الصمت ملاذ العالمين - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الصراع مع اليهود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 37 )           »          الوقـف الإســلامي ودوره في الإصلاح والتغيير العهد الزنكي والأيوبي نموذجاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          أفكار للتربية السليمة للطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          لزوم جماعة المسلمين يديم الأمن والاستقرار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          منهجُ السَّلَف الصالح منهجٌ مُستمرٌّ لا يتقيَّدُ بزمَانٍ ولا ينحصِرُ بمكانٍ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 38 - عددالزوار : 1198 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 72 - عددالزوار : 16921 )           »          حوارات الآخرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 17 )           »          الخواطر (الظن الكاذب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          الإنفــاق العــام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر > من بوح قلمي

من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30-09-2020, 12:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,025
الدولة : Egypt
افتراضي الصمت ملاذ العالمين

الصمت ملاذ العالمين


محمد صادق عبدالعال





أنى يكون هذا؟!




فما ينبغي الصمت إلا لمَن لا يَدري خبرًا، أو يعلم نبأ، أو لا يعي مواطنَ المَعارف، ومجاهلَ المَفاوز؛ حتى يقال عنه بأنه عالم، وأن كلامه مُصدَّق وله أسانيد، وحتى لو تحقَّقت تلك الشروط؛ فإنَّ صِدقَ كلامِه غير مُطلَق، فما من حديث أصدق من كلام رب العالمين، والصادق المعصوم الأمين - صلى عليه ربى وسلم.



وما دامت الشروط مُلزِمة للأنام ومرتبِطة بمعايير وصدْق الراوي صاحب العُهْدة، كان لزامًا علينا أن نلزم الصمت كثيرًا، ونتفنَّن في كيفية اتِّخاذه ركنًا حصينًا للبعد عن مواطن الفِرية وجَني الذنوب التي نهش وقت حصادها متى اقترفت، وعلينا جُمِعت، ولا يَظلِم ربك أحدًا.



ولنُسلِّم بعض الوقت أن الصمت حِرْفةٌ، فلنمتَهِنها كمِهنة تَدُرُّ علينا المكاسب، وتَحجُب عنا الخسائر الفوادح وما نُبالِغ، وما يدفع اليوم بكلمة طيبة، أو التزام الصمت، فغدًا لا تنفَعُ معه الجبال من الذهب ولا التلال القناطير المُقَنطرة، وما رأى النبي الكريم في حادثة الإسراء والمعراج من مشاهد خير شاهد على عظمة الذنب.



ولكوننا في زمانٍ صارت فيه الفتنُ كقِطَع الليل المُبهَم يُمسي الناس بحال غير ما أصبحوا عليه، فعليك لسانك فاشدُد عليه حتى لا تقع في مجاهل الفِرى ومنافِذ الشرور، وتكون كمَن قال عنهم الرسول: ((كفى بالمرء كذبًا أن يُحدِّث بكل ما سمِع)).



وإذ لم تَجزِم بأنه آية، فَهب أنه كذلك، ولو لحين من الوقت، والتسرع في الجدال مِعوَل للهدم أكثر منه للبناء، أو قل: إنه حِرْفة الصمت التي تتطلَّب صاحب القلب السليم، والعقل الراجح ذا الأناة، واللسان العفِّ غير المُطلَق بلا داعٍ، يلسع ويَلدَغ وما يعود لجُحرِه إلا بعد أن يستوفي يومه ويدنو ميعاد نومه، وساعتَها نقول مقولة العامة: "نوم الظالم عِبادة".



الصمتُ مِن سمتِ النبيِّين وأخلاق الصالحين، وكبح جماح اللسان زكاة للنفس وعلوٌّ لشأنها بين الناس وعند ربِّ الأرباب، ولا يَضير الصامت العفَّ مِن الجُهال الظنُّ بأنه ضعيف غير قادر على الردِّ والصدِّ، فالصدِّيق أبو بكر، لما رد على سفيه يُهينه، ترك النبي الكريم المجلس، وقال: ((كان الملَكُ يردُّ عنك أبا بكر))، والأمثلة من الكتاب والسنَّة كثيرة، وما تعاظَمَ أمرٌ في الشريعة إلا بتعدُّد الكلام فيه؛ فرسول الله قد وصى زيد بن ثابت وقال: ((أمسِكْ عليك هذا))، وحديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: ((طوبى لمن ترك المراء ولو كان محقًّا))؛ لما في الترك من راحة، وفى الجدال من عنت وتعكير لصفاء النفوس وتُقى القلوب، ولئن تدع وتذر ما في قلبك تجاه الآخرين، لا تُبديه، خير من أن تلقيه إليهم على سواء فيَمقتوك وتُتَّهم بالحاقد أو الحاسد، وما أنت بالذي يَصِفون، إن أنتَ إلا غاضبٌ غلبك الغضبُ، وإنَّ اللهَ قادر على أن يُذهِب غيظ قلبك وتنقية سريرتك من عبث الشياطين.



