن حيثُ إنَّ فِعلَهم ذلك تَجاوَزُوا فيه الشَّرْعَ.
ما يستفاد مِنَ الحديثين
1-الرخْصةُ بالفِطْر في السّفر؛ لأنّ السَّفر مظنّة المَشَقّة، قال -تبارك وتعالى-: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (البقرة: 185).
2- تخييرُ المَسَافر بين الصّيام والفطر في أثناء السّفر.
3- صحّة صوم رمضان للمُسافر، إذا كان يجد قوةً وقُدْرة على الصّيام، وهذا الحديث يدلُّ على هذا، فإنّ هذا الصّحابيّ كان كثيرَ الصيام، ما يدل على أنّه عليه يسير، وهو شابٌّ – رضي الله عنه - من شباب الصحابة، لأنه أسلم قبل الهِجرة بعشر سنين – رضي الله عنه -، ويجد قوة، ولذلك قال له النّبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنْ شِئْتَ فَصُم، وإنْ شِئْت فأفطر».
4- السَّفَرُ قِطعةٌ مِن العَذابِ، وهو مَظِنَّةُ التَّعَبِ والمَشقَّةِ؛ لذلِك خفَّفَ اللهُ -سُبحانَه وتعالَى- عنِ المُسافِرِ، ويسَّرَ عليهِ في الأحْكامِ الشَّرعيَّةِ، وقد كان بَعضُ الصَّحابةِ يَأخُذونَ أنفُسَهم بالعَزيمةِ دُون الرُّخصَةِ؛ تَقرُّباً إلى اللهِ -عز وجل.

5- قول النّبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنْ شِئْتَ فصُم، وإنْ شِئْت فأفطر». فقوله: صُم وأفطر: فعل أمْر، والأمْر فيهما للتخيير والإباحة.
6- وفيه: حِرْصُ صحابة النّبي - صلى الله عليه وسلم - على العِلم والفقه في الدّين، ليعملوا به، وسُؤالهم عمَّا يجهلون، منْ أمرِ الدِّين والدنيا.
7- وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إنْ شئْتَ فَصُم، وإنْ شِئت فأفطر» إثباتُ المَشيئة للعبد، وبُطْلان مذهب الجبريّة، القائلين بأنّ الإنسان لا مشيئة له.
8- وفيه فضيلة ومنقبة لهذا الصحابي الجليل: حَمْزة بن عمرو الأسْلمي – رضي الله عنه -، فعندَه جَلد وقوة على الصيام، وفيه حبٌ للخير، ومنْ دلالة حبّه للخير؛ أنّه كثيرُ الصيام، ولذلك في رواية مسلم قال: «إني رجلٌ أسْرُدُ الصّوم، أفأصُوم في السّفر؟»، فهذا يدلّ على حِرْص شبابِ الصّحابة على الصيام، وعلى التّقرّب لله تبارك وتعالى، والمسابقة في فعل الخيرات.
9- وفيه: تفاضلُ الناسِ في الأعْمال، والعِبادات والطّاعات، وأنّه يُفتح على شخصٍ ما لا يُفتح لغيره، فبعضُ الناس يُفتح عليه في الصّيام، وبعضُهم في القيام، وبعضُهم في القرآن والعِلم ونَشْره، وآخر في الجِهاد، ولذلك جاءت وَصَايا النبي - صلى الله عليه وسلم - مُتفاوتة بحَسْب تفاوت الناس، وقدراتهم وأحوالهم، ومنه هذا الصّحابي الذي كان كثير الصيام، ويجد – رضي الله عنه - قُدْرة على الصّيام.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #20  
قديم 25-02-2024, 11:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم


شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم

الشيخ: د. محمد الحمود النجدي

– باب: قَضَاءُ رَمَضَانَ في شَعْبَان


عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَال: سَمِعْتُ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- تَقُولُ: كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ؛ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلَّا فِي شَعْبَانَ. الشُّغْلُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. أَوْ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. رواه مسلم في الصيام (2/802) وبوب عليه بمثل تبويب المنذري. ورواه البخاري في الصوم (1950) باب: متى يُقْضى قَضاء رمضان؟
قولها: «كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ؛ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلَّا فِي شَعْبَانَ» تخبر أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنَّها يكونُ عليها أيَّامٌ مِن رَمَضانَ لم تَصُمْها، وذلك لعُذْرِ الحيضِ ونحْوِه، فما تَستطيعُ أنْ تَقضيَ ما فاتَها منه؛ إلَّا في شَعبانَ مِن السَّنةِ التاليةِ. وفي رواية: «قالت: إنْ كانتْ إحْدانا لتُفْطِر في زمان رسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، فما تَقْدِر على أنْ تَقْضِيه مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتّى يأتِي شعبان».
قولها: «الشُّغل»
بالألف واللام مرفوع، أي: يمنعني الشُّغُل برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتعني بالشغل، وبقولها في الحديث الثاني: «فما تَقْدِر على أنْ تَقْضيه» أنّ كلّ واحدةٍ منهنّ كانت مُهيئةً نفسَها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مُترصّدة لاسْتِمتاعه في جميع أوقاتها إنْ أراد ذلك، ولا تَدْري متى يُريده، ولمْ تَسْتأذنه في الصّوم مخافة أنْ يأذن، وقد يكون له حَاجة فيها فتَفُوتها عليه، وهذا مِنَ الأدب. قاله النووي.
صوم التطوع للمرأة وقال: وقد اتّفقَ العُلماء على أنّ المرأة لا يحلّ لها صَوم التّطوع وزوجُها حاضِر إلا بإذنه؛ لحديث أبي هريرة السابق في صحيح مسلم في كتاب الزكاة، وإنّما كانت تَصومه في شعبان؛ لأنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان يَصوم مُعْظمَ شَعبان فلا حاجةَ له فيهنَ حِينئذ في النّهار؛ ولأنّه إذا جاء شعبان؛ يضيقُ قضاء رمضان، فإنّه لا يجوز تأخيره عنه. وهذا مِن الأخْذِ بالرُّخصةِ والتَّوسعةِ؛ لأنَّ ما بيْن رَمَضانَ عامِها، ورَمَضانَ العامِ المُقبِلِ؛ كلّه وقْتٌ للقَضاءِ. وقدْ بيَّن الحافظ ابن حجر في الفتح: أنّ يَحيى بنُ سَعيدٍ الأنصاريُّ - وهو أحدُ رُواةِ الحديثِ- هو القائلُ أنَّ الَّذي كان يَمنَعُها مِن ذلك؛ هو الشُّغلُ بالنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، والمُرادُ مِن الشُّغلِ كما ذكرنا: أنَّها كانت مُهيِّئةً نفْسَها لرَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - واستِمتاعِه بها في جَميعِ الأوقاتِ، شَأنَ جَميعِ أزواجِه - صلى الله عليه وسلم - ورَضِيَ اللهُ عنْهنَّ. لكن قد يَرِد إشكال: وهو أنّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان له تِسْع نِسْوة، أي أنّ عائشة -رضِي الله عنها- تَسْتطيع أنْ تصوم في غير يومها. والجواب عنه: أنّ النّبي - صلى الله عليه وسلم - كان يَطوف على نِسائه في الليلة الواحدة، وله يومئذ تِسع نسوة. رواه البخاري ومسلم من حديث أنس - رضي الله عنه -، وأمَّا في شَعبانَ فإنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يَصومُ أكثَرَ أيَّامهِ، فتَتفرَّغُ إحداهنَّ لصَومِها، أو تَستأذِنُه في الصَّومِ؛ لِضِيقِ الوقتِ عليها، وربّما كان هذا في السّنوات الأُولى مِنَ الهِجْرة، قبل أنْ يزيدَ عددُ أمّهات المُؤمنين.

