وقفات مع قصة يوسف -عليه السلام - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الدروس المستفادة من غزوة حنين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          من أسالبيب التربية النبوية : الدعاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          العلم والأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          أخطاء وعثرات الأقلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 212 )           »          يا أختاه لا تكوني معولاً يهدم به الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 2192 )           »          فضائل قراءة سورة الكهف : كل الأحاديث الصحيحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          الاستعداد لمرحلة الشيخوخة ومعاناة كبار السن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          المعاصي تمحق بركة العمر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4525 - عددالزوار : 1161321 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-04-2023, 10:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 137,996
الدولة : Egypt
افتراضي وقفات مع قصة يوسف -عليه السلام

وقفات مع قصة يوسف -عليه السلام (1)
قصة كفاح نبي للاقتداء والتطبيق




قصة يوسف -عليه السلام-، تحكي معاناة نبي من أنبياء الله -تعالى- وتعرضه لصنوف من المحن والابتلاءات، محنة كيد الإخوة، ومحنة الخوف والترويع في قعر الجب، ومحنة الرق والعبودية، ومحنة الإغراء وسطوة الشهوة في بيت امرأة العزيز، ومحنة السجن بعد رغد العيش في القصر، ثم محنة النصر والتمكين وهو يتحكم في أقوات الناس، وفي يده خزائن طعامهم، وأخيراً محنة المشاعر الإنسانية وهو يواجه إخوته الذين ألقَوه في الجب، وكانوا السبب المباشر لكل هذه المحن والابتلاءات التي تعرض لها، ولنا مع هذه القصة وقفات نستعرضها من خلال هذه السلسلة.
وردت قصة يوسف -عليه السلام- في القرآن الكريم فيما يزيد على مائة آية متصلة، تسلسلت الآيات في عرض أحداثها بطريقة مشوقة وسهلة وهادفة، تضع الأحداث في سياق مترابط ومتكامل، يحرك مشاعر القارئ، ويأخذ بتلابيب قلبه، والسورة مكية، نزلت في تلك الفترة الحرجة من حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة الذين كانوا معه في مكة، ففي الوقت الذي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعاني فيه الوحشة والغربة بعد موت زوجته خديجة -رضي الله عنها- وعمه أبي طالب، نزل القرآن في تلك الحال؛ ليقص على النبي الكريم قصة أخيه يوسف -عليه السلام- وهو يعاني صنوفا من المحن والابتلاءات.
واقع الإنسان والبيئة والمجتمع
وقد جسدت هذه القصة واقع الإنسان والبيئة والمجتمع بدقة وواقعية، ومن ثم تصلح القصة نموذجا لبيان حال الإنسان، وهو يخوض رحلة اكتشاف الذات، ثم تأمُّل ردود أفعاله وهو يواجه مشكلات الحياة بقسوتها وتقلبها وعنفوانها.
طبيعة النفس البشرية
لم تكتف القصة بذلك، بل كشفت لنا طبيعة النفس البشرية بكل أهدابها وكهوفها ومغاراتها، وأثبتت أن النفس كالوعاء يمتلئ بما يملؤه به صاحبه، فعرضت صورا من نقاء النفس البشرية، وكيف يمكن أن تكون زكية طاهرة، وعرضت كذلك صورا أخرى مضادة لذلك النقاء، لتبقى التباينات والتناقضات ما بقيت الحياة، ولا يملك سليم الفطرة مستقيم السلوك إلا الانجذاب التام للنماذج الطاهرة، والنفرة الكاملة من النماذج المضادة.
البطل الرئيس للقصة