وأقول لنفسي قبل القارئ - فما أنا بمقام الواعظ غير أنى مشارككم حالي وحال كثيرين مثلي - وسائل نفسي وإياكم عن محامد الصمت ومناقب القناعة، وكلامي ما دام لا يُغني ولا يُسمِنُ مِن جوع فلماذا أتكلم وأُقدِّم طبقًا من حسنات لعدوِّي ويذر من موبقاته علي؛ فما أنا بمن حافظ على رقم إيداعه للحسنات ولا بمَن سعى في محو السيئات؟!




وإنَّ للصمت لفوائدَ جمَّة لا يُدرِكها غير الكيِّس الفَطِن الذي شأنه من الناس التحوُّل والتغيُّر والتناوُب على ذي المَحامد متى انكَسروا، وأصحاب المقامات الرفيعة وقتَما انحسروا في أضيق المكامِن بعدما كانت كل الأماكن لهم مراتع ومراحب؛ فصار كظلٍّ لمَن يُظلُّه وعبدٍ لمن يُقلُّه سفينة النجاة؛ ظنًّا منه أنها النَّجاة، وما مِن ناج ولا هالك إلا بأمر الإله.



والصمت يقطَع على الحَمقى سبُل الإعياء للطيبين، والنَّيل من النبلاء الطيِّبين؛ فيَموتون غيظًا ويمرُّ الكرام عليهم مرورًا وصفَهم إياه ربُّ العالمين بقوله: ﴿ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾ [الفرقان: 63].



والصمتُ مِن سمْت النبيِّين، وشمائل الطائعين؛ فما أوتي نبيُّ الله زكريا آيةً أعظم من ثلاث ليال لا يُبِين ولا يكلم الناس، والصمتُ من الصبر الجميل، والصبر آية والصمتُ من آلائه الجميلة.



وصمتُ العارفين عبادة، وكلامهم طاعة إذا قطعوا العلائق التي تَشين فصُفيت نواياهم، وخَلُصت دُنياهم، ولا يخشى عليهم من الفتنة إلا بكونهم أحياء غير أموات، هذا ما كان من صمت العارفين والأولياء، وأصاب الشاعر حين قال:



فيا خبيرًا على الأسرار مطّلعًا

اصمت ففي الصمت منجاة من الزلل






ونحن نحتاج للصمتِ لإنجاز العمل، وتجديد الأمل؛ لأننا بشرٌ مَنوطٌ به استعمار الأرض وإخراج ما تحويه بطونها من خيرات، وكبح جماحِ الألسن الكثيرة المُتطرِّفة غير الجديرة بأن تتكلم، ومنع كلام يثير الفتن خير من إفشائه فيضير ويُغيِّر النفوس ويُعطِّل سفائن التقدُّم والرقي.



وإني لأرى الرجلين يتراشقان بالكلمات، مؤيد لفريق ومُناهِض على نفس الطريق، يتباريان تباري القرنَين وتساجل الخصمين، كما قالت العرب قديمًا، ولربما كانا بني عمومة أو جيران نُزلٍ ودار فيذهب الودُّ ذهاب اليابس مع الرياح.



فعُدْ أيها اللسان أدراجك، والزم بوابتين خلقهما الله كرامةً لك، وسماعتين عن يَمين وشمال، تتريث في السماع والاطِّلاع، وعينين كاشفتين تزيغ إحداهما فتَستبصِر الأخرى، وفوق كل هذا قلب بين الضلوع يكنُّ ما يكنُّ، ويظهر ما يظهر، فلا تكن فاضحًا لما يُهينه قدر ما يجب أن تكون ناشرًا لما يزينه وينعته بالسليم، وعقل يزن الكلام بميزان الصدق ومكايل الرجاحة والفطنة، فما وجد أن في امتناعه فائدة، نبّهك لمنعه، وما وجد أن إخراجه يرد حقًّا أو يُدلي بشهادة تُنقذ بريئًا أو تذكُر فضلاً، أوعز إليك أن تنطلق انطلاقًا غير مذموم، وما أبرئ نفسي مما أقول، ولكني أسأل الله العليَّ القدير أن يهَبَنا قلبًا نقيًّا وعقلاً راجحًا، ولسانًا عفيفًا، فإن كان القلب على تحوُّل وتغيُّر أوحى إليه العقل بدرء المفاسد، ولسان يصدق على المحامد، والله خير شاهد على ما قدمتُ، وسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون، وألسنتكم رطبة بذكره وشكره وحمده، وعلى الله قصد السبيل.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 54.29 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 52.50 كيلو بايت... تم توفير 1.78 كيلو بايت...بمعدل (3.28%)]