قَضاء رمضان ومذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد، وجماهير السلف والخلف: أنّ قَضاءَ رمضان في حق مَنْ أفْطَر بعُذْر كحيضٍ وسَفَر؛ يَجبُ على التّراخي، ولا يُشْترط المُبَادرة به في أوّل الإمْكان، لكنْ قالوا: لا يجوزُ تأخْيره عن شَعبان الآتي؛ لأنّه يُؤخّره حينئذ إلى زَمانٍ لا يَقْبله، وهو رَمضان الآتي، فصارَ كمن أخّرَه إلى المَوت. وقال داود: تجبُ المبادرة به في أولِ يومٍ بعدَ العِيد منْ شوال. وحديث عائشة هذا يَردُّ عليه.
المُبادرة للقضاء للاحْتِياط وقال الجُمهور: ويُسْتحب المُبادرة به للاحْتِياط فيه، فإنْ أخّرَه؛ فالصّحيح عند المُحَقّقين مِنَ الفُقَهاء وأهل الأصول: أنّه يجبُ العَزْم على فعله، وكذلك القولُ في جَميعِ الواجبِ المُوسّع، إنّما يجوزُ تأخيره بشَرط العَزْم على فعله، ولو أخّره بلا عَزم عَصَى. وقيل: لا يُشْترط العَزْم. وأجْمعوا أنه لو ماتَ قبل خُروج شعبان؛ لزمه الفِدْية في تَركته، عن كلّ يومٍ مُدّ مِنْ طعام، هذا إذا كان تمكّنَ مِنَ القَضَاء فلَمْ يَقْض، فأمّا مَنْ أفْطَر في رَمضان بعُذرٍ، ثمّ اتصلَ عَجْزه فلم يتمكّن مِنَ الصّوم حتّى مات، فلا صَومَ عليه، ولا يُطْعم عنه، ولا يُصام عنه. وقال النووي: ومَنْ أرادَ قضاءَ صَوم رمضان، نُدِب مُرتّباً مُتَوالياً، فلو قَضَاه غيرَ مُرتّب أو مُفرّقاً، جازَ عندنا وعند الجُمهور؛ لأنّ اسْم الصّوم يقعُ على الجَميع، وقال جماعة من الصّحابة والتابعين وأهل الظاهر: يجبُ تتابعه كما يجبُ الأداء.

حال من أخر القضاء وقال الحافظ: وَيُؤْخَذ مِنْ حِرْصهَا عَلَى ذَلِكَ فِي شَعْبَان، أَنَّهُ لا يَجُوز تَأْخِير الْقَضَاء حَتَّى يَدْخُلَ رَمَضَان آخَرُ اهـ. فإنْ أخّر القضاء حتّى دَخلَ رمضان التالي، فلا يَخلو مِنْ حالين:
  • الأولى: أنْ يكونَ التَّأخيرُ بعُذر، كما لو كانَ مَريضاً واستمرَّ به المَرَضُ حتّى دَخَلَ رمضانُ التالي، فهذا لا إثمَ عليه في التّأخير لأنّه مَعذور، وليس عليه إلا القَضَاء فقط، فيقضي عددَ الأيام التي أفطرها.
  • الحال الثانية: أنْ يكونَ تَأخيرُ القَضَاء دُون عُذر، كما لو تَمكّن مِنَ القَضَاء، ولكنّه لمْ يَقضِ حتّى دَخَل رمَضان التالي.
فهذا آثمٌ بتأخيرِ القَضَاء دُون عُذْر، واتفقّ الأئمّةٌ على أنّ عليه القَضاء، ولكن اخْتَلفوا: هل يجبُ عليه مع القَضَاء أنْ يُطْعم عن كلّ يومٍ مسكيناً أو لا؟ فذهب الأئمةُ مالك والشافعي وأحمد: أنّ عليه الإطعام مع القضاء. واستدلّوا بأنّ ذلك قد صَحّ عن ثلاثةٍ مِنَ الصّحابة -رضي الله عنهم-: أبي هريرة وابن عباس وابن عُمر، أنّه مَنْ فَرّط حتى يأتي رمضان آخر، فإنّه يَقْضي ويُطْعم. وذهبَ أبو حنيفة -رحمه الله- إلى أنّه لا يجبُ مع القَضَاء إطْعام، واستدلّ بأنّ الله -تعالى- لمْ يَأمر مَنْ أفْطر مِنَ رمضان إلا بالقَضَاء فقط، ولمْ يذكر الإطْعام، قال الله -تعالى-: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (البقرة: 185).