أما البطل الرئيس للقصة، فهو شاب يافع، بدأت معنا السورة بذكر تجربته منذ أن كان طفلاً صغيراً، ولم تتركنا إلا وهو وزيرٌ مرموقٌ، وكانت الأحداث الأكثر سخونة في حياته تتركز في فترة عنفوان شبابه، وهي المرحلة التي تعرض فيها لأكبر فتنة من الممكن أن يتعرض لها شاب في حياته، وهي فتنة إغراء زوجة مسؤول كبير، عرضت نفسها عليه في ظروف استثنائية، واحتياطات مُحْكَمة، تجعل الوقوع في وحلها أسهل ما يمكن.
مشكلات معقدة
وقد تعرض نبي الله يوسف -عليه السلام- لمشكلات معقدة منذ نعومة أظفاره، لكن ما لبث أن خرج منها متصفا بشخصية سوية، متزنة، هادئة، إيجابية، تنشر الخير والجمال، وتلتزم بالعفة والنقاء، وتعطي المجتمع أفضل ما لديها، في الوقت الذي حرمها المجتمع من أبسط حقوقها، فكان من الممكن أن يثأر البطل لنفسه، وينتقم ممن أساء إليه، لكنه لم يفعل، رغم أن خصومه كانوا سبباً لكل بلاء وشقاء تعرض له في حياته.
معاناة مكتملة الأركان
فهل رأيتم معاناة مكتملة الأركان، متنوعة الألوان، مثل المعاناة التي تعرض لها ذلك البطل، وحتى لا يتسرب اليأس والإحباط إلى قلوبنا، يجب ألا ننسى أن هذا البطل المبتلى، هو نبي مصطفىً من الله -عزوجل-، والله يحب أولياءه وأنبياءه، ولا يرضى لهم أن يتألموا أو يتعرضوا للإيذاء، ولكن أحيانا يكون القليل من الألم موصلا للمزيد من النعم، ولله في ذلك حكم عديدة، يسهل إدراكها بقليل من التأمل، ومن هذه الحكم ما عبر عنه القرآن بلفظ التمايز، قال -تعالى-: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}.
الكريم ابن الكريم
هذا الشاب البطل هو نبي الله يوسف -عليه السلام- الذي وصفه نبينا -[ في حديث ابن عمر عند البخاري بقوله-: «الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم»، وعن أبي هريرة -]- قال: سُئل رسول الله -[-، أي الناس أكرم؟ قال: «أكرمهم عند الله أتقاهم» قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: «فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله» قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: «فعن معادن العرب تسألوني؟» قالوا: نعم. قال «فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا».
الواقعية في أعمق صورها
والمتأمل في هذه القصة يجد أن الواقعية تتفجر منها بطريقة ظاهرة لا مثيل لها، فمن إحدى جوانب الواقعية المهمة في هذه القصة أنها تقلبت بين معاني الفرح ومعاني الحزن، وغيرها من المعاني، التي يجب أن يعيَها الشباب عن حقيقة الدنيا، بأنها لا تستقيم لأحد على حال، ومن الطبيعي أن تتأرجح فيها ظروف الإنسان النفسية والاجتماعية والمادية، فالدنيا ليست دار نعيم حتى يسلم الإنسان فيها من وقوع المصائب والمتاعب، ولكن المحك: هو أن ينجو الإنسان بنفسه وسط هذه الأعاصير ليصل إلى بر الأمان، دون أن تؤثر فيه المصائب بالسلب فتوقعَه في الجحود والنكران، أو تؤدي به إلى التذمر والتمرد على القدر، ودون أن تؤثر فيه النجاحات بالسلب أيضاً، فينسي نعمة ربه ويغتر في نفسه، ويظن أن القوة والحول بيده.
قصة كفاح قابلة للتطبيق
إن قصة كفاح نبي الله يوسف -عليه السلام- قابلة للتطبيق وصالحة للاقتداء، وقصة نجاح يوسف -عليه السلام- تكمن في سر تفوقه في أنواع من العلوم لم يتعلمها في جامعة، ولم يدرسها في أكاديمية، ولكن الله علمه إياها من لدنه؛ مكافأة له على صبره واعتصامه وتوكله، فقد اجتهد الشاب فيما هو متاح لديه، فأنعم الله عليه بأنواع من العلوم والمهارات والمعارف، مكنته من النجاح في الحياة العملية، بما عجز عنه رجال الدولة وأساطين الحكم.
وقد بدأت القصة بالرؤيا التي قصها يوسف على أبيه، فينبؤه أبوه بأنه سيكون له شأن عظيم، وينصحه بألَّا يقصها على إخوته؛ كي لا يثير حسدَهم فيغريهم الشيطان به فيكيدوا له، ثم تسير القصة بعد ذلك، وكأنما هي تأويل للرؤيا ولما توقعه يعقوب من ورائها، حتى إذا اكتمل تأويل الرؤيا في النهاية، أنهي القرآن سياق القصة.


أحمد الشحات





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 27-09-2023, 06:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 137,996
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات مع قصة يوسف -عليه السلام

وقفات مع قصة يوسف -عليه السلام (2)
المشهد الأول: يوســـف عليه السلام في بيت أبيه


قصة يوسف -عليه السلام- قصة تحكي معاناة نبي من أنبياء الله -تعالى- وتعرضه لصنوف من المحن والابتلاءات، محنة كيد الإخوة، ومحنة الخوف والترويع في قعر الجب، ومحنة الرق والعبودية، ومحنة الإغراء وسطوة الشهوة في بيت امرأة العزيز، ومحنة السجن بعد رغد العيش في القصر، ثم محنة النصر والتمكين وهو يتحكم في أقوات الناس، وفي يده خزائن طعامهم، وأخيراً محنة المشاعر الإنسانية وهو يواجه إخوته الذين ألقَوه في الجب، وكانوا السبب المباشر لكل هذه المحن والابتلاءات التي تعرض لها، ولنا مع هذه القصة وقفات نستعرضها من خلال هذه السلسلة.
بدأت فصول هذه القصة برؤيا رآها يوسف -عليه السلام-، ورؤيا الأنبياء وحي، إلا أن يوسف وقتها كان صبيا صغيرًا لم يوح إليه بعد، ولكنها رؤيا صادقة تأولها له أبوه يعقوب -عليه السلام- بأن الأحد عشر كوكبا كناية عن إخوته، وكانوا أحد عشر رجلا سواه، والشمس والقمر كناية عن أبيه وأمه، وقد وقع تفسيرها بعد عقود عدة من السنين، وذلك حين رفع أبويه على العرش، وإخوته بين يديه وخروا له سجدا، وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا.
لا تقصص رؤياك على إخوتك
وحينما حكى يوسف هذه الرؤيا لأبيه فهم أنها تعنى خضوع إخوته له، وتعظيمهم إياه تعظيما زائدا؛ بحيث يخرون له ساجدين إجلالا واحتراما وإكراما، فخشي يعقوب -عليه السلام- أن يحدِّث بهذا المنام أحدا من إخوته فيحسدوه على ذلك، ويبغوا له الغوائل حسدا منهم له، ولهذا قال له: {لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا}، أي يحتالوا لك حيلة يُرْدُونك فيها، ولم ينس يعقوب -عليه السلام- أن يعلم ولده الصغير درساً في شكر نعمة الله والدينونة له بالفضل؛ فبشره بأن الله سيختاره ويصطفيه لنبوته ويعلمه من تأويل الرؤى.
إخوة يوسف
وإخوة يوسف الأحد عشر كانوا مِن أمٍّ غيرِ أم يوسف، بينما يوسف وأخوه بنيامين كانا من أم أخرى، وقد جلس إخوة يوسف ذات مرة يتناجون فيما بينهم، أن أباهم يفضل يوسف وأخاه بنيامين عليهم في المعاملة وهم العصبة، أي: الجماعة، ولم يتركوا لأنفسهم فرصة للبحث عن إجابة شافية لهذا الاستشكال، فربما يكون ظنهم خطأ، وربما يكون قد صدر منهم - رغم أنهم الأكثر عدداً - ما يوغر صدر أبيهم عليهم أو غيرها من الأعذار التي من المفترض أن يتباحثوها إذا توفر لديهم الإنصاف والرغبة الصادقة في الوصول إلى الحقيقة.
حلول إجرامية
ولكن العجب أنهم تجاوزوا كل ذلك، وانتقلوا مباشرة للحديث عن حلول إجرامية للمشكلة التي يعانون منها، فمنهم من اقترح قتل يوسف، ومنهم من اقترح إلقاءه في أرض بعيدة يهلك فيها أو يضيع، وأمثلهم طريقة - وليست بمُثلى - من اقترح أن يلقوه في قعر بئر مظلم، وكأنه جمع بهذا الاقتراح بين إبعاده عن أبيه مع عدم التورط في جريمة قتل لصبي صغير كما كان يقترح إخوته.
رسائل من قلب الحدث
تتجلي في هذا المشهد من القصة معانٍ عدة أساسية، أبرز القرآنُ ملامحَها من خلال الآيات، فتجد إشارة عن القرآن وعن منزلته، وإشارة عن القصص القرآني وهدفه، وإشارة إلى الأمراض القلبية التي تعتري النفس البشرية وتفسد عليها علاقتها بربها، ثم إشارة إلى نوع من المشكلات التي من الممكن أن تنشأ داخل البيوت، وبين أفراد الأسرة الواحدة، وأنه رغم روابط الدم والقرابة بين الإخوة إلا أن البعد عن الله، والوقوع في أسر الهوي والشيطان، قد يمزق هذه الروابط، ويهدم هذه الوشائج.
عداوة الشيطان
إلا أن المعني الأبرز في هذا المقطع من السورة يتمثل في إرشاد البشر إلى عداوة الشيطان لهم، وقد عبر القرآن عن هذه العداوة بالمعنى المباشر الواضح في قوله {إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ}، فهذه حقيقة ثابتة من حقائق الحياة الدنيا، مهما غفل عنها الغافلون، أو تناساها المفرطون، ثم أردف القرآن هذه الحقيقة بأخرى لا تقل عنها أهمية، وهي أن الشيطان هو المحرك الأول لكل المعاصي والجرائم التي يرتكبها الإنسان، فتسلطه عليه من خلال الوسوسة يفسد عليه قلبه وعقله، وهنا ترى من خلال القصة أنه تسلَّط على إخوة يوسف بتزيين علاقة أبيهم بولده الصغير على أنها تمييز واضح، وظلم بين؛ مما تسبب في وقوع الغيرة والحسد في قلوبهم، هذه الغيرة أسلمتهم إلى التفكير في قتله والتخلص منه، ولأن هذه نتيجة قبيحة وسيئة وترفضها الطباع السوية، أوقعهم في الأماني والغرور بأنهم سيتوبون بعد الانتهاء من الجريمة تحت غطاء حسن الظن بالله والأمل في عفوه.