وهو اختيار البُخاري. انظر: «المجموع» (6/366)، «المغني» (4/400)، الفتح (4/190). كذا الحاملُ والمُرْضع: قال بعضُ أهلِ العلم: الحامل والمُرضع يُفْطِران ويَقضيان، ويُطعمان، وبه يقول سُفيان ومالك والشافعي وأحمد، وقال بعضُهم: يُفطِران ويُطعمان، ولا قضاءَ عليهما؛ فإنْ شاءَتا قضَتَا، ولا إطعامَ عليهما، وبه يقول إسحاق، وعن أنس بن مالك الكعبي: أنّ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنّ الله وَضَعَ عن المُسَافر الصّومَ وشَطْرَ الصّلاة، وعن الحُبْلَى والمُرضِع الصّومَ». رواه الخمسة، قال الترمذي: العمل على هذا عند أهل العلم. تنبيه - لا يجوزُ الفِطْر في القَضَاء بغيرِ عُذر: لأنّه صيامٌ واجب، قال شيخُ الإسْلام ابن تيمية: «وإذا شَرَعت المَرأةُ في قَضَاء رَمَضان، وجَبَ عليها إتْمامُه، ولمْ يكنْ لزوجها تَفطيرُها، وإنْ أمَرَها أنْ تُؤخِّر القَضَاء قبلَ الشُّروع فيه، كان حَسَناً لحديث عائشة». انتهى «الاختيارات» (1/ 460).

فوائد الحديث
  • أنّ القَضَاء مُوسّع، ويصير في شعبان مُضيقًا، بِحَسب عدد الأيام.
  • والصِّيامُ رُكْنٌ مِنْ أرْكانِ الإسلامِ، وقد بيَّنَ القُرآنُ الكريمُ مُجمَلَ أحكامِ الصِّيامِ، وفصَّلَتْها السُّنةُ النَّبويَّةُ، ومنه: بيان وضْع الصيام عن الحائضِ أيام حَيْضها؛ فالمَرأةَ إذا حاضَتْ في رَمَضانَ، فإنَّها لا تَصومُ فتْرةَ حَيضِها حتَّى تَطهُرَ، وتَقْضي ما فاتَها في أيَّامِ أُخَرَ، كما في هذا الحديثِ.
  • وجُوبُ القَضَاء على الحائض بعد الطّهارة منَ الحَيض، وكذا أصْحابِ الأعذارِ في قَضاءِ ما فاتَ مِن صِيامِ رَمَضانَ.
  • جوازُ تأخير قَضاء رَمضان مُطلقًا، سواءً كان لعُذر أم لغَير عُذر، وهذا منْ تَيسيرِ الإسلامِ وتَوسعتِه.
  • عدمُ وجُوب الفِدية لتأخيره، ما دام القضاءُ قبلَ رمَضان التالي.
  • الإشارة إلى عِظَم حَقّ الزّوج في العِشْرة والاسْتمتاع والخِدْمة، وأنّه يقدّم على سائر الحُقُوق، ما لمْ يكنْ فَرْضاً مَحْصوراً في الوقت.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 202.78 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 196.88 كيلو بايت... تم توفير 5.89 كيلو بايت...بمعدل (2.91%)]