ملامح النفسية الإبليسية
من هنا كان التعرف على ملامح النفسية الإبليسية ومحاولة سبر أغوارها مطلبا مهمّا، وعاجلا لكل إنسان يسير على ظهر هذه الأرض؛ وذلك لأن الشيطان هو العدو اللدود للإنسان، فما دام في المرء نَفَس يتردد، فإن الشيطان متربِّص له، مستعد للوثوب عليه؛ لذا فلا يليق بعاقل أن يغفل عن طبيعة عدوه، أو يجهل طريقة مَكْره، وإلا فسيقع فريسة سهلة في حبائل خداعه وكيده.
طبيعة نفوس الشياطين
كما أن هذه المعرفة تزداد أهميتها وتتعاظم كلما كان الإنسان من أهل الإيمان والإسلام؛ لأن الشيطان قد فرغ من الكفار دفعة واحدة؛ وذلك بإخراجهم من عبودية الرحمن إلى عبوديته مباشرة، وما ألطف تعليق ابن عباس -رضي الله عنه- عندما ذُكر له أن اليهود تزعم أنها لا توسوس في صلاتها، فقال: وما يصنع الشيطان بالقلب الخراب؟!
وفي دراسة طبيعة نفوس الشياطين فائدة كبيرة وهي: أنها تسهل طريقة التعرف على أوليائه من الإنس، وتيسر طرائق الاهتداء إلى مكرهم وفسادهم، ومن ثمَّ معرفة وسائل مواجهتهم، خصوصاً وأن بعض الناس قد يبتليهم الله بأمراض قلبية هي من جنس أمراض إبليس، وعندها سيكون إيمان هؤلاء على خطر عظيم إذا لم يتداركوا أحوالهم، ويبذلوا الوسع في تهذيب نفوسهم.
صفات إبليس
ثم إن القرآن أفاض في ذكر صفات إبليس، وأفرد مساحة واسعة لفضح هذه النفس الخبيثة والتحذير منها، فالشيطان هو داعية الفساد والفجور الأول، قال -تعالى-: {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} (الأعراف:27).
نشر العداوة بين المؤمنين
وهو يسعى دائماً لنشر العداوة بين المؤمنين، قال -تعالى-:- {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرّواْ لَهُ سُجّدَاً وَقَالَ يا أَبَتِ هَـَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَيَ إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نّزغَ الشّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِيَ إِنّ رَبّي لَطِيفٌ لّمَا يَشَآءُ إِنّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (يوسف:100).
إيذاء المؤمنين وإيقاع الضرر بهم
كما أنه يحرص على إيذاء المؤمنين، وإيقاع الضرر بهم، قال -تعالى-: {إِنّمَا النّجْوَىَ مِنَ الشّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الّذِينَ آمَنُواْ وَلَيْسَ بِضَارّهِمْ شَيْئاً إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (المجادلة:10). وقال -تعالى-:{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيّوبَ إِذْ نَادَىَ رَبّهُ أَنّي مَسّنِيَ الشّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} (ص:41).
يُمنّي الإنسان ويغرر به
ومن جرائمه مع الإنسان أنه يمنيه ويغرر به، قال -تعالى-: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشّيْطَانُ إِلاّ غُرُوراً} (النساء:120). وقال -تعالى-: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ في الأمْوَالِ وَالأوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشّيْطَانُ إِلاّ غُرُوراً} (الإسراء:64).
الخيانة والغدر بالإنسان
ومن صفاته الدنيئة الخيانة والغدر بالإنسان، قال -تعالى-: {وَقَالَ الشّيْطَانُ لَمّا قُضِيَ الأمْرُ إِنّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقّ وَوَعَدتّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مّن سُلْطَانٍ إِلاّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوَاْ أَنفُسَكُمْ مّآ أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيّ إِنّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنّ الظّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (إبراهيم:22).


اعداد: أحمد الشحات




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



مجموعة الشفاء على واتساب


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 68.48 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 66.35 كيلو بايت... تم توفير 2.13 كيلو بايت...بمعدل (3.11%)]